حَوْلِيَّاتُ صَاحِبِ الأشْجَارِ

"نحتاج وقتا طويلا لننطق أي شيء بالإنتية القديمة، لذا فنحن لا نقول ما لا يستحق وقته"
أعمل حاليا على تطوير الموقع. بعض الصور قد لا تظهر بالأحجام المقصودة أو على الإطلاق.

24 يناير 2010

أحاول عبور شارع رمسيس عند ميدان الإسعاف لألتقي بعض الرفاق يعملون على لافتات لمسيرة اليوم التالي. يستوقفني نداء سيارة اسعاف مررت لتوي من أمامها في الميدان يحاول تشجيع المارة على التبرع بالدم.

"قال رسول الله صلى الله عليه و سلم..." أستدير و أعود و أقف أمام باب السيارة لأحدث الممرض بداخلها:

"من فضلك."

"أيوة يا باشا."

"طيب و ال مش مسلمين ينفع يتبرعوا؟"

"ينفع يا باشا. اتفضل"

"طيب ما تقول حاجة تشجعهم على التبرع؟". أعود لطريقي بينما ينظر هو في الفراغ. أسبابي الخاصة تمنعني من التبرع بالدم. يستوقفني نداء الممرض ثانية قبل أن أعبر الشارع:

"التبرع بالدم من أعمال الخير في جميع الأديان السماوية". أستدير ثانية و أعود و أقف أمام باب سيارة الإسعاف:

"طيب و ال مش مسلمين و لا مسيحيين ينفع يتبرعوا؟"

"يعني عاوزني أقول إيه؟"

"كويس جدا أنك تشجع الناس يتبرعوا بالدم. مش هتفرق معك ملة الناس، و هم كمان مش هيفرق معهم، لا ال هيتبرع بالدم و لا ال هياخد الدم. كله دم."

أتركه و أعود لطريقي محدثا نفسي "بكرة الثورة هتقوم و كلها سنتن و كل الكلام دا يتغير"، و أسمع الممرض هذه المرة ينادي بينما أعبر الشارع:

"تبرعوا بالدم! تبرعوا بالدم! تبرعوا بالدم!"

التعذيب عندهم... و احنا ضدهم

حادث التعذيب و القتل الأخير و الذي راح ضحيته خالد سعيد أعاد الاهتمام بالتعذيب كواحد من أكبر ما يعوق حركة الناس نحو تحسين ظروف حياتهم. الأفراد المحتجزين هم أضعف من أن يمكنهم الدفاع عن أنفسهم، و لهذا فإن سلامة الأفراد مسؤولية المجتمع. يبدأ اليوم موقع جديد لقوة العمل المناهضة للتعذيب في العمل. تتكون قوة العمل من "مجموعة من المنظمات الحقوقية والأفراد – أطباء ومحامون وصحفيون ومدونون – اجتمعوا على العمل معا من أجل مناهضة التعذيب والتضامن مع من يتعرضون له مستخدمين في ذلك كافة الوسائل بداية من الدعم النفسي والقانوني وكشف جرائم التعذيب والنشر في الاعلام والأبحاث ومخاطبة الرأي العام بخطورة القضية ومعدل انتشارها وسبل التصدي للقائمين عليها"، و هي مدعومة من المجلس الدولي لتأهيل ضحايا التعذيب في كوبنهاجن. باكورة إنتاج قوة العمل فلم بعنوان رامي: قصة من تمي الأماديد، و رامي هو "طفل من قرية تمى الأماديد بمحافظة الدقهلية عذبته الشرطة في عام 2008 ليعترف بجريمة قتل لم يرتكبها".

هذه أشياء بإمكانك القيام بها كي تساهم في المجهود من أجل إيقاف التعذيب في مصر:

  • شاهد فلم رامي، و اعرف كيف بإمكاننا أن تنصرف حين يصبح واحد ممن نهتم لأمرهم تحت خطر التعذيب
  • ارفع إشارة الفلم إلى هاتفك المحمول، و انشرها بين معارفك بالبلوتوث. اترك البلوتوث مفتوحا في المواصلات و المقاهي كي يحصل الناس على إشارة الفلم
  • أرسل كريكاتير "اللي سبق أكل النبق" كبطاقة بريدية لأصدقائك، لتساعد في نشر الوعي بأهمية التصدي لجريمة التعذيب
  • تابع أخبار التعذيب و علم نفسك و من حولك من مواقع التعذيب في مصر، و مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف و التعذيب
  • انشر رابط موقع التعذيب عندهم... و احنا ضدهم
  • بلغ عن أي حالات تعذيب لأشخاص تعرفهم على الأرقام 0164004012 و 0164004013

أقل ماهية: 1000 و 100 و 100!

في 2 مايو الإعتصام من أجل حد أنى عادل للأجور

آخر الدول الصناعية

لا زالت مصر تحاول اللحاق ببلاد الشمال الصناعي المتقدم منذ العام 1805، و هي في هذا (كانت) تنافس--و كما نرى اليوم ليس بنجاح عظيم--بلاد الجنوب و الشرق الكبيرة الأخرى: أول من لحق بالركب اليابان، و آخرها قد تصير مصر. مصر (قد تكون) آخر البلاد التي تصبح من البلاد حديثة التصنيع كالصين، و الهند، و البرازيل، و المكسيك، و جنوب أفريقيا، و هي التي تشكل، بالإضافة للدول الثمانية الكبرى، مجموعة الدول الأربعة عشر (8+5). تدخل مصر نافذة الفرصة السكانية (الفترة التي تعظم فيها نسبة عدد السكان في سن العمل إلى إجمالي السكان) بين عامي 2030 و 2050. هذه هي الفترة التي ستتاح فيها لمصر أن تبني طبقتها الوسطى، باستغلال من هم في قاع المجتمع، تماما كما تفعل كل المجتمعات الصناعية من أولاها (بريطانيا) و حتى أحدثها (الهند و تركيا)، و أيضا باستغلال مجتمعات أقل تقدما لن تسنح لها تلك الفرصة. هذا هو نموذج التنمية في الاقتصاد الرأسمالي السائد في العالم. المجتمعات الصناعية نشأت تاريخيا في فترة شبابها السكانية تلك. إلا أن هذا ليس كل شيء، فمصر الصناعية، و باقي المجتمعات المتقدمة اليوم، لا تسرق فقط من إخوانها الأفقر (كما نسمع النقد الاشتراكي التقليدي في مصر)، بل هي أيضا من أولادها في المستقبل (كما لا نسمع النقد البيئي في مصر). الموارد في مصر لا تسمح بإقامة مجتمع صناعي على النمط المعروف إلا بسكان هم بين السبعة و الإثنين و عشرين مليونا (يظل فيها الاستغلال الطبقي و لكن بدون تأثير على مستقبل الكوكب أو الناس)، و الزيادة عن ذلك هي سرقة من موارد المستقبل، أي تدميرا للبيئة. تبلغ مصر ذروة نموها السكاني عند 121 مليونا. هذا الفارق سينتج ضغوطا اجتماعية تشكل بالإضافة إلى الضغوط البيئية التي ينتجها تغير المناخ وقودا لتغير اجتماعي واسع، ينتج--إن نجح--نظاما اقتصاديا لا يقوم على استغلال الطبقات الفقيرة و المستقبل. يبدو أن تغير المناخ سيبدأ فعله الظاهر حول العام 2040، و سيصبح بعدها مستحيلا على أي مجتمع أن يحقق التقدم بالنمط الصناعي الرأسمالي المعروف. مصر تكاد تصير آخر الدول الصناعية التقليدية. و في النهاية، حتى الدول الصناعية ستعاني من تغير المناخ، و قد لا يبقى منها من هو قادر على المنافسة (إن بقى الاقتصاد الرأسمالي أطول من ذلك) غير بريطانيا (بموقعها المحظوظ) و بلاد الشمال الأقصى: روسيا، و كندا، و بلاد شمال أوربا، و ذلك بسبب قربهم من المحيط الشمالي. خريطة العالم من منظور ديماكسيوني: الصورة، المنشورة في ويكيبيديا تظهر كيف أن انصهار جليد المحيط الشمالي سيفتح طريقا للتجارة بين الشرق و الغرب أقصر و أأمن من طريق قناة السويس، و كيف أن اليابسة ذات الأجواء المعتدلة ستنحصر في أقصى الشمال. أسعار الأراضي في ألاسكا بدأت في الارتفاع فعلا. لاحظ أيضا أن موقع جرينلاند (أو ما سيتبقى منها بعد ارتفاع سطح البحر) أكثر استراتيجية من موقع كنتاكي ميدان التحرير. سيطرة الدنمارك على جرينلاند ستعطيها دفعة ضخمة من الموارد في المستقبل.خريطة العالم من منظور ديماكسيوني: الصورة، المنشورة في ويكيبيديا تظهر كيف أن انصهار جليد المحيط الشمالي سيفتح طريقا للتجارة بين الشرق و الغرب أقصر و أأمن من طريق قناة السويس، و كيف أن اليابسة ذات الأجواء المعتدلة ستنحصر في أقصى الشمال. أسعار الأراضي في ألاسكا بدأت في الارتفاع فعلا. لاحظ أيضا أن موقع جرينلاند (أو ما سيتبقى منها بعد ارتفاع سطح البحر) أكثر استراتيجية من موقع كنتاكي ميدان التحرير. سيطرة الدنمارك على جرينلاند ستعطيها دفعة ضخمة من الموارد في المستقبل..

