كتاب : الأمالي
المؤلف : أبو علي القالي

قال أبو علي حدّثني بذلك عبد الله بن جعفر النحوي وأنشدنا أبو العباس لعنترة بن شداد:
جادت عليها كلّ عينٍ ثرّة ... فتركن كلّ قرارةٍ كالدرهم
وقال أبو بكر يقال: ثررت الشيء وثرثرته إذا فرّقته وبدّدته. قال أبو علي ومنه قيل: ناقة ثرور، وهي مثل الفتوح وهي الواسعة الأحاليل، وقد فتحت وأفتحت لأن الواسعة الأحاليل يخرج شخبها متفرقاً منتشراً. وقال غير يعقوب: المتفيهق الذي يتّسع شدقه وفوه بالكلام الباطل، وأصله من الفهق وهو الامتلاء، قال الأعشى:
تروح على آل المحلّق جفنةٌ ... كجابية الشيخ العراقي نفهق
وكان أبو محرز خلفٌ يروي: كجابية السيح، ويقول: الشيخ تصحيف، والسيح: الماء الذي يسيح على وجه الأرض أي يذهب ويجري. والجابية: الحوض الذي يجبي فيه الماء أي يجمع وجمعها جواب، قال الله عز وجل: " وجفانٍ كالجواب " .
" مالاقاة يزيد بن شيبان في حجه رجلاً من مهرة وانتساب كا منهما لصاحبه "

قال حدّثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال قال أبو زرارة بجّال بن حاجب العلقمى - من ولد علقمة بن زرارة - : خرج يزيد بن شيبان بن علقمة حاجّاً، فرأى حين شارف البلد شيخاً يحفّه ركبٌ على إبل عتاقٍ برحالٍ ميسٍ أدما، قال: فعدلت فسلّمت عليهم وبدأت بهم وقلت من الرجل؟ ومن القوم؟ فأرمّ القوم ينظرون إلى الشيخ هيبةً له، فقال الشيخ: رجل من مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، فقلت: حياّكم اللّه! وانصرفت، فقال الشيخ: قف أيها الرجل، نسبتنا فأنتسبنا لك ثم انصرفت ولم تكلمنا - قال أبو بكر: وروى السّكن بن سعيد عن محمد بن عباد: شاممتنا مشامّة الذّئب الغنم ثم انصرفت - قلت: ما أنكرت سوءاً، ولكني ظننتكم من عشيرتي فأناسبكم فأنتسبتم نسباً لا أعرفه ولا أراه يعرفني. قال: فأما الشيخ لثامه وحسر عمامته، وقال: لعمري لئن كنت من جذمٍ من أجذام العرب لأعرفنك، فقلت: فإني من أكرم أجذامها، قال: فإن العرب بنيت على أربعة أركان؛ مضر، وربيعة، واليمن، وقضاعة؛ فمن أيّهم أنت؟ قلت: من مضر، قال: أمن الأرحاء أم من الفرسان؟ فعلمت أن الأرحاء خندف وإن الفرسان قيس، قلت: من الأرحاء، قال: فأنت إذاً من خندف، قلت: أجل، قال: أفمن الأرنبة أم من الجمجمة؟ فعلمت أن الأرنبة مدركة وأن الجمجمة طابخة، فقلت: من الجمجمة، قال: فأنت إذاً من طابخة، قلت: أجل، قال: أفمن الصّميم أم من الوشيظ؟ فعلمت أن الصّميم تميم وأن الوشيظ الرّباب، قلت: من الصّميم، قال: فأنت إذاً من تميم، قلت: أجل، قال: أفمن الأكرمين أم من الأحلمين أم من الأقلّين؟ فعلمت أنّ الأكرمين زيد مناة، وأن الأحلمين عمرو بن تميم، وأن الأقلين الحارث بن تميم، قلت: من الأكرمين؟ قال: فأنت إذا من زيد مناة، قلت: أجل، قال: أفمن الجدود ، أم من البحور، أم من الثماد؟ فعلمت أن البحور سعد، وأن الثماد امرؤ القيس بن زيد مناة، قلت: من الجدود، قال: فأنت إذاً من بني مالك، قلت: أجل، قال أفمن الذّرى، أم من الأرداف؟ فعلمت أن الذّرى حنظلة، وأن الأرداف ربيعة ومعاوية وهما الكردوسان، قلت: من الذرى، قال: فأنت إذاً من بني حنظلة، قلت: أجل، قال: أمن البدور، أم الفرسان، أم من الجراثيم؟ فعلمت أن البدور مالك، وأن الفرسان يربوع، وأن الجراثيم البراجم، قلت: من البدور، قال: فأنت إذاً من بني مالك بن حنظلة، قلت: أجل، قال: أفمن الأرنبة،أم من الّلحيين، أم من القفا؟ فعلمت أن الأرنبة دارمٌ، وأن اللحيين طهيّة والعدويّة، وأن القفا ربيعة بن حنظلة، قلت: من الأرنبة، قال: فأنت إذاً من دارم، قلت: أجل، قال: أفمن الّلباب، أم من الهضاب، أم من الشّهاب؟ فعلمت أن اللباب عبد اللّه، وأن الهضاب مجاشع، وأن الشّهاب نهشل، قلت: من الّلباب، قال: فأنت إذاً من بني عبد اللّه، قلت: أجل، قال: أفمن البيت، أم من الزّوافر، فعلمت أن البيت بنو زرارة، وأن الزوافر الأحلاف، قلت: من البيت قال: فأنت إذاً من بني زرارة، قلت: أجل، قال: فإنّ زرارة ولد عشرةً؛ حاجباً، ولقيطاً، وعلقمة، ومعبداً، وخزيمة، ولبيداً، وأبا الحارث، وعمراً، وعبد مناة، ومالكاً؛ فمن أايهم أنت؟ قلت: من بني علقمة، قال: فإن علقمة ولد شيبان ولم يلد غيره، فتزوّج شيبان ثلاث نسوة: مهدد بنت حمران بن بشر بن عمرو بن مرثد فولدت له يزيد؛ وتزوّج عكرشة بنت حاجب بن زرارة بن عدس فولدت له المأمور؛ وتزوّج عمرة بنت بشر بن عمرو بن عدس فولدت له المقعد، فلايتهنّ أنت؟ قلت: لمهدد، قال: يابن أخي، ما افترقت فرقتان بعد مدركة إلا كنت في أفضلها حتى زاحمك أخواك، فإنهما أن تلدني أماهما أحبّ إليّ من أن تلدني أمّك! يا بن أخي، أتراني عرفتك؟ قلت: إي وأبيك أيّ معرفة!.
قال أبو علي: الميس: ضربٌ من الشجر يعمل منه الرّحال. وأرمّ القوم: سكتوا. والوشيظ: الخسيس من الرجال. والصميم: الخالص.
قال وحدّثنا أبو بكر رحمه اللّه قال حدّثنا الرياشي عن العمري عن الهيثم قال قال لي صالح بن حسّان: ما بيتٌ شطره أعرابي في شملة، والشّطر الآخر مخنّث يتفكّك؟ قلت: لا أدري، قال: قد أجّلتك حولاً، قلت: لو أجّلتني حولين لو أعرف، قال: أفٍّ لك قد كنت أحسبك أجود ذهناً مما أرى، قلت: ما هو؟ قال أما سمعت قول جميل: " ألا أيّها النّوّام ويحكم هبّوا " أعرابي في شملة، ثم أدركه الّلين وضرع الحبّ فقال:

" نسائلكم هل يقتل الرّجل الحبّ " كأنه والله من مخنثي العقيق.
" قصيدة جميل " قال أبو علي وأملى علينا أبو بكر بن الأنباري هذه القصيدة لجميل، قال وقرأت على أبي بكر بن دريد في شعر جميل - وفي الروايتين اختلافٌ في تقديم الأبيات وتأخيرها وفي ألفاظ بعض البيوت - :
ألا ليت أيام الصّفاء جديد ... ودهراً تولّى يا بثين يعود
فنغني كما كنّا نكون وأنتم ... صديقٌ وإذ ما تبذلين زهيد
وما أنس ملأ شياء لا أنس قولها ... وقد قرّبت نضوى أمصر تريد
ولا قولها لولا العيون التي ترى ... أتيتك فأعذرني فدتك جدود
خليليّ ما أخفي من الوجد ظاهرٌ ... ودمعي بما أخفي الغداة شهيد
ألا قد أرى واللّه أن ربّ عبرةٍ ... إذا الدار شطّت بيننا ستزيد
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحبّ قالت ثابتٌ ويزيد
وإن قلت ردّي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قالت ذاك منك بعيد
فلا أنا مردودٌ بما جئت طالباً ... ولا حبّها فيما يبيد يبيد
جزتك الجوازي يا بثين ملامةً ... إذا ما خليلٌ بان وهو حميد
وقلت لها بيني وبينك فأعلمي ... من اللّه ميثاقٌ له وعهود
وقد كان حبّيكم طريفاً وتالداً ... وما الحبّ إلا طارفٌ وتليد
وإنّ عروض الوصل بيني وبينها ... وإن سهّلته بالمنى لصعود
فأفنيت عيشي بانتظاري نوالها ... وأبليت ذاك الدّهر وهو جديد
فليت وشاة الناس بيني وبينها ... يدوف لهم سمّا طماطم سود
وليت لهم في كل ممسى وشارقٍ ... تضاعف أكبال لهم وقيود
ويحسب نسوانٌ من الجهل أننّي ... إذا جئت إياهّن كنت أريد
فأقسم طرفي بينهن فيستوي ... وفي الصّدر بونٌ بينهنّ بعيد
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بوادي القرى أنيّ إذاً لسعيد
وهل أهبطن أرضاً تظلّ رياحها ... لها بالثّنايا القاويات وئيد
وهل ألقين سعدي من الدّهر مرةً ... ومارثّ من حبل الصّفاء جديد
و تلتقي الأهواء من بعد يأسةٍ ... وقد تطلب الحاجات وهي بعيد
وهل أزجرن حرفاً علاةً شملةً ... بخرقٍ تباريها سواهم قود
على ظهر مرهوبٍ كأنّ نشوزه ... إذا جاز هلاّك الطّريق رقود
سبتني بعيني جؤذرٍ وسط ربربٍ ... وصدرٍ كفاثور اللّجين وجيد
تزيف كما زافت إلى سلفاتها ... مباهيةً طيّ الوشاح ميود
إذا جئتها يوماً من الدّهر زائراً ... تعرّض منقوض اليدين صدود
يصدّ ويغضي عن هواي ويجتني ... ذنوباً عليها إنه لعنود
فأصرمها خوفاً كأنّي مجانبٌ ... ويغفل عنّا مرةً قنعود
فمن يعط في الدّنيا قريناً كمثلها ... فذلك في عيش الحياة رشيد
يموت الهوى منّي إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود
يقولون جاهد يا جميل بغزوةٍ ... وأيّ جهادٍ غيرهن أريد
لكلِّ حديثٍ بينهنَّ بشاشةٌ ... وكلُّ قتيل بينهن شهيد
ومن كان في حبيِّ بثينة يمتري ... فبرقاء ذي ضالٍ عليّ شهيد
ألم تعلمي يا أمّ ذي الودع أنّني ... أضاحك ذكراً كم وأنت صلود
قال وأنشدنا أبو بكر الأنباري رحمه اللّه قال أنشدنا أبو العباس بن مروان الخطيب لخالد الكاتب قال وسمعت شعر خالد بن خالد:
راعى النجوم فقد كادت تكلمه ... وانهل بعد دموع يالها دمه
أشفى على سقمٍ يشفي الرقيب به ... لو كان أسقمه من كان يرحمه

يا من تجاهل عمّا كان يعلمه ... عمداً وباح بسرٍّ كان يكتمه
هذا خليلك نضواً لا حراك به ... لم يبق من جسمه ألا توهّمه
" الكلام على الأمة والمال " قال أبو علي وحدثنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد وأبو بكر بن الأنباري في قوله عز وجل: " تلك أمةٌ قد خلت " الأمّة: القرن من الناس بعد القرن، والأمّة أيضاً: الجماعة من الناس، والأمّة أيضاً: الملّة والسّنّة، ومنه قول اللّه عز وجل: " إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ " أي على دينٍ، وكذلك قوله عز وجل: " لولا أن يكون الناس أمةً واحدةً " أي لولا يكون الناس كفاراً كلّهم. والأمّة أيضاً: الحين، قال اللّه جل وعز: " وادكر بعد أمّةٍ " أي بعد حينٍ، وقرأ ابن عباس وعكرمة: وادّكر بعد أمةٍ مثل عمهٍ وولهٍ أي بعد نسيان. والأمة أيضاً: الإمام، ويقال: الرجل الصالح، قال اللّه عز وجل: " إنّ إبراهيم كان أمةً قانتاً " والأمّة أيضاً: القامة وجمعها أمم، قال الأعشى:
وأنّ معاوية الأكرمين ... حسان الوجوه طوال الأمم
والأمّهة والأمّة والأمُّ والاُّم: الوالدة، قال الشاعر:
تقبّلتها من أمةٍ لك طالما ... تتوزع في الأسواق عنها خمارها
وقال آخر:
أمّهتي خندف واليأس أبي
قال وحدثنا أبو بكر الأنباري رحمه اللّه قال حدّثنا اسماعيل بن اسحاق القاضي قال حدّثنا مسلم ابن إبراهيم قال حدّثنا هشام قال حدّثنا قتادة عن مطرّف بن عبد اللّه عن أبيه: أنه أتى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يقرأ: " ألهاكم التّكاثر " فقال: يفول ابن آدم: " مالي مالي ومالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو تصدقت فأمضيت أو لبست فأبليت " . قال أبو بكر: المال عند العرب الإبل والغنم. والفضّة: الرّقة والورق. والذّهب: النّضر والنّضير والعقيان.
قال وحدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى قال: المال عند العرب أقله ما تجب فيه الزكاة، وما نقص من ذلك فلا يقع عليه مال. قال وأنشدنا أبو العباس:
ألا يل قرّ لاتك سامرياً ... فتترك من يزورك في جهاد
أتعجب أن رأيت عليّ ديناً ... وأن ذهب الطريف مع التلاد
ملأت يدي من الدنيا مراراً ... فما طمع العواذل في اقتصادي
ولا وجبت عليّ زكاة مالٍ ... وهل تجب الزكاة على جواد
وأنشد أيضاً:
واللّه ما بلغت لي قطّ ماشيةٌ ... حدّ الزّكاة ولا إبلٌ ولا مال
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا أبو الحسن بن البراء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عبد الملك بن عبد العزيز وهو الماجشون قال: شتم رجل الوليد بن أبي خيرة، فقال الوليد: هي صحيفتك فأمل فيها ما شئت.
قال وحدثنا أبو الحسن بن البراء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا سفيان بن عيينة قال: قيل لابن شهابٍ: ما الزاهد؟ قال: من لم يمنع الحلال شكره، ولم يغلب الحرام صبره.
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدّثني مسعود بن بشر عن وهب بن جرير عن الوليد بن يسارٍ الخزاعي قال قال عمرو بن معد يكرب لعمر بن الخطاب رضي اللّه: يا أمير المؤمنين، أأبرامٌ بنو مخزوم؟ قال: وما ذاك؟ قال تضيّفت خالد بن الوليد فأتى بقوسٍ وكعبٍ وثورٍ. قال: إن في ذلك لشبعةً، قلت: لي أو لك؟ قال لي ولك، قال حلاًّ يا أمير المؤمنين فيما تقول، وإني لآكل الجذع من الإبل أنتقيه عظماً عظماً وأشرب التّبن من اللّبن رثيئةً وصريفاً.
قال أبو علي قال الأصمعي: القوس: البقية من التمر تبقى في الجلّة. وقال أبو بكر: الكعب: القطعة من السّمن. والثّور: القطعة من الأقط. قال الأصمعي يقال: أعطاه ثورةً عظاماً.
قال أبو علي والعرب تقول: حلاًّ في الأمر تكرهه بمعنى كلاًّ.
قال وحدثنا غير واحد من مشايخنا منهم ابن دريد بإسناد له وأبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي عن أبي عليٍّ العنزي قال حدّثنا مسعود بن بشر قال حدّثنا أبو الحسن المدائني قال قال الأحنف ابن قيس لمصعب بن الزبير: - وكلّمه في رجل وجد عليه - فقال مصعب بلّغني عنه الثّقة، فقال الأحنف: حلاًّ أيها الأمير، إن الثقة لا يبلّغ.
وروى أبو بكر بن الأنباري كلا. قال وقال أبو بكر: التّبن: أعظم الأقداح.
" الكلام عن أنواع من القداح "

