بلال العربي: 'العربية' تنتهج تيارا مغايرا للجزيرة ومساحة الحرية لها قيود
بلال العربي: 'العربية' تنتهج تيارا مغايرا للجزيرة ومساحة الحرية لها قيود
يتمنى ان تتعلم المحطات العربية من زميلاتها الغربيات فاطمة عطفة
2011-02-02
بلال العربي: 'العربية' تنتهج تيارا مغايرا للجزيرة ومساحة الحرية لها قيودطموحات الشباب وتطلعاته قد تدفع بالإنسان إلى الابتعاد عن بلده وأهله وخلانه. والإعلام، هذا البحر الواسع الذي خاضته بمهارة مجموعات مبدعة من الوجوه الإعلامية، التي امتازت بعلمها وعملها وخبرتها، لا يزال حافلا بألوان من الإغراءات. من الجزائر، هذا البلد العربي الزاخر بجماله وتاريخه النضالي الباهر، يطالعنا إعلامي شاب طاف به طموحه بين محطات متعددة، فمن تلفزيون الجزائر إلى قناة إم بي سي في لندن، ومنها إلى دبي، عمل دؤوب أوصل صاحبه بجدارة إلى ما وصل إليه، واستطاع أن يثبت حضوره وتألقه في عمله، ولعله يحن أحيانا لوطنه ولذكرياته فيه، ولكن الإنسان لا يستطيع أن يحصل على كل ما يريد. * لك تاريخ إعلامي طويل، بدءا من تلفزيون بلادك مرورا بتلفزيون إم بي سي، حدثنا عن محبتك للإعلام وكيف توجهت أنت الشاب الجزائري نحو مهنة المتاعب؟ * 'بدأت مشواري من تلفزيون الجزائر، الذي أعتبره مدرستي الأولى، لأن المدرسة الأولى دوما تتعلمين فيها كل أساسيات العمل، ثم انطلقت إلى قناة إم بي سي. الإعلام بالنسبة لي كان حلما منذ الطفولة. وبعد سنين من عملي في الإعلام، ذهبت لزيارة والدتي. في ذات يوم أخرجت لي أجندة قديمة كانت لدي عندما كنت صغيرا، وهي عبارة عن خريطة العالم، وفي هذه الأجندة كنت أضع أسهما من الجزائر للدول المجاورة، وذكرتني بحديثي عندما كنت أقول لها: 'يجب أن أذهب وأزور كل هذه الدول، وإن لم أذهب فيجب عليهم أن يشاهدوني'. أضافت: انظر هذا حلمك منذ زمن بعيد أن تبدأ بالتلفاز وتنتشر إلى خارج الوطن. أربع سنوات قضيتها في التلفزيون الجزائري تعلمت منها الكثير، فهو مدرسة مخضرمة حيث يحتوي على المدرسة العربية والمدرسة الفرنسية بحكم الاستعمار الفرنسي، وعندما قدمت أوراقي الى قناة إم بي سي، قبلت خلال ثلاثة أيام وذهبت إلى لندن وبدأت مشواري. وأنا أول من بدأ ببرنامج 'صباح الخير ياعرب' لمدة أربع سنوات تقريبا، ثم تحول إلى 'مساء الخير ياعرب' مع الزميلة نشوى الرويني وميادة ورانيا برغوت ولينا صوان، وكل الجيل الذي بدأ معي العمل، والذين يعتبرون من أعمدة الإعلام هناك. بعد أن انتقلت إم بي سي إلى دبي بقيت في لندن بحكم جنسيتي وجواز سفري البريطانيين'. * بين الإعلام العربي وإم بي سي ومساحة الحرية التي تتاح للإعلامي، هل قناة إم بي سي تتيح مساحة من الحرية لإعلامية أكبر مما يتيحه الإعلام العربي؟ أم أن هناك خطوطا حمراء لا يسمح بتجاوزها مع اختلاف الأمكنة؟ * 'من المؤكد أنه عندما بدأت القنوات الخاصة قليلا بكسر الإيقاع التقليدي للقنوات المحلية، مثلا: عندما بدأت العمل في قناة إم بي سي، فإن الأمور التي كنت أتطرق لها لم أكن أتطرق لها في تلفزيون الجزائر. من المؤكد أن جميع التلفزيونات المحلية تخضع لنظام الحزب الواحد ونظام السياسات الملتزمة به. في إم بي سي كان لدينا جزء أوسع من الحرية، مع وجود حدود، لكن من الأكيد ان القنوات الخاصة ومنها إم بي سي مساحة الحرية فيها كبيرة'. * من وجهة نظرك، هل لا زالت هذه المساحة من الحرية التي تتحدث عنها موجودة في تلك القناة؟ أم أنها تضاءلت في ظل التغيرات التي تحدث في العالم؟ * 'من المؤكد أن لكل محطة سياسة معينة تسير عليها. قناة إم بي سي، إن تكلمنا عن مساحة الرقابة فيها أو عن مساحة الحرية، فنحن سنتحدث عن قناة العربية، لأن العربية هي الناطق الإخباري لقناة إم بي سي، والعربية كما نلاحظ تنتهج تيارا مغايرا لقناة الجزيرة، فمن المؤكد أنه مسيس وأيضا نسبة الحرية لها قيود. بالنهاية الإعلام الآن أصبح إعلاما تجاريا أكثر مما هو إعلامي هادف، والمصلحة التجارية أصبحت تغلب على أي شيء في إعلامنا اليوم'. * أنت شاب برأيك الإعلام العربي هل استطاع اليوم أن يوصل صوت مجتمعنا العربي وقضايانا للغرب؟ وإن لم يحقق الإعلام هذا الأمر ما هي الأسباب وراء ذلك؟ وما هي الوسائل الناجعة لكي نوصل صوتنا وكي تسمعنا الشعوب الأخرى ونؤثر فيها؟ * 'في البداية، الإعلام قبل أن يتوجه للخارج يجب أن يصل للداخل العربي أولا. أشعر بأن إعلامنا لم يستطع أن يغطي كامل قضايانا العربية، فنحن لا نرى حتى اليوم الإعلام كمرآة نرى من خلالها أنفسنا وقضايانا، وكما قلنا إن كل محطة أو كل مجموعة إعلامية لدينا هي مسيسة وتمثل منطقتها. من المؤكد ان الإعلام الخليجي قدم خدمة كبيرة للإعلام، ولكن مازال هناك الكثير من العمل كي يكون الإعلام على جاهزية عالية كي يقوم بإيصال قضايانا إلى وطننا العربي ومنه للخارج. أظن أن قناة الجزيرة هي أول قناة وصلت للغرب، بغض النظر إن كانت متبعة الطريقة الصح أو الخطأ أو بطريقة مسيسة. أتمنى أن ينتهج أصحاب المحطات العربية نفس السياسة التي ينتهجها الغرب، فقد غدا هناك سي إن إن عربي وبي بي سي عربي ويوروب نيوز عربي، فالغرب أصبح يقدم مادة عربية وهو يعطينا مادة، أو بالأحرى هو يأخذ مادتنا ويقدمها بنفسه ويعطينا إياها. ليتنا نفعل ذات الشيء ونقدم قنوات بلغات أخرى، وبهذه الطريقة نقدم أنفسنا للغرب بطريقة أجمل'. * ما هي الطرق التي يجب على الإعلامي سلوكها كي يغدو إعلاميا ناجحا؟ وبماذا يتميز الإعلامي الناجح؟ * 'إن كلمة إعلامي هي كلمة كبيرة، فهي تعبر عن هذا المخزون الحياتي الذي كبر وتطور عند تلميذ الإعلام، بالإضافة إلى تجارب الحياة والاطلاع والقراءة بشكل كبير. نجاح الإعلامي هو خبرته سنين طويلة، ومحصول تعبه وعمله، واحتكاكه بأصحاب الخبرات. أنا اليوم أستغرب أن هناك أشخاصا لم تمضِ على ظهورهم سنة أو سنتان على شاشة التلفاز، ومع ذلك يأخذون لقب إعلامي وأجمل إعلامي وأحسن إعلامي وأشطر إعلامي! فأنا أستغرب من هؤلاء الأشخاص ومن هذه الألقاب وأحزن على مهنتي، لأنني تعبت كثيرا خلال مشواري الإعلامي. عندما