قلقيلية بين الامس واليوم

 
 
 
 

تقع مدينة قلقيلية في الجزء الشمالي-الغربي للضفة الغربية، غرب مدينة نابلس، وجنوب مدينة طولكرم، على خط العرض 32.02 شمالا، وخط الطول 35.01 شرقا.

ويتميز موقع قلقيلية بكونه جزءاً من أراضي السهل الساحلي لفلسطين، فوق طرفه الشرقي، وعلى بُعد 14كم من ساحل البحر الأبيض المتوسط.

***

***

الشهيد القائد

وليد احمد نمر النصر
(أبو علي إياد)

"نموت واقفين ولن نركع"

***

في شهر تموز من عام 1971، فقدت الثورة الفلسطينية، واحداً من أبرز مناضليها وقادتها الابطال، وهو القائد الرمز وليد احمد نمر النصر، الذي اشتهر باسمه الحركي (ابو علي اياد)، والذي كان له شرف المساهمة مع بعض رفاقه، في تأسيس تجربة الكفاح المسلح الفلسطيني، التي اذكت شعلة الثورة والمقاومة والصمود في صفوف الشعب الفلسطيني.

ولد القائد وليد احمد نمر نصر الحسن في قلقيلية عام 1935م، وتنتمي عائلته الى حامولة آل شريم في قلقيلية. أتم تحصيله الثانوي فيها، وحصل على شهادة المترك عام 1953م. بعد حصوله المترك عمل مدرسا، ولمدة وجيزة في مدرسة الوكالة الابتدائية في قلقيلية، وكان مديرها الاستاذ كامل ولويل.

أنهى دورة تدريبية لإعداد المعلمين في بعقوبة بالعراق عام 1954. عمل مدرساً في السعودية من عام 1954- 1962م، ولم يكن عمله في السعودية بعيداً عن العمل العسكري، إذ كان مدرساً في دورات إعداد الجند وتثقيفهم.

وفي عام 1962 وفور إعلان استقلال الجزائر انتقل إليها ليعمل مدرساً، ويسهم في حركة التعريب في هذا البلد العربي.

إنضم القائد ابو علي اياد إلى العمل الثوري الفدائي مبكراً منذ وجوده بالجزائر بعد ان تعرف على ياسر عرفات من خلال أخيه الحاج نصر الذي كان على معرفه بعرفات في الكويت منذ الخمسينات من القرن الماضي وفي عام ١٩٦٤ بعث برساله لاخيه الحاج نصر بالكويت اخبره عن تخطيطه وإخوته الذين التقاهم بالجزائر ومنهم ياسر عرفات وخليل الوزير بالقيام بتأسيس حركة تحرر وطني فلسطيني وان تسمى (حركة فتح)، تيمنا بفتح مكة، وهنا بارك أخاه الحاج نصر ما اعلمه به .

غادر القائد ابو علي اياد الجزائر عائداً الى ارض الوطن، ليلتحق بالعمل الثوري الفدائي، منذ الإعلان عن انطلاق الثورة الفلسطينية في الفاتح من كانون الثاني عام 1965.

وفي عام 1966 أُنيطت به مهمة الإعداد للعمليات العسكرية في الأرض المحتلة انطلاقاً من الضفة الغربية. وقد أسهم في هذه الفترة مع القائد أبي عمار في تجنيد الكثير من أبناء فلسطين لحركة فتح.

وفي هذه الفترة النضالية قاد الهجوم على بيت يوسف في 25/ 4/ 1966 وكان هذا الهجوم باعتراف القادة الإسرائيليين، من اعنف ما تعرضت له المستعمرات الإسرائيلية حتى ذلك التاريخ. وفي الفترة ذاتها قاد عدة عمليات منها الهجوم على مستعمرات هونين، المنارة، كفار جلعادي.

وفي عام 1966 غادر إلى سوريا ليقوم هناك بتدريب وإعداد قوات العاصفة، وأخذ بإعداد قوافل الأشبال ورعايتهم في إطار الثورة الفلسطينية المسلحة، حيث لم يغب عنه أهمية إعداد الكوادر السياسية والعسكرية، والتركيز على الدورات لتهيئة المقاتلين والرقي بهم سياسياً وعسكرياً .

وفي معسكر الهامة المشهور في سوريا أصيب ابو علي اياد بتاريخ ٢٨/٢/١٩٦٧م اثر انفجار لغم أثناء التدريب بإحدى عينيه وساقه، التي استعاض عنها بعصاه التي ما زال لها ذكريات عند رفاقه الفدائيين. ولكن هذه الإصابة البالغة لم تمنعه من الاستمرار في العمل النضالي، ومتابعة مسؤولياته الثورية والقيادية. وقتل في الانفجار عددا من المتدربين.