قال أبو علي: الغمر: القدح الصغير الذي لا يروى، ومنه قيل: تغمّرت من الشراب أي لم أرو. ثم القعب وهو فوقه قليلاً. والصّحن: قدحٌ عريض قصير الجدار.والجنبل: قدح ضخم خشبٌ نحيتٌ. والوأب: القدح المقّعر، قال أبو علي وخبرني الغالبي عن أبي الحسن بن كيسان قال: سمعت بنداراً يقول: الوأب: الذي ليس بالكبير ولا بالصغير، ومنه قيل: حافر وأبٌ. والعلبة: قدح من جلود الإبل. والرّفد: القدح العظيم أيضاً، قال الأعشى:
ربَّ رفدٍ هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشرٍ أقتال
قال أبو بكر والرّثيئة: التي قد صبَّ عليها ماء، وكذلك المرضّة، قال الشاعر:
إذا شرب المرضّة قال أوكي ... على ما في سقائك قد روينا
والصّريف: اللبن الذي ينصرف به عن الضّرع حاراً.
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا العنزيُّ قال حدّثنا أبو خيرة قال: كنا عند أبي داود الطّيالسي وهو يملي التفسير ولم يكن يحفظ القرآن، فقال: " إليه يصعد الكلم الطّيب والعمل الصّالح يرفعه " فقال المستملي: ليس هكذا القراءة، فقال: هكذا الوقف عليها.
" مختارات من الشعر في الصبر والحزم " قال وأنشدنا أبو بكر بن دريد قال أنشدنا أبو حاتم:
إذا اشتملت على اليأس القلوب ... وضاق بما به الصدر الرحيب
ولم تر لانكشاف الضرّ وجهاً ... ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ ... يمنّ به اللطيف المستجيب
وكلّ الحادثات وإن تناهت ... فمقرون بها الفرج القريب
قال وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو عثمان عن التّوّزيّ عن أبي عبيدة قال أنشدني رجل من ولد هشام بن عبد الملك لمعاوية بن أبي سفيان:
قد عشت في الدّهر ألواناً على خلق ... شتّى وقاسيت فيه الّلين والطّبعا
كلاّ لبست فلا النّعماء تبطرني ... ولا تعودت من مكروهها جشعا
لا يملأ الأمر صدري قبل مصدره ... ولا أضيق به ذرعا إذا وقعا
قال وأنشدنا أبو بكر عن أبي عثمان عن التوّزي عن أبي عبيدة:
أمات الهوى حتى تجنبه الهوى ... كما اجتنب الجاني الدّم الطالب الدّما
وأكثر ما تلقاه في الناس صامتاً ... فإن قال بذّ القائلين وأفهما
وكان يرى الدّنيا صغيراً كبيرها ... وكان لأمر اللّه فيها معظّما
قال وأنشدنا أبو عبد اللّه ابراهيم بن محمد بن عرفة:
خاطر بنفسك لا تقعد بمعجزة ... فليس حرّ على عجزٍ بمعذور
إن لم تنل في مقامٍ ما تطالبه ... فأبل عذراً بإدلاجٍ وتهجير
لن يبلغ المرء بالأحجام همّته ... حتّى يباشرها منه بتغرير
حتى يواصل في أنحاء مطلبها ... سهلاً بحزنٍ وإنجاداً بتغوير
قال أبو علي حدّثني أبو بكر بن الأنباري قال حدّثني أبي عن أحمد بن عبيد أنه قال: أحجم الرجل عن الأمر إذا كعّ، وأحجم إذا أقدم. وقال يعقوب وأحمد بن يحيى: أحجم وأحجم إذا كعّ.
وأنشدنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّه:
كم من أخٍ لست تنكره ... ما دمت من دنياك في يسر
متصنّعٍ لك في مودّته ... يلقاك بالتّرحيب والبشر
يطري الوفاء وذا الوفاء ويل ... حى الغدر مجتهدا وذا الغدر
فإذا عدا والدّهر ذو غير ... دهرٌ عليك عدا مع الدّهر
فارفض بإجمال مودّة من ... يقلى المقلّ ويعشق المثرى
وعليك من حالاه واحدةٌ ... في العسر إما كنت واليسر
لا تخلطنّهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصّفر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
" قصيدة حنظلة الخزاعي لولده قرة لما أراد الهج؟؟؟؟؟؟رة وشرحها " وحدثنا أبو بكر حدّثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: أراد قرّة بن حنظلة الخزاعيّ الهجرة، فقال أبو حنظلة:
أقول لقرّة إذ سوّلت ... له النفس ترك الكبير اليفن
أقرّة ربّتما ليلةٍ ... غبقتك فيها صريح اللّبن

أحين فشا الشّيب في لّمتي ... وأفنى شبابي مرّ الزّمن
تروّحت في النّفر الرائحين ... وخلّيت شيخك بادي الحزن
وأفردته والهاً في الدّيار ... يصرّفه الدهر في كلّ فنّ
قليل الكلام بطيء القيا ... م يبكي لوحدته ذا شجن
أردت به الأجر فيما زعمت ... وتركك شيخك عين الغبن
قال أبو علي: اليفن: الكبير. والغبوق: شرب العشيّ. والصّبوح: شرب الغداة. والجاشريّة: حين جشر الصّبح. والقيل: شرب نصف النهار. والغبن: في البيع، والغبن: في الرأي، يقال: غبن رأيه يغبن غبناً، وغبنت فلاناً أغبنته غبناً.
" جملة من شعر عمر بن أبي ربيعة " وقرأت على أبي عبد اللّه إبراهيم بن محمد الأزدري نفطويه لعمر بن أبي ربيعة:
إنّ طيف الخيال حين ألّما ... هاج لي ذكرةً وأحدث همّا
جدّدي الوصل ياسكين وجودي ... لمحبٍّ رحيله قد أحمّا
قال أبو علي: وكان الأصمعي يروى: قد أجمّا، ويقول: أجمّ إذا دنا وحان، وحمّ إذا قدر، ويروى بيت لبيد: " أن قد أجمّ من الحتوف حمامها " وغيره يروى: أن قد أحمّ، ويقول: معناه دنا وقرب على ما قال الأصمعي في معنى أجمَّ.
ليس دون الرّحيل والبين إلاّ ... أن يردّوا جمالهم فتزمّا
قال وحدثني أبو عبد اللّه عند قراءتي عليه هذا البيت. قال حدّثني أحمد بن يحيى قال حدّثنا عبد اللّه بن شيب عن ابن مقمّة عن أمه قالت: سمعت معبداً بالأخشبين وهو يغنّي:
ليس بين الحياة والموت إلاّ ... أن يردّوا جمالهم فتزمّا
ولقد قلت مخفياً لغريضٍ ... هل ترى ذلك الغزال إلا جمّا
هل ترى فوقه من الناس شخصاً ... أحسن اليوم صورةً وأتمّا
إن تنيلي أعش بخيرٍ وإن لم ... تبذلي الودّ متُّ بالهمّ غمّا
قال وقرأت عليه أيضاً لعمر:
أيا من كان لي بصراً وسمعاً ... وكيف الصّبر عن بصري وسمعي
وعمّن حين يذكره فؤادي ... يفيض كما يفيض الغرب دمعي
يقول العاذلون نأت فدعها ... وذلك حين تهيامي وولعي
أأهجرها فأقعد لا أراها ... وأقطعها وما همّت بقطعي
وأصرم حبلها لمقال واشٍ ... وأفجعها وما همّت بفجعي
وأقسم لو خلوت بهجر هندٍ ... لضاق بهجرها في النّوم ذرعي
" تفسير قوله تعالى: وجعلنا للكافرين حصيراً " قال وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري قال في قوله عز وجل: " وجعلنا جهنّم للكافرين حصيراً " قال: معناه سجناً وحبساً، ويقال: حصرت الرجل أحصره حصراً إذا حبسته وضيّقت عليه، قال اللّه عز وجل: " أو جاءكم حصرت صدورهم " أي ضاقت صدروهم، وقرأ الحسن: حصرةً صدورهم معناه ضيقةً صدورهم، يقال: أحصره المرض إذا حبسه. والحصير: الملك لأنه حصر أي منع وحجب من أن يراه الناس، قال الشاعر:
ومقامةٍ غلب الرقاب كأنهم ... جنٌّ لدى باب الحصير قيام
" الكلام على حديث إن الله اختارني الخ وحديث عليكم بالأبكار " قال وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا بشر بن موسى الأسديُّ وخلف بن عمرو الكعبري قالا حدّثنا الحميدي قال حدّثنا محمد بن طلحة التيمي عن عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " إنّ اللّه اختارني واختار لي أصحاباً فجعل لي منهم وزراء وأختاناً وأصهاراً فمن سبّهم فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً " . وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " عليكم بالأبكار فإنهن أطيب أفواهاً وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير " .

قال أبو بكر قوله صرفاً ولا عدلاً، الصّرف: الحيلة، والعدل: الفدية. ويقال. الصّرف: الإكتساب، والعدل: الفدية: ويقال: الصرف: الفريضة، والعدل: النافلة. ويقال: الصرف: الدّية، والعدل: الزيادة على الدية. ويقال: العدل: الدية، والصرف: الزيادة. قال أبو علي قوله والصّرف: الحيلة، والصرف: الإكتساب، والعدل: الفدية، والعدل: الدّية صحيح في الإشتقاق، فأما قوله: الصرف: الفريضة، والعدل: النافلة، والصرف: الدية، والعدل: الزيادة على الدية فغير صحيح في الإشتقاق. قال أبو بكر: والأختان: أهل المرأة. والأحماء: أهل الرجل. والأصهار يقع على الأختان والأحماء. وقوله: " فإنهن أنتق أرحاماً " يعني أكثر ولداً، يقال: امرأة منتاقٌ إذا كثر ولدها.
قال أبو علي ويقال: امرأة ناتقٌ إذا كثر ولدها، وأنشد الأصمعي للنابغة:
لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم ... طفحت عليك بناتقٍ مذكار
" شهود الحسن البصري جنازة أبي رجاء مع الفرزدق " قال وحدثنا أبو بكر الأنباري قال حدّثنا أبو عبد اللّه المقدّمي القاضي قال حدّثنا أحمد بن منصور قال حدّثنا عمرو بن صالح الكلابي قال حدّثنا إياس بن ابي تميمة الأفطس قال: شهدت الحسن في جنازة أبي رجاء العطارديّ وهو على بغلة والفرزدق يسايره على نجيبٍ وكنت على حمارٍ لي، فدنوت منهما فسمعت الفرزدق يقول للحسن: يا أبا سعيد، أتدري ما يقول أهل الجنازة؟ قال: وما يقولون: هذا شيخ بالبصرة، وهذا شرٌ شيخ بالبصرة، قال: إذاً يكذبوا يا أبا فراس، ربَّ شيخٍ بالبصرة مشركٍ باللّه فذلك شرٌ من أبي فراس، ورب شيخٍ بالبصرة ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم إلى اللّه لأبّره، فذلك خير من الحسن يا أبا فراس، ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه مذ ثمانون سنةً، ثم قال: يا أبا سعيد، هل إلى التوبة من سبيل؟ قال: إي واللّه، إن باب التوبة لمفتوح من قبل المغرب عرضه أربعون لا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله، قال: يا أبا سعيد، فكيف أصنع بقذف المحصنات؟ قال: تتوب الآن وتعاهد اللّه ألا تعود، قال: فإنّي أعاهد اللّه ألا أقذف - أو قال أسبَّ - محصنةً بعد يومي هذا.
" وصية محمد الباقر لعمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنهما " وحدّثنا أبو بكر بت دريد قال حدّثنا أحمد بن عيسى أبو بشر العكليّ قال حدّثني أو حدثت عن أسد بن سعيد - الشك من أبي بكر - قال حدّثني أبي عن جدّي عن عفير قال: دخل أبو جعفر محمد بن علي الحسين على عمر عبد العزيز رضي اللّه عنه فقال: يا أبا جعفر أوصني، قال: أوصيك أن تتخّذ صغير المسلمين ولداً، وأوسطهم أخاً، وكبيرهم أباً؛ فارحم ولدك، وصل أخاك، وبرّ أباك؛ وإذا صنعت معروفاً فربّه.
قال أبو علي: قوله فربّه أي أدمه، يقال: ربّ بالمكان وأربّ أي أقام به ودام، قال بشرٌ:
أربّ على مغانيها ملثٌّ ... هزيمٌ ودقه حتّى عفاها
وحدّثنا أبو بكر قال أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: اختصم أعرابيان إلى شيخ منهم، فقال أحدهما: أصلحك اللّه، ما يحسن صاحي هذا آيةً من كتاب اللّه عز وجل، فقال الآخر: كذب واللّه، إنّي لقارئ كتاب اللّه، قال: فاقرأ، فقال:
علق القلب ربابا ... بعد ما شابت وشابا
فقال الشيخ: لقد قرأتها كما أنزلها اللّه. فقال صاحبه: واللّه أصلحك اللّه، ما تعلمّها إلا البارحة.
" ذكر ما وقع لوالي مكة مع رجل سفيه "

قال وحدّثنا أبو بكر الأنباري قال حدّثني أبي قال حدّثنا أحمد بن عبيد قال أخبرنا المدائني قال: كان بمكة رجلٌ سفيه يجمع بين الرجال والنساء فشكا ذلك أهل مكة الى الوالي فغرّبه الى عرفات، فأتّخذها منزلاً ودخل مكة مستتراً، فلقى حرفاءه من الرجال والنساء فقال: ما يمنعكم؟ قالوا: وأين بك وأنت بعرفات؟ قال: حمارٌ بدرهمين وقد صرتم إلى الأمن والنّزهة، قالوا: نشهد أنك صادق، وكانوا يأتونه وكثر ذلك حتى أفسد على أهل مكة أحداثهم وسفاءهم وحواشيهم، فعادوا بالشّكاية الى أمير مكة فأرسل إليه فأتى به فقال: أي عدوّ اللّه! طردتك من حرم اللّه فصرت الى المشعر الأعظم تفسد فيه وتجمع الفسّاق! فقال: أصلح اللّه الأمير، يكذبون علىّ ويحسدونني قالوا: بيننا وبينه واحدةٌ قال: ما هي؟ قال: تجمع حمير المكارين وترسلها بعرفات، فإن لم تقصد الى بيته لما تعرف من إتيان الخرّاب والسفهاء إياه فالقول ما قال، فقال الوالي: إن في هذا لدليلاً وأمر بحمير فجمعت ثم أرسلت فقصدت نحو منزله فأتاه بذلك أمناؤه؛ فقال: ما بعد هذا شيءٌ: جرّدوه فلما نظر الى السّياط، قال: لابد من ضربي، أصلح اللّه الأمير؟ قال: لابد منه، قال: اضرب فوا اللّه ما في هذا شيءُ أشد علينا من أن تسخر منّا أهل العراق فيقولون: أهل مكة يجيزون شهادة الحمير فضحك الأمير وقال: واللّه لا أضربك اليوم وأمر يتخلية سبيله.
" جمل من شعر بن أبي ربيعة " قال وقرأت على أبي عبد إبراهيم بن محمد عرفة الأزدي لعمر بن أبي ربيعة:
ما كنت أشعر إلاّ مذ عرفتكم ... أنّ المضاجع تمسي تنبت الإبرا
لقد شقيت وكان الحين لي سبباً ... أن علّق القلب قلباً يشبه الحجرا
قد لمت قلبي فأعياني بواحدة ... وقال لي لا تلمني وادفع القدرا
إن أكره الطّرف يحسر دون غيركم ... ولست أحسن إلا نحوك النّظرا
قالوا صبوت فلم أكذب مقالتهم ... وليس ينسى الصّبا إن والهٌ كبرا
قال وقرأت عليه له أيضاً:
بعثت وليدتي سحراً ... وقلت لها خذي حذرك
وقولي في ملاطفةٍ ... لزينب نوّلي عمرك
فإن داويت ذا سقمٍ ... فأخزى اللّه من كفرك
فهزّت رأسها عجباً ... وقالت هكذا أمرك
أهذا سحرك النّسوا ... ن قد خبّرتني خبرك
وقلن إذا قضى وطراً ... وأدرك حاجةً هجرك
وقرأت عليه أيضاً:
من لعينٍ تذري من الدّمع غرباً ... معملاً جفنها اختلاجاً وضرباً
لو شرحت الغداة يا هند صدري ... لم تجد لي يداك في الصّدر قلباً
فصلي مغرماً بحبك قد كا ... ن على ما أوليته بك صبّاً
فاعذريني إن منت صاحب عذرٍ ... واغفري لي إن كنت أحدثت ذنباً
لو تخرّجت أو تذممّت منّي ... ما تباعدت كلّما ازددت قربا
" تفسير قوله تعالى: فهم في أمر مريج " قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري في قوله عز وجل: " فهم في أمرٍ مريجٍ " قال: معناه في أمر مختلط، يقال: مرج أمر الناس أي اختلط، وأنشد:
مرج الدّين فأعددت له ... مشرف الحارك محبوك الكتد
وكذا فسر ابن عباس واستشهد بقول أبي ذؤيب: كأنه خوطٌ مريجٌ يعني سمهاً قد اختلط به الدم، ويقال: أمرجت الدابة أي رعيتها، ومرجتها: خلّيتها، قال اللّه جل وعز " مرج البحرين يلتقيان " يعني أرسلهما وخلاّهما.
قال وحدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدّثنا عبد اللّه بن ناجية قال حدّثنا محمد بن عتّاب بن موسى الواسطي العكليُّ - ولقبه سندويه - قال حدّثني أبي قال حدّثنا غياث بن إبراهيم قال حدّثنا أشعب الطامع - وهو أشعب بن جبير - قال: أتيت سالم بن عبد اللّه بن عمر وهو يقسم صدقة عمر رضي اللّه عنه، فقلت: سألتك باللّه إلاّ أعطيتني، فقال: تعطى وإن لم تسأل. وحدثني أبي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: " إنّ الرجل ليسأل حتّى يأتي يوم القيامة وما على وجهه مزعةٌ من لحم قد أخلق من المسئلة " قال غياث بن إبراهيم: وإنما كتبنا هذا الحديث عن أشعب لأنه كان عليه يحدّث به ويسأل الناس.