بمناسبة اليوم العالمي لنشاط تغير المناخ 350

اليوم، 24 أكتوبر، يجتمع عشرات الألوف من النشطاء و المهتمين بمستقبل الإنسان و الكوكب و الاقتصاد من أجل الضغط على "قادة" العالم للعمل على مواجهة تغير المناخ. لن يفيد. أولا، لأن طلب القادة بأن لا تتجاوز نسبة انبعاثات غازات الدفيئة 350 جزءا في المليون، و هو سبب تسمية الحملة 350 لا علاقة له بإيقاف تغير المناخ. أوقات الثمانينيات حدث أن اتحد "قادة" العالم في سابقة نادرة لعلاج ثقب الأوزون، لكن الطلب وقتها كان منع استخدام غازات الفلوروكلوروكربون تماما. أي طلب أقل من إعادة ترتيب الاقتصاد كلية حول أساس غير حرق الكربون غير كاف، خصوصا أن تقارير اللجنة بين-الحكومية المعنية بتغير المناخ تشير إلى أن التقديرات السابقة كانت متفائلة. يبدو أن العملية تسير بأسرع مما هو متصور. ثانيا، الطلب من "القادة" أصلا غير مفيد. لأن تغيير النظام الاقتصادي كلية، و هو سبب تغير المناخ و باقي المشاكل البيئية، يتطلب تغيير بنية المجتمع و السلطة فيه، و أي مجهود أقل من ذلك غير لن يجدي وحده، و هو طلب طبعا لن يجيبه الناس ال فوق للناس ال تحت. حتى لو عاش كل الأمريكان في مستوى حياة المصريين و ركبوا الدراجات الهوائية و أغلقوا المصابيح الموفرة عند خروجهم من غرفة المعيشة (محققين العدالة الاجتماعية)، ستظل مساهمتهم في تغير المناخ غير مستدامة طالما ظل الجيش الأمريكي موجودا، فتأثيره (باعتباره أكبر مستهلك للوقود و أخطر نشاط بشري مدمر للبيئة) لا يقارن بكل الجهود الإصلاحية الأخرى التي تروج لها المنظمات البيئية الكبرى مثل جرينبيس، التي يبدو أنها نسيت بعد ثلاثين عاما "السلام" و العدل الاجتماعي في اسمها، و ركزت على "الأخضر". ثالثا، التغير الاجتماعي الواسع نفسه لن ينجح إلا لو كان واعيا و مستبطنا لأفكار الحياة المستدامة. تختلف المشاكل البيئية عن باقي أنواع المشاكل التي تنجح الحركات الاجتماعية في تناولها في أن تأثير المشاكل البيئية لا يظهر مباشرة، و في حالتنا هذه لم نعرف عنه إلا بعد قيام النمط الاقتصادي المضر بالبيئة لقرن أو أكثر. تماما كما أن اللبراليون الخضر لن يحققوا الكثير بمحاولاتهم الإصلاحية، فإن ثورة اجتماعية حمراء لن تنتج بالضرورة نمطا اقتصاديا دائريا تتساوى فيه المدخلات مع المخرجات و يكون حجمه صغيرا بالقدر الذي تستطيع البيئة دعمه بشكل مستدام. العلم بتغير المناخ وصل الثقافة الشعبية منذ نصف قرن أو يزيد. من مقال بعنوان "كيف تدمر الصناعة المناخ" نشر في نيويورك تايمز عدد الأحد 24 مايو 1953:
إن حجم ثاني أكسيد الكربون في الهواء سيتضاعف بحلول العام 2080 و سيرفع درجة الحرارة بما لا يقل عن حوالي 4 في المائة في المتوسط. إن حرق حوالي بليوني طن من الفحم و النفط كل عام يبقي متوسط درجة حرارة الأرض أعلى مما لو غاب ذلك الحرق".
إحدى أفضل مصادر المعرفة عن الموضوع هي مدونة المناخ و الرأسمالية. تحور المدونة شعار روزا لكسمبورج الشهير ليصبح: "الاشتراكية البيئية أو البربرية، لا طريق ثالث.

التاريخ

أعوام الثمانينيات كنت أقرأ في مجلة 2000 عن أحدث تقنيات تسجيل الصوت و الصورة وقتها، و أخطط لنظام أرشفة قادر على توثيق تاريخ شخص كامل. كنت أقرأ في ذات المطبوعة--التي تمزج بين الخيال العلمي و عرض حديث التقنية المعاصرة (من نوع كاميرات فديو بيتاماكس) و المستقبليات، و التي لم تصدر منها سوى أعداد قليلة و كان محررها منير العكش--عن كبسولتي زمن وضعت فيهما أهم علامات الزمن المعاصر و دفنتا تحت الأرض في قلعة أوساكا و على الضفة الجنوبية للتيمس في لندن. كانت تلك الكبسولة قاصرة في نظري لأنها ينبغي لها أن تحوي بشكل كامل قدر الإمكان تفاصيل حياة فرد من نوعنا البشري. مرت منذئذ عشرون عاما تطورت فيها التقنية الرقمية لتسمح لأفراد عاديين مثلي بتسجيل أجزاء لا بأس بها من حيواتهم. اقتنيت مؤخرا شيئا أسميه "الجهاز". الجهاز ليس هاتفا فقط، و ليس كاميرا و مسجلا صوتيا، و لا مستقبلا لنظام تحديد المواقع الجغرافية GPS، و لا مشغلا للموسيقا و الفيديو، و لا وسيلة اتصال بإنترنت فقط. هو كل ذلك و أكثر. إلا أن هذا الشيء ذاكرته لا تزال محدودة، و متحسساته لا تزال تتجاهل بيانات كثيرة كالضغط الجوي، و الارتفاع و درجة الحرارة و الرطوبة النسبية و بياناتي الحيوية. قريبا سيصير بالإمكان تخزين قدر معقول من بيانات فردية في ذاكرات محمولة رخيصة: سجلات زمانية و صوتية و صورية و مكانية و قراءات حيوية لكل ثانية من تاريخ الأفراد. أتعجب من من ينظرون إلى إنجازات البشرية و يظنون أنها كثير. الجزء الأكبر من تاريخنا بعد أن تميزنا عن باقي القردة العليا لا يتعدى العمل على البقاء إلا قليلا، و ما "حققته" الأقلية منا في الإثني عشر ألف الأخيرة--باعتبار أن الحضارة بدأت بنهاية العصر الجليدي الأخير و بداية حقبة الهولوسين، مما يجعلنا اليوم في العام 12,009 في التقويم الهولوسيني (الإنساني)--دفعت ثمنه الأغلبية في حروب و حدود و عبودية و طبقية مضرة في أسوأ الحالات و لا ضرورة لها في أفضلها. لا تزال أفكارنا عن التنظيم الاجتماعي و الاقتصاد بالغة البدائية و الضرر للناس و الكوكب، و ما برحنا إلا قريبا نبتكر نماذج نحاول بها تفسير سلوك الأفراد و المجتمعات و الطبيعة، و لا تزال تلك النماذج تفتقد بيانات تاريخية تعمل عليها. العصور التاريخية، يا سادة، لم تبدأ بعد. التاريخ علم مضبوط و إحصائي. التاريخ تنقيب في بيانات سجلت بدقة و جمعت بمنهجية على مستوى الأفراد، و هو يتطلب مستوى من تقدم الحضارة لا يزال النوع البشري على أعتابه. ما نقوم به اليوم و نسميه تأريخا--حتى و إن سميناه تاريخا "شعبيا" مقارنة بتاريخ الدول و الملوك و حروبهم--هو حقيقة صناعة لحكايات و أساطير و صور منقوصة الزوايا و الأبعاد.

