القبض على صدام

42743‏السنة 127-العدد2003ديسمبر16‏22 من شوال 1424 هـالثلاثاء

أسرار الساعات الأخيرة لاعتقال الرئيس العراقي المخلوع
قال للأمريكيين لحظة اعتقاله‏:‏ لا تطلقوا النار‏..‏ أنا رئيس العـراق وأريد التفاوض‏!‏

واشنطن ـ خالد داود ـ بغداد ـ وكالات الأنباء‏:‏
الجنرال رايموند اوديرنو قائد الفرقة الرابعة مشاة الامريكية يشرح تفاصيل عملية اعتقال صدام بالخرائط ويظهر فى الصورة صندوق يحتوى على 750 الف دولار عثر عليه داخل المخبأ
كشف مسئولون عسكريون أمريكيون عن التفاصيل الكاملة لعملية إلقاء القبض علي الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين والمعلومات التي قادت إلي مخبئه في حفرة في منزل ريفي في بلدة الدوار العراقية علي مرمي البصر من القصور الفخمة التي كان يستخدمها في مسقط رأسه في تكريت‏,‏ وقال المسئولون‏:‏ إن صدام حسين لم يبد أي نوع من المقاومة‏,‏ وانه حاول التفاوض علي عكس توقعات الجنود الأمريكيين الذين كانوا قد استعدوا لمقاومة شرسة‏,‏ وفي تصريحات نقلتها مجلتا تايم ونيوزويك الأمريكيتان أمس قال المحققون الأمريكيون‏:‏ إن صدام حسين لم يكن متعاونا وإن كان خائفا خلال جلسة التحقيق المبدئية معه التي نفي خلالها امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل‏,‏ مشيرا إلي أن الولايات المتحدة اختلقت ذلك لتبرير الحرب ضد العراق‏,‏ ويركز المحققون في تحقيقاتهم الآن علي حقيبة عثر عليها في مخبأ صدام احتوت خطابا من أحد قادة المقاومة في بغداد يمكن أن يؤدي إلي الكشف عن قادة المقاومة فيما يعرف باسم المثلث السني‏.‏
ووفقا للأقوال التي أدلي بها المسئولون العسكريون أمس في الموقع نفسه الذي عثر فيه علي صدام يوم السبت الماضي بعد تأمينه‏,‏ ووسط مشاعر البهجة والارتياح الغامرة بتحقيق أحد الأهداف الرئيسية للحرب ضد العراق‏,‏ تبين أن قوات العمليات الخاصة بالاشتراك مع الفرقة الرابعة مشاة هي التي نفذت عملية إلقاء القبض علي صدام بعد ثلاث ساعات من تلقيهم معلومات جديدة عن مخبأ صدام من مواطن عراقي مقرب من أسرة وعشيرة صدام حسين كان قد ألقي القبض عليه يوم الجمعة الماضي وتم إحضاره إلي تكريت للتحقيق معه صباح السبت‏.‏

وقال الميجور جنرال رايموند أوديرنو قائد الفرقة الرابعة مشاة الأمريكية‏:‏ إن العملية جاءت نتيجة مجهود مشترك للمخابرات والقوات المسلحة ووكالة المخابرات الدفاعية ووكالة المخابرات المركزية والقوات الخاصة والفرقة الرابعة مشاة ووحدة خاصة تعرف باسم قوة العمل‏121.‏
وأوضح أوديرنو أنه خلال الأسبوعين الماضيين تم إلقاء القبض علي أشخاص علي صلة بمساعدين لصدام وحراس شخصيين له اعتقد الأمريكيون أنهم ساعدوا الرئيس المخلوع علي الانتقال من مخبأ إلي آخر‏,‏ وساعد ذلك علي الاقتراب من الدائرة الداخلية‏.‏ وأضاف أوديرنو أنه في يوم الجمعة الماضي تم اعتقال مواطن عراقي لم يتم الكشف عن هويته في بغداد اقتيد بعدها إلي تكريت صباح السبت‏,‏ وقال أوديرنو‏:‏ إن هذا الشخص أعطاهم خلال الاستجواب معلومات جديدة قادتهم إلي أشخاص جدد ومواقع جديدة‏.‏

وأوضح قائد الفرقة الرابعة أن الضباط المكلفين بالعملية كانوا يعلمون أنهم في طريقهم إلي الإمساك بصيد ثمين‏,‏ لكنهم لم يكونوا متأكدين من أنه صدام حسين‏,‏ وقامت القوة بتطويق منطقة مساحتها كيلومتران مربعان قرب قرية الدوار علي بعد‏15‏ كيلومترا من مدينة تكريت علي نهر دجلة‏.‏
وقال أوديرنو‏:‏ إنه سبق للقوات الأمريكية أن مرت بهذه المنطقة قبل ذلك لكن صدام حسين كان يتحرك بشكل دائم فيما بين‏20‏ و‏30‏ مخبأ في أنحاء البلاد‏.‏ وأضاف قائلا‏:‏ إن مزارعا عراقيا أرشدهم إلي المخبأ الذي اختبأ فيه صدام في حفرة خلف منزل ريفي مكون من غرفتين‏..‏ مطبخ وغرفة نوم عثر بداخلها علي ملابس مبعثرة‏,‏ مما يدل علي أن صدام حسين ربما وصل إلي الكوخ قبل ساعات قليلة من الغارة العسكرية التي نفذت بسرعة فائقة وبدقة متناهية بعد ثلاث ساعات من تلقي المعلومات بذلك من المواطن العراقي‏.‏