قال أبو بكر رحمه اللّه حدّثني أبي عن الرّستمي عن يعقوب قال: المزعة: الشيء اليسير من اللحم، والنّتفة بمنزلتها.
قال وحدثنا أبو بكر قال حدّثني محمد بن أبي يعقوب الدّينوري قال حدّثنا روح بن محمد السّكونيّ قال حدّثنا محمد بن عبد الرحمن بن راشد الرحبي قال قيل لأشعب: قد أدركت الناس، فما عدنك من العلم؟ قال حدّثنا عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: " للّه على عبده نعمتان " ثم سكت أشعب، فقيل له: وما النعمتان؟ فقال: نسي عكرمة واحدةً ونسيت أنا الأخرى.
" آخر خطبة خطبها معاوية رضي اللّه عنه " قال وحدثنا أبو بكر بن دريد قال حدّثنا أبو حاتم عن العتبي قال: كان آخر خطبة خطبها معاوية رحمه اللّه أن صعد المنبر فحمد اللّه وأثنى هليه ثم قبض على لحيته وقال: أيّها الناس، إني من زرعٍ قد استحصد، وقد طالت عليكم إمرتي حتى مللتكم ومللتموني، وتمنّيت فراقكم وتمنيتم فراقي، وإنه لا يأتيكم بعدي إلا من هو شرٌ منّي، كما لم يأتكم قبلي إلا من كان خيراً منّي، وإنه من أحبّ لقاء اللّه أحبَّ اللّه لقاءه، اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائي. ثم نزل فما صعد المنبر حتى مات.
قال وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم قال حدّثنا العتبيُّ قال: مرض معاوية رحمه اللّه، فأرجف به مصقلة بن هبيرة فحمله زيادٌ إلى معاوية وكتب إليه: إنّ مصقلة بن هبيرة يجتمع إليه مراقٌ من أهل العراق يرجفون بأمير المؤمنين، وقد حملته إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه، فوصل مصقلة ومعاوية قد برأ، فلما دخل عليه أخذ بيده وقال يا مصقلة:
أبقى الحوادث من خليل ... ك مثل جندلة المراجم
قد رامني الأعداء قب ... لك فامتنعت عن المظالم
صلباً إذا خار الرّجا ... ل أبلّ ممتنع الشّكائم
ثم جذبه فسقط، فقال مصقلة: يا أمير المؤمنين، قد أبقى اللّه منك بطشاً وحلماً راجحاً، وكلأً ومرعىً لوليّك وسمّاً ناقعاً لعدوّك، ولقد كانت الجاهلية فكان أبوك سيّداً، وأصبح المسلمون اليوم وأنت أميرهم فوصله معاوية وردّه، فسئل عن معاوية فقال: زعمتم أنه كبر وضعف، واللّه لقد جبذني جبذةً كاد يكسر منّى عضواً، وغمز يدي غمزةً كاد يحطمها! قال أبو علي أنشدنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة قال أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي لكعب الغنوىّ يقول لابنه علىّ:
أعلىّ إن بكرت تجاوب هامتي ... هاماً بأغبر نازح الأركان
وعلمت ما أنا صانعٌ ثم انتهى ... عمري وذلك غاية الفتيان
وإذا رأيت المرء يشعب أمره ... شعب العصا ويلجّ في العصيان
فاعمد لما تعنو فمالك بالذّي ... لا تستطيع من الأمور يدان
وإذا سئلت الخير فاعلم أنه ... نعمى تخصّ بها من الرّحمن
شيمٌ تعلّق بالرّجال وإنما ... شيم الرجال كهئية الألوان
" وصية رجل أعمى من الأزد لشاب يقوده وشرحها " قال وحدثنا أبو بكر بن دريد رحمه اللّه قال حدّثنا السّكن بن سعيد عن هشام بن محمد بن السائب عن أبيه قال: رأيت ببيشة رجلاً من أزد السّراة أعمى يقوده شابٌ جميلٌ وهو يقول له:يا سمىّ، لا يغرّنّك أن فسّح الشّباب خطوك، وخلّى سربك، وأرفه وردك؛ فكأنك بالكبر قد أرب ظوفك، وأثقل أوقك، وأوهن طوقك، وأتعب سوقك؛ فهدجت بعد الهملجة، ودججت بعد الدّعلجة؛ فخذ من أيام التّرفيه لأيّام الإنزعاج، ومن ساعات المهلة لساعة الإعجال؛ يابن أخي، إنّ اغترارك بالشّباب كالتذاذك بسمادير الأحلام، ثم تنقشع فلا تتمسك منها إلا بالحسرة عليها، ثم تعرّى راحلة الصّبا، وتشرب سلوةً عن الهوى؛ واعلم أن أعنى الناس يوم الفقر من قدّم ذخيرة، واشدهم اغتباطاً يوم الحسرة من أحسن سريرة.
قال أبو علي: السّرب: الطريق والوجه، قال ذو الرمة:
خلّي لها سرب أولادها وهيّجها ... من خلفها لاحق الصّقلين همهيم
والرّفه: أن تشرب الإبل في كلَّ يوم. وأرب: شدَّ، يقال: أربت العقد إذا شددته، والأربة: العقدة. وقال أبو بكر يقال: ظفت البعير أظوفه إذا دانيت بين قينيه، والقينان: موضع القيد من الوظيف.

قال أبو علي: الأوق: الثّقل، والهملجة: سرعة في المشي. قال يعقوب بن السّكيت: دجّ يدجُّ دجيجاً إذا مرَّ مرّاً ضعيفاً، قال الأصمعي: هو الدّججان، أنشد أبو علي: " تدعو بذاك الدّججان الدّارجا " قال قطرب: الدّعلجة: ضرب من المشي، والدّعلجة: الدّحرجة، والدّعلجة: الظّلمة، والدّعلج: الحمار والدّعلجة: الذهاب والمجىء، والدّعلجة: لعبة للصبيان والدّعلجة: الأكل بنهم، وأنشد " يأكلن دعلجةً ويشبع من عفا " والسمادير:ما يتراءى للإنسان في نومه من الأباطيل وما يتراءاه السكران في سكره، وقد قال بعض اللغويين: قد اسمدرّ إذا ضعف.
قال وحدّثنا أبو بكر قال حدّثنا السّكن بن سعيد عن محمد بن عبّاد قال: استعمل المهلّب يزيد على حرب خراسان، واستعمل المغيرة على خراجها ولم يوّل البحتريّ بن المغيرة بن أبي صفرة فكتب اليه:
اقر السّلام على الأمير وقل له ... إن المقام على الهوان بلاء
أصل الغدوّ الى الرواح وإنما ... أذني وأذن الأبعدين سواء
أجفى ويدعي من ورائي جالساً ... ما بالكرامة والهوان خفاء
فوجد عليه المهلب وألزمه منزله، فكتب إليه:
جفاني الأمير والمغيرة قد جفا ... وأمسى يزيد لي قد ازورّ جانبه
وكلّهم قد نال شبعاً لبطنه ... وشبع الفتى لؤمٌ إذا جاع صاحبه
فيا عمّ مهلاً وإتّخذني لنوبةٍ ... تلمّ فإن الدهر جمّ نوائبه
أنا السيف إلاّ أنّ للسيف نوبةً ... ومثلي لا تنبو عليك مضاربه
فرضي عنه وعزل المغيرة وولاّه.
قال وقرأت على أبي عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة لعمر بن أبي ربيعة:
يا ربّة البغلة الشّهباء هل لكم ... أن ترحمي عمراً لا ترهقي حرجا
قالت بدائك مت أو عشت تعالجه ... فما نرى لك فيما عندنا فرجا
قد كنت حمّلتني غيظاً أعالجه ... فإن تقدني فقد عنّيتنا حججا
حتّى لو أستطيع مما قد فعلت بنا ... أكلت لحمك من غيظٍ وما نضجا
فقلت لا والذي حجّ الحجيج له ... ما محّ حبّك من قلبي وما نهجا
ولارأى القلب من شيء يسرّ به ... مذ بان منزلكم عنّا وما ثلجا
كالشمس صورتها غراء واضحةٌ ... تغشي إذا برزت من حسنها السّرجا
ضنّت بنائها عنه فقد تركت ... من غير جرم أبا الخطّاب مختلجا
قال وحدّثني أحمد بن يحيى عن حماد بن إسحاق الموصلي عن أبيه إسحاق قال: دخل عمر بن أبي ربيعة المسجد الحرام وهو يحاصر رجلاً من قريش، فنظر إلى عائشة بنت طلحة جالسةً بفناء الكعبة، فعدلا إليها وحادثها، فقال عمر: ألا أنشدك ما قلت في موسمنا هذا؟ قالت: بلى، فأنشدها:
يا ربة البغلة الشهباء هل لك في ... أن تنشري عمراً لا ترهقي حرجا
قالت بدائك مت أو عشت تعالجه ... فما نرى لك فيما عندنا فرجا
قد كنت حملتنا ثقلاً نعالجه ... فإن تقدنا فقد عنيتنا حججا
فقالت: لا وربّ هذه البنيّة، يا أبا الخطاب، ما عنّيتنا قطّ طرفة عين.
" أطول قصيدة عينية لقيس بن ذريح وشرحها " قال أبو علي وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدنا محمد بن المرزبانّي لقيس بن ذريح وقرأت: جميعها على أبي بكر، وأنشدني أحمد بن يحيى بعضها وهي أطول كلمة لقيس:
عفا سرفٌ من أهله فسرواع ... فجنباً أريكٍ فالتّلاع الدّوافع
فغيقة فالأخياف أخياف ظبية ... بها من لبيني مخرفٌ ومرابع
لعلّ لبيني أن يحمّ لقاءها ... ببعض البلاد أنّ ما حمّ واقع
بجزعٍ من الوادي خلاءٍ أنيسه ... عفا وتخطّته العيون الخوادع
ولما بدا منها الفراق كما بدا ... بظهر الصفا الصّلد الشقوق الشوائع
تمنيّت أن تلقى لبيناك والمنى ... تعاصيك أحياناً وحيناً تطاوع
وما من حبيبٍ وامقٍ لحبيبه ... ولا ذي هوىً ألاّ له الدّهر فاجع