القانون العادي

في ديسمبر 2002، رفض ميكانيكي عاطل اسمه ليون همفريز دفع غرامة 25 استرلينية لإدارة ترخيص السائقين و المركبات في بري سانت إدموندز لأنه لم يخطرهم أنه رفع دراجته السوزوكي من الاستخدام على الطرق. ادعى همفريز، و هو في الستين من عمره، أن من حقه تسوية النزاع بالمبارزة حتى الموت مع أي "بطل" ترشحه الإدارة، و هو الأمر الذي حكم قضاة الأمور الصغرى في البلدة برفضه و بزيادة الغرامة على الميكانيكي الشيخ إلى مائتي إسترلينية، و بالمصاريف.

دخلت المبارزة كوسيلة لإظهار الحق القانون العرفي الإنجليزي مع الغزو النورماني. فيبدو أن أولى قضايا محاكم المبارزات الموثقة هي بين ساكسوني اسمه فولفستان مقابل نورماني اسمه والتر. جرت المبارزة عام 1077 و اعتبرت وقتها، كما سجل رانولف ذي جلانفل حجة الشريعة و كبير وزراء هنري الثاني، فضلى طرق المحاكمات، على الأقل بين النبلاء المحترمين الذين من حقهم حمل الأسلحة. كان المتبارزون في ذلك الوقت يعينون صبية مرافقين Squires كتلاميذ لهم، يحملون دروعهم و أسلحتهم في انتظار أن يصبحوا فرسانا بدورهم، و "يحامون" عنهم وقت الشدائد. اعتاد هؤلاء الصبية على "وكالة" الفرسان في ترتيب مكان المبارزات و التقديم لها بشكل مسرحي، و في نهاية المبارزة، يسحب أحد الصبيين جثة سيده بعد تنظيفها من متاع لن يحتاجه السيد من الآن فصاعدا.

محكمة المبارزة هي طريقة لإظهار الحق خاصة بالشريعة الجرمانية في حال غياب شهود أو اعتراف. طريقة أخرى تنتشر في أنحاء العالم هي محكمة التعذيب، أو البِشْعَة كما يسميها عرب سيناء، و فيها يتعرض المتهم لألم بالغ--في حالة الكذب مثلا، يلمس المتهم بلسانه حديدا محمى إلى درجة الاحمرار--، و تظهر براءته إن لم يتأثر أو إن خفت إصابته بسرعة. في بورما المسالمة، الإجراء المشابه للفصل بين متهمين هو إيقاد شمعتين و من تظل شمعته مشتعلة بينما تنطفئ الأخرى هو البريء.

عمل الملك هنري الثاني النورماني ذي إنجلترا على إصلاح الإجراءات المدنية في البلد، و قدم إظهار الحق في محاكم يجلس فيها إثنا عشر محلفا على إظهار الحق بالمبارزة. لسبب ما، يطلق على وكلاء الناس الذين يدافعون عن الناس بشكل مسرحي في محاكم اليوم "المحامين Esquires"، و كذلك من يحفظون السلم و يفصلون في الأمور البسيطة، كمثل الذين حكموا بالغرامة على ليون همفريز، و هم ذاتهم من كانوا يملكون أغلب أراضي القرى و يعيشون في بيت العمودية، بل و هم أيضا من يمثلون الناس في مجلس العموم. ذلك الصبي الذي كان يحمل درع الفارس صارت له في دولة القانون صلاحيات تشريعية و تنفيذية و قضائية.

بعد إصلاحات النورمان، صار نظام القانون في إنجلترا كالتالي: يشرع القانون قضاة فقهاء يجلسون في مجالس القضاء، و يحكمون بالقياس Analogy مستخدمين معرفتهم بإجماع Precedence الفقهاء من قبلهم. يبدو أن هذا النظام القضائي، و لفيف Jury الرجال الاثنى عشر، و العقد بأركانه: الإيجاب و القبول، و التعويض (أو المهر في حال الزواج، فهو لا يختلف عن عقد البيع في شيء)، و المبادلة، و كيانات قانونية كشركات القراض أو التوصية Limited partnership، و الحوالة Agency، و الوقف Trust، و مدارس القانون Inns of Court التي انتهت إلى أربعة كلها قد دخلت إنجلترا مع غزو النورمان الذين نجح مغامرون منهم في غزو جنوب إيطاليا و إمارة صقلية الإسلامية، و استعاروا ضمن ما استعاروه تفاصيل الفقه المالكي التي يظهر تأثر القانون العادي الإنجليزي بها. كانت تلك حرب متعددة الأطراف ظهرت فيها عصابات المقاومة المحلية في صقلية، و التي دعاها العرب "المفيأ"، و هو المكان المظلم الذي يغطيه الفيء، أي الظل، كناية عن المقاومة السرية، و هي في رأيي أصل كلمة المافيا.

عادة ما يقلل الناس من تأثير انتقال الحضارة عبر جزر المتوسط لصالح الأندلس. يتبقى أن نعرف إن كانت الشريعة الإسلامية استمدت أشياء من القانون الروماني. نشأ هذا القانون العادي Common Law الأقرب إلى شريعة الإسلام في العصور الوسطى في وقت لم تكن تأسست فيه الدولة الحديثة و مفهوم المواطنة، على عكس القانون المدني الذي يحكم القارة الأوربية (مقابل الجزر البريطانية) و مستعمراتها (و منها مصر)، فقد ظهر هذا مع معاهدة وستفاليا و نابليون. و لذلك، فهو يبدو لي كأنه أقرب للطريقة التي ينظم بها مجتمع أفراده متساوون الأمور بينهم دون أن تهيمن سلطة عليهم لتحكم في أمورهم. القانون بسيط و بدهي، و يكاد يتلخص في القاعدة الذهبية: أنت حر طالما لم تجور على جسد إنسان آخر، أو حريته، أو ما يمتلكه/يحوزه. و ماذا نحتاج من قواعد غير ذلك؟

النصائح الخمس، أو دليل الطالب الذكي إلى البقاء

تدوينة حديثة لسقراطة--و التي توقعت صائبا أن لا تكون طلة العام الوحيدة منها--ذكرتني بأوقات تمضي، فأنا باعتباري كنت مراهقا يقرأ و ينظر حوله، و باعتبار أنني منذ تسلمت مهام اختيار ملابسي و العناية بمظهري بنهاية تعليمي الابتدائي لم أذهب للحلاق إلا دستة من المرات (أوحش كتير من الإيمو بتوع اليومين دول)، أستطيع أن أحدد أنني لم أتعلم السياسة إلا في مصانع النشء التي اصطلح على تسميتها بالنظام التعليمي. أحاول في بقية التدوينة أن ألخص خبرة نصف أيام عمري أمضيتها حيث لم أكن أرغب.

