السبت، أبريل 07، 2012

دوائر




أنا مش تبع مخلوق يا سيدنا البيه
أنا حر فى اللى يقول ضميرى عليه
..اذا كنت تحكم جوا ملكوتك فالشارع الواسع فاتح لى أيديه

قولوا له يا ولاد الشارع لمين ؟
الشارع لنا أحنا لوحدنا
والناس التانين دول مش مننا
دول ناس أنانين في أماكنهم واقفين
دول مش مننا

(1)

(1) دائرة عُهر
في الوجيز: عَهَر عهوراً أي فَجَر
في يوم الثالث من إبريل تم التحرش بالمصرية نانسي الخطيب في شارع المهراني بحي الظاهر في عز شمس الظهيرة ولما تجرأت نانسي على رفض التحرش ورد الصاع صاعين ضُرِبت أمام أهل الشارع من قبل المجرم المتحرش وأمام المسئولين في جمعية الجيزويت الواقعة على بعد مئة متر من مكان الواقعة. ضُرِبت نانسي حتى أصيبت بارتجاج في المخ ما زالت تتعافى منه حتى يومنا هذا. ليس من حقي الحديث عن الأثر النفسي الواقع على نانسي فهذا حقها وحدها. مورس العُهر أمام الجميع وبتواطؤ الجميع وتم تهريب المجرم بمعرفة الجميع ورفض الجميع بما فيهم جمعية الجيزويت التي تسمي نفسها جمعية "للنهضة" الإدلاء باسم المجرم حين ذهبت نانسي الخطيب لتحرير محضر بالواقعة واعتبروا أنفسهم أبطالا أن شهدوا في محضر سيحفظ بأن التحرش بنانسي الخطيب تم من مجهول لا يعرفونه. خلصوا ضمائرهم. هم فقط – عُهرا – لا يعرفون هذا العامل الذي هبط من الفضاء الخارجي عليهم في دكان "طارق سند" للأدوات الصحية.

أصابنا تورم وجه نانسي والجروح التي تغطيه بالذهول والغضب الشديد. ثورة ثورة. مصر في ثورة. ذهبت وأربع من الشجعان لنكتب على الشارع "الشارع لنانسي مش للتحرش الجنسي" وأمام دكان طارق سند رسمنا دائرة كبيرة عليها تحذير: "احذري منطقة تحرش جنسي"
غضب أهل الشارع على كرامتهم، فمن تجرأ وكتب أن هذه النقطة حدث بها تحرش جنسي؟ قالوا إن هذا معناه إنهم مجموعة من الديوث – هم من قالوا لا نحن - وبدأ "الضرب" الذي أصابني وأصاب من معي بما أصاب، فهم كراما ولا يقبلون على أنفسهم أن يطبع في شارعهم أن تحرشا جنسيا وتعديا جسديا قد تم.
رد مدير الجمعية على حين قلت له: الأهالي غضبانين على حيطة ومش غضبانين على الإرتجاج إل أصاب نانسي؟
بدائرة القوادة الأولى: "نانسي اتوفت الله يرحمها ما بنكتبش على حيطان الناس"

Description: http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash3/s320x320/542627_10151470241180374_868430373_23663337_598101227_n.jpg

دائرة تناقض (2)
شارع المهراني مغطى بجرافيتي جداري من أعمال الجمعية النهضوية للجيزويت، بعض الكلام الفارغ والورود عدا جرافيتي واحد سيأتي ذكره لاحقا، الجمعية تعمل منذ 15 عاما في الشارع وتدعي من إنجازاتها ما تدعي والتي لا يقع من بينها على ما يبدو ألا يُضرَب انسانا ضربا مبرحا. لوحتنا السوداء والحقيقة الوحيدة في الشارع هي التي أزعجت الجمعية النهضوية وأقلقتها وقضت مضجعها. ثم بدأ الابتزاز الذي يُحَمِل المرأة مسئولية كل ما يحدث مثلما تم تحميله لنانسي في اليوم السابق: قالت لي نساء الشارع: "بقعدتك هنا وقعتي الرجالة في بعض وناس هتموت بسببك"
Description: C:\Users\youssri.khalil\Contacts\Downloads\543204_316629738403573_136134886453060_848776_1710863314_n.jpg




دائرة عُهر (3)

أغط الحرف بالجرح
أكتب فوق جدران...
عواطفها من الملح...
وأبصق فوق أوثان...
عواطفها من الملح...
وأعينها...
ومنطقها... من الملح

قام أعضاء الجمعية بإعادة طلاء ما كتبناه لتغطيته وكأن تغطية ما كتبناه سيمحو ما حدث. غطوا المرايا. أما ما لم أحتمله فهو الجرافيتي الوحيد الذي كانوا رسموه قبلا يحمل صورة البطل مينا دانيال وكُتِب تحتها "كلنا مينا دانيال". تذكرت ساخرة "إن مينا مات الله يرحمه وكتبوا على حيطان الناس"
لا يا سادة، لم يكن مينا جبانا ولا قوادا ولا عاهرا. لم يضحي مينا بشارع ارتكب جريمة شنعاء وذهب يخطب وده بعدها ويتعهر ويتلوى كالجواري للملوك. ضحى مينا دانيال بشباب وتاريخ وأهلا وبلاد، فامسحوا صورة مينا عن عهركم. مينا بريء منكم ولا تقلقوه. لم يكن مينا دانيال عاهرا يقبل الحلول الوسط والتذلل ولعق الأحذية والمساومات. كان شجاعا وجميلا ولو كان بيننا لكان حسابه معكم عسرا. عسرا جدا. لا تتمسحوا في مينا دانيال البطل لتوهموا المجتمع "بتضامن" بينكم وبين أهل الشارع لقاء مذبحة ماسبيرو. طفح كيلكم وأغرقنا بالخراء، لا تدنسوا مينا البطل معكم. العبوا ألعابكم بعيدا عن الجميل الشجاع الذي عاش كاملا لا يدنس كماله وجماله التصنع وحسابات المكاسب والخسائر الوقتية. عاش على ما آمن ولم يكذب. أزيلوا "مينانا" من على حوائطكم. مينا ليس لكم، ليس فجورا أن تطبعوا على حائطكم "كلنا مينا دانيال" فحسب، بل قمة فجوركم هو أنه ليس بينكم عُشر مينا دانيال واحد. مينا الذي عاش واقفا رافع الرأس، يلعن الذن، يلعن السكوت ومات شجاعا ولم يكن أفاقا. مينا الذي غنى: "محمد، مينا، ليه الثورة جميلة وحلوة وإنت معايا" ليس لكم نصيب فيه. ولو وصل الأمر لتعرضي للضرب مرة أخرى فأقل ما أقدمه لمينا هو أنني بنفسي سأمحو وجهه الطاهر عن حوائطكم المقدسة ليخرج من شارعكم للأبد، لم يكن مينا عباد حوائط وأصنام، كان مؤمنا بالإنسان. ليس منكم مينا دانيال، ليس منكم. لم تكتفوا بالكذب وشهادة الزور بل اشتريتم حتى الشهيد البطل لتتاجروا به. سامحنا يا مينا، كان لابد أن أمسح وجهك الجميل وعبارة "كلنا مينا دانيال" من على حائطهم قبل أن أترك الشارع ونسيت يا مينا، نسيت. سامحني، هو ديْن في رقبتي يا من لم تساوم ولم تداهن ولم تخش الرَصاص، لم تخش جيشا بسلاحه وليس غضبة شارع تافه مجرم. لو كنت مثلهم يا مينا لكنت بيننا الآن، إنما كما قال علاء عبد الفتاح "الثورة معجبانية وبتختار أحلانا ومينا أحلانا". لو كنت قابلا للعُهر يا مينا لكنت بيننا الآن، ولكننا لن نسمح وكل ما بقى لنا ذكراك ودرسك القاسي إلا أن نوقف تدنيس اسمك في دائرة العُهر التي لم تدخلها يوما. إنهم لا يعرفون صدقك يا مينا وظنوا إنك سلعة لشراء أصوات وشراء الشارع. جرءوا أن يرسموا صورتك ويكتبوا تحتها "كلنا مينا دانيال". تذكرت يا مينا يوم احتللنا المستشفى القبطي محررين إياه من دولة الظلم كي نحفظ حقك واخوتك، طردنا منه كل ما هو رسمي واسمي وأفاق ومنافق وكذاب، أمنَا مشارط تمر بجسدك الطاهر كي نحفظ حقنا فيك، فأنا أعرف أنك الآن حيث هرب الحزن والكآبة والتنهد ولكنا غفلنا عن تحرير ذكراك الطاهرة من الشارع الذي يقع للصدفة خلف المستشفى الذى كان يخطط ليتواطأ عليك يا مينا وإخوتك بالضبط. تذكرتك خارجا من التحرير وأمك وأختك الشجاعتان مصممتان على خروجك من "التحرير" حرا، بيتك ومطرحك، مكانك الذي ثبتت فيه حتى الموت وثبتَنا فيه. إنهم يتاجرون بك يا مينا. أرأيت العهر يا صديقي؟

