تصريحات المسؤولين المنمقة تصدر لتغطية فشل أو للتبرؤ من الأخطاء وفيديوات تُخبأ لوقت الأزمات

حسنين كروم

Nov 20, 2017

القاهرة ـ «القدس العربي»: تميزت الصحف المصرية الصادرة يومي السبت والأحد 18 و19 نوفمبر/تشرين الثاني بقدر كبير جدا من الحيوية والأهمية بسبب أهمية القضايا التي ألقت بظلالها على غالبية المصريين فقد طمأن الرئيس السيسي بأن لا مساس بحصة مصر من مياه النيل بقوله: «مصر تحدثت مع أشقائها في السودان وإثيوبيا منذ بداية الأمر عن ثلاثة عناصر رئيسية، منها عدم المساس بالمياه، وإننا متفهمون مسائل التنمية. المياه تمثل حياة أو موت الشعب، وربنا خلق هذه المياه من آلاف السنين وتصلنا بشكل مستمر». جاء ذلك في كلمته وهو يحضر افتتاح المرحلة الأولى لأكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط، وهي بركة غليون في محافظة كفر الشيخ. وافتتاح مشروع الاستزراع السمكي شرق بورسعيد في سيناء. ويظهر أنه أكد ترشحه لفترة رئاسية ثانية، ولكن بطريقة غير مباشرة بإعلانه، أثناء افتتاح المشروع أنه قبل انتهاء فترة رئاسته سينفذ كل المشروعات التي تعهد بها.
كذلك اشتعلت معركة واقعة سجود المرحوم الشيخ محمد متولي الشعراوي لله ركعتي شكر فرحا بهزيمة مصر أمام إسرائيل في حرب يونيو/حزيران عام 1967 بسبب الهجوم الذي شنته ضده الإعلامية فريدة الشوباشي، في برنامج تلفزيوني بمناسبة ذكرى مرور أربعين عاما على زيارة الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات للقدس، والخلافات الحادة حول المقابلة التي أجراها الإعلامي عماد الدين أديب على قناة «الحياة» مع الإرهابي الليبي عبد الرحيم المسماري، ما بين مؤيد له ومهاجم، ما أكد أن نتيجة المواجهة كانت لصالح الإرهابي.
ولا تزال المعارك مشتعلة بسبب ما قالته المطربة شيرين عبد الوهاب حول تسبب مياه النيل في الاصابة بالبلهارسيا.
وواصلت الصحف التوسع في النشر عن معارك انتخابات رؤساء وأعضاء مجالس الأندية الرياضية التي ستجرى أواخر الشهر الحالي، وأحاديث معهم وشرح برامجهم. ثم المعركة الأخرى التي تسبب فيها الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف من تسليم أسماء الدفعة الأولى من رجال الدين الذين لهم حق الفتوى في وسائل الإعلام وإلى المجلس الأعلى للإعلام، والانقسام ما بين مؤيد ومعارض. وقد تعرضت قائمة الأزهر إلى مأزق بعد أن تبين أنها تضم عددا من أسماء الذين هاجموا الرئيس السيسي وكانوا من المشاركين في اعتصام رابعة والمؤيدين له، مثل الدكتور عبد الحليم منصور عميد كلية الشريعة والقانون في الدقهلية والشيخ عبد الحميد رميح وأحمد عبد العظيم الطباخ. وإلى التفاصيل.

