الإعلامي القدير
"غسان بن جدو"
مقدم برنامج "حوار مفتوح" ومدير مكتب قناة الجزيرة في بيروت خص
"سيريانيوز"
بحوار سنقدمه لكم على جزأين، حرصت أن يكون مزيجا بين السياسيةوجوانب أخرى مختلفة من
حياته قد لا يعرفها الكثيرون عنه.
وكانت لي معه "الدردشة"
الآتية، كما أحب هو أن يسميها:
بداية كيف دخلت إلى مجال
الصحافة المكتوبة وكيف اقتحمت المجال السياسي وتميزت فيه؟
بدأت الكتابة منذ كنت طالبا في
الجامعة ووقت ذاك كنت هاويا، لكن اول تحقيق صحفي مهني قمت به كان عام 85 عندما
أتيت من تونس الى لبنان وكنت ادرس علم اجتماع سياسي ومن ثم درست اقتصاد دولي أي لا
علاقة لي بالصحافة.
طبعا الأوضاع كانت متفجرة ايام
الحرب وبشكل أساسي في الفترة التي ذهبت فيها الى هناك فكانت فترة مثالية من حيث
الحدث وكان المناخ مناسباً لأقوم بتحقيق سياسي.
وايضا أعتبر انني كنت محظوظا في
ذاك الوقت لانني عندما طالبت بلقاء الزعامات السياسية في البلد كل الزعامات استجابت
وكانت مفاجأة لي.
ما هو برأيك سبب هذه
الاستجابة السريعة لك أنت بشكل خاص؟
اظن لانني كنت قادما من تونس
فلا احد كان يعرف غسان بن جدو فمثلا في لقاءي بالرئيس نبيه بري وقت كان وزيرا ورئيس
حركة امل، ذهبت الى مقره ودخلت وعرفت عن نفسي وقلت انني اريد لقاء مع نبيه بري
فابتسم من يحدثني وقال سنسجل اسمك وعد بعد اشهر، وانا منتظر رأيت الرئيس بري فذهبت
اليه مباشرة واخبرته بانني قادم من تونس واريد لقاء معه فقال تفضل مباشرة.
مثلا محمد حسين فضل الله آنذاك
كان واحدا من اشهر الشخصيات في العالم وكان يلقب بالمرشد الروحي لحزب الله، ولم يكن
سهلا ان التقي به لوضعه الامني، فذهبت اليه ولم يكن الامر صعبا كما كان متوقعا
لشخصية كبرى نادرا ما كانت تتحدث للصحافة.
كيف تم ذلك؟
فكرت كيف سألتقيه فذهبت الى
المسجد الذي يؤم فيه صلاة الجمعة وكنت موجودا واكتشفت انه بعد ان يؤم الصلاة يبقى
واقفا ويصطف المصلون من اجل مصافحته وكنت من بينهم وسلمت عليه وذهبت، ثم عدت وطلبت
من شخص ان يلتقط لي صورة باعتباري صحفي ومبتدئ، العدد كان كبيرا حيث مر أمامي 500
شخص وعندما سلمت عليه مرة اخرى تبسم وعرفت انه عرفني فقلت له انني اريد ان التقيه
وقال تفضل وحدد اللقاء بسرعة..
المهم كان تحقيقا جيدا وعندما
نجح تحقيقي بدأت الفكرة تراودني على أني مشروع صحفي ومن الممكن ان اكون صحفي.
ما هي الصحف التي عملت بها
وكيف انتهى بك الأمر كمقدم برامج في قناة الجزيرة ومدير مكتبها أيضا في بيروت؟
أكملت دراستي ودخلت مجال البحث
ولكن عملي الصحفي المحترف الذي امتهنه بدأ عام 1990 مع صحيفة الحياة وكنت مراسلا
لها في الجزائر التي كانت في أوج الازمة السياسية مع صعود جبهة الإنقاذ وكل الوضع
والتحول في الجزائر.
وبعدئذ اصبحت عام 1992 في معهد
الدراسات الدولية في واشنطن واستلمت إدارة تحرير المجلة وبعد اشهر قليلة أسندت لي
وظيفة رئيس التحرير في المجلة، ومن ثم استقريت في طهران كمراسل لهيئة الاذاعة
البريطانية BBC في أواخر عام 1995 وهناك عملت للـBBC
وكيف انتقلت من صحفي ومراسل
الى مقدم برامج؟
بداية كنت أنتدب لتقديم البرامج
حيث كنت اذهب الى الدوحة من اجل المشاركة في تقديم برنامج "أولى حروب القرن" والذي
كان بعد 11 ايلول وبرنامج "ما وراء الأحداث" وكان برنامج دوري وإخباري.
