سياسة استخدام «العضلات» أول خطوات الدولة لمواجهة المشاكل… وتحذير للسيسي من «الحشائش الضارة» المحيطة به

حسنين كروم

القاهرة ـ «القدس العربي»: لم يتغير شيء في اهتمامات الأغلبية، فلا زالت في جانب، بينما القوى السياسية ومواقع التواصل الاجتماعي ومعارك النظام في جانب آخر. بينما الصحف منشغلة بالخلافات في ما بينها حول واحدة من القضايا المهمة، وهي بيان وزارة الداخلية عن مقتل الأربعة الذين اختطفوا وقتلوا الباحث الإيطالي ريجيني والقبض على سيدتين..وقد أوردت الصحف الخاصة رفض الإيطاليين الرواية المصرية.
والملاحظ عدم اهتمام الأغلبية بالحملة التي تتعرض لها مصر بسبب بعض منظمات المجتمع المدني ولا حتي بالهجمات العنيفة التي شنتها قوات الجيش والشرطة في شمال سيناء ضد تجمعات لعناصر «أنصار بيت المقدس» وقتل العشرات منهم، أو بالمعارك الدائرة حول حذف اسم الدكتور محمد البرادعي من كتاب اللغة العربية للسنة الخامسة الابتدائي، باعتباره من المصريين الحاصلين على جائزة نوبل. ولا لاجتماع الرئيس مع عدد من المثقفين وامتلاء الصحف بتصريحاتهم، وما دار في الاجتماع. أيضا لم تهتم الأغلبية بالتعديل الوزاري الذي شمل عشرة وزراء وبرنامج الحكومة الذي ستقدمه لمجلس النواب وسننتظر حوالي شهر إلى أن يعد رده عليها، وتأييد محكمة جنايات الجيزة الحكم الصادر بسجن زميلنا وصديقنا مجدي أحمد حسين رئيس «حزب المستقبل» الذي تم حله ثماني سنوات.
إنما الاهتمام الأكبر للأغلبية وللنظام وللرئيس السيسي أيضا، كان عن تصريحه يوم الجمعة في شرم الشيخ بأن السياحة ستعود قريبا إلى كل الأماكن السياحية، بما يعني أنه تلقى وعودا حقيقية ومؤكدة هذه المرة من روسيا وبريطانيا وألمانيا، بإلغاء حظر السفر. وكذلك الاستعدادات لشهر رمضان المقبل، وهو ما وضح من اجتماعه مع وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر لبحث خطة الوزارة في المزيد من التوسع في صيانة المحطات القائمة، وبرنامج إدخال محطات جديدة للخدمة، وطلبه منه عدم انقطاع الكهرباء مع قرب حلول الصيف وشهر رمضان. كما أن وزير التموين خالد حنفي الذي احتفظ بمنصبه في التعديل الجديد، واصل إطلاق التصريحات بأن وزارته ستوفر كل السلع في المجمعات الاستهلاكية في شهر رمضان، كما واصل اللواء أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات تحدي كل من يتحدث عن الاختفاء القسري، أن يثبت حالة واحدة من الحالات التي يتحدثون عنها، وعددها مئتان وستون حالة. وإلى شيء من أشياء لدينا..

تعديل وزاري مشبوه!

ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على التعديل الوزاري الذي شمل عشرة وزراء، فقد خرجت مجلة «روز اليوسف» الحكومية في عددها الصادر يوم السبت بعنوان أعلى غلافها جاء فيه « تغير وزاري مشبوه» وقال كاتب التحقيق زميلنا محمد الجزار وهو يقيم عددا من الوزراء: «الفرح الذي عمّ قطاعا من الشعب بعد التغيير الذي أطاح بوزراء، يمكن باطمئنان الجزم بأنهم فاشلون من الطراز الأول، لكن المؤسف حقا أن رحيل الفاشلين لم يأت بناجحين، أو بالأحرى فيمن يتوسم فيهم القدرة على النجاح، نظرا لما توحي به سيرهم الذاتية من تدني خبراتهم أو لانتماءاتهم إلى نظامي المخلوع مبارك والمعزول محمد مرسي. فالاختيارات انحسرت في رجال ارتبطوا بالحزب الوطني المنحل، إن لم يكن تنظيميا فعلى الأقل عبر صداقات بأبرز رجالاته وفيمن طبلوا وزمروا للإخوان»