المخابرات العامة وسد النهضة

ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على توتر الأجواء بين مصر وإثيوبيا بسبب تعثر المفاوضات بشأن سد النهضة، حيث أشار محمد السيد صالح رئيس تحرير «المصري اليوم» يوم السبت في إحدى فقرات بابه «حكايات السبت» إلى جهود المخابرات العامة في هذه القضية فقال تحت عنوان «جهدنا والمخابرات»: «قلت لعدد من الأصدقاء الذين أتعامل معهم من جهات سيادية وسياسية عليا: تغضبون منا كثيراً هذه الأيام بسبب فقرة في مقال أو صورة هنا أو هناك، أو لجرأتنا في نشر قصة إخبارية من مصادرها الأصلية، وأنتم تعلمون أنها حقيقية بل تبالغون في ردود أفعالكم، متناسين أي ود سابق، ولا تقدمون شكراً واجبًا عن أي عمل صحافي وطني كبير يكون ظاهراً للعيان. «المصرى اليوم» جريدة وطنية لها ثوابت قومية ولها جمهورها الذي يستحق صحيفة مختلفة عن باقى الصحف القومية أو الخاصة، التي نحترمها كثيراً ونقدرها، هكذا أرد على هؤلاء الأصدقاء حتى حفظوا كلماتي هذه. أسعدتني ردود فعل القراء وإدارة الجريدة بشأن ملفنا الممتد عن إرتيريا هو نتاج زيارتي والزميلة سمر إبراهيم لأسمرة ومصوع لمدة خمسة أيام، اكتفيت أنا بكتابة مقالي قبل أسبوعين من هناك، وتركتها تقدم خلاصة الحوارات والتحقيقات والمشاهدات في حلقات ممتدة، أسعدنا الحظ «صحافيًا» أن يتواكب نشرنا مع تصاعد أزمة القاهرة، مع كل من أديس أبابا والخرطوم، والإعلان عن فشل الجولة السابعة عشرة من مفاوضات «المسار الفني» المتعلق ببناء السد، وزمن ملئه بالمياه، ولمن لا يعلم فإن إرتيريا في حالة حرب مع إثيوبيا منذ إعلان أسمرة استقلالها عن إثيوبيا مطلع التسعينيات من القرن الماضي، بدعم مصري وبتدبير رائع من الدكتور بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، وللرجل- كما رأيت وسمعت- مكانة خاصة في أسمرة، وكانت تربطه علاقة إنسانية رائعة بالرئيس أسياسي أفورقي، بل إنه- كما يتردد هناك- كان وراء علاج أفورقي في إسرائيل. أعود لفكرتي فأقول نشرنا أول رسائل إرتيريا إلى جوار المانشيت المتعلق بـ«دراسة الإجراءات الواجبة في أزمة سد النهضة» فكانت رؤية ذكية بما تتضمنه من رسائل سياسية واستراتيجية مصرية من فوق الساحل الإرتيري الذي يخنق إثيوبيا ويجعلها دولة حبيسة من أرض تقترب بل تلتصق بالمنطقة المقام فيها «سد النهضة» زاد من روعة ما قمنا به ما أنجزته المخابرات العامة – وفي سرية تامة- بجمعها فرقاء دولة جنوب السودان وبالتحديد «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بصراحة جهد محترم من «المخابرات العامة» وأنا أعلم بشكل خاص أن هناك رؤية شاملة ومحترمة للغاية يتم تنفيذها في أفريقيا كلها وليس في القرن الإفريقي وحده الذي له الأولوية القصوى. بالطبع هناك عناصر لها خبرة رائعة في إفريقيا تحلق في المكان مستعينة بذكريات النجاح في حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وعمليات ناجحة تشبه الأساطير في تفاصيلها، ولكن أعود لما بدأت به وأؤكد أن الصحافة التي تفهم كيف تتعامل مع القضايا الكبرى بتقديم الرؤية الشاملة والحلول، تستحق أن تكون هي «الصحافة القومية» هذه الصحافة تفهم آليات الخلاف في المواقف السياسية الداخلية لكنها تقف مع بلدها والقيادة العليا في القضايا المصيرية».