دائرة بلطجة (4)
قام أهل الشارع بعد يوم واحد وبشراكة وشهادة أهل الجمعية النهضوية للجيزويت بالتعدي علينا بالضرب والسباب وصمتنا. كنا نعرف ما نحن آتون لفعله وفعلناه. كان ردي على الركل أن هذا لا يمثل شيئا أمام "بيادات الجيش". كان كل هم الجمعية النهضوية "تهدي النفوس". فكما قال لي مديرها وأباها الروحي الراهب وليم سيدهم – وما أعجب كلمة "روحي" في هذا السياق"- إنه لن يخسر شارعا من أجل نانسي! لم يكتف فقط بأن الحوائط أهم من الانسان، بل إن التضحية بنانسي مقبولة مقابل الشارع المجرم، ليس ذلك فقط بل ولم تهتز له شعرة لأنه تم التعدي علينا بالضرب. يبدو أن الشارع أهم من كل انسان وليس من نانسي فقط، فكيف سنفخر بالعمل في مناطق فقيرة إذا دنس الواقع عملنا؟ ووصلت الوقاحة والفجاجة إلى دخول مدير الجمعية على صفحتنا التي صككناها على فيسبوك من أجل تحرير شارع المهراني بقولهم: "أنتم ممنوعين من دخول الشارع". الجمعية النهضوية تمنعنا من دخول شارع في مصر يا سادة. فقد تملكوه، يبدو أن شارع وزارة الداخلية لم يكن الشارع الوحيد المحتاج للتحرير في ثورتنا، فبينما "يأمرني" أحد أعضاء الجمعية "يالله قومي معايا من هنا" فأرد بحسم "لأ" يزعق مذهولا "يعني إيه لأ؟" فقد تملكونا أيضا مع الشارع، ويرد العضو الكريم "يبقى هتنضربي هنا" فرددت: "ألم تضرب نانسي أمامكم هنا؟ لست أنا بأفضل من نانسي. انظروا لأنفسكم في المرايا وهذا ما جئنا لفعله"
Description: C:\Users\youssri.khalil\Contacts\Downloads\060420121367.jpg

دائرة كرامة (5)
بينما يُمارس كل هذا العُهر حولها وحولنا والمغري جدا باستعراض اتصالاتنا وقدرتنا على البلطجة – وما أسهل ذلك – رفضت نانسي الخطيب وحتى هذه اللحظة العروض المقدمة من كثيرين لسحب المجرم الذي نعرف مكانه واسمه وطريقه لضربه في نفس المكان الذي ضربت فيه على رأسها ووجهها بزجاجة تزن كيلوا ونصف. رفضت لأن مبادئها وخياراتها الحياتية لا تسمح. رفضت لأنها شجاعة وتعرف معنى الكرامة. رفضت لأنها تريد حقها بالقانون "كي لا يتعرض أحد لما تعرضت له" كما قالت نصا. رفضت لأنها قررت في عز ألمها ألا تدخل دوائر المساومات والمقايضات ولعبة "إن كان القانون مش هيجيبلي حقي هأجيبه أنا بنفسي" وما كان أسهل ذلك، ما كان أسهله، إنما ليست كل الناس مثلكم، هناك "جمعيات نهضوية مدعية" وهناك أناس نهضوا بالفعل ووقفوا مدافعين عن اختياراتهم غير قابلين أنصاف الحلول، هؤلاء هم من يحق لهم أن يكون في حياتهم "مينا دانيال"

دائرة عهر (6)
ادعى مديرالجمعية الذي يعتقد أن "الحائط أهم من نانسي" أن الحائط الذي كتبنا عليه – وهو الحائط الوحيد الذي كتبنا عليه والباقي على أرض الشارع – هو لمبنى أثري ثم قاموا برش نفس المادة لمسح ما كتبناه. تذكرت لميس جابر وهي تقارن ضرب فتاة بمبنى مجمع علمي وهنا وجب الكلام: هرم خوفو الأكبر لا يساوي إهانة انسان. انتهى. أي نهضة، أي نهضة تقوم على الحجارة مقابل البشر يا أيها الجبناء؟ أما أعضاء الجمعية وأهل الشارع فقد ادعوا ما ادعوا علينا وفوجئنا بالراهب وليم سيدهم يتصل بنا هاتفيا مصدقا كل كلمة قيلت له دون حتى أن يستمع لشهادتنا. دارت دوائر شهادات الزور. استجدت الجمعية أهل الشارع ليرضوا عنها، نفذت لهم ما طلبوه، لعقوا الأحذية ومسحوا كلمة الحق لتبقى كلمة الباطل وتدوي في مصر الثائرة.

دائرة عُهر (7)

لم يقم طبيب مستشفى الهلال التي تم تحويل نانسي إليها من قسم الشرطة لبيان إصاباتها بعد تهريب المجرم بالكشف على نانسي كما يتوجب وبالرغم من وضوح كونها ضُربت على رأسها وبالرغم من محاولات أمين الشرطة البسيط دفعه لذلك، لم يقم بواجبه، وأكرر مرة أخرى برغم محاولات أمين الشرطة الذي شهد تقيؤ نانسى وهو علامة من علامات الارتجاج داخل القسم ورغم محاولة هذا الأمين أن يكرر طلبه بأن تدخل نانسي الخطيب إلى غرفة كشف ويتحقق من إصابتها، كما لم يقم الضابط الذي قام بكتابة المحضر بسؤالها عن ألفاظ السباب التي وُجِهت إليها والكفيلة بحفظ حقها القانوني في السب والقذف والتحرش



تداخل الدوائر
في وسط هذه الدوائر المتداخلة نقطة التحرر فادركوها. نبكي آلامنا ونفرح بانتصارنا، فكشف العهر انتصار وإسقاط الأقنعة انتصار. ألم تكن تلك ثورتنا؟ إسقاط الأقنعة؟ كشف المدلسين والمنافقين وتجار القضايا والبشر؟ الشارع المجرم والجمعية المدعية تثبتا في دائرتهما ولم يبق فقط إلا الديْن، إخراج مينا البطل من شارع الجبناء. ليس كل من يملك علبة طلاء يكتب "كلنا مينا دانيال"

