responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مصطلحات الفقه المؤلف : المشكيني، الشيخ علي    الجزء : 1  صفحة : 558


مقدمة:

بِسْمِ اَللََّهِ اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ‌

تشتمل على أمور:

الأمر الأول: ان الفقه في اللغة الفهم،

أو التوصل الى علم غائب بعلم شاهد و في اصطلاحنا معاشر العلماء الإمامية، قيام الحجة عند القادر على الاستنباط، على الأحكام الشرعية الفرعية، أو الوظائف العقلية الدينية، أو موضوعاتها الاستنباطية.

و الحجة أعم من العقلية كالعلم الحاصل للفقه بالنسبة لبعض الأحكام، و الشرعية كاخبار العدل و الثقة عن الحكم الشرعي الفرعي كما في أغلب موارد الفقه و العقلائية، كظواهر الألفاظ، و سيرة العقلاء، و الأحكام الشرعية أعم من التكليف و الوضع.

و الوظائف العقلية، كحكم العقل بالبراءة و التخيير العقليين، و حجية الظن في بعض الحالات، و الحكم المستفاد منه في بعض الأحيان و الموضوعات، كأكثر العبادات المخترعة من جانب الشارع لو لا جميعها و غير العبادات مما يفتقر الى التحقيق.

و منه ما يعلم ما في التعريف المشهور، و هو انه العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعية عن أدلتها التفصيلية، فان حصر الفقه بالعلم و إخراج سائر الحجج، و حصر المعلوم بالأحكام و إخراج الموضوعات و بالأحكام الشرعية و إخراج العقليات غير سديد.

و الظاهر ان حدوث هذا الاصطلاح للفقه، منذ صدور الفتوى من الأصحاب على صورة الكتب الفتوائية المؤلفة بنحو الفقه المأثور، كأغلب كتب الأقدمين أو على نحو التفريع كالمبسوط و الشرائع و نحوهما.


الأمر الثاني: ان الفقه من أشرف العلوم و أعلاها و أفضلها و أغلاها،

و هو نصف الدين و فروعه، في مقابل نصفه الآخر الذي هو أصوله، و هو عبارة عن أحكام كليّة إلهية تتعلق باعمال العباد الجوارحية كما ان الأصول أحكام كليّة تتعلق بمدركات القلب و اعماله الجوانحية.

و هذه الأحكام لها الشرف و الفضيلة بعد أصول الدين و المكانة العليا و الخطر العظيم، لكونها أحكاما كلية سماويّة أنشأها الرب تعالى و اخترعها، أعلمها ملائكته، و أوحاها الى أنبيائه و رسله، و أمرهم بإبلاغها الى جميع خلقه، و جعلها برامج عملية لعامة عباده، طيلة حياتهم الدنيوية، و أنشأها بملاكات و مصالح تتضمن صلاح دنياهم، على نحو لو أطاعوه بامتثالها حق الطاعة و راعوها في مرحلة الطاعة حق الرعاية، تبدلت دنياهم هذه الدنية، مدينة فاضلة إنسانية، و هي في نفس الوقت تتكفل سعادة آخرتهم و عقباهم، يشهد بذلك كله لحاظ عموم أحكامها، و شمول ابعادها، فقد أحاطت أوامرها و نواهيها تكليفها و وضعها حلالها و حرامها، بجميع ما يمكن ان يصدر من الإنسان من فعل و ترك و حركة و سكون، فشملت و احتوت فنون الطاعات و العبادات على اختلاف حقائقها، و وظائف الإنسان على اختلاف شؤونها، مما يرجع الى لحاظ حال كل فرد بنفسه و كيفية عشرته مع أسرته و عائلته و معاشرته مع مجتمعة و بني نوعه، من الرجال و النساء و غير ذلك.

الأمر الثالث: ان الأصحاب قد قسموا الفقه الى أبواب تنوف على ستين بابا

و سمّوا كل باب منها كتابا و جرت سيرتهم في الغالب على جعل الطهارة أول الكتب، و الديات آخرها، من دون تعرض الى ملاك الترتيب و التنظيم.

نعم المحقق صاحب الشرائع (قده) أدرج تلك الكتب تحت عناوين أربعة و حصرها فيها و هي: العبادات، و العقود، و الإيقاعات، و الأحكام، و هذا إشارة إجمالية منه (قده) إلى كيفية تنظيم الكتب الفقهية و تبويب أبوابها و ان كان غير خال عن النقص و الخلل.

و وجّه هذا الحصر العلامة (قده) في الإرشاد بأن المبحوث عنه في الفقه، اما ان يتعلق‌


بالأمور الأخروية أو الدنيوية، فإن كان الأول فهو عبادات، و ان كان الثاني، فلا يخلو اما ان يفتقر إلى عبارة أو لا، فان لم يفتقر فهو الأحكام كالديات و القصاص و الميراث، و ان افتقر فاما من الطرفين أو من طرف واحد، فان كان الثاني فهو الإيقاعات، كالطلاق و العتق و ان كان الأول فهو العقود و يدخل فيه المعاملات و النكاح انتهى.

هذا و أنت خبير بما في هذا البيان فان فيه:

أولا: ان الإتيان بمصاديق غير الأول بقصد التقرب يجعلها عبادة مع انها غير مندرجة في الأول.

و ثانيا: انه قد عد الجهاد و الأمر و النهي من العبادات، مع انها ليست من العبادات بالمعنى المراد فيها.

و ثالثا: انه لم يذكر الكفارات من العبادات مع انها منها، و ذكرها المحقق في الإيقاعات.

و رابعا: ان العقود المعاطاتية لا تحتاج إلى عبارة فاللازم إدراجها في الأحكام.

و خامسا: ان الإقرار يحتاج إلى العبارة من طرف واحد و ليس من الإيقاعات بالمعنى المراد بها.

و سادسا: ان الأمور المذكورة في القسم الأخير موضوعات بحسب الغالب فتسميتها أحكاما غير صحيح الى غير ذلك.

و بالجملة لم ينظم الأصحاب أبواب الفقه و كتبه نظما يقتضيه حال العلم و لم يسلكوا فيه سبيلا يرتضيه الذوق السليم و لم نر لغير المحقق الأول ممن تقدمه أو تأخر عنه تعرضا لذلك بل الظاهر من حالهم عدم الاعتناء بشأن هذا الأمر.

نعم أشار الى مسألة التقسيم و التبويب و عدم صحته المحقق الشهيد مرتضى المطهري (قده) في بعض كتبه الفارسية و ذكر المحقق الشهيد محمد باقر الصدر (قده) تقسيما خاصا أدرج فيه الكتب تحت سبعة عناوين، لكنه لم يذكر كيفية إدراج الأبواب تحت العناوين.


و كيف كان الاولى عندنا إدراجها تحت العناوين الستة التالية و ذلك لان الفقه الذي ذكرنا انه برنامج حياتي جامع لنوع الإنسان، قد لوحظ فيه حالهم على اختلاف عقولهم و اختلاقهم و شعوبهم و سيرهم و ألوانهم و ألسنتهم و أعصارهم و أمكنتهم و غير ذلك مما هم عليه فوضع اللّه تعالى دينا كافلا لاحكام أمورهم و وظائف شاملة لعامة أعمالهم و أفعالهم.

فمقتضى التأمل و التعمق في تلك الجهات تقسيم الأحكام على ما يناسب صنوف المجتمع و يوافق شؤونهم، فكان من اللازم:

أولا-ان يلاحظ حال كل من افراد المجتمع بنفسه و شخصه، و يبحث عن الأحكام المجعولة له في الشريعة فسمينا هذه الأحوال بالشؤون الفردية و ناسب ان يندرج فيها الكتب الفقهية التالية:

المياه-التخلي-النجاسات و المطهرات-الأواني-الايمان-النذور-العهود-الأطعمة و الأشربة.

فان الكتب المذكورة موضوعة لبيان حال الفرد و وظائفه المجعولة له من عند ربّه و ان كان لبعضها مقدميّة أو نوع مساس لأبواب أخر.

و ثانيا-ان يلاحظ حاله مع ربّه فيما ينبغي له الانقياد و الخضوع له تعالى وجوبا أو استحبابا على نحو الوظيفة الخاصة، فسمينا هذه الأحوال بالعبادات و لزم ان يندرج فيه الكتب التالية:

الطهارات الثلاث-الصلاة-الصوم-الاعتكاف-الحج و العمرة-الكفارات.

و المراد بها هنا العبادة بالمعنى الأخص، أعني ما يكون قصد القربة فيه شرطا في صحته، دون المعنى الأعم و هو ما يكون القصد شرطا لكماله.

و ثالثا-ان يلاحظ حاله مع عائلته و أسرته و أرحامه و أقاربه و قد سمينا هذه الأحوال بالشؤون العائليّة فناسب ان يندرج فيه الكتب التالية:

النكاح-الطلاق-تجهيز الأموات-الإرث.


و رابعا-ان يلاحظ حاله بالنسبة لدنياه و أموالها و ما رخص له حيازته، و أبيح له اكله و التصرف فيه لحفظ حياته، و سميناه على نحو المسامحة بالأموال الفردية الشخصية تحصيلا و تصرفا و ناسب ان يندرج فيها الكتب التالية:

إحياء الموات-الصيد-الذباحة-اللقطة-التكسب-البيع-الإجارة-الصلح- الجعالة-الرهن-المضاربة-الشركة-المزارعة-المساقاة-الضمان-الحوالة-الكفالة- الوكالة-الوديعة-العارية-الوقف-الهبة-السكنى و أختاها-الوصية-الغصب.

و المراد بالأموال الفردية في هذا القسم، كل ما يتعلق بشخص المكلف تحصيلا و تصرفا و تبديلا و إتلافا، في مقابل الأموال العامة التي تتعلق بعناوين كليّة، كالناس و الفقراء، أو بجهات عامة، فان حكم هذه الأموال مذكور لمناسبة خاصة في باب الزكاة و الخمس و الأنفال التابعة له، و الكل داخل تحت عنوان الولاية.

و خامسا: ان يلاحظ حاله بالنسبة لوليّ أمره و الحاكم عليه و على مجتمعة و قد سميناه بالولايات و يندرج فيه الكتب التالية:

الجهاد-الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر-الخمس-الزكاة-الحجر-السبق و الرماية.

فإن عمدة البحث في هذه الكتب راجعة الى ما هو للوالي من وجوب طاعته و تسلطه على النفوس و الأموال العامّة و الى الأحكام و الوظائف المجعولة للناس بالنسبة للوالي و الأموال العامة.

و لأجل ذلك رجحنا إدراج كتاب الخمس و الزكاة تحت عنوان الولاية على إدراجها في العبادات.

ثم انا لم نجعل حال المكلف مع مجتمعة عنوانا مستقلا فان روابطه معهم اما في المعاملات و التجارات و اما في الزواج و المصاهرات و اما في الاشتراك في الحروب و الغزوات و ما أشبه ذلك و قد ذكر أحكام كل منها تحت عنوانه المناسب له كالأموال و الشؤون العائلية و الولايات، و تركنا إيراد بعض الكتب الفقهية كالعتق و الظهار لعدم الابتلاء به فعلا.


الأمر الرابع: ذكر الأصحاب ان مدارك الفقه و مصادره الأولية المعبر عنها بالأدلة التفصيلية ثلاث:

الكتاب و السنة و العقل، و اللازم ان نشير إلى حقائقها و شؤونها بما يناسب حال الكتاب و يتوقف عليه مسائل الفقه و يتبين به موارد الخلاف فيها بين الفريقين.

فنقول‌

أما الكتاب‌

فالمراد به نصوصه و ظواهره و لا ريب في حجيتها لكل عارف بلغة العرب قادر على درك ظواهرها و فهم معانيها فله استنباط الحكم منها و العمل بما استنبطه مع اجتماع سائر شرائط الاجتهاد.

و القول بعدم حجية ظواهره لوقوع التحريف فيه أو لجهة أخرى شطط من الكلام و عدول عن الحق و سبب لحرمان البشر عن خير دنياه و سعادة عقباه.

و أما السنة:

فهي مورد وفاق بين الفريقين من جهة، و مورد خلاف من اخرى، أما الأولى فإنه لا إشكال في انّ حقيقة السنة عند الفريقين عبارة عن الكلام الصادر عن النبي الأعظم بعنوان الإخبار عن اللّه تعالى و إبلاغ دينه و بيان ما أنزل إليه و لا تطلق على غير ما صدر عنه صلّى اللّه عليه و آله و ليس لغيره صلّى اللّه عليه و آله سنة بعنوان النقل عن اللّه تعالى و الوحي من قبله.

و أمّا الثانية ففي طريق وصولها إلى من لم يدرك حياته صلّى اللّه عليه و آله بواسطة أو وسائط، فلكل فريق طريق، و بين الطريقين عموم من وجه و ان كان مورد الاجتماع قليلا جدا بالنسبة إلى ما افترقا فيه و ذلك ان السنة عند أهل السنة هي الأحاديث الخاصة المحدودة التي ألقاها النبي الأعظم إلى أصحابه في مقام بيان دينه طيلة حياته و هي 23 سنة بعد بعثته و انتقلت منهم إلى من بعدهم متسلسلة بوسائط معينة تخالف في الغالب وسائط رواتها عند الشيعة كما ستعرف مع اعترافهم بأنها غير وافية بجميع ما تحتاج إليه الأمة مما لم يعلم حكمه من الكتاب و لا سيما في الأعصار المتأخرة و لذلك احتاجوا إلى التمسك بذيل القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و نحوها.

و أما السنة عند الشيعة الإمامية فلها وضعها الخاص في سيرها التاريخي منذ صدرت عن النبي الأكرم إلى يومنا هذا و ذلك لطول عمر النبي صلّى اللّه عليه و آله عندهم و صدور أكثر ما تحتاج‌


إليه الأمة عنه صلّى اللّه عليه و آله و وصوله إلى الرواة بعده و ذلك لان النبي صلّى اللّه عليه و آله و ان ارتحل عن الدنيا بما انه نبي يأتيه الوحي و يخبر عن اللّه تعالى إلا أنه لم يمت بما انه حجة من عند اللّه على خلقه و عنده ما نزل به الروح الأمين و بما انه إمام الخلق و ولي أمرهم بل كان هو حيا بهذه العناوين ظاهرا عند الناس إلى زمان ارتحال الإمام العسكري و غائبا عن أنظارهم بعده، و على هذا فطول عمر النبي الأقدس من حين بعثته إلى زمن غيبته مائة و ثلاث و سبعون سنة، فكلما ما حدّث به صلّى اللّه عليه و آله من العلوم و الشرائع و أصول الدين و فروعه، و سمعه الناس و تلقوه منه في هذه المدة، فهو دين اللّه و شريعته و نفس ما أوحاه إلى نبيه صلّى اللّه عليه و آله يطابق اللوح المحفوظ و يطابقه اللوح المحفوظ و ان اختلفت النسبة حال نبوته و إمامته فإنه صلّى اللّه عليه و آله علة محدثة له في الأولى مبقية له في الثانية، و الثابت من الأدلة انه لم يبق شي‌ء من العلوم و المعارف الدينية التي تحتاج إليها الأمة إلى يوم القيامة إلا و قد أوحاها اللّه إلى رسوله صلّى اللّه عليه و آله عندما كان رسولا نبيا بشهادة إكمال الدين و إتمام النعمة و بقي عنده و لم ينقص منه شي‌ء عند ما كان إماما إلى ان غاب عن انظار الناس و ان حرم الناس عن تعلم الجميع لموانع حدثت، فالصادر عن المعصوم عند العامة الذي تلقاه رواتهم ما صدر عنه في مدة ثلاث و عشرين سنة و الصادر عنه عند الخاصة ما صدر عنه و تلقاه رواتنا في مدة مائة و ثلاث و سبعين سنة، فما أعظم الفرق و أكثر الاختلاف في السنة بين الفريقين في كمّها و كيفها.

هذا مضافا إلى ما حدث بعد ارتحال النبي صلّى اللّه عليه و آله من حادثة عجيبة ابتليت بها السنة عند القوم فأورثت فيها خللا غير منجبرة و ثلمة لا يسدها شي‌ء و هي منع الخليفة الثاني من كتابة الحديث بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله منعا شديدا و عقابه من خالف بالضرب و الجرح و النكال قائلا انه كفانا كتاب اللّه و كتابته، و استمر هذا المنع إلى زمان عمر بن عبد العزيز الأموي بما يقرب من مائة سنة و من الواضح ما يعرض السنة حال انتقالها من الأذهان إلى الأذهان بطريق النقل باللسان من التحريف و التغيير و المزج بغيرها و انمحاء حقيقتها بالغفلة و النسيان فقد بليت السنة عند أهل السنة بهذه البلية الكبرى في مسير تاريخها الممتد.


فلاحظ ذلك و قايسه بما ثبت عند الشيعة، من أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتقييد العلم و الحديث بكتابتهما، و ما أملاه صلّى اللّه عليه و آله على علي عليه السلام و كتبه هو بيده، و بقي عند المعصومين من أهل بيته، و أمر علي و الأئمة من بعده أصحابهم بكتابة الحديث و أحكام أمره، معلّلين ذلك بأنكم سوف تحتاجون إليه و قد عملوا بذلك و استفادوا منه حين حاجتهم، و نشكر اللّه على ما رزقنا من معرفة النبي الأعظم و معرفة أوصيائه الذين جعلهم خزنة لعلمه و مستودعا لحكمته و تراجمة لوحيه، و الذين بيّنوا فرائض اللّه و نشروا شرائع أحكامه و سنوا سنته فبهم علّمنا اللّه معالم ديننا و أصلح ما كان فسد في أزمنة طواغيت الأعصار من دنيانا و الحمد للّه رب العالمين.

أما العقل‌

و المراد به عندنا معناه اللغوي و العرفي، و هو قوة مودعة في الإنسان يدرك بها الكليات و يحكم بحسن الأشياء و قبحها، و الإنسان الذي له عقل سليم غير مغلوب للهوى يكون مدركات عقله بالنسبة لوظائفه الدينية و أفعاله و تروكه حجة له يجب اتباعها و له ان يفتي بها و للجاهل ان يقلده مع تحقق شرائطه.

فإن العقل بنفسه رسول من داخل و حجة من حجج اللّه في الباطن، كما ان الرسول عقل من خارج و حجة في الظاهر و له أحكام و لحكمه أقسام صالحة للإفتاء و التقليد.

منها ما لو كان ما أدركه كاشفا عن الحكم الشرعي، كما إذا أدرك الملازمة بين وجوب شي‌ء و وجوب مقدمته، أو بين ما حكم به الشرع و حكم به العقل، فإذا علم بوجوب فعل شرعا كشف عن وجوب مقدمته شرعا، و إذا حكم عقله ابتداء بحسن شي‌ء أو قبحه، كشف وجوبه أو حرمته شرعا، و كما إذا حكم العقل بحجية الظن الانسدادي فإنه يكشف بذلك عن الحكم الشرعي فحجية مدركات العقل في هذه الموارد، من جهة كونه كاشفا عن الحكم الشرعي.

و منها ما لو كان حكمه استقلاليا غير كاشف، كحكمه بوجوب مقدمة الواجب، أو بحسن شي‌ء أو قبحه ابتداء مع عدم حكمه بالملازمتين، أو حكم في مورد لا حكم مولوي‌


للشرع فيه، كوجوب طاعة المولى إذا كان ممن أذعن بالمبدإ و لم تصل إليه الشريعة، و قد أدرك عقله حسن عدّة من الأفعال و قبحها فله الإفتاء في هذه الموارد و ان قلت و للجاهل التقليد.

و منها ما ذكره بعض من ان المراد بحكم العقل موارد بناء العقلاء و سيرتهم فإنه يستكشف بها حكم الشرع فإذا علم الفقيه بتحقق ذلك جاز له الإفتاء بمقتضاها و وجب تقليده هذا و قال الصدر الشهيد «قده»: انا لم نجد حكما واحدا يتوقف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى بل كلما ثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بالكتاب أو السنة.

الأمر الخامس: قد عرفت ان الأدلة التفصيلية الثلاثة عند الشيعة الإمامية وافية

بجميع ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية من الأحكام الأصولية و الفروعية و سائر المعارف الدينية بل فيها غنى و كفاية لجميع المجامع البشرية على اختلاف شعوبهم و قبائلهم فيما يتعلق بعيشهم الصالح في الدنيا و سعادتهم الدائمة في الآخرة بل يكفي الكتاب و السنة فقط فيما يحتاج إليه الفقيه من أحكام مجتمعة على ما مر.

و أما أهل السنة فقد أضافوا إليها أدلة أخرى سمّوها أدلة عقلية يكثر رجوعهم إليها و الإفتاء بمقتضاها لما عرفت من حال السنة عندهم ثم ذهبوا إلى ان المستفاد منها حكم شرعي الهي يجب الالتزام و العمل به، و هي القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و غيرها.

و الأول-عبارة عن استنباط علة الحكم المترتب شرعا على موضوع ظنّا و تسرية الحكم إلى كل موضوع فيه تلك العلة.

و الثاني-عبارة عن انقداح حكم في ذهن الفقيه مع عدم النص فيها لكثرة ممارسته أمثال المورد.

و الثالث-هو الحكم بناء على ما يرشد إليه الذوق السليم مع لحاظ العدل و الظلم فيه و الصلاح و الفساد.


و أما الرأي فقد اختلف فيه كلمات الصحابة فجعلوه تارة مرادفا للقياس، و أخرى مرادفا له و للاستحسان معا، و ثالثة مرادفا لهما مع المصالح المرسلة، و الظاهر ان الأمر كذلك عند علمائهم المتأخرين أيضا لكن عرفه ابن القيم بأنه «ما يراه القلب بعد فكر و تأمل و طلب لمعرفة وجه لحق مما تتعارض فيه الأمارات». و عن ابن تيمية ما حاصله «ان القلب المعمور بالتقوى إذا رجح برأيه فهو ترجيح شرعي فمتى ما وقع عنده و حصل في قلبه ما يظن معه ان هذا الأمر أو هذا الكلام ارضى للّه و رسوله كان هذا ترجيحا بدليل شرعي و من أنكر كون الإلهام طريقا إلى الحق أخطأ فإذا اجتهد العبد المتقي كان ما رجحه أقوى من الأقيسة الضعيفة و الظواهر و الاستصحابات التي يحتج بها المخالفون في الأقوال و أصول الفقه.

و قال بعضهم أيضا في الرأي أن استقرار رأي العالم على شي‌ء لم يقم له أو عليه دليل حجة من الشرع.

أقول ينبغي هنا ان نقول قد ورد من العترة الطاهرة الثقل الأصغر، أعدال الكتاب الكريم و الثقل الأكبر، و لا سيما عن الباقر و الصادق عليهما السلام من أئمة أهل البيت عليهم السلام، في أغلب الموارد التي ضاق الأمر على القوم و لم يكن في مسألة عندهم دليل من الكتاب و السنة فتمسكوا بذيل تلك الوجوه و نسبوا مقتضاها إلى الشريعة و حكموا بكونه حكم اللّه تعالى و حكم رسوله صلّى اللّه عليه و آله، نص أو نصوص نقلها العترة الطاهرة عن النبي الأعظم، و كان ذلك بمرأى و مسمع من ائمة القوم و علمائهم، فلم يعتنوا بها و جعلوا المسألة مما لم يرد فيه كتاب و سنة، و هذا سيرتهم منذ زمن الامام السبط الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام الى زمان الحسن العسكري عليه السلام، ثم ما بعده الى يومنا هذا، مع انه قد ثبت عند القوم قول النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، و الحديث ان لم يدل على امامة العترة فلا أقل من الدلالة على حجية اخبارهم و كونهم ثقة في نقل الحديث عن النبي الأكرم واجب الأخذ به و الاتباع له. ـ


و كيف كان فقد تحصل مما ذكر من سيرة علماء السنة و مشيهم في الفقه و استنباط الأحكام انهم يتمسكون بتلك الأدلة فيما لم يجدوا عليه دليلا من الكتاب و السنة و ينسبون مفادها إلى حكم اللّه و ما شرعه للناس، فعليهم العمل به لأنفسهم و لغيرهم التقليد لهم، بل يظهر من القضايا الكثيرة التي رأوها ان الصحابة كانوا يعملون بالرأي في مقابل الكتاب و السنة الصادرة عن النبي و ذكروا ان المؤسس لهذه الطريقة الخليفة الثاني و قبلها بعده الأئمة الأربعة و غيرهم، و تشهد بذلك موارد كثيرة كمنع الخليفة الثاني من المتعتين، و إلغائه سهم المؤلفة قلوبهم، و تشريعه صلاة التراويح، و إلغائه حيّ على خير العمل من آذان صلاة الصبح. و غير ذلك، و قد عمل في الكل برأيه و بما رآه محسّنا ذا مصلحة مع وجود نصوص عن النبي صلّى اللّه عليه و آله.

هذا إجمال الكلام في الأدلة الثلاثة التي هي منابع الأحكام و أدلتها التفصيلية، و لا يخفى عليك ان كل واحد منها دليل مستقل بذاته، حجة تامة صالحة للتمسك بها غير متوقفة على الأخرى، و وقوع التعارض بينها أحيانا كوقوعه بين مصاديق كل واحد، أمر غير منكر بالطبع يرجع فيه إلى قواعد التعارض و قوانين العلاج، و القول بعدم حجية العقل في المقام باطل كالقول بعدم حجية ظواهر الكتاب كما مر، و اللّه الهادي إلى الصراط المستقيم.

الأمر السادس: الكتاب موضوع لبيان حال مصطلحات الفقه‌

و عناوين موضوعاته اللغوية و العرفية، وضعناه تسهيلا للأمر على من أراد الاطلاع على حالها فقد ذكرنا تحت كل عنوان معناه اللغوي على نحو يتضح حاله ثم المعنى الاصطلاحي لو كان له ذلك في الشرع أو عند المتشرعة أو في الفقه، ثم بيّنا موضع العنوان و موارد استعماله في مختلف أبواب الفقه، ثم ذكرنا الحكم أو الأحكام المترتبة عليه، و كونه مورد الخلاف و الوفاق بين أصحابنا، و ربما أشرنا الى حاله عند العامة أيضا، ثم تعرضنا للفروع الهامة المتفرعة عليه لو كان ذا فروع و شعوب و ربما تعرضنا لدليل المسألة أيضا حسب اختلاف الموارد و اقتضاء الحال.

و بالجملة يهديك الكتاب في كل لفظ مستعمل في علم الفقه الى معناه اللغوي‌


و الاصطلاحي، و الحكم المترتب عليه في الشريعة و البحث الواقع فيه فيه عند الأصحاب و الفروع الهامة المتفرعة عليه في الفقه و الى دليله أحيانا. و لعلك ترى ان تأملت بعين الإنصاف كما أنت اهله ان هذا المؤلف في الحقيقة فقه جامع كامل، على ترتيب اللغة، حسن الترتيب بديع البيان، واضح البرهان مرصوص البنيان، شامل لجميع أبواب الفقه على نحو الإجمال غير المخل، و الإيضاح غير الممل، و لم أجد له نظيرا في كتب أصحابنا و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.


بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

* أمن آمين*

آمين بالمد، و أمين بالقصر اسم فعل كصه و مه، بمعنى استجب، و في المجمع آمين بالمد و القصر لغة بمعنى استجب، و عند بعضهم فليكن كذلك، و أمّنت على الدعاء تأمينا قلت عنده آمين.

و الكلمة إذا تكلم المصلي بها بعد تمام الفاتحة قد وقعت في الفقه مورد البحث و الخلاف بين الفريقين، أما العامة ففي كتبهم الفقهية أن الذي اتفق عليه الأئمة الثلاثة أن التأمين سنة للإمام و المأموم و المنفرد، و قال مالك إنه مندوب لا سنة فلا خلاف عندهم في جوازه و مطلوبيته.

و أما أصحابنا فظاهرهم الاتفاق على المنع عن التكلم به تكليفا و وضعا بمعنى حرمته و كونه سببا لبطلان الصلاة، لكن قد نقل عن بعضهم الخلاف في الحرمة و عن بعضهم الخلاف في بطلان الصلاة به، و في العروة الوثقى للفقيه اليزدي (قده) : إن من مبطلات الصلاة تعمّد قول آمين بعد تمام الفاتحة لغير ضرورة من غير فرق بين الإجهار به و الإسرار للإمام و المأموم و المنفرد و لا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدعاء كما لا بأس به في مقام التقية انتهى.


* أني الآنية*

الإناء في اللغة الوعاء و الظرف و الجمع آنية و جمع الجمع أواني مثل سقاء و أسقية و أساقي، و انى الحرّ يأني إناء اشتدّ اشتدادا و الفاعل آن و إنية، كقوله من عين آنية أي شديدة الحر. و في المفردات و الإناء ما يوضع فيه الشي‌ء و جمعه آنية نحو كساء و أكسية و الأواني جمع الجمع.

و كيف كان الإناء بمعنى الوعاء استعملها الأصحاب في كلماتهم الفقهية موضوعا لأحكام كثيرة تحت عناوين صنفية مختلفة كالإناء من جلد الميتة، و الإناء المغصوب، و إناء المشرك و الكافر، و إناء الخمر، و الإناء من الذهب و الفضة. و إليك تفصيلها:

1-الإناء من جلد الميتة-و قد حكموا بحرمة استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة من الأكل و الشرب و الوضوء و الغسل و الصلاة و لا خلاف عندهم في حرمة التصرف فيها حينئذ و في بطلان العبادة به تبعا لما حكموا به من حرمة أكل المتنجس و شربه و من أنه لا صلاة إلا بطهور، و وقع الخلاف في حرمة استعمالها في غير ما يشترط فيه الطهارة و الانتفاع بها فيه. نعم الظاهر عدم حرمة الانتفاع من الانية المصنوعة من ميتة ما لا نفس له كالسمك.

2-الإناء المغصوبة-قد حكموا بحرمة استعمالها و الانتفاع بها مطلقا، فيتبدل التكليف بالطهارة المائية حينئذ إلى الترابية إذا انحصر الماء فيها، و قد فرّعوا على المسألة فروعا وقع البحث عنها في باب الوضوء و الغسل، نظير استعمالها فيما مع الجهل بالحكم أو الموضوع، و صب الماء منها إلى غيرها ثم الاستعمال و غير ذلك.

3-إناء الكافر-قد وقع البحث عنها تارة من جهة طهارتها و نجاستها، فحكموا بالطهارة ما لم يعلم الملاقاة ببدنهم مع الرطوبة، و اخرى من جهة التذكية فيما إذا كانت مصنوعة من جلد الميتة، فحكموا بالنجاسة لأصالة عدم التذكية.

4-إناء الخمر-ذكروها في الفقه و انه تطهر بالغسل و إن كانت من الخشب و الخزف و لا تضر نجاسة باطنها لو فرض نفوذ الخمر إليه.

5-الإناء من النقدين أي الذهب و الفضة-فقد بحثوا في الفقه تارة عن متعلق الحكم‌


و هو الإناء و الأخرى عن موضوعه و هو التصرف و الاستعمال و ثالثة عن نفس الحكم أي الحرمة و الكراهة.

أما الأول: فالظاهر أن مرادهم به كلما يصدق عليه أنه آنية كالكأس، و الكوز، و الصيني، و القدر، و السماور، و الفنجان، و البشقاب، و النعلبكى، و كوز القليان، و في صدقه على قاب الساعة إشكال.

أما الثاني: فالظاهر أن المراد به الاستعمال و التصرف مطلقا دون الأكل و الشرب فقط، فتشمل التوضي و الاغتسال بها و فيها، و أما الانتفاع الذي لا يسمى استعمالا كوضعها في الرفوف للزّينة، أو تزيين المساجد و المشاهد بها أو اقتنائها من غير انتفاع بها ففي حرمته اختلاف لا يبعد عدمها.

و أما الثالث: فالذي يظهر من الأصحاب تحريم الاستعمال و التصرف أو الأكل و الشرب، دون الكراهة بل هو المشهور بينهم، و في الجواهر لا أجد فيه خلافا، و في التحرير انه حرام عندنا، و في المنتهى انه حرام عند علمائنا و عند الشافعي و المالك، نعم قد وقع في كلام الشيخ النهي عن الأكل و الشرب خاصة.

* أوي الآية*

الآية في اللغة بمعنى العلامة، و اللفظ مهموز الفاء معتل العين و اللام يائيا، و لم يتعرض أكثر أهل اللغة لمشتقات الكلمة لكن ذكروا أن الآية هي العلامة الظاهرة الملازمة لشي‌ء غير ظاهر، فمتى أدرك أحد الظاهر أدرك الآخر الذي لم يدرك بذاته، كالعلم الملازم للطريق و المصنوع الحاكي عن الصانع، و هي من التأيّي أي التثبّت فإن العالم بها يصل إلى المدلول و يثبت، و بهذا الاعتبار أطلقت على آيات القرآن الكريم، و ذكر في اللغة أيضا أن الآية مقدار من الحروف و الكلمات منفصل عما قبله و بعده في اللفظ، و بهذا المعنى أيضا تطلق على آيات الكتاب هذا بحسب اللغة.

و قد كثر استعمالها في لسان الشرع و المتشرعة في خصوص الآيات القرآنية المعروفة


و لعلّها تنصرف عند الإطلاق أيضا إليها، و وقعت موضوعا للأحكام الواجبة و المندوبة في موارد من الفقه كآيات السجدة، و آية الكرسي، و آية المباهلة، و آية التيمم، و آية الزكاة، و آية الخمس، و آية النور، و آية الربا، و آية الإنذار، و آية البيوت و غيرها.

و قد ورد في الشرع صلاة واجبة خاصة منسوبة إلى الآية اللغوية مسببة عن حدوثها، و هي نوع خاص من الصلوات الواجبة بكيفيّة معيّنة و أجزاء و شرائط محدودة ذكرناها تحت عنوان صلاة الآيات فراجع.