لا صوت يجب أن يعلو فوق صوت المال

ولكن هذا لم يعجب زميلنا في «الجمهورية» السيد البابلي لذلك قال في اليوم نفسه عن هذه الحكومة: «نريدها حكومة اقتصاد فلا صوت يجب أن يعلو فوق صوت المال، وتنشيط الأوضاع الاقتصادية بما يؤدي إلى خلق وإيجاد فرص عمل جديدة للشباب ولجيوش العاطلين، ولكي يحدث ذلك فإن الأفكار التقليدية لم تعد مجدية وسياسات البنك المركزي وحده لن توقف انهيار الجنيه المصري، ولن تتصدى لارتفاع الدولار الأمريكي المستمر، الذي اقترب من العشر جنيهات، فنحن نبحث عن أفكار لدفع الاستثمار وتشجيع رجال الأعمال على العودة إلى السوق، وضخ أموال جديدة. فمن المؤسف القول إن رجال الأعمال ومنذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 قد خرجوا ولم يعودوا بعد. ورجال الأعمال هم الأمل في تحريك الأوضاع الاقتصادية والتجارية، وفي زيادة الإنتاج والصادرات، وفي إقامة مشروعات جديدة. ولكي يعودوا يجب أن نغلق صفحة الماضي وأن نتوقف عن الكثير من الملاحقات غير المجدية، التي تتم بدعوى كشف أخطاء الماضي والفساد الذي كان مستشرياً. والدعوة إلى التصالح مع رجال الأعمال وإغلاق ملفات الماضي لا تعني أن يكون المال وسيلة النجاة من العقاب والإدانة، ولكنها تعني أن تكون في عودتهم لنشاطهم نجاة لآخرين من الموت والتشرد، بعد أن أغلقت المصانع والشركات وتوقف العمل والإنتاج. إن الحكومة الجديدة يجب أن تتمتع بشجاعة اتخاذ القرار وبالإصرار على تنفيذه بشكل جماعي وفي إطار سياسات واضحة ملزمة».

هل سينجح أصحاب الفكر العصري؟

ومن «الجمهورية» إلى «أخبار اليوم» الحكومية وزميلنا يحيى نجيب وقوله: «من الواضح أن توجه هذه الحكومة بمنح ثقة كبيرة لخريجي مدارس القطاع الخاص، الذين نجحوا في أماكنهم واعتلوا فيها أعلى المناصب، ولكن تبقى الكرة في ملعب الحكومة، هل ستوفر لهم المناخ المناسب لكي تساعدهم على استمرارهم في مسلسل النجاحات؟ أم أنها ستتركهم نهبا وفريسة للبيروقراطية التي صنعها الفسدة ليزدادوا تربحا وفجورا على حساب بسطاء هذا الشعب وقوانين عفا عليها الزمن توقف المراكب السايرة؟ مما لا شك فيه أن الفترة المقبلة ستشهد صراعا شديدا بين أصحاب الفكر البيروقراطي الروتيني وبين الوافدين الجدد من أصحاب الفكر العصري، كل منهما سيسعى جاهدا نحو تحقيق هدفه، فالأول ليس من مصلحته التغيير وتطبيق الفكر العصري داخل أجهزة الدولة، نظرا لتضارب ذلك مع مصالحه الشخصية، والثاني لن يقبل بالفشل، خاصة أنه اعتاد النجاح. وتحديد من المنتصر في هذا الصراع يتوقف على مدى الدعم الذي ستقدمه الحكومة لكلا الطرفين».

التغيير الوزاري لم يأت بجديد

لكن هذا الكلام لم يعجب زميلته الجميلة هند فتحي المشرفة على صفحة «المرأة والجمال» التي قالت: «التغيير الوزاري الجديد لم يأت بجديد، الآمال كانت معلقة على وزارات بعينها وضخ دماء جديدة فيها تنعكس على أرض الواقع، لا أعلم كيفية وآلية الاختيار، وأحترم كل من جاء ليخدم هذا الشعب، لكن ما لا أجد له تفسيرا لاستمرار فكرة ربط عالم المال والأعمال بالسياسة، ولا أجد علاقة في وجود إحدى قيادات شركة أوراسكوم في منصب وزاري لحقيبة الاستثمار، على الرغم من سعادتي كونها امرأة وبعيدا عما وراء الستار إلا أننا في انتظار تدفق الاستثمارات».