ادرس مختلف القوى و اصنع تحالفين اثنين على الأقل

كلنا نملك أسلحة. سلاحك الأساسي هو وهم الآخرين أنك تملك سلاحا لا يعرفونه. لن تكون الأمير حتى لو رغبت--و لن ترغب أن تكون وزيره أو نديمه أو مهرجه--فكن ساحر البلاط. لن ترى الأمير، فالعدو ليس فردا بعينه. تذكر دائما أن مدرس الفصل أو أستاذ الجامعة ليس غير واحد من سكان حديقة الحيوانات هذه، حتى إن حاول إقناعك أنه خبير في الأمم المتحدة و يعمل مع المخابرات.

راقب الأرض و ادخل معاركك بإرادتك

في حال خانتك التحالفات أو رغبت في استعادة وزنك فيها، قد تجد نفسك مدفوعا للقتال العنيف بنفسك. اعرف مقدرتك. خطط لحرب خاطفة Blitzkrieg و اعرف تماما كيف ستهزم خصمك قبل أن يستعيد توازنه و يبدأ هجوما مضادا. تذكر أن تأثير الهزيمة أكبر عليك من تأثيرها على الجاموس و حيوان المدرع، فمصدر قوتك معنوي غالبا، و لذلك يجب أن يكون تخطيطك لخروج آمن أهم من أي شيء. تذكر أيضا ميزتك النسبية عند حكومة المدرسة، فالمشرفون سيفرحون لأن طالبا نجيبا مثلك استطاع أن يضرب واحدا من الأشقياء البهائم. استغل علاقاتك بالحكومة كي تكسر إرادة خصمك، فلا شيء أقوى من إحساسه بالهزيمة و الظلم معا. لكن حذار. افعل ذلك دون أن تدخل في ثياب الحكومة. العلاقة الندية مع الحكومة هي أهم شيء، فهي العدو الأكبر الذي جاء بنا كلنا هنا. الحكومة أخطر حتى من قطيع الضباع.

ابعد عن الحمار

في الأدغال، كما في المدرسة، و لاحقا في تعاملك مع البيروقراطية، ليس كل خلاف محل للصدام. قد تختار خلافات بعينها لتسهم استراتيجيا في إصلاح كوكب الأرض، لكن لا تسعى للصدام في كل مناسبة. إن عبرت من أمام الحمار عضك، و إن عبرت من خلفه رفسك. ابعد عن الحمار خالص. إياك و درسي التاريخ و الدين.

ما يحدث خارج المدرسة، يبقى خارج المدرسة

المدرسة بطبيعتها مجتمع منغلق و تقليدي و سلطوي، و لا مساحة فيها للتعبير الحر، و بالطبع هي ليست مكانا للتعلم. لا تعرض لمدرسة الحساب آخر إصداراتك لمعيار التعمية الأبجدي البسيط الذي ابتكرته، و لا تحاول في درس أن "المادة لا تفنى و لا تستحدث من العدم" أن تلقي ملاحظة عن محيرة بناخ-تارسكي أو عن الحقيقة الكمومية في أي نظرية كونية معاصرة. اترك زينو و شأنه في درس التفاضل الأول. لا تحاول أن تشرح كيف تأمثل مصفوفة من تسعة صفوف و تسعة عواميد بالنظر في أقل من عشرين ثانية (تذكر! أنت ساحر البلاط. حيل كهذه تفيدك). دروس اللغات و الإنسانيات لا تستأهل اهتمامك بعد أن نظرت فيها أول العام و أدركت تهافتها. ركز في شيء مفيد كتقنيات التأمل و التنفس، أو تدريب ذاكرتك البصرية و ذهنك على لعبة البوكر، أو الاستمرار في التدريب على إيقاع single paradiddle في تردد ستين هرتز لعشرين دقيقة.

تمرس على فنون التصريح و التقية

اعلم أنك مضطر للبقاء في المدرسة إلى أن يحين الحين، لذا عليك أن تمضي وقتك فيها بأقل خسائر ممكنة. ستجد نفسك، باعتبارك مراهقا مفكرا، طرفا في مناظرات لم تبدأها، حتى و إن تحاشيت دروس التاريخ و الدين. احذر الفأر الأزرق، فهو لا يسعى للحقيقة مثلك، بل غرضه أن يحول المناظرة السيئة أصلا إلى تحقيق فاتهام فما يتيسر. حافظ على مبادئك دائما و لا تسلم بشيء لا ترى أنه صحيح، و تعلم كيف تنطق بحقيقتك دون أن تضع نتائجها المنطقية بوضوح في عقل من يسمعك، و ثق أن أغلبهم لن يفهم. ضع خصمك دائما موضع الدفاع، و اعرف إلى أين تنتهي المناظرة قبل أن تنتهي، ثم تحكم في وجهتها. تحين لحظات الشك و اهتزاز الإيمان و ادفع بأفكارك قدر استطاعتك--دون أن تصرح بها--مستخدما الأسئلة أكثر من الإجابات. أفضل موقع للدفاع هو أن يستبطن الجميع أفكارك، فلا تحتاج للدفع بها.

ديجو: تعليم تشاركي، و إدارة حملات، و أداة للبحث

يقوم الرفيق حسام الحملاوي مؤخرا بمجهود طيب في توثيق دروس تعلمها النشطاء الذين يستخدمون إنترنت أداة لإدارة حملاتهم، و هي أدوات تفيد أيضا أفرادا يشتركون في الاهتمام بموضوع ما. يعتمد الحملاوي في نشاطه على نقطة أساسية، و هي أنه في وسط شبكة من الناس تستخدم العديد من الأدوات بغرض تداول المعلومات، و ربما بغرض إحداث تغير اجتماعي.

قدم الحملاوي ديلشوس في إحدى تدويناته الأخيرة هي دليل الناشط إلى ديلشوس، و التي ترجمها رئيس الآي.آر.سي. ديلشوس هو أحد تطبيقات التعليم على وب (صارت لي سنين الآن أبحث عن تعريب جيد لbookmarking) الذي يستغل "تأثير الشبكة". بإمكانك مبدئيا الاحتفاظ بالمواقع المفضلة عندك في متصفحك. تتفوق أدوات التعليم على وب من نظائرها على متصفحك في أمور ثلاثة: هي أولا متوفرة في أي حاسوب له اتصال بإنترنت، لأنها مخزنة على الشبكة؛ و هي ثانيا تستخدم التصنيف الشعبي بالوسومات، بدلا من التصنيف في فئات؛ و هي ثالثا قد تكون متوفرة لأفراد آخرين، الأمر الذي يعني أنها تصير أداة للعثور على المعلومات عن حدث بعينه في مواقع أخرى،أو ما يسمه الناس في الشبكة عن فرد أو موضوع بعينه.