* برأ الإبراء*

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف بيّن و أبرأ اللّه المريض شفاه و أبرأه من الدين و التهمة جعله بريئا و خلّصه. و الإبراء في مصطلح الفقهاء عبارة عن إنشاء خاص إيقاعي استقلالي من أظهر مصاديق الإيقاع، في مقابل الإنشاء العقدي المفتقر إلى ضم إنشاء أخر، و محل اعماله في الغالب موارد اشتغال الذمة بالديون المالية و الحقوق القابلة للسقوط و الإسقاط، كإبراء المشتري سلما ذمة البائع من المبيع، و البائع نسيئة ذمة المشتري من الثمن، و الزوجة ذمة الزوج من الصداق، و المضمون له ذمة الضامن، و المحتال ذمة المحال عليه، و المكفول له ذمة المكفول، و كإبراء حق القصاص، و حق الدية، و حق القسم للزوجة و حق النفقة للزوجة و العمودين و هكذا.

و يظهر من كلمات الأصحاب أنه يشكل صحة الإبراء، عن العين الخارجية كإبراء المغصوب منه الغاصب عن العين، و كذا صحة الإبراء عن الحقوق المتعلّقة بالعين كحق غرماء الميت المتعلق بتركته و حق التحجير و حق الرهانة، و كذا الإبراء المتعلّق بالديون غير الثابتة مع تحقق مقتضيها، كإبراء العامل ذمة الجاعل قبل العمل، و المريض ذمة الطيب قبل العلاج، بل و إبراء الديون الثابتة غير المستقرة كإبراء الزوجة ذمة الزوج عن جميع المهر قبل الدخول، و لا يخفى عليك صحة الإبراء في بعضها و الإشكال في بعضها الآخر و التفصيل في الفقه.


* أبل نوق بعر جمل الإبل و الناقة و البعير و الجمل*

في المجمع: الإبل بكسرتين جمع لا واحد لها من لفظها و هي مؤنثة لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كان لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، و يقال للذكر و الأنثى منها بعير انتهى. و في المفردات: الإبل يقع على البعران الكثيرة و لا واحد له من لفظه و البعير معروف يقع على الذكر و الأنثى كالإنسان في وقوعه عليهما و جمعه أبعرة و أباعر و بعران انتهى.

و الناقة الأنثى من الإبل جمعها ناق و نوق و أنوق، و في المجمع: ان الجمل بالتحريك هو الذكر من الإبل و جمعه إجمال و جمال و جمالات بالكسر انتهى.

و يعرف من الجميع أن اللفظ العام المستعمل في المفرد و الجمع من هذا النوع الشامل لأصنافه هو البعير نظير الإنسان بالنسبة لأصنافه، و الإبل جمع لا واحد له، و الناقة مختصة بالأنثى و الجمل مختص بالذكر. و كيف كان فقد وقع هذا النوع من الأنعام على اختلاف أسمائه مورد البحث في أبواب من الفقه:

منها باب الزكاة: فذكروا فيه ان الإبل إحدى الأنعام الثلاثة التي تعلق بها الزكاة و ان لتعلّقها بها شروطا مذكورة تحت عنوان الزكاة.

و منها باب الحج: فإن الإبل فيه أحد الأنعام الثلاثة التي أوجب اللّه نحرها أو ذبحها في حج التمتع، و التي جعلت مقرونة للإحرام أو جعل إشعارها أو تقليدها عقدا للإحرام في حج القران و تفصيل ذلك في عنوان الهدي.

و منها أبواب الديات بجميع أقسامها، كانت دية قتل النفس عمدا مع المصالحة أو خطأ أو دية الأطراف كالجناية على العين و الاذن و الأنف و اللسان و اليد و الرجل و غيرها، أو دية المنافع كإزالة العقل و السمع و البصر و الشم و الذوق و غيرها، فإن الشارع قد جعل الدية في الجميع أحد المقادير الستة على نحو التخيير و إن اختلفت كمّا و كيفا و هذا النوع من الأنعام أعني الإبل أحدها، و تلك المقادير عبارة عن مائة إبل، و مائتي بقرة، و ألف شاة، و مائتي حلة، و ألف دينار، و عشرة آلاف درهم.


و قد وقعت على نحو التعيين دية في الشجاج أعني الجراحة المختصة بالرأس ففي الحارصة بعير و في الدامية بعيران و في المتلاحمة ثلاثة أبعرة و في السمحاق أربعة و في الموضحة خمسة و في الهاشمة عشرة و في المنقلة خمسة عشر و في المأمومة ثلاثة و ثلاثون بعيرا و تفصيل حال الأسباب يطلب في عنوان الدية.

* بني سبل زكو ابن السبيل-في الزكاة*

ابن السبيل في اللغة و العرف بمعنى المسافر، و الإطلاق كنائي لملازمة الشخص للطريق ملازمة الابن أباه، و في المجمع: ابن السبيل الضيف و المنقطع به و أشباه ذلك و فيه أيضا أن ابن السبيل هم أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم و يذهب ما لهم، فعلى الإمام أن يزوّدهم من مال الصدقات، و في النهاية: انه المسافر الكثير السفر سمي ابن السبيل لملازمته إياها انتهى.

هذا و قد أكثر الأصحاب استعمال ابن السبيل في الفقه في باب الزكاة و أرادوا به قسما من المعنى اللغوي له قيود خاصة ينصرف إطلاقه إليه عندهم، و هو أحد الأصناف الثمانية التي شرعت لهم الزكاة و فسروه بأنه هو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر على السير و ان كان غنيا في وطنه، بشرط عدم تمكنه من الاستدانة أو بيع شي‌ء مما يملكه، و أن لا يكون سفره معصية، بل و لا ان يكون نفسه في معصية كعمال الظلمة، و ذكروا انه ليس منه من أراد السفر و لم يكن متمكنا منه.

هذا و لكن ليعلم ان كلمة السبيل قد ذكرت في الكتاب الكريم في أكثر من مائة و سبعين موردا لم يرد بها السبيل الحسّي الخارجي إلاّ في موارد معدودة لم تبلغ عشرة، و المورد الأكثر هو السبيل المعنوي، كالاعتقاد بأصول العقائد و الاتصاف بفضائل الأخلاق و الاعتياد بصالح الأعمال و بذل النفس و المال في مرضاته تعالى، و ما أشبه ذلك مما يعد سبيلا معنويا إلى قربه تعالى.

بل الظاهر أن معناها اللغوي أعم من الحسي و المعنوي، و حينئذ فنقول: ان عنوان ابن‌


السبيل قد وقع في الكتاب الكريم موضوعا للحكم في موارد لعلها تبلغ خمسة، و قد حث اللّه تعالى على التوجه إليه و بذل المال له، فجعل له سهما من الأخماس في باب الخمس، و من الصدقات في باب الزكاة، و جعله أحد الموارد للإنفاق على من ينبغي الإنفاق عليه، و حث على إتيان حقه مقرونا بذي القربي و المساكين، و لو فرضنا إعطاء جميع حقه له بلغ سهمه من الخمس و الصدقات و الإنفاقات مقدارا لا يعلمه إلا اللّه، مع انه بالمعنى الذي ذكروه قليل المصداق جدا، بل يمكن دعوى عدم تحقق مصداق له في عصرنا هذا، و عليه فمن البعيد جدا تشريع المقدار المذكور سهما لهذا العنوان مع ان المشرّع هو الحكيم تعالى.

و على هذا فنقول: ان من القريب ان يحمل السبيل على المعنى الأعم من الحسّي و المعنوي و هو السالك سبيل الدين و علومه من أصوله و فروعه و سائر فنونه، مما يحتاج إليه المسلمون و يفتقر تحصيله إلى النفقة و صرف المال، بل و يقرب احتمال شموله لطالب العلوم المختلفة الدنيوية مما يتوقف عليه قوام الأمة الإسلامية، و يأتي في جميع فروضه الشروط السابقة من عدم تمكّنه من النفقة و عدم كون السفر معصية خارجا و قصدا، و مع الشروط يكون للإمام أن ينفق عليه بما رآه صلاحا.

* بني سبل خمس ابن السبيل في الخمس*

هو في اللغة بمعناه الذي ذكر تحت عنوانه في مستحق الزكاة، و يستعمل في باب الخمس في مصداق خاص من معناه اللغوي يغاير المراد منه في المستحقين للزكاة أو يباينه، و ذلك لاشتراكه معه في بعض الشروط، نظير كونه ممن نفدت نفقته أو تلفت راحلته و لا يقدر معه على السير، و عدم كون سفره في معصية و لا كون نفسه في معصية كأعوان الظلمة و أصحاب الشغل و المهن في دولة الكفر و الجور، و افتراقه عنه في بعضها الآخر كاشتراط كونه ممن انتسب من طرف الأب إلى هاشم بن عبد مناف جدّ النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله من غير فرق بين كونه علويا أو عقيليا أو عباسيا أو جعفريا أو نوفليا أو لهبيا، و كونه مؤمنا معتقدا بالولاية.


ثم ان الحال الملحوظ لهذا العنوان في الفقه هو كونه أحد الأصناف الثلاثة الذين يستحقون الخمس لما ذكروا في بابه بأنه ينقسم إلى ستة أقسام أحدها لابن السبيل المذكور، هذا و قد عرفت معنى ابن السبيل في عنوان مستحقي الزكاة و ذكرنا في باب الخمس انه بجميع أقسامه لذي القربى و هو الإمام المعصوم، و بعده لمن نصبه لولاية الأمر، و الطوائف الثلاث يستحقون منه بمقدار حاجتهم و سد خلّتهم من دون أن يملكوا سهما منه كملكية الرسول و ذي القربي، فراجع عنوان الخمس.

* أجر الإجارة*

الإجارة في اللغة مصدر-أجر الرجل على عمله يأجره مهموز الفاء إذا كافأه و أثابه عليه، و آجر الرجل مؤاجرة اتخذه أجيرا، و أجر الدار إيجارا إكراها، و في المجمع: آجر فلان فلانا إذا أخدمه بأجرة و الإجارة هي العقد على تملك منفعة بعوض معلوم انتهى.

و الإجارة قد استعملت في الفقه و ألسنة الفقهاء في عقد خاص بحيث صارت حقيقة فيه. لكن الظاهر أنه ليس معنى مباينا لمعناها اللغوي بل هو أخص منه بإضافة قيود و شروط بل الظاهر أن عقد الإجارة كان من أقدم العقود التي يحتاج إليه الناس، و لعلّه كان أقدم من اختراع الألفاظ و وضعها للمعاني.

و كيف كان فقد عرّفها الفقهاء بتعاريف مختلفة متقاربة المفهوم، و حيث ان متعلّقها، تارة النفس، و اخرى العين الخارجية فلا جرم عرّفوها بتعريف ذي شقين.

و أحسن التعاريف أن يقال إنها تسليط الغير على النفس ليتملك عملها بعوض، أو على العين ليمتلك منافعها كذلك، و إن شئت قلت: إنها تمليك عمل أو منفعة بمال. فعلم من ذلك ان الإجارة عقد من العقود المعاملية تشتمل على إنشاءين مرتبطين، إنشاء ابتدائي من طرف ينشأ بالإيجاب و إنشاء مطاوعي من آخر ينشأ بالقبول.

و قد ذكروا ان أركان ماهيّتها ثلاثة:


الأول: الإيجاب و القبول، و الثاني: المتعاقدان، و الثالث: العوضان.

و يعتبر في الأول شروط العقد التي ذكرناها تحت عنوان العقد و في الثاني البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر لسفه أو فلس في طرفي المعاملة.

و في الثالث شروط بعضها خاص لهذا الباب و بعضها عام. و منها الملكية فيهما بأن يكون الموجر مالكا للعمل أو المنفعة أو مسلطا عليهما و كذا الأجرة من طرف المستأجر. و منها كون العمل أو المنفعة مباحا في الشريعة، فلا تصحّ إجارة الإنسان للعمل المحرم من قتل نفس محقونة، أو إتلاف مال محترم و إجارة الدار للانتفاع المحرّم بها.

ثم انه ذكر الأصحاب ان الإجارة من العقود اللازمة، لا تنفسخ إلاّ بالتقايل أو شرط الخيار كانت عقدية أو معاطاتية، بل و لا تنفسخ ببيع المالك للعين بعد عقد الإجارة، و لا بموت أحد الطرفين و يجري فيها خيار العيب، و الغبن، و الاشتراط، و تبعّض الصفقة، و تعذّر التسليم و غيره.

و أنه بمجرد تمامية عقدها يملك المستأجر العمل و المنفعة في تمام المدة ملكية مستقرة، فالمملوك كلي اعتباري متدرج التحقق، و الملكية المتعلقة بها كذلك، و قبضها بالتسلط على العين، و يملك الموجر الأجرة متزلزلة و تستقر باستيفاء العمل أو المنفعة قضاء لحق المعاوضة. فأصل الملكية للطرفين موقوف على تمامية العقد و جواز المطالبة لكل منهما موقوف على تسليم ما عنده، و استقرار ملكية الأجرة موقوف على استيفاء العمل أو المنفعة.

و أن العين المستأجرة و هي موضوع المنفعة أمانة بيد المستأجر فلا يضمن إلاّ بالتعدّي أو التفريط كما ان العين مورد العمل أمانة بيد الأجير كذلك و هي كالثوب بيد الخياط و الصبي بيد الختّان و المريض بيد الجراح و أدوات الصوت كالراديو و التلفزيون بيد من يريد إصلاحها.


* أجم الأجمة*

الأجمة بالتحريك الشجر الملتف، و في الروضة و الروض هي الأرض المملوّة من القصب، و نحوه، و على أي تقدير يراد بها غير المملوكة منها، و جمع أجمة أجم كقصبة و قصب و جمع الجمع آجام بمد الألف.

و قد وقع البحث عن الكلمة في الفقه في كتاب الخمس في باب الأنفال و وقع البحث عنها بنحو الإجمال أيضا في كتاب إحياء الموات، أما الأول: فذكروا فيه أن الأجمة داخلة في الأنفال و هي ملك للإمام بعنوان إمامته كسائر أقسام الأنفال و لا فرق بين الملتف بالشجر أو القصب بل و لا بين كون المراد الأرض الملتفة أو نفس الأشجار و القصب بعد كون المحل أيضا غير مملوك لأحد فيكون للإمام و فروع المسألة مذكورة تحت عنوان الأنفال.

و أما الثاني: فالمذكور هناك أن الأجمة من قبيل الأرض العامرة بالأصالة، فهي كالموات بالأصالة، يجوز لكل أحد إحياءها و تملّكها بإذن الإمام، مع حضوره و بسط يده، و مطلقا في زمان الغيبة مع عدم وجود المنصوب في زمانها أو عدم بسط يده، و الكلام فيه في كتاب إحياء الموات.

تنبيه: ذكروا انه يدل على كون الأجمة للإمام مرسلة حمّاد المعروفة المعتبرة عن العبد الصالح قال: و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام (وسائل الشيعة، أبواب الأنفال ب 1، ح 2) و في خبر آخر الأنفال بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام (ح 37) و في آخر الأنفال منها المعادن و الآجام.

* حكر الاحتكار*

الحكر بالفتح في اللغة الظلم، و التنقيص، و إساءة العشرة مع الغير، و اللّجاجة، و الاستبداد بالشي‌ء، و جمع الشي‌ء و حبسه للغلاء، و الحكر و الحكرة بالضم اسم مصدر منه، و الاحتكار افتعال منه، و قد كثر استعماله في الفقه أو صار اصطلاحا في حفظ أموال خاصة و حبسها و استبقائها انتظارا للغلاء مع حاجة الناس إليها و عدم باذل لها غيره،


و هذا يناسب جميع المعاني اللغوية المذكورة لأنه نوع من الظلم و تنقيص للغير نفسا و مالا و إساءة العشرة له و لجاجة و استبداد مذموم، و قد وقع البحث في تعيين ما يتحقق فيه الاحتكار و اختلف فيه الأقوال فالمشهور أن الاحتكار حبس الغلات الأربع مع السمن، و عن الصدوق إضافة الزيت إلى الخمس، و عن المفيد أنه احتكار الأطعمة، و عن أبي الصلاح أنه احتكار الغلات، و عن عدة إضافة الملح إلى الخمسة الأولى، و يظهر من البعض انه حبس كل ما يحتاج إليه العموم طلبا للغلاء و زيادة في الثمن، و لعل هذا أوجه الأقوال في المسألة بمقتضى التأمل في أخبار الباب و لحاظ ملاك الحكم.

و أما الحكم المجعول له في الشريعة، ففيه اختلاف أيضا فعن بعضهم كونه مكروها شرعا، و عن آخرين الإفتاء بحرمته و لا يخلو عن رجحان، و ذكروا ان هنا قيودا داخلة في موضوع الحكم و هي كون الاستبقاء لغرض الغلاء، و وجود حاجة الناس إلى المال و عدم وجود باذل له، فمع انتفاء كل واحد منها ينتفي موضوع الاحتكار لغة أو اصطلاحا، لكن قد جعل بعض الأصحاب الموضوع مطلق الحبس و جعل الأمور الثلاثة من شروط حرمته، و ذهب بعضهم أيضا إلى أن الاستبقاء في الغلاء ثلاثة أيام و في الرخص أربعون يوما و هو محمول على مقدار الحاجة.

* حرم الإحرام*

الإحرام في اللغة مصدر أحرم الشي‌ء جعله حراما، و إطلاقه على أول عمل من أعمال الحج و العمرة لأنه يحرم الناسك على نفسه محرمات الإحرام، و في المجمع الإحرام مصدر أحرم الرجل يحرم إذا أهلّ بالحج أو العمرة، و الإحرام توطين النفس على اجتناب المحرّمات من الصيد و الطيب و النساء و لبس المخيط و أمثال ذلك انتهى.

و كيف كان فقد كثر استعمال الإحرام في لسان الشرع و ألسنة الفقهاء، أو صار مصطلحا فقهيا، في معنى عبادي خاص وقع في الشريعة موضوعا لأحكام كثيرة و موردا للبحث في الفقه، إلاّ أنه قد اختلف كلماتهم في بيان حقيقة هذا المعنى، فقيل تارة إن الإحرام عبارة عن ترك أمور معينة منع الشارع عنها و أمر بتركها بنية التقرب، فهو أمر


عدمي مشروط بأمر وجودي، و قد يقال إنه عبارة عن كف النفس عنها مع نية القربة فهو أمر وجودي و إن تعلق بالأعدام، أو انه توطين النفس على الترك مع النية، لكن الظاهر ان الإحرام عبارة عن الممنوعية الاعتبارية، فالمحرم يوجد لنفسه تلك الحالة و ينشأها بنيّتها و التلفظ بالتلبيات تقربا إلى اللّه، فإذا نوى ذلك و لبى اعتبرت تلك الحالة في حقه فيقال إنه أحرم أو صار محرما و هي موضوع لترتب حرمة الأمور المعهودة، و يمكن تحققها مع عدم العلم بها تفصيلا و العلم الإجمالي بها حاصل غالبا لو قلنا به، و قد أشرنا إلى شي‌ء من ذلك في عنوان الصوم.

ثم إنهم ذكروا أن واجبات الإحرام ثلاثة:

الأول: قصد الإحرام المندرج فيه التقرب و الإخلاص و تعيين صنف العبادة التي هو جزء منه كالحج و العمرة، و تعيين كونه لنفسه أو غيره و كونه حجة الإسلام أو غيرها و لا يعتبر قصد ترك المحرمات تفصيلا بل و لا إجمالا إذا قصد أصل الإحرام كما هو الصادر من أكثر العوام.

الثاني: التلبيات الأربع و صورتها على ما ذكره الأكثر: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبّيك، و الأحوط أن يضاف: إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك.

الثالث: لبس الثوبين بعد التجرد عما يحرم لبسه على المحرم، يتّزر بأحدهما و يتردّى بالآخر، و ظاهرهم كون لبسهما واجبا تعبديا مستقلا و ليس شرطا في صحة الإحرام فلو تركهما عامدا لم يبطل، و لا يشترط الطهارة حاله فيجوز و لو في حال الجنابة و الحيض.

* حرم محرّمات الإحرام*

ثم إنهم ذكروا للإحرام محرمات، و هي الأفعال التي نهى اللّه عنها حال الاشتغال بهذه العبادة الخاصة، إما بان يكون تركها جزءا من العمل العبادي الذي تعلق به الأمر على احتمال ضعيف، أو يكون قيدا له، أو يقال إن أغلب تلك المنهيات محرمات مستقلة عند تقارنها لحالة الإحرام، و ان فرضنا ترك بعضها جزءا أو قيدا أيضا كالجماع في إحرام الحج قبل الوقوف لبطلان العمل بذلك و هذا أرجح.

و كيف كان فهي عبارة عن الأمور التالية:


الأول: صيد البرّ فيحرم الاصطياد و ذبح الصيد و أكله تكليفا، و يفسد القتل و الذبح وضعا بمعنى كون الحيوان المصطاد ميتة، و يحرم الفرخ منه و البيض.

الثاني: النساء زوجة أو غير زوجة وطأ و تقبيلا و لمسا و نظرا و تمتّعا بكل ما فيه تلذذ و شهوة، و إن طاوعته فلكل حكمه من الحرمة و الكفارة حسبما ذكر تحت عنوان الكفارة.

الثالث: إيقاع العقد على المرأة دواما أو متعة لنفسه أو لغيره و لو كان محلا، و الشهادة على العقد إقامة لا تحملا، فيبطل العقد و تحرم المعقودة على المحرم في عقده لنفسه أبدا مع علمه بالحكم، و يبطل من غير تحريم مع الجهل و يترتب الكفارة أيضا.

الرابع: الاستمناء باليد أو بأي وسيلة، و الأحوط انه يبطل به ما يبطل بالجماع.

الخامس: الطيب بأنواعه حتى الكافور صبغا و إطلاء و بخورا، و يجب الاجتناب عن الرياحين أي كل نبات له رائحة طيبة، و لا يجوز الإمساك عن الرائحة الخبيثة و لو استعمل الطيب وجبت الكفارة.

السادس: لبس الثوب المتعارف للرجال كالقميص و السراويل و القباء و نحوها و لو المنسوج منها. و كذا القلنسوة و نحوها، و يجوز للنساء لبس أي لباس شاءت إلا القفّازين و لا بأس بما يحفظ به نقوده كالهميان و لو خالف كفّر.

السابع: الاكتحال بالسواد للزينة رجلا كان المكتحل أو امرأة و لو اضطرّ إليه جاز و ليس فيه كفّارة.

الثامن: النظر في المرآة رجلا أو امرأة و لا كفّارة فيه.

التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالجورب و الحذاء و نحوهما، للرجال دون النساء، و لا كفّارة لو خالف.

العاشر: الفسوق كالكذب و السباب و المفاخرة، و لا كفّارة لو خالف.

الحادي عشر: الجدال بقول لا و اللّه و بلى و اللّه في إثبات أي أمر كان أو نفيه و بأي لسان كان، و لو جادل كفّر.

الثاني عشر: قتل هوام الجسد من القملة و البرغوث و نحوهما و إلقائها و كذا هوام جسد سائر الحيوانات و لا كفّارة فيه.


الثالث عشر: لبس الخاتم للزينة لا للاستحباب أو الخاصية و ليس فيه كفّارة.

الرابع عشر: لبس المرأة الحلي للزينة، و لا بأس بما كانت معتادة به قبل الإحرام لكن يحرم إظهاره للرجال حتى الزوج و ليس فيه كفّارة.

الخامس عشر: التدهين و إن لم يكن فيه طيب و لا بأس بأكل الدهن.

السادس عشر: إزالة الشعر كثيره و قليله حتى شعرة واحدة عن الرأس و اللحية و سائر الجسد بحلق أو نتف أو استعمال نورة، و لا بأس عند الضرورة و لا بما يسقط حال الوضوء و الغسل و فيها الكفارة لو ارتكب.

السابع عشر: تغطية الرجل رأسه بكل ما يغطيه بل الأحوط ان لا يضع على رأسه شيئا غير الثوب أيضا، و لا يجوز ارتماس الرأس في الماء و لا تغطيته عند النوم و لو فعله غفلة أزاله فورا، و لا بأس بوضع الرأس على المخدة و لا بتغطية الوجه و تجب فيها الكفارة مع العلم و العمد.

الثامن عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب و نحوه، و يجب عليها ستر رأسها و لا كفّارة فيها.

التاسع عشر: التظليل حال السير فوق الرأس للرجال دون النساء، سواء كان بالمحمل أو السيّارة أو القطار أو الطائرة أو السفينة، و لا بأس به في المنزل كمنى أو عرفات فيجوز الاستظلال تحت الخيمة و نحوها و أخذ المظلّة حال المشي إلى المذبح أو الجمرات، و الظاهر عدم البأس بذلك في الليل فيجوز الستر فيه في الطائرة و السيارة، و إذا اضطرّ إليه جاز و كفّر.

العشرون: إخراج الدم من بدنه بالخدش و المسواك و قلع الضرس، و لا كفّارة في ذلك و لا بأس بإخراجه من بدن الغير بقلع ضرسه مثلا.

الحادي و العشرون: قلم الأظفار كلاّ أو بعضا من اليد و الرجل بأية آلة كانت و فيه الكفّارة لو خالف و لو اضطرارا.

الثاني و العشرون: قلع الضرس و لو لم يدم و هذا احتياط.


الثالث و العشرون: قلع شجر الحرم و حشيشه و فيه الكفّارة.

الرابع و العشرون: لبس السلاح كالسيف و الخنجر و الطبنجة و نحوها من آلات الحرب إلا لضرورة.

* حصر صدد الإحصار و الصد*

الحصر في اللغة التضييق يقال حصره أي ضيق عليه و أحاط به و أحصره المرض حبسه و منعه، و في المفردات الحصر و الإحصار المنع من طريق البيت فالاحصار يقال في المنع الظاهر كالعدو و المنع الباطن كالمرض، و الحصر لا يقال إلا في المنع الباطن، فقوله تعالى‌ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فمحمول على الأمرين انتهى. و في مجمع البحرين الحصر الضيق و الانقباض و قوله تعالى‌ (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنَ اَلْهَدْيِ) أي منعتم من السير من أحصره المرض منعه من السفر أو من حاجة يريدها، و منه رجل أحصر من الحج أي منع بمرض و نحوه و الإحصار عند الإمامية يختص بالمرض، و الصد بالعدوّ و ما ماثله، و إن اشترك الجميع في المنع من بلوغ المراد.

و الصدّ في اللغة المنع و الصرف يقال صده عن السبيل أي منعه و صرفه عنه و صدها ما كانت تعبد من دون اللّه أي منعها.

ثم ان الظاهر ان الكلمتين متقاربتا المعنى من حيث اللغة بل يمكن استعمال كل منها في محل الآخر و ما ذكره في المفردات من اختصاص الحصر بالمنع الباطن عن طريق البيت و جعل الإحصار أعم من الحصر لا يطابق كلمات أهل اللغة.

و أما في اصطلاح الفقه و المتشرعة بل و في اصطلاح الشرع و أهل البيت أيضا كما يظهر من التصريح به في نصوص أبواب الحج، ان الحصر و الإحصار عبارة عن ممنوعية المعتمر أو الحاج عن نسكه الذي شرعه بواسطة المرض و نحوه، و الصدّ عبارة عن منعه بسبب العدو و نحوه، قال في المسالك: إن اختصاص الحصر بالمرض هو الذي استقر عليه رأي أصحابنا و وردت به نصوصهم و هو مطابق للّغة أيضا، قال في الصحاح: أحصر الرجل‌


على ما لم يسمّ فاعله، أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من الحاجة انتهى. و عند العامة الحصر و الصدّ واحد من جهة العدو.

ثم انهم ذكروا انّه تظهر الثمرة بين الاصطلاحين في موارد و لعل أجمع الكلم في ذلك ما ذكره في المسالك قال: و اعلم ان الحصر و الصد اشتركا في ثبوت أصل التحلل عند المنع من إكمال النسك في الجملة و اختلفا في مواضع تذكر في تضاعيف الباب و جملتها ستة أمور:

الأول: عموم التحلل و عدمه، فإن المصدود يحل له بالمحلل كل شي‌ء حرّمه الإحرام، و المحصر ما عدا النساء بل يتوقف حلّهن على طوافهن.

الثاني: في اشتراط الهدي و عدمه، فإن المحصر يجب عليه الهدي إجماعا و هو منصوص الآية، و في المصدود قولان و إن كان الأقوى مساواته في ذلك.

الثالث: في مكان ذبح الهدي فإن المصدود يذبحه أو ينحره حيث وجد المانع و لا يختص بمكان، و المحصر يختص مكانه بمكة ان كان في إحرام العمرة و بمنى إن كان في إحرام الحج.

الرابع: قدر المحلل فإن المحصر لا يحل إلا بالهدي و الحلق و التقصير عملا بالآية، و في افتقار المصدود إلى أحدهما قولان و إن كان الأقوى الافتقار.

الخامس: ان تحلل المصدود يقيني لا يقبل الخلاف فإنه يفعله في مكانه، و المحصر تحلله بالمواعدة الممكن فيها غلطها.

السادس: فائدة الاشتراط فإنها في المحصر تعجيل التخلل و في المصدود ما تقدم من الخلاف في انه هل يفيد سقوط الهدي أو كون التحلل عزيمة أو رخصة أو مجرد التعبد.

(ج 1 ص 128) .

* حصن الإحصان*

حصنت المرأة في اللغة كانت عفيفة، و أحصنت المرأة تزوجت أو عفت، و أحصن المرأة زوّجها فهي محصنة بفتح الصاد، و أحصن الرجل تزوج، و المحصنات تطلق على‌


الحرائر و المتزوجات. و في النهاية أصل الإحصان المنع و المرأة تكون محصنة بالإسلام و بالعفاف و بالحرية و بالتزويج، يقال أحصنت المرأة فهي محصنة و محصنة و كذلك الرجل، و الحصان بالفتح المرأة العفيفة انتهى. و في المفردات و يقال امرأة محصن و محصن فالمحصن يقال إذا تصور حصنها من نفسها و المحصن يقال إذا تصور حصنها من غيرها انتهى.

أقول لم تستعمل الكلمة وصفا للرجل في الكتاب الكريم إلاّ بصيغة الفاعل و للمرأة إلاّ بصيغة المفعول، و كيف كان فالإحصان و إن لم يثبت له حقيقة شرعية أو متشرعية و ليس له معنى اصطلاحي إلاّ انه قد أطلق في موارد من أبواب الفقه على معنى خاص و كثر استعماله فيه و رتب عليه حكم أو أحكام.

فمنها باب الحدود حيث ان صفة الإحصان قد لو حظت في باب الزنا سببا لترتب حكم خاص و عقوبة شديدة على المحصن، فكل من الزانية و الزاني إذا كان محصنا استحق الرجم و إلا استحق الجلد، و عمدة الكلام في المقام تشخيص المراد منه مع كثرة محتملاته، و الأصحاب ذكروا انه يعتبر في تحقق الإحصان الموجب للرجم أمور، منها البلوغ و العقل و الحرية و منها ان يكون له فرج مملوك بالعقد الدائم أو بالملك، و المتعة محل خلاف. و منها ان يتحقق منه الوطء و منها ان يكون متمكنا منه يغدو عليه و يروح، و على هذا فالأولى في تعريف إحصان الرجل ان يقال انه عبارة عن تسلط البالغ العاقل الحر على فرج محلل له بنكاح دائم أو ملك يمين أو متعة سلطة تامة في الغدو و العشي مع تحقق الوطء خارجا، و في إحصان المرأة انه عبارة عن كونها بالغة عاقلة حرة مزوجة دائمية أو انقطاعية مدخولا بها يتمكن زوجها منها غدوا و رواحا. فإذا تحقق الزنا منها أو منه بعد حصول صفة الإحصان ثبت حكم الرجم عليهما. و لا يعتبر في الإحصان الإسلام فالكافر الواجد للشروط المذكورة يرجم و الكافرة الواجدة لها ترجم إذا رجعا إلينا في إجراء الحد.

و منها باب حد القذف، و الإحصان في هذا الباب يغاير الإحصان في الزنا موضوعا و حكما، فإنهم ذكروا انه يشترط في ترتب حد القذف على القاذف إحصان المقذوف، و عرفوا الإحصان فيه بأنه عبارة عن البلوغ و العقل و الحرية و الإسلام و العفة فلو قذف‌


صبيا أو مجنونا أو عبدا أو كافرا أو متظاهرا بالزنا و اللواط لا يحد، و لا يسوغ القذف لو كان متظاهرا بغير الزنا و اللواط من المعاصي غير متظاهر فيهما.

و منها باب حدّ اللواط فإنهم و ان ذكروا ثبوت القتل به للفاعل و المفعول من غير فرق في اللائط و الملوط بين كونه محصنا أو غير محصن، إلا انه لا يبعد كون الإحصان شرطا في ثبوت القتل على اللائط فلو كان غير محصن لم يقتل بل يجلد.

* حيو الإحياء*

حي يحيى حياة في اللغة من باب علم ضد مات، و أحياه جعله حيا و أحيى الأرض أخصبها، و حيّاه تحية قال له حيّاك اللّه أي أطال اللّه عمرك، و في المفردات ما خلاصته ان الحياة تستعمل على أوجه الأول للقوة النامية الموجودة في النبات و الحيوان، الثاني للقوة الحساسة و به سمى الحيوان حيوانا، الثالث للقوة العاملة العاقلة، الرابع الحياة الأخروية الأبدية، الخامس الحياة التي يوصف بها الباري تعالى انتهى.

أقول لم يذكر الراغب حياة بعض الجمادات كالأرض فإن لها أيضا نوع حياة لقوله تعالى‌ (فَإِذََا أَنْزَلْنََا عَلَيْهَا اَلْمََاءَ اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ) فالاهتزاز و الربو و الإنبات حياة لها و هنا حياة أخرى للمجتمع الإنساني غير ما ذكر أيضا و لعل منها قوله تعالى‌ (اِسْتَجِيبُوا لِلََّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذََا دَعََاكُمْ لِمََا يُحْيِيكُمْ) و قوله‌ (وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصََاصِ حَيََاةٌ يََا أُولِي اَلْأَلْبََابِ) و لكن الجميع غير الحياة التي أريد بالعنوان.