العاصمة تترك لمصير مجهول

وهو ما أيدها فيه إلى حد ما زميلها صابر شوكت بقوله: «تزداد الألغاز والغموض للشارع المصري مع التعديل الوزاري الأخير، فالشارع غاضب من استحواذ الحكومة على مسؤولين ناجحين مثل محافظ القاهرة د. جلال السعيد وترك العاصمة لمصير مجهول، بينما تغاضت عن تغيير وزراء كان الملايين يراهنون على استبعادهم، ثم محاكمة بعضهم على تجاوزات خطيرة. لقد كان الملايين يأملون في تطهير الحكومة والدولة من الفاشلين بعد أن تخلصت من عكاشة والزند، وكانوا ينتظرون إستراتيجية واضحة، ولكن الرئيس لخصها أمس في تكليفه للحكومة بأمر صارم قائلا: واجهوا الفساد بكل قوة.. ونحن معه نقاوم الفساد، ولكن التغاضي عن نبض الشارع بألغاز غامضة لا يزال يهدد الوطن.. وكانت أكثر الألغاز التي تغضب الشارع المصري هو ما نشرته الصحف الأسبوع الماضي.. بحكم قضائي نهائي بمنع المستشار الفاضل عادل إدريس قاضي التحقيق المكلف بكشف تزوير الانتخابات ومنصب الرئاسة بين شفيق ومرسي.. الذي كان قاب قوسين من كشف الحقائق للتاريخ، ولكننا فوجئنا برئيس محكمة الاستئناف وقتها يأمر بعزله من القضية، قبل تنفيذ قراره بالقبض على متهمين نافذين بتزوير هذه الانتخابات.. الشارع المصري وملايين الشباب يتهامسون بغضب على الشبكة العنبكوتية.. يتساءلون لماذا لم يتم الكشف عن هذه الحقائق التاريخية بينما كانت معنا نهلل لهذا القاضي الجليل عند بداية تكليفه؟».

التغيير الوزاري.. الأشخاص أم السياسات؟

لا.. لا تهديد ولا يحزنون الأمر أبسط من ذلك بكثير وقال عنه في اليوم نفسه زميلنا الدكتور حسن أبو طالب في «الأهرام المسائي» الحكومية: «في كل مرة يحدث فيها تعديل وزاري، كبيرا كان أم محدودا يطرح السؤال الأزلي. لماذا خرج من خرج، ولماذا بقي من بقي؟ ولماذا جاء هؤلاء تحديدا بدلا من الذين خرجوا؟ وهو سؤال يتعلق أساسا بالمعايير التي يتم من خلالها تقييم المسؤولين في مواقعهم وبالأهداف التي طلب منهم ان يحققوها في فترة توليهم الوزارة. ولا يعني ذلك أن الذين خرجوا، كلهم أو بعضهم على الأقل كانوا سيئين أو قليلي الكفاءة، بقدر ما يتعلق بأن البيئة التي يعملون فيها لم تساعدهم على تحقيق المطلوب من كل منهم، والدليل على ذلك أننا كثيرا ما رأينا إعادة تعيين بعض الوزراء مرة أخري بعد مرور فترة من الزمن بسبب أنهم هم المؤهلون في تنفيذ أهداف المرحلة الجديدة.
ومفهوم البيئة هنا هو جملة من المكونات وليس مكونا واحدا، وأهم ما فيها القوانين واللوائح التي يعمل فيه ظلها المسؤول، والموارد البشرية المتاحة لديه في وزارته، ومنها يستقطب الكوادر والقيادات التي تعينه على إنجاز المطلوب منه، ثم الموارد المالية المتوافرة لديه، ونعلم جميعا أنها محدودة جدا وأحيانا كثيرة غير متوافرة بالمرة، ثم قدرة الوزير أو المسؤول المعني على التواصل الأفقي والرأسي مع مكونات المجتمع الأخرى، وهنا يدخل دور الإعلام، وكثير منه غير منصف بالمرة في معالجة القضايا الوطنية… أتصور أن كل الذين رأوا في استجلاب وزير أو أكثر من القطاع الخاص إلى وزارات مهمة، أن ذلك يكفي لإحداث التغيير المطلوب، لاسيما سرعة اتخاذ القرار باعتبار أن تجربتهم في القطاع الخاص كانت ناجحة ويمكنهم إعادة تطبيقها في الدولاب الحكومي، أرى أن ذلك قفز على الواقع وتجاهل تام لمفهوم بيئة العمل، باعتباره هو الأساس الذي تنتج عنه السياسات التنفيذية. وخلاصة الأمر أننا بحاجة لنسف اللوائح القديمة والقوانين التي صيغت وفقا لمفاهيم اشتراكية وشعبوية في الخمسينيات والستينيات، ولم تعد ملائمة لطموحاتنا المشروعة ومع ذلك نتمنى أن ينجح الجميع في مهامهم التي كلفوا بها».