يواجه الحملاوي مشاكل في حسابه مع ديلشوس في ذات الأسبوع الذي نشر فيه تدوينته الجيدة. في ذات الأسبوع أيضا، قررت أن أنقل علاماتي على وب إلى أداة أخرى توفر لي كل ما يوفره ديلشوس، بالإضافة إلى أغلب ما تمنيته فيه.

يبدو ديجو أقرب لمفهومنا عن الشبكات الاجتماعية عامة الأغراض مثل فايسبوك. بإمكاني هنا أن أنشئ ملفا عني أضمنه صورتي و اتصالاتي و معلومات أخرى عني، و روابط لحساباتي على شبكات اجتماعية أخرى. بإمكاني أيضا أن أضيف أصدقاء و أن أرسل لهم رسائل خاصة، و أن يتركوا لي رسائل على "حائطي" يستطيع آخرون قراءتها. بإمكاني أن أضبط تماما البريد الذي يصلني من ديجو، و أن أستعمل المعرف المفتوح لإنشاء حسابي بدون الحاجة لإدخال بياناتي (مرة أخرى في شبكة أخرى!).الوسم على ديجو: بالإمكان أثناء الوسم إرسال الصفحة الموسومة إلى 
تويتر، و إلى قائمة بريدية من الصحافيين مثلا، و إضافتها إلى قائمة، و 
إضافتها إلى مجموعة، و هذه الأخيرة تعني إعلام المزيد من الأشخاص بأدوات 
عديدة

يتفوق ديجو كأداة للتعليم على وب كثيرا عن ديلشوس. نتخيل مثلا حدثا كاختطاف ناشط السلام فيليب رزق يوم 6 فبراير الماضي. اتفق البعض وقتها على وسم صفحات وب عن الانتفاضة بوسم مشترك هو 6FebProGazaMarch على ديلشوس. هذا تصور لما يمكننا أنه نفعله مع ديجو:

تنشئ لبنى مجموعة الحرية لفيليب رزق، و تبدأ في وسم صفحات وب عن الحدث بوسومات واضحة مثل Egypt, Gaza, War, Solidarity, Protest, Police, Detention, PhilipRizk.

تدعو لبنى عمرو إلى المجموعة، و تعطيه صلاحيات إدارية، فهما يعيشان على جانبي الكرة الأرضية، و بإمكانهما معا إدارة المجموعة على مدار اليوم.

يدعو عمرو بدوره أصدقاءه على الشبكة حسام الحملاوي، و سارة كار، و مفطصى حسين (و الأخيران كانا مع فيليب رزق قبيل اختطافه). بإمكان كل أعضاء المجموعة إدارة نقاشهم في منتدى المجموعة أو في رسائل خاصة بينهم يستطيعون إشراك آخرين فيها إن رغبوا

لافتة مجموعة على ديجو: بإمكان أي شخص نسخ الكود في الصندوق و لصقه في
 موقعه أو مدونته لينشئ لافتة تربط إلى مجموعة على ديجو. شريط أدوات ديجو 
في الأعلى. يعمل الكل على وسم المحتوى كالمعتاد--دون الحاجة للاتفاق على وسومات بعينها--، و في أثناء وسمهم يضيفون الصفحات إلى مجموعة الحرية لفيليب. تعد سارة، باعتبارها صحافية، قائمة بريدية بأسماء معارفها من الصحافيين في وسائل إعلام مختلفة (سواء كانوا أعضاء في ديجو أم لا، ستصلهم الرسائل على صناديق بريدهم) بينما يرسل مصطفى، باعتباره طبيبا في مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، بعض الأخبار إلى دائرته من النشطاء. أما الحملاوي، فيرسل روابط الصفحات إلى حساباته في توتير و فايسبوك بل و إلى مدونته، و يسم ذات الصفحات بذات الوسومات في ديلشوس، و هكذا يمكنه الانتقال من ديلشوس إلى ديجو الأفضل دون أن يخسر شبكته القديمة. الثلاثة يقومون بذلك أثناء وسمهم للصفحات من داخل ديجو.

تتوسع عضوية المجموعة--سواء بالدعوة أو بانضمام آخرين للمجموعة أثناء بحثهم عن معلومات--و يبدأ الناس--ليسوا أعضاء فيها بالضرورة--بتعليق لافتة المجموعة على مدوناتهم، و تنتشر سحب وسومات و قائمة أحدث ما وسم عن فيليب في صفحات أخرى على وب. تقود كل هذه الروابط إلى المجموعة و إلى منتدى النقاش. تظهر مدونات و مواقع "الحرية لفيليب"، و بدلا من أن يعيدوا نسخ الأخبار يدويا إلى مواقعهم، فإنهم يمكنون أعضاء المجموعة من النشر مباشرة في مواقعهم.

كل هذه الروابط الواردة إلى المجموعة ترفع من تقييم محركات البحث للصفحة، و على عكس فايسبوك المغلق، فإن ديجو المفتوح على جوجل سيظهر في قوائم البحث عن كلمات مفتاحية مثل "مصر" و طبعا "فيليب رزق".

قائمة روابط ديجو: بإمكان أي شخص نسخ الكود في الصندوق و لصقه في 
موقعه أو مدونته لينشئ قائمة بأحدث الروابط التي وردت إلى مجموعة ديجو.

سحابة وسومات ديجو: بإمكان أي شخص نسخ الكود في الصندوق و لصقه في موقعه أو مدونته لينشئ سحابة وسومات تربط إلى مجموعة على ديجو.

تعليقات ملصوقة على تدوينة: النص المبرز باللون الأخضر هو ما اخترت  التركيز عليه في تدوينة أسعد أبو خليل، و تعليقي عليه في الصندوق الأصفر.  بالإمكان لآخرين إضافة مزيد من التعليقات لتبدأ مناقشة.

يراقب عمرو تلقيمة علامات المجموعة باعتباره مهتما بالنشاط على وب و بالشبكات الاجتماعية، و يختار بعض ما يظهر في سيل الأخبار ليضيفه إلى قائمة روابط أنشأها لدراسة إبداعات الإعلام الشبكي في حملة التضامن مع فيليب رزق. و يضيف لتلك القائمة التعليقات من متخصصين متابعين للحدث، و صحافيين تقنيين يكتبون عن جديد حملات إنترنت، و باحثين في اجتماع الشبكة عن استخدام الناس في جنوب العالم للشبكات الاجتماعية بنمط يختلف عن أقرانهم في الشمال... و أثناء هذا، يختار فقرات بعينها من داخل المقالات ليبرزها highlight كما يخطط الناس تحت الفقرات الهامة في الكتب، ثم يضع تعليقا على تلك الفقرات بالذات تتضمن ملاحظات عن كيف ينوي الكتابة عنها لاحقا. تلتقط لبنى بعض تلك التعليقات و تبدأ في التعليق على التعليقات، و هكذا يمكن للناس إجراء مناقشة على فقرات محددة و داخل صفحة المصدر ذاتها (و متابعة النقاش على الصفحة من خلال تلقيمة خاصة)، و إرسال هذا إلى الناس بطرق عدة. يعلِّم عمرو أيضا على بعض المقالات الأطول "للقراءة لاحقا"، فهو لا يستطيع التركيز الآن.

بالإمكان أيضا مراقبة كل ما يعلمه مجتمع ديجو عن موقع بعينه (المصري اليوم مثلا) أو وسم بعينه (مصر مثلا).

نهاية، بإمكان عمرو استخراج ملاحظاته (و ملاحظات غيره) عن أي صفحة ليضمنها في نص ورقة بحثية يكتبها مثلا. و لا شك أنني أغفلت خاصية أو اثنتين أخريين. أفضل طريقة كي تستخدم كل هذا هي أن تركب شريط أدوات ديجو، و إن كنت تعمل اليوم من حاسوب لا تمتلكه، فبإمكانك استخدام أداة ديجو الخفيفة.