وطار غراب البين وانشّقت العصى ... ببينٍ كما شقّ الأديم الصّوانع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
وإنك لو أبلغتها قيلك اسلمي ... طوت حزناً وارفضّ منها المدامع
تبكي على لبنى وأنت تركتها ... وكنت كآتٍ غيّه وهو طائع
فلا تبكين في إثر شيءٍ ندامةً ... إذا نزعته من يديك النّوازع
فليس لأمرٍ حاول اللّه جمعه ... مشتٌّ ولا ما فرّق اللّه جامع
كأنك لم تغنه إذا لم تلاقها ... وإن تلقها فالقلب راضٍ وقانع
فيا قلب خبّرني إذا شطّت النّوى ... بلبني وصدّت عنك ما أنت صانع
أتصبرللبين المشتِّ مع الجوى ... أم أنت امرؤٌ ناسي الحياء فجازع
فما أنا إن بانت لبينى بهاجعٍ ... إذا ما استلّقت بالنيّام المضاجع
وكيف ينام المرء مستشعر الجوى ... ضجيع الأسى فيه نكاسٌ روادع
فلا خير في الدّنيا إذا لم تواتنا ... لبيني ولم يجمع لنا الشّمل جامعٌ
أليست لبينى تحت سقفٍ يكنّها ... وإيّاي هذا إن نأت لي نافع
ويلبسنا الليل البهيم إذا دجا ... ونبصر ضوء الصّبح والفجر ساطع
تطأ تحت رجليها بساطاً وبعضه ... أطأه برجلي ليس يطويه مانع
وأفرح إن تمسي بخيرٍ وإن لم يكن ... بها الحديث العادي ترعني الرّوائع
كأنك بدعٌ لم تر الناس قبلها ... ولم يطلّعك الدّهر فيمن يطالع
فقد كنت أبكي والنّوى مطمئنةٌ ... بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبّكم ... على كبدي منه كلوم صوادع
وأعجل للإشتفاق حتّى يشفّني ... مخافة شحط الدار والشّمل جامع
وأعمد للأرض التي من ورائكم ... ليرجعني يوماً عليك الرّواجع
فيا قلب صبراً واعترافاً لما ترى ... ويا حبّها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعه ... من النّاس ما اختيرت عليه المضاجع
ألا تلك لبنى قد تراخى مزارها ... وللبين غمٌّ ما يزال ينازع
إذا لم يكن إلا الجوى فكفى به ... جوى حرقٍ قد ضمنّتها الأضالع
أبائنةٌ لبنى ولم تقطع المدى ... بوصل ولا صرمٍ فييأس طامع
يظلّ نهار الوالهين نهاره ... وتهدنه في النائمين المضاجع
سواي فليلي من نهاري وإنما ... تقسّم بين الهالكين المصارع
ولولا رجاء القلب أن تعطف النّوى ... لما حملته بينهنّ الأضالع
له وجباتٌ إثر لبنى كأنها ... شقائق برق في السحاب لوامع
نهاري نهار الناس حتى إذا دجا ... لي اللّيل هزّتني إليك المضاجع
أقضّى نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني بالليل والهمّ جامع
وقد نشأت في القلب منكم مودّةٌ ... كما نشأت في الراحتين الأصابع
أبى اللّه أن يلقي الرّشاد متيّم ... ألا كلّ أمرٍ حمّ لا بدّ واقع
هما برّحابي معولين كلاهما ... فؤادٌ وعينٌ ماقها الدّهر دامع
إذا نحن أنفدنا البكاء عشيّةً ... فموعدنا قرنٌ من الشمس طالع
للحبّ آياتٌ تبيّن بالفتى ... شحوبٌ وتعرى من يديه الأشاجع
وما كلّ ما منّتك نفسك خالياً ... تلاقي ولا كلّ الهوى أنت تابع
تداعت له الأحزان من كلّ وجهةٍ ... فحنّ كما حنّ الظّؤار السواجع
وجانب قرب الناس يخلو بهمّه ... وعاوده فيها هيامٌ مراجع

أراك اجتنبت الحيّ من غير بغضةٍ ... ولو شئت لم تجنح إليك الأصابع
كأنّ بلاد اللّه ما لم تكن بها ... وإن كان فيها الخلق قفرٌ بلاقع
ألا إنما أبكي لما هو واقعٌ ... وهل جزعٌ من وشك بينك نافع
أحال علىّ الدهر من كلّ جانبٍ ... ودامت ولم تقلع علىّ الفجائع
فمن كان محزوناً غداً لفراقنا ... فملآن فليبكي لما هو واقع
قال أبو علي: سرفٌ وسراوع وأريكٌ: مواضع. والتّلاع: واحدها تلعة وهومسيل ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي، فإذا صغرت التّلعة فهي شعبة، فإذا عظمت التلعة حتى تصير مثل نصف الوادي أو ثلثيه فهي ميثاء، فإذا عظمت فوق ذلك فهي ميثاء جلواخٌ. والدوافع: جمع دافعة وهي التي تدفع الماء. وأخياف ظبية: موضع. والمخرف: المنزل الذي يقيم فيه في الخريف، وجمعه مخارف. والمربع: المنزل الذي يقيم في الربيع، وجمعه مرابع. ويحمّ: يقدّر.
وجزع الوادي: منعطفه، وكذلك صوحه ومنحناه ومنثناه. وعفا: درس. والخوادع واحدها خادعة: وهي التي لا تنام، يقال: خدعت عينه تخدع إذا لم تنم، وأتيناهم بعد ما خدعت العين، وقال الممّزق:
أرقت فلم تخدع بعيني نعسةٌ ... ومن يلق ما لاقيت لا بدّ يأرق
أراد: من يلق ما لاقيت يأرق على المجازاة لا بدّ، وقال الأصمعي: خدع الرّيق: نقص، وإذا نقص خثر. وإذا خثر أنتن، قال سويد بن أبي كاهل:
أبيض الّلون لذيذاً طعمه ... طيّب الريق إذا الرّيق خدع
ويروى في الحديث: " إنّ قبل الدّجّال سنين خدّاعةً " يرون أن معناها ناقصة الزكاة والصّفا: الصخرة. والصّلد: الصّلب الذي إذا أصابه شيء صلد أي صوّت. والشّوائع: جمع شائعة وهي الظاهرة وقوله: وانشقّت العصا أي تفرقت الجماعة، والعصا: الجماعة. وارفضّ يرفضّ ارفضاضاً إذا سال ولا يكون إلا سيالاً مع تفرّق. ومشتٌّ: مفرقٌ. وشطّت: بعدت والنّوى: النية. والمستشعر: الذي لبس شعاراً وهو الثوب الذي يلي الجسد. والجوى: الهوى الباطن والأسى: الحزن، يقال: أسى يأسى أسىً. ونكاسٌ جمع نكسٍ مثل ترسٍ وتراسٍ، وقرطٍ وقراطٍ. وروادع: جمع رادعة: وهي التي تردعه عن الحركة والتصرّف. ودجا: ألبس بظلمته كلّ شيء. والبساط: الأرض الواسعة، والبساط: ما بسط من الفرش وترعني: تفزعني. والمدى: الغاية. والصّرم: القطيعة والصّريمة: القطعة تنقطع من معظم الرمل والصّريمة: العزيمة التي قطع عليها صاحبها، والصّريم: الصبح سّمي بذلك لأنه انصرم عن الليل، والصّريم: الليل لأنه انصرم عن النهار وليس هو عندنا ضدّاً، والصّرمة: القطعة من الإبل، وسيف صارم: قاطع. وتهدنه: تسكنه. ووجباتٌ: خفقاتٌ. والمأق من العين: الجانب الذي يلي الأنف. واللّحاظ: الذي يلي الصّدع. والآيات: العلامات واحدتها آية. وشحوب: هزالٌ. والأشاجع: عروق ظاهر الكفِّ، واحدتها أشجع. والظّؤار: جمع ظئر وهي التي عطفت على ولد غيرها. والسواجع: واحدتها ساجعة وهي التي تمدّ حنينها على جهة واحدة، يقال: سجعت تسجع سجعاً. والهيام: داء يأخذ البعير مثل الحمّى، فيسخن جلده ويكثر شربه للماء وينحل جسمه، يقال: بعير هيمان، وإبلٌ هيامٌ كقولك عطشان وعطاش، وناقة هيمى.
قال وقرأت على أبي بكر بن دريد رحمه اللّه لحاتم بن عبد اللّه:
أكفُّ يدي عن أن ينال التماسها ... أكفَّ صحابي حين حاجاتنا معا
أبيتٌ هضيم الكشح مضطمراً الحشا ... من الجوع أخشى الذّم أن أتضلّعا
وإني لأستحي رفيقي أن يرى ... مكان يدي من جانب الزاد أقرعا
وإنك إن أعطيت بطنك سؤله ... وفرجك نالاً منتهى الذّم أجمعا
" دعاء أعرابي عشية عرفة بالموقف "