وزراء أيام زمان ووزراء اليوم

وإلى أبرز ردود الأفعال على اللقاء الذي عقده الرئيس مع سبعة وعشرين من المثقفين كان من بينهم زميلنا الشاعر فاروق جويدة الذي قال يوم السبت في عموده اليومي «هوامش حرة»: «قلت للرئيس السيسي في لقائه مع المثقفين، إن عددا كبيرا من الوزراء في الحكومة لا يعرفهم الشارع المصري، قد لا يعرف أسماءهم ولا يحفظ ملامحهم، وأن الوزير لا بد أن ينزل إلى الشارع ويتواصل مع الناس. وقلت للرئيس أذكر في زمان مضى كان الوزراء ينزلون إلى القرى والنجوع، وكنت ترى وزير الزراعة في زيارات وسط الفلاحين يتابع محاصيل القطن والقمح والذرة، وكنت ترى وزير التعليم وهو يقف بين التلاميذ في إحدى القرى النائية، وكان وزير التعليم يزور الجامعات الإقليمية ويدير الحوارات مع الأساتذة والطلاب. إن الأزمة الحقيقية الآن أن الجميع ينتظر كاميرات التلفزيون ويرتب حياته ومسؤولياته على أن يخاطب الشعب عبر الأثير. وكثيرا ما تشهد الشاشات معارك بين المسؤولين وكل برنامج يحاول أن يشد العدد الأكبر من المشاهدين، وتراه يفتعل المعارك ويشعل النيران التي قد تصل إلى الشتائم والبذاءات. لقد أصبح المنصب في مصر مجرد سلسلة من العلاقات العامة والجلسات والبرامج التلفزيونية، وفي بعض الأحيان يتم ترتيب لقاءات على الشاشات تتحدث عن إنجازات السيد الوزير وهي ابعد ما تكون عن الواقع.
فهمي عنبة: البلاد
في حاجة إلى نبذ الفتن والتناحر

