لوكوربوزييه.. المعماري كما يظهره فن الرسم


قيثارات، نسوة، لوحات معروضة على الجدار..أهو بيكاسو؟ لا، إنه لوكوربوزييه..فقد كان المعماري السويسري الشهير، رمز المعاصرة، رساماً عظيماً، بل ان رسمه، كما يقول، كان «بوتقة» لأعماله المعمارية وكانت كل ابداعاته تشكل «تعبيراً واحداً ووحيداً عن تناغم محفز في قلب مجتمع آلي جديد».
يعرض متحف روث، في جنيف، مجموعة هامة من 130 لوحة للمعماري الذي ولد عام 1830 باسم شارل إدوار جانريه، كما يعرض منحوتات وماكيتات، بيد أن المتحف لا يعرض إلا لمحة مما كان لوكوربوزييه يدعوه «تركيب الفنون».
ترك لوكوربوزييه 450 لوحة قماشية والآلاف من الرسوم، وهو بذلك قريب من بيكاسو وفيرنان ليجيه دون ان يصل إليهما، تطور لوكوربوزييه، على مدى السنين، على صعيد اللوحات كما على صعيد العمارة، من دوغماتية متطرفة الى تحرير للأشكال.. ولكن بينما تظهر عمارته عن حرفية رفيعة، فإن عمارته تعبر على وجه الخصوص عن بحث شديد.
نحن الآن في العشرينيات من القرن العشرين، كان المثقفون الطليعيون يقاربون بين الرسم والعمارة في رؤية حداثية، وسوف يشارك لوكوربوزييه، الذي كان يبتكر، في ذلك الوقت، آلات السكن الوظيفية، «الفيلات البيضاء» في هذه المغامرة الفنية بفضل لقائه الحاسم مع الرسام أميديه أوزانفان، وقد نشر الاثنان عام 1918 كتاب «بعد التكعيبية» الذي كان يعد تعبيراً عن حركتهما، الحركة الصغائية، تقول نعيمة جورنو، مفوضة المعرض:«كان لوكوربوزييه يعتبر المذهب التكعيبي تزيينياً، لقد كان يريد فناً خالياً من المظاهر الثانوية،« وقد أخذت الصغائية من التكعيبية تزامن وجهات النظر، ولكنها تضيف اليها ترتيباً صارماً في تركيب اللوحة، يؤسس المعماري له أثراً ناظماً، اذ تتراكب، في لوحات الطبيعة الميتة، الكؤوس الزجاجية والغلايين والكتب، المشوهة والعامرة بالاشارات الرمزية، كي تشكل تركيبات معمارية معقدة، على طريقة لوحة «طبيعة ميتة من أشياء كثيرة» التي رسمها لوكوربوزييه عام 1923.
ويستمر الانسجام بين الرسم والبيتون بعد الفترة الصغائية ويقدم لوكوربوزييه تركيبات أقل صرامة ذات نمط متغير وغير متناظر فيضمن في لوحة «أشياء ذات ارتكاس شعري» العظام بالمحارات والجذور الغليظة، في عصر كانت تصميماته تعنى فيه بالمواد التقليدية والعمارة البلدية.
ويغازل لوكوربوزييه، في الأربعينيات، السوريالية والتجريد، دون ان يدعهما تعيقانه، رسم لوكوربوزييه، الأوديبي القلق وعاشق النساء، الكثير منهن، وكن قويات البنية، يعبر مظهرهن القلق أو الحسي عن التقلبات التي شهدتها حياته، وهو يتنبأ قائلاً: «سوف يدرس المحللون النفسيون لوحاتي»..ويكمن أفضل مافي لوحات لوكوربوزييه في أعماله الأخيرة دون شك، لوحات الخمسينيات والستينيات، اذ يبدو الرسام وقد تحرر أخيراً وأصبحت موضوعاته تفرض نفسها في إيماءات حية وواثقة.

فداء الأحمر
عن الانترنت