الخميس، فبراير 09، 2012

ليس بإسمي Not In My Name

http://www.almogaz.com/politics/news/2012/02/8/182161?fb_comment_id=fbc_10150563244099300_21903908_10150563285674300#f28cc7ebb4187f2

لو صح ما نقلته جريدة الأهرام عبر هذا الرابط ولو لم ينفه بطريرك الكرازة المرقسية شنودة الثالث عاجلا غير آجل فواجبي أن أعلن:
واسمي الثلاثي جين لوميل فهمي أن بطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية شنودة الثالث الجالس للأسف على كرسي مارمرقس كاروز الديار المصرية الذي سحله حكام مصر الرومان عبر شوارع الإسكندرية حتى تمزق جسده واختلط لحمه بترابها ليبشر بدعوة يسوع المسيح الذي عصي الحكام في كل ظلم وقهر وتبع مارمرقس شهداء الإيمان عاصين للحكام لا يمثلني - البابا البطريرك شنودة الثالث- في أي شيء وليس راعيا روحيا لي بأي شكل من الأشكال بدءً من هذه اللحظة لأن تشويه آيات الكتاب المقدس وإخراجها عن سياقها لتناسب الحاكم لا تجعله في الوقت الحالي راعيا روحيا أثق أنه سيصل بي لملكوت الله وهو هدف الكنيسة الأول وأصلي له من كل قلبي ألا تنتهي حياته وآخر ما فعله هو مداهنة الحكام. أنا مسيحية أرثوذوكسية مصرية ثابتة على الإيمان وسأعيش وأموت ثابتة عليه. صلوا لأجله

رأس كنيسة قامت على أجساد الشهداء الذين عصوا الحكام تدين عصيان مدني سلمي؟ هل أنت نفسك البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة المرقسية الذي أمر الأساقفة بالصلاة عصيانا لأنور السادات بعدما أغلق كنيسة الزاوية الحمرا قائلا بالحرف الواحد: "صلوا في الكنيسة التي أغلقها ولو ضُربتِم بالنار الحي؟"
نصلي لأجلك كل حين

الخميس، ديسمبر 29، 2011

مت يا مايكل وأرحنا من مأزقك

من المتوقع أن ينهار جسد مايكل نبيل سند خلال أيام قليلة، مايكل داعية السلام وإن كرهتم، رافض التجنيد الإجباري في الجيش الباسل وإن امتعضم وأحد مؤيدي اللاعنف وإن تأففتم وبصقتم وزففتموه بالسباب. هانت، سير الأمور ينبىء بأن مايكل سيريحكم من مأزق دعمه قريبا.
قررت أن أكتب الكلمتين إل جايين دول لأنني أنوي أن أكون صادقة مع نفسي ولا أنعي مايكل نبيل، عشان لما مايكل نبيل هيموت جوعا سيتحول فجأة إلى بطل الساعة وأهي فرصة نشرشح للمجلس العسكري والمحاكم العسكرية راقصين على جثته. توقعي وقتها هو أن تتبارى الأقلام والبرامج والمواقع والنشطاء في الولولة ونعي "شهيد" حرية الرأي، لذلك وقبل أن يموت حبيت أقولكم ياريت ساعتها تنكتموا وجاتنا جميعا ستين نيلة أكتر م إل جايانا عشان إحنا نستاهل كل نيلة منهم وأي من هيفتح بقه ينعي مايكل يقفله أحسن ويخلي عنده دم لأن ساعتها دي هتبقى تجارة فجة بجثته.
نحن، الثوار، الذين نادينا "حرية، كرامة إنسانية" ووضعنا أجسادنا فداءً "للحرية" قضينا شهورا بينما مايكل يعيش رسالته ويدفع ثمنها حتى الفلس الأخير من صحته ولحمه الحي نتجادل حول "لياقة" مساندة "داعية سلام" وشخص من "رافضي العنف" ومناسبة ذلك ومنافعه ومضاره على الثورة والمقاومة بينما كان جسده ينهار يوما بعد يوم. نحن أرازل النشطاء الذين دعمناه بعبارات من نوع: "خليه يخرج من السجن وبعدين يروح في ستين داهية"، نصبناه "محب للصهاينة" وهو ما لم يقله يوما. ثم أفقنا بعد نحو من فقدان مايكل نصف وزنه ونصبنا أنفسنا أبطالا محايدين عندما
اكتشفنا إننا سنؤكل يوم يؤكل مايكل نيبل وقررنا إذ فجأةً بدون أي تفكير في منفعتنا الشخصية أن قضيته في النهاية قضية رأي لابد من الدفاع عنها بعد أن عصرنا على نفسنا فدان ليمون أضاليا عشان نستحمله جاه القرف في رأيه الزبالة ولكن ماذا عسانا أن نفعل؟ نحن أصحاب مبادىء لا تتجزأ. استقبله السجن الحربي وسط لعنات الأقباط ومعظم النشطاء وما هذا الصهيوني العميل محب إسرائيل إل هنهزله طولنا وندافع عن قضيته؟ نكل به دعاة "المقاومة المسلحة" حتى أنسوا الناس اسمه ومعاناته وجعلوه مرادفا "لعميل إسرائيل"، واستكمالا لسفالتنا معه نكل به الأقباط لأنه تجرأ على نقد الذات العليا في الكنيسة الأرثوذوكسية التي تفاخر الكاثوليك بإنها لا تعترف بعصمة لبطريركها، ثم إن مايكل ملحد، مالنا وماله؟
سنمارس نحن النشطاء بعد انهيار جسد مايكل ألعاب العهر التي نجيدها بكفائة ونفرق دمه بين القبائل. سنبلغ قمة العهر ذاك في نعي "البطل"، بل ربما نتجاوز ونعتبر مايكل نبيل "بطل من أبطال الثورة".
إلهي وإنت جاه نتنيل ساعتها ونسكت ونستحي على دمنا.
لقد وَضَعَنا مايكل نبيل في اختبار حقيقي ورسبنا جميعا وكان سقوطنا مدويا. أغرقنا البلاد نعيقا عن حقوق الإنسان وحيادها عن أي معطيات وزعقنا"ولا نرضى بالتعذيب ولا لحبيب العادلي". حتى جاءت ساعة الامتحان. أتم أحد أشجع ثوار يناير دوره كاملا بأن نفذ بإرادته: "طعن الخناجر ولا حكم الخسيس فيا" بل واختار ما هو أصعب من طعن الخناجر، الاضراب عن الطعام والدواء، ناهيك عن أنه كان أول من فهم لعبة العسكر ونحن مديونون له حتى النخاع. فهل أفقنا وانتبهنا لامتحان مبادئنا واختياراتنا؟ على الإطلاق! جاميه! أغرقنا مواقع التواصل الاجتماعي نقاشا وسجالا حول "رأي" مايكل، الذي يفترض أننا، ،نحن النشطاء المثقفون المترفعون عن الشعب الجاهل بثقافة حقوق الإنسان وحرية الرأي لا نسأل من الأساس ما هو هذا "الرأي". بلغ ببعض منا التبجح بقوله أن ربط قضية مايكل نبيل بقضايا المحاكمات العسكرية "هيخسرنا كتير". أصحاب مبادىء صحيح، ثوار طاهرون.
دم مايكل نبيل لن يلوث أيدي العسكر، سيلوث أيدينا نحن جراء تذبذب مواقفنا وميوعتنا ومياصة دفاعنا عن "حرية الرأي" حين لا يعجبنا الرأي أمام صاحب رأي رفض التنازل أو التراجع قيد أنملة. حق حرية الرأي والتعبير التي بارينا بها الخلق المتخلفين البهائم الذين لا يفهمون يعني إيه حرية رأي حين لم يعجبنا الرأي أصبح محل نقاش عبثي من نوع "هو ده رأي؟"، "لا مكان لرافضي المقاومة المسلحة بيننا" .النشطاء المثقفون واضحو المبادىء كالشمس الساطعة في أغسطس يعرفون تماما هذا المبدأ ولا يحيدون عنه، إننا الثوار الأطهار، أعيننا مغمضة كالعدالة في "مسألة مبدأ"، كل ما في الأمر إننا قضينا شهورا فقد فيها مايكل نصف وزنه وصحته نتجادل "هو ده رأي ولا مش رأي"؟
مايكل نبيل سند برقبة قورطة من نشطائنا. أكتب هذا الكلام قبل وفاته لأنني لا أنوي أن أنعيه. مايكل نبيل برقبتنا لأنه عاش ما أعلن إيمانه به بالضبط. كتب إنه مؤمن بالمقاومة السلمية وتمسك بمقاومته السلمية على طريقة غاندي بالإضراب عن الطعام حتى النهاية، رفض الاعتذار ورفض أن يحني رأسه، كتب موضحا إنه مستعد للموت ولم يتراجع. سواءً أعجبتك طريقة غاندي أم لم تعجبك فأنت أمام انسان لا تستطيع أن تمسك عليه خطأ التلون والخذلان وخزي الميوعة. خاض معركته بلا سند وبلا نقطة دم واحدة. مات من أجل ما يؤمن به بدلا من أن يَقتل من أجله. . أما نحن الأطهار الذين لا نتهاون في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير فقد هشتجناه ونظمنا له مسيرتين تلاتة ولم نتوانى عن التغريد: "أساند مايكل نبيل رغم إنه كذا وكيت"، "أساند مايكل رغم إنه إبن هرمة صهيوني"، "أساند مايكل رغم إن ما عنديش مانع أسلخه حيا" "أساند مايكل بالرغم من إنه عميل" وتويتر عندكم، اقروا "مسانادتنا" لمايكل.
لذلك أرجوكم رجاءً حارا ألا تقتلوا مايكل نبيل مرة أخرى في قبره بعد أن قتلناه في زنزانته. اسكتوا، اتركوا الثابتين على حقهم في حرية الرأي والتعبير وأصحاب العزيمة في حالهم. لا يحتاج مايكل منكم التفضل عليه بلقب شهيد، ما تخلوش ال ف القلب ف القلب، قولوا إل ف نفسكم "غار في داهية إل بيحب الصهاينة" حسب ما قوْله من قوله. أخرجوا ما في النفوس وقولوا غار بتاع المقاومة السلمية وريحنا من قضيته إل كانت ممخولانا وأوف، يع، الواحد مضطر يتضامن مع واحد زيه.ما أرجوكم ألا تفعلوه هو أن تبجلوه وتعظموه وتنصبونه أحد "أيقونات" الثورة وتلاعبوا به العسكر والإعلام العالمي. فمايكل نبيل الذي وقف بلا دعم يذكر يواجه الجوع والضعف والتنكيل بإيمانه بقضيته منا ومن عرجنا بين الفرقتين براء.
العني إن نعيت مايكل نبيل سند بكلمة. فنحن لا نستحق حتى أن ننعيه.