مصر لن تتخلى عن دورها الإفريقي

وفي أعلى صفحتها الأولى نشرت «الوفد» حديثا مع وكيل جهاز المخابرات العامة السابق أجرته سحر رمضان جاء فيه: «أكد اللواء حاتم باشات عضو لجنة الشؤون الإفريقية في مجلس النواب، أن مصر لن تتخلى عن دورها الإفريقي لبسط الأمن والسلام بين الفرقاء. وأشاد بإعلان «وثيقة القاهرة» بشأن وقف النزاع في دولة جنوب السودان برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي. وقال إن مصر تسعى لحل الأزمات والنزاعات في القارة الأفريقية؛ نظراً إلى دورها الريادي في المنطقة. وقال باشات وكيل المخابرات الأسبق، إن القاهرة لعبت دوراً كبيراً في رعاية المصالحة في جنوب السودان، مشيراً إلى أنه لا بد من توجيه التحية والتقدير لكل من ساهم في حل هذا الملف. وأوضح أن الوثيقة تستهدف عودة اللاجئين إلى دولة جنوب السودان وإحلال الأمن والاستقرار. وقال إن جنوب السودان مليء بالصراعات القبلية والعرقية وأوضح أن المخابرات المصرية تعمل على هذا الملف منذ فترة طولية؛ لأنه من أخطر الملفات الموجودة في السودان. وأضاف أن مصر لها دور كبير جداً في فهم الملف بعمق، موضحاً أن مصر لها مكانتها القوية في المنطقة ومن أكثر الدول إدراكاً لذلك الملف، مشدداً على أن جنوب السودان مهم جداً لمصر؛ لأنه فيه يوجد النيل الأبيض وهو مصدر مهم للمياه التي تصل إلى مصر، ومصدر مياه متواصل طوال العام، والبحيرات التي تعمل على موارد التنمية في حالة الاستقرار وعلاقتها بمصر متميزة منذ السبعينيات. كانت القاهرة قد استضافت اجتماعاً خلال الفترة من يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وحتى 16 منه للحركة الشعبية لتحرير السودان، بشقها الحكومي ومجموعة القادة السابقين، حيث تم التوقيع في مقر المخابرات العامة على وثيقة إعلان القاهرة لتوحيد الحركة الشعبية لتحرير السودان تحت رعاية الرئيس السيسي والرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، ويعد توقيع وثيقة إعلان القاهرة خطوة مهمة على طريق دعم السلام ووقف الحرب في جنوب السودان، الأمر الذي يعد مدخلاً سياسياً لعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية».

معارك وردود

وإلى المعارك والردود التي سنبدأها مع الكاتب الساخر عاصم حنفي في مجلة «روز اليوسف» الذي دافع عن شباب ثورة يناير/كانون الأول وهاجم من أطلق عليهم لقب المنتفعين من كل نظام بقوله: «سوف يفرج الرئيس السيسي إذن عن دفعة جديدة من الشباب المحبوسين حرصا على مستقبلهم. ويا حبذا لو كان المفرج عنهم من ثوار يناير وأكاد أشعر بأن هناك من اوقع عامدا متعمدا ما بين الدولة والثوار. ويا سلام لو فعلها السيسي بالافراج عن شباب يناير المحبوسين وسوف تكون بداية للمصالحة الحقيقية، واستهلالا لحملة السيسي الانتخابية بأن تكون الصفحة بيضاء ونقطة ومن أول السطر. من حسن الحظ أننا نعيش الآن في عصر الثورة التكنولوجية الإلكترونية، إفتح اليوتيوب لتتعرف على آراء هؤلاء في فترة حكم حسني مبارك ثم المجلس العسكري ثم في فترة حكم الإخوان، وسوف تكتشف أن كلامهم لا يختلف كثيرا عن كلامهم الآن في عصرنا الراهن السعيد. النتيجة النهائية أنه إذا كان بعض الشباب قد أخطأ فلا بأس، الثورة لا تأكل أبناءها والسيسي سوف يفرج عنهم وأقطع ذراعي».

«محدش بيمشينا!»