أما اول حلقة من حوار مفتوح
كانت خلال فترة تحرير جنوب لبنان عام 2000، لكن لم تكن الخطة أن يكون البرنامج
أسبوعيا، فانا ذهبت لأغطي تحرير جنوب لبنان وأول حلقة حوارية قمت بها كانت في
معتقل وعلى الطاولة ذاتها التي كان يحقق عليها الجلاد الاسرائيلي وعميله واستهوت
الطريقة التي قدمت بها الحلقة في الهواء الطلق القائمين على القناة، وقالوا لي أنه
من الجيد أن تكمل في تقديم البرامج .وطلبوا ان استقر في الدوحة وان اكون مذيعا
واقدم البرنامج من الدوحة لكن انا حبذت فكرة ان أكون بعيدا عن المركز.
والسبب؟
انا بطبعي لا أحب العمل في
المركز واشعر أنني أكون أكثر استقلالية وحرية ومتبحرا في المناخ بعيدا عن ضغوط
وكواليس وهوامش المركز بسلبياته وايجابيته.
وبعد ذلك تقرر ان اصبح مقدم
برامج لكن طلبت ان أكمل عملي كمدير مكتب في طهران وهكذا بدأنا كل شهر ابتداء من عام
2001 ثم أصبح البرنامج بدورية اسبوعية في ايار 2003 أي خمس سنوات لحد الآن .وانتقلت
كمدير لمكتب الجزيرة في بيروت عام 2004 والى الآن.
أليست مشكلة بالنسبة لك ان
تجد الأفكار والمواضيع لبرنامجك طوال هذا الوقت الطويل ولسنوات قادمة ربما؟
الموضوعات والملفات موجودة
وليست مشكلة لكن مشكلتي في البرنامج ليست في الموضوعات فقط ، المشكلة هي هوية
البرنامج التي تعرفينها وهي انه يتنقل كل أسبوع من مكان الى آخر، وانا عندي مشكلة
أخرى انه ليس لدي استديو وديكور ثابت لنكون مرتاحين كفريق عمل.
الست من اختار هذه الهوية
للبرنامج؟
نعم انا من اختار.. وتبقى
المشكلة في اختيار المكان والمسألة الثانية هي الحضور الذي يتألف من العديد من
الأشخاص و هذه تسبب إشكالية في التحضير.
ولأن البرنامج بهذه الطريقة
وعدد الحضور فيه ليس قليلا فالمساحة الزمنية للبرنامج ضيقة و اشعر بضيق الوقت.ت.
يدفعني الفضول أن أسألك كيف
تمت ترتيبات لقاءك بزعيم المقاومة السيد "حسن نصر الله" واقصد الترتيبات الأمنية
وهل استغرقت وقتا طويلا في ظل الظروف المحيطة آنذاك؟
أنا أعرف السيد "حسن نصر الله"
منذ سنوات طويلة معرفة شخصية وثيقة وسبق ذلك الحوار حوارات ولقاءات عديدة بل أكاد
ازعم أنني انا أكثر صحفي التقيت به على مدى سنوات سواء في التلفزيون او في الصحافة.
إذن لماذا هذا اللقاء بالذات
أخذ هذا الصدى والضجة الكبيرة؟
لأنه كان في زمن "حرب تموز" وكان السيد حسن نصر الله الرجل رقم واحد الملاحق من قبل إسرائيل بل لم يكن
احد يتوقع انه من الممكن له ان يستضيف شخصا ويطل ويحدثه في حوار مفتوح وصريح. خاصة
وانه اعتمد طريقة ناجحة وناجعة خلال الحرب كالخطابات او الاشرطة المسجلة وتلك الطرق
لم تكن محفوفة بالمخاطر لكن ان يكون هناك حوارا صحفيا وكاميرات وشخص غريب..!؟
وصدقيني كان الحوار مهنيا بنسبة
مئة بالمئة يعني انا لم أطلعه على أي سؤال، وامتد الحوار على مدة ساعة ونصف وكأنه
لم يكن في زمن حرب، وانا بالتالي لم أجامله مطلقا الى حد أنه حتى خصوم السيد حسن
نصر الله اتصلوا بي شاكرين ومهنئين لأنني حاورته بطريقة تخلو من المجاملة.
بالإضافة الى أن توقيت الحوار
كان مهما لان وقتها إسرائيل قصفت وقالت ان السيد حسن نصر الله أما أصيب بجروح بالغة
او قتل فإذا به يطل في حلقة مباشرة.
تلك الليلة اتصل بي الكثير من
الزملاء وقالوا لي يجب ان تعتزل الصحافة الليلة لأنك بلغت الذروة فما الذي ستفعله
بعد لقاء السيد حسن نصر الله في حرب؟ لكن انا لم اكن اعمل كصحفي فقط ولكن كمعني
بالحرب وهموم الناس وبما حصل،كنت احتضن ذلك الحجر الذي كان يقصف من قبل اسرائيل
،أعتقد أن حرب تموز حرب لا علاقة لها بما سبق من حروب ولا اعتقد اني سأعيش قصة أخرى
مماثلة.