الجمعة، نوفمبر 04، 2011

من البلبطة في جردل صغير إلى ثورة التحرير: أختام على القلب





طيب، مادام وجبت، خليني أحكي الحكاية. كنت واعدة نفسي ما أكتبش حاجة شخصية عن علاء ومنال المرة دي وهو في الحبس وأقلد منال من المرة إل فاتت وأبقى عملية. بس أنا عيلة ولما أصطبح على صورة علاء مكتوب عليها "ما تمنعوش الصادقين عن صدقهم" هأعيط وهأرجع في كلامي ومش هأعمل جامدة وعملية وناشطة وعمل أهلي والليلة دي.

علاء أصغر مني بخمس سنين. أول ما عرفته كان أصغر مني بأكتر من كدة بكتيروده مفهوم. إل جمع بيننا ومجموعة كبيرة تانية من أجمل ولاد وبنات مصر وكأنهم لقوا بعض في الزحمة كان ظهور المدونات. الكلام ده في 2004 – 2005، لما كانت المدونات زينة الكتابة المصرية وكان التدوين مأخوذ بجدية شديدة والمناقشات علي التدوينات مأخوذة بجدية أشد، أيام ما كانش حد من المجموعة المدوِنة الصغيرة يجرؤ يكتب تعليق قبل ما يقرا التدوينة بالكامل ويدرسها، من جهة لأن الناس كانت واخدة الموضوع بجدية ومن جهة تانية لأنه عارف إنه لو كتب من غير ما يفكر هيتفرم بعدها بعون الله ، ده كان قبل ما التدوين لا مؤاخذة ما "يلم" وكل واحد معدي يقراله سطر في تدوينة يلاقي إنه الواجب عليه يكتب أي كلام في أي حاجة عن أي حاجة دارت في مخه وهو بيهرش مصحوبة بالسباب المناسب لمكان الهرشة واترشقت المدونات بالأرازل إل بياخدوا على عاتقهم مضايقة مدونين بعينهم لأسباب شخصية بحتة وتحيزات وتعصب.
بدأ علاء ومنال وقتها الاهتمام بالمدونات كوسيلة للإعلام الشعبي والعمل السياسي ودعموها فنياً بوسائل متعددة منها وربما أهمها "جردل منال وعلاء" إل جمع كل التدوينات التي نُشِرت على كل المدونات وكانت تظهربشكل يومي تلقائياً على المجمع وتحول التدوين بقدرة قادر لجريدة يومية حملت أنظف أفكار في مصر وأعمق ما يمكن أن تقرأه وقتها ثم انفصل المجمع التدويني إلى كيان منفصل بإسم "عمرانية".
كنت في ذلك الوقت وحيدة تماماً، مرهقة من الذهاب والعودة من السعودية بالإضافة للدراسة والوحدة بعيداً عن زوجي الذي كان كل منا للآخر الصديق الوحيد وقتها تقريباً، نشعر باقتراب الكارثة والعزلة والغربة في مجتماعاتنا المعتادة. لسنا من عائلات مناضلين ولا يجمعنا بمن يمكن أن نتلاقى معهم أي شيء وأصبحنا نشك في وجود من يمكن أن نتلاقى معه فكرياً حتى ظهروا على العالم السحري للمدونات.

