[an error occurred while processing this directive]

في الموقع أيضًا:

المنطقة العربية

إستراتيجيات |القضية الفلسطينية | المنطقة العربية | بقية العالم الإسلامي | آسيا | أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا | إفريقيا | شئون عالمية | رواق الأفكار | مساهمات الزائرين


تفجير سيناء الثالث ونظرية الفوضى الخلاقة

25/04/2006

محمد جمال عرفة**

بعد طابا وشرم الشيخ الدماء في منتجع دهب

لو افترضنا أن تفجيرات طابا (أكتوبر 2004) التي جاءت في ذكرى الاحتفال بمرور 31 عاما على نصر السادس من أكتوبر 1973 كانت صدفة، وقلنا بأن تفجيرات شرم الشيخ (يوليه 2005) التي جاءت أيضا في الذكرى الـ53 لثورة يوليو 1952 كانت أيضا صدفة، فلا يمكن أن تعتبر تفجيرات دهب -الثالثة من نوعها في سيناء في عامين- في ذكرى مرور 24 سنة على انتهاء الانسحاب الإسرائيلي سوى أنها "تحد كبير" و"اختراق" من قبل الجماعات التي نفذت هذا الاعتداء في مواجهة أجهزة الأمن المصرية.

فمن غير المنطقي أو المعقول أن تنجح الجهة التي نفذت هذه التفجيرات -بافتراض أنها ذات الجهة- في تنفيذ ثلاث هجمات في ثلاث مناسبات وطنية في نفس التوقيت (مساء يوم الاحتفال) وبالطريقة ذاتها (ثلاثة تفجيرات متتالية) وبذات الأسلوب، والأهم أنها في ذات المنطقة (سيناء) في أقل من عامين، وهو ما لم يحدث في أي منطقة أخرى من العالم، دون أن نعتبر هذا تحديا كبيرا ربما يكون مقصودا لتوجيه رسالة إلى أجهزة الأمن والسلطات المصرية تكشف عجزها عن السيطرة على الأوضاع الأمنية.

والأخطر أن التفجير الثالث في سيناء يأتي هذه المرة في توقيت قاتل يزيد العبء على النظام في مصر الذي يواجه على عدة جبهات عدة معارك صعبة في الداخل والخارج بداية من الاحتقان الطائفي وأزمات أخرى داخلية خطيرة مثل أزمة القضاة الذين دخلوا ما يمكن تسميته مرحلة تكسير العظام باعتصام هو الأول من نوعه، إلى أزمات الإصلاح السياسي والاقتصادي الأخرى، ومعالجات النظام لها والتي تؤدي غالبا لتفاقمها، ولعل أبرز مثال على ذلك معالجة السلطات لتفجيرات طابا وشرم الشيخ وما نتج عنها من سخط بدو سيناء، فضلا عن أزمات الجوار الإقليمي في فلسطين ودارفور والعراق وسوريا وإيران.

أيضا من المفارقات أن تفجيرات دهب جاءت بعد 24 ساعة من آخر خطاب لـ بن لادن والذي أسهب فيه في الحديث عن الحرب الصليبية الغربية على العرب والمسلمين، وهي مفارقة غريبة خصوصا إذا علمنا أن تفجيرات طابا وشرم الشيخ جاءت بدورها في أعقاب رسائل لـ بن لادن زعيم القاعدة أو نائبه أيمن الظواهري، ولهذا اعتبر أحد المواقع الأوروبية أن وراء تفجيرات دهب تنظيم القاعدة بسبب أسامة بن لادن واعتبره السبب الرئيسي وراء التفجيرات.

أيضا جاء التفجير -للغرابة الشديدة- في أعقاب سلسلة تهديدات من الاستخبارات الإسرائيلية للسياح الإسرائيليين تحذرهم من قضاء إجازاتهم في سيناء مصر في الحالات الثلاثة التي تمت فيها تفجيرات في سيناء (طابا- شرم الشيخ- دهب)، لوجود إنذارات عن "عمليات إرهابية"، ومع هذا تواجد في سيناء نحو 5 آلاف سائح إسرائيلي بسبب عطلة عيد الفصح لم يصب منهم أحد في التفجيرات وفق السفير الإسرائيلي في مصر!.

ومن المفارقات الأخرى ذات الدلالة أن التفجير الثاني (شرم الشيخ) والثالث الأخير (دهب) جاءا استباقا لمحاكمة متهمين في تفجيرات سابقة، حيث تزامنت تفجيرات شرم الشيخ (23 يوليو) مع استئناف محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بالإسماعيلية 24-7-2005 محاكمة المتهمين في قضية تفجيرات طابا، وتزامنت تفجيرات دهب مع قرب مثول 17 متهما في قضية تفجيرات طابا أمام المحاكمة في 27 مايو القادم، وضم 13 متهما جديدا لملف القضية، وكأن الهدف هو التأثير على المحاكمات أو الرد عليها وتوجيه رسالة تحد للنظام.

