انت هنا : الرئيسية » الأرشيف » محمود الخلفي :قراءة في الواقع السياسي التونسي

محمود الخلفي :قراءة في الواقع السياسي التونسي

image_pdfimage_print


خدعة التكنوقراط… 
العارف بتفاصيل الأمورر وبالنوايا الحقيقية لجزء كبير من المعارضة التونسية الحالية التي جمعت شقا من اليسار مع فلول النظام البائد لا بد أن يعي أن الحل الذي تطرحه هذه المعارضة للخروج من الأزمة في تونس لا يتمثل في واقع الأمر في تشكيل حكومة تكنوقراط أو كفاءات وإنما الحل الجذري الذي ربما يرضيهم، هذا إذا لم يطلبوا المزيد، هو تحجيم حزب النهضة واستبعادها كفاعل رئيس في المشهد السياسي التونسي وهذا مطلب عبثي غير مسئول.
حديث الأغلبية والأقلية
القاصي والداني يقرأ ويسمع ويشاهد كيف تًجرى الانتخابات في البلدان الديمقراطية وكيف تتشكل الحكومات من أحزاب متكتلة أو منفردة ولكن من النادر جدا أن يكون لهذه الحكومات أغلبية كبيرة وإنما هي في الغالب تتمتع بتأييد ما يزيد قليلا عن نصف أعضاء البرلمان، بل قد تجد حكومات أقلية وهي تحكم دون تشكيك في مصداقيتها أو تمثيليتها كما هو شأن الائتلاف الحاكم في السويد الآن والمتكون من أربعة أحزاب لديها مجتمعة أقل من نصف أعضاء البرلمان ورغم ذلك لم نرى قلاقل ولا تشكيك في تمثيلها ولا اعتصامات لإسقاطها ولا تعطيل لأشغال البرلمان… بينما عندنا في تونس ورغم أن التحالف القائم يمثل ما يربو على ثلثي الأصوات في المجلس التأسيسي وهي نسبة من التمثيل والتأييد الشعبي عالية جدا بالمعايير الدولية غير أن قطاعا عريضا من المعارضة التونسية لم ينقطع عن النعيق صباحا مساء نادبا حضه في حكم البلاد التي استأثرت بقيادتها فئة دونه.
قصة الكفاءات
وأما مطلب توزير الكفاءات حرصا على المصلحة الوطنية فهي كلمة حق يراد بها باطل، فتحقيق هذه الرغبة يعني إلغاء الشرعية الانتخابية والبحث عن شرعية أخرى متعارضة مع إرادة الشعب، ثم إن تحقيق هذا المطلب يفسح المجال للذي لم يختاره الشعب وخرج من الباب ليعود من الشباك. وأما التعلل بالبحث عن الكفاءات لخدمة المصلحة الوطنية، فإن العريض والمكي والهاروني وبن سالم وعبد السلام والبحيري وغيرهم، هؤلاء الأبطال هم من أفضل الكفاءات التونسية في تخصصات وزاراتهم ومن أكثر الناس تفانيا وإخلاصا ومثابرة … هذا من جهة ثم إذا قبلنا جدلا أن العديد من الوزراء تنقصهم الكفاءة فإننا نرى عديد التجارب في العالم تدحض هذا الادعاء، فهذا ليش فاليسا الذي حكم بولونيا لسنوات طويلة لم يكن سوى رقيب في الجيش و تقني عادي في كهرباء السيارات، والسيدة كريستينا هيسمارك وزيرة الشؤون الاجتماعية والعلاقات مع البلدان الاسكندنافية في السويد سابقا لا تعدو أن كانت ممرضة بسيطة والأمثلة لاشك عديدة. خلاصة القول أننا لم نر ولم نسمع عن جدل قام في هذه البلدان حول كفاءة هؤلاء أو تشكيك في جدارتهم رغم ما يمكن أن يكون لديهم من نقائص، لأننا نعلم أن الوزارة هي منصب سياسي أكثر منه تقني ولا يشترط في الوزير أن يكون خبيرا في المسائل التنفيذية في وزارته لأن كل وزارة لديها طواقم من الإداريين والمتخصصين والكفاءات التي تنفذ برامجها ضمن الخطة العامة للحكومة، ولذلك نرى العديد من الوزراء في الديمقراطيات العريقة يتقلبون على رأس العديد من الوزرات ليس لكونهم موسوعات وعباقرة جمعوا مختلف العلوم وألموا بمختلف التخصصات وإنما فقط لأنهم ساسة ضمن أحزاب فائزة…
الحق الشرعي أم تغليب المصلحة
