08 January 2013

خفيف





شفت وشّ جميل
شفّ روحي الأسى
أيام..
وكل ده يتنسي
من قبل ما أنساه
يكون اتنسى
حتى الخيال..
الباقي..يتلاشى
ويسيب ترابه الغايم
الشفاف
يعذبني..
لعلّ
وعسى.

قلبي النهاردة خفيف..
على كل شيء كاين
على كل شيء بيكون
هذا الوجود البَهيْ
الآسر..المُنتهي..
حسرة على الموجود.
حسرة على التفاصيل..
المخفي
والباين
في صنعة الفانيين.
زايل بيخلق خيال
الضلّ
 للزايلين..
تطمينة..
وكماين
أعلى البهاء
هاين..بمرّ الزمن
حيمرّ زي ما مرّ
يسحب ف روح المجرة
ويحط ف النسيان.
حسرة على المحدود
بالذكرى، كالابريق..
فايض
ومش مليان.         


حتى اللي ماشوفتوش
حتى اللي ماسمعتوش
و مالمستوش
ومش حلمسه..
لفظ
وبشر
ووحوش..
أرض وكلام ووشوش
لحن وكمال ورتوش
قايم على روحي..
زي الندا المجهول
يا شطّ ما رحتوش..
ارحم كيان زايل
ارحم كيان بيزول
إنك
هناك..موجود.


مرّيت على جنينة
ومريت على جنّة
مريت على حيّة..
ومريت على حوّا
وعرفت معنى ربيع
وعرفت معنى خريف
قلبي النهاردة خفيف..
من غير ولا أحداث
أنا عايز اجرّب كل الناس..
وانسخ ف روحي الوش
والتعريف
قبل الطوفان، بعده..
الصباح بيفوق
ذهنه بياض ممدود
عينه..فراغ
ومخيف.
قلبي النهاردة خفيف.



8/1/2013

24 February 2012

كافيه الهوية المرتبكة





للوهلة الأولى حينما رأيت الصورة، فكرت لمَ لم يُكتَب اسم الكافيه بالعربية؟، وهو الأوقع والأكثر مناسبة للاسم ذاته حتى وخلفياته، والأكثر جاذبية في رأيي، لو تم كتابة اسم الكافيه بأحد الفونتات العربية البديعة، الجديدة والملفتة بصرياً، فكرت أن مولانا محيي الدين اللباد كان ليحزن كثيراً حين يرى لافتة كهذي، ولم يرد إلى ذهني إطلاقاً أنه قد يكون مشروعاً ذا أي صبغة دينية، فقط تذكرت شعار محلات "مؤمن" بتصميمه العربي الأنيق إلى جانب التصميم الإنجليزي للاسم.


إلى أن قرأت وصف الصورة كما أوردته شبكة | S.N.N سلفي على فيسبوك:

"مسلم كافيه"...أول كافيه اسلامي.
لا يقدم الدخان ويمنع الاختلاط غير الشرعي.

الكافيتريا لها فرع بمدينة بنها وفرع بمدينة الإسكندرية.

لم أفهم تحديداً معنى المصطلح: كافيه إسلامي؟، هل هو كافيه سيذهب إليه "الإخوة" مثلا، أو مجموعة من "الأخوات"، لشرب النسكافيه والكافيه لاتيه؟، هل هو مقصور على "المسلمين"؟ لمَ حدد الكافيه _ مشروع تجاري ربحي_ هويته الدينية؟ مغازلة لشريحة معينة من الزبائن مثلاً _ الملتزمين دينياً_؟ أفهمُ مسألة منع الدخان، لكن ماهو الاختلاط غير الشرعي؟ هل غير مسموح مثلا أن يذهب إليه "مسلم" و"مسلمة" لا تربطهما علاقة "شرعية" رسمية؟ ما هي العلاقة "الشرعية" الرسمية التي تعبر عن "اختلاط شرعي"؟ هل سيكون علي أن أحمل "قسيمة الزواج" في كل مرة أقرر فيها أن أذهب أنا وزوجتي إلى مقهانا المفضل "مسلم كافيه"؟ ماذا لو قرر أحدهم هناك أن يذهب مع أخته؟ ناهيك عن زميلة عمل أودراسة_انسَ موضوع الحبيبة_؟، وإذا كان أصحاب الكافيه ملتزمين بجدية بمسألة هوية "الكافيه"، لماذا تم كتابة الاسم بالإنجليزية؟ لماذا تم اعتماد ديكور غربي بالكامل للمكان؟، اللهم فيما عدا بوستر حزب النور وبوسترا الأخ الملتحي الذي لم أتمكن للأسف من قراءة اسمه.

