الثلاثاء 14 جمادى الأولى 1434هـ - 26 مارس2013م
F C www.weather.com
c°
.
.
تفاصيل | تغيير المدينة
الرطوبة .
الرؤية .
الضغط الجوي .
حالة الضغط .
سرعة الرياح .
اتجاه الرياح .
شروق الشمس .
غروب الشمس .
اليوم
العليا °. الدنيا °.
غداً
العليا °. الدنيا °.
www.weather.com
يرجى كتابة اسم المدينة التي تود الحصول على بيانات حالة الطقس الخاصة بها باللغة الإنكليزية
آخر تحديث: الإثنين 24 ذو القعدة 1431هـ - 01 نوفمبر 2010م KSA 19:25 - GMT 16:25

المسيرة السياسية للأزهر

الجمعة 11 شعبان 1428هـ - 24 أغسطس 2007م
عمار علي حسن

شكلت عناصر ثلاثة الدور السياسي للأزهر في مسيرته التاريخية، كانت تجتمع أحيانا فيتعاظم هذا الدور، بغض النظر عما إذا كان خصما من رصيد المجتمع أم لصالحه، وأحيانا أخرى كان يتوافر أحدها أو اثنان منها، فيقل دور الأزهر السياسي.

لكنه، في جميع الأحوال، لم ينقض تماما. والعنصر الأول هو شخصية شيخ الأزهر من حيث فهمه للواقع السياسي وإلى أي اتجاه يميل انحيازه الفكري والنفسي، للجماهير الغفيرة ومصالحها أم لمصلحته الذاتية مع السلطان وحاشيته. ويتمثل العنصر الثاني في طبيعة السياق الاجتماعي ـ السياسي السائد.

ففي الظروف التي كانت السياسة فيها حاضرة وضاغطة إما بفعل الحروب أو القلاقل أو الصراعات الداخلية أو احتداد المشكلات الحياتية للناس، كان لابد للأزهر أن يدلي بدلوه فيما يدور ويتخذ من المواقف ما يتماشى مع سير الأحداث، إذ أن المجتمع المصري، كان ولا يزال، ينتظر رأي الدين فيما يجري اجتماعيا وسياسيا.

أما العنصر الثالث فيتعلق بشخصية الحكام أنفسهم. فهناك من بينهم من لجأ إلى الأزهر لكسب الشرعية، وهناك من استمد شرعيته من روافد أخرى. هناك من أفسح المجال لعلماء الأزهر كي ينخرطوا في الحياة السياسية وهناك من أوصد الباب أمامهم تماما. هناك من كان يؤمن بأن للدين رؤية سياسية واجتماعية وهناك من أراد له أن ينكفيء على أمور العقيدة والعبادة مبتعدا عن الهموم والأحوال الحياتية.

وقد بدأ الدور السياسي لشيخ الأزهر يبرز في ظل مشيخة الإمام محمد الحفني (1757 ـ 1767)، الذي بلغ في هذا المضمار شأنا عاليا، رسم الجبرتي ملامحه قائلا: كان شيخ الأزهر محمد الحفني قطب رحى الديار المصرية، ولا يتم أمر من أمور الدولة وغيرها إلا بإطلاعه وإذنه.

وقاد احتجاج الشيخ أحمد العروسي على إساءة الوالي العثماني أحمد أغا لأهالي الحسينية إلى صدور فرمان سلطاني بعزل هذا الوالي. واضطر خلفه إلى أن يحضر إلى الأزهر ليسترضي علماءه. وبعد العروسي كان الأزهر على موعد مع رجل زاوج بين الدين والسياسة، في الفكر والحركة،

وهو الشيخ عبد الله الشرقاوي (1793 ـ 1812)، الذي عاصر هبات المصريين ضد الحملة الفرنسية، وكان واحدا من رموز الشعب آنذاك، وحشد طاقة الأزهر في طليعة مقاومة الاحتلال، وعينه نابليون بونابرت ضمن عشرة في «مجلس الشورى» الذي أنشأه لاسترضاء المصريين.

وكان الشرقاوي ممن أخلعوا الولاية على محمد علي واشترطوا عليه الحكم بالعدل، لكنه نقض العهد، وتخلص من مشايخ الأزهر ومن بينهم الشرقاوي. أما الشيخ الشنواني (1812 ـ 1818) فكان دائما يسدي النصائح لمحمد علي، رغم عزوفه عن الاتصال بمن بيدهم السلطة، وقد كان أيضا من قادة الحركة الوطنية إبان الحملة الفرنسية.