"جردل منال وعلاء"

لأن علاء ومنال لم يكونا أبداً شخصين اعتياديين، لم يكتفيا بجمعنا في الجردل الافتراضي. أثناء استقلالي لسيارة أجرة في وقت قريب من الوقت الحالي من السنة
رن تلفوني المحمول العتيق حالياً برقم غريب. لا تندهشوا إنني أتذكر بالحرف والصورة ما سأحكيه الآن: كنت أستقل سيارة الأجرة من غمرة إلى الدمرداش وفاجأني صوت لطيف يعرفني لتعرفني منال بنفسها وتدعوني لعيد ميلاد علاء يوم 18 نوفمبر 2005. المكالمة محفورة في ذاكرتي ربما بسبب الوحدة والمفاجأة بمبادرتهما بالاستلطاف ولم شمل من لا يعرفون بشكل شخصي. دخلت بيتهما يوم عيد ميلاد علاء الرابع والعشرين للمرة الأولى وتعرفت هناك على من أصبحوا بعدها أماكناً في القلب حتى لو بعدوا أو تفرقوا. ولوقت طويل كان بيتهما "جردلنا" الذي يضج بالضحك الذي يكاد يوقف قلبك والمناقشات الجادة التي تجلب الصداع وفحص وتمحيص كتابات وما يحدث في البلاد وتجمع بعد المظاهرات وتسامح لا يصدق بين أصحاب اتجاهات تباينت شرقاً وغرباً. الأصدقاء هناك وكل واحد داخل وف إيده ما تيسر، ليتوفر عيش وملح على الترابيزة وموسيقى تختلف ألوانها حسب الواقف أمام الكمبيوتر في الحجرة ومزاجه في تلك اللحظة والسخن والساقع في المطبخ وباب حجرة مكتوب عليه: "تسقط دكتاتورية الأمهات" بخط علاء المراهق حيث كان ذلك بيته الذي عاش فيه مع والديه فترة قبل زواجه وقطط في كل مكان من أعمار متعددة.
وقتها، في عيد ميلاده الرابع والعشرين كان علاء يصغرني بأكثر من الخمس سنوات الزمنية بكثير، لم تكن التظاهرات والعمل السياسي أنضجاه بالشكل الذي حدث معي ويسري مثلاً لأنه تربى عليها، مظاهرة بالنسبة له لم تكن أكثر من حدث عادي، حين سرقوا منه اللابتوب في اليوم الشنيع للاستفتاء على عار تعديل الدستور في 2005، اليوم إل انضرب فيه الجميع بدرجات مختلفة من قبل مسجلين أشبعوهم مواداً مخدرة تعجبت جداً إنه نزل المظاهرة من الأساس بلابتوب غال الثمن وعليه معلومات كثيرة من عمل وغيره لأكتشف أنه ببراءة نزل به لأن المظاهرات "عادي يعني" وليه أصلا هيسرقوه منه!! أقوله يا علاء ده أنا ما بأنزلش المظاهرة بالساعة، لم أفهم وقتها شكواه طوال شهور بعدها وحنقه على اللابتوب وإنه يريده وأظن الآن أنه كان يعتقد فعلا أن إرجاع اللابتوب ممكن لفترة طويلة بعدها. أذهلتني براءته وقتها. يا علاء، اللابتوب ما يتركبش بيه أتوبيس وبالتأكيد ما يتنزلش بيه مظاهرة. جدير بالذكر إن أول مرة دخلت بيت علاء في عيد ميلاده دخلنا في نقاش شتمني فيه لأنه كان يعتقد أن تدوينة كتبتها وقتها تحمل تعدٍ على حرية الآخرين في اختيار أمر هو نفسه لا يؤمن به بل ويكن له في كل مناسبة – ذلك الاختيار وليس من يختارونه – كل معارضة. دي كانت أول معرفة شخصية لنزاهة علاء عبد الفتاح، اللقب العائلي الذي اختاره من بين اسمه الخماسي.

"اللون الرمادي ده أنا ما أحبوش"
سيشهد الأصدقاء وقتها إن علاء وأنا نكدنا عليهم جلساتهم فترات طويلة. لما نمسك في مناقشة ما نسكتش ولأننا نختلف في مواقف كثيرة كان الجميع ينزعج من صوتنا وإصرارنا على إكمال المناقشة بغض النظر عن الوقت الذي مر باندماج حياة أو موت. يترجوننا أن نتوقف. يحلل يسري الأمر بأن المحرك الأساسي لأصحاب الشخصيات التي تشبه علاء وتشبهني هو الشغف الشديد في كل ما يؤمنون به وبالتالي لا يعبئون إلا بالانخراط فيما هم شغوفين به وبعدها يصبح الأمر شخصياً وليس مجرد موضوع نقاش يمر وحين يظهر موضوع "الشغف" يتم إطفاء الأنوار عن كل ما هو خارجه ويصبح هو وليس غيره موضوع "الحياة". لو أردت أن تعرف مدى الجدية التي يأخذ بها علاء ما هو شغوف ومؤمن به ممكن أحكيلك على التهزييء إل كنا بناخده لأننا بنستعمل نظام "ويندوز" على كمبيوتراتنا بينما أنظمة البرمجيات الحرة متاحة وعنده استعداد لمساعدتنا في استعمالها وبلغت به الحماسة أن أعلن إنه لن يساعد أحد يعمل بنظام ويندوز حين تواجهه مشكلة تقنية قائلاً تستاهلوا، وعلاء طبعاً لمن لا يعرف من أقطاب "لينكس مصر" حيث تأكل البطاريق الطعمية. أنا فاكرة مرة في زيارة صرخ فينا عدد من الأصدقاء: "كفاية بقى، زهقتونا" فصعبوا علي وقلت لعلاء: "خلاص يا علاء كفاية المناقشة لأنهم اتضايقوا" فرد في ثانية واحدة "يسلوا نفسهم في إل هم عايزينه، ماحدش جابرهم يسمعونا، إحنا مش الأراجوزات إل شغلتنا نسليهم". هذه الجملة تأتيكم بختم علاء عبد الفتاح صاحب أحد الأماكن المميزة في القلب وإن تغرب أو بعد أو حتى كرهني، أختام القلب أيضاً لا حكم لنا عليها.

"السجن للجدعان"
لم يكن علاء وحده هو غير المستعد لتجربة السجن الأولى حين قبض عليه في إبريل 2006 وقت تحركات دعم القضاة. ولست أحاول هنا حاشا أن أقارن بين ما مر به في الداخل وما مرت به منال أثناء اغترابها عنه وما مررنا به نحن من أصدقائه. هذه مجرد حكاية عن تجربة شخصية تُعَرِف علاء كما عرفته، بعيناي، تحول المُعتَقل علاء لمن لا يعرفه للإنسان الذي عرفته. ليست تدوينة سياسية ولا حملة لإطلاق سراح علاء. إنها خواطري الشخصية. كان دخول علاء الصديق المقرب من أصعب التجارب التي مررت بها أنا شخصياً في حياتي. مر علي وقت أحسست فيه أن الأسهل أن أكون أنا المسجونة لأن إحساس العجز كان قاتلاً وكاد لو تعرفون أن يكون. لم أستطع أن أُعبر لأحد عن انهياري في الأيام الأولى، أولاً لقضائي معظم الوقت في الأيام الأولى مع منال وثانياً لأني قدرت أن باقي الأصدقاء يمرون بما أمر به فلا معنى أن نتبادل الانهيار. هل تتصورون أن علاء كان يقول أن من يعمل بالسياسة لابد أن يكون مستعداً لأن يُسجَن ويعذب، ربما ببساطة لأن تلك كانت تجربة والده المناضل أحمد سيف هو نفسه علاء الذي تعجب وغضب واتخذ اجراءات فعلية بشأن سرقة اللابتوب الخاص به من قبل الأمن في مظاهرة؟ ألم أقل لكم إن علاء وقتها كان أصغر مني بكثير وليس بخمس سنوات فقط؟
كانت أيام العرض على النيابة فرصاً لرؤية علاء ولو من بعيد. من المواقف المحفورة في ذاكرتي خروجهم يوماً بشكل مفاجىء بينما كنت خارج نيابة أمن الدولة في ميدان المحكمة وإسراع سيارة الترحيلات لتهرب منا لتمسك بها الدائرة المغلقة لميدان المحكمة الذي أغلقت السيارات بالشكل المعتاد الممرات كلها على بعض وانحبست السيارة. أركض حتى الميدان وأنادي من عند الفتحة المغطاة بالقضبان المعدنية: "يا علااااااء". يسمعني فإذا به يقول: "جاااين، إزيك يا بت!" (محدش في الدنيا مسموحله يقول لي يا بت بس الظروف بقى). أسأله عايز حاجة؟ يقول: "تعالي زوريني"، أرد: "حاولت نروح مع
العيلة ما رضيوش يدخلوني يا علاء". أودعه بعد أن يُفتح الطريق أمام سيارة الترحيلات. كنت قد حاولت التسلل لزيارته مع منال ومنى ولكن انتهى الأمر بأن قضينا نصف اليوم في ساحة انتظار سجن طرة استقبال ثم لم يسمحوا إلا بدخول فردين من العائلة لعشر دقائق. سمعت بعدها أغرب سبب لمنعنا من التساهل في زيارته: "علاء قالب الدنيا جوة عشان الجوابات ما وصلتش". حتى في السجن يا علاء مش عاتقهم؟
خرج علاء من الحبس بعد 45 يوماً وزرناه واطمئننا عليه بينما آثار التجربة ما زالت عالقة، ليس فقط في شعر رأسه الحليق. شعرت إن فارق العمر الفعلي بيننا بعدها بدأ يضيق. علاء كبر وتغير كثيراً. ظللت أبحث عن ذلك الشيء المفقود لكنني لم أستطع أن أضع يدي عليه تحديداً. ثقلا جديدا، تباعدت جلسات الضحك والمناقشة ومشاطرة العيش والملح وانخرط علاء بقوة أكبر في هوسه الأول: البرمجيات الحرة وحرية الانترنت وسافر. افتقدته ومنال بشدة، اعتدنا بعدها أن يجتمع الأصدقاء المشتركين في بيتنا ولكن فراغاً قوياً كنت أحسه، لما يمل الأصدقاء المناقشة بعد وقت قصير فاقول بصوت عال: "فينك يا علاء يا صاحبي ما كنتش هتسيبني أفلت بيها".