عقب حرب حزيران عام 1967 عاد إلى الأردن وأوكلت إليه مهمة قيادة الثورة الفلسطينية في منطقة عجلون، حيث خطط لعشرات العمليات العسكرية ضد الاحتلال إلاسرائيلي، ونفذ خلال فترة وجوده في الأردن عدة عمليات عسكرية عبر نهر الأردن استهدفت معسكرات الاحتلال ومستعمراته.

ومن الألقاب التي أطلقها عليه القائد ابو عمار "عمروش فلسطين"، تشبيها له بالقائد العسكري الجزائري المغوار العقيد عمروش آيت حمودة، لما أبداه من صلابة فائقة، وقدرة على التنظيم العسكري، والتشدد في مبدأ الضبط والربط، والعنف الثوري، كما عرف بخشونته المنسجمة مع العلم والتدريب العسكري الذي تلقاه في العراق. وكان اللقب محبباً الى قلبه، شأنه في ذلك شأن اللقب الآخر الذي اطلقه عليه القائد ابو عمار وهو "بطل الجبل".

أُنتخب ابو علي اياد عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح بصفته مؤسساً، في مؤتمر الحركة العام الثاني، رغم عدم حضوره المؤتمر، حيث كان يومها خاضعاً للعلاج في مستشفى المواساة في دمشق، اثر انفجار عبوة ناسفة أثناء التدريب في معسكر الهامة. كذلك اختير عضواً في القيادة العامة لقوات العاصفة.

اياد بنشاطات سياسية، فكان ضمن الوفود الفلسطينية التي زارت الدول العربية والاشتراكية، وكان آخر زياراته مع وفد الثورة وعلى رأسهم " أبو عمار " إلى جمهورية الصين الشعبية الاشتراكية

 إلى جانب عمله العسكري شارك ابو علي اياد بنشاطات سياسية، فكان ضمن الوفود الفلسطينية التي زارت الاقطار العربية والاشتراكية، وكان آخر زياراته مع وفد الثورة وقياداتها إلى الصين. واسهمت علاقاته الودية مع القادة العراقيين في تسهيل امداد الفدائيين في الكرامة بالسلاح. كما واسهمت علاقاته الوطيدة بالسوريين في ظهور ما عرف باجازة فتح وهي الورقة التي كانت الدائرة العسكرية في فتح تصدرها لتسهيل التحرك بين الاقطار العربية. كان الشهيد أبو علي اياد متحمساً، حيث كان يدرك ان مهمته الأساسية التدريب والتحضير والاعداد، ليشكل بذلك الرصيد الأساسي للقواعد الارتكازية والعمليات البطولية. كما كان صاحب نظرة اسبارطية للتربية، حيث توجه بحسه ووعيه إلى تربية الأجيال، الذين أصبحوا الآن قادة عسكريين.

بتاريخ 1971/7/12 بدأت الحشود العسكرية الأردنية تتجه من الشمال الى منطقة عجلون، حيث كان أبو علي إياد آنذاك يتخذ من أحراش عجلون موقعاً للقيادة الفلسطينية، وأصبحت منطقة الأحراش في عجلون منطقة محاصرة من جميع الجهات. وبدأت المعركة صباح اليوم التالي، وكانت شرسة وعنيفة، استعملت فيها القوات المهاجمة، كل أساليب الدمار والقتل والهمجية وأرسل برقية الى اخيه ابو عمار قائلا:(قررنا أن "نموت واقفين ولن نركع" والله معنا). واستمر يقاتل حتى وصلت آخر برقياته الى أخيه أبو عمار يقول فيها: (المعركة قاسية وعنيفة، والقتال وجهاً لوجه، ونقاط التعزيز قد قطعت، وسنقاتل حتى الشهادة ).

وهكذا كان للشهيد ما أراد حيث كانت دوريات كبيرة ومتعددة من سرايا الفرقة الثانية تفتش الجبال والوهاد والقرى المجاورة بحثاً عن (أبو علي أياد) وقد رصد مبلغ كبير لمن يلقي القبض عليه حياً أو ميتاً.. وبينما كان الشهيد القائد يحاول عبور منطقة جبلية مع بعض رفاقه صادفتهم دورية للجيش الأردني، واشتبكت معهم، الى أن نفذت ذخيرتهم، واستشهد الجميع عدا ابو علي اياد. الذي اقتاده الجيش الاردني في الحال الى قيادة الفرقة الثانية، وهو ينزف دماً، وصدر الامر باطلاق النار عليه، حيث انضم إلى قافلة الشهداء بتاريخ 1971/7/27م، وصار رمزاً خالداً، وبطلاً قومياً من أبطال فلسطين.