أما ثاني المعارك فدارت في «أخبار اليوم» وصاحبها خفيف الظل أيضا وهو محمد عمر في عموده « كده وكده»، الذي قال تحت عنوان «شجاعة جواني» عن زيارة وفد مجلس النواب لأمريكا برئاسة الدكتور علي عبدالعال رئيس المجلس: «كانت زيارة وفد من مجلس النواب لقرينه «الكونغرس»‬ الأمريكاني من حوالي عشرة أيام نقطة «‬فاصلة» في الوقوف على مدى إستقلالية البرلمان و»شجاعته»، وكاشفة لادعائه الأونطة «إحنا مفيش حد بيمشينا» فقبل شهور وقف مجلس النواب فاتحا صدره وعلى قلب رجل واحد ضد الجمعيات الأهلية باحثاً عن مواد تقطع عنها الميه والنور «التعليمات جايه كده»ورفض المجلس أن تتصدي الحكومة للقانون أو أن يخرج باسمها «إحنا اللي نشيل الليلة علشان تتحسب لنا نقطة الوطنية» وعبثاً حاول البعض التنبيه إلى أن صدور القانون، كما يريد المجلس قد تكون له نتائج سلبية وعكسية ويعطي انطباعاً بأن مصر تريد إلغاء العمل المدني و «‬تشميع» الجمعيات بفرضها تلك القيود المانعة لإنشائها وتمويلها وعملها، لكن المجلس رفض الاستماع «‬للنصيحة» واعتبر أن مجرد الالتفات لها «خيانة». ووقتها انبرى الأعضاء في وصلات «‬سب وقذف» لكل من سولت له نفسه المطالبة بتعديل حرف في القانون وطالبوا «‬بفضح» من أرادوا ذلك لأنهم «متواطئون وعملاء وخونة وعاوزين البلد خرابة ومستباحة». ويصدر القانون ويقف الأعضاء في القاعة مهنئين أنفسهم على ذاك الحدث التاريخي، الذي أعطى رسالة للكل أن البرلمان «‬لا يمكن يطاطي» ولا أحد يملي عليه قراراته ولا يمكن أن يخضع لأي قوي خارجية مهما كانت «تصفيق حاد». ومع أول زيارة لوفد برلماني للكونغرس يفتح الموضوع وبمجرد أن أبدي «‬الكونغرسيون» ملاحظات على القانون لا ينتظر «‬الوفد» أن يكملوا كلامهم وفي أقل من ٢٠ دقيقة يعلن الوفد بكل أريحية ترحيبه والتزامه بتغيير القانون، طالما أنها رغبة «أمريكاني» بل ويعد «أقرانه الأمريكان» لينال الرضا، أنه لن يصدر بعد كده قانوناً إلا لما ياخد رأيهم فيه «بس برضه احنا محدش بيمشينا».

انتخابات الرئاسة

وإلى انتخابات الرئاسة العام المقبل حيث تستمر حملات جمع التوقيعات في مختلف المحافظات لمطالبة الرئيس بترشيح نفسه لفترة ثانية. والرئيس قال أثناء افتتاح مشروع الاستزراع السمكي العملاق في بركة غليون أنه قبل انتهاء فترة رئاسته سيكون قد نفذ بالفعل كل المشروعات التي تعهد بها، وطبعا ذلك يعني أنه سيدخل الانتخابات بقائمة إنجازات حققها على أرض الواقع. وحتى الآن لم يتقدم للترشح ضده إلا المحامي خالد علي وتردد اسم الفريق أحمد شفيق المقيم في دولة الإمارات. وأكد الخبر في «الشروق» محمد سعد عبد الحفيظ بقوله في مقال له تحت عنوان «متى يعود شفيق إلى القاهرة؟»: «قبل أيام قليلة نقل لي سياسي بارز مقتطفات من مكالمة هاتفية دارت بينه وبين شفيق، ناقشا فيها قرار الأخير بالترشح في الانتخابات من عدمه، وقال شفيق إنه مازال يدرس الأمر ويستشرف ردود الفعل الداخلية والخارجية، مشيرا إلى أنه لو اتخذ القرار فلن يعلنه من مقر إقامته الحالي في الإمارت حتى لا يحرج أحدا، وسيعلنه من إحدى العواصم الأوروبية «شفيق يتابع بدقة ما يجري على الساحة المصرية ويرى أن السلطة الحالية دخلت في متوالية من الإخفاقات تستدعي طرح بديل حقيقي يملك برنامجا للإصلاح السياسي والاقتصادي، يملك تحقيقه خلال فترة رئاسية واحدة يرحل بعدها ليفتح الباب أمام مرحلة جديدة». قال السياسي الذي هاتف الفريق أخيرا المعادلة الإقليمية المضطربة والأحوال المعيشية الصعبة التي سببتها القرارات الاقتصادية للحكومة الحالية قد تغري الفريق لإعلان خوضه المعركة الرئاسية التي يراها «محسومة لصالحه في حال أجريت بنزاهة» لكن هل سيسمح له أصدقاؤه في الإمارات بالخروج لإعلان قراره؟ وهل ستسمح السلطة له بالعودة إلى القاهرة ليمارس حقه الدستوري والقانوني؟».

