ظاهرة «لبلوح» أو تسمين البنات عادة مترسخة في موريتانيا لم يغيرها العصر: المرأة البدينة أكثر حظا في الزواج والنحيفة لا خاطب لها

عبد الله مولود

نواكشوط ـ «القدس العربي»:بقدر ما تكون المرأة بدينة بقدر ما كانت محببة وكان حظها في الزواج أوفر بكثير، وبقدر ما كانت نحيفة بقدر ما كانت دالة على فقره أهلها وبقدر ما تدنى حظها في الخاطبين.
هكذا ينظر المجتمع الموريتاني الصحراوي للمرأة حتى بعد أن تغيرت عقليات كثيرة وأثبت الطب الحديث خطورة البدانة على الصحة العامة.
هذه النظرة جعلت الأسر الموريتانية تعتني بتسمين بناتها عبر عملية تسمى محليا «لبلوح» ليظهرن محببات مخطوبات في مجتمع لا يقدر إلا المرأة المكورة.
وإذا كان تبني عادة التسمين قد خف كثيرا في الحواضر حيث تخلى عنه البعض فيما استبدل البعض الآخر طرق التسمين بحبوب حث الشهية، فإن هذه العادة ما تزال سارية في مجتمع البادية حيث تسهر الأم على تسمين بناتها بحملهن يوميا، على شرب ما لا يقل عن 40 لترا من الحليب وما لا يقل عن عشرة أرطال من المواد النشوية المتنوعة.
وتستخدم الأمهات آلة ضغط على أصابع قدم الفتاة تسمى محليا «أزيار» لدفعها نحو شرب ما أعد لتسمينها من حليب ومذق وما حضر لها من وجبات.
وتشمل عادة تسمين الفتيات الموريتانيات إعطاء البنت قبل إكمال عقدها الثاني كميات كبيرة من حليب الأبقار والضأن والدهون والنشويات وحملها على استهلاكها والتهامها.
وتهدف عملية التسمين إلى تهيئة الفتاة لزواج مبكر غالبا ما يكون الزوج فيه منحدرا من الأسرة نفسها أو من القبيلة الواحدة.
وتؤكد دراسة مسحية أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة في الحكومة الموريتانية «أن عملية التسمين تنطلق مع سن العاشرة وأحيانًا منذ السادسة، وتتواصل لفترة تمتد من سنة إلى أربع سنوات في غالب الأحيان وقد تطول المدة لأكثر من خمس سنوات».
وأوضحت الدراسة «أن عملية التسمين لا تتوقف إلا بعد أن تحمل الفتاة أكوام اللحم والشحم وتصبح بدينة بالكامل».
وأكدت «أن ما بين 55 و60 في المئة من النساء اللائي استطلعت آراؤهن، مقتنعات بفوائد السمنة ومزاياها، بل إن كل امرأتين من أصل خمس نساء موريتانيات، عبرن عن قناعتهن بأن السمنة تزيد المرأة جمالًا وتجعلها محط إعجاب الرجال والنساء، وأن المرأة السمينة أجمل بكثير من المرأة النحيفة».
وأثبتت الدراسة «أن نسبة 55 في المئة من الرجال يعتبرون نحافة المرأة عيبًا ونقصًا، بل إن بعض المستجوبين يعتبر أنه لا يمكن الحديث عن جمال المرأة إذا كانت نحيفة، مهما بلغت درجة وسامتها».
ومع هذا اعترفت نسبة 76 في المئة من الرجال والنساء ممن شملهم الاستطلاع بمخاطر السمنة على الصحة وبكونها عائقا كبيرا أمام ممارسة النساء للعمل، حيث يحول الوزن دون قيامهن بواجباتهن التي تستلزم نشاطا وحيوية.
ويؤكد تقرير أخير لمشروع تطوير المرأة الموريتانية أن «الجهود المبذولة والاهتمام المتزايد للحكومة بالنهوض الاجتماعي والاقتصادي بالمرأة الموريتانية سيساهم في الحد من الظواهر التي تقف عقبة كأداء في طريق مشاركة المرأة في عملية التنمية وعلى رأسها ظاهرة التسمين».
وتنفذ الحكومة الموريتانية برامج توعوية لتبصير المجتمع النسوي بخطورة ظاهرة التسمين القسري للبنات نظرا «لأضرارها البالغة على صحة البنت ولشلها لمستواها التعليمي والصحي والاقتصادي داخل المجتمع».
غير أن التحليلات التي قيم بها للنظر في تأثير برامج التوعية أثبتت أن التخلي عن هذه الظاهرة الاجتماعية يتطلب جهودا كبيرة وعقودا من العمل الميداني المنصب على تغيير العقليات المجتمعية ومحو تأثيراتها المترسبة منذ زمن بعيد.
وتعارض فتيات موريتانيات قاطنات في المدن قضية التسمين ويعتبرنها عادة متخلفة.
تقول السالمة بنت سيدي (21 سنة) «أمقت التسمين القسري وأرفض البدانة حتى ولو كلفني ذلك ألا أتزوج طول حياتي».
وسخرت الدرجة بنت أحمد (19 سنة) من الفتيات البدينات قائلة «لن أقبل أبدا أن أتحول إلى برميل، فصحتي أولى وأكثر أهمية عندي من التحول لكومة لحم من أجل إرضاء نزوات رجل».
ويجمع المختصون السوسيولوجيون الموريتانيون على أن «تسمين البنات ما زال يشكل المقوم الأساس لجمال المرأة في موريتانيا بل إنه أكثر من ذلك يعتبر معيارا لمكانة الفتاة وأسرتها في المجتمع فالبنت البدينة منحدرة من وسط مترف والنحيفة منحدرة من وسط جائع وفقير».

عبد الله مولود

Share on Facebook