ويتصل بهذا أيضا استمرار شكاوى أهل سيناء من القبض العشوائي على أبنائهم وتعذيبهم في مراكز الأمن، ما دفع محللين للقول بأن التفجيرات اللاحقة جاءت ردا على ممارسات الأمن ضد أهالي المتهمين في سيناء، حيث اعتقلت سلطات الأمن مئات الأشخاص من بدو سيناء على خلفية تفجيرات طابا ثم شرم الشيخ وعاملتهم بشيء من العنف والتعذيب، ورصدت صحف مصرية ومنظمات حقوقية هذا الأمر.

وربما لهذا أيضا حمل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين المسئولية عن هذه الانفجارات من خلال "ممارسات وزارة الداخلية"، مشيرًا إلى أن الحادث قد يكون ردًّا على المعاملة القاسية التي استخدمها جهاز الأمن ضد المواطنين عقب الانفجارات التي شهدها منتجع شرم الشيخ بسيناء العام الماضي، وإن لم يستبعد تورط أياد خارجية: "مع وجود عدو صهيوني يريد إضعاف مصر عسكريًّا واقتصاديًّا ويريد أن يضرب السياحة التي تُعَدّ من أهم مصادر الدخل القومي".

أما الأهم من كل ذلك فهو أن تفجيرات دهب -بجانب قضية ما سمي "الطائفة المنصورة" الأخيرة التي اتهم شبان جامعيون فيها بالإعداد لتفجيرات إرهابية متنوعة، رغم عدم ضبط رصاصة واحدة معهم- جاءت لتحسم قضية تمديد قانون الطوارئ التي أثير حولها جدال كبير مؤخرا من جانب نواب البرلمان والمثقفين، وفي توقيت قاتل يعزز تمديد الطوارئ الذي ينتهي العمل به في يوليو المقبل 2006 بعدما ألمح الرئيس مبارك لتمديده إلى حين الانتهاء من إعداد قانون الإرهاب.

مصر تدخل حزام التفجيرات

من الواضح على أي حال أن القائمين على التفجيرات -أيا كانت هويتهم- قصدوا بجانب التحدي الواضح إعطاء رسالة محددة تشير إلى أن مصر دخلت حزام التفجيرات، وأن هناك خللا سياسيا أو أمنيا يجري الاحتجاج عليه بهذه التفجيرات وحالة من عدم السيطرة على الأوضاع.

ولهذا جاءت التفجيرات الثلاثة في سيناء بنفس الطريقة التي ابتكرها تنظيم القاعدة في تفجيرات 11 سبتمبر وتكررت في لندن وغيرها من عواصم العالم، بمعنى: القيام بعدة تفجيرات دفعة واحدة لإحداث أكبر قدر من الضرر الأمني والسياسي والسياحي، والتأثير الأمني والإعلامي، ودلالة هذا الأسلوب في نهاية الأمر أنه يكشف عن حالة غضب وعنف شديدين يتملكان القائمين بذلك وتبدو كانتقام.

ويبدو أن هذه الطريقة في التنفيذ تقود ضمنا إلى ذات التيار الجهادي من الجيل الثالث من معتنقي الفكر الجهادي القاعدي من الشباب غير المنتظمين في التنظيمات العنفية السابقة المرصودة، وربما تكون أحدث حلقة من حلقات عمليات هذه المجموعة التي تتميز بأنها من سكان سيناء ممن تربوا على كراهية "الاحتلال الإسرائيلي"، والذين ربما يشعرون بالغبن بسبب تهميشهم في خطط تنمية سيناء التي تذهب لكبار المستثمرين، فضلا عن الغضب لانتهاك قوات الأمن حرمة منازلهم واعتقال آبائهم ونسائهم وإخوانهم وإهانتهم.

مصلحة إسرائيل في الفوضى الأمنية

ومع هذا تبقى "إسرائيل" صاحبة مصلحة كبيرة في هذه التفجيرات ليس فقط اقتصاديا (تحليلات سابقة تحدثت عن غضب أصحاب المنتجعات السياحية في إيلات وغيرها من تفضيل السياح الإسرائيليين لسيناء ورغبتهم في تغيير وجهتهم)، ولكن أيضا سياسيا وأمنيا، لأن الفوضى الأمنية في سيناء تبقى هدفا إستراتيجيا يخدم المصلحة الإسرائيلية لأنها تبقي المنطقة ضعيفة ومقسمة إلى بؤر من الفوضى التي تحيط بالدول العبرية في فلسطين والعراق ومصر ولا تشكل بالتالي خطرا على وجودها.