وكان الشيخ حسن العطار من قادة الحركة الوطنية ضد الحملة الفرنسية، وتولى المشيخة بعد تدخل شخصي من محمد علي، وكان يميل إلى الاحتفاظ بعلاقة «متوازنة» مع السلطة، مبررا ذلك بأن مصلحة الأزهر تقتضي ذلك. أما الشيخ إبراهيم الباجوري (1847 ـ 1860)،

فقد حرص على إعلاء كرامة علماء الأزهر في مواجهة السلطة، وكان عباس باشا الأول يحضر دروسه، ولم يعبأ باعتراض رجال الحكم على قيامه بتعيين هيئة من العلماء تحل محله في القيام بأعمال المشيخة حين أنهكه المرض. واصطدم الشيخ مصطفى محمد العروسي (1860 ـ 1870) مع السلطة، لاعتراضها على قيامه بفصل عدد من المدرسين بالأزهر رأى أن مستواهم العلمي دون المستوى المطلوب.

وكان خلفه محمد المهدي العباسي (1870 ـ 1882/1882 ـ 1885)، الذي لم يتحمس للثورة العرابية، فتمت إزاحته من منصبه وقت عنفوانها، لكن بعد انكسارها أعاده الخديوي توفيق، لكن لم يلبث أن اختلف معه، فطلب إعفاءه من منصبه، فاستجيب له. أما الإمام شمس الدين الإنبابي (1882 ـ 1882/1885 ـ 1896)،

فقد أفتى بعدم صلاحية توفيق للحكم، بعد أن باع مصر للأجانب، مناصرا بذلك عرابي ورفاقه. لكن معارضته للخديوي عباس الثاني قادت إلى تدخل السلطة في شؤون الأزهر بإنشاء مجلس إدارة له، نال من صلاحيات شيخه.

كما قادت معارضة خلفه الشيخ حسونة النواوي (1896 ـ 1900) للحكومة في إقدامها على تعديل قانون المحاكم الشرعية، إلى إبعاده من منصبه، لكن العلماء تضامنوا معه، فلجأت الحكومة إلى حل وسط بتعيين شيخ يمت بصلة قرابة له هو الشيخ عبد الرحمن النواوي.

وتسببت مناصرة الشيخ علي محمد الببلاوي لأفكار محمد عبده إلى اصطدامه بالخديوي عباس، الذي رفض مقترحاته لإصلاح الأزهر، فما كان منه إلا أن استقال. ولعب خلفه الشيخ عبد الرحمن الشربيني دورا مضادا، بعد أن لجأ إليه الخديوي ليحارب حركة الإصلاح في الأزهر بفعل أفكار محمد عبده.

لكنه لم يلبث أن استقال عندما تمادى الخديوي في معاداة أنصار الإصلاح. وعارض الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي (1917 ـ 1927) ما انتواه الملك فؤاد من إعلان نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، مبررا ذلك بأن مصر لا تصلح دارا للخلافة، لوقوعها تحت الاحتلال الإنجليزي.

ورفض الجيزاوي الاستجابة لطلب الإنجليز بإغلاق الجامع الأزهر إبان ثورة 1919، وصدر في عهده قانون قيد سلطة الملك في تعيين شيخ الأزهر، حين أشرك رئيس الوزراء في هذا. ولم ترق محاولة الحكومة حرمان شيخ الأزهر من بعض الأوقاف الخاصة به، للشيخ المراغي فاستقال، لكنه لم يكن مناهضا للسلطة، شأنه في ذلك شأن خلفه الظواهري، الذي تعاون مع الملك فؤاد في توسله بالأزهر لكسب الشرعية، وتدعيم سلطته المضادة لمصالح الشعب.

وكانت ذريعة الظواهري في هذا هي أن مصلحة الأزهر في التبعية للملك لا للحكومة أ و الأحزاب. ونكل الملك في عهد الظواهري بعلماء الأزهر، ففصل بعضهم وشرد آخرين، بعد أن صدر قانون خول الملك سلطة تعيين شيخ الأزهر ووكيله، وشيوخ المذاهب الأربعة، ومديرو المعاهد الدينية.