أما زميله فهمي عنبة رئيس تحرير «الجمهورية» فقال عن موافقة الرئيس أثناء اجتماعه مع المثقفين على إطلاق سراح بعض المحتجزين وعودة الإعلامي طارق عبد الجابر إلى مصر من الخارج وعلاجه فيها: «جاء الحوار الأخير للرئيس عبد الفتاح السيسي مع مجموعة من المثقفين ليزيد من جرعة التفاؤل، فهناك آباء وأمهات وأطفال وزوجات ينتظرون إخلاء سبيل هؤلاء الشباب، الذين تحمسوا من أجل الوطن ربما أخطأوا في طريقة التعبير أو في وسيلة الإعلان عن رأيهم ومواقفهم، لكن ذلك بسبب نقص المعلومات لديهم، أو عدم وضوح الرؤية، أو هناك من استغل عدم خبرتهم السياسية، خاصة أن منهم من لم يتجاوز العشرينيات من العمر.
تحتاج مصر للتفرغ لمحاربة الإرهاب ومجابهة التحديات الداخلية والخارجية، والسير في طريق البناء والتنمية، والبلاد في أشد الحاجة إلى الاصطفاف الوطني ونبذ الفتن والتناحر، وإلى تجميع كل فئات الشعب. وخطوة مثل الإفراج الشامل عن المحبوسين احتياطيا أو حتى ممن صدرت ضدهم أحكام لمخالفة قانون التظاهر ستكون كفيلة بإزالة أي احتقان عند المواطنين وتعيد الاستقرار داخل البيوت المصرية… من خرج في مظاهرة أو قام بوقفة احتجاجية أو عبر عن رأيه حتى لو كان بطريقة حماسية ابتعدت عن الأصول والتقاليد.. فهؤلاء يمكن التسامح معهم.. وإعادتهم لحضن أسرهم ووطنهم.
توجد فئة أخرى من المشتبه فيهم.. لا يعرف عنهم أهلهم شيئا.. وربما لم ينته التحقيق معهم.. ولكن هؤلاء من حق آبائهم وأبنائهم أن يعرفوا مصيرهم ولا مانع من تحديد مواعيد لزيارتهم للاطمئنان عليهم لحين انتهاء التحقيقات وإحالتهم للمحاكمة أو إخلاء سبيلهم. سيلقى الإفراج الشامل عن جميع المحبوسين في قضايا سياسية بعيدة عن الإرهاب ترحيبا واسعا بين الشعب.. وسيعمل على توحيد الصفوف لمواجهة المخاطر التي يتعرض لها الوطن».

تناقض في الرؤية
بين المثقف والسياسي

بينما كان رأي زميلنا وصديقنا المؤرخ والأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة صلاح عيسى في «المصري اليوم» في يوم السبت أيضا: «يبرز نوع من التناقض بين «المثقف والسياسي» فالأول ينشد عادة المثل الأعلى ويسعى إلى تحقيق الأحلام المستحيلة.. لا تصد خياله حواجز ولا يحد من طموحه واقع، بينما تعوق حركة الثاني قيود الواقع المحلي والإقليمي والدولي، الذي يحيط به ويفرض عليه أن يوازن بين مصالح مشروعة لكنها متضاربة، وأن يجد حلولاً لمعادلات صعبة، وأن يختار بين أمورٍ أحلاها مر، وأن يجدول أحلامه ويعرف لقدمه قبل الخطو موقعها. وكان ذلك ما دفع الرئيس السيسي لملاحظة أن بعض ما استمع إليه من آراء خلال الحوار يبدو أقرب إلى التنظير منه إلى الواقع، لذلك طالب المتحاورين بتشكيل مجموعات منهم ومن غيرهم لكي تجمع الآراء والاجتهادات والأفكار لبلورة رؤية شاملة لمسار وأهداف الوطن في المرحلة الراهنة، تستند إلى الواقع وتنطوي على خطوات عملية ممكنة التنفيذ لمواجهة مشكلاته وحل معضلاته، وهي المهمة التي يجتمع هؤلاء صباح اليوم لمناقشتها بدعوة من وزير الثقافة حلمي النمنم».

شيوخ الثقافة أبطال اللقاءات الرئاسية

ولو نحن غادرنا «المصري اليوم» إلى «المصريون» الأسبوعية المستقلة، سنجد صاحبنا الدكتور حسام عقل يصرخ قائلا بعد أن فحص وجوه الحاضرين: «ظهر حملة الأقلام هم.. هم لم يتغيروا في المكون الأساسي العام، اللهم إلا إدخال بعض الوجوه الجديدة ذرا للرماد في العيون، نعم أبطال اللقاءات الرئاسية هم.. هم لم يتغير هذه المرة سوى تجاعيد الشيخوخة الفاضحة التي زحفت إلى وجوه الجميع، ولم يستجد هذه المرة سوى معنى العبثية وسخافة المحاولة برمتها بدرجة حملت الروائي بهاء طاهر على الاعتذار عن عدم الحضور، بعد أن بدت المحاولة أكثر سخافة مما ينبغي. اصطف (شيوخ ) الثقافة لالتقاط الصورة المعتادة من عقود، فيما بدت الابتسامات هذه المرة مرتعشة هاربة والنظرات ساهمة واجمة تحدق في المجهول. تفرغ اليسار المصري لمعركته المجانية الوحيدة غير المكلفة، ممثلة في شن الحملات المتعاقبة على الفكرة الإسلامية (الدينية عموما) بإلحاح ساذج ليتجنب مواجهة ديناصورين لا قبل له بهما: السلطة المسلحة حتى الأسنان بأذرعها الأمنية ورأس المال السياسي بأذرعه المالية المتغلغلة المخيفة ومن ورائه سند أمريكي/إسرائيلي غير محدود».