جدير بالذكر أن معظم الأدوات التي تستخدمها الشبكة اليوم لفت نظر الناس إليها مفطصى، فهو من قدم تويتر ثم ديلشوس و فيميو إلى مجتمع الصحافة الشعبية في مصر، و هو أمر يدعونا لتقدير أصدقائنا من مهاويس التكنولوجيا.

ساعدت لبنى درويش و حسام الحملاوي في تنفيذ هذا العرض/الدليل.

سأرى أن الصراع العربي-الإسرائيلي قد انتهى عندما:

لوحة المفاتيح العربية

نهاية الكلام: الحروف على لوحة المفاتيح العربية سيئة التخطيط و استخدامها مؤلم! لكن لنرجع إلى البداية. لا زالت لوحة المفاتيح الإنجليزية الأشهر هي QWERTY (اسمها مأخوذ من الحروف بدءا من أعلى اليسار متجها ناحية اليمين). الحقيقة أن توزيع الحروف على تلك اللوحة يعود إلى وقت الآلات الكاتبة الميكانيكية، و قد وزعت الحروف عليها بحيث يبدل الطباعون اليدين في كل حرف قد الإمكان (يمين - يسار - يمين...) حتى لا تتعطل ميكانيكية الآلة الكاتبة باشتباك أعمدة الحروف ببعضها البعض. أتاح اختراع الآلات الكاتبة الكهربية التخلص من تلك المشكلة، و سمح يالتركيز على تخطيط لوحة مفاتيح جيدة تساعد على الكتابة الأسرع كثيرا و الأريح للأيدي. أعوام الثلاثينيات، ابتكر أوجست دفوراك مخطط لوحة مفاتيح إنجليزية راعى فيه المبادئ التالية:

  • تتوزع الحروف بحيث تبدل الأيدي أثناء الطباعة قدر الإمكان
  • تتوزع الحروف الأكثر استخداما على السطر الأوسط (البيت الذي تبدأ منه الكتابة)
  • تتوزع الحروف الأقل استخداما على السطر الأدنى، لأن الوصول إليه أصعب.
  • تقوم اليد اليمنى بمعظم الشغل، لأن معظم الناس يستخدمونها أفضل من اليسرى.
  • تبدأ الكتابة من الخارج للداخل، فالدراسة تبين أنه أسهل على الناس أن ينقروا أصابعهم الخمسة على طاولة مثلا، بدءا من الخنصر و حتى الإبهام، عن الاتجاه العكسي.

استدعى تخطيط لوحة مفاتيح مثل تلك إجراء دراسة تواتر الحروف في الإنجليزية، و هي دراسة تحدد الحروف الأكثر استخداما في اللغة، و توافيق الحروف الأكثر استخداما أيضا (ثنائيات مثل in و on و me، و ثلاثيات مثل the و for...)، ثم استخدام تلك البيانات لتوزيع الحروف على المفاتيح بشكل أمثل.

أثبتت لوحة مفاتيح دفوراك أنها تتيح طباعة أسرع و تريح الأيدي من الإجهاد. أصبت مؤخرا بإجهاد مؤلم في يداي و رسغاي من الطباعة، و أنا في طور التحول لاستخدام لوحة دفوراك (و أفكر في تعلم لوحة المفاتيح المخصصة لمن يستخدمون يديهم اليسرى مثلي). هذا في الإنجليزية. أما حال لوحة المفاتيح العربية فهو أسوأ كثيرا. أنا من جيل نشأ في وقت بدأت الحواسيب المنزلية فيه بالانتشار. ظهرت أولى الحواسيب المنزلية بسعر معقول و بلوحة مفاتيح عربية عام 1986، و هو توقيت سمح لي أن أكون من أوائل الناس الذين يتعلمون كتابة لغتهم الأم بالقلم و بلوحة المفاتيح في ذات الوقت (لا يزال خطي يشبه خط ولد في السادسة. خمن أيهما حاز على انتباهي أكثر). كانت تلك الأجهزة نتاج تعاون بين شركات مايكروسوفت و ياماها و العالمية تستخدم لوحة مفاتيح عربية تختلف عن لوحة المفاتيح العربية المنتشرة على الحواسيب الشخصية حاليا. و خلافا عن لوحة مفاتيح حواسيب صخر، كانت لحواسيب برق لوحة مختلفة، ثم لحواسيب آي.بي.إم الشخصية التي بدأت تدعم العربية (قبل تحالفها مع مايكروسوفت و استخدام لوحة المفاتيح العربية المنتشرة حاليا). تشترك تلك اللوحات كلها مع لوحة QWERTY الإنجليزية في أن تصميمها كلها يعود لعصر الآلات الكاتبة الميكانيكية و عيوبها التقنية التي حالت دون أمثلة توزيع أفضل للحروف. إلا أن تخطيط الحروف على لوحة المفاتيح العربية تم بتفكير أقل، و بدون مراعاة حساب تواتر الحروف في العربية الحديثة. دقق في مفاتيح لوحتك: العين و الغين بجوار بعضهما لا لسبب إلا لأنهما يشبهان بعضهما. نفس الشيء مع الفاء و القاف، و الجيم و الحاء و الخاء. كانت لوحة مفاتيح صخر تضع الذال على نفس المفتاح مع الدال، و الزاي مع الراء، أيضا لا لسبب إلا للتشابه، و بدون نظر في الكفاءة. بالإضافة لابتكار مخطط لحروف العربية على لوحة المفاتيح بمعايير دفوراك، و هو أمر يحتاج إلى دراسة تواتر لحروف العربية الحديثة (أبحث عن إحصائي يساعدني). هناك أمور أخرى مطلوبة في لوحة مفاتيح عربية جيدة:

  • يجب أن تختفي الكشيدة فوق حرف التاء، فمكانها في برمجيات النشر المكتبي، و ليس على لوحة المفاتيح
  • توجد ثلاثة مفاتيح لللام-ألف مع أن اللام-ألف ليس حرفا في العربية. و هو أمر يعود تاريخيا إلى أن الآلات الكاتبة الميكانيكية كانت لا تستطيع تشبيك الحروف العربية. يسبب الآن هذا خلطا كبيرا في جداول ترميز الحروف، فالحواسيب تميز بين ل+ا و اللام-ألف. و هو عيب كان أجدر بواضعي معيار ترميز يونيكود تفاديه. يحدث هذا بينما لا يستقر حرف الذال في مكان لأن لا مكان له بعد هدر مواضع عديدة على اللوحة. يجب أن تختفي مفاتيح اللام-ألف. تخلصت لوحة المفاتيح العربية على لينكس من اللام-ألف و تركت أزرارها فارغة
  • يعاد توزيع علامات الترقيم بحيث لا تحتاج الفاصلة و النقطة على الأقل لاستخدام مفتاح الرفع Shift، و هو أمر تم جزئيا في لوحة مفاتيح ماكنتوش العربية

هذه لوحة مفاتيح يمكن أن نستخدمها على أزرار حواسيبنا مباشرة، و هي ستسرع من كتابة العربية، و تحمي أيدي الكتبة، و تبعدهم عن ما أسميه العرابش 3arabish، أي كتابة العربية بحروف لاتينية، و هو أمر تساعد عليه مشروعات مثل يملي و مشروع جوجل الأخير، إلا أن بعض التقنية بإمكانها أن تفيد أكثر. الهمزات و المدة و الألف المقصورة و التاء المربوطة ليست حروفا مستقلة. بالإمكان أن تضبط الحواسيب رسم هذه الأشياء كما تضبط أشكال الحروف المختلفة (هناك أربعة أشكال لحرف العين مثلا: في أول الكلمة و وسطها و آخرها و منفردا). هذه أمور ينبغي التفكير في كيفية التعامل معها، أما وضعها الحالي فهو يجعل تقنيا مثل محمد سمير يعتقد أن حروف العربية خمسة و ثلاثون و ليست ثمانية و عشرين. يسمح إخلاء لوحة المفاتيح بهذا الشكل من إضافة حروف أخرى في لغات تستخدم رسما عربيا: الپاء و الڤاء و الگاف. هذا عمل كثير و لكنه لا يحتاج أي تغيير في عتاد الحواسيب. تغيير تصميم المفاتيح على اللوحة ذاتها يفتح أفقا أوسع للتحسين. تخيلت مع أحمد قبلا لوحة مفاتيح تسمح بالحروف اللاتينية لكنها أيضا لا يوجد فيها زر Caps Lock، و فيها تشبك الحركات القصيرة و الطويلة (المد) و التنوينات و الشدة و السكون باعتبارها مبدلات للحروف، تماما كزر الرفع Shift: ألف و فتحة تصير أَ. ألف و مد تصير آ.