قال أبو علي رحمه اللّه وحدثنا أبو بكر بن البستنبان قال حدّثنا أبو يعلى عن الأصمعي قال: شهدت أعرابياً عشية عرفة بالموقف فسمعته يقول: اللهم إن هذه العشّية من عشايا منحتك، وأحد أيام زلفتك؛ فيها يقضّ إليك بالهمم، بكل لسان تدعى، وكلُّ خيرك فيها يبغى؛ أتتك الضّوامر من الفجّ العميق، وجابت إليك المهارق من شعب المضيق؛ ترجو ما لا خلف له من وعدك، ولا متّرك له من عظيم أجرك، أبرزت إليك وجوهها المصونة صابرةً على لفح السّمائم، وبرد ليل التمائم، ليدركوا بذلك رضوانك؛ ثم انتخب وبكى ورفع يدبه وطرفه إلى السماء، ثم أنشأ يقول: إلهي إن كنت مددت يدي إليك داعياً، فطالما كفيتني ساهياً، نعمتك تظاهرها علىّ عند القفلة، فكيف أياس منها عند الرّجعة؛ ولا أترك رجاءك لما قدّمت من اقتراف آثامك، وإن كنت لا أصل إليك إلا بك؛ فهب لي يا ربّ الصّلاح في الولد، والأمن في البلد، وعافني من شرّ الحسد، ومن شرّ الدّهر النّكد.
قال وحدثنا أبو يعلي عن الأصمعي قال حدّثنا محمد بن عبد اللّه المزني عن أبيه عن بلال بن سعد قال: قضى سعد بن أبي وقاص لحرقة بنت النّعمان حاجةً سألته إياها، فكان من دعائها له: لا جعل اللّه لك إلى لئيم حاجةً، ولا أزال لك عن كريم نعمة، ولا زالت عن عبد صالح نعمةٌ إلا جعلك سبباً لردّها.
" ما كان ينشده عمر بن عبد العزيز من شعر عبد اللّه القرشي " وحدثنا أبو بكر بن دريد عن بعض أشياخه قال كان عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه كثيراً ما ينشد شعر عبد اللّه بن عبد الأعلى القرشي:
تجهّزي بجهازٍ تبلغين به ... يا نفس قبل الرّدى لم تخلقي عبثاً
وسابقي بغتة الآجال وانكمشي ... قبل اللّزام فلا منجى ولا غوثاً
ولا تكدّي لمن يبقى وتفتقري ... إنّ الرّدى وارث الباقي وما ورثا
واخشي حوادث صرف الدّهر في مهلٍ ... واستيقني لا تكوني كالذي انتجا
عن مديةٍ كان فيها قطع مدّته ... فوافق الحرث موفوراً كما حرثا
لا تأمني فجع دهرٍ مورطٍ خبلٍ ... قد استوى عنده ما طاب أو خبثا
يا ربَّ ذي أملٍ فيه على وجلٍ ... أضحى به آمناً أمسى وقد جئثا
من كان حين تصيب الشمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشّين والشّعثا
ويألف الظّلّ كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا
قي قعر موحشةٍ غبراء مقفرةٍ ... يطيل تحت الثّرى في رمسها اللّبثا
قال الكسائي: جئث الرجل جأثاً فهو مجؤث، وجثَّ جثاً فهو مجثوث، وزئد زؤداً وزءوداً فهو مزءود، قال أبو كبير الهذليّ:
حملت به في ليلة مزءودة ... كرهاً وعقد نطاقها لم يحلل
وقال أبو زيد: شئف شأفاً فهو مشئوف إذا فزع. وقال غيره: الوهل: الفزع. والإجئلال مثل الاجعلال: الفزع، وأنشد:
للقلب من خوفه اجئلال
وقال أبو عمرو: أذأب فهو مذئبٌ إذا فزع. وقال الفراء: وترته بغير همز إذا أفزعته، وقال الأصمعي: والعلة: الذي يستخفٌ فيذهب ويجئ من الفزع. وقال أبو عمرو: ضاعني الشيء: أفزعني، قال أبو علي: والضّوع عندي: الحركة من فزع كان أو غيره، قال الشاعر - وهو أبو ذؤيب الهذلي - :
فريحان ينضاعان في الفجر كلّما ... أحسّا دويّ الرّيح أو صوت ناعب
ومنه قيل: تضوّع المسك أي تحرّك ريحه. وقال غبره: الإفزاز: الإفزاع، وأنشد لأبي ذؤيب:
والدّهر لا يبقى على حدثانه ... شببٌ أفزتّه الكلاب مروّع
قال أبو علي: الشّبب والشّبوب والمشبّ: المسنّ من الثيران، قال: والافزار عندي: الأستخفاف، وأفزّته: استخفّته، ومنه قيل لولد البقرة: فزّ، لأنه يستخفّه كلّ شيء رآه أو أحسّ به. قال أبو زيد يقال: أخذني منه الأزيب أي الفزع.
" مراثٍ لبعض الشعراء " وقرأت على أبي عمر في نوادر ابن الأعرابي عن ابن الأعرابي هذه الأبيات:
أين خليلي الذي أصافيه ... قد بان عنّي فما ألاقيه
حلّ برمسٍ فما يكلّمني ... شغلاً وإن كنت قد أناديه
قد كان براًّ فكيف أجفوه ... أيام يدني وكنت أدينه

يا بعد من حلّ في الثرى أبداً ... عنك وإن حلّ حيث تأتيه
أيام نلهو وبيننا أمدٌ ... نرجوه فيه وقد يرجّيه
يبسطني مرّةً ويوعدني ... فضلاً طريفاً إلى أياديه
أيام إن قلت قال في سرعٍ ... وإن كرهنا بدا تأبّيه
مساعدٌ مونقٌ أخو كرمٍ ... فليس شبهٌ له يدانيه
إذ نحن في سلوةٍ وفي غفلٍ ... عن ريب دهرٍ دعت دواعيه
وقرأت على أحمد بن عبد اللّه عن أبيه:
أبكي أخاً كان يلقاني بنائله ... قبل السّؤال ويلقى السيف من دوني
إن المنايا أصابتني مصائبها ... فاستعجلت بأخٍ قد كان يكفيني
وقرأت عليه أيضاً عن أبيه وأنشدنا أبو بكر بن دريد أيضاً:
أيغسل رأسي أو تطيب مشاربي ... ووجهك معفورٌ وأنت سليب
سيبكيك من أمسى يناجيك طرفه ... وليس لمن وارى التراب نسيب
وإني لأستحي أخي وهو ميتٌ ... كما كنت أستحييه وهو قريب
وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري رحمه اللّه قال حدّثني أبي عن بعض أصحابه عن الأصمعي قال: رأيت امرأة جالة عند قبر تبكي وتقول:
هل خبّر القبر سائليه ... أم قرّ عينا بزائريه
أم هل تراه أحاط علماً ... بالجسد المستكنّ فيه
لو يعلم القبر من يواري ... تاه على كلّ ما يليه
تحلو نعم عنده سماحاً ... ولم تدر قطّ لا بفيه
أنعى بريداً لمعتفيه ... أنعى بريداً لمجتديه
أنعى بريداً إلى حروب ... تحسر عن منظرٍ كريه
أندب من لا يحيط علماً ... بكنهه بلغ نادبيه
يا جبلاً كان ذا امتناع ... وطود عزٍّ لمن يليه
ونخلةً طلعها نضيدٌ ... يقرب من كفّ مجتنيه
ويا مريضاً على فراشٍ ... تؤذيه أيدي ممرّضيه
ويا صبوراً على بلاءٍ ... كان به اللّه يبتليه
يا دهر ماذا أردت منّي ... أخلفت ما كنت أرتجيه
دهرٌ رماني بفقد إلفي ... أشكو زماني وأشتكيه
آمنك اللّه كلّ روعٍ ... وكلّ ما كنت تتّقيه
" ما يقال لمن يصلح المال على يديه " قال الفراء يقال: إنه لترعيّة مال إذا كان يصلح المال على يديه ويحسن رعيته، والتّرعيّة: الحسن القيام على المال والرّعى له، وأنشد:
ترعيّة قد ذرئت مجاليه ... يقلى الغواني والغواني تقليه
وقال يعقوب: تُرعيّة وتِرعيّة بضم التاء وكسرها، قال ويقال للراعي الحسن الرّعية للمال: إنه لبلوٌ من أبلائها، قال عمر بن لجأ:
فصادفت أعسل من أبلائها ... يعجبه النّزع على ظمائها
وإنه لعسلٌ من أعسالها، وإنه لزرٌّ من أزرارها. ويقال: إن لفلان على ماله إصبعاً أي أثراً حسناً، قال الراعي:
ضعيف العصا بادي العروق ترى له ... عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا
أي يشار إليها بالأصابع إذا رؤيت. ويقال: إنه لخال مالٍ. وخائل مالٍ إذا كان حسن القيام عليه.
وإنه لسرسور مالٍ. وإنه لصدى مالٍ. وإنه لسؤبان مال. وقال أبو عمرو: وإنه لمحجن مال، وأنشد:
قد عنّت الجلعد شيخاً أعجفا ... محجن مالٍ أينما تصرفّا
الجلعد: الناقة الشديدة، ويقال للمرأة إذا أسنّت وفيها قوّة: إنها جلعد. ويقال: هو إزاء مالٍ، وإزاء معاش إذا مان يقوم به قياماً حسناً، وقال حميد بن ثور الهلالي:
إزاء معاشٍ لا يزال نطاقها ... شديداً وفيها سورةٌ وهي قاعد
أي وثوب وارتفاع، ويروي: وفيها سؤرة أي بقيّة من شبابٍ. وقال الأصمعي في قول زهير ابن أبي سلمى:
تجدهم على ما خيّلت هم إزاؤها ... وإن أفسد المال الجماعات والأزل
أي هم الذين يقومون بها المقام المحمود. وأنشدنا أبو عبد اللّه ابراهيم بن محمد بن عرفة للعتبي:
ينام المسعدون ومن يلوم ... وتوقظني وأوقظها الهموم
صحيحٌ بالنهار لمن يراني ... وليلي لا ينام ولا ينيم