و كيف كان للاحياء عند العرف و في اصطلاح الفقهاء معنى آخر لعله غير تلك المعاني و إن كان من مصاديق الحياة الكلية و هو عبارة عن إعداد الأرض الموات و تهيئتها للانتفاع بها بعد ما لم تكن كذلك، و هذا هو الذي وقع مورد البحث عند الفقهاء، في كتاب إحياء الموات و رتب عليه أحكام في الشريعة تكليفا و وضعا.

و المرجع فيه إلى العرف و تختلف مصاديقه باختلاف الأغراض فإن الإحياء لكل شي‌ء بحسبه، فمن أراد البستان أو الزراعة كفي في صدق الإحياء أحداث المرز و المسنّاة و رفع‌


الموانع و تهيئة الماء، و من أراد إحداث الدار كفاه إصلاح الأرض للشروع في البناء و هكذا، و لا يشترط في الإحياء فعليّة الانتفاع بل هي من آثاره.

ثم ان حكم الإحياء تكليفا، هو الاستحباب بطبعه الأولى، و قد يترتب عليه الوجوب لعارض، بل الظاهر وجوبه كفاية شرعا و عقلا لما علم من ان اللّه تعالى حيث خلق الإنسان و أسكنه هذه الأرض أراد منه عمارتها قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ وَ اِسْتَعْمَرَكُمْ فِيهََا) و حكمه وضعا كونه سببا لملكية المحيي لما أحياه مع شرائطه.

و حيث ان الأحياء يتعلق بالأرض و ما عليها تعرضوا في مقام تبيين معناه، لأقسام الأرضيين على الإجمال، ثم لشرائط وقوع الأحياء و صحته، ثم للآثار المترتبة عليه بعد تحققه.

أما الأول: فقد ذكروا تحت عنوان الأرض إلى أنه تنقسم بالانقسام الأوّلي إلى أربعة أقسام، الموات بالأصالة، و الموات بالعرض، و العامرة بالأصالة، و العامرة بالعرض فذكروا انّ الصالح للإحياء منها هو القسم الأول ثم الثاني، و اما الثالث فيجوز الانتفاع به و تملكه إلاّ انه لا يتحقق الأحياء فيه، و اما الرابع فهو لمعمّره و مالكه لا يجوز لأحد التصرف فيه، و الموات التي كانت جزءا من الأرض المفتوحة عنوة حال الفتح حكمها كسائر أقسام الموات يجوز إحياؤها بشرائطه.

و أما الثاني: فقد ذكروا للاحياء شروطا لعلها تبلغ ثمانية بعضها مورد وفاق الأصحاب و بعضها مورد خلافهم.

أولها: قصد التملك عند العمل و مع عدمه لم يملك و قيل بعدم اشتراطه و أنه يحصل الملك و لو لم يقصد التملك لأنه من آثار نفس العمل، لكن لا يبعد القول بأنه يشترط ان لا يقصد عدمه.

ثانيها: إذن الإمام بعد فرض كون جميع الأرض له بعنوان إمامته و ولايته على الناس، و حينئذ فإن كان حاضرا في المجتمع و أمكن الاستيذان منه وجب ذلك، كان مبسوط اليد أم لا، و إن لم يكن حاضرا أو لم يمكن الاستيذان منه فالظاهر أنه لا إشكال في


جواز الإحياء و حصول الملكية موقتا ما دام الأمر كذلك، و في حكم الإمام نائبه الخاص أو العام في لزوم الاستيذان مع الإمكان و عدمه مع عدمه.

ثالثها: أن لا يكون عليها يد مسلم أي يد محكومة بالصحة فإنه لو أحرز كونها تحت يد شخص أو أشخاص مع عدم العلم ببطلان أيديهم فتركوها لعذر أو غيره حتى ماتت كان مانعا عن الإحياء نعم لو علم بطلان اليد جاز الإحياء.

رابعها: أن لا يكون محجرة للغير فإن سبق تحجيره يمنع من احياء غيره.

خامسها: أن لا يكون حريما لعامر كحريم الدار و القرية و العين و البئر و غيرها فإن ذلك يفيد أولوية أربابها للحريم و أحقيتهم و إن لم يفد الملك، و هذان الشرطان يمكن إدخالهما تحت الشرط السابق إلا أنهم أفردوهما بالذكر.

سادسها: أن لا يكون مما قد سماه الشرع مشعرا و جعله موضعا للعبادة كأرض عرفة و المشعر و منى و غيرها من المساجد و الأوقاف العامة القربية للعبادات، و الوصايا كذلك، فلا يجوز إحياؤها كلا أو بعضا و لو بالمقدار الذي لا يضر المتعبدين و الناسكين على اختلاف في بعض المشاعر بالنسبة للتصرف في شي‌ء يسير منه.

سابعها: أن لا يكون مما أقطعه الإمام لأحد كما أقطع النبي صلّى اللّه عليه و آله قطائع لعدة من الأصحاب و لو كانت خالية غير محياة و لا محجرة و لا معلّمة، فإنه يفيد أحقيّة المقطع له فيمنع غيره، و لو أ قطعها الإمام لواحد و أذن في إحيائها لآخر فإن كان إمام الأصل كان الثاني هو المقدم و إن كان النائب عنه احتمل تقدم كل واحد منهما.

ثامنها: أن لا يحميها الإمام لنفسه أو لغيره، بأن يجعلها حمى لمواشيه أو لمواشي الصدقة أو خيول المجاهدين، و نظير ذلك تعيينها محلا للسيارات العسكرية و الأدوات الحربية الساكنة و المتحركة و مطارا للطائرات العسكرية و نحو ذلك، فإن الحمى كالإقطاع يفيد الأحقية لمورد الغرض، ثم ليعلم أنهم ذكروا أن للموات أحكاما ثلاثة: الإحياء و الإقطاع و الحمى فجعل عدم الأخيرين شرطا للأول فيه مسامحة لاشتراط كل منها بعدم سبق غيره لكن الأول كلي و الأخيرين خاصان.


و أما الثالث: و هو أحكام الإحياء فقد ذكروا ان من آثاره و أحكامه المترتبة عليه تحقق الحريم له في الغالب، و الحريم عبارة عن مقدار من الأرض و المكان يلازمه التصرف في المكان المحيي و يحتاج إليه تمام الانتفاع به، و يختلف ذلك زيادة و نقيصة و قربا و بعدا، و هو و إن كان أمرا عرفيا إلا انهم ذكروا في الفقه لذلك بعض المصاديق كحريم الدار، و حريم البئر، و العين، و القناة، و النهر المحدث، و القرية، و البستان، و الطريق، و المطار، و نحوها، و الأشهر ان الحريم يكون ملكا لمالك ذي الحريم و قد يقال بكونه أحق بذلك من دون ملكية فهو كالمحجر، و هو إنما يلاحظ في الأرض الموات و لا حريم في ملك الغير أو متعلق حقه.

تنبيه: ذكر الأصحاب أنه لا إحياء للمعادن الظاهرة و هي التي يبدو جواهرها من غير عمل و سعي، كالملح و الكبريت و الموميا و القير و حجر الرحى و المرمر مما كان ظاهرا، فلا يجري فيها إحياء و لا تحجير فإنه مقدمة للاحياء بل يجوز لكلّ أحد الأخذ منها و هو حيازة و ليس له منع غيره، و قد يقال انه لم يبق للمعادن الظاهرة في هذا الزمان مصداق و للكلام محل آخر. و أما المعادن الباطنة و هي التي يحتاج إظهار جواهرها إلى العمل و السعي، كالذهب و الفضة و الحديد و النحاس و سائر الجواهر المبثوثة تحت الأرض و في داخل التراب، فهي قابلة للإحياء و يتحقق إحياؤها بانتهاء السعي و التنقيب إلى جوهرها فما لم يبلغ فالعمل تحجير فإذا بلغ تحقق الإحياء و ملك المحيي الجوهر، و هذا نظير البئر فما لم تبلغ الماء فالعمل تحجير و بعد البلوغ صدق الإحياء و ملكية الماء، و بعض الكلام في المقام مذكور تحت عنوان المعدن و الشركاء.

* أذن قوم الأذان و الإقامة*

في المجمع: الأذان بفتح الفاء لغة في الإعلام و الإجازة إما من الإذن بمعنى العلم أو من الإذن بمعنى الإجازة و على التقديرين إما أصله الإئذان كالأمان بمعنى الإيمان و العطاء بمعنى الإعطاء أو هو فعال بمعنى التفعيل كالسلام و الكلام بمعنى التسليم و التكليم، و شرعا ألفاظ


متلقّاة من الشارع انتهى. و في النهاية: الأذان هو الإعلام بالشي‌ء يقال أذن يؤذن إيذانا و أذّن يؤذّن تأذينا و المشدّد مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة انتهى. و الإقامة في الأصل الإدامة.

و كيف كان فالأذان في اصطلاح الشرع و الفقهاء عبادة قولية خاصة مشروعة من قبل الشارع مقدمة عبادية ندبية للصلوات اليومية و عبادة مستقلة في موارد معدودة، و كذلك الإقامة بعينها. و قد وقع البحث عنهما في الفقه في كتاب الصلاة تارة في موارد تشريع الأذان أو تشريعهما معا و أخرى في بيان حقيقتهما المجعولة الواصلة إلينا من الشرع، و ثالثة في موارد سقوط الأذان من مواقع التشريع، و رابعة في مواطن سقوطهما معا، و خامسة في شرائطهما المجعولة من الشرع.

أما الأول: و هو مواطن التشريع فهي كثيرة أو لها مبادئ أوقات الفرائض اليومية فقد شرع فيها أذان الإعلام بملاك إعلام الناس بدخول أوقاتها و تنبيههم بتوجه خطابها و دعوتهم إلى إقامتها، تشهد به السيرة المتصلة إلى زمن المعصوم، بل الضرورة من الدين و النصوص الكثيرة.

و ثانيها: عند إقامة إحدى الصلوات اليومية فقد شرع اللّه تعالى الأذان و الإقامة حينئذ قبل الدخول فيها تشريعا ندبيا راجحا مؤكد الرجحان من غير فصل معتدّ به بينهما و بين الصلاة لا سيما الإقامة، في أي وقت أراد إقامتها، و هنا خلاف في أصل تشريعهما لبعض الصلوات الخمس مذكور في محله و لا يشرعان في غير اليومية من الصلوات واجبة كانت أم مندوبة.

ثالثها: حين ولادة المولود يوم تولده أو قبل أن تسقط سرّته، فإنه يستحب حينئذ أن يقرأ الأذان في أذنه اليمنى و الإقامة في أذنه اليسرى.

رابعها: عند كون الإنسان في الفلوات مع وحشته عن غير الإنسان من الأجنّة و الأرواح الخبيثة، فقد ورد استحباب ان يؤذّن المستوحش حينئذ رجاء دفع أذاهم.

خامسها: إذا ترك الإنسان أكل اللحم أربعين يوما أو إذا ساء خلق الإنسان أو ساء


خلق الدابة فإنه يستحب قراءة الأذان في أذانهم.

أما الثاني: فقد ذكروا ان فصول الأذان ثمانية عشر و هي: اللّه أكبر أربع مرات، أشهد أن لا إله إلا اللّه مرتين، أشهد أن محمدا رسول اللّه (ص) مرتين، حيّ على الصلاة مرتين، حيّ على الفلاح مرتين، حيّ على خير العمل مرتين، اللّه أكبر مرتين، لا إله إلا اللّه مرتين، و فصول الإقامة سبعة عشر نظير الأذان، مع إسقاط تكبيرتين من أوله و تهليل واحد من آخره و إضافة قد قامت الصلاة مرتين بعد حيّ على خير العمل، و ترجع حقيقتهما إلى تكرير الأخبار عن كبرياء ذاته تعالى و تكرير الإقرار بالشهادتين و دعوة العامة إلى الصلاة التي هي الفلاح و خير الأعمال و تتميمها بالتهليل.

ثم ان الشهادة بالولاية و إمرة المؤمنين لعلي (ع) ليست من الأذان و لا من الإقامة لكن لا بأس بها فيهما لا سيما في أذان الإعلام لا بقصد الجزئية بل عملا بعمومات إظهار الحق و الإقرار بالولاية و إبراز المودة للقربى.

و أما الثالث: فقد ذكروا أن الأذان يسقط في موارد أحدها في عصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الجمعة أو الظهر لا مع التفريق، ثانيها في عصر عرفة إذا جمعت مع الظهر لا مع التفريق، ثالثها في العشاء ليلة المزدلفة مع الجمع أيضا، رابعها في العصر و العشاء للمستحاضة التي تجمع بين الصلاتين، خامسها عن المسلوس و نحوه إذا اضطر إلى الجمع.

و أما الرابع: فيسقطان معا عن الداخل في الجماعة إذا أذّنوا و أقاموا، و عن الداخل في المسجد للصلاة منفردا أو جماعة و قد تمت الجماعة و فرغوا و لم يتفرق الصفوف، و ذكروا للسقوط هنا شروطا، و عن المستمع لأذان الغير أو إقامته على إشكال فيه، و عن الحاكي لأذان الغير أو إقامته فله أن يكتفي بهما.

و أما الخامس: فقد ذكروا انه يشترط في الأذان و الإقامة أمور، الأول نيّة التقرب لكونهما عبادة و في وجوبها في آذان الإعلام إشكال، الثاني الترتيب بين الآذان و الإقامة بتقديم الأول على الثاني، الثالث الموالاة بين الفصول فيهما على وجه تكون الصورة محفوظة، الرابع دخول الوقت فلا تصحّان قبله، الخامس الطهارة في الإقامة.


* ردد الارتداد*

مفهوم الارتداد في اللغة معلوم فإنه عبارة عن الرجوع عن الشي‌ء و الانصراف عنه، يقال ارتد عن كذا إذا رجع عنه، و هو في اصطلاح الشرع و المتشرعة عبارة عن رجوع المسلم علما اختاره من الاعتقاد بالإسلام و اختياره الكفر بعده، سواء لم يكن إسلامه مسبوقا بالكفر أو كان مسبوقا به، و هو من أفحش أنواع الكفر و أغلظها و أعظمها ظلما و عقوبة، لا سيما في المرتد الفطري و لا سيما إذا خرج إلى الزندقة و نفى المعبود أو الإشراك به تعالى و نعوذ باللّه من الجميع، و قد رتّب عليه في الشرع أحكام كثيرة تكليفية و وضعية و وقع الكلام فيه في الفقه في أمور: بيان حقيقته، و طريق ثبوته، و أقسامه و أحكامه.

أما حقيقة الارتداد فيظهر من الأصحاب أنها عبارة عن إنكار المسلم قلبا لما يجب الاعتقاد به أو اعتقاده بما يجب الاعتقاد بعدمه، بل و تردّده في بعض الأصول الاعتقادية مع عدم اعتنائه بإزالة شكّه، فهو أمر باطني قلبي، و قد يقال بانطباقه على الفعل الخارجي أحيانا كما ستعرف.

و يكفي في إثباته إقراره على نفسه بالخروج عن الإسلام و انتحاله بعض أنواع الكفر و بقيام البينة على ذلك و بكل فعل عمدي دل على الاستهزاء بالدين و الاستهانة بالإسلام و الإعراض عنه، كإلقاء المصحف في القاذورات و تمزيقه و وطئه بالأرجل و استهدافه إهانة، و تلويث الكعبة المعظمة أو أحد الضرائح المقدسة بالقاذورات، و السجود للصنم و الشمس و نحوهما و نعوذ باللّه من جميعها و يثبت الارتداد أيضا بالنسبة لذي مذهب خاص إنكار بعض ضروريات ذلك المذهب كإنكار الإمامي أحد الأئمة عليهم السلام أو عدالته و إنكاره المتعة و نحو ذلك.

و أما أقسامه فقد ذكروا أن الارتداد على قسمين، الأول ارتداد من ولد على الإسلام بمعنى كون أحد أبويه أو كليهما مسلما حال انعقاد نطفته مع قبوله الإسلام بعد بلوغه أو بعد تمييزه ثم ارتدّ عنه، فلا يكفي الارتداد عن الإسلام التبعي فقط و قيل بكفاية مجرّد ولادته على الإسلام فإذا ارتد كان ارتداده عن فطرة قبل الإسلام بنفسه أم لا و هو ضعيف،


و يسمى هذا بالمرتد الفطري لأنه رجع عن مقتضى فطرته و هو التوحيد و أصول الدين لقوله تعالى‌ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اَللََّهِ اَلَّتِي فَطَرَ اَلنََّاسَ عَلَيْهََا) فرجع عنه بعد أن توجه إليه و قبله.

الثاني: الارتداد عن الإسلام المسبوق بالكفر الأصلي و يسمى الشخص بالمرتد الملي، لانه ارتد عن الملة الحنيفية الإلهية التي انتحلها بدعوة الأنبياء.

و أما الأحكام المترتبة على الفطري فهي طوائف: الأولى: الأحكام التكليفية و الوضعية التي رتبت في الشريعة على الكافر بعنوانه الأعم الشامل للمرتد و غيره: من حرمة نفس الكفر، و نجاسة بدن الكافر، و كفر أولاده تبعا، و حرمانه عن إرث المسلم، و حرمة تزويجه المسلمة، و غير ذلك مما ذكر تحت عنوان الكفر. الثانية: الأحكام المترتبة على خصوص المرتد عن فطرة و هي ستة: حرمة نفس ارتداده تكليفا حرمة مؤكدة مغلظة، و استحقاقه القتل، و عدم قبول توبته في الجملة، و خروج زوجته عن حبالته، و لزوم اعتدادها عدّة الوفاة، و انتقال أمواله إلى وارثه و الظاهر أن هذه الأحكام لا خلاف فيها عند الأصحاب بل ادعى عليها الإجماع بقسميه. الثالثة: قبول توبته بالنسبة لترتب أحكام الإسلام الكلية عليه من طهارة بدنه و جواز نكاحه المسلمة و إرثه من المسلم و غيرها و إن لم تقبل بالنسبة لإسقاط قتله و رجوع زوجته إليه بالعقد السابق و رجوع أمواله الموروثة، و هذه الأحكام تختص بالفطري و لا تعم الفطرية كما ستعرف.

و أما الأحكام المترتبة على المرتد الملي فهي حرمة نفس ارتداده كما سمعت، و انفساخ نكاح زوجته، و لزوم اعتدادها من حين ارتداده عدة الطلاق، و وجوب استتابته بإمهاله ثلاثة أيام فإن أسلم فيها رجعت إليه و إلا قتل، و ورثه أرحامه، و المرتدة مطلقا فطرية أو ملية بحكم المرتد الملي و لكن لا قتل لها، و أموال الملي باقية على ملكه فيؤخذ منها نفقة عياله ما دام حيا، و غير البالغين من أولاده بحكم المسلم فلا يتبعونه في الارتداد فإذا بلغوا اختاروا.


* رمس الارتماس*

الرمس في اللغة التغطية و الدفن يقال رمسه أي غطّاه و دفنه، و ارتمس في الماء انغمس، و في المجمع: رمست الميت رمسا من باب قتل دفنته، و الصائم يرتمس و لا ينغمس كأن المراد يغمس بدنه و لا يغمس رأسه انتهى. و ليس للفظ معنى اصطلاحي خاص بل هو بمعناه اللغوي وقع في الفقه مورد البحث تارة:

في الغسل فذكروا ان الغسل على قسمين ترتيبيّ و ارتماسيّ و كلاهما صحيحان تامان، و الثاني هو الدخول في الماء دفعة واحدة عرفية بحيث ينغمس تمام البدن فيه، و ذكروا انه يقع على نحوين بل أنحاء: ارتماسيّ تدريجي و هو قصد كون أول الغسل من حين وصول أول جزء من البدن إلى الماء و آخره دخول آخر الجزء فيه، و ارتماسيّ دفعي و هو قصد حصول الغسل في آن تمامية غمس البدن في الماء، أو قصد الغسل دفعة بعد حصول تمام البدن تحت الماء، و الكلام فيه مذكور تحت عنوان الغسل.

و أخرى في أجزاء الغسل الترتيبي أي جواز غسل كل عضو من أعضائه برمسة في الماء.

و ثالثة في أجزاء الوضوء بجواز غسلها برمس كل عضو من أعضاء الغسل في الماء بقصد غسله مع رعاية كون الغسل من الأعلى.

و رابعة في باب الصوم فعدّوا الارتماس فيه من مبطلاته لكن المراد به في هذا الباب غمس خصوص ما فوق الرقبة من الرأس في الماء و إن كان سائر الجسد خارجا عنه من غير فرق بين الرمس دفعة أو تدريجا لكن بحيث يحصل تمام الرأس في الماء في زمان واحد، و المبطل غمس الرأس في الماء المطلق لا في المضاف و لا في غير الماء من المائعات.

* ورث فرض الإرث و الميراث و الفريضة*

ورث يرث إرثا و وراثة و تراثا المال من فلان انتقل إليه ماله بالموت، و ورث الرجل مالا جعله له ميراثا، و الإرث و التراث و الميراث تركة الميت جمعها مواريث، و في المجمع:

و تأكلون التراث أكلا لمّا، التراث بالضم ما يخلفه الرجل لورثته، و أصله الواو أي الوارث‌


فقلبت الواو تاء انتهى. و في المفردات: الوراثة و الإرث انتقال قنية إليك من غيرك من غير عقد و لا ما يجرى مجرى العقد، و سمى بذلك المنتقل عن الميت فيقال للقنية الموروثة ميراث و إرث، و تراث أصله وراث فقلبت الواو تاءا و يقال ورثت مالا عن زيد و ورثت زيدا انتهى.

و كيف كان الإرث أما مصدر و هو انتقال المال من الميت إلى الحي أو نفس المال المنتقل إليه، و يطلق عليه بالمعنى الثاني الفرائضة أيضا و هي التي قد يصدر بها كتاب الإرث يريدون بها السهام المفروضة أي المقدّرة المقطوعة، أو السهام الواجبة بتشريع اللّه تعالى أو السهام المعطاة للوارث بيد الشارع.

ثم إنه وقع البحث عن الإرث و الميراث في الفقه بل البحث عنهما من مهام الأبحاث الفقهية و قد أشير في الشريعة إلى نفس التوارث، و إلى أسبابه و مقتضياته، و إلى موانعه، و إلى مقادير السهام، و الأصناف المستحقين لها، و إلى ما يلحق بذلك من المقاصد.

أما الأول: فالظاهر الذي لا ينبغي الريب فيه كون التوارث بين الأحياء و الأموات أمرا عقليا أمضاه الشارع و جعله من أمهات الفروع الدينية أما كونه عقليا فلأن الوارث في الجملة وجود بقائي للميت كالولد بالإضافة إلى الوالد، فاللازم كون تركته له لا لغيره من الأجانب، مع أنه لو لم يورث الأرحام و الأقارب يدور أمر التركة بين إتلافها أو إعطائها الأجانب البعداء، و كلاهما غير مرضي عند العقل، و أما كونه عقلائيا فقد جرت سيرتهم بذلك بلا إشكال منذ خلق اللّه الناس و قضى بينهم بالموت، و أما كونه ممضى من الشرع فلقوله تعالى‌ (لِلرِّجََالِ نَصِيبٌ مِمََّا تَرَكَ اَلْوََالِدََانِ وَ اَلْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّسََاءِ نَصِيبٌ مِمََّا تَرَكَ اَلْوََالِدََانِ وَ اَلْأَقْرَبُونَ مِمََّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (النساء 7) و قد أشير في الآية الشريفة إلى أصل التوارث و لزوم كونه بين الأرحام و الأقارب و شموله للقليل من التركة و الكثير منها.

و أما الثاني: أعني أسباب التوارث و مقتضياته فقد قسموه أولا إلى نسب و سبب و الأول: عبارة عن اتصال أحد الشخصين بالآخر بالولادة أما بانتهاء أحدهما إلى الآخر أو بانتهائهما إلى ثالث، و هو ينقسم إلى ثلاث مراتب المرتبة الأولى الأبوان و الأولاد و ان نزلوا، المرتبة الثانية الأجداد و الجدات و إن علوا و الأخوة و الأخوات و أولادهم و ان‌


نزلوا، المرتبة الثالثة الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و أولادهم و ان نزلوا، و الثاني:

عبارة عن اتصال أحدهما بالآخر بزوجية أو ولاء و هو بفتح الواو القرب و الدنو، و المراد هنا تقرب أحد شخصين بالآخر بطريق غير النسب و الزوجية، و هو ثلاثة أقسام ولاء العتق، و ولاء ضمان الجريرة، و ولاء الإمامة.

و أما الثالث: أعني الموانع و يطلق عليها الحواجب أيضا، فقد ذكروا أنها على قسمين: قسم يمنع عن أصل التوارث و يسمى حجب الحرمان و قسم يمنع عن استحقاق الزيادة و يسمى حجب النقصان. و حجب الحرمان أربعة:

الأول الكفر فلا يرث الكافر من المسلم و إن كان أقرب الأرحام منه و يختص إرثه بالمسلم و إن كان أبعدهم فلو مات المسلم و له ابن كافر و أخ أو عم مسلم ورثة الأخ أو العم دون الابن، بل لو كان له ابن كافر و ليس له مناسب أو مسابب غير الإمام عليه السلام ورثه الإمام.

الثاني: القتل فلا يرث القاتل من تركة المقتول إذا قتله عمدا و ظلما، و يرثه ان قتله بحق كما إذا كان قصاصا فلو قتل أحد الأخوين الآخر فاقتص الأب من ابنه القاتل ورثه، و كذا لو قتله حدا أو دفاعا أو خطاء محضا، و أما شبه الخطأ كان أراد الأب تأديب ابنه فمات ففي إرثه منه خلاف أظهره ذلك.

الثالث: التولد من الزنا فكل رحم انتسب إلى رحمة بالزنا لا يرث منه فالمتولد من الزانيين لا يرثهما و لا يرثانه، و لو كان أحدهما زانيا دون الآخر كما إذا وطئها عن شبهة أو إكراه أو اضطرار أو غيرها لم يرث الزاني و ورث غيره، و لو مات ولد الزنا لم يرثه أبواه، و ورثته زوجته و ولده، و ليس المتولد من الوطء حال الحيض أو في نهار شهر رمضان أو في حال الإحرام بحكم الزنا، فيتوارثان.

الرابع من الموانع اللعان فلو رمى الزوج زوجته بالزنا أو نفي ولده اللاحق به شرعا و لم تكن له بينة فلاعنها عند الحاكم بطل النكاح و انتفى السبب بين الأب و الولد و لم يتوارثا.

راجع اللعان.

و أما حجب النقصان أي ما يمنع عن بعض الإرث فقد ذكروا أنه أمور منها: قتل الخطأ


محضا و شبه الخطأ فإنه يمنع القاتل عن خصوص الدية دون التركة فلو قتل الولد أباه خطأ و لم يكن للأب ولد غيره و كان له عم ورث تركة أبيه و أدى الدية إلى عمه، و منها وجود الأكبر من أولاد الميت فإنه يمنع الباقين عن الحبوة خاصة دون غيرها. و منها وجود الولد مطلقا فإنه يمنع كلا من الزوجين عن النصيب الأعلى إلى غير ذلك.

و أما الرابع: و هو مقادير السهام و من يستحقها فالسهام المفروضة التي بينها اللّه تعالى في كتابه الكريم ستة: النصف و الربع و الثمن، و الثلثان و الثلث و السدس، و هذه المقادير مما اخترعه الشارع و أنشأه و تعبّد به في مقام توارث الأرحام و المتيقن تشريعها في هذه الشريعة، و قد عينها اللّه تعالى للأرحام قريبهم و بعيدهم، و لا حظ حال قرب الرحم و بعده في زيادة الحظ و نقصه، و قد يعبر عن تلك السهام بأنها النصف و نصف النصف و نصفه و الثلثان و نصفهما و نصف نصفهما، و في المسالك: ان أخصر العبارات عنها ان يقال هي الربع و الثلث و ضعف كل و نصفه.

و كيف كان فالنصف للبنت الواحدة إذا لم يكن معها غيرها، و للأخت الواحدة للأبوين أو للأب فقط، و للزوج إن لم يكن للزوجة ولد.

و الربع للزوج إن كان للزوجة ولد و للزوجة إن لم يكن للزوج ولد.

و الثمن للزوجة إن كان للزوج ولد، و الثلثان للبنتين فصاعدا مع عدم الابن للميت، و للأختين فصاعدا للأبوين مع عدم وجود الأخ للأبوين أو للأب مع عدم الأخ لأب.

و الثلث للأم إن لم يكن للميت ولد و لم يكن له أخوة متعددون، و للأخ و الأخت من الأم مع التعدد.

و السدس للأب مع وجود الولد، و للأم مع وجود الحاجب و هو الولد أو الأخ أو الأخت مع التعدد.


* أرض الأرض*

الأرض في اللغة و العرف معروفة و هي موطن الإنسان و مأواه و محلّ موته و محياه منذ خلقه اللّه منها و برأيه، أو منذ أهبطه اللّه إليها و أنزله، و هي كرة من الكرات الدائرة السائرة في الجو و جزء من أجزاء المنظومة الشمسية التي نحن فيها، تدور حول الشمس في كل سنة مرة واحدة يسمى دورانها ذلك بالحركة الانتقالية و ينتزع منها السنة الشمسية، و تدور حول نفسها في كل أربعة و عشرين ساعة مرة واحدة يسمى بالحركة الوضعية و ينتزع منها الليالي و الأيام، و تتكرر حركتها الوضعية في مدة حركتها الانتقالية ثلثمائة و خمسا و ستين مرة و تتحصل منها أيام السنة الشمسية، و وجود انحراف مّا في ناحية قطبيها سبب لتولد الفصول الأربعة طول السنة الشمسية.

ثم إنه ليس للكلمة اصطلاح خاص شرعي أو فقهي إلا أنه يقل استعمالها في نفس الكرة الدائرة و يكثر استعمالها في وجهها و ظاهرها و قطعاتها التي يسكنها الإنسان و يتصرف فيها.

و تنقسم بهذا اللحاظ إلى أقسام كثيرة حسب اختلاف الحوادث المستندة إليها، و قد وقع كل قسم منها موردا للحكم في الشريعة و موضوعا للبحث في الفقه، و جملة ما يظهر لنا من حيث كرؤيتها و من حيث سطحها و قطعاتها المختلفة، الأقسام التالية ذكرها أكثر الأصحاب في مواضع مختلفة من الفقه.

القسم الأول: الأرض من حيث انتساب الزمان الشمسيّ إليها بأيّامه و لياليه و شهوره و أعوامه، لتولدها من حركاتها كما عرفت و يرتب عليها بهذا اللحاظ أحكام كثيرة في الشريعة تعرف بالمراجعة إلى عنوان الوقت و الزمان و الشهر و السنة.

القسم الثاني: الأرض الموات بالأصالة و هذا العنوان أحد العناوين الأربعة التي تعرض على الأرض بلحاظ عدم سبق يد أحد عليها بالعمارة و سبقها، و العناوين هي الموات بالأصالة، و العامرة بالأصالة، و العامرة بالعرض، و الموات بالعرض، و ملاك القسمة انه اما أن لا تصل يد الإنسان العامرة إليها أو تصل، و على الأول فاما ان لا يكون لها في نفسها حياه أو تكون، و على الثاني اما ان تدوم اليد عليها أو تزول. ثم انه لا فرق في‌


هذا القسم بين ما علم عدم سبق يد عليها أو لم يعلم أو علم السبق و لكن لم يبق منهم شخص و لا عنوان، و المذكور عند أصحابنا ان هذا من الأنفال و هي للإمام و يجوز إحياؤها لكل أحد.

القسم الثالث: الأرض العامرة بالأصالة على ما عرف و ذكروا ان حكمها حكم الموات بالأصالة، و حيث أنها محياة بالذات معدة للانتفاع فتملّكها يحصل بتحجيرها أو بالاشتغال بالانتفاع بها.

القسم الرابع: الأرض المحياة بالعرض و هي الأملاك الفعلية للأشخاص فاما ان تكون للمسلم أو للكافر، و المسلم اما ان يكون قد تملكها بالإحياء أو بالشراء و نحوه و لكل قسم حكم مذكور في باب الأحياء.

القسم الخامس: الأرض التي عرض عليها الممات بعد الحياة و هي أما ان تكون الحياة السابقة بالأصالة لا من معمر أو تكون من معمر بالإحياء فعلى الأول فهي باقية على حالتها الأولى و على الثاني ففي رجوعها إلى حالتها الأصلية و عدمه اختلاف مذكور تحت عنوان الإحياء.

القسم السادس: الأرض المفتوحة عنوة و هي التي يأخذها المسلمون من الكفار بالحرب و إيجاف الخيل و الركاب، و هي لجميع المسلمين من زمان التسلط عليها إلى آخر الدنيا و ليست مختصة بالعسكر المحاربين، و لا بإمامهم المتصدي لأمرهم، نعم الظاهر من الأصحاب الاختلاف في كون خمسها أيضا للإمام، هذا في العامرة من أرض الكفار و أما الغامرة أي الموات فالظاهر بقاؤها على حكمها الأصلي.

القسم السابع: الأرض الميتة بالفعل التي علم لها مالك مجهول و الظاهر ان أمرها بيد الإمام.

القسم الثامن: الأرض التي تركها مالكها المعلوم حتى صارت ميتة.

القسم التاسع: الأرض العامرة التي لا رب لها بالفعل كما إذا مات أهلها بالحوادث و الزلازل فبقيت أملاكهم الأرضية، و الظاهر انها من قبيل تركة من لا وارث له فيكون من الأنفال و يملكها الإمام.


القسم العاشر: الأرض الحادثة المستجدة في دار الإسلام أو دار الكفر، كجزيرة ظهرت في وسط البحر أو النهر الكبير، أو ظهرت في شطوط البحار و الأنهار مما كانت تحت الماء قديما و هي من الأنفال.

القسم الحادي عشر: الأرض المفتوحة عنوة بيد المسلمين من غير إذن الإمام و الظاهر انها من الأنفال.