تهديد نسائي

أما الرسام عمرو سليم فقد أخبرنا أمس الأحد في «المصري اليوم» بأن زوجة أحد أقاربه هددته بتقديم بلاغ ضده بأنه سيرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية وقالت له : قلت أيه ؟ حتجيب الفستان الغالي اللي قلت لك عليه واللا أتبلى عليك وأقول إنك ناوي ترشح نفسك في الانتخابات الرئاسية؟.

السادات وزيارة القدس

وأبرز ما نشر عن ذكرى مرور أربعين عاما على زيارة الرئيس السابق أنور السادات للقدس كانت للكاتب وجيه وهبة في «المصري اليوم» قال عنه: «في مثل هذا اليوم منذ أربعين عاما 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1977 هبطت طائرة «السادات» في مطار «بن غوريون» في تل أبيب. خطوة السادات على أرض المطار شبهها بعض المراقبين في ذلك الوقت- سياسياـ بخطوة أول رائد فضاء أمريكي على سطح القمر ومن عاش المناخ السياسى في تلك الآونة لا يتعجب من ذلك الوصف، كانت تلك الخطوة الشجاعة الجريئة زلزالا سياسيا بمعنى الكلمة، أربكت كل الحسابات والتوقعات وأول من أربكتهم كان الإسرائيليون أنفسهم، داهية المناورات السياسية «الميكافيلية» منذ أن تولى المسؤولية بعد رحيل عبدالناصر، وضع نصب عينيه هدفا واحدا لم يحد عنه، استعادة سيناء المحتلة. ناوأه وناوشه المعارضون من جميع التوجهات السياسية- وكنت من بينهم- شككوا في قدرته ورغبته في شن الحرب واستعادة الأراضي المحتلة تحمل «رزالاتنا» وكظم غيظه كثيرا، فاجأ الجميع وشن الحرب المجيدة وعبرنا أهوال خط «بارليف» إلى سيناء، وكما قال توفيق الحكيم: «عبرنا الهزيمة». استعاد الجندي المصري كرامته تلك التي كانت قد أضاعتها السياسات الغوغائية والقيادات غير المؤهلة في يونيو/حزيران 67. اختار السادات الطريق الأصعب لأنه رجل لديه طموحات للإنجاز لا تتوقف، ما أشبهه بـ»يوليوس قيصر»، رجل له من الحنكة والشجاعة ما يمكنه من تصحيح مسار التاريخ وصناعته وتشكيله. خاض معركة السلام الأصعب وبدهائه استعاد كل شبر من أراضي بلاده، كانت نهاية السادات على يد تيارات الإسلام المنظمة، هؤلاء الذين أطلق لهم العنان في أوائل عهده بالرئاسة «اعترف بخطئه ذلك في آخر خطاباته قبل رحيله» وتكاد قصة السادات أن تتطابق مع التراجيديا «المأساة» اليونانية وفقا لمواصفات أرسطو تماما، فهو البطل التراجيدي النبيل الذي يرتكب خطأ تراجيديا فيكون سببا في نهايته المأساوية. من يدافعون عن السادات وإنجازاته- وهم كثر وذوو مكانات مرموقة- يكاد دفاعهم عنه يكون همسا أو سرا ترى هل ذلك خشية من الغوغائية الهيستيرية المهيمنة على معظم المنابر الإعلامية؟ إنه استمرار لتراجيديا السادات، هذا البطل الحقيقي المغبون قدره عن نقص شجاعة تارة وتارة عن جحود مقيت».

«المخرج عاوز كده»