كأن الليل محبوسٌ دجاه ... فأوله وآخره مقيم
لمهلك فتيةٍ تركوا أباهم ... وأصغر مابه منهم عظيم
يذكّرنيهم ما كنت فيه ... فسيّان المساءة والنعيم
فبالخدين من دمعي ندوب ... وبالأحشاء من وجدي كلوم
فإن يهلك بنيّ فليس شيءٌ ... على شيءٍ من الدنيا يدوم
قال وأنشدني إسحاق بن الجنيد قال أنشدني أحمد الجوهري:
واحزني من فراق قومٍ ... هم المصابيح والحصون
والأسد والمزن والرّواسي ... والخفض والأمن والسكون
فكل نارٍ لنا قلوبٌ ... وكل ماء لنا عيون
" قصيدة فارعة بنت شداد ترثي أخاها - وقيل أنها لعمرو بن مالك وقيل لأبي الطحمان - وشرحها " وأملى علينا علي بن سليمان الأخفش قال قال عمرو بن مالك بن يثربي يرثي مسعود بن شداد قال وقال يعقوب: هي لأبي الطحمان القيني ثم شبك، قال والصحيح أنها لعمرو، وقد قالوا: إنها لأمراة من جرم، وإنما وقع الخلاف ها هنا.
قال أبو علي وقرأتها على أبي عمر المطّرز عن أبي العباس عن ابن الأعرابي لفارعة بنت شدّاد ترثي أخاها مسعود بن شداد - وفي الروايتين اختلاف وتقديم وتأخير وزيادة ونقصان - ورواية أبي الحسن على الأخفش أتمّ، وهي هذه الأبيات:
يا عين بكّى لمسعود بن شدّاد ... بكاء ذي عبراتٍ شجوه بادي
من لا يذاب له شحم السّديف ولا ... يجفو العيال إذا ماضنّ بالزّاد
ولا يحلّ إذا ما حلّ منتبذاً ... يخشى الرّزيّة بين الماء والباد
قال أبو علي: لم يرو هذا البيت ولا الذي قبله ابن الأعرابي، ويروى: معتنزاً مكان منتبذاً وهما سواء، وقال لنا أبو الحسن الأخفش وحفظي والنادي:
قوّل محكمةٍ نقّاض مبرمة ... فتّاح مبهمة حبّاس أوراد
وروى ابن الأعرابي: فرّاج مبهمة.
حّلال ممرعةٍ فراج مفظعةٍ ... حمّال مضلعة طلاّع أنجاد
قتّال طاغيةٍ رّباء مرقبةٍ ... منذاع مغلبة فكّاك أقياد
وروى ابن الأعرابي:
قتّال طاغيةٍ نحّار راغيةٍ ... حلاّل رابيةٍ... ... ... ...
حمّال ألويةٍ شدّاد أنجية ... سدّاد أوهيةٍ فتّاح أسداد
وروى ابن الأعرابي: " شهّاد أنجية رفّاع ألوية " وزاد هاهنا بيتين وهما هذان:
جمّاع كلّ خصال الخير قد علموا ... زين القرين ونكل الظالم العادي
أبا زرارة لا تبعد فكلّ فتىً ... يوماً رهين صفيحاتٍ وأعواد
هلاّ سقيتم بني جرمٍ أسيركم ... نفسي فداؤك من ذي كربةٍ صادي
نعم الفتى ويمين اللّه قد علموا ... يخلو به الحيّ أو يغدو به الغادي
هو الفتى يحمد الجيران مشهده ... عند الشّتاء وقد همّوا بإخماد
الطّاعن الطّعنة النّجلاء يتبعها ... مثعنجرٌ بعد ما تغلى بازباد
والسّائي الزّقّ للأصحاب إذ نزلوا ... إلى ذراه وغيث المحوج الجادي
لاه ابن عمّك لا أنساك من رجلٍ ... حتى يجيء من القبر ابن مياّد
قال أبو الحسن ويروي:
لاه ابن عمك لا أنسى ابن شداد ... حتى يجيء من الرّمس... ... ...
ويروى:
لاه ابن عمك لا أنساك يا رجلاً ... حتى يجيء الّرمس... ... ...
إنّي وإياهم حتّى نصيب به ... منهم أخا ثقةٍ في ثوب حدّاد
لم يرو ابن الأعرابي من قوله: أبا رارة إلى هذا البيت إني وإياهم، وروى:
يا من يرى بارقاً قد بتّ أرمقه ... يسري على الحرّة السّوداء فالوادي
ويروى: قد بتّ أرقبه، وروى ابن الأعرابي: جوداً على الحرّة السوداء، وأتبع هذا البيت البيت الذي هو أوّل القصيدة:
برقاً تلألأ غوريّاً جلست له ... ذات العشاء وأصحابي بأفناد
بتنا وباتت رياح الغور تزجله ... حتى استتتب تواليه بأنجاد
ألقى مراسي غيثٍ مسبلٍ غدقٍ ... دانٍ يسحّ سيوباً ذات إرعاد
أسقى به قبر من أعني وحبّ به ... قبراً إليّ ولمّا يفده فادي

قال أبو علي: السديف: شحم السنام وهو أجود شحم البعير، يقول: لا يستأثر به دون ضيفه وعياله. والمعتنز والمنتبذ: المتنحي المنفرد. وقوله بين الماء والبادي يعني بين الحضر والبدو، فأما النادي والنديّ فالمجلس. قوّال محكمة يعني خطبة أو قصيدة. والمبرمة: الأمور التي قد أبرمت أي أحكمت. وقوله: قتّال طاغية، قال أبو علي قال أبو الحسن: الهاء في طاغية للمبالغة، وإنما أراد طاغياً. وربّاء: فعّال من قولهم ربأ للقوم يربأ إذا صار لهم ربيئةً أي ديدبانا. والأنجية: القوم يتناجون أي يتسارون، واحدهم نجيٌّ. والنكل: القيد، وجمعه أنكال: والصادي: العطشان هاهنا. قال أبو الحسن: قوله همّوا بإخماد، يقال: خمدت النار إذا سكن لهبها، ولم يطفأ جمرها، وهمدت إذا طفئ جمرها. قال أبو علي ومنه قيل: همد الرجل إذا مات، وهمد الثوب إذا أخلق فلم يكن فيه مرقع، وإنما قال: وقد همّوا بإخماد أي همّوا بأن يطفئوا لهب نيرانهم لئلا يبصرها بالليل المتنور فيأتيهم للقرى. والنجلاء: الواسعة. قال أبو الحسن: المثعنجر: الدم الكثير. قال: والسابئ: المبتاع للخمر، يقال: سبأت الخمر أسبؤها سبأ إذا اشتريتها، قال أبو علي: ولا يكون السّباء إلا في الخمر وحدها. والجادي: السائل والمعطي وهو من الأضداد، قال الشاعر:
جدوت أناساً موسرين فما جدوا ... ألا اللّه فاجدوه إذا كنت جاديا
قال أبو الحسن قوله: ثوب حدّاد يعني ثوبٍ وسخ. والبارق: السحاب الذي فيه برق. والغور: تهامة. والجلس: نجدٌ، وجلسنا أتينا الجلس، وأنشدني أبو بكر بن دريد رحمه اللّه تعالى:
إذا ما جلسنا لا تزال ترومنا ... تميمٌ لدى أبياتنا وهوزان
قال أبو الحسن أفناد: موضع. كذا أنشدناه تزجله أي تدفعه، ولا أحسب هذا محفوظاً، وإنما هو تزجله أي تدفعه. قال أبو الحسن استتبّ تهيّأ والتأم. وأنجاد: جمع نجدٍ.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5