القسم الثاني عشر: الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام مع كونها من قطائع الملوك و هي من الأنفال و أمرها بيد الإمام.

القسم الثالث عشر: الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا و هي و إن كانت ملكا لهم و تترك في أيديهم، إلا انه يظهر من بعض الأصحاب أن لها حكما خاصا كعوده بعد الخراب ملكا لجميع المسلمين.

القسم الرابع عشر: الأرض التي انجلى عنها أهلها و تركوها، و الظاهر أنها من الأنفال و تكون ملكا للإمام.

القسم الخامس عشر: أرض الصلح أي التي صالح أهلها المسلمين على أن تبقى أرضهم بأيديهم و يعطوا لها الجزية و هذه تسمى أرض الجزية.

القسم السادس عشر: أرض الصلح إذا صالح أهلها المسلمين على أن تكون للمسلمين و تكون الجزية على رؤوسهم و حكمها حكم المفتوحة عنوة.

القسم السابع عشر: الأرض الحريم للمحياة كمراتع القرى و حريم البئر و نحوها و حكمها حكم ذي الحريم.

القسم الثامن عشر: الأرض المحجرة بيد مسلم أو غيره، و حكمها كونها متعلقة لحق المحجر من دون أن تكون ملكا له، فيملكها ذو الحق بالإحياء دون غيره.

القسم التاسع عشر: الأرض المحبوسة المحررة من قبل اللّه تعالى، كالمشاعر العظام من البيت الحرام، و منى، و المشعر، و عرفات، و كذا مسجد الكوفة، و الأقصى، و المشاهد المشرفة على الأظهر، و ليس لأحد التصرف فيها بغير العبادة أو التعمير.


القسم العشرون: الأرض المحبوسة على حقوق الناس من قبل الناس، كالمساجد و المدارس و المقابر و الربط و الشوارع و نحوها، و حكمها كسابقها.

القسم الحادي و العشرون: الأرض من حيث وقوع عقد المزارعة عليها، فإن عقدها يشمل على أركان أربعة: الأرض و البذر و العمل و العوامل، بل الظاهر من تعبيرهم في عقد الزراعة بأنه معاملة على الأرض بحصة من حاصلها انها أقوى أركانه، و أساس لصحته و ترتب الأثر عليه.

القسم الثاني و العشرون: الأرض من تركة كل ميت له زوجة ترثه فتختص من بين التركة بحرمان الزوجة الدائمة عنها عينا و قيمة، كانت بياضا أو مشغولة ببناء أو غرس أو غيرها.

القسم الثالث و العشرون: الأرض الطاهرة من حيث كونها مطهرة لبعض النجاسات ذكرها الأصحاب في باب المطهرات فراجع عنوان المطهر.

القسم الرابع و العشرون: أرض المسلمين من حيث كونها امارة لإحراز تذكية اللحم و الجلد المطروحين فيها، فقد ذكروا انها إذا كانت تحت سلطة الدولة الإسلامية حكم بطهارتهما و وقوع الذكاة على الحيوان الذي انفصلا عنه مع وجود أثر الاستعمال فيهما.

القسم الخامس و العشرون: أرض الكفار من حيث كونها امارة لإحراز كون اللحم و الجلد المأخوذين منها ميتة غير محلّلة، و هي مقدمة على الأصل.

القسم السادس و العشرون: أرض المسلمين و الكفار من حيث كونها امارة على حكم اللقيط المتخذ منها، ففي دار الإسلام أي التي كانت تحت سلطة الحاكم الإسلامي و لا يكون فيها كافر إلا و هو ذمي يحكم بإسلام لقيطها، و في دار الكفر النافذ فيها سلطة الكافر يحكم بكفر اللقيط، راجع عنوان اللقيط.

القسم السابع و العشرون: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، سواء كانت مزروعة أو مسكنا أو دكانا أو غيرها فيجب على الذمي بذل خمسها للإمام كما أن للإمام أن يطلب خمسها و يأخذه، و تفصيل ذلك تحت عنوان الخمس.


القسم الثامن و العشرون: الأرض التي لا يتمكن المسلم فيها من العمل بوظائفه الدينية الواجبة، أصولية كانت أو فروعية، كانت الأرض أرض كفر أو إسلام فإن السير إليها تعرّب بعد الهجرة محرم و في هذا مسامحة، فإن الحكم للمجتمع بل للسائر إليهم لا للمسكن و الكلام فيه تحت عنوان التعرب.

* برأ الاستبراء*

البرء بالضم و البراء و البراءة بالفتح فيهما في اللغة التخلص من عيب و قذارة و نحوهما، و البري‌ء الخالص الخالي، و استبراء طلب البراءة من الدين و العيب و القذارة، و قد كثر استعمال الاستبراء في باب الطهارة أو صار اصطلاحا فيها في عمل خاص تعبّدي مختص بالرجال، يعمل به بعد البول و انقطاع دريرته، و هو وضع الإصبع الوسطى من اليد اليسرى على ما يقرب من مخرج الغائط و المسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات، ثم وضع السبابة تحت الذكر و الإبهام فوقه و المسح بقوة إلى رأس الذكر ثلاث مرات، ثم عصر رأس الذكر ثلاث مرات، على اختلاف في كيفيته و هذا أحسنها، و هو مستحب نفسي أو شرطي، و فائدته على ما هو المشهور طهارة الرطوبة الخارجة من المخرج بعد البول المشتبهة بين البول و غيره، و عدم ناقضيتها للوضوء بحيث لو لم يستبرئ حكم بكونها بولا فتكون نجسا و ناقضة للوضوء، و ذكروا أيضا أنه لو اشتبهت الرطوبة الخارجة من الآلة بين البول و المني، فإن لم يستبرئ من البول فهو بول يوجب الوضوء فقط و إن كان استبرأ وجب عليه الوضوء و الغسل معا إلى غير ذلك.

ثم إن عنوان الاستبراء مذكور في الفقه أيضا في استبراء الحيوان الجلال و هو المعتاد بأكل عذرة الإنسان، و المراد به هناك منعه عن أكل العذرة و تغذيته علفا طاهرا حتى يزول الاسم، و به يتحقق الاستبراء و ينقلب غير المأكول مأكولا و يترتب عليه جميع آثار المأكول، من حلية لحمه و لبنه و بيضه و طهارة بوله و ورثه. فراجع المطهر الحادي عشر تحت عنوان المطهر.


* حيض الاستحاضة*

الاستحاضة في اللغة استفعال من الحيض اي سيلان دم المرأة، يقال استحيضت المرأة مجهولا أي استمر بها الدم بعد أيام عادتها فهي مستحاضة، و ظاهرهم عدم وجود البناء للمعلوم منه. و في القاموس: إن المستحاضة من يسيل دمها لا من المحيض بل من عرق العاذل انتهى. و تطلق كثيرا على نفس الدم الخارج.

و هي في اصطلاح الفقه عبارة عن دم بارد رقيق يخرج بغير قوة و حرقة بعكس الحيض و قد يكون على صفة الحيض، و ليس لقليله و كثيره حد، بل كل دم ليس من القرح و الجرح و لم يحكم بحيضيته فهو محكوم بكونه استحاضة.

ثم إنهم قسموا الاستحاضة على ثلاثة أقسام قليلة و متوسطة و كثيرة.

فالأولى: أن تتلوث القطنة التي أدخلها في فرجها من غير غمس فيها، فذكروا ان حكمها وجوب الوضوء عليها لكل صلاة، فريضة كانت أو نافلة و تبديل القطنة أو تطهيرها.

الثانية: أن يغمس الدم في القطنة و لا يسيل إلى خارجها من الخرقة و نحوها، و يكفي الغمس في بعض أطرافها أيضا، و حكمها مضافا إلى ما ذكر في القليلة من تعدد الوضوء و التطهير، الغسل قبل صلاة الغداة.

الثالثة: ان يسيل الدم من القطنة إلى الخرقة، و يجب فيها مضافا إلى ما ذكر غسل آخر للظهرين تجمع بينهما و غسل للعشاءين تجمع بينهما، و يجوز للمستحاضة مع الإتيان بما عليها من الأغسال و غيرها جميع ما يشترط فيه الطهارة حتى دخول المساجد و المكث فيها و قراءة العزائم و مس كتابة المصحف الشريف، و يجوز وطيها أيضا.

* حول الاستحالة*

الاستحالة استفعال من الحول و المراد طلب التحول من حال إلى حال أو طلب التنقل من موضع إلى موضع، و قد يطلق على صيرورة الشي‌ء محالا غير ممكن يقال استحال‌


الكلام أي صار معناه محالا. و المصطلح عليه في الفقه عبارة عن استحالة خاصة و هي تحول الأعيان النجسة أو المتنجسة و تبدل حقيقتها النوعية إلى نوع آخر غيرها، و ذكروا أن ذلك من المطهرات و أنها سبب لزوال النجاسة عن العين و عروض الطهارة لها، و كيف كان للاستحالة مصاديق، نظير صيرورة الخشب و نحوه من الأعيان النجسة رمادا أو دخانا، و صيرورة المائع النجس أو المتنجس بخارا، و صيرورة الميتة أو العذرة دودا أو ترابا أو جزءا للبقول و الخضروات و الأثمار، و صيرورة الكلب و الخنزير ملحا إذا وقعا في المملحة، و صيرورة النطفة حيوانا، و الطعام النجس جزءا من بدن المأكول لحمه، و صيرورة أجزاء الميتة أو نجس العين جزءا من بدن الإنسان كما يتفق كثيرا في عصرنا، هذا و أما تبديل الأوصاف و تفريق الأجزاء فلا يكون سببا للطهارة كالحنطة إذا صارت طحينا أو عجينا أو خبزا و الحليب إذا صار جنبا.

تنبيه: ذكروا انه ليس في الأدلة عنوان الاستحالة و لم يقع موضوعا لحكم فليس في الحكم المترتب عليها تعبد، بل لازم انعدام موضوع النجاسة عرفا زوالها عقلا، و اللازم من تحقق موضوع الطهارة حدوثها كذلك، فالضّابط في المقام ان يكون التبدل موجبا لتعدد الموضوع عرفا، و تولد المستحال إليه من المستحال عنه لتشمله أدلة المستحال إليه أو قاعدة الطهارة.

* خير الاستخارة*

الخير في اللغة و العرف بيّن و هو مقابل الشر، و خار الشي‌ء على غيره فضّله، و استخاره طلب الخير منه، و استخار اللّه العبد فخار له، طلب منه الخير فأولاه.

و كيف كان فقد ذكرت الاستخارة في النصوص و لم تقع في أغلب الكتب الفقهية مورد البحث لعدم تعلق حكم إلزامي بها، و الأحكام المندوبة كثيرة جدا و موضوعاتها غير محصورة، لكن العنوان له معنى آخر عند العرف كان متعارفا في الأزمنة السابقة في الجملة و كثر التوجه إليه فيما يقرب من عصرنا، و هو تحري كشف حال العمل الذي يريد الشخص‌


فعله من حيث الصلاح و الفساد و النفع و الضرر الدنيوية، من طريق التمسك بالمصحف الشريف، و السبحة، و كتابة الرقاع و نحو ذلك، و الصواب في هذا الباب ان يقال انه قد ورد عنوان الاستخارة في نصوص كثيرة يظهر منها سؤالا و جوابا كون المراد المعنى الذي ذكرناه و المستفاد من الجميع ان هنا عناوين:

الأول: الاستخارة بمعنى طلب الخير لسانا بالقول و الدعاء أو قلبا بالتوجه إلى اللّه و الرجاء عند الإقدام على عمل لا يعلم حاله، من سفر أو تجارة أو تزويج أو غيرها، ففي أخبار هذا العنوان (فصلّ ركعتين و استخر اللّه فواللّه ما استخار اللّه مسلم إلاّ خار له البتة) .

الثاني: الاستخارة بمعنى فتح المصحف الشريف و استفادة كيفية العمل و عاقبته منه، ففي خبر علي بن اليسع القمي: و افتح المصحف فانظر إلى أول ما ترى فيه فخذ به إن شاء اللّه.

الثالث: الاستخارة بالرقاع، و ورد فيها نصوص غير نقية السند و ففي خبر هارون بن خارجة إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها بسم اللّه الرّحمن الرّحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل، و في ثلاث منها بسم اللّه الرحمن الرحيم خيرة من اللّه العزيز الحكيم لفلان بن فلانة لا تفعل، ثم ضعها تحت مصلاك ثم صل ركعتين فإذا فرغت فاسجد سجدة و قل فيها مائة مرة أستخير اللّه برحمته خيرة في عافية ثم استو جالسا و قل اللّهمّ خر لي و اختر لي في جميع أموري في يسر منك و عافية، ثم اضرب بيدك إلى الرقاع فشوّشها و اخرج واحدة واحدة فإن خرج ثلاث متواليات افعل، فافعل الأمر الذي تريده، و إن خرج ثلاث متواليات لا تفعل فلا تفعله و إن خرجت واحدة افعل و الأخرى لا تفعل فأخرج من الرقاع إلى خمس فانظر أكثرها و اعمل به و دع السادسة لا تحتاج إليها. (الوسائل، ج 8، ص 68) .

الرابع: الاستخارة بالسبحة بأخذ قبضة منها و استكشاف الحال بالعدد الموجود فيها، لقوله عليه السلام، بعد بيان أذكار و أدعية: ثم تقبض قطعة من السبحة تضمر حاجة إن كان عدد القطعة زوجا فهو افعل و إن كان فردا لا تفعل. و بالعكس، و في خبر آخر إن كان عدد الحصى و السبحة فردا كان افعل و إن خرج زوجا كان لا تفعل.

الخامس: الاستخارة بالخواتيم، بأن يأخذ خاتمين يكتب في أحدهما افعل و في الآخر


لا تفعل، فيخرج أحدهما و قد ذكر في نفس الخبر أن العالم (أي الكاظم عليه السلام) سنّ الرقاع دون هذا.

السادس: الاستخارة بذكر ألفاظ و أذكار مكررا ثم العمل بما يترجح في قلبه و ينقدح في ذهنه بعده، مطلقا أو عند القيام للصلاة، لموثق حسن ائت المسجد فصلّ ركعتين و استخر اللّه مائة مرة ثم أنظر أيّ شي‌ء يقع في قلبك فاعمل به.

السابع: الاستخارة بالمساهمة و القرعة ففي خبر ابن سيابة قلت له كيف أساهم؟قال اكتب في رقعة-بعد ذكر دعاء-اعمل بهذا الطرف ثم أكتب في رقعة تلك الأدعية ثم اكتب اعمل بهذا الطرف انتهى.

هذا و لا يخفى عليك ضعف سند أغلب الوجوه المذكورة و المتيقن منها الموافق لأصول المذهب و قواعده هو الوجه الأول و لا يبعد اعتبار الوجه السادس أيضا.

* عوذ الاستعاذة*

الاستعاذة في اللغة الالتجاء يقال عذت بفلان و استعذت به لجأت إليه، و قد كثر استعمالها في الشرع و عند المتشرعة في قول أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم أو ما يشبه ذلك من الكلام، و ذكر الأصحاب انها تستحب بعد الصلاة بعد تكبيرة الإحرام و قبل القراءة، و ينبغي أن تكون إخفاتا و لو كانت الصلاة جهرية.

و يدل عليه قوله تعالى‌ (فَإِذََا قَرَأْتَ اَلْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ مِنَ اَلشَّيْطََانِ اَلرَّجِيمِ) و في النصوص تعوذ باللّه من الشيطان الرجيم عند كل سورة تفتحها، و عن أمير المؤمنين عليه السلام أعوذ باللّه أي امتنع باللّه، و انه قد أمر اللّه به عباده عند قراءة القرآن و من تأدب بأدب اللّه أداه إلى الفلاح الدائم (الوسائل ج 6 ص 197) .

و لا يبعد استحبابها عند الشروع في كل أمر ذي بال لقوله تعالى‌ (وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزََاتِ اَلشَّيََاطِينِ `وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (المؤمنون 97) و عند وصول وسوسة أو ضرر من الشيطان لقوله تعالى‌ (وَ إِمََّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ اَلشَّيْطََانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللََّهِ) انتهى.

(الأعراف 200) .


* نجو الاستنجاء*

الاستنجاء طلب النجو و هو في اللغة ما خرج من البطن من ريح و غائط، و أصله مصدر بمعنى الخلاص، و في النهاية يقال أنجى ينجي إذا ألقى نجوه و الاستنجاء استخراج النجو من البطن انتهى. و في المفردات أصل النجاء الانفصال من الشي‌ء و منه نجى فلان من فلان، و الاستنجاء تحري إزالة النجو انتهى. و المتحصل أن النجو اما بمعنى الخلاص أو الانفصال أو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط أو بول. و أما الاستنجاء فقد يستعمل بمعنى نفس التخلي بلحاظ كونه خلاصا و انفصالا عن القذرين و استخراجا لهما و قد يستعمل بمعنى إزالة البول و الغائط عن المحل بلحاظ تخليص المحل و إزالة القذر عنه بواسطة الماء و غيره، و هذا هو المعنى الذي كثر استعمال الاستنجاء فيه و صار مصطلحا عليه عند الأصحاب، يراد به الأعم من إزالة الغائط و البول بالماء و غيره.

و كيف كان فقد وقع الكلام فيه في الفقه في معناه الاصطلاحي، و حكموا بوجوب إزالة البول و الغائط عن محل خروجهما وجوبا غيريا مقدميا لتحصيل شرط الصلاة مطلقا و الطواف الواجب، و هو طهارة البدن.

و يشترط كون الإزالة في البول بالماء و يكفي إزالة الغائط بكل جسم قالع للنجاسة و لا يعتبر التعدد في غسل مخرج البول و إن كان أحوط، و يجب في الغائط ثلاثة أحجار و نحوها، و إن لم ينق المحل فإلى أن يحصل النقاء، و يشترط فيما يستنجي به قالعيته للنجاسة و طهارته.

* هلل الاستهلال*

أهلّ الهلال في اللغة ظهر، و أهل الرجل الهلال نظر إليه و أهلّ القوم الهلال رفعوا أصواتهم عند رؤيته، و أهل الصبي رفع صوته بالبكاء، و استهل القوم الهلال نظروه و استهل الصبي رفع صوته بالبكاء عند الولادة.

و ليس للاستهلال مصطلح خاص في الشرع الفقه، و قد وقع موضوعا للحكم في الشريعة و مورد البحث في الفقه في موارد:


منها: وقوع الحث عليه في أول شهر رمضان و شوال و ذي الحجة، فأوجبه بعض الأصحاب على الناس كفاية في المشهور المذكورة، و استحبه في غيرها استظهارا لحال الموضوعات الهامة، كالصوم و العيدين و غيرها و للشهادة بذلك عند الحاكم إذا لم يره الغالب و هكذا.

و منها: استهلال المولود عند الولادة، فقد وقع البحث عنه في باب النكاح و الإرث و الوصية فيما إذا شك في حياة المولود حين الولادة و عدمها، فإذا أحرز حياته كان وارثا لحصته من التركة من مورثه الذي مات قبل ولادته، و كان مستحقا للوصية و نحوها إذا كان هناك وصية أو وقف أو نذر تشمله مع حياته، و كذا يكون موضوعا لبعض الأحكام إذا استهل ثم مات مما يجهز به الميت من الغسل و الكفن و الدفن.

ثم إن المراد بالاستهلال هنا مطلق ما يحرز به حياة الوليد، صياحا كان أو حركة أو تنفسا أو غيرها، و يثبت بالبينة و شهادة النساء خاصة، لأن الأمر مما لا يطلع عليه غيرهن في الغالب.

* أذن الاستيذان*

الاستئذان في اللغة و العرف بيّن، و هو طلب الإذن و الاستباحة في أمر من الأمور، و قد وقع موضوعا للحكم في الشريعة و موردا للبحث في الفقه في موارد:

منها: الاستيذان من المالك في التصرف في ماله، فذكروا أنه واجب شرطي في الشريعة فيحرم التصرف بدونه لانه اعتداء و أكل للمال بالباطل، و في حكمه الاستيذان من الولي و الوكيل و الوصي إذا أراد التصرف، و في حكم الاستيذان من المالك الاتكال في التصرف على ترخيص الشارع في بعض الموارد، فإنه هو المالك بالأصالة، و ذلك كتصرّف الحاكم في مال الممتنع عن أداء حقوقه الخلقية أو الخالقية، و قد يبيح الشارع التصرّف مع بذل العوض كالمضطر الى كل مال الغير حفظا لنفسه، كما أنه قد يبيح الشارع بلا عوض، و لعل منه جواز أكل الشخص من البيوت الأحد عشر، في قوله تعالى في مقام‌


عدّ من لا حرج عليه‌ (وَ لاََ عَلى‌ََ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبََائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهََاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوََانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوََاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمََامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمََّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوََالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خََالاََتِكُمْ أَوْ مََا مَلَكْتُمْ مَفََاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) انتهى (النور 61) ) .

و منها: الاستيذان من ولي الأمر في الخروج عن المجلس أو عن المجتمع فيما إذا أمر بحضور عدة من القوم للاستشارة في أمر هامّ من الصلاح العام، فليس لأحد منهم الخروج بلا استيذان، قال تعالى‌ (وَ إِذََا كََانُوا مَعَهُ عَلى‌ََ أَمْرٍ جََامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتََّى يَسْتَأْذِنُوهُ) (النور 62) .

و منها: استيذان الزوجة للخروج عن بيت زوجها في غير حال الضرورة أو سفر الحج الواجب و نحوهما فإنه واجب حينئذ و تركه حرام و نشوز، راجع عنوان النشوز. و لعل من موارد السقوط جواز التصرف بالجلوس و النوم و الصلاة و نحوها في الأرض المتسعة المملوكة للغير، مع عدم حاجز عليها يكشف عن المنع و كذا الشرب و التوضي من المياه و الأنهار الصغار المملوكة للغير فضلا عن الكبار، و جواز أكل المارة من ثمر البستان إذا كان على الطريق مع شروط خاصة فإنها أما من موارد الاستيذان من الشارع و إذنه العام أو من موارد سقوط الاستيذان.

و منها: استيذان البالغين عند الدخول على بيوت غيرهم و إن كانوا محارم فذكروا انه واجب لقوله تعالى‌ (فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اِسْتَأْذَنَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) .

و منها: استيذان المملوكين و غير البالغين من الأولاد و الأرحام عند الدخول على الشخص في بيته و مسكنه، فإنه يستحب في ثلاثة أوقات قال تعالى‌ (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ اَلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمََانُكُمْ وَ اَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا اَلْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاََثَ مَرََّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاََةِ اَلْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيََابَكُمْ مِنَ اَلظَّهِيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاََةِ اَلْعِشََاءِ ثَلاََثُ عَوْرََاتٍ لَكُمْ) انتهى. و الظهيرة الظهر أي انتصاف النهار، و هذه ثلاث عورات أي أوقات ينبغي التستر فيهن.

و منها: استيذان الطبيب في عملية الجراحة فإن ذلك مع الاستيذان لا يستعقب ضمان الطبيب إذا انجر إلى فساد العضو أو أمر آخر.


* سرف بذر الإسراف و التبذير*

الإسراف في اللغة التبذير و التجاوز عن الحد و الإفراط في الأمر، يقال أسرف المال بذره و أفرط في صرفه، و في المجمع و قد فرق بين التبذير و الإسراف في أن التبذير الإنفاق فيما لا ينبغي، و الإسراف الصرف زيادة على ما ينبغي انتهى. و في المفردات السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان و إن كان ذلك في الإنفاق أشهر، و يقال تارة اعتبارا بالقدر و تارة بالكيفية انتهى. و التبذير التفريق و أصله إلقاء البذر و طرحه فاستعير لكل تضييع للمال.

ثم ان الظاهر أن المراد بالإسراف الذي ذكره الأصحاب في الفقه هو ضد القصد، أي التجاوز عن حد الاستواء عند الشرع و العقلاء في الفعل و المال، و من أظهر مصاديقه صرف المال في المصارف المحرمة، أو صرفه زيادة عن مقدار الحاجة بحيث بعد عبثا، و لعل الأول ما سماه في المجمع بالتبذير و الثاني ما سماه بالإسراف، أو الأول ما يقال من أنه أكل ما لا يحل، و الثاني مجاوزة الحد فيما يحل، و عن ابن مسكويه ان الأول الجهل بمواقع الحقوق، و الثاني الجهل بمقادير الحقوق و الأول يقال اعتبارا بالكيفية و الثاني اعتبارا بالقدر انتهى.

ثم انهم استدلوا على حرمة الإسراف و التبذير بدعوى الإجماع عليها بل و دعوى الضرورة من المذهب أو الدين، و بالكتاب الكريم كقوله تعالى‌ (كُلُوا وَ اِشْرَبُوا وَ لاََ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاََ يُحِبُّ اَلْمُسْرِفِينَ) و قوله‌ (إِنَّ اَلْمُبَذِّرِينَ كََانُوا إِخْوََانَ اَلشَّيََاطِينِ) و بالسنة كقوله صلّى اللّه عليه و آله: ان السرف أمر يبغضه اللّه تعالى، و قوله النفقة لا بد أن يكون بين المكروهين الإسراف و التقتير، فالنهي عنه و كونه مبغوضا و مكروها يدل على حرمته، و في المستند للفاضل النراقي ان حرمة الإسراف عامة في جميع المصارف فما ورد من انه لا إسراف في الطيب، أو الضوء، أو في الحج و العمرة، أو في المأكول و المشروب، ليس المراد نفي حرمة الإسراف بل المراد ان الإكثار في هذه الأمور مطلوب و التجاوز عن الحد في الجملة معفو.


* سلم أمن الإسلام و الإيمان*

الإسلام في اللغة جعل الشي‌ء سالما، و الإسلام الانقياد، و الإسلام التدين بدين الإسلام، و مجموع القوانين المنزلة من السماء على الأنبياء في كل عصر، و التسليم و السلام قد كثر استعمالها في التحية، و من مصاديقهما تسليمات الصلاة، و تسليم التحية الابتدائية، و تسليم التحية الجوابية، و قد ذكر التفصيل فيه تحت عنوان التسليم فراجع.

و كيف كان للإسلام في الاصطلاح إطلاقات:

الأول: الإقرار بالشهادتين أي الشهادة بالتوحيد و الرسالة لمحمد صلّى اللّه عليه و آله، سواء علم اعتقاد المقر بمضمونها أو لم يعلم بل أو علم بعدمه على الظاهر.

الثاني: الإقرار المذكور مع الإذعان بهما أو بجميع أصول الدين قلبا.

الثالث: مجموعة من الشرائع السماوية النازلة على الأنبياء عليهم السلام، بمعنى المقدار المشترك بين مجموع أصولها و فروعها فهي كالهيكل العظمى للشرائع الخمس المنزلة على نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و محمد عليهم الصلاة و السلام، لم يزد عليها شي‌ء منذ شرعت، و لم ينسخ منها كذلك و يرادفه الدين أيضا، فالزيادة و النقص و عروض التشريع و النسخ تكون بلحاظ غيرها من الأحكام المتفرعة على تلك الأصول.

ثم إن الإسلام يقرب من الإيمان في الجملة فإن للإيمان إطلاقين: أحدهما ما يقرب من المعنى الثاني للإسلام أو هما مترادفان فيه، و الثاني المعنى الأخص منهما و هو المعنى المذكور مع الاعتقاد بالولاية، فالإسلام بالمعنى الأول أعم من إطلاقات العنوانين كما أن الإسلام و الإيمان بمعناه أعم من الإيمان بالمعنى الثاني، و أما الشريعة فتطلق على المجموع من المشترك الثابت و الفروع التي تزاد عليه، فهي متعددة حسب تعدد ما جاء به أولوا العزم من الرسل قال تعالى‌ (إِنَّ اَلدِّينَ عِنْدَ اَللََّهِ اَلْإِسْلاََمُ) و قال تعالى‌ (لِكُلٍّ جَعَلْنََا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهََاجاً) و ذكر في الإيمان ماله مساس بالمقام فراجع.


* شور الإشارة*

مفهوم الإشارة في اللغة و العرف بيّن فإنها الإيماء و التلويح بشي‌ء يفهم منه ما يفهم بالنطق، كالإيماء بالأنامل و الكف و العين و الحاجب و غيرها.

و قد وقع البحث عنها في الفقه في موارد كثيرة، فيمن لا يقدر على التكلم كالأخرس، أو من عرض له ذلك لجهة أخرى إذا دلت على مقصود المشير على نحو الاطمئنان، و حينئذ فتقوم مقام كل لفظ إخباري أو إنشائي دال على المقصود، كالشهادات و الأقارير، و جميع العقود و الإيقاعات فيصح إنشاء البيع بها و الشراء و النكاح و الوصية و الطلاق و العتق و الإبراء، بل و تقوم مقام ما يدل على الإسلام من التكلم بالشهادتين، و ما يثبت به الكفر من ألفاظ الارتداد مع العلم بالمقصود، و تقوم مقام تكبير الصلوات و أذكارها الواجبة و المندوبة، بل و الركوع و السجود في بعض الأحيان، و مقام تلبيات الإحرام، و الابتداء بالسلام و جوابه، فتندب و تجب، و مقام الإنكار في الدعاوي و الأيمان الأصلية و المردودة، و مقام القذف بشرائطه، و قذف الرجل لزوجته، و نفى ولدها عنه و لعانه عند الحاكم و لعانها.

ثم أن الجميع مشروط كما عرفت بالعجز عن النطق، و أما الكتابة فهل يكتفي بها أيضا مع القدرة على الكتابة، أو تقدم عليها أو تقدم الكتابة أو يفصل بين ما كان مدلولها من قبيل الإنشاء كالعقود و الإيقاعات فتقدم على الكتابة، و بين ما كان مدلولها الاخبار فتقدم الكتابة، وجوه و التفصيل في الفقه.

ثم انه تثبت دلالة الإشارة على المقصود بالعلم بحاله و بالبيّنة المفسرة لها و بالكتابة.

* شرب الأشربة*

الأشربة جمع شراب و هو لغة و عرفا كل ما يشرب من المائعات، و ليس للكلمة معنى اصطلاحي في الشرع و الفقه لكنها موضوعة في الشريعة لأحكام هامة، و لأجله قد جعلت في الفقه كتابا بعنوان الأطعمة و الأشربة.


و حيث ان المحلل من الأشربة غير محصور فذكروا في المقام الأشربة المحرمة، و تعرضوا لفروع يتبين بها حقائق المحرمة من الأشربة و أقسامها و الأحكام المترتبة عليها و موارد استثنائها فذكروا انّ المحرم من المائعات على أقسام.

أولها: الخمر بأنواعها المختلفة.

ثانيها: كل مسكر مائع سمي خمرا أو لم يسم.

ثالثها: الفقاع إذا حصل فيه نشيش و غليان و إن لم يسكر، و هو شراب معروف كان يتخذ في الصدر الأول من الشعير.

رابعها: عصير العنب إذا غلي بنفسه أو بالشمس أو بالنار و لا يحل حتى يذهب ثلثاه و منه الماء في حبه العنب فإن علم بغليانه كما إذا وقعت في ظرف ماء يغلي و انخرقت الجلدة حرم.

خامسها: الدم من الحيوان ذي النفس و الظاهر انه لا إشكال و لا خلاف عندهم في حرمة أكله بأي طريق كان عدا ما يتخلف في ذبيحة المأكول في لحمه و شحمة، و فيما يجتمع في العضو غير المأكول كالطحال و القضيب و غيرهما إشكال، و أما الدم من غير ذي النفس فما كان يحرم أكله كالوزغ و الضفدع فهو حرام، و ما يحل أكله كالسمك فالمأكول منه مع اللحم لا بأس به، و الظاهر حرمة ما في البيضة و إن كان طاهرا، و راجع فيه عنوان الدم أيضا.

سادسها: كل مائع لاقته النجاسة فتنجس و لا إشكال في حرمته من جهة النجاسة.

سابعها: الأعيان النجسة من المائعات كأبوال ما لا يؤكل لحمه من الحيوان كان نجسا بالذات كالكلب و الخنزير أو طاهرا كالأسد و الذئب، و لا إشكال في نجاستها و حرمتها إجماعا بل و ضرورة.

و أما أبوال ما يؤكل لحمه كالإبل و البقر و الغنم و نحوها فهل هي محللة لطهارتها أو محرمة لاستخباثها وجهان بل قولان أحوطهما الحرمة و إن كان الجواز غير بعيد.

ثامنها: ألبان الحيوان المحرم أكله كلبن الأسد و الذئب و الثعلب و ما أشبهها و لا إشكال في‌


حرمتها و إن كانت طاهرة، للإجماع و مفهوم المرسل كل شي‌ء يؤكل لحمه فجميع ما كان منه من لبن أو بيض أو إنفحة فكل ذلك حلال طيب انتهى. و أما لبن الإنسان فمحل إشكال عند القوم و إن كان الأحوط تركه.

* ضرر الاضطرار*

الاضطرار في اللغة تحمل الضرر و المضطر مفتعل من الضرّ و أصله مضترر أدغمت الراء و قلبت التاء طاء لأجل الضاد فالمضطر من أحوجه المرض أو الفقر أو النازلة إلى ارتكاب فعل أو ترك يكرهه باطنا و لا يرتضى به قلبا، و يفترق من الإكراه جوهريّا بكونه أعم منه فإن الحامل على الفعل في الإكراه الإنسان الذي تعلقت إرادته بصدور العمل من المكره و الحامل في الاضطرار أعم منه و من كل حادثة أو نازلة توجهت إليه من إنسان أو غيره.

ثم إنه ليس للكلمة مصطلح خاص شرعي أو متشرعي بل هي بمعناها اللغوي و العرفي قد وقعت موضوعا للحكم في الشريعة و موردا للبحث في الفقه فذكروا أن الاضطرار من العناوين الثانوية الرافعة للأحكام الأولية، و أرادوا بذلك أنه إذا انطبق عنوان الاضطرار على فعل حرام بعنوانه الأولي ارتفعت حرمته و حلت للمضطر، كما إذا اضطر إلى شرب الخمر أو تناول الميتة و الدم و ذبائح الكفار و نحو ذلك، و إذا انطبق على ترك واجب جاز الترك كالاضطرار إلى ترك الصيام و الغسل و الوضوء و غيرها و موارد ذلك في الشرع كثيرة.