"قولوا للكلب العادلي وسيده... بكرة الثورة هتقطع إيده"
لست أدري إن كان علاء ومنال قد قررا السفر يأساً أم أملاً أم بحثاً عن عالم جديد. المؤكد أن علاء ومنال الذين أعرفهما عادا فوراً للقيام بما هو باق في القلب. ما صرخنا به وعشرات لسنوات وكإن حياة بُعثت في هتافتنا التي كنا نجاهد لتعبر حاجز جحافل الأمن المركزي. الشغف، لم تتمكن إغراءات الحياة الجميلة أن تطفىء الجذوة ووجدنا علاء ومنال وسطنا. بعد سنتين سعدت إنهما موجودان ولو من بعيد. عادا ليشتركا في ثورة تنظيف مصر، لتنفيذ كل ما هتفنا به: "أمن الدولة كلاب الدولة"، "لا لمبارك أب وابن، لا للفردة ولا الاستبن"، "كله هييجي عليه الدور، تقفوا كدة ورا بعض طابور".

"علاء الجدع، النزيه والشريف"
لم يحاول علاء يوماً أن يلعب دور البطل، بالرغم من أن ذلك كان ممكنا له لأسباب كثيرة ومتاحا في مناسبات عدة، بل اختار الاختيار المعاكس: كان يضيق بصورة البطل وينكرها. كان يعمل ما يراه واجباً وما يؤمن به، لم أره يوماً يتصرف بعكس ما يعلن أو حتى ما يقوله في الدوائر الضيقة. خياره بسيط جداً: سأتصرف دائماً بما أعتقد إنه الصواب وما يجب أن يكون. بعد سجنه الأول ضاق من تصويره كبطل قومي وعبر عن ذلك أكثر من مرة صراحة وضمنا، إلى هذا الحد كان يرى أن من عانوا أكثر وعملوا أكثر هم من يستحقون ألقاب النضال. حياته كلها مكشوفة، كنا تعلمنا وقتها في مواجهاتنا مع النظام أن نجعل كل تصرفاتنا "على عينك يا تاجر" وكان الأغبياء مصرون أن يبحثوا عن عمل سري بينما نحن نعلن في كل مكان ما نفعله. غباؤهم دائماً في الخدمة. لم يخف يوماً رأي من آرائه تخوفاً من نظرة الناس لها وأعتقد إن ما فعله في النيابة العسكرية لا يخرج عن ميزان تصرفاته البسيط: "الا يخون ما يؤمن إنه الصواب في موقف ما". علاء عاش ما يؤمن به ببساطة وبخفة روح وبضحكة مجلجلة لا تنفي المعاناة وها هو من جديد يعلي سقف النضال ضد العسكر وضد الظُلمة التي اعتمت ثورة شريفة قام بها أمثال علاء ويتربح منها أمثال... ما علينا.
علاء فعل ذلك لأنه جدع ونزيه وشريف ولا يقبل أنصاف الحلول. الشغوفون لا يطيقون أنصاف الحلول، تصيبهم بالضيق ولا يتحملون طبيعتها المزدوجة. لم يفعل علاء
ذلك لأنه "دكر". علاء سينجب خالد مع رفيقة حياته منال لأنه "دكر" أما بخلاف ذلك فأظنه لن يعجب باللقب الذي حملوه إياه للدلالة على شرف ونزاهة.
خالد، ثمرة الأمل في الثورة، كأن منال وعلاء كانوا بانتظارها ليثبتوا بشكل شخصي كيف غيرت حياتهما.
وبالنسبة لي بشكل شخصي فلو قلت لعلاء يوماً "لا يا واد...دكر" أظن إنه هيشتمني لأنه يعرف تماماً إنني لا أستخدم الألفاظ الذكورية إلا في السخرية من الذكوريين وأنا بأخاف من غضب علاء عشان بيزعق في.

علاء صديقي الذي كان شريكاً أساسياً وفاعلاً في الدفاع عن حقوق التشريح وتهدئة الأهالي في اليوم العصيب لمذبحة ماسبيرو في المستشفى القبطي وبكاؤه الذي لم يخفيه هو علاء الذي أعرفه، لم يتغير بعد الغربة. كان فاعلاً أساسياً في إزاحة من تواطئو لمسح الدم وقتل الشهداء مرةً أخرى. ما بين الحزن والتصميم والبكاء على الغلابة الذين يستهدفهم البطش رأيت كيف تقاربت أعمارنا وأصبحنا في عمر واحد. ربما يكون هذا هو التغيير الوحيد في علاء الذي لاحظته. كبرت يا علاء غصب عنك أمام المدهوسين والأصدقاء الذين تصيدتهم
رصاصات الغدر. من لم يبك معك يا علاء لما كتبت "مع الشهداء ذلك أفضل جداً" أظنه يعاني من بلادة ما وما أكثرهم بيننا. حاسب يا علاء من الخيانة إل جاية من قريب. قبل أيام من حبسك كنت تقول لي أن الانتخابات لابد أن تتم بأي شكل لأننا في الشارع مخترقون من كل الجهات. احذر يا علاء، ربما يكون هذا الاختراق أقرب إليك مما تتصور.