"مسلم كافيه"، بالتأكيد حلم أخٍ مخلص، لكن فاته أن مشروعه يفتقد لمقومات مشروع كافيه ناجح، مشروعه على الأرجح سيتحول إلى "ركن الإخوة" المفضّل للقاء، مجموعة محددة من الإخوة والإخوات في الحيّ ربما تنتظم في زيارة المكان لفترة، معجبين بالجوّ الشرعيّ الحلال، الذي يفتقدونه في الكافيهات الأخرى، لكن المشروع لا ينافس بقية الكافيهات في "زبون الكافيهات الأساسي" الذي يمثل شريحة أخرى غير "الإخوة" أوسع وأكثر ارتياداً للكافيهات: شباب راغب في كافيه جيد الخدمة ومناسب الأسعار في الأساس، بغض النظر عن مسألة الهوية، مريح ومسل، يمكنه أن يلتقي فيه بأصدقائه وأحيانا صديقاته، عدد كبير منهم سيحب كذلك تدخين سيجارة في الكافيه، كذلك عابر السبيل لأي غرض الذي ربما لن يعجبه مسألة بوستر حزب النور أو قواعد الكافيه الإلزامية.

المثير للتأمل هو اعتماد الكافيه على ديكور غربي تماماً، ظناً ربما من صاحب المشروع أنه بذلك يوفّر شكلاً جذاباً أو أليفاً لنفس "زبون" الكافيهات التي تعتمد نفس التصميم الداخلي أوطريقة كتابة الاسم!، المفارقة أن عنصر تميّز الكافيه الوحيد من الناحية الدعائية أو الشكلية ذاتها، اختلافه عن أي كافيه آخر، هو تحديداً مسألة "هوية" الكافيه، التي هشّمها الديكور الغربي تماماً، ضربها في مقتل، حول الكافيه إلى "مسخ" مرتبك.

بالتوفيق على كل حال. :))