جملة بليغة سمعها الكاتب الدكتور محمود خليل في «الوطن» ذات يوم من الراحل الكريم الدكتور خليل صابات فى مدار تعليقه على تراجع مستوى التعليم الجامعي، قال فيها: «إحنا بنمثّل جامعة». خليل صابات – لمن لا يعرفه- هو واحد من رواد البحث العلمي الصحافي، وأستاذ جامعي مرموق تتلمذت على يديه أجيال متعاقبة من العاملين في مهنة الإعلام. «إحنا بنمثل جامعة»، أعجبتني الجملة للغاية مُذ سمعتها، ولا أخفي عليك أنني أستدعيها أمام الكثير من المشاهد التي تتفاعَل في حياتنا، وأجدها قادرة على تفسير حالة العوار التي أصابت الأداء في الكثير من المجالات، يكفيك فقط أن تنزع كلمة «جامعة» من الجملة وتضع مكانها ما شئت من مؤسسات. في شتى مناحى الحياة في مصر، يغلب التمثيل والمشاهد المصنوعة على الواقع، لذلك تجد أن الواقع فى حياتنا يتراجع كل يوم لحساب «اللقطة». بإمكانك أن تسترجع مشاهد الأداء داخل الحكومة ووزاراتها، أو المعارضة وقواها وأحزابها، أو البرلمان بجلساته العامة أو اجتماعات لجانه، أو الإعلام ببرامجه وحواراته، أو المدارس أو الجامعات بتفاعلاتها التعليمية، تذكر بعض الأنشطة التى رأيتها رأي العين في المؤسسة التي تعمل فيها، أو تابعتها عبر وسائل الإعلام، وستجد نفسك أمام «تمثيليات» تمت صناعة مشاهدها، إما بهدف الهروب من الواقع أو «الغلوشة» عليه، لذلك قد تجد الناس تراقب وتتابع كل ما يحدث على مستوى المؤسسات المختلفة التي ذكرتها لك لكنهم لا يصدقونها. فهم يتعاملون معها كما يتعاملون مع أي مسلسل تلفزيوني مصنوع، يتفاعلون مع مشاهده، وقد يتأثرون بها، لكنهم في النهاية يعلمون أنهم أمام أحداث مصنوعة، بعيدة عن الواقع، ويفهمون أن الأحداث تتدفّق على النحو الذي تعكسه مشاهد العمل بالطريقة التي يريدها المخرج، انطلاقاً من نظرية «المخرج عاوز كده»!. لا توجد مشكلة واحدة في مصر إلا ونظمت لمناقشتها مئات الندوات والمؤتمرات وورش العمل، تتكرّر الفعاليات تحت العنوان نفسه، وربما تكرّرت «الوشوش»، وردّدت الكلمات نفسها التي سمعناها من سنين، وتظل المشكلة بدون حل، وتمكث – غير بعيد- في انتظار ندوة أو مؤتمر أو ورشة عمل جديدة. أتدرى لماذا؟ لأننا ببساطة نستهلك مشاكلنا في مشاهد تمثيلية أكثر مما نسعى إلى حلها، إننا نريدها هكذا حتى نجد مادة نستطيع أن نؤلف حولها مشهداً تمثيلياً. الفارق بيننا وبين غيرنا أننا نستهلك المشكلة، ونتركها فريسة للفتوى من جانب كل من هب ودب، لأننا نعالجها من خلال «مكلمة تمثيلية»، أما غيرنا فيضع المشكلة بين أيدى باحثين يعكفون عليها في صمت وبدون صخب حتى يجدوا لها حلاً واقعياً، يؤدي إلى النهوض بالحياة.
ستظل مشاكلنا تتعقّد وتتعقّد لأننا نعالجها بالتمثيل، لأننا ننشغل بـ«اللقطة» و«الصورة الحلوة» و«الصقفة المدوية» و«الكلمات الكبيرة الرنانة» أكثر مما نهتم بواقع وتفاصيل المشكلة على الأرض. سيطرة «اللقطة» على الأداء هي السر وراء كل مشاكلنا المؤجّلة. فالانشغال باللقطة يدفع من يتصدّى للمشكلة إلى عدم الاجتهاد في حلها، وتأجيلها إلى المقبل. ظل الفنان الكبير يوسف وهبي يُردّد طوال حياته عبارة «ما الدنيا إلا مسرح كبير»، والحقيقة أن أجزاءً من الدنيا فقط هي التى تحولت فيها الحياة إلى مسرح كبير، وليس كل الدنيا، مشكلة يوسف وهبي فقط أنه رأى الدنيا بالعدسة المصرية «التمثيلية»!.