ثم إنهم ذكروا أن بين عنوان الإكراه و الاضطرار فرقا حكميا و هو أن الإكراه كما يرتفع به الأحكام التكليفية من الوجوب و الحرمة يرتفع به الأحكام الوضعية أيضا كالصحة في العقود و الإيقاعات كما ذكر تحت عنوان الإكراه، و لا يرتفع بالاضطرار الوضع، فإذا اضطر المكلف إلى بيع داره أو طلاق زوجته لا يكون ذلك سببا لبطلان العقد، و ذكروا أن السر في ذلك كون النصوص الحاكمة بالرفع بواسطة العناوين الثانوية كلها واردة مورد الامتنان كارتفاع التكليف بالخطإ و النسيان و الجهل و الإكراه، و مقتضاه صحة العقود و الإيقاعات إذا اضطر إليها المكلف لان رفعها ليس امتنانا بل تشديدا للاضطرار و راجع في ذلك عنوان الإكراه.


* طعم الأطعمة*

الأطعمة جمع طعام و هو في اللغة و العرف اسم لما يؤكل مطلقا و قد يطلق على البرّ و هو القمح و الحنطة. و ليس للكلمة اصطلاح خاص في الشرع و الفقه لكنها موضوعة في الشريعة لأحكام كثيرة تكليفية و وضعية، و لذلك جعلها الأصحاب عنوان كتاب في الفقه مقرونة بعنوان الأشربة، مع أن الأطعمة هي الركن الثالث من أركان ما يقوم به بدن الإنسان و جثته أولها الهواء و ثانيها الماء، و قد قسموا الطعام-أعني كلما يصلح أن يكون طعاما للإنسان-إلى أربعة أصناف: الحيوان البحري، و الحيوان البري، و الحيوان الجوي أي الطيور، و الأطعمة الجامدة غير الحيوانية.

و ليعلم قبل بيان حال الأصناف أن المحرم من أنواع الحيوان غير محصور، و المحلل منه محصور منضبط و لو بضابطة كلية، كقوله في حيوان الماء: كل ما كان سمكا و كان له فلس فهو حلال، و في حيوان البرّ: كل ما ليس له ناب و لا مخلب و لا كان من جنس الحشار و لا نصّ على تحريمه بالخصوص فهو حلال و هكذا، و إن كان هذا الضابط غير خال عن الخدشة، و هذا بخلاف الأطعمة غير الحيوانية كالأشربة فإن المحلل منها غير محصور و المحرم منها محصور مضبوط، و لذلك تعرض الأصحاب في الحيوان للمحللات و في الأطعمة للمحرمات. إذا عرفت ذلك فنقول:

أما القسم الأول: فقد ذكروا في بيان أقسامه و أحكامه فروعا كثيرة. نظير انه لا يؤكل من الحيوان البحري إلا السمك و الطير في الجملة، و يحرم غيرهما من أنواع حيوان البحر حتى ما يؤكل مثله في البرّ كالبقر و الجاموس و الفرس، و أنه لا يؤكل من السمك إلا ما كان له فلس و قشور بالأصل و إن زالت بالعرض كالكنعت و الروبيان. و أن بيض السمك تابع له في الحلية و الحرمة. و أن البيض المشتبه كونه من الحلال و الحرام محلل للأصل.

و أما الثاني: فقد ذكروا أن البهائم البرية على قسمين: إنسية و وحشية فيحل من الأول أصناف الغنم و البقر و الإبل و يكره الخيل و البغال و الحمير و يحرم ما وراء ذلك كالكلب و السنور، و يحل من الثاني الظبي و الغزال و البقر و الكبش الجبلي و اليحمور و الحمير،


و يحرم منه السباع كلها و هي المفترسة بظفر و ناب كالأسد و الذئب، و المسوخ كلها كالفيل و القردة و الدب و نحوها. و ذكروا انه يحرم الحشرات كلها كالحية و الفأرة و الضب و غيرها.

و أما الثالث: فذكروا أنه يحل من الطير الحمام بجميع أصنافه، و الدجاج بجميع أقسامه، و العصفور بجميع أنواعه، و يحرم منه كل ذي مخلب و ناب و الغربان بأنواعه على الأحوط. و أنه فيما لم ينص على حليته و حرمته من الطير يميز محلّله من محرّمه بأمرين:

أحدهما الصفيف و الدفيف و الأول بسط الجناحين عند الطيران و الثاني تحريكهما، فكل ما كان صفيفه أكثر فهو حرام، و كل ما كان دفيفه أكثر فهو حلال.

ثانيها الحوصلة و القانصة و الصيصية و الأول ما يجتمع فيه الحب و غيره عند الحلق، و الثاني قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة و نحوها مما يأكله الطير، و الثالث الشوكة التي في رجل الطير موضع العقب، فما كان فيه أحد هذه الثلاثة فهو حلال و ما لم يكن فيه شي‌ء منها فهو حرام من غير فرق بين طير الماء و البر، و بيض الطيور تابع لها في الحلية و الحرمة.

ثم إنهم ذكروا أنه قد تعرض على الحيوان المحلل بالأصل حالات توجب حرمته و هي ثلاث: الأول الجلل و هو اعتياده بتغذي عذرة الإنسان. الثاني صيرورته موطوءة الإنسان و إن لم ينزل قبلا أو دبرا، كان الواطي كبيرا أو صغيرا عالما أو جاهلا و كان الموطوء فحلا أو أنثى، فيحرم بذلك لحمه و لحم نسله و لبنه و صوفه، و هذا الحكم مخصوص بالبهائم. ثم إنه إن كان الموطوء مما يؤكل لحمه، يذبح و يحرق و يغرم الواطي قيمته لصاحبه، و إن كان مما يركب أخرج من المحل و بيع في غيره و ثمنه للواطي و يغرم هو قيمته للمالك إن كان غير المالك، و بعض الكلام فيه مذكور تحت عنوان الوطء. الثالث ان يرتضع الحمل أو الجدي أو العجل لبن خنزيرة حتى يقوى لحمه و يشتد عظمه و تزول الحالة بمنعه عن التعذى المزبور سبعة أيام.

و ذكروا أيضا انه يحرم من الحيوان المحلل كالشاة ثلاثة عشر شيئا: الدم، و الطحال، و القضيب، و الفرج، و الأنثيان، و المثانة، و المرارة، و النخاع و هو خيط أبيض كالمخ في وسط القفار، و الغدد و هي كل عقدة مدورة في الجسد، و المشيمة و هي موضع الولد، ـ


و قرين الولد، و العلباوان و هما عصبتان عريضتان ممتدتان على الظهر، و خرزة الدماغ و هي حبة في وسط الدماغ بقدر الحمصة، و الحدقة و هي الحبة الناظرة في العين لا جسم العين كله. و يؤكل من الذبيحة ما عداها.

و أما الرابع: فقد تعرض الأصحاب لخصوص المحرمات منه لما عرفت، و فرعوا لتبيين حالها من الجوامد موضوعا و حكما فروعا هامة، نظير أنه يمكن حصر ما لا يحل تناوله من الأعيان الخارجية في الكليات التالية. و هي: كل نجس حرام، و كل متنجس حرام و كل مضر حرام، و كل مسكر حرام، و كل خبيث حرام، و كل مغصوب حرام، و كل منصوص بحرمته خاصة حرام، و هذه معرفات إجمالية و إن تداخل بعضها في بعض، و مقتضى هذا الحصر أن كلما كان خارجا منها فهو حلال كما ان موارد الشك أيضا يكون كذلك و التفصيل في الفقه.

ثم إن الفقهاء قد استثنوا من عموم حرمة تناول الأطعمة المحرمة الموارد التالية.

الأول: طين قبر الحسين عليه السلام فإنه يجوز أكل شي‌ء منه للاستشفاء لا لغرض آخر إذا لم يزد عن مقدار الحمصة المتوسطة، و لا يلحق به المعصومون حتى النبي صلّى اللّه عليه و آله.

الثاني: الأكل من البيوت التي نفي اللّه الحرج عن الأكل منها حين خاطب المؤمنين بقوله (وَ لاََ عَلى‌ََ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبََائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهََاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوََانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوََاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمََامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمََّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوََالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خََالاََتِكُمْ أَوْ مََا مَلَكْتُمْ مَفََاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) انتهى. و الولد داخل في أول العناوين لأنه و ماله لأبيه، و الزوجة داخلة في الحكم نصا، و هذا الاستثناء من جهة جواز الأكل فيها من مال الغير و لو مع الشك في رضاه أو الظن بعدمه، و لو لم نقل به مع العلم بعدمه ايضا، و الحكم مختص بما يعتاد أكله لا نفائس الأطعمة التي تدخر للضيوف مثلا.

الثالث: موارد عروض العناوين الثانوية المجوزة، على موضوعات المحرمات الأولية، كالإكراه و الاضطرار و التقية و نحوها، فإذا توقف التخلص من المكره أو حفظ النفس أو النجاة من المرض أو الضعف أو الجوع أو العطش التي لا تتحمل عادة، أو


حفظ نفس اخرى محترمة كجنين الحامل و رضيع المرضعة، على تناول المحرم جاز ذلك، و الجواز في الموارد المذكورة يساوق الوجوب فهي محرمة التناول قبل عروض العناوين، و واجبة التناول بعدها، و الضرورات تتقدر بقدرها فلا تجوز الزيادة، و حكم الطبيب الحاذق الثقة كاف في الجواز و في انحصار الطريق فيها، و جواز التناول تكليفا لا يرفع الضمان وضعا فيضمن بدله لصاحبه لو كان للغير، و لا فرق بين حضور المالك حينئذ و غيبته.

* عكف الاعتكاف*

عكف القوم حول الشي‌ء و بالشي‌ء في اللغة استداروا عليه، و اعتكف بالمكان تحبّس فيه و لبث، و في المجمع قد عرّف الاعتكاف لغة باللبث المتطاول، و اصطلاحا باللبث في مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعدا للعبادة انتهى.

و في المفردات: العكوف الإقبال على الشي‌ء و ملازمته على سبيل التعظيم له، و الاعتكاف في الشرع هو الاحتباس في المسجد على سبيل القربة و يقال عكفته على كذا أي حبسته عليه لذلك انتهى.

و الاعتكاف في اصطلاح الشرع و الفقهاء عبادة خاصة مندوبة بالذات مجعولة من قبل الشارع، مخترعة بعنوان العبادة، تحتاج إلى النية و قصد القربة، و يترائى منهم الخلاف في أن حقيقته هل هي اللبث في المسجد بمعنى كون نفس للبث المقرون بالشروط عبادة، أو اللبث بقصد العبادة من صلاة و دعاء أو قراءة قرآن أو غيرها بمعنى كون اللبث مقدمة و إن كان الأظهر الأول.

ثم انه ذكر الأصحاب للاعتكاف شروطا خاصة عدا ما يشترط في غيره من العبادات عامة: أحدها الصوم فلا اعتكاف بلا صوم.

ثانيها: ان لا يكون أقل من ثلاثة أيام فلا اعتكاف في يوم و يومين و يجوز الأزيد من ذلك أيّ مقدار كان، ساعة و ساعتين و يوما، و ليلة، و أياما، و أسبوعا، و شهورا


و هكذا، نعم الظاهر انه لو اعتكف خمسة أيام وجب اليوم السادس و قيل كلما زاد يومين وجب الثالث و هكذا.

ثالثها: ان يكون في المسجد الجامع فلا يصح في غيره بل الأحوط كونه في المساجد الأربعة و هي المسجد الحرام و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و مسجد الكوفة و مسجد البصرة.

رابعها: استدامة اللبث ما دام معتكفا فلو خرج متعمدا في غير موارد الاستثناء بطل.

و ذكروا أيضا انه يحرم على المعتكف أمور أولها مباشرة النساء بالجماع و في اللمس و التقبيل إشكال، ثانيها شم الطيب، ثالثها التجارة بالبيع و الشراء و غيرهما إلا بمقدار مست الحاجة إليه، رابعها المجادلة و المماراة بقصد إظهار الفضيلة.

* فضو الإفضاء*

الإفضاء في اللغة الاتساع و التوسعة يقال أفضى المكان اتسع و أفضاه وسّعه، و في المجمع المفضاة من النساء التي مسلكها واحد يعني مسلك البول و الغائط انتهى و قد ذكر استعمال اللفظ في الفقه في إيجاد العيب الخاص في داخل فرج المرأة بالوطء إما بجعل المسلكين أي مسلك البول و الحيض واحدا، أو بجعل مسلكي الحيض و الغائط أو بجعل مسلكي البول و الغائط واحدا، و لازم الأخير طبعا اتحاد المسالك الثلاثة على اختلاف في ذلك بين الأصحاب، و الظاهر إمكان الجميع خارجا لتأييد الأطباء و مهرة الفن إمكانها، و الجميع إفضاء لغة و ليس للفظ حقيقة شرعية أو متشرعية فيكون الحكم مرتبا على المعنى اللغوي العرفي.

و كيف كان فقد ذكر الأصحاب أن المفضاة إما أن تكون كبيرة أو صغيرة و على التقديرين اما أن تكون زوجة أو أجنبية، فالصور اربع أما الكبيرة إذا كانت زوجة أو من أشبهها فلا يترتب على إفضائها شي‌ء من تكليف و وضع، و أما إذا كانت أجنبية فلا شي‌ء عليه أيضا غير الحرمة إذا كانت بغية و في غيرها كالموطوءة بعنف يترتب عليه حكم التحريم و ضمان العيب.


و أما الصغيرة فإن كانت زوجة فهي محل البحث في الفقه عمدة و يترتب على إفضائها بالوطء قبل البلوغ الأحكام التالية: 1-حرمته تكليفا 2-سببيته لتحريم الوطء أبدا مع عدم خروجها عن الزوجية 3-وجوب الإنفاق عليها أبدا إلى أن تموت أو يموت الزوج 4-ضمان الدية الكاملة لها لإزالة قوة التوالد 5-وجوب التعزير عليه لمعصيته 6-استقرار تمام المهر عليه و إن كان هذا من أحكام نفس الدخول.

و ان لم تكن زوجة له فيترتب عليه التحريم المؤكد، و ثبوت الدية الكاملة و استحقاقها مهر المثل مطلقا و إن كانت مطيعة لعدم الاعتداد برضاها على إشكال في ذلك و استحقاقه القتل للزنا بعنف.

* فطر الإفطار*

فطر الشي‌ء فطرا و فطّره تفطيرا في اللغة شقّه، و فطر الصائم و أفطر أكل أو شرب، و الإفطار إبطال الصوم بأحد المفطرات، و الإفطار بهذا المعنى قد وقع في الفقه موضوعا للبحث في باب الصوم و رتب عليه في الشريعة أحكام من تكليف و وضع.

اما الأول: فالظاهر أن إفطار الصوم ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة، فالمحرم إفطار كل صوم واجب معين بدون عروض مسوغ له و الواجب فيما إذا عرض على الصوم عنوان ضرري واجب الدفع كاستلزامه المرض الشديد أو الهلاك أو كان هناك تقية لازمة المراعاة، و الإفطار المكروه في الصوم المندوب بناء على كون ترك المندوب مكروها، و الإفطار المندوب فيما إذا عرض على الإفطار عنوان أرجح من الصوم كإجابة دعوة المؤمن أو مخالفة من رأى يوم العاشوراء عيدا، و منه يعلم المباح و هو تساوي عنواني الإفطار و الصوم.

و أما الثاني: فهو نظير سببية الإفطار لاشتغال ذمة المفطر بالقضاء أو بالكفارة، و هي تختص بثلاثة أقسام من الصيام كما ذكرت تحت عنوان الصوم، و سببية ذلك لاستحقاق المفطر الحد أو التعزير على حسب اختلاف الصيام و الصائم و تكرر الإفطار و عدمه، و البحث عنه تحت عنوان الكفارة فراجع.


* فرد حجج الإفراد من الحج*

هو في اللغة جعل الشخص أو الشي‌ء منفردا غير مقرون بشي‌ء، و في اصطلاح الشرع و الفقه في باب الحج اسم لصنف خاص من أصناف الحج يمتاز عن أخويه التمتع و القران بالنية، و لزوم قصد عنوانه عند الشروع في العمل، كما في الظهر و العصر، فالأعمال المعهودة الخارجية المأتي بها بهذا العنوان تسمى حج الإفراد، و هذا هو الميز الجوهري بينه و بين القسمين الآخرين، و يمتاز أيضا عنهما بعدم تشريع الهدي فيه وجوبا دونهما، و هذا هو الوجه في تسميته بهذا الاسم، و له جهات أخرى من الفرق بينه و بين القسمين مذكورة تحت عنوان الحج فراجع.

* قيل الإقالة*

أقال اقالة البيع في اللغة فسخه، و أقال اللّه عثرته غفره، و استقال استقالة البيع طلب إليه ان يفسخه، فالاستقالة طلب الفسخ و الإقالة الفسخ، و تكون الإقالة في البيعة و العهد أيضا، و في المجمع في الحديث من أقال نادما اقاله اللّه من نار جهنم، أي وافقه على نقض البيع و اجابه إليه، يقال اقاله يقيله اقالة أي وافقه على نقض البيع و سامحه، و تقايلا إذا فسخا البيع و عاد البيع إلى مالكه و الثمن إلى المشتري انتهى.

و كيف كان فلا حقيقة شرعية للإقالة و لا متشرعية و ذكرها الأصحاب في الفقه و رتب عليها في الشريعة حكم تكليفي و وضعي بمعناها اللغوي، و هو عبارة عن فسخ العقد من الطرفين أما بإنشاءين مستقلين أو بإنشاء فسخ و قبوله أو باستدعائه من طرف و إنشاء الآخر و على الأخير الأول مستقيل و الثاني مقيل و الحكم المترتب على فعل الأول الجواز، و على فعل الثاني الاستحباب المؤكد، و على المجموع سببيته لانفساخ العقد. و الإقالة جارية في جميع العقود اللازمة غير النكاح، و لا تجوز بزيادة على المسمى و نقصان عنه فلو قال المشتري للبائع أقلتك بثلثي الثمن و قبل الآخر بطلت الإقالة و بقي البيع على حاله.


* قوم الإقامة*

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف بيّن و لها في الفقه إطلاقات منها إطلاقها على إقامة الصلاة و هي أذكار خاصة مشتملة على سبعة عشر فصلا تكون عدلا للأذان، سماها الشرع بالإقامة، و الجميع من المقدمات المندوبة للفرائض اليومية و لا يشرع في غيرها، و الكلام فيها يطلب تحت عنوان الآذان.

و منها إطلاقها في باب الصلوات على بعض حالات المسافر فذكروا فيها أن الإقامة تقابل السفر حكما فتكون أخص من السفر عنوانا، فالمقيم هو المسافر الذي قصد قطع سفره بإقامة عشرة أو أكثر في محل واحد، فيترتب عليه حكم المتوطن من حيث آثاره الشرعية، فعليه إتمام صلاته و الإتيان بصوم شهر رمضان و غيره من الصيام الواجبة و له الإتيان بالصيام المندوبة و هكذا، و قد تطلق الإقامة على التوطن في مكان فتقع في مقابل السفر موضوعا، فإن المسافر هو الخارج عن حالة الوطنية المعتادة و المقيم هو الباقي على تلك الحالة فراجع عنوان السفر و المسافر.

* قرر الإقرار*

الإقرار في اللغة الإثبات و الإسكان من قولك قرّ الشي‌ء إذا سكن و ثبت، و أقر الشي‌ء أسكنه و أثبته، و الإقرار بالحق الاعتراف به لأنه إثبات له في الظاهر، و في المفردات الإقرار إثبات الشي‌ء قال تعالى‌ (وَ نُقِرُّ فِي اَلْأَرْحََامِ مََا نَشََاءُ إِلى‌ََ أَجَلٍ) و يكون ذلك إثباتا أمّا بالقلب و أما باللّسان و أمّا بهما، و الإقرار بالتوحيد و ما يجري مجراه لا يغني باللسان ما لم يضامّه الإقرار بالقلب، و يضاد الإقرار الإنكار، و اما الجحود فإنما يقال فيما ينكر باللسان دون القلب انتهى هذا بحسب اللغة.

و أما في اصطلاح الفقهاء فالمستفاد منهم أنه عبارة عن اخبار الشخص جزما عن حق ثابت عليه أو نفي ذلك عنه. فيخرج بالإخبار الإيقاعات لأنها إنشاء توجد به معانيها المقصودة، و بقيد الجزم الاخبار على نحو الظن و الترديد، و المراد بالحق الثابت أعم من أن‌


يكون بلا واسطة كالإقرار بالدّين، أو بواسطة كالإقرار بإتلاف مال أو قتل نفس، و نفيه أيضا أعم مما كان بلا واسطة أو معها، و التقييد بالثبوت على النفس يخرج الإقرار بالثبوت على الغير، و يشمل الحق المقرّبة كلما يقبل الثبوت على العهدة من عين خارجية و ذمّية كليّة، و منفعة، و عمل، و حدّ، و تعزير، و نحوها، فلو قال داري لزيد، أو له عليّ ألف درهم، أو سكنت دار زيد شهرا، أو له على خياطة ثوب، أو أنا قتلت أباه، أو قطعت يده عمدا أو خطأ، أو أنا زنيت، أو شربت الخمر، أو انّ هذا الدار ليست لي، أو انّ زيدا ليس لي عليه مال أو حق، أو ما أشبه ذلك كان ذلك إقرارا اصطلاحيا، فعلم مما ذكر ان الإقرار أخبار لا إنشاء، فليس عقدا و لا إيقاعا و لا شهادة اصطلاحية لأنها إخبار عن العلم و هو إخبار عن الواقع.

ثم انه يعتبر في المقر البلوغ و العقل و الاختيار، فلا ينفذ إقرار الصبي و المجنون و المضطر و المكروه و السكران و نحوهم، و قد تعرض الأصحاب على ان حكم الإقرار في الشريعة النفوذ و الصحة فيترتب عليه آثاره مهما كانت، و هذا أمر ثابت عند العقلاء جار فيما بينهم و قد أمضاه الشرع و رتب عليه آثاره.

* كره الإكراه*

الإكراه في اللغة حمل الغير على ما لا يرتضيه، يقال أكره فلانا على أمر حمله عليه قهرا و كره يكره من باب علم كرها بالفتح و الضم و كراهة و كراهية ضد أحبّه، و في المفردات الكره و الكره واحد كالضعف و الضعف و قيل الكره المشقة التي تنال الإنسان من خارج و الكره ما يناله من ذاته و هو يعافه انتهى.

و كيف كان ليس للكلمة اصطلاح خاص في الشرع و الفقه، إلا أن الأصحاب قد ذكروا في تحقيق معناها و ترتب الحكم الشرعي عليها أمورا، نظير أن الإكراه سبب لارتفاع طيب نفس المكره لا إرادته الموجبة لصدور الفعل، فهو في مقابل الإجبار الذي يكون سببا لارتفاع إرادة المجبور، و انه يعتبر في تحقق الإكراه اقترانه بوعيد من المكره‌


مظنون الترتب على ترك المكره عليه، مضرّ بحال الفاعل أو بمتعلقه، نفسا أو عرضا أو مالا فلا إكراه إذا لم يقارنه خوف الضرر منه، و أنه يعتبر فيه أيضا توجه إرادة المكره على صدور نفس الفعل منه، فلو أكرهه على دفع دينار فباع ثوبه لذلك لا يكون إكراها على البيع، و قال الشيخ في المكاسب إن المعيار في وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل من أجل الإكراه عن الاستقلال في التصرف بحيث لا يطيب نفسه بما صدر منه و لا يتعمد عن رضا و إن كان يختاره لدفع الضرر.

ثم ان تحقق عنوان الإكراه يتوقف على فعلين الإكراه الصادر من المكره بالكسر، و الفعل المكره عليه الصادر من المكره، و هذا الفعل ينتسب قهرا إلى كلا الشخصين، إلى المكره بالتسبيب و إلى المكره بالمباشرة و قد وقع كل من الفعلين موضوعا في الشريعة لأحكام و موردا للبحث عنه في الفقه.

أما الإكراه فهو على قسمين فإنه أما أن يكون عن ظلم و عدوان كإكراه الغير على ترك واجب أو فعل حرام أو إتلاف مال فيترتب عليه حينئذ أحكام: منها كونه محرما ممنوعا عنه، و منها ضمان المكره ضمانا ماليا فيما إذا أكره الغير على إتلاف مال أو على إيراد جناية على نفس محترمة بغير القتل كقطع يد و رجل مثلا، فإنه يضمن المكره بدل المال التالف و دية الأعضاء ابتداء أو بعد استقرار الضمان عليه، و منها ثبوت العقوبة على المكره بحبس أو تأديب كما إذا أكره شخصا على قتل نفس محترمة.

و اما ان يكون إكراها بحق كإكراه الحاكم الممتنع على أداء ديون الناس و حقوقهم مع تمكنه فإنه قد يجب على الحاكم ذلك و قد يستحب، و كإكراه المحتكر على بيع ماله و كما في إكراهه من يصلح للقضاء على تصدّيه منصب القضاء في صورة الانحصار و اقتضاء الضرورة.

و أما الفعل الصادر عن المكره بالفتح المسمى بالفعل المستكره عليه فقد ذكروا انه من العناوين الثانوية التي إذا عرضت على ترك أيّ واجب أو فعل أيّ حرام صار سببا لارتفاع حكمه الأولي و عروض الجواز و الترخيص عليه، فإذا اتصف شرب الخمر بالإكراه عليه‌


حل، و إذا أكره على إفطار الصوم جاز، فالإكراه من العناوين الرافعة للوجوب أو الحرمة فيصير الواجب غير واجب و الحرام غير حرام بل ينعكس التكليف فيحرم الواجب و يجب الحرام. و منه يعلم حال عروض هذا العنوان على المندوب و المكروه و المباح فتنقلب إلى الواجب أو الحرام.

ثم إنهم ذكروا أنه كما يرتفع بعروض هذا العنوان الحكم التكليفي كما عرفت يرتفع الحكم الوضعي أيضا، فإذا أكره شخص على عقد من العقود كالبيع و النكاح أو على إيقاع من الإيقاعات يكون عروض العنوان سببا لارتفاع صحته و وقوع العقود باطلة بمعنى فضوليتها و الإيقاعات باطلة غير مستأهلة للصحة بعد الإجازة أيضا.

تنبيه: استدلوا على كون الإكراه رافعا لآثار الفعل و القول بقوله صلّى اللّه عليه و آله: رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما لا يعلمون و ما استكرهوا عليه انتهى. و الأولى الاستدلال له بقوله تعالى‌ (مَنْ كَفَرَ بِاللََّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمََانِهِ إِلاََّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمََانِ) (النحل 106) و المعنى من كفر باللّه فعليه غضب من اللّه إلا من اكره بالكفر أي بالقول الذي هو سبب الارتداد لو صدر عن شخص اختيارا، فإنه يرتفع حرمته التكليفية و الوضعية من العذاب و آثار الارتداد الفطري أو الملي.

* لزم الإلزام (قاعدة الإلزام) *

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف بين و قد استعملت في ألسنة أصحابنا المتأخرين في حكم شرعي كلي مستفاد من النصوص، و هو جواز إلزام الشخص غيره بأمر يلتزمه و يعتقد به و ترتيب الآثار عليه وفق معتقده و إن لم يلتزمه الملزم بالكسر و لم يعتقد به، فهنا ملزم بالكسر و ملزم بالفتح و فعل ملزم به و أثر أو آثار شرعية أو عرفية مترتب على الفعل وفق مذهب الملتزم غير مترتب على مسلك الملزم بل ربما كان محرما عليه لو خلى و نفسه، و قد أسمى الأصحاب هذا الحكم بقاعدة الإلزام جريا على ما ورد من قوله: ألزموهم بما التزموا، به الشامل للكافر و المخالف و للقاعدة مصاديق كثيرة.


منها ما إذا تزوج رجل من العامة امرأة و لم يشهد على عقدها عدلين جاز للرجل الشيعي تزويج تلك المرأة و إخراجها عن سلطة الزوج الأول و لو قهرا، فالحكم ببطلان العقد و جواز تزويج الغير لها أمر يقتضيه مذهب الناكح الأول و لم يقتضيه مذهب الثاني، إلا ان له أن يلزم الأول به بمقتضى مذهبه فهذا من فروع قاعدة الإلزام.

و منها ما لو تزوج سنّي امرأة و بنت أخيها أو أختها دفعة أو مترتبا جاز للشيعي تزويجهما في الفرض الأول و تزويج المتأخر عقدها في الثاني، فإنه لما كان مذهب الزوج الأول بطلان الجمع بينهما فالتزويج مبني على الحكم ببطلان عقد الأول إلزاما على وفق مسلكه.

و لأجل هذه القاعدة يجوز للشيعي تزويج المرأة التي طلّقها السنّي بلا إشهاد عليه أو في حال حيضها أو في طهرها الذي واقعها فيه، أو حلف بطلاقها ثم حنث فصارت مطلقة بعد انقضاء عدتها، فإنها قد بانت عن الأول بذلك الطلاق و الحلف إلزاما على ما التزم به.

و لأجلها أيضا لو مات مسلم و ترك بنتا سنية و أخا شيعيا جاز للأخ مطالبة حصته من التركة على ما يقتضيه العول و التعصيب و إن لم يعتقد هو به.

و لأجلها أيضا يجوز تزويج المرأة الشيعية من السني الذي حج البيت أو اعتمر عمرة مفردة و لم يطف طواف النساء اعتقادا لعدم وجوبه و عدم شرطيته للإحلال، و كذا الأمر في جواز تمكينها من الزوج فيما إذا حج بعد الزواج فإن لها أن تحكم بخروجه عن الإحرام بالسعي أو الحلق حتى بالنسبة إلى حلية المرأة، و نظيره تزويج الشيعي المرأة السنية التي حجت البيت أو اعتمرت عمرة مفردة مع تركها طواف النساء لكن فيه تأمل اللّهمّ الاّ أن يحكم ببطلان العمل لانتفاء شرط الإيمان.

* أمن الأمانة*

الأمانة في اللغة ضد الخيانة و الوصف أمين، و في المفردات أصل الأمن طمأنينة النفس و زوال الخوف. و يجعل الأمانة تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن و تارة


اسما لما يؤمن عليه الإنسان نحو قوله تعالى‌ (وَ تَخُونُوا أَمََانََاتِكُمْ) أي ما أئتمنتم عليه انتهى.

و مورد البحث هنا هو المعنى الثاني أي المال مورد الاستيمان، و ليس لها اصطلاح خاص شرعي أو فقهي إلا انها وقعت موردا للبحث في الفقه، فنقول إن الأمانة تنقسم إلى قسمين مالكية و شرعية، و القسم الأول هو المال الذي حصل في يد الغير من المالك باختياره و السبب امّا استقلالي عقدي كالوديعة فإن كونها أمانة بيد المستودع حاصل من إنشائها بعقد الوديعة أو تبعيّ غير استقلالي، و هو ما لم ينشأ التأمين مستقلا بل تبعا في ضمن إنشاء آخر، نظير كون العين المستأجرة أمانة بيد المستأجر أو بيد الأجير و كذا العين في العارية و الرهن.

و القسم الثاني ما كان باستيمان من الشارع سواء كان وقوعه بيد الغير من غير قصد، كما إذا اشترى صندوقا فوجد فيه شيئا من مال صاحبه أو تسلم المشتري المبيع أو البائع الثمن، أزيد من مقدار استحقاقه اشتباها، أو مع قصد أخذه بإذن الشارع كأخذ اللقيط و اللقطة و المال المجهول مالكه في موارد جوازه، كما إذا أخذه من يد السارق أو الصغير أو المجنون، أو أخذ ما كان في معرض التلف بقصد إيصاله إلى صاحبه.

هذا بالنسبة لموضوع الأمانة و أما الحكم فيترتب على الأمانة العقدية الاستقلالية وجوب حفظها، و حرمة التعدي و التفريط فيها، و عدم ضمانها لو تلفت بآفة سماوية أو من ناحية ثالث، بل و عدمه أيضا فيما تلفت بيده من غير تعد أو تفريط، و الحكم كذلك في العقدية التبعية مع عدم التعدي و إن تصرف فيها بمقتضى عقودها و كذا الأمانة الشرعية.

و هنا أمور:

الأول: قد وقع التنبيه من الأصحاب على موارد الأمانة المالكية التبعية في أبواب الفقه المختلفة من العقود و الإيقاعات، كذكرهم أن العارية أمانة بيد المستعير في غير موارد الضمان منها، و كذا أموال الموصى بيد الوصي، و الوقف بيد المتولي من قبل الواقف أو الحاكم، و أموال القصر و الغيب بيد أوليائهم، و الزكاة بيد العامل أو المالك أحيانا، و الخمس بيد المتصدي لجمعه و إيصاله، و العين المستأجرة بيد المستأجر، و العين مورد


العمل بيد الأجير، و اللقيط و اللقطة بيد الآخذ، و العين مورد الوكالة بيد الوكيل، و العين المرهونة بيد المرتهن، و البضاعة و مال المضاربة بيد العامل، و الأعيان المشتركة بيد كل من الشركاء.

الثاني: قد يتفق الشك في كون المورد من الأمانة المالكية أو الشرعية كما إذا انقضى أجل الإجارة و العين بيد المستأجر أو الأجير، أو انفكت العين المرهونة بالأداء أو الإبراء أو فسخ عقدها، أو تم زمان المضاربة و الشركة و نحوهما، و العين بيد المستأمن، و الاستصحاب محكّم في مورد الشك.