معارك الناصريين

وإلى المعارك التي نشبت فجأة بين الناصريين وبدأها في «أهرام» الجمعة صديقنا العزيز مدير مكتب خالد الذكر للمعلومات سامي شرف، بالهجوم المفاجئ على بعض الشخصيات، وكان من بينهم زميلنا وصديقنا حمدي صباحي وعمرو موسى قال عنهما: « ما دمنا نحن نسير في الطريق الصحيح نحو تحقيق أهدافنا المشروعة فإن موجات الهجوم والنيل من مصر ستستمر، بل كل يوم تأخذ شكلا جديدا أو أسلوبا متغيرا، ولكن الهدف واحد وواضح ولا يحتاج لذكاء لتقييمه. والشيء الذي لفت نظري للأسف الشديد هو التقاء البعض من الداخل ممن يقولون عن أنفسهم إنهم مصريون، مع تلك المحاولات الخارجية المسمومة التي تخرج علينا، إما من أمريكا أو إسرائيل أو تركيا أو للأسف من بعض الدول العربية، لماذا لا أعرف وكيف اتفقوا؟ برضه مش عارف. لأنني لا أريد أن أوجه اتهامات مرسلة، في الوقت الذي لو جمعت وترجمت كل ما يقوله أعداء الخارج من الأجانب عن مصر سوف تجده متطابقا تماما مع ما يقوم به البعض في الداخل .على سبيل المثال لا الحصر أعني ما يقوم به المرشح السابق للرئاسة، الذي كان ترتيبه الثالث بعد الأصوات الباطلة، التي فاقت ما فاز به من أصوات، ثم كذلك ما يحاول أن يقوم به رئيس لجنة الخمسين من محاولات غريبة، في الوقت الذي انتهى فيه الدستور فعلا وأصبح فاعلا. أما المرشح السابق فهدفه وغرضه واضحان لا لبس فيهما، هو يقول إنه ما زال يعيش ويريد أن يخرج من الظل حتى يتشمس شوية، ولو على حساب الاستقرار أو بناء المستقبل لأم الدنيا». وهو يشير إلى تصريح لعمرو موسى طالب فيه بإنشاء مجلس الشورى.