20 January 2012

الاحتفال





الآلاف في الشوارع المتّجهة إلى الميدان، للاحتفال الكبير بالعام الأول للثورة، نسير كالزحف، موسيقات عسكرية صاخبة تنبعث من مكبّرات الصوت المثبتة في الشوارع، الأعلام الضخمة معلّقة في كل مكان، في الشرفات، فوق الأسطح، على النوافذ، يتوسطّها رأس النسر المتجهّم، أتجنب النظر إليه في كل ناصية نمرّ أسفل تحديقته الغاضبة، تتابعني حدقته السوداء اللامعة في بطء.
تظهر المروحيّات، متّشحة بالعلم ذاته، سربٌ طويل يظهر فوق البنايات، يرتفع صياح الجماهير، يرفع الجميع أياديهم ملّوحين في ابتهاج، صراخ وهتاف وتلويح بالأعلام، يطوّف السرب في دوائر واسعة فوق الجماهير، يندفق من مروحياته سيل من البطاقات البيضاء الصغيرة، يتواصل التلويح والصراخ و التدافع لالتقاط البطاقات، التقط واحدة، بيضاء يتوسطها رأس النسر الغاضب، يتفرق السرب، تنتظر مروحيّة واحدة فوق المسيرة، تثبت ثم تبدأ في الانخفاض قليلاً فوق الرؤوس، نتمكن من رؤية وجه قائدها مبتسماً على نحو غائم، ببطء آليّ يبدأ باب المروحيّة في الفتح، فيشتدّ الصراخ على نحو هستيري، الآلاف يشيرون إلى المروحية ويتدافعون تجاهها، بصعوبة أتمكن من البقاء ثابتا مكاني، لم آتِ لهذا، من وراء الباب المتحرك جانباً، أطل بعيونه المتعددة متساوية القطر، زحفت فوهته إلى الخارج، مالت إلى أسفل، ثم بدأت في الدوران، دفقات متتابعة من الرصاص تنفجر من عيونها المعدنية المتتابعة دون توقف، هيمن الدويّ المتتابع العنيف للرصاص للحظة فوق الأصوات ثم ابتلعه الصراخ، امتدت الخيوط السوداء من الفوهات تثقب الجباه والرئات والعيون، انبطحتُ في هلع، الصراخ والهتاف مستمران دون توقف بينما تتناثر الدماء والأشلاء، الآلاف يتدافعون في ابتهاج وعنف إلى الأمام، تجاه المروحية، يتموضعون إلى زاوية الفوهة الدائرة في ضراعة، كهل أمامي يلوّح للمروحية بذراعيه صارخاً بابتهاج، تنهمر تجاهه الرصاصات ثاقبة ً صدره ووجهه، يصرخ صرخة شبقة، ملتاعة، متأوّهة ثم يسقط جواري..
اختبأ، تطوّف المروحيّة فوق الحشد، ممطرة الرصاص على الصارخين تحتها، ترتفع المروحيّة وتبتعد في بطء، بينما تتابعها الحشود متدافعة وراءها حيث تتجه، ملطخين بالدم، صارخين في انتشاء، من شارع إلى شارع..
التقط أنفاسي بصعوبة، أرفع الهاتف إلى أذني محاولا الاتصال بكل من أعرفه، الاتصالات مقطوعة، أتحرك إلى شوارع أخرى عكس اتجاه المروحية، يقابلني الراكضون في التياع إلى المروحيّات المنشورة فوق المدينة، وجوههم وملابسهم ملطخة بالدمّ، يصرخون ويلوحون بالأعلام، أتجنب الاصطدام بهم، محاذرا أن أتلطخ بالدم، أختبأ في زقاق جانبي، خرجتُ أتخطى الجثث والأشلاء، خطوتي تصلصل تحتها فوارغ الرصاص، تصلني من بعيد ضجة الجماهير ودويّ المدافع الدوّارة، الدماء تتحرك في خطوط متطاولة على الشوارع المائلة تجاه الميدان، ألتفتُ إلى حيث يسري نهر الدمّ الدافئ، فأري من بعيد، أضواء المروحيّات المتقاطعة تطوّف فوق الميدان المحتشد بالصراخ المبتهج، تنبثق الدماء و تثب متطاولة فوق الرؤوس هنا وهناك، موسيقى عسكرية صاخبة تعزف، أضواء وألعاب نارية.
لا ليس الآن، أتحرك بعيدا عن الميدان، بالقرب من التقاطع الكبير، أمام الوحدة العسكرية الصغيرة، أرى طابورا طويلا يصطف في مواجهة البوابة السوداء المصفّحة، ممكسين بالبطاقات البيضاء، يدور عليهم الجنود يتأكدون من البطاقات في يد الجميع، ويزيحون بعيداً خاويي الأيدي، ينتهي الجنود من الفرز، يشير قائدهم إلى الجندي على البرج، الذي يشير بدوره إلى الداخل، انزوي في مدخل أحد البنايات، الواقفون في الطابور يشرئبون بأعناقهم في لهفة ونفاد صبر إلى باب الثكنة العسكرية، ينفتح الباب المعدنيّ في صلصلة ثقيلة، ينزاح مصراعاه السوداوان عن دشمة صغيرة بالداخل، تنتصب من فوقها فوّهة واحدة طويلة، تتلوى جوارها أحزمة الرصاص الذهبية اللامعة، يترجل الجنود بعيدا، فتتتابع الرصاصات بدويّ صاخب إلى الطابور المتدافع، مخترقةً الصدور والجماجم، منتفضين واحداً تلو الآخر، صارخين صرخات ملتاعة، شبقة، متأوّهة، ينتهى الطابور، انتظر إلى أن يغلق الجنود البوابات، أسمع الصلصلة الثقيلة وأرتجف..