الثالث: استدلوا على عدم الضمان في موارده بإجماع الفريقين و السيرة الجارية من المسلمين على عدم تضمين من أمنوه، بل و الضرورة بين المسلمين، و لعل ذلك أمر اجتماعي عقلائي أمضاه العقلاء في أمورهم حفظا لنظامهم و عدم وقوع الحرج أو الهرج، و يدل عليه قوله تعالى‌ (مََا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) فإن الأمين محسن و التضمين سبيل و النصوص الواردة في أبواب تلك العقود.

* أمر عرف نهي نكر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر*

كل من العنوانين المتقابلين مفهوما المتلازمين حكما، متداول مشهور كثير التعارف في الكتاب و السنة، و عند المتشرعة و الفقهاء، و هما موضوعان لأحكام هامة في الشريعة الإسلامية قد جعلا في الفقه كتابا مستقلا إذا أبحاث و فروع، و يمكن أن يقال إنهما من مصطلحات الشرع و الفقه في معنى أخص من معناهما اللغوي، بوساطة لحاظ قيود و شروط كما ستعرف، فالأولى الإشارة إلى مفاهيم الألفاظ الأربعة أعني الأمر و النهي و المعروف و المنكر لغة و شرعا ليتبيّن الموضوع المقصود في الباب.

فنقول للأمر معان كثيرة في اللغة لعلها تزيد على عشرة ذكروها في أصول الفقه، و الظاهر أنه لم يرد منها هنا إلا الطلب الذي هو أحد معانيه المشهورة أو أشهرها، مرادا به مطلق بعث الغير نحو المعروف بأي طريق ممكن، لا خصوص الطلب القولي كما سيأتي،


و المعروف اسم يراد به هنا ما عرفه العقل بالحسن و الشرع بالمطلوبية فيشمل الواجبات العقلية المحضة كالاعتقاد بالتوحيد و الرسالة مما لا تناله يد التشريع، و الواجبات الشرعية الفرعية، و بعض الواجبات الاعتقادية التي تناله يد التشريع كالاعتقاد بخصوصيات المعاد و بالملائكة و عصمة الأنبياء و الأئمة عليهم السلام و علمهم بالغيب و نحوها، و يشمل المندوبات أيضا، و النهي في اللغة و الاصطلاح هو الزجر بالقول أو بالفعل و نحوه كما في الأمر، و المراد بالمنكر مطلق ما ينكره العقل و يعدّه قبيحا و ينهى عنه الشرع من العقائد و الأعمال، كالشرك و الكفر و الظلم و نحوها و يشمل المكروهات أيضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنهم ذكروا أنه قد رتب على كل من الأمر و النهي في الشريعة أمر و بعث من اللّه تعالى على حسب حال متعلقهما أي المعروف و المنكر فإن كان واجبا أو حراما كان الأمر و النهي واجبين مؤكدين توصليين، و إن كان مندوبا أو مكروها كان الأمر و النهي مندوبين توصليين.

ثم ذكروا ان وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مشروط بشروط.

أولها: أن يكون الآمر نفسه عالما بالمعروف مطّلعا على الواجبات حتى يقدر على الأمر بها و إلاّ لم يأمن الغلط، و أن يكون الناهي عالما بالمنكر مطّلعا على المحرمات حتى يأمن الغلط، و ظاهرهم أن هذا العلم من قبيل شرط الوجوب لا الوجود فلا يجب على المكلف تحصيله و تعلم الواجبات و المحرمات مقدمة للإتيان بالوظيفتين و إن وجب مقدمة لعلم نفسه، و هذا مخدوش عندنا بل يجب التعلم مقدمة لعمل نفسه و للأمر و النهي.

و ثانيها: ان يجوّز المكلف علما أو احتمالا تأثير أمره و نهيه فلو علم بعدم التأثير في التارك و الفاعل لم يجبأ.

ثالثها: أن يكون المأمور في معرض ترك الواجب و المنهي في معرض فعل الحرام و إلا فمع عدم ذلك لا يجبان و ليكن هذا هو المراد من الإصرار و إلا فلا يختصان بمن صدرا عنه ثم لو حظ إصراره و إقلاعه.

رابعها: أن لا يكون في الأمر و النهي مفسدة من توجه ضرر إلى نفسه أو ماله أو إلى‌


غيره من المسلمين، و الا سقط الوجوب كغيره من الواجبات.

هذا و الصواب في المقام ملاحظة حال الواجب الذي يترك و الحرام الذي يفعل من حيث الأهمية و مقايستهما مع ما يترتب على الأمر و النهي من المضار و المفاسد و رعاية الأهم و الأرجح كما في سائر موارد التزاحم.

ثم ذكروا أنّ لموضوع الحكم في هذا الباب أعني كلا من الأمر و النهي مراتب ثلاث لا يجوز التعدي إلى المتأخرة منها مع إمكان المتقدمة عليها. الأولى الأمر و النهي قلبا بمعنى ان يعرّفه رغبته باطنا لفعل الواجب المعرض للترك، و انزجاره قلبا عن ارتكاب الحرام المعرض للفعل، و هذا نوع خفيف من الأمر و النهي و هو المترتبة الأولى منهما، و تعريف ذلك يحصل بعبس الوجه و الإعراض و الهجر و نحوها.

الثانية الأمر و النهي لسانا امّا بإنشاء الأمر و النهي أو بالوعظ و التذكير و بيان المصالح و المفاسد المترتبة، أو بتأكيد الأمر و الزجر أو بجعلهما مقرونين بالوعد و الوعيد، أو بتكرارهما على اختلاف مراتبهما عرفا.

الثالثة الأمر و النهي باليد و هذه هي مرحلتهما التكوينية يراد بها الحمل و الزجر عملا و قد ذكروا لهذه أيضا مراتب و مراحل تشرع من البعث و الكف باليد مع الملائمة و تتصاعد إلى الضرب و الجرح و القطع و تنتهي إلى القتل.

تنبيه: مسألة الأمر و النهي و الأحكام المجعولة في هذه المرحلة مقدمة طبعا على مسألة الحدود و التعزيرات، و إن كان تشريع الجميع بملاك رعاية الواجبات و المحرمات و حفظ حريمها عن التجري و المخالفة.

و ذلك لان الأولى مجعولة قبل أن يتحقق ترك الواجب و فعل الحرام و للمنع عن التحقق إذ الأمر طلب الوجود و النهي زجر عنه، و الثانية مجعولة للمجازاة بعد تحقق ترك الواجب و سقوط الأمر أو تحقق فعل الحرام و سقوط النهي.


* نحر الانتحار*

الانتحار في اللغة قتل الإنسان نفسه، و النحر موضع تذكية الإبل في أعلى صدره، و المنتحر كأنه ينحر نفسه، و ليس للفظ مصطلح شرعي أو فقهي، و ذكروا انه على قسمين إيجابي و سلبي، و الأول فعل ما يجب تركه مما يورث القتل، كالضرب بالسيف و الرمح و السكين و البندقية و الاتصال بالكهرباء و أكل السم و شربه و نحو ذلك، و الثاني ترك ما يجب فعله كالامتناع عن الغذاء و الأكل و الشرب و سائر ما هو سبب لبقاء الحياة حتى يؤدي إلى الموت، و منه ترك معالجة الأمراض و القروح و الجروح حتى يموت، و لعل من ذلك أيضا ما لو اضطر إلى أكل الميتة و شرب المسكر و نحوهما فامتنع منها حتى مات، لوجوب ارتكاب ما يضطر إليه الإنسان.

ثم انّ الانتحار قد ذكر في الفقه تحت عنوان قتل النفس فحكموا بحرمة ذلك في الشريعة، نظير قتل الشخص غيره من المسلمين، و لا إشكال في أن قتل النفس المحقونة من المعاصي الكبيرة، لكن لو اتفق ذلك من شخص لم يترتب عليه شي‌ء من آثاره الخارجية من القصاص و الدية بل و الكفارة المالية أيضا، ما عدا العصيان و العقوبة الأخروية، فإن مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزََاؤُهُ جَهَنَّمُ خََالِداً فِيهََا إذا فيكون بمنزلة الموت حتف الأنف و لا يترتب عليه حكم الكفر أيضا بل حكم الفسق، فيترتب عليه لزوم تجهيزه كما يجهز المسلمون، نعم الظاهر انه لو أوقع على نفسه جرحا أو شرب سما أو القى نفسه من شاهق مما يؤدي إلى الهلاك فأوصى بعد ذلك لا تنفذ وصيته المتعلقة بأمواله، و لو أوصى ثم أوقع الأسباب نفذت.

ثم أن الظاهر انه لو أخذ الشخص لبعض الجرائم السياسية بغير حق، و علم بأنهم يقتلونه بعد التعذيبات، و الأقارير المأخوذة بالضرب و الجرح مما فيه ضرر على الإسلام أو المسلمين أو مفسدة أعظم من قتله جاز له الانتحار.


* نعم الأنعام*

النعم بالفتح في اللغة الإبل و البقر و الغنم، و هو جمع لا واحد له من لفظه و جمعه إنعام يذكّر و يؤنّث كقوله تعالى في مورد من كتابه‌ (مِمََّا فِي بُطُونِهِ) و في آخر (مِمََّا فِي بُطُونِهََا) ، و الأنعام قد تكرر ذكرها في الكتاب الكريم و فيه انها ثمانية أزواج الإبل و البقر و الضأن و المعز، ذكرا و أنثى، أو أهلية و وحشية.

و كيف كان فالأنعام في الفقه و في مصطلح الشرع و المتشرعة على أقسام ثلاثة الإبل و البقر و الغنم و هي أنواع تحت جنس الحيوان.

أما الأول: فهو نوع من الحيوان معروف ضخم البدن كبير الجثة و من أسمائه البعير و الإبل و الجمل و الناقة، و الأول اسم جنس و الثاني اسم جمع له و الثالث يخص الذكر و الرابع يخص الأنثى، و التفصيل تحت عنوان الإبل.

و أما الثاني: فهو أيضا نوع معروف أصغر جثة من الأول و البقر اسم جنس لهذا النوع، يشمل الجاموس الذي هو ضرب من كبار هذا النوع، و الواحد من البقر بقرة كتمر و تمرة و التفصيل في عنوان البقر.

و أما الثالث: فهو نوع من الحيوان معروف أصغر جثة من الأولين و من أسمائه الغنم و الشاة و الضأن و المعز، و الأول اسم جنس شامل للضأن و المعز ذكرا و أنثى و الثاني واحدة من الجنس فهما كتمر و تمرة و هي أيضا تعم الضأن و المعز الذكر و الأنثى و الثالث يختص بغير المعز و الرابع يختص بغير الضأن و التفصيل في عنوان الغنم.

ثم إن الأصحاب ذكروا أن لها أحكاما كثيرة في الشريعة و قد وقع البحث عنها في الفقه نظير حلية لحمها و أخذ اللبن الخالص السائغ للشاربين منها، و جواز ركوب ما يصلح للركوب منها و حلية بهيمتها، و كون زكاتها بذكاة أمهاتها، و اتخاذ الحمولة و الفرش منها، و وجود الدف، و المنافع فيها، و حلية الانتفاع من جلودها و إشعارها و أوبارها.

و من أهم موارد البحث عنها في الفقه، باب الزكاة فإنه كما وضع الرسول صلّى اللّه عليه و آله هذه الضريبة المالية على الحبوب و الثمار و النقود في الجملة، وضعها على الأنعام الثلاثة بشرائط


خاصة مذكورة في باب الزكاة و أشرنا إلى بعضها تحت عنوان الإبل.

و باب الحج فإن اللّه قد أوجب الهدي في حج التمتع و القران و ندب إليه في كل حج و عمرة، و عيّنه في الأنواع الثلاثة من الأنعام و خيّر الناسك بينها إلا في موارد خاصة و الكلام مذكور تحت عنوان الهدي.

و باب الديات فجعل دية النفس و ما يتبعها من الأعضاء و المنافع أمورا ستة ثلاثة منها هي الأنعام الثلاثة على اختلاف في عددها و كيفيتها يتبع اختلاف الجناية و أسباب الدية، و التفصيل تحت عنوان الدية.

و باب كفارات الإحرام فأوجب اللّه تعالى الإبل في موارد كثيرة، كصيد النعامة و كسر بيضها مع تحرك الولد، و الجماع العمدي في الحج و العمرة، و إكراه الزوجة المحرمة على الجماع و إن كان هو محلا، و الاستمناء في الحج، و غير ذلك إذا وقعت حال الإحرام.

و أوجب البقرة في قتل البقرة الوحشية و حمار الوحش، و في الإمناء إذا نظر إلى زوجته مع توسط حاله المالي، و في قلع شجرة الحرم و غيرها مما يقع حال الإحرام. و أوجب الشاة في قتل الظبي، و الحمل في قتل القطا، و الدّراج و الشاة أيضا في استعمال الطيب و قلم الأظفار، و لبس المخيط، و حلق الرأس، و الجدال، إذا وقعت حالة الإحرام.

* نفل الأنفال*

النفل بالفتح و الفتحتين الزيادة، و نفل الرجل أعطاه معروفا لا يريد ثوابه، و النفل الغنيمة و الهبة، و في النهاية النفل بالتحريك الغنيمة و جمعه أنفال و النفل بالسكون و قد يحرك الزيادة، و في الحديث إن المغانم كانت محرمة على الأمم قبلنا فنفلها اللّه تعالى هذه الأمة انتهى.

و في المفردات النفل هو الغنيمة بعينها لكن اختلف العبارة عنها لاختلاف الاعتبار فإنه إذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال لها غنيمة، و إذا اعتبر بكونه منحة من اللّه ابتداء من غير وجوب يقال له نفل و قيل هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال و هو الفي‌ء انتهى. و المتحصل‌


من المجموع ان النفل بالفتح و التحريك يستعمل في اللغة بمعنى الغنيمة و الزيادة.

و أما الاصطلاح فالذي كثر استعماله فيه في النصوص بل قد اصطلح عليه الأصحاب في الفقه، هو أنه عبارة عن عدة أعيان كثيرة و أموال وافرة منقولة و غير منقولة، قد جعلها اللّه لإمام المسلمين بعنوان ولايته على الناس و حكومته على المجتمع و رئاسته العامة الإلهية، فهي غنائم و فوائد موهوبة من قبل اللّه تعالى على الوالي من اللّه و على الأمة المطيعة له، و له ان يصرفها في تقوية الإسلام و مصالح المسلمين كيفما رآه و يختلف ذلك باختلاف الأحوال و الأزمنة و اختلاف حال نفس الأعيان.

و لها مصاديق كثيرة حصرها الأصحاب في أمور:

1-منها كل ما أخذ من أهل الحرب من الكفار مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أرضا كانت أو غيرها انجلى عنها أهلها أو سلموها للمسلمين طوعا أو خوفا أو لغير ذلك.

2-و منها الأرض الموات التي لا ينتفع بها إلاّ بإحيائها، سواء أحرز انه لم يجر عليه ملك أحد أو لم يحرز أو أحرز انه قد جرى عليها اليد لكن قد باد و هلك و لم يعرف الان، كبابل و الكوفة و نحوهما، و سواء كانت في الأرض المفتوحة عنوة أو غيرها.

3-و منها أسياف البحار أي سواحلها و شطوط الأنهار الكبار مما لم يمتلكه أحد.

4-و منها كل أرض لا ربّ لها و لو لم تكن مواتا كالأرض العامرة بالأصالة أي المهيأة بالطبع للزرع أو الغرس أو البناء أو غيرها بحيث لا يحتاج إلى إزالة مانع و إعداد مقدمة، و ما قد يخرج من وسط البحار و الأنهار الكبيرة من الجزائر، و ما يظهر من حواليها بعد ما كانت معمورة.

5-و منها رؤوس الجبال و ما يكون فيها من الأحجار و النبات و الأشجار ما لم يسبق إليها أحد.

6-و منها بطون الأودية كذلك.

7-و منها الآجام و هي الأرض الملتفة بالأشجار و القصب بنفسها لا من معمر و هذا أيضا قسم مما لا رب لها و لا يضرّ في هذه الثلاثة كونها فيما بين الأرض المحياة و غيرها بعد ان لم يتصرف فيها أحد و لم تكن حريما.


8-و منها القطائع و هي ما أقطعه الملوك لأنفسهم و جعلوها دورا و مساكن و بساتين و مزارع و مراتع و مرافق لمعايشهم و لهوهم و لعبهم و ضيوفهم و خيولهم و مراكبهم و مواشيهم و غير ذلك بعد ان غلب عليهم المسلمون و أخذوها عنوة.

9-و منها صفايا أموال الملوك من المراكب و أثاث البيوت و الألبسة و الفرش و المماليك من عبيد و إماء و غيرها.

10-و منها صفو الغنيمة كفرس جواد، و مراكب فارهة عصرية، و أموال ثمينة، و عبيد و إماء ذوي فنون و كمالات.

11-و منها الغنائم التي ليست بإذن الإمام الشاملة للأراضي العامرة و أنواع ما يغنمه عسكر المسلمين من أهل الكفر.

12-و منها إرث من لا وارث له الشامل لجميع ما يمكن ان يملكه الإنسان من الأبنية و الضياع و العقار و الدكاكين و رؤوس الأموال و أثاث البيت و النقود و المواشي و غيرها، و يشمل هذا القسم ما لو اتفق هلاك أهل قرية أو بلد دفعة واحدة لزلزلة أو صاعقة أو قتلوا بالآلات القتالة المخترعة العصرية فبقيت مساكنهم و أراضيهم و ما عليهم فلم يبق منهم أحد أو بقي من لا يرث من الهالكين.

13-و منها المعادن الظاهرة و الباطنة التي لم يمتلكها أحد تبعا لأرضه أو مستقلة.

14-و منها البحار كلها إلاّ شيئا يسيرا مما يقرب من سواحلها بالمقدار الذي تصرف فيه الناس أو كان حريما لما تصرفوا فيه، فإنها من الأنفال و يجب أن تكون تحت سلطنة الإمام لا سيما اليوم حيث كان أغلب سطوحها مورد الاستفادة و الاستطراق.

15-و منها الهواء و الفضاء حول الكرة الأرضية، بالمقدار الميسور للبشر من التصرف فيه و الانتفاع به بالاستطراقات الجوّية، عدا ما يحتاج إليه سكنة البلاد و الأراضي المملوكة من الفضاء الذي تعلوه الأبنية و البروج و الأشجار و نحوها. و هذان الأخيران لم يذكرهما الأصحاب و لم يأتوا لها بدليل و يمكن الاستدلال لهما بما دل من الأخبار على ان الدنيا و ما فيها للإمام (كاج 1، ص 407 باب ان الأرض كلها للإمام) فإن عنوان الدنيا شامل لجميع‌


هذه الكرة التي هي أرضنا و مسكن أحيائنا و مدفن أمواتنا، مواتها و عامرها أنهارها و بحارها و فضائها المحيطة بها المحتاج إليها لحياة ساكنيها أكثر من حاجتهم إلى أرضها و مائها.

و نظيرهما ما تحت الأرض أي داخلها فيما زاد عن حاجة ساكنيها بحفر بئر و نحوها فهو ملك لوالي المسلمين و يتبعها معادنها.

تنبيهان:

الأول: قد عدت المعادن في النصوص و الفتاوى من الأنفال و مقتضاه كونها جميعا للإمام و ولي أمر الأمة فيصرفها فيما شاء كما عرفت، و قد ورد نصوص أيضا في باب الخمس ان المعادن لمن وجدها و استخرجها فيملكها، و يستحق الإمام منها الخمس و عليه فيقع التعارض بين الآيتين كنصوص الطرفين، لكن الظاهر عدم التعارض فإنه لا مانع من القول بكون جميع المعادن للإمام ابتداء بالحكم الشرعي الأصالي، لما دل على أنها من الأنفال و ما دل على أن الأنفال له، و القول بان المستخرج يمتلكها منه ثم يرد خمسها إليه لما دل على ان الإمام قد أباحها لشيعته فللشيعة تملكها و اغتنامها ثم إخراج خمسها إلى إمام لما دل على أن ما غنمه فيه الخمس.

الثاني: انه يظهر من النصوص دخول الغنائم الحربية المأخوذة من الكفار بالغلبة، في آية الأنفال لأنها غنيمة أو زيادة فتكون جميعها للّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و لا إشكال في شمول آية الغنيمة لها أيضا لأنها مما غنمه المسلم فيكون للإمام خمسها فبين الآيتين معارضة في مورد الغنائم و إن كان بينهما عموم من وجه، مورد افتراق آية الأنفال سائر مصاديقها و آية الخمس سائر مصاديقه.

و يمكن الجواب بأن آية الأنفال نازلة قبل آية الخمس كما يظهر من نفس السورة الشريفة فإن مقتضى حكم التاريخ و دلالة النصوص انه بعد حصول الظفر للمسلمين في بدر و حيازتهم الغنائم من الأموال و الأسرى، حصل بين العسكر المقاتلة اختلاف و مجادلة كلامية في كيفية قسمة الغنائم، فإن القوم كانوا على طوائف ثلاث، المحاربين، و المشتغلين بجميع الغنائم و الإسراء، و الحافظين لوجود النبي الأقدس صلّى اللّه عليه و آله، فمن قائل ان الغنائم


للطائفة الأولى و من قائل بعمومها للثانية أيضا و من سالك مسلك التعميم المطلق، و الظاهر انه لم يكن حكم الحادثة نازلا قبل ذلك فنزلت الآية الشريفة في أول الأنفال و ان الحكم الإلهي كون الجميع بيد النبي الأعظم و تحت سلطنته، فله بذل الجميع لشخص أو أشخاص و ان كانوا غير المقاتلين، و له قسمته الجميع بينهم، و له صرفها في مصارف آخر، و يظهر من النصوص ان هذا كان حكما موقتا بالنسبة لتلك الواقعة و قد نزلت آية الغنيمة التي هي أيضا في تلك السورة بعد أيام لم يتصرف النبي فيها، فقسمها بعد ذلك أخماسا أو أثلاثا على المحاربين فلا تعارض بين الآية الأولى من السورة و الآية الإحدى و الأربعين منها و لا في سائر نصوص الباب فدخلت غنائم الحرب في آية الخمس دائما.

* وقع الإيقاع*

مفهوم الإيقاع في اللغة و العرف بيّن، و هو في اصطلاح الفقهاء عبارة عن الإنشاء المستقل الذي لا يتوقف صحته و نفوذه على إنشاء مطاوع، فهو في مقابل العقد الذي حقيقته إنشاءان مرتبطان متلازمان.

و الكلمة اسم الجنس الإيقاعات الاعتبارية التي تندرج تحت عنوانه، و لكل نوع منها اسم معين و صيغة خاصة ينشأ بها، و أنواع الإيقاع في الشرع و العرف كثيرة ذكروا أغلبها في الفقه، و وقع البحث عن حقيقتها و أقسامها و أحكامها في كتب متعددة تحت عنوانها كالطلاق، و العتاق، و الإبراء، و الفسخ في العقود، و حكم الحاكم برؤية الهلال، أو كون اليوم أول الشهر أو آخره أو وسطه، و كذا الليلة، و كحكم القاضي بما رآه حقا لأحد طرفي الدعوى في الملكية و الزوجية و النسب، و حكمه بحجر المفلّس، و حقن الدم، و هدره، و كالنذر و العهد و اليمين و الإيلاء و اللعان.

و هناك منشآت اعتبارية وقع الخلاف في كونها عقدا أو إيقاعا كالخلع من الطلاق من جهة احتياجه إلى إيراء الزوجة، و الجعالة أي إنشاء تمليك الجعل من المالك من جهة حاجتها إلى قبول العامل و لو بنحو الجري على العمل، و الإيصاء لشخص من الميت من‌


جهة التردد في ان اللازم قبول الموصى له أو عدم رده فيكون إيقاعا مشروطا لا عقدا.

ثم إنهم ذكروا انه يشترط في كلّ الإيقاعات شروط بعضها في المنشئ و بعضها في الإنشاء و بعضها في المنشأ، فيشترط في المنشئ شروط العقد من البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و في نفس الإنشاء وجود اللفظ الظاهر في المطلوب أو الفعل القائم مقامه، و في المنشأ ما يختص بنوعه و صنفه من الشرائط، و ذكروا أنه لا تجري الفضولية في الإيقاعات كجريانها في العقود، فلا يصلح أن يطلقها غير زوجها فضولا فيجيز الزوج، و كذا الإبراء، و الإعتاق، و فسخ العقود، و النذر و العهد و اليمين و غيرها.

* ولي الإيلاء*

الإيلاء في اللغة الحلف يقال آلى يولي إيلاء و أليّة حلف، و جمع أليّة ألايا كعطية و عطايا، و في المفردات ألوت في الأمر قصرت فيه، و حقيقة الإيلاء و الأليّة الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه، و جعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة انتهى.

و كيف كان الإيلاء في اصطلاح الشرع و الفقهاء عبارة عن حلف خاص مقيد بقيود، و هو حلف الزوج على ترك وطء زوجته الدائمة المدخول بها قبلا أبدا أو في زمان زائد على أربعة أشهر للإضرار بها، فالقيود المضافة إلى المعنى اللغوي سبعة، فلو حلف غير الزوج كمالك الأمة، أو حلف الزوج على ترك التكلم معها مثلا دون الوطء، أو على ترك وطء المنقطعة أو غير المدخول بها، أو على ترك الوطء دبرا، أو على تركه شهرا أو شهرين، أو على تركه أزيد من أربعة أشهر لعذر من مرض و نحوه، لا يكون إيلاء و لا يترتب عليه حكمه، نعم هو يمين مطلق ينفذ مع تحقق شرائطه.

ثم انه يفترق هذا الحلف عن غيره بأمور، الأول أنه ينعقد مع حرمة متعلّقه لانه حلف على ترك الواجب، الثاني أنه يجوز للزوج المبادرة إلى حنث هذا الحلف قبل تمام الأربعة أشهر بالرجوع و الوطء و يكفّر لحنث النذر، الثالث أنه يجب عليه الحنث بعد تمام الأربعة


أشهر لوجوب الوطء فإذا وطئ كفر للحنث، الرابع لو طلقها قبل انقضاء المدة أو بعده زال حكم الزوجية و سقطت الرجوع و الكفارة، و أما المرأة فلها أن تصبر أبدا و لا تطالبه، و لها أن تطالبه و ترفع أمره إلى الحاكم فيجبره على أحد الأمرين تخييرا.

* أمن الإيمان*

الإيمان في اللغة كما عن أكثر اللغويين هو التصديق بشي‌ء قلبا و الوثوق به باطنا يقال آمنه و آمن به صدّقه و وثق به و آمن له خضع و انقاد.

و في المجمع الإيمان لغة هو التصديق المطلق اتفاقا من الكل، و منه قوله تعالى‌ (وَ مََا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنََا وَ لَوْ كُنََّا صََادِقِينَ) انتهى و في المفردات و الأيمان يستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمد (ص) و يوصف به كل من دخل في شريعته مقرا باللّه و بنبوته صلّى اللّه عليه و آله، و تارة يستعمل على سبيل المدح و يراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، و ذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق القلب، و إقرار اللسان، و عمل بحسب ذلك بالجوارح انتهى.

و ظاهر المفردات أن الإيمان قد يستعمل في مجموع القوانين المنزلة من السماء كالدّين و الشريعة، و لعله معنى مجازي و المؤمن حينئذ القابل للإيمان نظير المتدين و المتشرع، و قوله في ذيل المعنى الثاني و ذلك باجتماع ثلاثة أشياء أي بأن يكون الأخيران من لوازم الأول أو المجموع المركب معنى متشرعي كما سيأتي.

و كيف كان فالظاهر ان الإيمان مستعمل في الكتاب و السنة في معناه اللغوي أي التصديق و الإذعان قلبا، و لذا قد ذكر متعلقة غالبا كالإيمان باللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر، و قوله تعالى‌ (وَ مََا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنََا وَ لَوْ كُنََّا صََادِقِينَ) و غيرها من الموارد، و بهذا المعنى يلاحظ المقايسة بينه و بين الإسلام الوصفي، فإنه قد يطلق على مجموع القوانين الإلهية، و قد يطلق على التسليم قولا بالإقرار بالشهادتين و قد اشتهر استعماله في هذا المعنى في الكتاب و السنة، بحيث يمكن دعوى صيرورته حقيقة فيه، و هو الذي يرتب عليه الآثار و الأحكام، سواء علم باعتقاد المقر بمضمون إقراره أو لم يعلم بل أو علم بعدمه أيضا كما يظهر من موارد استعماله، و أشير إليه تحت عنوان الإسلام و على هذا فالنسبة بين‌


الإيمان و الإسلام ماهية التباين و تحققا العموم المطلق فإن الإسلام أعم من الإيمان، و هذا المعنى يستفاد من نصوص كثيرة واردة في بيان معنى الإسلام و الإيمان و الفرق بينهما. و لذا لما قال الإمام عليه السلام: إن الإيمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الإيمان، قال سماعة:

فصفها لي فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ اللّه و التصديق برسوله صلّى اللّه عليه و آله و به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة الناس، و الإيمان الهدى و ما ثبت في القلوب و ما ظهر من العمل به و الإيمان أرفع من الإسلام و بدرجة ان الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر و الإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن و إن اجتمعا في القول و الصفة انتهى.

ثم إن للإيمان معنى خاصا في اصطلاح فقهائنا بل و عند أهل الولاية، و لعله قد صار حقيقة فيه عندهم بوضع تعييني أو تعيّني، و هو الإذعان بمقتضى الإسلام مع الاعتقاد بالإمامة و الولاية و أن اللّه تعالى قد نصب للناس خلفاء و جعلهم أئمة و أمر نبيّه بإبلاغ ذلك إلى الناس، أوّلهم علي بن أبي طالب و آخرهم حجة بن الحسن العسكري عليهم السلام فهم منصوبون من قبل اللّه تعالى و رسوله للأمة الإسلامية جمعاء تدوم إمامتهم بدوام النبوة و الدين و يجب الإذعان بذلك كالإذعان بالنبوة و الكتاب و المعاد، فالمسلم المعتقد بالنصب مؤمن و المسلم غير المعتقد غير مؤمن بهذا الاصطلاح، و البحث عن الإيمان بهذا المعنى قد يكون كلاميا إذا كان الغرض إثبات ذلك بالأدلة العقلية و النقلية الكتابية و الروائية، و بيان ما يترتب عليه و على تركه من المثوبة و العقوبة الأخروية، و قد يكون فقهيا إذا كان الغرض ترتب الأحكام الفرعية عليه تكليفا أو وضعا و لذلك عنون الفقهاء ذلك في موارد من الفقه، و البحث عنه من هذه الجهة مورد كلامنا في الكتاب فمن أهم ما يترتب عليه شرطيته لأمور.

منها: شرطيته في القاضي المنصوب من قبل ولي الأمر و في قاضي التحكيم، فإنهم قد ذكروا أنه يشترط فيه الإيمان و الإذعان بالولاية فلا يجوز للمؤمن بل و للمسلم المرافعة إلى غير المؤمن، و في الجواهر أنه قد تواترت النصوص في النهي عن المرافعة إلى قضاتهم بل هو من ضروريات مذهبنا.


و منها: شرطيته لجواز تقليد العامي من المجتهد في المسائل الشرعية الفرعية، فإنه قد ذكر عدة من الأصحاب أنه يشترط الإيمان في المقلد و أنه لا يجوز تقليد غير المؤمن و إن كان واجدا لجميع ما عداه من شرائط التقليد.

و منها: شرطيته في إمام الجماعة فذكروا أنه يشترط في جواز الإيتمام و صحة الصلاة المؤتم بها، إيمان الإمام فلا يصح الاقتداء بمن لا يعتقد بالولاية من أهل الإسلام و إن كان واجدا لغيره من الشرائط إلا في مورد اتفق اجتماع المؤمن معهم في المساجد و المجامع عند الصلاة فإنه يجوز له الإيتمام بهم حينئذ و تصح الصلاة و ليس عليه الانفراد أو الخروج عن المحل و الحكم لعله من واضحات فقه الإمامية فقد ادعى الإجماع عليه.

و منها: شرطيته لمطلق العبادات الصادرة من المسلم، فهو مساوق للإسلام في الشرطية للعبادات، و المسألة محل اختلاف بين الأصحاب، و لعل الأشهر أو المشهور عدم الشرطية، و هنا تفصيل بين العبادة الفاقدة لهذا الشرط المتعقبة بالاعتقاد بالولاية و لو في آخر العمر فيحكم بصحتها، و بين غير المتعقبة به بان مات على الخلاف فيحكم ببطلانها و مرجع هذا إلى كون الشرط تحققه الأعم من المقارن و المتأخر.

* بغو الباغي-البغي*

البغي في اللغة الطلب، و العدول عن الحق، و الاستطالة على شخص و الظلم عليه، يقال بغى الشي‌ء بغيا و بغية طلبه، و بغى الرجل عدل عن الحق، و بغى عليه استطال عليه و ظلمه و الفاعل باغ و جمعه بغاة.

و البغي في مصطلح الفقه الخروج على الإمام المعصوم أو من نصبه عموما أو خصوصا، كان الباغي واحدا كابن ملجم لعنه اللّه، أو أكثر كأهل الجمل و صفين و نهروان و نحوهم، و قد رتب على البغي في الشريعة أحكام ذكروها في الفقه، نظير أن البغاة إحدى الطوائف التي تجب البدأة بقتالهم، و كما ذكرناه تحت عنوان الجهاد فيجب قتالهم إذا ندب إليه الحاكم وجوبا كفائيا مؤكدا، و التأخر عنه كبيرة، و إذا قام به من فيه الكفاية سقط عن الباقين و يجب مصابرتهم حتى يرجعوا إلى حكم الإمام أو يقتلوا فإن للنبي صلّى اللّه عليه و آله سيوفا خمسة:


سيف على أهل الكتاب، و سيف على مشركي العرب، و سيف على مشركي العجم، و سيف على أهل البغي و التعدي، و سيف في آخر الزمان للقائم عجل اللّه تعالى فرجه.