«يا حقيقة فينك؟»

«ستعرف فقط ما يريدونك أن تعرفه، وستسمع ما يروق لهم فقط أن يفصحوا عنه، وسيقسمون لك بأن أحاديثهم فقط هي الحقيقة المطلقة، وفي نهاية الأمر سيطلبون منك أن تصدقهم هم فقط دون سواهم، فهلا فعلت؟ هذا كان تساؤل الكاتب هاني هنداوي في «البديل» الذي يواصل كلامه قائلا: أغلبنا لم يعد يصدق أي شيء يخرج من مكاتب المسؤولين أو حلفائهم، فتصريحاتهم المنمقة تصدر عادة لتغطية فشل ما أو لتجميل إهمال جسيم أو لتعظيم الأوهام أو للتبرؤ من الأخطاء وإلقائها في ملعب الخصوم.. ويبدو الباحث عن الحقيقة في المؤتمرات والبيانات الرسمية أشبه بمن يحاول بإلحاح عبور قضبان القطار بالطول، فتكون النتيجة أن يظل سائراً بموازاة الحقائق، بدون أن يلتقيها، ويقضي نحبه غير مُدرك إنه عاش عمره غافلاً عن جهل أو مغفلاً عن عمد. لا تسمح طبيعة الدول التي نفخر بالانتماء إليها لأن تحيا الحقائق فيها لأكثر من «فيمتو ثانية»، فإما أنها ستموت من فرط الأكاذيب الرسمية أو بنيران إعلام التضليل أو تتلاشي كالسراب بفضل سياسة التعمية التي تنتهجها أنظمة الحكم المتعاقبة، وهي سياسة رشيدة تميل إلى إخفاء الحقيقة تماماً، وصنع أخرى مغايرة لطمأنة مواطنيها بشكل مؤقت لحين تجاوز الموقف المتأزم، واختلاق كذبة جديدة أكثر بريقاً. تظن بعض الأنظمة السياسية أن الاستحواذ المطلق علي ماكينة الإعلام كفيل بتحقيق انتصارات ساحقة على الحقيقة، وأن التنكيل بها سيكون أمراً يسيراً طالما أمسكت هي منفردة بزمام الصحافة والفضائيات والإذاعات وكل ما يستجد في هذا المجال.. فالمذيعون والكتُاب والضيوف هم أبناء مخلصون يتمركزون في خلايا الجهاز العصبي للنظام الحاكم، وعلى أتم استعداد لتنفيذ العملية الانتحارية «تضليل» بحرفية وإتقان بدون انتظار للتعليمات الفوقية، عملاً بمبدأ أن «الابن البار هو سر أبيه وطوع يديه».
لا تصدقني لو قلت لك إنني أملك الحقيقة، وإن ما أعرفه هو ما يجب أن تأخذ به، فالنصيحة الوحيدة التي يمكن أن أقدمها لك هي عدم الانتظار حتى تأتيك الحقائق راكعة أمام قدميك، فلا أحد صادق حتى النهاية، بل الكل كاذب إلى أن يثبت العكس، وهناك دائماً جزء مستتر من الحقائق يجب أن تسعي إليه بنفسك، وأن تجتهد لتراه بعقلك، ولا تصدق من يقولون لك: «إسمعو كلامي أنا بس».

شيرين عبد الوهاب

وإلى المشكلة التي جلبتها المطربة شيرين عبد الوهاب لنفسها عندما استظرفت في حفل خارج مصر ونصحت بعدم شرب مياه النيل لأنها تسبب البلهارسيا، وانقلب الجميع عليها وصدر قرار نقابة المهن الفنية بوقفها عن العمل إلى حين انتهاء التحقيق معها. ونشرت مجلة «الإذاعة والتلفزيون» ردا لشيرين التي تفاخرت بنشأتها في حي القلعة الشعبي في القاهرة وحبها لبلدها وكيف أنها رفضت الغناء في دولة تعادي مصر مقابل مبلغ هائل واعترفت بخطئها وقالت:
«الفيديو الذي أصاب أبناء وطني بالصدمة من حفلة في الشارقة منذ أكثر من عام، ولن أبحث وراء من احتفظ به كل هذه المدة ليظهره الآن في هذا التوقيت، وعندما شاهدته كما لو كان هذا الموقف يحدث أمامي لأول مرة. وكما لو كان من يتحدث فيه شخص غيري، فأنا بالفعل لا أتذكر أنني قلت هذا الكلام، لأنني بالطبع لا أعنيه ولا يعبر عما في داخلي تجاه وطني. وكما ذكرت سابقا كانت دعابة سخيفة لو عاد الزمن بي بالتأكيد فلن أكررها. وطني الحبيب مصر وأبناء وطني مصر أعتذر لكم من كل قلبي عن أي ألم سببته لأي شخص فيكم، ويعلم الله مدى حبي وانتمائي لبلدي مصر ولكم جميعا، فلم ولن أنسى فضل مصر وفضلكم، وأعدكم بأن اتدارك مستقبلا مثل هذه الأخطاء الساذجة التي تضعني الآن أمامكم في مثل هذا الموقف الذي أتمنى لو لم أكن فيه الآن.. أنا آسفة. المطربة المصرية ولها الشرف الشرف.