بل إن المساعي الإسرائيلية المستمرة لتقديم طلبات الدعم والمساندة في عمليات الإنقاذ والبحث عقب كل تفجير تبدو في هذا الصدد كأنها إشعار دائم للأجهزة المصرية بأنها عاجزة عن تقديم أي خدمات صحية أو إغاثية أو شرطية للسياح الأجانب، وفي الوقت نفسه تنقل رسالة للخارج بأن مصر لا تسيطر على سيناء، خصوصا في ظل تصاعد الحديث في تل أبيب عن خطر قادم من تنظيم القاعدة عبر سيناء.

وبشكل عام يمكن تحديد بعض الدروس المستفادة من تفجيرات سيناء الثلاثة والنتائج المترتبة على النحو التالي:

1- سيناء لا تزال في حاجة ماسة للتعمير والتنمية ليس فقط بالمشاريع السياحية ونقل السياح الغربيين كل موبقات بلادهم إليها، ولكن بالمشاريع الصناعية التي تستوعب البطالة المنتشرة بين شباب سيناء وتدفعهم للانخراط في طابور الناقمين على الدولة.

2- التفجير الثالث يكشف بوضوح أن ما قيل عن تحسين معاملة أجهزة الأمن لأهالي سيناء بعد الشكاوى التي رصدتها المنظمات الحقوقية ومنها المجلس الأعلى الحكومي لحقوق الإنسان، لم يحدث، وأن حالة الغضب والاحتقان لا تزال موجودة على الأقل من جانب من طالتهم أيدي التعذيب في مراكز الشرطة.

3- توالي التفجيرات في المناسبات الوطنية المصرية (نصر أكتوبر- ثورة يوليو- عيد تحرير سيناء) رغم أنه قد يفهم على أنه اختيار ينم عن توقع حالة الاسترخاء الأمني في هذه المناسبات، فهو يفتح الباب أمام تفسيرات أخرى عن تورط جهات خارجية ربما لحرق هذه الانتصارات وتحويل المناسبات السعيدة إلى ذكريات أليمة.

4- التفجيرات ستزيد ثقل المسئولية على السلطة وأجهزة الأمن خصوصا أنها تزامنت مع حالة احتقان شديدة في الشارع المصري عموما بسبب قضايا الفساد المتوالية والكوارث (غرق العبارة المصرية في البحر الأحمر) والحريات وتمديد الطوارئ والفتنة الطائفية والصدام مع القضاة والصحفيين، وهو ما قد ينعكس على مزيد من التشدد الأمني الذي يؤدي بدوره لمزيد من الاحتقان.

5- التفجيرات لا تكشف فقط ضعف الأمن في سيناء بقدر ما تكشف سهولة حصول المنفذين على أجهزة التفجير والمتفجرات، وهذه قضية تتعلق ببنود اتفاقية كامب ديفيد والقيود التي تفرضها على نشر قوات مصرية على الحدود لحمايتها ووقف التهريب، وإذا كان قد تم نشر 750 جنديا من القوات المصرية لمراقبة الحدود ومنع التهريب عام 2005، فالأمر يتطلب المزيد من الحرية لمصر في نشر القوات لحماية هذه المساحات الشاسعة.

6- أما أهم ما يمكن استخلاصه من تفجيرات دهب -ومن قبلها طابا وشرم الشيخ- أنه بقدر ما تزيد الضغوط على النظام في مصر وتظهره بمظهر غير المسيطر على الأوضاع في ظل تصاعد الأزمات الداخلية وتشعبها، بقدر ما تعزز نظرية "الفوضى الخلاقة" الأمريكية وتظهر الدولة المصرية في صورة ضعيفة وأن قوتها تتآكل لصالح الفوضى، وهو سيناريو أمريكي معلن ومدروس يستهدف في النهاية الاستفادة من هذه الحالة في تحقيق مصالح إقليمية وربما لا يكون مستبعدا أن يكون هناك دور إسرائيلي في إطار هذا المخطط.. هذه النقطة الأخيرة إذن هي الأخطر.

اقرأ أيضًا:


**محلل الشئون السياسية بإسلام أون لاين.نت


إستراتيجيات |القضية الفلسطينية | المنطقة العربية | بقية العالم الإسلامي | آسيا | أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا | إفريقيا | شئون عالمية | رواق الأفكار | مساهمات الزائرين