يا علاء، يوم 18 نوفمبر هنحتفل بعيد ميلادك الثلاثين. أنا عارفة إنت قد إيه بتخاف تعجز. بس متهيألي إل زيك ما بينفعش يعجزوا. هنحتفل بك وإنت بتنتقل لعقد تاني في بيتك أو قدام سجن طرة. هذا عيد ميلاد لن نمرره كأي عام ممكن يتعوض. سلام يا علاء يا صاحبي لحد ما أشوفك


*الصورة فكرة هنا زين ونفذها شمعي أسعد

الأربعاء، نوفمبر 02، 2011

المنظمات غير الحكومية: نشطاء أم محترفون؟

ربما لا الإجابة ولا السؤال هي ما يبدوان عليه. لو أردت أن أبدأ هذه الورقة بعبارة قصيرة فستكون: ليست لدينا الآن رفاهية الاختيار

السادة المنظمات الأهلية المصرية وتحديدا العاملة على عدم شرعية المحاكمات العسكرية للمدنيين وحقوق الإنسان والحقوق الشخصية والصحية في الوقت الحالي، لأن القدر استجاب لما أردنا الحياة وأصبحت لدينا ثورة وثواراً ومواطنين لابد من الدفاع عنهم والوقوف إلى جانبهم ضد بطش العسكر والانتهاكات القانونية وانتهاكات حقوقهم الطبية والصحية وتواطؤ المؤسسات الحكومية فكل منظمة مصرية تقريباً كبيرة أو صغيرة بالإضافة إلى المجموعات الأهلية التي تكونت بدون تسجيل حكومي صارت كلها تعمل على أقصى طاقة لها وصار العبء على الجميع مقلقاً أولاً لأنه لا يتحمل الزيادة بينما نتوقع تصعيدات كثيرة محتملة من العسكر وبقايا النظام وخاصةً مع اقتراب الانتخابات وثانياً لأن زيادة العبء إلى حد الإرهاق الشخصي للناشطين يهدد قدرتهم على استكمال مهامهم ويهدد كفاءتهم ويعرضهم لمتلازمة (نفاد القدرة) (burnout syndrome).


وعلى هذه الملاحظات وما قدرته من التعاون مع العديد من الأفراد في المنظمات الأهلية وبالذات المنظمات التالية:مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي، المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين، مركز هشام مبارك للمساعدة القانونية بالإضافة للمحامين المتطوعين وعملنا نحن في المجموعة المصرية للرقابة على الخدمات الصحية (مش مقبول)فإن الأشخاص المنتمين لهذه المنظمات كلها كأفراد يبذلون ما يفوق طاقة الاستمرارية والعمل المستدام في ظل احتياج شديد لتأمين الديمومة لأننا لسنا في أزمة نتوقع أو لدينا خطة لانتهائها في زمن معين فنبذل فيها الطاقات ونلجأ بعدها لإعادة شحنها، بل الجميع في عمل يومي لا يتوقف لا بحلول المساء وأحياناً ولا حتى بحلول اليوم التالي، مدفوعين بالنيات الخالصة والضمائر التي تعاف النوم بينما يعاني آخرين وبإمكانهم المساعدة.تقريباً ليس ممن تعاونت معهم من لا يعاني من نقص ساعات النوم ونقص ساعات المخصصة للعناية الشخصية وقضاء وقت خارج دائرة "القضية".

جزء من كل ذلك متوقع وليس لنا ذنب فيه ولكن جزء آخر كبير مسئول عنه العمل الأهلي المصري. فمن الملاحظ بقوة كم الوقت والجهد الضائع في التنسيق بين الجهات المختلفة مابين عمل أكثر من شخص على عمل يلزمه شخص واحد لأن كل منهم يظن إنه يعمل فيه وحيداً وما بين ضياع قضايا وأشخاص لأن كل يظن إن آخر تولى المهمة .ويدفع العاملون في العمل الأهلي الذي وصلوا لدرجة الإنهاك بالإضافة للمحتاجين لعملهم ثمن باهظا لغياب تنسيق حقيقي وجدولة منظمة. دفعني لكتابة هذه الملاحظات والاقتراحات التالية الفوضى الجمة التي لاقيناها بالأمس مع قضية (مينا طلعت نصحي).يمكنكم اختبار التنسيق بين الجميع بكم الوقت الذي ستستغرقونه بعد قراءة هذه السطور للوصول لقضيته وتطوراتها حتى الأمس وعدد المكالمات أو المراجعات التي ستضطرون للقيام بها والتي من المفترض أن تكون مجرد اسم يدخل إلى حاسوب كل منظمة منكم فتظهر كل التفاصيل حتى أمس مساءً.

في رأيي المتواضع جدا ومدركةً تماماً تحديات العمل الأهلى وإدارته في مصر أقدم ورقة المقترحات هذه للعرض عليكم، علها تلقى أي استجابة تساعد في رفع العبء الثقيل عن نساء ورجال مصر الشرفاء المتحملين عبء العمل الأهلي في مجتمع ما زال يربطه بالعمالة والسرقة وملاحقة الشهرة ويلاقي من العسكر ما يلاقيه:

1- تعيين منسق في كل جهة من الجهات العاملة على القضايا المشتركة يحمل لقب ووظيفة"منسق" فقط.انتهى. لا يتورط في أي عمل آخر مهما بدا إنسانياً وعاجلاً ومهماً، فتلك هي الزلة التي يقع فيها معظم من يديرون العمل الأهلي. لا تكون لذلك المنسق أي وظيفة أخرى سوى "المتابعة" "الدقيقة" لكل الحالات بشكل الأرشفة سواءً التي تعمل عليها منظمته أو التي تعمل عليها المنظمات المنسقة معها وكل ما يتعلق بها وتجميعها بشكل منظم لا يتضمن "المعلومات كلها في رأسي" وبطريقة يسهل استخراجها واستخدامها في دقائق - إنه عصر الحاسوب - ويعلن إسم وطريقة الاتصال بهذا المنسق، الذي لا يشترط بالطبع أن يكون شخصاً واحداً، بشكل يجعله متوافراً للجميع على مدار الساعة بمعنى ألا تضطر عائلة طرأ لها طارىء في نطاق عمل المنظمة للبحث المجنون عن محام معين لأن معه تفاصيل قضية معينة تعمل عليها مؤسستان لمجرد إنه يقوم بعمله ولا يمكنه الرد على الهاتف وهو في قاعة المحكمة.ما المانع أيضاً من استقبال المنسق لرسائل محادثة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال موقع المنظمة والذي قد يفتح بابا جديدا لاستقبال من يحتاجونهم بشكل سريع؟ قبل أيام استغاث أحدهم على "تويتر" من داخل س28 طالباً محامياً يغيثه ورد عليه محام أيضاً على "تويتر".

2- تصب المعلومات بشكل دوري تحدده كل منظمة حسب قدرتها ولو لخمس دقائق كل عدة ساعات. فالواقع الذي لدينا، أو الذي لدى المجموعة المصرية للرقابة على الخدمات الصحية على الأقل هو أن معلوماتنا تتغير على مدار الساعة بشكل كبير ربما بسبب تعاملنا بالأكثر مع مرضى ومصابين وبالنسبة لنا قد تضع هذه الساعات القليلة فارقاً بين حياة أو موت، عجز أو سلامة، علاج أو لا علاج واحتياجنا للمحامين فائق والوقت المتاح لعملهم لإنجاز تصاريح أو تقديم بلاغات محصور بعدد ساعات عمل النيابة والقضاء.