الاستعانة بخبراء

وفي الصفحة الحادية عشرة من «الأهرام» حظيت شيرين باهتمام الدكتور أسامة الغزالي حرب بقوله عنها في عموده «كلمات حرة»: «ماقالته شيرين يعكس مشاعر معينة لفنانة مصرية بزغت من أصول اجتماعية بسيطة، مثل الغالبية الساحقة من فناني مصر العظام، ولكنها أرادت أن تبدو في مظهر مختلف فسقطت في سوء التعبير ذلك. وعلي أية حال فإن الضجة التي أثيرت تشير إلى أكثر من أمر، أولها وجود حالة من الفراغ في الحياة العامة ترتبط بضعف مؤسسات العمل المدني و ضعف الأحزاب إلخ، مما يضخم من تأثير تلك الهفوات. وثانيها شيوع حالة التدهور الثقافي العام التي لا يسلم منها الفنانات والفنانون مثل غيرهم من فئات المجتمع، وفي هذا المناخ أعتقد أنه من الواجب على أي فنان أو فنانة مثل شيرين أن يستعينوا بخبراء أو معلمين يساعدونهم على تعويض ما لديه من قصور في الثقافة أو المعلومات أو مهارات وقواعد الحديث في المحافل العامة».

استغلال لحظة ضعف

أما زميله أحمد عبد التواب فقال في عموده «كلمة عابرة»: «طبعاً لا مجادلة في أنها أخطأت وفي أن خطأها غير مبرر، كما أنه في غير صالحها أن يُقال إن هذه طبيعتها وينبغي مجازاتها بقدر فعلها، كما أنها مطالَبة بالكفّ عن هذا السخف وأن تمسك لسانها وأن تعي أن أم كلثوم لم تستظرف أمام الجمهور عبر عمرها، رغم خفة دمها الحاضرة، ولم تخاطب الجمهور من فوق المسرح بغير أغنياتها الخالدة، رغم أن عشرات الملايين كانوا يتلهفون أن يسمعوا منها تعليقاً. وقد بات على شيرين أن تدرك وجوب أن يكون لها طاقم مستشارين وأن تلتزم بنصائحهم وأن تركز على فنها الذي نجحت فيه، وتوشك أن تبدد نجاحها بأفعالها. إن مصر أقوى من أن تهزها مثل زلات اللسان التي تبدر من شيرين أو من غيرها يكفي أن واقعتها كانت قبل أكثر من عشرة أشهر ولم ينتبه لها أحد إلا قبل أيام، عندما روَّجها ونفخ فيها آخرون، وسوف تخبو الواقعة وتمرّ بعد أن تأخذ حجمها الطبيعي كزلة لسان سخيفة، اعتذرت قائلتها ونالت العقاب من نقابتها، ولكن يبقى السؤال عن تصور بعض الإعلاميين أن من حقهم بدعوى حماية الوطن والأخلاق أن يتطاولوا على الناس في لحظة الضعف وألا تسائلهم نقابة الإعلاميين على ذلك».

تصريحات المسؤولين المنمقة تصدر لتغطية فشل أو للتبرؤ من الأخطاء وفيديوات تُخبأ لوقت الأزمات

حسنين كروم

- -

بدون تعليقات

أترك تعليقاً

القدس العربي قد تستخدم بعض التعليقات في نسختها الورقية - لذا الرجاء كتابة الاسم الأول واسم العائلة واسم البلد ---- لن ينشرعنوان بريدك الالكتروني

characters left