أخرجُ، الموسيقى العسكرية لا تزال تنبعث من مكبرات الصوت، توقفَ دويّ الرصاص، الشوارع خاوية بينما الجثث في كل مكان، أسمع خرير الدماء الجارية تجاه الميدان تلبط في الجثث والأشلاء..
أصل إلى الميدان المضاء بالكامل، أتأمل النصب المعدني العملاق للنسر الغاضب، منتصباً في منتصف الميدان، تخترق رأسه السماء وتحديقته الغاضبة موجّهة إلى الفراغ، بينما يفترش الميدان حوله من كل اتجاه: خليط من الجثث والأعلام واللافتات، أخطو بين الجثث، أصل إلى حافة النصب الدائرية، تتموج حولها الدماء في خرير متصل من كل الشوارع المؤدية إلى الميدان، تتجمع في بركة دائرية كبيرة، من بعيد، عند أطراف الميدان، أرى آخرين يتخطون الجثث في وجل، يقتربون، نجلس متفرقين حول حافة النصب، قليلاً ونتمدد على الأسفلت الغارق في الدمّ، وننام...



نستيقظ على الجلبة، ننهض في ريبة، نجدهم حولنا، واقفين يتأملوننا بعيون خاوية، يرتدون أزياء بيضاء ناصعة، ممكسين بالمكانس والجرادل، تحتشد خلفهم الكاميرات وفرق التصوير، ننزاح إلى الأطراف، فينهمكون في العمل، مبتسمين وجادّين، ينظفون الميدان تماماً، يلمعون النصب وحافته الواسعة بعناية، يغادرون، فنعود مرة أخرى، قليلين، إلى منتصف الميدان الخاوي.


19 December 2011

بازل متناثر _ عن مسألة المجمع المصري

عزيزي المواطن المصري، أتفهّم قلقك البالغ تجاه حريق "المجمع العلمي المصري"، وأتفهّم كذلك اتصالات المواطنين الهلعة ببرامج التوك شو للتعبير عن غضبهم تجاه ما حدث لهذه المؤسسة العلمية الرفيعة.

ذلك لأنني أعرف مكانة هذا المبني الصغير حجما والعظيم شأنا لديك، ومدى اهتمامك به ومعرفتك بتاريخه وتفاصيل محتوياته، وأعرف دولة العلم التي نشأت وإياي فيها، التي ترفع من قيمة المؤسسات العلمية إلى ما فوق أي مؤسسة سيادية أوأمنية أخرى، ربما كان عدم تواجد الأمن لحمايته على غرار الاستماتة الضخمة في حماية مجلس الوزراء و وزارة الداخلية مجرد ثغرة أمنية أو خطأ إداري، لكني أعرف يقيناً أنك منذ اللحظة الأولى ميّزت المبنى خلال الأحداث ونشوب الحريق فيه، وتذكرت زياراتك المتتالية له، كما تذكرك ما درسته عنه في أي مرحلة دراسية وما مثله لك فيما بعد.

أنا لا أتهكم عزيزي المواطن المصري، فالمجمّع حقيقةً مؤسسة علمية هامة، واندلاع النيران في بنيانها خسارة علمية وقومية لاشكّ، أنا فقط أريد أن أحدثك عن مجموعة من التفاصيل، تبدأ كلها من المشهد الذي كررته وسائل الإعلام لمجموعة غير متناسقة من الأطفال والشباب ومتوسطي العمر يهللون ويهتفون أمام المبنى المشتعل: ولسه...ولسه، ليسأل الجميع السؤال الحتميّ: دول ثوار؟ دول بذمتك ثوّار؟

نعم، عزيزي المواطن، بعض ممن رأيتهم في المشهد أعلاه _ إن لم يكن كلهم_ من المحتمل كثيراً أن نطلق عليه التسمية السامية: ثوّار.

منهم من نزل في 25 يناير و28 يناير، وهذا لا يعني بالضرورة أنهم على درجة عالية من الرقي والتعليم والسلمية والثقافة والمعرفة الحضارية بالمواقع والمباني والمؤسسات العلمية والتاريخية الهامة في مصر كما تفترض عزيزي المواطن في تعريفك "للثائر الحق".