ثم إن الأصحاب قسموا أهل البغي إلى طائفتين إحداهما ما إذا كانوا ذوي فئة كأصحاب الجمل و أصحاب معاوية لعنه اللّه، فيقاتلون و يجهز على جريحهم و يتبع مدبرهم و يقتل أسيرهم. الثانية ما لم يكونوا كذلك بل كانوا متفرقين لا رئيس لهم كخوارج نهروان، فيفرقون من غير أن يتبع لهم مدبر أو يقتل لهم أسير أو يجهز منهم على جريح.

و ذكروا أيضا انه لا يسبى نساء الطائفتين و لا أولادهم و لا تدخل أموالهم التي لم يحوها العسكر من الأراضي و المنقولات تحت عنوان الغنائم، و كذلك أموالهم التي حواها العسكر إذا رجعوا إلى حكم الإمام، و أما ما حواه العسكر مع إصرارهم، ففيه خلاف أظهره كونه غنيمة يترتب عليه حكمها إلا أن الأفضل ما فعله علي عليه السلام مع أهل البصرة فإنه أمر بردّها إليهم و كان ذلك على طريق المنّ لا الاستحقاق.

* بخل البخل*

البخل في اللغة و العرف واضح، و هو الإمساك عن بذل المال و نحوه في مورد لا ينبغي الإمساك، و في المجمع البخل في الشرع منع الواجب و عند العرب منع السائل مما يفضل عنده انتهى. و في المفردات البخل إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه، و يقابله الجود، و هو ضربان بخل بمقتنيات نفسه و بخل بمقتنيات غيره و هو أكثر ذما انتهى.

و كيف كان فهو من الصفات الذميمة و الشيم القبيحة في الإنسان و يكون منشأ لقبائح الأعمال و محرمات الأفعال، كمنع الحقوق الواجبة الشرعية، و الإنفاقات اللازمة و نحو ذلك، و في الخبر أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال خصلتان لا تجتمعان في مسلم البخل و سوء الخلق، و قال (ص) لا يجتمع الشح و الإيمان في قلب عبد أبدا (وسائل الشيعة، 6، ص 21) .

و ظاهر بعض الأصحاب كونه من المحرمات و عنون في الوسائل بابا بقوله باب تحريم البخل و الشح بالزكاة و نحوها.


لكن ذكر الأكثر انّ الحرمة لم تتعلق بنفس الصفة الباطنية كالحسد و الكبر و غيرهما، بل بالآثار و المسببات الناشئة عنها، كمنع الزكاة و الخمس و الإنفاقات الواجبة و الكفارات و الديون و غيرها، و يشهد له قوله صلّى اللّه عليه و آله البخيل من بخل بما افترض اللّه عليه، و قوله ليس بالبخيل الذي يؤدي الزكاة المفروضة من ماله، و يعطي النائبة في قومه، و قوله ان الشحيح من منع حق اللّه و أنفق في غير حق اللّه، و على الجملة ان صفة البخل التي تتصف بها النفس و تكون في الأغلب طبيعة موروثة، و تكون أحيانا اكتسابية أو استراقية للنفس غير اختيارية، لها قبح فاعلي لم يترتب عليه تكليف إلزامي، و الآثار المسببة عنها قد تكون محرمة إذا كانت ترك واجب أو فعل حرام و قد تكون مكروهة. لكن لا يبعد القول بحرمة بعض تلك الصفات كالكبر و الحسد و نحوهما مضافا الى حرمة بعض الآثار المسببة عنها، إذا كان الشخص متنشطا بها قادرا على إزالتها و للكلام محل آخر.

* برر البرّ*

البر في اللغة الإحسان يقال بر يبر و الدية من باب ضرب و علم، أحسن إليهما و رحمهما و وصلهما، و ليس له مصطلح خاص في الشرع و بين المتشرعة، و قد وقع موضوعا للحكم في الشريعة و محلا للبحث في الفقه في موارد.

منها: ان الإحسان بمفهومه المعروف عند العرف و العقلاء و عنوانه الأوّلي مستحسن عقلا و مندوب إليه شرعا، بل هو بنفسه من المستقلات العقلية يضرب به المثل عند البحث عن الأحكام العقلية، و كذلك قد وافقه الشرع و حكم على طبقه، لما اشتهر من انّ كل ما حكم العقل بحسنه حكم الشرع بوجوبه أو استحبابه و المحسن إليه في حكمهما هذا عام شامل لجميع أفراد الإنسان و صنوفه، على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم و شعبهم و قبائلهم و عقائدهم و أفعالهم بل لعل العموم شامل للحيوانات أيضا، و بالجملة لا إشكال في حسن الإحسان إلى عباد اللّه تعالى و خلقه، مع قطع النظر عن عروض الموانع و طروّ الدوافع، كما إذا كان الإحسان له من جهة إساءة له من جهة أخرى، أو سببا للإساءة إلى غيره‌


كالإحسان إلى بعض الظلمة أو الفسقة، فإنه حينئذ خارج عن مورد البحث تخصّصا لا تخصيصا.

و منها: الإحسان إلى الوالدين و هو من أعظم مصاديقه و أفضلها، و لا إشكال في حسنة عقلا و وجوبه شرعا، إلاّ أن الشأن في عموم الحكم لجميع مصاديقه، فان بعضها بين الحسن قد حث العقل به و أوجبه الشرع، كحسن العشرة معهما و إطابة الكلام و إظهار التودد و التجنب عن غليظ القول و عن كل ما يوجب إيذاءهما من قول أو فعل، و كذا في وجوب تعليمهما أحكام الدين و أمرهما بالمعروف و نهيهما عن المنكر، و كذا في الإنفاق عليهما على النحو المتعارف مع اعسارهما و يسار الولد، و كذا في عدم المخالفة لأمرهما و نهيهما مهما أمكنه فيما إذا كان ذلك إيذاء لهما و لم يكن مطلوبهما مخالفا للشرع.

و بعضها مما أوجبه اللّه تعالى تعبدا على الولد الأكبر، كالإتيان بما فات منهما أو من الأب فقط، من الفرائض اليومية و الصيام الواجبة على اختلاف فيه بين الأصحاب، و كذا ما أوجبه اللّه على ورثتهما من إخراج ديونه الخلقية و الخالقية من تركتهما، و إخراج الواجبات المالية منها أيضا كذلك، كالحج و الكفارات. و كذا ما أوجبه عليهم من التصدي لأمر تجهيزهما بعد موتهما على ما يوافق الشرع و يناسب مقامهما لدى العرف أو الاذن لغيرهم في التصدي كذلك.

و منها: الإحسان إلى كل مسلم كان في معرض الوقوع في الهلكة و تلف النفس و العضو و نقصهما، كالحرق و الغرق و أكل السبع و الأمراض الصعبة و نحوها، فإنه يجب على كل إنسان قادر على الإنجاء متمكن منه من غير حرج أو ضرر مجحف استخلاصه و إنجاءه، و يحرم عليه تركه و خذلانه، و هذا من أعظم مصاديق الإحسان يحث عليه العقل و يوجبه الشرع.

و منها: الإحسان إلى كل إنسان غير عارف بهدايته إلى الدين، فإنه لا ريب في وجوب إرشاد الجاهل و هداية الضال إلى الدين أصوله و فروعه، و تعليمه و له الولاية عليه في مرحلة إنفاذ هذا الأمر أقوى و أتم من الولاية عليه في الأمر بالمعروف و النهي عن‌


المنكر، و هذا بالنسبة لحكم كل فرد في حق الفرد و الافراد من بني نوعه، و أما الوالي على الناس و الحاكم القيم عليهم فالإحسان الواجب عليهم أهم و أعم، و هو القيام بالجهاد الابتدائي مع أهل الحرب، أهل الكتاب و غيرهم فيدعوهم ابتداء إلى الدين الحنيف بالحكمة و الموعظة الحسنة، و يجادلهم بالتي هي أحسن، فإن أسلموا و أطاعوا، و إلاّ خيّر غير أهل الكتاب بين أمرين: قبول الإسلام و الحرب، و خيّر أهل الحرب بين الأمرين و الالتزام بشروط الذمة، و الإحسان هنا هو دعوتهم إلى الحق و الدين، و ما يقع في البين من الحرب و القتل و الجزية و نحوها، مما يقضي بلزومه العقل و أمر بإنجازه الشرع، و هل ذلك إلاّ كتأديب الصبيان إذا لم يقبلوا التعليم و التربية.

تنبيه:

ينتزع مما ورد في بر الوالدين و لحاظ موارده عنوان آخر سموه بالعقوق، فذكروا ان عقوق الوالدين محرم بحرمة مؤكدة في مقابل وجوب الإحسان إليهما وجوبا مؤكدا، و أرادوا به ترك ما يجب العمل به مما عرفت، كالإساءة في الكلام و الخشونة في المقال و الفعال، و التهاون بهما و الاستخفاف و الامتناع عن الإنفاق الواجب و مخالفة الأمر المؤدية إلى الإيذاء قلبا فان كل ذلك يعدّ عقوقا و العقوق هو الشقاق و المخالفة.

* بسمل البسملة*

البسملة مصدر مجعول مختصر من قول بسم اللّه الرحمن الرحيم كالحوقلة، و يقال انها عند النصارى قول بسم الأدب و الابن و روح القدس، و في المجمع بسمل الرجل إذا قال بسم اللّه يقال قد أكثر من البسملة أي من قول بسم اللّه و قد طال التشاجر في شأن أوائل السورة المصورة بها هل هي جزء أم لا انتهى.

و كيف كان فقد ذكرت البسملة أعني بسم اللّه الرحمن الرحيم في النصوص و وقع البحث عنها في الفقه و هي من الموضوعات التي اشتد الخلاف فيها بين الفريقين، مما يقرب من صدر الإسلام إلى عصرنا هذا، و المتسالم عليه فيما بيننا كونها جزء من كل سورة من سور


القرآن المجيد عدا البراءة، فتجب قراءتها في أولها في الصلوات المشروطة بالسورة و تحرم قراءتها بقصد جزئيتها لإحدى السور العزائم على المحدث بالأكبر و هكذا، و المشهور بين العامة أنها جزء لخصوص فاتحة الكتاب دون غيرها، و يظهر ذلك من المصاحف المنتشرة منهم حيث لم يعدوها من آيات غير الفاتحة نعم لا إشكال في عدم البسملة لسورة البراءة عند الفريقين، كما ان البسملة المتوسطة جزء من سورة النمل كذلك، و مقتضى ما ورد في النصوص و ما أفتى به الأصحاب، اتحاد سورة الضحى و أ لم نشرح و سورة الفيل و الإيلاف، فيلزم كون كل من السورتين المركبتين ذات بسملتين عندنا كسورة النمل.

ثم إنهم اختلفوا في لزوم تعيين البسملة لكل سورة قبل الشروع فيها و عدمه و الظاهر الأول و التفصيل في الفقه.

* بقر البقر*

البقر بفتحتين في اللغة اسم جنس لنوع من الحيوان معروف، و لعله مشتق من بقر يبقر بقرا الشي‌ء شقه و فتحه و وسّعه، و البقر حيوان أليف لبون مجترّ من ذوات أربع، و في المجمع البقر اسم جنس يقع على الذكر و الأنثى و إنما دخلته الهاء للواحدة قيل و اشتق هذا الاسم من بقر إذا شق لأنها تشق الأرض بالحراثة، و البقر أجناس فمنها الجواميس و هي أكثرها ألبانا و أعظمها أجساما، و منها التي ينقل عليها الأحمال انتهى.

و كيف كان فالبقر بمعناه اللغوي وقع موضوعا للأحكام في الشريعة و مورد البحث في الفقه، فذكروا أنه أحد الأنعام الثلاث التي تعلقت بها فريضة الزكاة و قد حث الشرع على إخراجها و ايتائها مع شرائط خاصة مذكورة تحت عنوانها، و هو أيضا أحد الأنعام التي تعينت للهدي في الحج تمتعا و قرانا، و هو أحد الأنواع الستة المجعولة دية في القتل و الجرح و نحوهما فراجع عنوان الإبل.


* بلغ البلوغ*

البلوغ في اللغة معروف و في اصطلاح المتشرعة عبارة عن وصول الإنسان بل و سائر أنواع الحيوان إلى حد خاص من قوته البدنية يقدر معه بمقتضى طبعه الأولي على إنزال المني لو اتفق حصول مقدماته من الجماع و الاحتلام، و هذا الحد أول مرتبة من كمال رجولية الرجل و أنوثية المرأة و قدرته على التوالد و تكثير النسل، و هو مرحلة خطيرة حسّاسة بالنسبة لحالته الجسمية و قدرتها و فيها أيضا تستكمل قدرة تعقله و إدراكه و يتقوى و يستقل و لذلك قد شرف اللّه الإنسان فيها بوضع أعباء التكليف على عاتقه و جعله مكلفا بجميع ما كلف به البالغين و كتب عليه ما كتبه على المكلفين و أجرى عليه الحدود التي أجراها اللّه على الرجال و النساء، فهو بالدخول في هذه المرحلة إنسان كامل صالح لتحمل مشاق التكليف حريّ بالدخول في مجتمع المكلفين جدير لتوجه خطاباتهم قابل للمؤاخذة بالحدود الجارية عليهم.

قال في الجواهر البلوغ في اللغة الإدراك و بلوغ الحلم و الوصول إلى حد النكاح بسبب تكون المني الدافق الذي هو مبدأ خلق الإنسان بمقتضى الحكمة الربانية فيه و في غيره من الحيوان لبقاء النوع فهو كمال طبيعي للإنسان يبقى به النسل و يقوى معه العقل و هو حالة انتقال الأطفال إلى حد الكمال و البلوغ مبالغ النساء و الرجال انتهى. و قد عبر اللّه تعالى في كتابه الكريم عن هذه الحالة تارة ببلوغ الحلم و اخرى ببلوغ الأشدّ، و ثالثة ببلوغ النكاح و رابعة بالظهور على العورة.

ثم إن الأصحاب قد تعرضوا للبلوغ و أحكام الصبي غير البالغ من الذكر و الأنثى في أغلب أبواب الفقه من مبحث الطهارة إلى مسائل الديات و خصّوا غير البالغ بعدة أحكام و عمّوه بعدة أخرى و استثنوه من إطلاق طائفة ثالثة و عمومها، و العلة في ذلك أن الحكم عندهم مورد خلاف.

فنقول إن في شمول الأحكام الشرعية و العقلية كلها له، و عدم شمولها كذلك له، و التفصيل بين شمول بعضها و عدم شمول بعض آخر وجوه أو أقوال أظهرها الأخير، و لعله‌


المسلّم بين الأكثر أيضا و ان لم يصرحوا به إلاّ في بعض الموارد و التفصيل فيه تحت عنوان الحكم.

و نقول هنا إنه قد عرفت ان البلوغ في الإنسان و كل حيوان من حالات الجسم و الروح كليهما و هو أمر غير ظاهر في الإدراك و لا يعرف إلا بلوازمه و آثاره، و قد عيّن الشارع لإحرازه أمارات ذكرها الأصحاب في موارد من الفقه عمدتها كتاب الحجر، فذكروا هناك ان من المحجورين الصبي إلى أن يبلغ، و علاماته ثلاث الأولى إنبات الشعر الخشن على العانة و ربما ألحقوا بها الإبط و الشارب و اللحية في الذكر، الثانية خروج المني عنه في اليقظة أو النوم ذكرا كان أو أنثى و التحيض في الأنثى الثالثة بلوغ الذكر في السن إلى آخر خمس عشرة سنة و الأنثى إلى منتهى تسع سنين.

ثم إن هذه الأمارات أخص من ذي الإمارة أعني حد الكمال الواقعي كما هو مقتضى القاعدة في جعل الأمارات و لم يلاحظ اجتماعهما بل كل منها امارة مستقلة لكنها متقاربة في التحقق و لا يحصل الإثبات و الاحتلام غالبا قبل السن و يتحقق السن تبطل أمارية غيره فتظهر أمارية غيره في مورد الجهل بالسن و فيما إذا اتفق الإنبات أو الاحتلام قبله. و في مورد الشك يعمل بالأصل.

* بنك البنك*

البنك بالفتح و جمعه بنوك لغة غير عربية قد استعملت في أغلب الألسنة فصارت دخيلة فيها و هي عبارة عن المحل الذي توضع فيه الأموال النقدية أعيانها و أوراقها، لإعمال خاصة و معاملات و مبادلات و إقراض و هبات و جوائز و نحوها، تحت نظام عام عالمي و تدابير إدارية خاصة أو عامة.

و البنوك على أقسام: داخلية و خارجية حكومية و غير حكومية شخصية و اشتراكية، و من أعمالها قبول الأموال النقدية قرضا و استيداعا و مضاربة و شركة تجارية و نحو ذلك، و من إعمالها أيضا إعطاء القروض النقدية و الأموال و النقود بنحو المضاربة و الشركة التجارية و ما أشبه ذلك.


ثم ان النبك موضوع جديد الحدوث في القرون الأخيرة، و قد وقع البحث عنه بهذا العنوان في بعض الكتب الفقهية، و حيث ان معظم الأعمال الصادرة فيه استقراض الناس النقود الأوراقية و الدرهمين منه، و إقراض البنك ذلك، و لم يصدر ذلك فعلا من البنوك العالمية إلاّ على وجه الربا وقع البحث عنه في الفقه، و عن أصل تأسيسه و انه هل يمكن تأسيس البنوك اللاربوية و إجراء المعاملات الصحيحة، و انه على فرض كون أعمالها ربوية فهل تصح المعاملات البنكية بالنسبة لمن يجتنب عن الحرام أم لا؟.

و قد ذكر عدة من مقاربي عصرنا إمكان ذلك بل قد أسس في بعض البلدان البنوك الإسلامية اللاربوية، و هي تبتني على أعمال الطرق الشرعية في جميع تصرفاتها و معاملاتها مع الناس في كل ما يأخذه منهم و يعطيه لهم فيأخذ النقود مثلا بعنوان المضاربة و الصرف في التجارة أو بعنوان الشركة في أحداث بناء و غيره و الاستفادة من عوائده أو بيعه فيكون حصة من ذلك لصاحب النقود، و لازمه علم صاحب النقود بالجهة التي يبذل ماله فيها و ما يشترط اطلاعه عليه، أو توكيله البنك في جميع ذلك و الأمر كذلك في إعطاء البنك و أخذ الناس مضاربة أو شركة أو ما أشبه ذلك.

ثم إنهم ذكروا انه يجوز دفع الأمانات و الودائع إلى البنوك ان كان ذلك بعنوان القرض أو التمليك بالضمان أو الإذن في الإتلاف بالضمان، و يجوز للبنك التصرف و الإتلاف مع ضمان البدل، و لو شرط الزيادة في ذلك لفظا أو مبنيا على رسوم البنوك مثلا حرمت الزيادة و لم يبطل أصل الإقراض، و لو دفعها بشرط عدم التصرف لم يجز للبنك التصرف إلا ان الظاهر انه لا يقبله البنك بهذا الشرط فالودائع البنكية إقراض أو أذن في الإتلاف بعوض، فلا يجوز أخذ الزيادة مع الشرط و يحل لو بذله البنك بلا شرط و هكذا الجوائز البنكية التي تدفع تشويقا فإنها محللة، و كذا ما يعطيها غير البنك من المؤسسات الدولية و غيرها، و الحوالات البنكية المسماة بصرف البرات كدفع دراهم للبنك مثلا ليأخذ مثلها من بنك آخر إن كان إقراضا و كان ما يأخذه البنك من الزيادة أجرة للتحويل في محل آخر جاز، و إن‌


قصد الزيادة في الإقراض حرم و نظيره ما لو أخذ من البنك مبلغا ليؤديه إلى بنك آخر مع الزيادة، و الصكوك البنكية أوراق سندية لا قيمة لها بنفسها و أما الأوراق التضمينية التي جعلوها كالنقود فلها قيمة بنفسها كالنقود الورقية.

* بهم البهيمة*

البهيمة في اللغة كل ذات أربع قوائم من دوابّ البرّ و الماء عدا السباع و الجمع بهائم، و البهيمة كل ما لا نطق له و ذلك لما في صوته من الإبهام، و في المجمع و بهيمة الأنعام هي الإبل و البقر و الضأن، الذكر و الأنثى سواء، و الجمع البهائم، و بهيمة الأنعام من قبيل إضافة الجنس إلى ما هو أخص منه انتهى. و في المفردات و البهيمة ما لا نطق له و ذلك لما في صوته من الإبهام لكن خص في التعارف بما عدا السباع و الطير انتهى.

ثم ان عنوان البهيمة قد وقع في الفقه مورد البحث و قد رتب عليه في الشرع أحكام من تكليف و وضع، نظير حليتها المذكورة في قوله تعالى‌ (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ اَلْأَنْعََامِ) فإنه أريد بها نفس الأنعام و إنما ذكرت البهيمة للتأكيد كما يقال نفس الإنسان فالمراد حلية الأنعام الثلاثة التي تسمى بهيمة و هي الإبل و البقر و الغنم، و يمكن أن يراد بها أجنة الأنعام التي توجد في بطن أمهاتها إذا أشعرت أو أوبرت بعد ما ذكيت أمهاتها، فالمراد حينئذ التذكية و الحلية و كون ذكاتها ذكاة أمهاتها، فهي خارجة عن حكم الميتة تخصصا لدلالة الدليل على كونها مذكاة، و لو أريد من بهيمة الأنعام الوحشية منها كالظباء و بقر الوحش و حمرها، فالمراد حلية الأصناف الوحشية من الأنعام الثلاثة كما قال تعالى‌ (وَ مِنَ اَلْإِبِلِ اِثْنَيْنِ وَ مِنَ اَلْبَقَرِ اِثْنَيْنِ و مِنَ اَلضَّأْنِ اِثْنَيْنِ وَ مِنَ اَلْمَعْزِ اِثْنَيْنِ) أي الأهلية منها و الوحشية بناء على أحد التفسيرين، و مورد البحث عن الجميع باب الأطعمة و الأشربة فراجع عنوانها، كما ان البهيمة على نحو الإطلاق الشامل لجميع ما سوى السباع مذكور في باب الأطعمة و قد فصل فيه بين أنواعها المختلفة، فمنها طاهر محلل و منها طاهر محرم و منها نجس العين و لكل حكمه.


* بول البول*

البول معروف و هو ماء تفرزه الكليتان من كل حيوان فيجتمع في المثانة حتى تدفعه الطبيعة. و قد وقع في الشرع موضوعا لأحكام من تكليف أو وضع و وقع البحث عنه في الفقه في باب الطهارة و المكاسب و البيوع و الأشربة المحرمة و غيرها.

فذكروا في باب الطهارة نجاسة البول من كل حيوان برّي غير طائر لا يؤكل لحمه و كان له دم سائل إنسانا كان أو غيره، و عدم نجاسة البول من البحري و البري الطائر لو فرض له بول، و لا فرق في غير المأكول بين الأصلي منه كالسباع و المسوخ و نحوهما، و العارضي كموطوء الإنسان و الجلال و نحوهما، و أما بول الحيوان الحلال لحمه كالأنعام الثلاثة و الخيل و البغال و الحمير، فليس نجسا.

و وقع البحث في باب الطهارة عن بول الصبي الذكر الرضيع غير المتغذي و قابلية ما أصابه الطهارة بصب الماء عليه حتى يغلبه من غير تعدد و عصر و خروج غسالة، و ذكروا في باب البيوع تحريم المعاوضة على البول النجس، و عللوه بأنه محرم الشرب نجس لا ينتفع به منفعة محللة، و الظاهر أن جواز المعاملة دائر مدار الانتفاع المحلل فراجع الباب.

* بيض البيض*

البيض بالفتح و مؤنثة البيضة في اللغة اسم لجسم خاص يتكون في داخل إناث بعض الحيوانات لا سيما الطيور، فيه مادة يتولد منها حيوان من جنس صاحب البيض، و جمعه بيوض و ليس للفظ مصطلح شرعي أو فقهي و قد وقع في الشريعة موضوعا للحكم و في الفقه موردا للبحث في مواضع.

منها: ما ذكروا من أن بيض كل حيوان تابع له في حلية الأخذ و الحيازة و التملك فيجوز حيازة بيض الحيوان الوحشي دون الأهلي، و كذا الكلام في حلية الأكل فبيض الحيوان المأكول لحمه محلل، و المحرم لحمه محرم، و الظاهر انه لا فرق في هذه التبعية بين الحرمة الذاتية و العرضية كالجلال و موطوء الإنسان و نحوهما.


و منها: ان البيضة إذا خرجت من بطن الميتة من مأكول اللحم حل أكلها إذا اكتست القشر الأعلى، و لم يحل إذا لم تكتس.

و منها: ان البيض من المعدودات فلا يجري الربا فيه فان باع عشرة منها بخمسة عشر و لو من نوع واحد صح البيع.

و منها: انه لا يجوز أخذ البيض من الحرم و لا كسره نظير نفس الطائر الذي باضه.

و منها: ان البيض من كل حيوان مثلي بالنسبة لما يتولد من ذلك الحيوان و قيمي بالنسبة لغيره إلى غير ذلك.

* بيع البيع*

البيع في اللغة مصدر بمعنى مبادلة مال بمال و حقيقته أمر اعتباري قابل للإنشاء بلفظ أو غيره، و هو جعل ماله لغيره في مقابل ماله في وعاء الاعتبار، و هذا فعل البائع، و يقابله الشراء الذي هو أيضا أمر اعتباري مطاوعي أي تملك المال بالمال، و هذا فعل المشتري فالبيع تمليك بالأصالة و تملك تبعي و الشراء تملك بالأصالة و تمليك تبعي، فحقيقة كل منهما مركبة من أمرين اعتبارين.

فإذا أنشأ البائع البيع حصل عنده المبادلة الاعتبارية مراعى بإنشاء القبول من المشتري، و إذا أنشأ المشتري الشراء تحققت المبادلة الاعتبارية في نظرهما، فإن وافق الإنشاء ان الشروط العقلائية حصلت المبادلة عندهم أيضا، و إذا وافقا الشروط الشرعية تحققت عند الشارع أيضا، و هذا الاختلاف من خواص اعتبارية الشي‌ء و لا يمكن ذلك في التكوينيات.

و قد يستعمل البيع في مجموع ما حصل من الإنشاءين، أي المبادلة الاعتبارية، و هذا هو المعنى المعروف عند أهل العرف و في اصطلاح الفقهاء، و الموضوع لأغلب الأحكام الشرعية، من الحلية و الحرمة و الصحة و الفساد و غيرها، و بهذا المعنى يطلق عليه العقد و يترتب عليه آثاره.


ثم ان ما ذكر تعريف لمعنى البيع أعني المنشأ المسببي، و أما السبب الذي ينشأ به فالمستعمل في المعنى الأول قد يكون لفظا كبعت و شريت و ملّكت و نقلت و ما أشبه ذلك على اختلافها في الحقيقة و المجاز، و قد يكون فعلا كإعطاء المال خارجا أو الإشارة بيد و نحوها، و قد يكون كتابة على القول بها، كما أن المستعمل في الشراء من اللفظ الخاص اشتريت و اتبعت و تملكت و نحوها، و من العام قبلت و رضيت و نحوهما و من الفعل الأخذ بقصد الشراء.

ثم انه ليس للفظ البيع بمشتقاته و لا لمراد فاته حقيقة شرعية أو متشرعية، و فالمستعمل في الكتاب و السنة هو اللفظ بمعناه اللغوي و العرفي و الوضع فيها عام مطلق لا دخل لمتعلقها في وضعها مهما كان، لكن يظهر من بعض المحققين ان البيع مختص في اللغة و العرف بما إذا كان المنقول به بالأصالة عينا خارجية أو ذمية فنقل المنفعة و العمل و الحق ليس بيعا.

و بعبارة أخرى كل من المالين المتبادلين أما أن يكون عينا خارجية أو كليا ذميا أو منفعة أو عملا أو حقا، فالصور كثيرة و البيع موضوع بما إذا كان المبيع عينا دون غيرها فلو قال بعتك سكنى هذه الدار، أو خياطتي شهرا، أو حق تحجيري من هذا المكان، أو خيار الفسخ مثلا، لا يكون بيعا، لكن الظاهر ان الدليل غير تمام فمفاد اللفظ عام و به و شواهد من نصوص المقام.

ثم إن الفقهاء قد قسموا البيع إلى أقسام كثيرة و هي أصناف لنوع البيع يمتاز بعضها عن البعض موضوعا أو حكما و يختلف آثارها و أحكامها فإليك بعض تلك الأصناف.

* بيع نقد بيع النقد*

الأول: بيع النقد و هو المبايعة مع تقييد التعجيل في المثمن و الثمن، أو مع الإطلاق و عدم اشتراط التأجيل في أحدهما، فينصرف إلى التعجيل و هو النقد.

* بيع نسأ بيع النسيئة*

الثاني: بيع النسية أو النسيئة، و هو المبايعة مع اشتراط التأجيل في الثمن و تعيين الأجل بما لا يتطرق إليه الإجمال.


* بيع صرف بيع الصّرف*

الثالث: بيع الصرف و هو بيع الذهب بالذهب أو الفضة و بيع الفضة بالفضة أو الذهب، كانا مسكوكين أو غير مسكوكين، و اشترطوا فيه التقابض في مجلس المعاملة، و يختص ذلك بالبيع دون سائر العقود.

* بيع سلم بيع السّلم*

الرابع: بيع السلم أو السلف و هو بيع كلي مؤجل بثمن حال، كبيع الزارع و سقا من الحنطة بمائة درهم ليسلّمها بعد شهر مثلا، و للمشتري هنا نوع أصالة و تقدم فجوزوا الإيجاب من قبله فيقول أسلمت هذه الدراهم في منّ من حنطة بعد شهر مثلا فيقول البائع قبلت، كما انه يجوز للبائع ان يوجب و المشتري ان يقبل.

و يطلق في هذا البيع على المشتري المسلم بكسر اللام، و على الثمن المسلم بفتحها، و على المبيع المسلم فيه، و على البائع المسلم له، و من أصول شرائطه ضبط أوصاف المبيع بذكر الجنس و الصفات الدخيلة في القيمة، و تسليم الثمن في مجلس المعاملة، و تقدير المبيع بالكيل أو الوزن أو غيره، مما يعتبر به، و تعيين الأجل المضبوط للمسلم فيه.

* بيع سوم بيع المساومة و أخواتها*

الخامس: بيع المساومة و المرابحة و المواضعة و التولية، فإنه تقع المعاملة تارة على المثمن و الثمن بدون ذكر رأس المال و ذكر النفع و الضرر، فيقول مثلا بعتك الكتاب بدرهم فيسمى بالمساومة. و أخرى مع ذكر رأس المال و لحاظ الربح فيقول بعتك هذا بكذا و ربح كذا فيسمى مرابحة، و ثالثة الصورة مع لحاظ الخسران فيقول بعتك بكذا و وضيعة كذا فيسمى مواضعة، و رابعة مع لحاظ رأس المال و بالبيع بما اشترى فيسمى تولية.

* بيع شرك بيع التشريك*

السادس: بيع التشريك و هو ان يشترى متاعا ثم يقول لغيره أشركتك في نصفه بنصف الثمن مثلا فيقبل الغير.


* بيع ثمر بيع الثمار*

السابع: بيع الثمار على الأشجار و يلحق به بيع الزروع و الخضروات، و يصح هذا مع تعيين الأشجار و الزروع في الجملة، فإن باعها في عام واحد، فلا بد في الصحة إما ان تظهر الثمار و تبرز، أو يبيع أثمار عامين أو أكثر، أو يضم إليها ضميمة فيقول بعتك الضميمة مع ما سيخرج من ثمار هذا العام.

و ذكروا في المقام أنه لا يجوز بيع المزابنة و المحاقلة و الأول عبارة عن بيع الثمر على النخل بالثمر من تلك النخل أو من غيرها، و في إلحاق غيره به في الحكم إشكال. و الثاني بيع سنابل الحنطة بالحنطة منها و كذا الشعير، و ذكرنا الكلام فيه تحت عنوان الثمار فراجع.

* بيع حيو بيع الحيوان*

الثامن: بيع الحيوان و ذكروا انه كما يجوز بيع الحيوان المملوك بجميعه يجوز بيع بعضه، و حينئذ فإن كان المقصود منه اللحم كالغنم و البقر جاز بيع بعضه بنحو الإشاعة كالثلث و الربع، و بيع جزئه المعين كرأسه و جلده و غيرهما، و إن كان المقصود منه الركوب كالفرس و الحمار جاز بيع المشاع منه دون الجزء، لكن الظاهر جواز بيع أي حيوان كان بأي نحو أريد غير الموارد المستثناة إذا كان له منفعة و اجتمع شروط البيع.

* بيع كسر شيع بيع الكسر المشاع*

التاسع: بيع الكسر المشاع، فإنه قد عنون الأصحاب في باب البيع بيع الكسر المشاع من عين خارجية كالنصف و الثلث و الربع، و يظهر منهم أنه لا إشكال في صحته من غير فرق بين كون ماله الكسر واحدا أو متعددا، كبيع نصف صبرة أو ثلث أغنام أو قطيع، فيملك المشتري الكسر منها، إلاّ أن في المقام كلاما في تشخيص ماهية الكسر كربع الصبرة مثلا، فيظهر من بعض أنه كلى قابل للانطباق على كل فرد يمكن إفرازه عن المجموع، و عن بعض آخر انه جزئي حقيقي موجود في الخارج كنفس الكل، و عن ثالث ان الكسر أمر اعتباري لا وجود له إلا في وعاء الاعتبار فإن النصف من قطعة كرباس مثلا ما دام لم يفصل غير موجود بل الموجود الكل، و إذا فصل لم يكن نصفا بل صار كلا بنفسه، و عليه فلو


وقع عليه البيع كان المبيع أمرا اعتباريا لا يمكن إقباضه إلا بعنوان ما هو كل بنفسه.

ثمّ إن الظاهر انه لو تلف جميع الكل تلف ملك صاحب الكلي أيضا فإن كان قبل القبض بطل البيع، و لو تلف بعضه ورد النقص على صاحب الكلي أيضا بالنسبة بناء على الجزئية و لا يرد عليه نقص بناء على الوجهين الآخرين.