كنت أود لو أن حركة النهضة لم تتحمل مسئولية ما يسمى بوزارات السيادة وحتى بعض الوزارات الأخرى، ليس هروبا من المسئولية ولكن لتوسيع المشاركة من جهة ثم لتفادي الحساسية المفرطة والمواقف السلبية لدى بعض أطراف المعارضة ضد مشاركة الإسلاميين في الحكم من جهة أخرى، وهو نفس الموقف الذي تتبناه للأسف عديد الجهات الأجنبية التي لم تعي درس الثورة بعد ولم تستوعب الواقع الجديد بعد عقود من تعاملها مع حكام ونخب مهزومة لا تملك قرارها ولا ترقب في شعوبها إلا ولا ذمة. كان يكفي حزب النهضة أن يقنع بثلث الوزارات أو أقل ويسند العديد الوزارات الأخرى وبخاصة الداخلية والعدل إلى شخصيات وطنية مشهود لها بالنضال والنزاهة والكفاءة. لماذا هذا الخيار؟. نقول: فقط لأننا في وضع غير طبيعي، لأن الموقف من الإسلام السياسي والقبول بالإسلاميين كأحد مكونات المشهد السياسي مازال لم يحسم بعد ولم يقع التسليم به من طرف الخصوم السياسيين في الداخل والخارج.
الإسلاميون رقم أساسي 
أحسب أن السويد كانت سباقة في التطبيع مع الإسلاميين سواء على المستوى الشعبي من خلال التعامل الرسمي مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الإسلامية المعروفة بانتمائها لمدرسة الإخوان المسلمين وأهمها الرابطة الإسلامية في السويد التي تملك المركز الإسلامي ومسجد استكهولم الكبير الذي يعتبر قبلة الساسة والمسئولين في السويد لما يحظى به من إشعاع بين المسلمين ولما يقوم به من دور كبير. فقد زاره ملك السويد وزوجته، واثنين من رؤساء الحكومة والعديد من الوزراء والعشرات من البرلمانيين … هذه المؤسسة ذات الانتماء الإخواني فاز رئيسها بعضوية البرلمان سنة 2010، فكان هذا مؤشرا لمنعطف تاريخي في مسألة التعايش والتطبيع مع “الإسلاميين” وكسرا للفيتو الذي كان مفروضا عليهم بسبب حملات التشويه والتخويف التي كان يمارسها عتاة الاستبداد في بلداننا وكذا متطرفي اليسار والعلمانية الوافدين من البلدان الإسلامية. لقد سبق هذا التحول التاريخي في الحقيقة اختراق مهم في مسألة التعامل مع الإسلام السياسي حين انتخب السيد محمت كابلان عضوا في البرلمان السويدي سنة 2006، ثم أعيد انتخابه مرة أخرى سنة 2010، واختير زعيما للكتلة البرلمانية لحزب الخضر، ورغم أن السيد محمت مصنف كإسلامي إلا أنه لم يعرف عنه انتماء فكري مثل السيد عبد الرزاق وابري الذي نجح في الحصول على مقعد بالبرلمان سنة 2010 ضمن قائمة أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم وكان حينها رئيسا للرابطة الإسلامية في السويد ذات التوجه الإخواني المعروف. حينئذ نستطيع القول أن إزالة عقدة التعامل مع الإسلام السياسي وبداية التطبيع مع الإسلاميين بشكل واضح وصريح بدأت من السويد منذ سنوات بينما نجد فرنسا ما زالت لم تتخلص من عقدها ومن تأثير حلفائها وأتباعها في الضفتين…وكذلك الحال في تونس حيث مارس النظام البائد سياسة منهجية لشيطنة الإسلامية وتجريمهم ووصمهم بالإرهاب، تم ذلك على مدى أكثر من عقدين. ولهذا يجب أن نتفهم الخوف الراسخ في بعض الأذهان من الإسلاميين الذين يجب عليهم أن يغيروا الانطباع الخاطئ حولهم وأن يبينوا بالممارسة القولية والفعلية أنهم في خدمة ومصلحة البلاد والعباد وأنهم رحمة للعالمين. وعلى الخصوم السياسيين والأطراف الخارجية أن يستوعبوا درس الثورة وأن يستعدوا نفسيا وعمليا للتعامل مع هذا الواقع الجديد والحقيقة الماثلة التي لا ينكرها إلا مكابر عنيد.
محمود الخلفي: استكهولم، 17 /02/2013



Loading Facebook Comments ...

اكتب تعليق

لابد من تسجيل الدخول لكتابة تعليق.



© 2014

الصعود لأعلى