وفي ظل مشيخة الإمام محمد مأمون الشناوي، أصدرت مجموعة من العلماء بيانا شهيرا دعت فيه إلى الجهاد ضد إسرائيل بعد صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947. وأدت المواقف الوطنية للإمام عبد المجيد سليم إلى عزله، إثر معارضته لفساد الملك فاروق قائلا عبارته الشهيرة،

حين قرر الملك تخفيض المخصصات المالية للأزهر: تقتير هنا وإسراف هناك، في إشارة إلى بذخ فاروق. واستمر الخلاف بين الملك والأزهر في عهد الإمام إبراهيم حمروش (1951 ـ 1952)، فأعفي من منصبه بعد أن رفض طلب فاروق عدم اشتغال علماء الأزهر بالسياسة.

وبعد ثورة يوليو مال شيوخ الأزهر في الغالب الأعم إلى تأييد توجهات السلطة. فالإمام محمد الخضر حسين (1952 ـ 1954) وهو تونسي الأصل، وصف الثورة بأنها أعظم انقلاب اجتماعي مر بمصر منذ قرون، لكنه لم يلبث أن قدم استقالته لخلاف مع الرئيس جمال عبد الناصر حول إلغاء المحاكم الشرعية.

وجارى خلفه الشيخ عبد الرحمن تاج (1954 ـ 1958) عبد الناصر في خلافه مع محمد نجيب فأفتى سريان عقوبة التجريد من شرف المواطنة على من يتآمر ضد بلاده، قاصدا بذلك نجيب، وهاجم الإخوان المسلمين بعد حادث المنشية 1954، من خلال بيان أخذ عنوان «مؤامرة الإخوان»، اتهم الجماعة بأنها تشوه الدين الإسلامي. وأفتى الشيخ شلتوت بعدم تعارض قوانين الاشتراكية مع الإسلام، كما سبقت الإشارة. ولم يجاهر برفض القانون رقم 103 لسنة 1961، الذي أعطى رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر، ووكيله، وتحجيم صلاحياته عبر تعيين وزير يختص بشؤون الأزهر.

وسار الشيخ حسن مأمون (1964 ـ 1969) على الدرب نفسه، فكان موقفه سلبيا من القانون، المذكور سلفا، إذ صدر حين كان مأمون عضوا في مجلس الأمة ورئيسا للمحكمة الشرعية. وبات أول من طبق عليه هذا القانون حين تولى مشيخة الأزهر.

وكان مأمون من المدافعين عن القوانين الاشتراكية، ووصف الإخوان بأنهم «مجرمون». ولما جاء الفحام، أيد «ثورة التصحيح»، كما تقدم، وأيد خلفه الدكتور عبد الحليم محمود موقف السادات من القوى اليسارية بعد أحداث 17 و18 يناير 1977 الشهيرة،

ووصف الشيوعيين بأنهم (ملحدون لا ينتمون إلى جماعة المسلمين)، لكنه عارض مسألة تبعية الأزهر لوزير شئون الأزهر، واستجاب السادات له، فصدر القانون رقم 350 لسنة 1975، الذي بمقتضاه صار شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء، من الناحية المالية، ويتبع رئاسة الوزارة إداريا. ونادى الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار، الذي تولى مشيخة الأزهر خلال الفترة من 1979 إلى 1982، بعدم معارضة الحاكم إلا في الأمور الجوهرية، وسعى إلى تجنيب الأزهريين أي صدام مع السلطة، بعد قرارات سبتمبر 1981 التي زج السادات بمقتضاها كل معارضيه في السجن.

أما الشيخ جاد الحق علي جاد الحق فهو إن كان قد أيد معاهدة السلام مع إسرائيل حين كان يتولى الإفتاء، فقد رفض التطبيع بعد توليه المشيخة اعتراضا على عدوان إسرائيل المستمر على الفلسطينيين، وأعلن من بعد، تأييده للانتفاضة الفلسطينية، والعمليات الاستشهادية، وندد بموقف الولايات المتحدة المنحاز إلى إسرائيل دوما، كما رفض مشروع الشرق أوسطية.

وعارض جاد الحق فتاوى إباحة عائدات البنوك وشهادات الاستثمار ورفض توصيات المؤتمر الدولي للسكان، الذي استضافته القاهرة عام 1996. وأخيرا، فمن المعروف عن الدكتور محمد سيد طنطاوي، الذي تولى المشيخة عام 1996، مجاراته للسلطة السياسية في مواقفها، وتراجعه عن أي رأي أو فتوى كان قد أصدرها طالما لم تلق قبولا لدى السلطة، الأمر الذي جعل التناقض يعتري مواقف الأزهر في السنوات الأخيرة.

*نقلا عن جريدة "البيان" الإماراتية