3- تشكل مجموعة المنسقين مجلسا منفصلا تماما عن نشاط المنظمة الأصلي، مهمته تسيير وتيسير المهام للجميع ويتحملون مهمات الاتصال بشكل يوفر المكالمات التي تشعر الجميع بالذنب لأنهم دائما ما يعطلون عملا دائرا بوجود الجميع في عمل دائر وبالتالي يمثل ظهور طارىء عبئا جديدا ما بين البحث عمن يمكنه المساعدة وتحميل أول من يغيثه عبئا جديدا لمجرد أنه المتاح على الهاتف أو في مكتب المنظمة. أما إن تولى منسقين معروفين للجميع التحويل لمن مهمته الاستقبال في ذلك اليوم أو تلك الساعة فسيكف الجميع عن تعطيل الجميع بحسن نية، بل ويمكن لفكرة بسيطة مثل رسالة على هواتف العاملين على القضايا في حالة انشغالهم وقتها برقم منسقهم أن يحل هذه المشكلة المعطلة بشكل مزعج مدفوع بحسن النوايا، أنا أفعل ذلك طوال الوقت لعدم معرفتي لمن علي أن أصل تحديداً في أي منظمة للمساعدة فأستعمل أول رقم هاتف يطل من أحد العاملين بالمنظمة التي نحتاج تعاونها. تجتمع مجموعة المنسقين بشكل دوري متفق عليه يضمن تواجد المعلومات اليومية في كافة المنظمات (وبخطوط كثيرة أسفل العبارة التالية: بشكل لا علاقة له بالتقارير المشتركة والمؤتمرات الصحفية، إنما بالمستجدات اليومية التي تسير تروس العمل)

4- على العمل الأهلي في مصر أن يعترف أمام نفسه أولاً إنه يواجه موقفا ووضعا لم يواجهه من قبل وأن العمل بطريقة ما قبل الثورة أصبح لا يصلح وأن الأسلوب الإداري لابد أن يتغير 180 درجة. الإيقاع أسرع من الجميع وهناك حياة أناس دائماً على المحك، كل ساعة والطوارىء وأشكالها غير متوقعة (من كان يتصور قبل ثلاثة أسابيع وقليل إننا سنضطر لاحتلال مستشفى حكومي بوضع اليد للسيطرة على طارىء لم يكن في خيال أي منا قبلها بساعات؟). قبل الثورة كان توقع التعذيب وقضايا أمن الدولة وأشكال انتهاكات اعتاد العمل الأهلي في مصر العمل عليها ممكناً بحيث كان بعض التساهل التنظيمي لا يضر أحدا. نحن الآن في الموقف المعاكس، الجميع شاحذ لطاقاته ويبذلها كلها الآن وحالاً والتنظيم الإداري لم يتكيف بعد على الوضع الجديد مهدرا طاقاته أولا ومهدرا أيضا المتطوعين الجدد الذين تزايدوا كثيراً بعد الثورة يسعون للانضمام للعمل الأهلي ولا يجدون دعما كافيا لهم لأنهم يسقطون غالبا في دائرة من تحولوا إلى (أصدقاء) بعد أن عملوا معا لعقد على الأقل ويتفاهمون في هذا الإطار غالباً أيضاً وليس في إطار منظم واضح. قبل أيام كان عدد كبير استجاب لدعوة التطوع لمجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين ليتحول الاجتماع لصراخ وعدد لا يسعه مركز هشام مبارك. كيف ستدعم العملي الأهلى بالمتطوعين الجدد لو لم يكن هناك إطار إداري علمي لاستقبالهم وتنظيمهم بشكل يسمح بتدريبهم ليوجد الدم الجديد الذي سيضمن ديمومة العمل؟ وجوهنا هي هي في كل المنظمات كما في التظاهرات كما في الإعلام.

5- هذه النقطة تخص المحامين تحديدا. الوصول إليكم صعب جدا وتذكيركم بالقضايا صعب جدا لأنكم لا تتلقون دعما تنسيقيا كافيا وأنتم حاليا مركز العمل أمام حكومة العسكر لمدة لا نعرف متى ستنتهي. اجتمعوا يوما واكتبوا ما تحتاجونه من دعم تنظيمي، قولوا كل ما تشكون منه وما يمكن أن يسهل عملكم بوضوح ليوضع على ورق ونتباحث.دعوا أحد متخصصي الإدارة يقترح عليكم كيفية إزالة جزء من العبء الهائل الملقى على عاتقكم. ستجدون لدى الإداريين أفكارا قد تفوتنا جميعاً لمنظومات قادرة على العمل بدون أن تضطروا أنتم للتخلي عن النوم لملاحقة قضاياكم. العمل في ظروف متسارعة ليس في مصلحة أحد وأولهم أصحاب القضايا.

6- بالطبع يوجد لكل منظمة موقع ما على شبكة المعلومات وقد تتوافر على الموقع أرقام هواتف وهذه الأرقام حين تعمل لا تضمن توفير نظام يؤكد عدم انسياب قضية أو مشكلة من بين كم المشكلات والقضايا الثقيلة. ما لم يتم التأكيد مرارا وتكرارا غالبا تسقط القضية بشكل غير مقصود لأن العاملين الذين يبذلون أكثر من طاقتهم بشرا، يرونما في نطاق أبصارهم حين لا يكون لديهم الوقت ليتفقدوا ما بجانبهم أو ما خلفهم.

7- ربما تكون لدى المنظمات فعلا خططا إدارية علمية ولكن الفترة الماضية أثبتت في تنظيم العمل الأهلي خروقا توجب إعادة التفكير في الكيفية التي نعمل بها. من الممكن أن تكون المنظمة سائرةً بكفاءة داخلياً ولكن حال الاحتياج لتعاون المكثف بشكل يومي كهذه الأيام لابد من إعادة النظر فيها لأنها وبكل صراحة لا تسير بالكفاءة الكافية حالما خرجت إلى منظمة أخرى للتعاون. كم من أزمة إنسانية بدأت هذا الشهر الماضي فقط بعبارة من أحد العاملين في العمل الأهلي بما معناه "عرفنا في اليوم التالي"؟ أؤمن أن كثير منها كان يمكن أن يُعرَف ويعالج بشكل أسرع بتنسيق أفضل. لدينا أم يأست من محاولة الوصول لمحامي ابنها وعجزت أنا عن الوصول لمحامي ابنها بناءً على طلبها وها نحن في مأزق نبذل فيه مجهودات "إبداعية" ليس وقتها على الإطلاق لمحاولة حل مشكلته الجدية بما يتضمنه ذلك من ضغط لأننا نعلم تماماً أن هذا بالضبط ما كان لا يجب أن يكون.

8- لابد أن تؤخذ بمنتهى الجدية الرعاية النفسية وبالذات في الوقت الحالي للعاملين بالعمل الأهلي. لا يجوز أن يعمل أحد في مثل هذه الظروف ويشهد ما نشهده من بشاعات بشكل متكرر ويومي دون أن يزود برعاية نفسية تسمح بتمرير الصدمة الثانوية التي يتعرض لها الجميع شاءوا أم أبوا. لابد أن يؤخذ هذا بجدية إلى حد فرضه في الجميعات الأهلية. كواجب لابد من توفيره للعاملين فيها. يمكن مثلاً لمركز مثل مركز النديم أن يقوم بهذا الدور في جلسات جماعية بدلاً من تراكم الصدمات والإرهاق المصاحب وما يستتبعه من مخاطر على من يعملون بالعمل الأهلي أنفسهم.

أتمنى ألا يكون في ما كتبته ما يؤذي مشاعر أي من العاملين بالعمل الأهلي والذين أعرف تماما أن السيل قد بلغ منهم ما بلغ وأن من يقضي ليلة نوم كاملة خصوصا هذه الشهر الأخير يعتبر نفسه محظوظا. كلنا نقابل بعضنا بادين كالمرضى أو كأننا قمنا للتو من مرض طويل ومالم يتم التعامل بجدية مع مهلكات الوقت والجهد سيبدأ الكثيرون في المعاناة الفعلية من متلازمة نفاد الطاقة وستبدأ لا مبالاة لا يد لهم فيها وتقبل لما كان يُرفض بالأمس كأمر واقع لا يمكن أن يتغير ونقمة على المحتاجين للعمل الأهلي. حُفِظتم جميعاً ومحبتي واحترامي لرجال ونساء مصر الشرفاء.

<
eXTReMe Tracker
Office Depot Coupon Codes
Office Depot Coupon Codes