لماذا رفضت الحديث مراراً عن
تفاصيل تجربتك في حرب تموز ومتى ستقرر الإفراج عما تخفيه؟
في يوم من الأيام سأتحدث عن حرب
تموز وسأكتب عنها وكثر طالبوني ان اكتب وأدون ما حصل في تلك الحرب بما فيها دور نشر
غربية وأوربية وأميركية ولكنني أخذت عهدا بعد الكتابة عن حرب تموز وكواليسها
وإسرارها لسببين ،أولهما أنني لا ازال اعيش هاجس ان إسرائيل قد لا تزال ستشن حربا
على لبنان طبعا هذا الكلام قبل الآن.
والسبب الثاني أننا بعد نهاية
حرب تموز دخلنا للأسف في أتون صراع سياسي داخل البلد، وحزب الله جزء من هذا الصراع
فخشيت ان كتبت شيئا عن حرب تموز ان يحسب في خانة حزب الله على حساب خصومهم من
الأطراف السياسية في لبنان. وهذه لم تكن همي انا مشكلتي مع إسرائيل بشكل أساسي.
اما الآن وقد بدأت الأمور تهدأ
فالأوان حان لأكتب شيئا عن حرب تموز واعتقد سيكون في الصيف المقبل.
هل سبق ان تعرضت للتهديد
بشكل مباشر وكيف تنعكس مثل هذه الأشياء على حياتك؟
في حرب تموز وبعد اللقاء مع
السيد حسن نصر الله كاد الموساد يختطفني، حيث كنا نشعر بوضع امني مريب لكني علمت
هذا الأمر لاحقا من الصحافة الاسرائيلية حيث كتبت احد الصحف الاسرائيلية "معاريف"
القريبة من الاجهزة الامنية عن الأمر بعد نهاية الحرب بيوم واحد.
فقد كان هناك تصور أنني على
اتصال مباشر بقيادة حزب الله و كانوا حريصين على مراقبتي عليها وكانوا واهمين فلم
تكن لدي تلك الاتصالات الكبرى كله وهم و بعد حرب تموز نصحت بأن أخذ جانب الحيطة "اذا
صح التعبير"..
كف تتصرف عادة اتجاه هذه
الأمور وماذا تفعل لأخذ الحيطة؟
أتجاهل الأمر وابتعد عن اتخاذ
أي إجراء أمني غير طبيعي، ما عدا الفصل بيني وبين عائلتي فأنا كنت في مكان وعائلتي
في مكان آخر لمدة سنتين. ما عدا هذا لم يكن عندي أي إجراء لا مرافقين ولا سيارة
خاصة..
لكني اتخذت بعض الحيطة فكان
عندي بيتي الذي استطيع التحدث عنه الآن فقط لأنني تركته فقد كنت اسكن فوق المكتب
ولا احد يعرف هذا الشيء..
لكن يبدو أنك تسبب هاجساً
للاسرائيلين حتى تهدد من قبلهم وبالخطف؟
الإسرائيلي يعيش هستيريا
والدليل ما فعله بي في حلقة "سمير القنطار" هل تصدقين أن يخرج سمير قنطار بعد 30
عاما من الأسر واقدم حلقة استضافة له واحتفي فيها به وأصفه بانه بطل عربي كبير
وتتزامن تلك الحلقة مع عيد ميلاده الذي لم يحتفي به على مدى ثلاثين عاما وان احتفى
به فكان بكوب شاي.
فأنا بطريقة ما قدمت له "قالب
حلوى" هذا الأمر أزعج الاسرائيلين بشكل كبير الى درجة ان المسؤول الاعلامي في مكتب
"اولمرت" هدد بمقاطعة قناة الجزيرة ووقف كل الاتصالات بها ان لم تتم محاسبة "غسان
بن جدو" وعند كلامه بدأت حملة شعواء في الصحافة الاسرائيلية على مدة ثلاثة اسابيع
وقصف يومي، وانا أبلغت من قبل احد الجهات العربية ان هناك قرار بتكسير وتهشيم غسان
بن جدو. وللأسف هم فعلا واهمين يعتقدون أنني امثل نموذج لخط إعلامي معين داخل
الجزيرة فينبغي التكسير والتهشيم.
لكن ما آلمني كثيرا هو بعض
الأقلام العربية التي استغلت الوضع لتشن حملة علي أيضا وكانها كانت مبتهجة بالحملة
الاسرائيلية.
وبالمقابل ما أبهجني هو التضامن
الكبير الموجود بين الكوادر والرأي العام والصحف من اوروبا الى اميركا بشكل اعتقد
انه فاجأ الإسرائيلي ذاته الى درجة انه اضطر الى السكوت.