بداية التصويت الشعبي على فضلى المدونات

يبدأ اليوم، و حتى 26 نوفمبر القادم، التصويت الشعبي على فضلى المدونات. تنافس في فئة أفضل مدونة بالعربية المدونات التالية، و قد اختيرت من ترشيحات عامة و مفتوحة (و قليلة):
دقي يا ساعة الجامعة: غطت داليا العقاد كصحافية حركة الطلبة في جامعة القاهرة لبضع سنوات، و بدأت مؤخرا تغطية موضوعات، لا سيما سلسلة من الكوارث التي حدثت في القاهرة مؤخرا، و هي تضيف بعض الصور إلى تدويناتها. م.س. إحجيوج: إحجيوج هو واحد من أكثر الأفراد إثارة للاهتمام في فضاء إنترنت في بلاد المغرب. بدأ التدوين مبكرا جدا، و تعداه إلى الكتابة عن النزعات في المدونات، و أصدر نشرات إلكترونية جاهزة للطباعة، و بدأ مؤخرا في بناء برمجية نشر على وب من تصميمه. مدونة أسامة الرمح: أكسبت تعليقات أسامة الحادة مدونته شعبية بين المدونات الأردنية، و تبدو مدونته شهيرة لدرجة الحصول على إجابات شخصية من وزراء في الحكومة الأردنية ما بدا لي: تحوز تعليقات عزت عن المجتمع و الحريات السياسية و حرية التعبير على احترام أقرانه من أصحاب المدونات و قرائه ، و في تعليقاته غالبا وجاهة يراها المختلفون معه في الآراء، و هم كثر. أحد: يقدم أحمد الثقافة المستقلة في مصر و أماكن أخرى، و تمثل تعليقاته القصيرة على موضوعات اجتماعية، و كذلك انطباعاته الأخرى، قطعا من الأدب العربي. نثار: بدأ المدونون في بلاد الخليج مؤخرا عددا من المدونات التي تقدم أخبارا تقنية و عروضا و إرشادات بالعربية. نثار هي واحدة من فضلى تلك المدونات محتوى و تصميما. متابعات عقبة: يكتب عقبة تدوينات قصيرة عن عديد من الموضوعات في بلده سوريا، و أيضا عن التقنية و الفنون، و السياسة في بلاد أخرى. ربى عنبتاوي: هي صحافية و مترجمة مبتدئة من فلسطين. تتضمن قصصها الصحافية صورا، و هي تكتبها إما كجزء من عملها أو مستقلة، مقدمة أخبارا من بلدها المأزوم غير أخبار العدوان و الدمار قبل الطوفان: مقالات ياسر ثابت عن أناس و أحداث تاريخية هي أفضل التدوينات بحثا فيما قرأت في فضاء المدونات العربية. يمتد المقال الواحد غالبا لأكثر من تدوينة. يعطي ثابت ، و هو الصحافي المخضرم و القصاص الماهر، قرائه جوانب جديدة لقصص قديمة. محمد عبد الله الشهري: الشهري واحد من مجموعة أساسية في المدونات السعودية، و بالرغم من أنهم لا يحوزون على اهتمام الإعلام العالمي مثل أقرانهم في مصر مثلا، فإن النقاش الذي يديروه يقدم كثيرا من الأصوات البديلة في مجتمع محافظ جدا. يعلق الشحري على موضوعات مختلفة في بلده، في السياسة و المجتمع و الثقافة. أمواج أسبانية في فرات الشام: سوري يعيش في أسبانيا و يكتب عن عديد من الموضوعات، بما فيها اليسار الأسباني و الأدب. و يحاول تأليف رواية.
فئة جائزة مراسلون بلا حدود حوار الأطر العليا المعطلة: تجمع هذه المدونة أخبار حركة الخريجين العاطلين من المغرب، و تستضيف كتابا من الحركة ذاتها، و تمثل تفاعل المدونات المغربية مع الحركات الاجتماعية، و هو أمر طال انتظاره مقارنة بمصر مثلا، على قوة و كبر الحركات المغربية. فئة أفضل مدونة كلنا ليلى: ليلى ليست مدونة، و ليست ملك فرد بعينه. هي حدث يجمع نساء و رجالا ليدونوا انطباعاتهم عن دور المرأة في مجتمع تقليدي.تبدأ ليلى في عامها الثالث هذا الخروج خارج مصر. تزامنت ليلى مع تغير الرأي العام المصري ليدرك وجود العنف في الشارع ضد المرأة، و هو أمر تحقق بفضل الصحافة الشعبية. ليلى الآن هي أقرب شيء في البلاد العربية لVagina Monologues، لكن بدون الجسد. فئة أفضل مدونة فيديو العين الثالثة: بالرغم من حداثة مدونته،فإن مصطفى البقالي يظهر إخلاصا لتوثيق الحياة العامة في بلده المغرب. يميزه تركيزه على الصحافة الشعبية المصورة. بدأ البقالي مؤخرا التدوين في مكان جديد. أدعوه أن يركز كل محتواه في موقع واحد. فئة غريب عجيب كركور: يقدم كركور مدونة جيدة التصميم ينشر فيها أخبارا متنوعة قصيرة من هنا و هناك، و يرفقها دائما بصورة جذابة. لم توجد أي مدونة عربية لفئة البودكاست

النظام المصرفي: نعبي الشمس في قزايز!

كان رداء توجا و الحزام و الصندل الجيد مما يلبسه علية القوم في روما القديمة عندما كانت من كبريات حواضر العالم يكلف مشتريه أونصة واحدة من الذهب. اليوم، أي بعد ما يزيد على ألفي عام، تكلف حلة و حزام و حذاء جيد في واشنطن أو نيويورك، حاضرة عالم اليوم، تسعمائة دولار مثلا--يدفعها ألان جرينسبان من ماله الخاص، و هو كم من البنكنوت يمكن أن نشتري به وزنا من الذهب يبلغ أونصة واحدة . هل التضخم ضروري؟ ما هو البنكنوت، و لم ظهر، و كيف تغير؟

تاريخيا، و إلى اليوم في بعض الحالات، استعمل الناس المعادن النفيسة، خصوصا الذهب و الفضة، كمخازن للقيمة، بالإضافة لأشياء أخرى: القواقع؛ الزجاج الملون... و على الرغم من أن الذهب حقيقة لا قيمة له، فهو لا يشبع و لا يكسي، إلا أنه مقبول في العالم بأسره مخزنا أساسيا للقيمة، و بالتالي مقياسا لقيم الأشياء الأخرى، أي نقودا تشير إلى قيمة محتملة، و تسهل التجارة في السلع و الخدمات. إلا أن التصرف في الذهب و العملات الأخرى أمر مرهق، فالذهب معدن ثقيل و هو عرضة للسرقة، و بالتالي يتطلب اهتماما و حراسة تخصصت في توفيرها المصارف، و أتت معها درجة أخرى من تجريد القيمة هي النقود الورقية.