لا أحد يعرف على وجه التحديد من أشعل المبنى، وإن كنت أذكرك بتاريخ حرائق المباني والمخازن الطويل في نظام مبارك الذي لا يزال جهازه الأمني بعقليته الشهيرة قائم وفاعل، وهؤلاء الذين رأيتهم في المشهد، وتتسائل حول مدى ثوريتهم، هم مواطنون رأوا مبنى حكومي بحسب ما توحي هيئته تشتعل فيه النيران، مجاوراً لعدد من المباني التي تعرضوا من فوقها ومن داخلها وفي محيطها للرصاص والطوب والقنص والسحل والتعذيب، فهللوا وابتهجوا، لا لأنه "المجمع العلمي المصري"، والذي أشكّ في أنك كنت تسمع بوجوده أو تعرف محله قبل أن تعمل الآلة الإعلامية في تعزيتك الحارة فيه، بل لأنه مبنىً ينتمي إلى "الحكومة"، ينتمي إلى منظومة القمع والقهر والعنف، يشتعل، لأنها خسارة للـ"حكومة"، خسارة للـ"ظلمة" الذين يحاربونهم في الشوارع من أجل حريتهم.

هل هم "ظلمة "فعلاً؟ سأجيبك عن ذلك فيما بعد لكن الآن أريد أن أعرف لمن توجه لومك العميق عزيزي المواطن، كون بعض "ثوار" بلدك يفتقدون إلى الثقافة والوعي، في جهلهم بقيمة المجمع العلمي المصري وبوجوده من الأساس، ربما مثلك بالضبط، إلا للنظام الذي شكّل وعي هؤلاء ووعيك، نظام خرّب ثقافتهم ونفسيتهم ومعرفتهم بالحدود الفاصلة بين الحكومة والدولة.النظام الذي يحاول البقاء قائماً بكل الوسائل الممكنة وأقذرها، وعبر استغلالك أنت كذلك.

ربما تعتقد عزيزي المواطن أن كل ملابسات حريق المجمّع وصلتك بكل دقّة وحيادية عبر وسائل الإعلام، الرسمية وغير الرسمية، لأنك لم تسمع اتهاماً واضحا للثوار هذه المرة، لم يتم كالعادة تلفيق فيديو لأحد الأشقياء يعترف أنه تلقى تدريباً في صربيا لحرق المجمع، لكنك للأسف تعرضت لما هو أسوأ، عبر عدد من آليات خداع الإعلام، الذي أدرك القائمون على صنعه أن عليهم تطوير آلياتهم في مقابل تطوّر وعيك النسبي في مواجهته منذ أحداث الثورة والفضيحة الإعلامية آنذاك.

الخدعة الأولى كانت "التأطير"؛ أن يصلك الخبر داخل إطار وجود "مخربين" _طرف ثالث_ مأجورين بين "الثوار" أشعلوا النيران في المبنى، دون أقل دليل رسمي واحد على ذلك، وهي للصدفة نفس نظرية السلطة بشأن سبب اشتعال المبنى وهي ليست نظرية عشوائية، تعتمد السلطة، أي سلطة، في استمرارها على شرعية تروّج لها بكل السبل وبكل وسائل التضخيم والتهويل: "الحفاظ على مقدّرات الوطن من أخطار وتهديدات خارجية وغامضة"، ليظل المواطنون مدينون على الدوام لهذه السلطة مهما ارتكبت من أخطاء أو تجاوزات بفضل حمايتهم وتجنيبهم ما لايعرفون تفاصيله بوضوح.

الخدعة الثانية هي "الإيحاء الضمني"، نعم لم يتّهم أحد هذه المرة "ثوار 25 يناير"، الذين نعرفهم جميعاً، الثوار الأطهار الأبرار مهندمي الزيّ شباب الفيسبوك السلميين خريجي كليات القمة، والذين على مايبدو ووفقاً لبيانات المجلس العسكري، لم يشاركوا بعد التنحي في أي تظاهرات أو احتجاجات أو مسيرات أو اشتباكات.

لكن الإعلام ظل يكرر عليك بشكل مستمر: مخربون بين الثوار، هناك طرف ثالث يندس بين الثوار، الثوار بينهم من يشعل الموقف، هؤلاء من أشعلوا المبنى_وبالمرة يواجهون القوات الأمنية الآن_ ليسوا ثواراً، الثوار سلميون، لايمكن أن يفعلوا "تخريباً" مماثلاً. لتصلك الرسالة: الثوار لابد أن يوضّحوا موقفهم، الثوار لابد أن يعودوا إلى منازلهم كي تتمكن السلطة من العثور على المخربين،الثوار لا يستطيعون السيطرة على الموقف، الثوار كائنات ملائكية مطيعة وغير صدامية،وفي نفس الوقت! نزول الثوار مرتبط بالخسائر والحرائق، يجب أن تتوقف الاحتجاجات والتظاهرات كي لا يندسّ أحد.