النظام يدفع فاتورة الفاسدين

وفي اليوم التالي السبت قال السفير السابق في وزارة الخارجية وأحد قيادات التيار الشعبي مع حمدين، معصوم مرزوق في مقاله الأسبوعي في «الأهرام» عن خالد الذكر والسادات ومبارك ومحذرا السيسي: «يبدو أنه لا يكفي أن تكون رئيساً وشريفاً، إذا فشلت في أن تنزع الحشائش الضارة التي تحيط بسلطتك، فإنها سوف تسقطك حتى بعد انتهاء ولايتك، هكذا وجد عبد الناصر نفسه بعد وفاته، هدفاً لسهام مسمومة صوبت إلى كل سيرته وسياساته، وربما اكتشف عند الرفيق الأعلى أن ثورته كانت بيضاء أكثر مما ينبغي، وأنه لم ينتبه للنمو الفاحش لتلك الحشائش الضارة التي صارت غابات بعد وفاته، خاصة أن خلفه كان يرويها بحرص وسعادة وهو يردد آسفا على سلفه: «الله يرحمه» بينما يخفي ضحكته في كمه. إلا أن السادات الذي كان أشد لؤماً وخبثاً من سلفه، ورغم أنه انقض على من سماهم «مراكز القوة» وتغدى بهم قبل أن يتعشوا به، كما يقول المثل الدارج، فإنه بدوره أتاح لأعشاب ضارة أخرى أن تنمو وتنتشر، ومنذ بداية سياسة الانفتاح عام 1974 تحولت تلك الأعشاب إلى أشجار من الفساد والمحسوبية تظلل على نظام فاسد متعفن انهارت فيه كل القيم والمبادئ. وبموت السادات خرجت الأعشاب الطفيلية نفسها المتسلقة لجدران أي نظام، كي تذبح سيرة السادات وتنفي عنه أي فضيلة، بينما يتسللون إلى مخدع الرئيس الجديد البريء، ولم يجد مبارك ما يجيب به الصحافيين في أول مؤتمر صحافي له بعد توليه منصبه عام 1981 سوى أنه لا يطمح في السلطة وتكفيه فترة رئاسية واحدة، وأن الكفن ليس له جيوب.. إلا أن سدنة السلطان المنتشرين في أقبية الفساد المظلمة نجحوا في التسلل إليه كي يقنعوه أنه قدر الأمة وملهمها ومنقذها، وأن مصر بدونه تضيع، وأن سقف ولايته حكم إلهي وليس نصاً دستورياً، وأحاطوا به في قاعات المؤتمرات المخملية يصفقون ويرقصون ويدقون على الدفوف بأغنيته الأثيرة: «اخترناك»! ويبدو أن غريزة الانتقام لدى تلك الطبقة العفنة بلا حدود، ولعلنا لاحظنا أولئك الذين خرجوا من كهوفهم التي تواروا فيها كي ينقضوا على عبد الناصر بعد وفاته، وظل بعضهم حتى الآن يهاجم سيرته، وكأنها شبح يؤرقهم ويخشون عودته. إن هؤلاء الأفاقين يخشون عودة سياسات تكشف أباطيلهم وفسادهم، ولذلك فإنهم يحاولون دائماً التنقيب عن أي سلبيات لعبد الناصر، خاصة في سياسته المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، كي يثبتوا للنظام الجديد عدم جدوى هذه السياسة، ولا بأس أن يصرخوا متألمين من غياب الديمقراطية في عهده، رغم أنهم يروجون الآن لحكم ديكتاتوري استبدادي بحجة مواجهة الإرهاب. وفي الواقع هم يريدون أن يدفعوا الحكم إلى انتهاك الحريات وحقوق الإنسان، كي تظل بوصلة الغضب بعيدة عنهم، وعما نهبوه من مقدرات هذا الشعب، وأن يدفع الحكم فاتورة فسادهم».
تجميع شتات الحزب
«العربي الديمقراطي الناصري»

ونظل في عدد «الأهرام» لنكون مع صديقنا المحامي ورئيس الحزب «العربي الديمقراطي الناصري» سيد عبد الغني، والحديث الذي أجراه معه زميلنا محمد حجاب وقال فيه عن جهوده الحالية لتجميع شتات الحزب: «أكد رئيس الحزب «العربي الديمقراطي الناصري» سيد عبد الغني على أن الحزب بدأ بتنفيذ خطة لإعادة بناء الحزب، بدعوة الطيور المهاجرة وفتح الباب على مصراعيه لعودتهم، وتحديدًا أولئك الذين ابتعدوا عن الحياة السياسية خلال فترة ما قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني. كما يستعد الحزب أيضا لخوض انتخاب المحليات، والدفع بعناصر من الشباب الكفء. إن عودة الطيور المهاجرة للحزب، التي قام نظام مبارك بإحباطها، سوف تعمل على إعادة بناء قوي للحزب الذي ينحاز فقط للمواطن والعدالة الاجتماعية، في ظل محاولة البعض الاستمرار في نهب ثروات مصر. ولفت إلى أن الحزب لديه مجموعة من الأهداف خلال الفترة المقبلة، تتضمن المشاركة في الانتخابات المحلية، من خلال قيام أمانات المحافظات بإعداد مجموعة من المرشحين لتقديمها للحزب، الذي ترك حرية التحرك وعقد التحالفات للأمانات، بما يتفق مع توجهات الحزب، كما يقوم النادي السياسي بعقد ندوات تعمل على تثقيف الشباب سياسيًا. وأشار إلى إنشاء وحدة للتحليل السياسي بهدف توحيد الرؤى السياسية تجاه القضايا العربية مع إمكانية التنسيق مع القوى الناصرية لكون غياب الحزب خلال الفترة الماضية أدى لتعددية الفكرة الناصرية، بالإضافة لتجديد الخطاب السياسي الناصري مع الاحتفاظ بثوابته الأساسية».