النقود الورقية في أصلها صكوك، و منها الكلمة اللاتينية التي أعدنا استيرادها "شيك". هي تعهد قانوني برد القيمة التي يحملها الصك ذهبا. صرنا نترك ذهبنا في المصارف التي تعطينا نقودا ورقية نتداولها فيما بيننا لأنها تشير إلى ذهب يشير إلى احتمال قيمة حقيقة في صورة سلع و خدمات نافعة. تداول الصكوك مبني تاريخيا على التزام قانوني بصرفها ذهبا من المصارف. أي مصرفي يحترم هدفه في تعظيم أرباحه سيدرك سريعا جدا أن بإمكانه خلق نقود ورقية--يتداولها الناس في صورة بنكنوت و شيكات ورقية--حتى لو لم يكن عنده غطاء ذهبي لها، فالخبرة توضح أن نسبة ضئيلة جدا من الناس سترغب في صرف نقودها ذهبا في ذات الوقت. كل ما عليه هو أن لا تتجاوز أضعاف النقود المخلوقة من لا شيء حدا معينا كي لا يشعر الناس بضعف الثقة في إمكان صرف أموالهم، و تنهار الثقة في المصرف. و هكذا، بدأت المصارف تعمل على خلق الائتمان من لا شيء. تصور نفسك تطلب قرضا من البنك لتمويل شراء سيارة أو عقار ما. كل ما على المصرف أن يقوم به هو أن يقيد في دفاتره أنه قد أضاف إلى حسابك كمية من المال دون أي يخصمها من أي مكان آخر، و هو بالتالي يخلق النقود من لا شيء. هذا أمر لا يقتصر على البنوك المركزية، بل يتعداها إلى كل البنوك التجارية و الاستثمارية.

دلت خبرة الائتمان أنه من الحكمة وجود حد ما من الأصول التي تغطي جزءا من القروض، و هو حد قدرته لجنة بازل ب10%. إذا كان رأس مال المصرف ألفا ، فإنه سيقرض عشرة آلاف مستخدما ذلك الغطاء. بعض البنوك و البلاد لا تلتزم بمعايير بازل تلك، و تقرض ثلاثين ألفا لكل ألف. لكن تعقيد الأمور يتعدى ذلك. من يقترضون النقود لا يصرفونها كلها أوراقا، بل يتركون أغلبها في حساباتهم أو يدخلون في تعاملات بدون بنكنوت--في ذات المصرف أو في مصارف أخرى، لا فارق. تعامل هذه التحويلات كأنها إيداعات جديدة مضمونة ضمان الألف الأولى، و بالتالي يستخدمها المصرف كغطاء لمزيد من الإقراض، و هكذا. نظريا، إذا التزمت المصارف بمعيار بازل--، يصير بإمكان النظام المصرفي أن يستخدمها لإقراض ما يقارب التسعين ألفا: حوالي تسعين مرة قدر رأس المال الذي يفترض أنه يساوي ذهبا مودعا في مكان ما. كل هذا غريب و لكنه لا يزال معقولا، إلا أنه ليس كل شيء، فهناك خطوة أخرى تحول المصارف التقليدية--بما فيها البنوك المركزية التقليدية--إلى البنوك الحديثة.

ورقة بنكنوت من فئة صفر دولار: إصدار بنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي. يصدر البنكنوت بلا أي غطاء حقيقي.

يصدر البنكنوت بلا أي غطاء حقيقي. الواقع أن بريطانيا بدأت في العام 1931 التخلي عن قاعدة الذهب (مقابلة البنكنوت بغطاء حقيقي من المعدن النفيس)، و هي نزعة أنهتها الولايات المتحدة بتخليها هي الأخرى عن أي غطاء حقيقي لنقودها في 1971. كان الغطاء الذهبي الجزئي الذي كان يوفر لعملاتها قدرا محدودا من الاستقرار--عشر استقرار، اذا اعتبرنا أن الغطاء الذهبي الكامل يساوي الاستقرار الكامل. أنا شخصيا لا أرى فائدة للذهب تدعو لاعتباره مخزنا للقيمة. كل عملات اليوم لا تغطيها إلا سلطة القانون و الشرطة، و كثير من دول العالم تجرم رفض قبول البنكنوت التي تصدره كوسيلة إبراء للذمة.و على الرغم من غرابة هذا الموقف بحد ذاته، فإن علاقة الدولة بالبنوك أغرب و أغرب.

الدولة نظام سيء، و لأنها نظام سيء فهي تخسر الأموال. تمول الحكومة عجز موازنتها بالاقتراض، فهي تصدر أذون الخزانة و تطرحها في السوق، على وعد أن ترد قيمتها حال الطلب. في الظروف الطبيعية، يفترض بالناس أن يشتروا أذون الخزانة ليقرضوا الحكومة، و يحصلوا على عائد قليل بالمقارنة بعائد الاستثمار المباشر، إلا أنه مضمون تماما كمدى ثقتنا بالحكومة، و من لا يثق في الحكومة؟ و لأن الحكومة لا تنتج أي إنتاج حقيقي، وبالتالي لا تستطيع الوفاء بديونها للناس، يوجد البنك المركزي لينقذ الحكومة. يشتري البنك المركزي كميات كبيرة من أذون الخزانة، و يسدد الثمن بنقود يخلقها من لا شيء، فالبنك المركزي صاحب احتكار طبع النقود بسلطة قانون الدولة. أي أن البنك المركزي يقرض الحكومة، التي هي مفوضة من الناس لإدارة شؤونهم و أموالهم العامة، و يحصل على ذلك فائدة. المحصلة هي أن هناك كيانا قانونيا أنشأته الدولة، يحصل فوائد على الأموال التي يقرضها لعين تلك الدولة. تمول الدولة القروض و الفوائد من حصيلتها من الضرائب التي تفرضها على الناس--بقوة القانون و الشرطة أيضا--و من موارد أخرى.

الأغرب من كل ما سبق هو أن النظام المصرفي يخلق الأموال التي تشكل أصل الدين، لكنه لا يخلق الأموال التي تشكل فوائد الدين. من أين يفترض أن تأتي تلك؟ نتيجة هذا هو أن أساس نظام الائتمان يعتمد على عدم استطاعة كل المدينين الوفاء بديونهم. فكم النقود الكلي لا يكفي لسداد أصل و فائدة الديون لكل الناس. تفليس البعض أمر حتمي. و في الديون طويلة الأجل--كالدين العام للحكومات و الرهون العقارية مثلا--، يتعدى إجمالي الفوائد أصل الدين بكثير. لن تزيد النقود لسداد بعض تلك الديون إلا بمزيد من الديون. نتيجة النظام المصرفي القائم على الائتمان و احتكار إصدار النقود هو أنه يسحب الثروة من الناس إلى المصرفيين، إما مباشرة من خلال تعامل الناس مع البنوك، أو عن طريق تمويل الناس للقروض التي تحصل حكوماتهم عليها من البنوك المركزية، أو من خلال زيادة البنك المركزي للمعروض من النقود من لا شيء، مما يخلق التضخم الذي نتصوره زيادة في الأسعار، في حين أن التضخم هو إثراء الأغنى على حساب الأفقر.

هذا هو نظامنا النقدي. إذا لم يكن هناك دين، لن تكون هناك نقود مارينر إس. إكلس -- رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي

Syndicate content