ونعت قيادة الثورة الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) الى الجماهير العربية والفلسطينية قائداً من قادتها، ومناضلاً من رجالها، وبطلاً من أعز أبنائها الشهيد البطل أبو علي إياد، عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح) وقائد قوات الثورة الفلسطينية في منطقة عجلون.

كان أبو علي اياد، رجل العمل والممارسة، يحضر لدوريات القتال والاستطلاع ودوريات العمق، ويشرف بنفسه على التفاصيل والأهداف، وكان يجسد بنضاله وحركته الدؤوبة الفكر الوطني الذي اطلقته حركة فتح، فكان مع المقاتلين منذ انطلاقة الثورة وحتى سقط شهيدا، بعد أن قرر ورفاقه الموت واقفين ولا يركعوا. وعندها مضى إلى جوار ربه، ترك تاريخاً حافلاً بالتضحيات والامجاد، وظل امثولة حية في نفوس الرجال، الذين يستمدون منه ومن ذكراه استمرار المسيرة النضالية نحو تحقيق النصر. وبقيت كلماته الاخيرة على لسان ابناء شعبه لغاية هذه ألاحظه بقوله (نموت واقفين ولن نركع).

واقامت قيادة الثورة الفلسطينية والقيادة العامة لقوات العاصفة جنازة رمزية للشهيد في سوريا بتاريخ 1971/8/17م، انطلقت من مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني في المزة الى جامع فلسطين في مخيم اليرموك.

ولا يزال مكان دفن جثمان الشهيد ابو علي إياد في الاردن مجهولاً، ولم يُعثر عليه الى تاريخ اليوم.

***

كان ابو علي اياد، رجل العمل والممارسة، صانعاً للرجال، زارعاً للشجاعة، معلماً للمقاتلين، فكان معهم منذ انطلاقة الثورة، وحتى سقوطه شهيدا، فترك تاريخاً حافلاً بالتضحيات والأمجاد، وظل نموذجا حياً في نفوس الرجال، الذين يستمدون منه ومن ذكراه استمرار المسيرة النضالية نحو تحقيق النصر.

وبعد قيام السلطة الفلسطينية، اطلقت بلدية قلقيلية عام 1996م اسم الشهيد على منطقة واسعة تلتقي فيها عدة شوارع رئيسية، وأسمتها ميدان الشهيد ابو علي اياد"، واقامت فيها نصبا تذكاريا تخليدا لذكرى الشهيد البطل. كما أطلقت اسم الشهيد على اقدم مدرسة للبنات في قلقيلية، وأعادت تسميتها باسم "مدرسة بنات أبو علي إياد"، تخليدا لذكراه الطيبة.

 

الشهيد الحاج نصر احمد نمر نصر الحسن

1929-1976م

***

ولد في قلقيلية عام 1929م، أنهى تعليمه الأساسي في مدارس قلقيلية، وأكمل دراسة المرحلة الثانوية، وحصل علي شهادة المترك في مدرسة الخضوري- طولكرم، ثم أكمل دراسته تخصص اللغة الانكليزية في لبنان.

عمل في فترة الخمسينات في السعودية في شركة ارامكو، وعين مسؤولا لمرفأ التحميل والشحن للبترول عام 1970م.

ترك العمل في السعودية ليلتحق بالثورة الفلسطينية الى جانب شقيقه ابو علي اياد، مسؤول الساحة السورية واللبنانية في بداية شهر تموز من عام 1971م. وكانت اخر مكالمة لابو علي اياد مع اخيه الحاج نصر وبحضور شقيقه محمد النصر، وابن عمته سعيد السبع والقائد ياسر عرفات عبر اللاسلكي. وفي تلك المكالمة رفض ابو علي اياد الخروج من الاحراش قائلا كلمته الشهيرة: قررنا ان نموت واقفين ولن نركع و الله معنا.