قضية ريجيني تلخص
أزمة الدولة منذ 3 يوليو

ونعود إلى «المصريون» الاسبوعية ومقال رئيس تحريرها ورئيس مجلس إدارتها جمال سلطان عن القضية التي لا تزال تثير الاهتمام والمزيد من توتر العلاقات بين مصر وإيطاليا وهي قضية مقتل الباحث الإيطالي ريجيني: « في تقديري أن أزمة الباحث الإيطالي تلخص ـ في بعض دلالاتها ـ أزمة الدولة المصرية منذ 3 يوليو/تموز 2013 وحتى الآن، حيث استسهلت الدولة استخدام «عضلاتها» أكثر من صبرها على استخدام «العقل السياسي»، وفي أي إدارة سياسية حديثة فإن «العضلات» الأمنية أو العسكرية هي «آخر الدواء»، ولا تلجأ إليها الدولة إلا بعد استنفاد كل الخيارات السياسية الممكنة، لأن أخطاء العقل السياسي تكون جزئية وصغيرة وتعالج بسهولة وبعقل سياسي وتكلفة أقل، بينما أخطاء «العضلات» أو انكسارها تكون له نتائج كارثية ويصعب علاجها سياسيا، لأنها آخر ما كان باستطاعتك استخدامه، لكن الذي حدث في مصر أن التفكير في «العضلات» أصبح هو أول خطوة في مواجهة أي مشكلة، وقد يأتي بعدها العقل السياسي أو لا يأتي، وهذا ما جعلنا ندخل في سلسلة من الأزمات تتكاثر وتتوالد بشكل مخيف، وبصورة أصبحت عصية عن السيطرة، وهذا يشمل الموقف من تفكيك نظام الرئيس الأسبق محمد مرسي، ومعالجة قضية أنصاره والمتعاطفين معه، وكذلك في التعامل مع غضب شباب ثورة يناير واحتجاجاتهم ومحاولة سحقهم أمنيا وقضائيا، وكذلك في طريقة التعامل مع ملف أهالي سيناء والتغلغل الإرهابي الخطير هناك، وكذلك التعامل مع المنظمات الحقوقية، وكذلك التعامل مع الإعلام، وكذلك التعامل مع «الأجنبي»، الذي لا يتماهى مع الموقف الرسمي المصري، وتصويره دائما كعدو أو جاسوس أو جزء من مؤامرة. الدولة المصرية اليوم تسدد فاتورة بؤس تقديم «العضلات» على العقل السياسي طوال ثلاث سنوات» .

«جيه يكحلها عماها»

أما صحيفة «الأخبار» الحكومية فسخرت من الداخلية أمس الأحد بقول زميلنا حازم الحديدي في بروازه اليومي «لمبة حمرا»: «لم أصدق الحكاية ولم يأكلها عقلي، ليس لأنها غير صادقة، ولكن لأنها جاءت في شكل ردود على اتهامات بقصد تبرئة متهم افتراضي يعتقد البعض أنه الفاعل، وهذا في حد ذاته يثير الشك والريبة ويجعل حكايته فيلم كارتون «نص كم» يذكرنا بالمثل القائل «جيه يكحلها عماها». لمن لا يفهم أنا بتكلم عن أيه، إنني أتحدث عن حكاية القبض على قتلة الشاب الإيطالي ريجيني».

كان لازم تتهور وتقتل ريجيني؟

لكن زميلنا وصديقنا الرسام الموهوب عمرو سليم أخبرنا أمس الأحد في «المصري اليوم»، أنه كان في رحلة بين الكواكب ومر على المريخ وشاهد وسمع حوارا بين اثنين من سكانه أحدهما هو قاتل ريجيني إذ قال له زميله:
- الدنيا مقلوبة تحت كان لازم يعني تتهور وتموت الشاب الإيطالي يا كاكا ماطا ساكا

حسنين كروم

Share on Facebook