وأوضح أوديرنو أن صدام حسين عثر عليه في حفرة كانت مغطاة بطبقة جافة من المواد الرغوية المضغوطة وبساط ومروحة‏,‏ وكان بجانبه مسدس ومدفعان آليان من طراز‏47‏ آي‏.‏ كي لم يستخدمها للمقاومة‏.‏ وقال‏:‏ إن المنزل الريفي كان يخص أحد الدعاة وعلي مرمي البصر من القصور الفخمة التي كان الرئيس العراقي السابق يستخدمها في مسقط رأسه تكريت‏.‏
وقال الميجور براين ريد قائد العمليات في اللواء الأول من فرقة المشاة الرابعة‏:‏ إن صدام حسين لم يقاوم وقال‏:‏ لا تطلقوا النار‏..‏ أنا صدام حسين‏..‏ أنا رئيس العراق وأريد التفاوض‏.‏ وأضاف ريد أنه أجابه بقوله‏:‏ إن الرئيس جورج بوش يرسل إليك تحياته‏,‏ موضحا أن جنديا أمريكيا نقل المحادثة إلي قادته‏.‏

وأوضح العقيد جيمس هيكي قائد الغارة العسكرية أنه عندما نظر الجنود إلي داخل الحفرة اكتشفوا أن هناك رجلا بداخلها وظهرت يدان وكان واضحا أن الرجل يريد أن يستسلم‏,‏ وقالت مجلة تايم‏:‏ إن القوات الخاصة لم تتمكن في البداية من إخراج صدام من الحفرة واضطرت للحفر من علي جانبيها لتوسيعها ثم جذبه من داخلها‏,‏ وقال مسئول أمريكي للمجلة‏:‏ إنه عندما خرج من الحفرة كان صدام مذهولا وبدا كرجل لا مأوي له قرب محطة أتوبيس‏.‏
وأبدي العقيد جيمس هيكي دهشته مشيرا إلي أن القوات الخاصة كانت تتوقع موقفا أكثر تعقيدا وأنها كانت مهيأة لمعركة‏,‏ في حين أن عملية إلقاء القبض علي صدام حسين تمت بسهولة ولم يتم إطلاق طلقة رصاص واحدة‏,‏ وأكد العقيد أن الأوامر التي كانت صادرة للقوات هي القبض علي صدام أو قتله‏.‏ وأضاف أن الجنود كانوا علي وشك إلقاء قنبلة يدوية بعدة ثوان عندما أعلن صدام استسلامه‏.‏

كما ذكر أوديرنو في تصريحاته أنه عثر مع صدام علي صندوق معدني يشبه ما لدي الجيش العراقي يحتوي علي‏750‏ ألف دولار‏,‏ كما عثرت القوات الأمريكية علي مراكب ربما كان صدام حسين يستخدمها في نقل الإمدادات أو استقبال الزائرين‏.‏ وأضاف أوديرنو أنه لم يتم العثور علي أي هواتف أو أجهزة اتصال تشير إلي أن صدام كان ينسق عمليات المقاومة العراقية‏,‏ وقال‏:‏ أعتقد أن وجوده هناك لم يكن أكثر من دعم معنوي وأنه لم يكن ينسق الجهد كله‏.‏
لكن مجلة تايم قالت نقلا عن مسئولين عسكريين أمريكيين‏:‏ إنه عثر علي حقيبة داخل المخبأ تحتوي علي وثيقة في شكل خطاب من أحد قادة المقاومة تتضمن تفاصيل اجتماع عقده مع قادة المقاومة في العاصمة العراقية‏,‏ وقال المسئولون للمجلة‏:‏ إن الأسماء التي وردت في هذا الخطاب ستكون مهمة للغاية وستؤدي إلي إلقاء القبض علي عدد من قادة المقاومة فيما يعرف باسم المثلث السني‏,‏ وأعرب المسئولون عن أملهم في أن يتضح من ذلك ما إذا كان قد تم قطع رأس الأفعي أم أنه قد تم اعتقال شخص تافه يختبئ في حفرة‏.‏