بعد استشهاد ابو علي اياد شقيق الحاج نصر في الاردن بظروف غامضة، انشق عام 1974م ابو صبري البنا المعروف باسم ابو نضال في العراق، ورفع شعار الثأر لابو علي اياد. وفي عام 1976م تم توجيه دعوة للحاج نصر لزيارة العراق، وتمثيل فلسطين في مؤتمر علماء المسلمين، والذي عقد في العراق. والتقى هناك مع الرئيس احمد حسن البكر ونائبه آنذاك- الرئيس الشهيد صدام حسين. عقد هذا اللقاء في خضم الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976م، في الوقت الذي كان فيه مخيم تل الزعتر محاصر من قبل ميلشيا حزب الكتائب اللبنانية. طرح الحاج نصر على الرئيس صدام حسين المساعدة بفك الحصار الذي يعاني منه ابناء مخيم تل الزعتر، عندها طلب الرئيس صدام حسين من الحاج نصر ان يحمل رسالة للرئيس حافظ الأسد فيها اقتراح عراقي بفتح طريق امام القوات العراقية للدخول الى لبنان عبر سوريا لفك الحصار حول مخيم تل الزعتر، وفي اليوم التالي ذهب الحاج نصر الى سوريا، و طلب موعدا مع الرئيس السوري حافظ الاسد، وبالفعل اتصل به القصر الجمهوري محددا موعدا. بعد يومين عقد لقاء مطول مع الرئيس السوري حافظ الاسد بجو ايجابي للغاية، و عاد الحاج نصر ليخبر عائلته ما دار من حديث. وعند المساء حاصرت مفرزة من الأمن السوري منزله و اعتقلته بعد تفتيش المنزل تفتشا دقيقا. بقي الحاج نصر في المعتقل مدة شهريين الى ان تدخلت عائلته لدى رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري من اجل الإفراج عنه، عندها غادر الحاج نصر الى الكويت في نفس يوم الافراج عنه، وكان هذا شرط الامن السوري للافراج عنه. وصل الحاج نصر الى الكويت الا انه تعرض فيها الى بعض المضايقات من الممثلية الفلسطينية هناك، عندها لم يبقى أمام الحاج نصر و عائلته الا العودة الى العراق .

عاد الحاج نصر الى العراق مرغما بعد ان سدت الأبواب في وجهه، وهلل له ابو نضال إعلاميا، وكان ذلك في أواخر عام 1976م، وخلال شهرين بدء الصراع بين الحاج نصر وصبري البنا، بعد ان تجمع اغلب عناصر المجلس الثوري التابعين لابو نضال حول الحاج نصر، خاصة انه شقيق ابو علي اياد. في تلك الفترة تكشفت للحاج نصر كذب وزيف شعارات صبري البنا، وبدأت بينهما المواجهة. ولأن أبو نضال لا يحتمل نتائج ذلك، ولا يستطيع تصفيته كما فعل مع الآخرين، خاصة أن الحاج نصر على معرفة بقادة العراق، فكان لا بد من جعل الأمر يبدو وكأنه حادثا عرضياً، فتم التلاعب بسيارته المقدمة من صبري البنا، حيث ترافق انقلابها مع إطلاق النار عليها، عندما كان في طريقه للموصل ليبدو الأمر وكأنه حادث سير. وجرت له جنازة ضخمة، وشارك فيها مسؤولون عراقيون، وأحضرت السيارة وغطيت بإحكام أمام مكتب صبري البنا، ومنع أي شخص من فتحها او الاقتراب منها. ولكن أحد الحراس شكّ في هذه المبالغة، وتمكن من رؤية أثر طلقات على باب السائق، فأخبر ابنه مدحت النصر بذلك، فسارع للذهاب ورفع الغطاء عن السيارة، فشاهد ما شاهده الحارس. فجُن جنون صيري البنا، واحتجزه، وهدده، وحاول إغراءه بسيارة فاخرة بديلة.

وأمام ذلك وخوفا من خسارة أخرى، سعت أسرة الحاج نصر مع نائب الرئيس صدام حسين آنذاك للعودة الى عمان. وفعلا قام بالاتصال بالملك الحسين بن طلال، الذي وافق على عودتهم جميعا الى الأردن، ولا زالت الجريمة مسجلة في الأذهان أنها حادث عرضي.

***

- المصدر مدحت النصر - نجل الشهيد الحاج نصر 2015م

 

***

الوفد الفلسطيني في القاهرة : في الوسط الرئيس جمال عبد الناصر والقائد ابو عمار-  وابو علي اياد - الى اليسار

***

الشهيد وليد احمد نمر النصر-ابو علي إياد- بعد إصابته في عينه ورجله اثر انفجار لغم ارضي

***

أبو علي إياد - مدرّسا

***

التقطت الصورة في الصين عام 1969م، خلال زيارة الوفد الفلسطيني للصين. ويظهر في الصورة الشهيد صلاح خلف- ابو اياد، والشهيد ياسر عرفات، والرئيس محمود عباس، والشهيد ابو علي اياد، وبعض المسؤولين الصينيين

       

samirsous@hotmail.com

       

سمير زهير ألصوص

قلقيلية - فلسطين