وهو ما تريده السلطة تحديداً،وحدث ويحدث، أن يتحول "نزول الثوار" في ذهنك إلى مصدر قلق عارم واحتمال للخسارة الفادحة على غرار المجمع العلمي الذي أقدر مصابك فيه.

وأن يتحول أي عمل صدامي، لا أقول الحرق أو التخريب، بل "أي" عمل "صدامي" مع قوات الأمن إلى عمل منسوب لـ" المخربين" و"الطرف الثالث".

يتوّج كل هذا في النهاية "التحييد"، "الخدعة الثالثة"؛ أن يحوّل الإعلام المشهد الكبير إلى مجموعة من قطع مشاهد صغيرة متفرقة، ليتحول بالدور حكمك على كل قطعة على حدة، فأنت أمام مشهد الفتاة التي انتهك جنود الجيش آدميتها وعرضها في الأسفلت تشعر بغضب عارم تجاه "هؤلاء الجنود" الذين تصرفوا على نحو وحشيّ، وأمام مشهد حريق المجمع العلمي تشعر بغضب عارم تجاه "الثوار" الذين سمحوا أن يندس بينهم من يقوم بهذه الأفعال، ثم تعرف أن السبب كان "لعب الكرة" _هكذا ببساطة_ دون أن يسمح لك الإعلام بلقطة واسعة للمشهد الكامل لتعرف الدوافع والأسباب والتراكمات والتطور الحقيقي للأحداث والمقصّر الأول في ترك المجمع يحترق وفي إعطاء الأوامر بالسحل والضرب والانتهاك.

تجد نفسك في النهاية مع تفتت المشاهد إلى بازل غير مترابط ولا مؤدٍ إلى بعضه البعض، مجرد مشاهد متتالية مؤثرة، أمام السؤال المؤجّل: "هل المجلس العسكري وأذرعته السياسية والقمعية ظلمة فعلاً؟"، غير قادر على الجزم.
خاصة أن هناك صورة ذات دلالات كثيرة عن سبب حرق المجمع العلمي المصري، الصورة التي توضح لك فعلاً من حرقه وكيف، الصورة التي ستجدها لاحقاً في هذا المقال وستجدها بالصدفة على فيسبوك وتسأل نفسك لمَ لم ترها في أي وسيلة إعلامية خلال محزنة المجمع المصري؟


هنا تتجلى أدوار إعلاميين على غرار "خيري رمضان" و"لميس الحديدي" وغيرهم، إعلاميي الولولة والتشتيت، إعلام "ليه كده بس؟" و "ينفع كده؟" و"هما دول الثوار؟" و"حرام..كفاية"، إعلام إنهاك أعصابك بالصراخ والخسائر والتعليق المبتسر على المشاهد المتفرقة _ولا بأس من القليل من تنزيه ثوار 25 يناير الملائكيين من الخطيئة بكافة أشكالها_ لنصل في نهاية كل حلقة إلى: لا شيء، سوى ابتلاعك لمجموعة الخدع أعلاه ورسائلها الضمنية.

بينما لا يتم طمأنتك بأي شكل أن هناك نسخاً موجودة ولو حتى لأغلب هذه الكتب النادرة، تخيّل الموقف: لو كان قد نشب حريقاً مماثلاً بسبب ماس كهربائي، كانت نفس وسائل الميديا، ونفس البرامج ونفس المذيعين، سيحاولون تهدئتك أن "السلطات قد سيطرت على الأمر"، "هناك عدة نسخ من أي كتاب نادر وهذا بديهي في عدة أماكن ومؤسسات".

الأهم أنك لن ترى هذه الصورة، الصورة التي توضح لك من الذي "حرق" المجمع العلمي المصري، حين طلب من أفراده الصعود إلى سطحه وإلقاء الحجارة والرخام على المتظاهرين فحوله إلى مصدر تهديد وقتل واجب الحرق.