كنت في قناة إم بي سي كان لدي مصححون لغويون، حيث كان أساتذتي بعد أن أكتب النص يعيدونه لي وتحت الكلمات خطوط حمراء وكأني طالب في الابتدائي، وكنت أخاف أن تكون صياغتي أو كتابتي خاطئة ونصي وإلقائي ومخارج حروفي خطأ، ولكن كل هذا الآن غير موجود. من خلال عملي وراء الكاميرا أيضا لسنوات، والإشراف على برامج روتانا، أصبحت أعرف قيمة المذيع بشكل أكبر، الذي تخرجنا نحن من مدرسته. حاليا، ومن خلال احتكاكي بالإعلاميين الذين غدوا نجوم اليوم أصبحوا يهتمون بشكلهم وبإطلالتهم أكثر. نحن عندما كنا نظهر على الشاشة كان المذيع نجما مثله مثل الضيف، لكن الآن الضيوف هم النجوم والمذيعين مجرد ببغاوات يرددون كلمات الضيف الفنان. المفهوم الإعلامي لجيلنا أو لنوعيتنا نحن الإعلاميين ونظرتنا للإعلام، هذا كله غير موجود الآن بكل تأكيد'. * تأثير الصورة على المتلقي عندما ترافق الخبر، متى تكون الصورة أقوى من ناحية التأثير بشكل أكبر في وقعها على المتلقي؟ * 'بالتأكيد، الصورة تصل قبل الكلمة، لكن يجب أن تكون هناك موازنة. ربما بعض وسائل الإعلام أو الإعلاميين المتمرسين لم يستطيعوا أن يتطوروا، أو أن المشاهد قد نفر منهم، لماذا؟ لأنهم بقوا ضمن الصيغة القديمة. مثلا، لو تكلمنا عن البرامج الترفيهية، هناك من يقول لك إن البرنامج الذي يتكلم الفصحى الناس لا تتقبله، والذي يتكلم بالعامية تتقبله الناس. كلا، هذا غير صحيح. فهناك فصحى حديثة وصياغات حديثة، الصورة أقرب للمتلقي، ولكن يجب أن تكون الصورة مقدمة بطريقة ذكية وبنص أيضا ذكي'. * هل من الضروري أن تكون الثقافة بالنسبة للإعلامي أدبية؟ أم يكفي أن تكون ثقافة إعلامية وتواصلا مع المجتمع؟ * 'بصراحة، كل هذا مع بعضه. الإعلامي يجب أن تكون لديه ثقافة أدبية وإعلامية وثقافة مجتمع، لأن الإعلامي من الممكن أن يحاور رئيس جمهورية ومن الممكن أن يحاور سباكا وعارض أزياء وفنانا وأشخاصا عاديين في الشارع. هذه هي مهنة الإعلام، أي يجب عليك أن تتلوني مع كل فئات المجتمع وتتلوني مع جميع ضيوفك وشخصياتك، وحتى على نطاق البرامج يجب أن تكوني بارعة في برامج محددة، لكن أيضا يجب أن تكوني ملمة بالبرامج الأخرى ونوعيتها'. * في حياتك الخاصة، هل الإعلام والظهور على الشاشات ينعكس بشكل سلبي على حياتك من ناحية المعجبين أم أنه ليس له تأثير؟ * 'الإعلام سلاح ذو حدين، في بعض الأحيان يكون ممتعا وأحيان أخرى يكون صعبا. عندما نأخذ حريتنا قليلا يكون هناك أشخاص يعرفونك، وعندما لا نحصل على هذه الحرية لا نجد أحدا يعرفنا. الشخص يتعلم مع الوقت أن يقوم بموازنة، بحيث يعيش حياته بشكل جيد وأيضا أن يحافظ على صورته وشكله أمام الناس'. * أنت في غربة وتعيش الآن في دبي، كيف هو تواصلك مع بلدك وشعبك والشباب في الجزائر؟ وهل تشعر بالراحة عندما تكون في بلدك أم أن الإعلام والحداثة أثرت عليك كشاب جزائري في المظهر والتصرف وغير ذلك، بمعنى آخر أين تجد نفسك اليوم؟ * 'لا أخفيك أن الغربة أثرت بشكل كبير، لكن تواصلي مع جمهوري في الجزائر كان أكبر، والدليل على ذلك أني عندما عملت في القناة العقارية، التي لم يكن قد سمع بها أحد من قبل، جاءني يوما رئيس مجلس الإدارة وقال لي إن شباب الرسائل الإلكترونية يقولون لي إن أكبر نسبة مساهمة هي من الجزائر، أنتم أحضرتم الجمهور الجزائري معكم! وهذا أسعدني كثيرا، فأينما أظهر حتى في القنوات التي لا يشاهدها إلا قلة أرى أن أبناء بلدي والجمهور الجزائري دوما يلحقون بي ويفتخرون أن هناك أسماء جزائرية ناجحة تعمل في الخارج. الغربة تجعلك تحبين بلدك أكثر وتجعلك تعرفين قيمة بلدك وأهلك وناسك، وعندما تعودين إلى الوطن وتجدين الناس تتأفف تقولين لهم أنتم لا تعرفون قيمة البلد وقيمة ترابه. أنا أحسد أخوتي لأنهم عندما يمرضون تأتي والدتي وتكون إلى جانبهم والوالد يزورهم، نحن في الغربة لا أحد يسأل علينا. هذه ضريبة الطموح الكبير لدى الشخص، نحلم كثيرا ويكبر الطموح وعندما تبدأين تحققين حلمك تكتشفين أن هناك أشياء بدأت ترحل، ولكن هذه سنة الحياة، فالشخص لا يستطيع أن يحصل على كل شيء'. * ما هي هواياتك التي تمارسها في أوقات فراغك؟ * للأسف، الإعلام هو كل هواياتي خاصة عندنا عملت مشرف برامج في روتانا خليجية، فهناك برنامج اسمه 'سيدتي' صرت أشرف على كامل المادة التي تأتي من مجلة 'سيدتي' وأحولها لمادة متلفزة. وهكذا أصبحت أقرأ كل شيء وألم بالمواضيع الاجتماعية، لأن مجلة 'سيدتي' فيها أكثر من مئتي صحافي. أقرأ بشكل مستمر، وبما أننا نسافر، أعتبر أيضا السفر ثقافة ومخزونا يربى لديك. عندما أرى شخصا من بلد آخر وأتحدث معه وأتعرف على ثقافات أخرى، هذا أيضا ينمي لدي أشياء كثيرة'. * هل لديك اهتمام بالكتابة كخواطر أو شعر أو قصة قصيرة أو تسجل الرحلات التي تقوم بها؟ * 'الغريب أن المكان الوحيد الذي كنت أكتب فيه ولا زلت أكتب فيه هو وطني الجزائر، ووالدتي ما زالت تحتفظ بخواطر لي قمت بكتابتها من قبل. كلما ذهبت للجزائر يعود هذا الشيء بي وكأنه دفتر أفتحه عندما أذهب إلى هناك وأغلقه عندما أسافر. أحب الكتابة كثيرا وأحيانا أجلس ساعات كي أكتب جملة واحدة، ولكن هذه الجملة تعبر عن معجم من الصفحات'. * لماذا الوطن بأي لحظة تتاح يكون هو نبع العطاء الذي يتفجر في أعماق الإنسان؟ * 'هذا هو السر الذي يدعى سر التكوين والهوية، فشخصية الإنسان تتكون من طفولته ومن بيئته. كل الذي نأخذه من بيئتنا وبلدنا، ومن جارنا، ومن الخباز، كل هذه الأشياء تختبئ.. وفي مرحلة معينة من الزمن تظهر، خاصة الأشخاص الذين يعيشون في الغربة. فنحن نشتاق ونحن لذلك العمر والزمن الجميل، كتاباتي وكل ما لدي من إبداع أستمده من هذا الصندوق الصغير الجميل الذي يحوي هذه الأمور الجميلة من حياتنا'. * إن فكرت بالارتباط، هل ستختار فتاة جزائرية أم سترتبط بالمرأة التي يختارها قلبك مع اختلاف جنسيتها؟ * 'عندما أفكر بالزواج، وأظن أن التفكير أصبح صارما في هذه الأيام لأن عائلتي تلح علي بوجوب الزواج، أكيد أنا أفكر بالدرجة الأولى أن تكون جزائرية.