وقد تباينت أقوال المسئولين الأمريكيين بشأن درجة استجابة صدام حسين للأسئلة التي وجهت إليه خلال عملية التحقيق المبدئية التي جرت في زنزانة في مطار بغداد حيث تم احتجازه بعد اعتقاله‏,‏ حيث صرح الجنرال ريكاردو سانشيز قائد القوات الأمريكية في العراق بأنه كان ثرثارا ومتعاونا للغاية‏,‏ ووصفه بأنه بدا كرجل أصابه الإرهاق مستسلما لمصيره‏,‏ لكن مسئولين في المخابرات الأمريكية تولوا التحقيق قالوا لمجلتي تايم ونيوزويك‏:‏ إنه لم يكن متعاونا للغاية‏,‏ ولم يجب عن الأسئلة التي وجهت إليه بشكل مباشر‏,‏ وبدا كلامه مشوشا في بعض الأحيان‏.‏
وأضاف المصدر أن محضر الجلسة كان مليئا بالأسلوب الخطابي الذي اعتاد صدام ترديده‏,‏ فعندما تم سؤاله‏:‏ كيف حالك؟ رد صدام‏:‏ إنني حزين لأن شعبي يعاني الاستعباد‏.‏

وعندما قدم له ضابط التحقيق كوب ماء رد صدام‏:‏ إذا شربت ماء فسيتعين علي استخدام دورة المياه وكيف يمكنني استخدام دورة المياه وشعبي يعاني الاستعباد‏!.‏
وسأله المحققون إذا كان يعرف مصير الطيار الأمريكي المفقود سكونت سبيشر الذي سقطت طائرته في حرب الخليج الأولي عام‏1991,‏ أجاب بالنفي وقال‏:‏ لم نحتفظ بأي سجناء‏..‏ لم أعرف أبدا ماذا جري‏.‏

وحين تم سؤال صدام عماإذا كان لدي العراق أسلحة دمار شامل رد قائلا‏:‏ لا بالطبع‏,‏ لقد اختلقت أمريكا هذا الأمر لكي تعطي نفسها مبررا للذهاب للحرب جنونا‏,‏ ولكن المحقق واصل سؤاله‏:‏ إذا لم يكن لديك أسلحة دمار شامل فلماذا لم تسمح لمفتشي الأمم المتحدة بالدخول إلي منشآتك‏(‏ القصور‏)‏؟ ورد صدام‏:‏ لم نكن نريد السماح بدخولهم إلي المناطق الرئاسية والتعدي علي خصوصيتنا‏.‏
وقد أبدي مسئول أمريكي لمجلة تايم تشككه في إمكان الحصول علي قدر كبير من المعلومات من صدام حسين‏,‏ وقال‏:‏ إن غالبية كبار المسئولين العراقيين الذين تم إلقاء القبض عليهم لم يدلوا بمعلومات وبقي معظمهم صامتا‏,‏ مثل طارق عزيز نائب رئيس الوزراء السابق‏,‏ وعابد حمود السكرتير الشخصي لصدام‏.‏

وقال مراسل مجلة تايم جون بينيت‏:‏ إن صدام حسين رفض الإجابة عن أية أسئلة تتعلق بمكان خلايا المقاومة ولم يكشف النقاب عما إذا كان علي اتصال بزعماء المقاومة العراقية‏.‏
وقد حدد المحققون الأمريكيون أولوياتهم خلال التحقيقات مع صدام حسين‏,‏ وقالوا‏:‏ إنهم سيستخدمون في ذلك كل الوسائل المتاحة لانتزاع المعلومات باستثناء التعذيب‏,‏ والتركيز علي جعل احتجازه غير مريح‏,‏ وسيركز المحققون أولا علي علاقة صدام حسين بعناصر المقاومة العراقية ومواقع وجودهم وأسماء قادتهم وما إذا كانوا يعدون لشن هجمات جديدة وذلك بهدف خفض عمليات المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية‏,‏ وكذلك معرفة دور نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقية في تنظيم هذه الهجمات‏.‏

وقال المحققون إن هذه النقطة لها أولوية كبيرة لأن الولايات المتحدة في سباق مع الزمن وتريد إلقاء القبض علي عناصر المقاومة العراقية قبل تمكنهم من الهروب وتغيير مواقعهم‏.‏
وستأتي مسألة الإجابة عن الأسئلة المطروحة حول برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقية في الدرجة الثانية عندما تتم مواجهة صدام بمسئولين عراقيين سابقين أدلوا بمعلومات بشرط عدم تحديد هويتهم‏.‏

وقد ساد جو الابتهاج والفرحة والارتياح بين جنود العمليات الخاصة والفرقة الرابعة مشاة التي قادت عملية القبض عليه‏,‏ لكنهم أكدوا أن الطريق مازال طويلا أمامهم لتحقيق الأمن في العراق‏.‏

بداية الصفحة

تقارير المراسلين العالم الوطن العربي مصر الصفحة الأولي
ثقافة و فنون الرياضة إقتصاد قضايا و أراء تحقيقات
المرأة و الطفل ملفات الأهرام أعمدة الكتاب القنوات الفضائية
موضوعات في نفس الباب
~LIST~