ينطبق الحديث على الصحافة المقروءة كذلك، مع ملاحظة أخرى مثيرة للدهشة، الصورة الأكثر تأثيراً وجدلاً في أحداث الأمس السبت 17 ديسمبر: صورة الفتاة المصرية عارية تحت أقدام جنود المجلس العسكري، التي نشرتها عدة صحف أجنبية على مستوى العالم: صنداى تايمز ونيويورك تايمز والميرور البريطانية ولوموند الفرنسية ووهآرتس الإسرائيلية وثينك بروجرس النرويجية وجريدة بيليد الألمانية، لم ينشرها من الصحف المصرية اليومية سوي: التحرير _ في صفحتها الأولى بشجاعة كاملة_والشروق في طبعتها الثانية في الصفحة الثالثة.


بينما يمكنك ملاحظة المانشيتات المروّعة والصور المفزعة والمراوغة والموحية عن التي صدّرتها الصحف اليومية المصرية على صفحتها الأولى عن حريق المجمع المصري وفداحة مصابك أيها المواطن في أعز ما تملك، مجمّعك العلمي. بعيداً عن مسألة هامشية، صورة أخرى من مشهد أخر لا يرتبط بالضرورة بمشهد حرق المجمّع: مصرية مسحولة يتم تعريتها ودهس صدرها، بعد ضربها بالهراوات و الأقدام عدد لا يحصى من المرات على كل قطعة من جسدها ثم سحبها على الأرض.
نعم، مصابنا لا يعوّض ولا يوازيه أي مصاب آخر.....في حريق المجمع المصري.





22 October 2011

اتحسسوا رتبكم

قائدكم الأعلى
و دولتكم الميري
كاباتكم الحمرا
والشخط والشومة
قامت قيامتكم
مش هوجة ملمومة.

مش شلنا راس الصنم
علشان نألّهكم
متناش عشان يحكم
من كان يعظّمله
كنتوا ف نعيم دولته
سيفه وأكرم له
عيّشكوا ف قصوركم
ودفنا ف جحورنا
ونزلنا عزل.. نزلتم
تتحاموا ف ضهورنا
شلناكوا ع الأكتاف
ركّعتوا أسيادكوا
قلنا حيتعلموا
الهيلمان خادكوا

الجيش مش العسكر
اتحاموا فيه أكتر
لو متنا برصاصنا
استقبلوا الطوفان
استقبلوا جيوشنا
لو قلتوا نحكمها
اتحسسوا رتبكم
وافتكروا ف وشوشنا

04 October 2011

كيف يرى الميري ثورتك عزيزي المواطن؟


عزيزي المواطن المصري، كيف يفكر الميري في ثورتك؟
لماذا أشير إلى اللي بالك بالك بالـ "ميري" بعد الثورة، رغم أن الثورة كانت في الأساس ثورة حريّات؟ بعد أن كان مبارك نفسه مشاعاً للنقد والسبّ والمرمطة الصحفية والشعبية؟
سأجيبك عن أحد السؤالين، الآخر أجب عليه بنفسك وأنت تسمع مداخلات السادة اللواءات على التوك شوز.

الإجابة هي
التالي، ربما بعد قراءتها تلوم نفسك على إهدار وقتك في قراءة ما تعرفه مسبقاً، أنا أنشرها فقط للتاريخ، ولنفسي، لأنها إجابة تشككت فيها طويلاً أن تكون الرؤية الرسمية للميري، إلى أن أكدتها لي روايات عديدة من ثقات: أصدقاء ومقرّبين، التقوا بقيادات أمنية وعسكرية، بينها وزير الداخلية نفسه، وشخصيات تتحكم الآن في المصير المصريّ على أعلى مستوى، نعم، منهم اللواءات العظام أصحاب الصوت الفخم والصراخ الوطني في التوك شوز، كذلك متقدّمين للكليات العسكرية والأمنية، حضور في لقاءات رسمية، مؤتمرات ميري، وغيرها من اللقاءات التي يتم التجهيز لها بكلمات وبيانات رسمية معدّة بدقة وفقاً لرؤية السلطات الحاكمة.
مجمل هذه الشهادات هو التالي، مجمل تجميعها جنباً إلى جنب، صدّقه أو لا، هذه مدونة شخصية، وهي لا تعبر سوى عن رأيي ويجوز فيها العمل على نصوص تخيلية كثيرة، يمكنك اعتبار التالي إحداها:

هذه ثورة طاهرة، نزل فيها جموع الشعب المصري وشبابه الطاهر, طلباً للتغيير واحتجاجاً على الفساد الذي كنا نجأر منه جميعا، شباب 25 و26 و27 الطاهر النبيل العفيف الشريف، ثم جاء 28 يناير، وهنا قفزت قوى الظلام على الثورة، القوى السياسية المدعومة من الخارج ( يعني الإخوان و 6 أبريل تحديداً، نعم، قيادات أمنية بارزة يمكنها أن تجزم لك بذلك، ولا تندهش أن تعرف أن ثقافة لواء عظيم الشأن يمكن أن يتحدث بهذه الخفة والجهل عن كفاية ونشأتها مثلاً، أن يكون فعلاً لا يعرف شيئا عن تاريخ 6 أبريل ولا نشأتها ولا ارتباطها بالحركة العمالية ولا حجم التدريب الاستراتيجي الذي أعدّته حركة أوتبور الصربية للحركة أو قوة الحركة ذاتها في الشارع وشعبيتها )، هذه القوى السوداء: أحرقت أقسام الشرطة ومقرات الحزب الوطني والمنشآت الحيوية (الإخوان على موتوسيكلات بالمناسبة وفقاً لإحدى الروايات) ، رغبة منها في إسقاط الدولة المصرية، لكن مصر لا ولن تسقط، إذ قيّد الله للثورة المصرية جيشها العظيم ليحميها في بوادرها من الانحراف الذي أرادته لها هذه القوى المنفّذة لأجندات خارجية، يمسك بزمام الأمور، يحمي المواطنين الشرفاء من الأفّاقين والمدّعين والثورجية والنشطاء الممولين من الخارج ( حزب الله وحماس و آخرين) من تصدّر المشهد والذين يواصلون إلى الآن محاولاتهم الهدّامة لتقويض الدولة، أما لم لم يتم الإعلان عن هذه التفاصيل في حينه؟، لأنه لم ولن يكون من المناسب أن يعرف الجميع أن مجموعة من العناصر المخربّة الممولة من الخارج كانت قادرة على ليّ ذراع النظام وهدم الجهاز الأمني المصريّ الأسطوري وحشد كل هذه الجماهير، نعم، لا يمكن أن نعترف بشيء كهذا رغم قناعتنا كجهات منضبطة ومسئولة بذلك، ففي النهاية، وبالرغم من كل شيء كانت هذه هي رغبة الجماهير الشعبية العريضة ورغباتنا كذلك على نحو ما، وهو المهم.

هناك تياران داخل المؤسسة الأمنية المصرية: تيار ضئيل خافت في الأجهزة الأمنية الرسمية في مصر، يعتقد بأنها ثورة حقيقية، لم تحقق أهدافها بعد، ثورة أصيلة بدأها أفراد مخلصون من هذا الشعب وواصلته الجموع الغفيرة دون أي تدخلات أو أجندات خارجية. وتيار أساسيّ، لايزال يقف عاجزاً أمام حقيقة أن التغيير في مصر تمّ بالفعل، فاجئهم، تحرك بمعزل عنهم وهم أباطرة الحلّ والعقدّ والقوة والتخابر، فكان الإنكار والتصورات البديلة هو الحل لكل شيء، اعتبارها "أحداثاً" أو "احتجاجات"، فعل كل شيء ممكن لتبرير كيف يعقل أن تقوم ثورة لا تتوقعها مخابرات ولاجيش ولاشرطة، ولكي يواصلوا القدرة على إقناع الشعب أنهم لازالوا هناك لحكمه وحمايته.


عزيزي المواطن، كان هذا نصاً تعبيريا..
كل عام وأنت بخير بمناسبة نصر أكتوبر المجيد، شاهد فيلم الطريق إلى إيلات واسمع كلمة المشير وتمنى لنفسك ثورة سعيدة.