* بيع فرد ردد بيع الفرد المردّد*

العاشر: بيع الفرد المردد بين فردين أو أفراد و قد تسمى الفرد المنتشر، و هذا أيضا قد يفرض في الافراد المختلفة القيم كغنمين و ثوبين، فيقول البائع بعتك هذا أو هذا، و قد يفرض في الأفراد المتساوية في القيمة كدينارين و درهمين، و يظهر من الأصحاب بطلان هذا البيع مطلقا إما من جهة عدم تعين المبيع و ان لم يستلزم غررا كما في الفرض الثاني، و إما من جهة الغرر كما في الأول، و قد يقال ان البيع باطل في المقام من جهة عدم وجود مبيع، فإن المردّد بين الفردين أو الأفراد لا وجود له في الخارج فالموجود هذا و هذا دون هذا أو هذا، و كيف كان فالمشهور أو المتفق عليه البطلان في الفرضين و ان تأمل بعض في الثاني.

* بيع كلل عين بيع الكلي في المعين*

الحادي عشر: بيع الكلي في المعين ذكره الأصحاب في باب البيوع و اشتهر التمثيل به فيها، و هو كبيع صاع من صبرة مجتمعة الصيعان أو متفرقة الصيعان، و ظاهرهم انه لا إشكال في صحته و إنما الكلام في تشخيص حقيقة البيع هنا، فإنه قد يقال ان المبيع كلي ذمي مشروط بالتأدية من المعين، ففي انتساب الكلي إليه مسامحة في إطلاق الظرفية، و قد يقال إن الظرف هو المعين و الانتساب لاشتغال ذمته بالكلي فإنه كما تعتبر الذمة للإنسان تعتبر للأعيان الخارجية و الجهات، فإن المسجد مثلا كما يكون مالكا لما وقف له، و كذا الجهة نظير تزويج العزّاب كما تكون مالكة لما وقف لها، يمكن أن يكون كل منهما مديونا لشخص، و هذا كاشتغال ذمة تركة الميت للدين غير المستغرق المنتقل من ذمة الميت، فبعد بيع صاع من الصبرة تكون الصبرة مشغولة الذمة يتولى تبرئتها الولي المالك لها، هذا و عن بعض المحققين دعوى عدم معهودية ملك الكلي في غير ذمة الإنسان.


ثم ان الفرق بين الوجهين أنه لو تلف جميع الصبرة قبل القبض لم يبطل البيع على الأول بل يكون للمشتري خيار تخلف الشرط و يبطل على الثاني.

* بيع خير بيع الخيار*

الثاني عشر: بيع الخيار، ذكر الأصحاب في الفقه إطلاق هذا العنوان على بيع خاص مشروط بقسم من أقسام خيار الشرط، و هو ان ببيع الشخص مالا و يشترط في ضمنه الخيار لنفسه على المشتري بأنه متى جاء بالثمن إلى مدة معلومة كان له الفسخ و ارتجاع المبيع، و الظاهر أنه لا إشكال عندهم في صحة البيع و الشرط، إلا أن الكلام واقع في ان رد الثمن في أيّ وقت من أزمنة الخيار، هل هو سبب لحدوث الخيار عنده فلا خيار قبله، أو انه سبب لنفوذ الفسخ عنده مع ثبوت الخيار من حين العقد، أو سبب لوجوب الإقالة على المشتري، وجوه أظهرها الثاني و المراد برد الثمن رد بدله مثلا أو قيمة لا عينه فراجع كتب الفقه.

* بيع ربو البيع الربوي*

الثالث عشر: بيع الربا و قد ذكرناه تحت عنوان الربا.

* بيع البيعة*

البيع في اللغة إعطاء المثمن و أخذ الثمن، و بعني الشراء و هو إعطاء الثمن و أخذ المثمن، فهو من الأضداد، و البيعة و المبايعة، و المعاقدة و المعاهدة كأن كلا منهما باع ما عنده لغيره و أعطاه خالصة نفسه و طاعته، و بايع السلطان بذل له التسليم و الطاعة بما تصدى للولاية و إدارة الأمة، فهي عقد تقع بين فردين و طائفتين و فرد و طائفة.

و لا اصطلاح خاص للبيعة في الشرع و الفقه، بل قد استعملت فيهما بمعناها اللغوي، و هي تكون تارة من المرؤوسين لغرض إنشاء الولاية و إعطائها ابتداء لمن أرادوا ولايته، كان متعلقها ولاية صالحة سائغة أو باطلة جائرة، كبيعة خلفاء الجور، فإذا عقد أهل قرية البيعة لأمير أمّروه لتصدي أمورهم فبايعوه عليه، حصلت البيعة و ترتبت عليها أحكامها


الثابتة لطرفي المعاقدة، و اخرى تكون منهم لتثبيت ولاية ثابتة و تقويتها و وعدا للطاعة، كبيعة الناس مع النبي (ص) و الوصي و أثرها التأكيد في الإذعان و الطاعة، و ثالثة تكون بين الوالي و رعيته بالنسبة لأمر خاص من حرب و صلح و نحوهما، و فان كان متعلقها واجب الامتثال كانت مؤكدة و إلاّ وجب بالبيعة، و رابعة-تكون بمجرد المعاقدة بين اثنين أو طائفتين.

ثم ان البيعة على ما ذكرنا من المعاقدات و المعاهدات العقلائية اللازمة، و هي بطبعها تصلح للوفاء و النقض، نظير العهد و النذر، و من أحكامها وجوب الوفاء و حرمة النقض، لأدلة الوفاء بالعقود و الشروط.

ثم انه على ما ذكرنا لا تجب على الناس بيعة النبي (ص) على النبوة و الوصي على الوصاية لا في أصل المنصب و لا في الطاعة المفترضة، إذا تحقق الإسلام و الإيمان و تهيأ الانقياد للطاعة، فالبيعة الواقعة بالنسبة لهما في موارد مختلفة، كانت تأكيدا لجريان عادة الناس آنئذ عليها و كونها من أوثق الوسائل في التسليم لأمر و تنجيزه، كما في بيعة العقبة و بيعة الرضوان، و بيعة النساء للنبي (ص) على ترك الشرك، و الاجتناب عن السرقة، و الزنا، و قتل الأولاد، و إلحاق ولد الحرام بالزوج، و عصيان الرسول (ص) في أمره بالمعروف.

و كما في دعوة النبي (ص) الناس إلى بيعة علي في غدير خم، ففي نصوص القضية-أخذ رسول اللّه (ص) البيعة لعلي بالخلافة، و قال اللّه لنبيه (ص) : فأقمه للناس علما و جدد عهده و ميثاقه و بيعته، و قال (ص) الا و ان عند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي و الإقرار به، ثم مصافقته بعدي، الا و اني قد بايعت اللّه، و علي قد بايعني أنا اخذكم بالبيعة له عن اللّه عز و جل‌ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمََا يَنْكُثُ عَلى‌ََ نَفْسِهِ ، معاشر الناس اتقوا اللّه و بايعوا عليا و الحسن و الحسين و الأئمة (ع) .

و ما وقع من تمسك علي (ع) في إثبات خلافته ببيعة المهاجرين و الأنصار كان لإثبات المطلب بإثبات وقوع الشهادة عليه من عدة عدول أو على نحو الاستدلال الجدلي و الاحتجاج بمسلمات الخصم لا على السبب التام.


* بين البيّنة*

البينة في اللغة وصف من بأن الشي‌ء يبين بيانا و تبيانا إذا اتضح و ظهر فهو بيّن و هي بيّنة، و البينة الحجة و البرهان، و في المفردات: و البينة الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة و سمي الشاهدان بينة لقوله (ص) البينة على المدعي و اليمين على من أنكر انتهى.

و كيف كان فقد كثر في الفقه استعمال كلمة البينة إلا انه لم يثبت لها اصطلاح خاص شرعي أو متشرعي في قبال المعنى اللغوي في غير باب الدعاوي، نعم قد شاع استعمالها في ذلك الباب في شاهدين عدلين بحيث لا يبعد ثبوت اصطلاح خاص هناك، بشهادة إطلاق البينة عليهما فيه بلا قرينة تارة، و الشهادة العادلة أخرى، و البينة العادلة ثالثة، و أما في غير ذلك الباب من أبواب الفقه المختلفة فدعوى الحقيقة الشرعية أو المتشرعية فيه بعيدة جدا، فاللازم حملها فيه على المعنى اللغوي أي الأمر الواضح أو الحجة و البرهان، كما انهما مورد استعمال الكلمة في الكتاب و السنة كقوله تعالى‌ (قُلْ إِنِّي عَلى‌ََ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) و قوله (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‌ََ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) و قوله‌ (فِيهِ آيََاتٌ بَيِّنََاتٌ) .

ثم ان عمدة البحث في الفقه واقعة عن البينة بمعنى شهادة العدلين، و ذكروا أمورا ترجع إلى موارد قيامها و شروط حجيتها و أحكام تعارضها-، منها ما ذكروا من انه ليس الكلام في حجيتها بالنسبة لإثبات الأحكام الكلية فإنه لا إشكال في حجية إخبار الواحد العدل بل الثقة فيها، بل بالنسبة لإثبات موضوعات الأحكام و هي على قسمين، و فإنها اما ان تقوم في مقام الدعاوي و المخاصمات أو في غيرها، نظير كرّية الماء و قلته و طهارته و نجاسته و كون الطريق مسافة أو أقل مثلا، و لا إشكال عندهم في حجية أخبار العدلين في الأول مع تحقق شروطها المقررة في بابها، فإنهم ذكروا ان الشارع قد جعل للمدعي في إثبات دعواه طرقا ثلاثة مترتبة: الأول إقرار المدعى عليه و اعترافه، و الثاني إقامة المدعي البينة، و الثالث حلفه اليمين المردودة من قبل المنكر، كما جعل للمنكر طريقين لدفع الدعوى، حلفه على نفي الدعوى، و نكول المدعى عن اليمين المردودة، و منها أن المدعي مخير بين إقامة البينة و إحلاف المنكر و لا يتعين عليه الأول و إذا حلف المنكر تمت الدعوى و لا مجال للبينة


و منها انه لو لم يعرف الحاكم البينة أعلم المدعي ان يزكيها بأخرى، و أعلم المنكر ان له جرح بينة المدعي-و منها انه لو تعارضت بينة الجرح و التعديل تساقطتا فكأنه لا بينة للمدعي- و منها انه لا يمين مع البينة إلا في الدعوى على الميت أو على كل قاصر كالطفل و المجنون و غيرهما على إشكال في التعميم، فيحلف المدعي تقوية، دعما لبيّنته كما ان اليمين تقوم مقام أحد الشاهدين عند عدم العدلين في دعوى الديون أو في مطلق حقوق الناس دون حقوق اللّه.

و أما الثاني و هو البينة بمعنى اخبار العدلين القائمة على الموضوعات في غير مورد النزاع و الخصومة فقد اختلفت كلمات القوم فيه لكن الأكثر على حجيتها و ثبوت الموضوع الخارجي بها فيما إذا كان ذا حكم شرعي و إن كان أدلتهم غير خالية عن الخدشة و إنكار بعض النافين يرجع إلى نفي خصوصية العدد لقولهم بحجية خبر الواحد العدل أو الثقة في الموضوعات و التفصيل في الفقه.

* أخر التأخير*

مفهوم التأخير في اللغة و العرف بيّن، و قد استعمل في الفقه في موارد كثيرة رتب عليه في بعضها حكم تكليفي إلزامي، و في آخر حكم تكليفي ندبي، و في ثالث حكم وضعي خاص نظير تأخير الفرائض اليومية عن أول وقتها فيكره، و عن وقتها المقرر لها في الشريعة فيحرم و يجب القضاء، و تأخيرها لذوي الأعذار فيما إذا احتملوا أو اطمأنوا بارتفاع العذر في أخر الوقت فيستحب أو يجب، و تأخير قضاء رمضان إلى الرمضان الآتي فيحرم و يوجب كفارة التأخير إذا كان ذلك بلا عذر و يوجب الكفارة فقط إذا كان مع العذر، و تأخير الحج عن سنة الاستطاعة عمدا فيحرم حرمة مؤكدة، و تأخير دفن الميت يوما أو أياما من غير جهة مبيحة فيحرم إذا كان هتكا، و تأخير كفارة الظهار و الرجوع إليها عن أربعة أشهر فيحرم، و نظيره الإيلاء، و تأخير زكاة الفطرة عن صلاة العيد أو عن ظهر يومه فيحرم، و تأخير نية الصوم الواجب المعين إلى طلوع الفجر كتأخير غسل الجنابة


و نحوهما فيحرم و تأخير قضاء الصلوات الواجبة بحيث ينجر إلى التهاون في التكليف فيحرم، و تأخير أداء الديون الحالّة مع التمكن من الأداء و مطالبة أصحابها فيحرم، و تأخير إقامة الحدود و التعزيرات بعد ثبوت أسبابها من دون جهة مبيحة فيحرم و هكذا.

* أمن التأمين*

التأمين في اللغة و العرف جعل الشي‌ء أو الشخص في الأمن يقال أمن يأمن من باب علم اطمأن و أمّنه بالتشديد جعله في أمن، و استأمنه طلب منه الأمان أو عده أمينا.

و كيف كان فالتأمين في مصطلح الفقه الحادث في العصور الأخيرة عبارة عن عقد خاص واقع بين شخصين أو أكثر، فيلتزم أحدهما جبر كل نقص أو عيب، أو علاج كل مرض يرد على بدن الآخر، أو جبر كل نقص أو تلف يرد على ماله من بيت أو بستان أو مركوب، أو على جميع ما يملكه من الأموال، في مقابل بذل الآخر مالا من قبله و يسمى الأول الملتزم المتعهد مؤمّنا بالكسر، و الثاني المتعهد له مستأمنا أو مؤمّنا له، و المال الذي يعطيه المستأمن مؤمّنا به أو وجه التأمين.

و هذا من العقود العقلائية التي يحتاج إلى إيجاب و قبول و يصح ان يكون إيجابه من المؤمّن فيقول أمنتك، أو التزمت و تعهدت جبران ما يرد عليك أو على مالك بكذا دينارا، فيقبل المستأمن، و ان يكون من المستأمن فيقول: عليّ أداء كذا مبلغا بجبرك الخسارات الواردة على النحو الخاص فيقبل المؤمن، و يسمى العقد عقد التأمين. و قد ذكر الأصحاب هنا أمورا ترجع إلى شروط العقد و شروط المتعاقدين و العوضين.

أولها: انه يشترط في صحة هذا العقد ما يشترط في غيره من إنشاءين مرتبطين أحدهما إيجاب و الآخر قبول.

و ثانيها: انه يشترط في المتعاقدين البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر.

ثالثها: انه يجب تعيين المؤمّن عليه من نفس أو مال.

رابعها: انه يجب تعيين طرفي العقد من كون كل منهما شخصا أو أرباب شركة مؤسسين‌


لها تجارية أو غيرها، أو دولة من الدول.

خامسها: انه يجب تعيين المبلغ الذي يجب على المستأمن أداءه من حيث الحكم و كيفية التأدية من دفعة أو أقساط و زمانها و مكانها.

سادسها: انه يجب تعيين الأخطار و النقائص المحتمل عروضها على النفس و المال من كونه المرض الفلاني مثلا أو جميع الأمراض أو كل نازلة من قطع عضو و كسر و نحوهما أو الفوت، و الإخطار الواردة على المال من الحرق و الغرق و الكسر و السرقة و التلف.

سابعها: انه يجب تعيين زمان التأمين ابتداء و انتهاء.

و ذكروا انه على هذا يصح التأمين على حياة الإنسان، و على السيارات و الطائرات و السفن، بل و على المنقولات من مكان إلى آخر بريا أو بحريا أو جويا.

و كذا يصلح التأمين على أهل قرية أو بلد أو مملكة بجبر الخسارات المظنون وقوعها من غور مائهم، و تلف زراعاتهم، و مواشيهم، و سائر وسائل حياتهم، من الكهرباء و الماء المشروب و النفط (و الغاز) و غيرها، أو على نفوس ساكينها بما يمكن التأمين لكل شخص بخصوصه، و كذا يصلح التأمين على الشركة أو على المكائن على اختلاف أنواعها و أصنافها.

ثم انهم ذكروا أن التأمين عقد مستقل و لا وجه لحملها على المصالحة و الهبة و الإجارة و الجعالة و الضمان و نحوهما، لشمول أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم‌ له بعد وضوح كونه عقدا عند العقلاء.

* تبع التبعية*

مفهوم التبعية في اللغة و العرف معلوم و ليس لها في الشرع اصطلاح خاص و قد وقع البحث عنه في الفقه في مقامات.

أحدها: تبعية ولد المسلم له في الإسلام فأولاد المسلمين محكومون بالإسلام تبعا فيترتب عليهم آثار الإسلام، و تبعية ولد الكافر له في الكفر، فهم محكومون بالكفر


يترتب عليهم أحكامه، و على هذا فلو ارتدّ المسلم و كفر تبعه ولده في الكفر إذا كان غير مميز أو مميزا غير بالغ إذا لم يكن مظهرا للإسلام قبل ارتداد أبيه، و لو أسلم الكافر تبعه ولده في الإسلام إذا كان غير مميز أو كان مميزا غير بالغ و لم يكن مظهرا للكفر قبل إسلام أبيه بل و إذا لم يكن مظهرا للإسلام أيضا و الاّ خرج عن التبعية.

ثانيها: تبعية فضلات بدن المسلم المتصلة به في الطهارة كبصاقه و نخامته و دمعه و وسخه و غيرها، و تبعية فضلات الكافر له كذلك، فإذا ارتد المسلم تنجس بدنه و تنجست الفضلات، و إذا أسلم الكافر طهر و طهرت الفضلات، و هنا أقسام من التبعية في الطهارة خاصة ذكرناها تحت عنوان المطهر لأنها كانت أمسّ بها، كتبعية المسبيّ الصغير الكافر للسابي المسلم، و ظرف الخمر له إذا صار خلا، و آلات غسل الميت بعد الأغسال، و يد الغاسل عند تطهيره الثوب و نحوها.

* بعض التبعيض*

التبعيض في اللغة واضح و هو تجزية الشي‌ء القابل لها و تفريق اجزائها، و المراد به في المقام التبعيض بين اجزاء العمل المترتب عليه الحكم من تكليف أو وضع، لا مطلق ما يقبل ذلك، و هذا العنوان ليس له مصطلح شرعي أو فقهي لكنه قد وقع موردا للبحث عنه في الجملة و ورد جوازه و صحته في بعض الأفعال، و عدم جوازه و صحته في بعضها الآخر نشير إلى شي‌ء من ذلك فيما يأتي، و ان كان الأولى إرجاع هذا العنوان إلى قاعدة ما لا يدرك، و الميسور لا يسقط بالمعسور، و ان افراده بالذكر بعض المؤلفين.

و كيف كان فنقول انه لا تجرئة و لا تبعيض في الطهارات الثلاث كان ذلك في حال الاختيار أو الاضطرار، و لم يشرع ذلك في الشريعة، و ذلك لأنه و إن كان كل واحدة منها أفعالا مركبة قابلة للتجزية الا أن المراد بها هنا التجزئة و التبعيض من حيث مسبباتها، و حيث انها على الظاهر حالات نفسانية غير قابلة للتجزية فلا معنى لها في الأسباب أيضا.

و أما الصلاة فالظاهر جريانها فيها في الجملة كما إذا لم يقدر على الإتيان بالأجزاء غير


الركنية كلا أو بعضها فإنه لا تسقط البقية، و هذا تبعيض و تجزية من حيث الاجزاء، و الحكم كذلك فيما إذا لم يقدر على بعض الشروط كالطهارة الخبيثة و الستر و القبلة و نحوها، و هذا تبعيض و تفريق من حيث الشروط.

و يصح التبعيض في أيام الصيام و هذا مبني على فرض جميع الشهر كموضوع واحد، و إلاّ فليس تبعيضا و نظيرها التبعيض في الزكاة و الخمس و سائر الحقوق المالية الخلقية و الخالقية، لكنها ترجع في الحقيقة إلى التكاليف المستقلة.

و يصح التبعيض في مفاد العقود اختيارا، و قد يتفق ذلك فيها قهرا كالإقالة بالنسبة إلى بعض مفاد المعاملات، و الفسخ و الانفساخ كذلك، و من مصاديقه خيار تبعض الصفقة و ظهور بعض أجزاء المبيع أو الثمن مستحقا للغير و التفصيل في البيع.

* بلغ التبليغ*

مفهوم التبليغ في اللغة و العرف بيّن، و يرادفه الإبلاغ و يقاربه الاعلام و الإيصال، و قد كثر استعماله في عصرنا الأخير في خصوص إبلاغ المعارف الدينية و المفاهيم الكتابية أصولا و أخلاقا و غيرها، و لا سيما في إبلاغ الأحكام الفرعية الإلهية إلى من يجهلها من الناس، و يحتاج إليها من عوامّهم، و هذا العنوان بالأصالة من وظائف الأنبياء و الرسل و أوصيائهم الذين هم وسائط الفيض في التشريع كما أنهم وسائط الفيض في التكوين.

ثم انه لا إشكال و لا خلاف عندنا بل عند المسلمين عامة في وجوب تبليغ الدين الحنيف أعني دين الإسلام، وجوبا عينيا أو كفائيا على كل مكلف عالم به قادر على إبلاغه متمكن من اعلامه و إيصاله إلى الناس أي إلى كل مكلف جاهل بأصوله أو فروعه، قاصر أو مقصر، منتحل بدين غير الإسلام كأهل الكتاب أو غير منتحل بدين كالزنادقة المنكرين للمبدإ و المعاد و من أشبههم.

و هذا التبليغ في الحقيقة دعوة الناس إلى الدين، دعوة قولية صادرة من العلماء بالدين مقرونة بلين القول و إطابة الكلام، و الجدال بالتي هي أحسن، و يعم المؤمن و الكافر، ـ


و تفارق دعوة الكفار إلى قبول الإسلام المذكورة في كتاب الجهاد، فإنها تكون من ناحية الإمام المعصوم أو من نصبه لذلك عاما أو خاصا، و تقارن الحرب و الجهاد و قبول الجزية من بعض فرق الكفار و عدم قبولها من البعض الآخر.

و لا فرق في هذا التبليغ بين أصول الدين بشؤونه، و فروعه بشعبه و غصونه، و بين المسائل الأخلاقية و غيرها، مما له دخل في كمال الإنسان و علوه.

ثم ليعلم ان مفاد قوله تعالى‌ (وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى اَلْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ) انتهى. انه تعالى قد خاطب الناس و أمرهم بتعيين أمة متحدة الأهداف، متمكنة من الدعوة إلى الخير، و الأمر و النهي، و الخير شامل لجميع العلوم و الأحكام، و حيث إن الناس قاصرون بالنسبة لهذا التكليف، محتاجون إلى من يتولى أمرهم و يتصدى لهذه الوظيفة كغيرها من موارد أجراء الحدود، و التصرف في الأموال العامة، فالخطاب في الحقيقة متوجه إلى الوالي، و حيث ان متعلق التكليف في هذه الأزمنة يرجع إلى تأسيس الحوزة أو الحوزات العلمية، فمبدأ التبليغ يكون على الوالي و حاكم المسلمين، و مقتضى قوله تعالى‌ (فَلَوْ لاََ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طََائِفَةٌ) انتهى. لزوم نفر المستعدين للتعلم و التحصيل إلى الحوزات ليتحقق بهم هدف التبليغ. على اختلاف شؤونه و أقسامه، فيجب على عدة إبلاغ الأصول بالأدلة العقلية و النقلية، من طريق البيان، و الكتابة و البنان، و على آخرين تبليغ الفروع باستنباطها عن مداركها و عرضها للعمل، و على ثالث بالنفر إلى البلاد، و إبلاغ الدين الى العباد، و على رابع الإبلاغ بوساطة الإذاعات العامة و الخاصة، و على خامس بوساطة النشريات و المجلات، و تأليف الكتب و الرسائل، و على سادس بالصعود على كراسي الخطابة و الوعظ، و على جميع المكلفين العالمين بالأحكام و لو مسألة واحدة إبلاغها على الجاهلين بها مع شرائطه المقررة، في أي محل و مكان.


* بني التبنّي*

التبني تفعل من البنوة و هو اتخاذ الشخص ولد غيره ابنا لنفسه، و كان من أعمال الجاهلية و رسومها، فكان يأخذ الرجل ابن غيره و يتخذه ابنا لنفسه كالابن النسبي، و يرتب عليه جميع آثار البنوة من التوارث و المحرمية لزوجته و المحرمية لأولاده و سائر أرحامه و يسمونه دعيا.

ثم أن التبني بالمعنى المذكور غير ممضى في الإسلام، و ذكر الأصحاب في باب النكاح عدم جواز ذلك و عدم ترتب آثار الولد عليه شرعا، و قد قال تعالى‌ (وَ مََا جَعَلَ أَدْعِيََاءَكُمْ أَبْنََاءَكُمْ) و قال تعالى‌ (اُدْعُوهُمْ لِآبََائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اَللََّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبََاءَهُمْ فَإِخْوََانُكُمْ فِي اَلدِّينِ وَ مَوََالِيكُمْ) فلا يتوارثون و لا تجب نفقة بعضهم على الآخر و لا تحصل علقة النسب بينه و بين الرجل المتبني و أولاده و أرحامه و لا بينة و بين زوجته و أرحامها.

و قد يتفق التبني في عصرنا هذا، فربما يأخذ الرجل ولد غيره و يجعله ولدا لنفسه و المرسوم عندهم أعم من اتخاذ الابن و البنت، و هذا باطل مطلقا في الشريعة و لا يكون الذكر المتخذ ابنا محرما لزوجة المتبني بعد بلوغه سواء اتخذه كذلك في أيام رضاعه أو بعده في صغره أو كبره، و لا الأنثى المتخذة ولدا محرما له كذلك، و لا يتوارثان و لا تجب نفقة أحدهما على الآخر، و ليس من مصاديق المقام اللقيط الذي يأخذه الشخص وجوبا أو ندبا من غير معرفة منه بمن ألقاه من أبيه و أمه، فان له حينئذ ولاية شرعية عليه في الجملة، مع عدم ترتب آثار المحرمية أيضا، راجع عنوان اللقيط.

* تتن تنباك تبغ التتن و التنباك و التبغ*

هذه الألفاظ مترادفة موضوعة لنبات معروف ورقه عريض طويل، و زهرة أبيض و أحمر، و حبّه كحبّ الخردل، و له أصناف و ذكروا أنه لم يكن في البلاد الإسلامية قبل القرن العاشر من الهجرة، و كان مهده الأصلي بلاد امريكا ثم انتشر في بلاد المسلمين.

ثم ان الأصحاب ذكروه تارة في علم الأصول في مسألة الشبهة البدوية التحريميّة إذا


كان الشك في الحكم لعدم الدليل عليه، و مثلوا لها بشرب التتن بمعنى استعمال دخانه و ظاهرهم فيه عدم الحرمة لقوله عليه السلام: كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي، و قوله عليه السلام و الأشياء كلها على هذا و غيرهما، و خالف في ذلك عدة منهم فأوجبوا الاحتياط.

و العنوان و إن كان موضوعا خاصا غير ثابت الحرمة في الفقه الا ان شيوع استعماله في أقطار الأرض و ممالكها، و اعتياد أغلب الناس من المسلمين و الكفار بشربه، بل و شدة اعتياد البعض به على حدّ أضرّ على نفسه و عطل قواه أو أدّى الى هلاكه‌ [1] جعله موضوعا هامّا قابلا للبحث عنه من حيث حكمه الشرعي مضافا إلى أن حرثه و زرعه و توليده و الاتجار بالفروع الكثيرة المنشعبة منه، قد أدخله في الأمور الاقتصادية الهامة، و قارنه بجهات سياسية، فللافتاء بجواز توليده و الاتجار به، و استعماله أثره الخاص، كما أن للإفتاء بحرمة ذلك و النهي عن شربه تأثيره البيّن.

و لذلك نقول انه قد اختلف في حكمه اراء العامة، فمنهم من حرّمه و هم كثيرون، و قد الف بعضهم كتابا في تحريمه، و منهم من أحله و الف كتابا في حليته، و حرم منهم الأكثرون شربه في المساجد، بل ادعوا عليه الاتفاق و لو كان حلالا في غيرها، لقول جابر: إن النبي (ص) قال من أكل البصل و الثوم و الكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم انتهى بقياس المورد على الوارد، و استدل الأولون تارة بأنّ فيه اسكارا قليلا فهو حرام لأجل ذلك، و حكم آخرون بنجاسته أيضا لأن كل مسكر نجس و عليه فيحرم قليله و كثيره و يحد شاربه حد المسكر، و اخرى بأن شربه مضرّ للبدن و العقل و المال، فإنه يفسد القلب و يضعّف القوى و يغير اللون و يورث الأمراض حتى السلّ و نحوه فينجر الى الهلاك فيشمله قوله تعالى- وَ لاََ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ، و ثالثة بان استعماله تضييع للمال و إسراف و تبذير و هو واضح عند المسلمين.


[1] و يؤيده ما في استعمال المجتمع له على ذلك النحو من إتلاف أموال جمّة لا يدرك مقدارها غير مهرة فن المحاسبات بحيث لو صرفت فيما يحتاج اليه المجتمع لكانت محصلة لحوائج كثيرة و سادّة لخلة جمة غفيرة.


و استدل المجوزون بعدم الإسكار فيه، و ما يفرض حصوله لشاربيه من حال النشاط ليس سكرا محرّما و يوجد نظيره في غيره ايضا فلا دليل على حرمته، و اما الإضرار فلو علم إضراره المحسوس السريع لأحد حرم عليه، و الضرر اليسير غير المحسوس الا بعد سنين لا دليل على حرمته، و اما الإسراف فهو عبارة عن صرف المال في وجه محرم أو في أمر غير عقلائي كالإتلاف بلا وجه و التلذذ بشي‌ء و لو خفيفا ليس من ذلك.

هذا و لا يبعد حرمة الاعتياد مع كثرة الشرب لما تواتر نقله من الأطباء بالضرار المعتد به للبدن و ان لم يحسّه المستعمل عاجلا و التفصيل في الفقه.

* جسس حسس التجسس و التحسس*

التجسس في اللغة تتبع الأخبار و الجاسوس و الجساس هو المتتبع المتفحص عن الأخبار، و في المجمع التجسس التفتيش عن بواطن الأمور و تتبع الأخبار و أكثر ما يقال في الشر، و منه الجاسوس و هو صاحب سر الشرّ، كما ان الناموس صاحب سر الخير، و قيل: التجسس بالجيم أن يطلبه لغيره و بالحاء أن يطلبه لنفسه انتهى.

ثم انه ليس للتحسس مصطلح شرعي و لا متشرعي، و قد وضع في الشريعة بمعناه اللغوي موردا للحكم و موضوعا للأمر و النهي على حسب اختلاف متعلقة، فذكر الأصحاب أن مقتضى القاعدة الأولية حرمة تفحص المسلم و تجسسه عن أسرار أخيه المسلم و خفايا أموره الفردية و العائلية، اعني خفايا عيوبه في عقائده و أخلاقه و اعماله، بعد قيام الحجة على إسلامه و ايمانه كما ان مقتضى القاعدة حرمة إذاعتها و إشاعتها بعد الاطلاع عليها.

نعم لو علم شخص بابتلاء أحد بمعصية يصرّ على ارتكابها و يخفيها عن غيره، وجب عليه النهى عنها و التوسل في ذلك بالطرق المقررة لها شرعا، و منها تهديده بإشاعتها لو أصرّ عليها فيما عدا الزنا فإنه لا يجوز إشاعته شرعا الا مع إقامة البينة عليه، و هذا غير التجسس المذكور بمعنى التتبع ليطلع عليه.

و مما يمكن أن يكون من مصاديق العنوان، ما ذكروا أنه لا يجوز التطلع على بيوت الغير


و عوراتهم، من مكان عال أو من ثقوب الجدران و الأبواب، فمن فعل ذلك كان لصاحب البيت زجره و مع عدم الانتهاء دفعه و لو بالضرب و الجرح، و لو انجر ذلك إلى نقص أو جرح أو قتل للمتطلع كان هدرا و لا قصاص فيه و لا دية، نعم لو رفع الأمر إلى الحاكم فعلى صاحب البيت إقامة البيّنة، و إلاّ ضمن بالقصاص أو بالدية ثم أن ما ذكر هو في تجسس المسلمين و المؤمنين بعضهم عن بعض، و هنا مصداق له سائغ أو واجب بل قد يكون من أهم الواجبات، و هو ما يأمر به. ولي أمر المسلمين و يتصدى به ولاة الحكومة الإسلامية أسسوا لتصديه و القيام به دائرة مستقلة تنشعب من شجرة الولاية العامة، سموها بوزارة الأمن و الاستخبارات، و لها رئيس و أعضاء و أغصان، و خدمة و أعوان، و لها برامج خاصّة عيّنت طرق التجسس و كيفيّة القيام به، و حيث إن ذلك على خلاف الأصل الأولي و وجبت لطروّ عناوين ثانوية أقوى، لصيرورتها الركن الأقوى من الحكومة و نظامها لزم ان يكون المتصدي لأمر الوزارة رجلا خبيرا متدربا في الأمور بصيرا بالسياسة، عارفا بالأحكام الإسلامية في شتى نواحيها، مطلعا على كيفية حكومة الأدلة الثانوية على الأحكام الأولية، واقفا على مصالح الاجتماع و ما له دخل في بقاء النظام و دوامها.

و في دستور الجمهورية الإسلامية الايرانية أنه يمنع تفتيش العقائد، و لا يمكن مؤاخذة أي شخص أو التعرض له لمجرد اعتناقه عقيدة معيّنة، و فيه أيضا: و يمنع تفتيش الوسائل و عدم إيصالها، و تسجيل و إفشاء المكالمات الهاتفية، و إفشاء المخابرات البرقيه و التلكس و مراقبتها و عدم مخابرتها و عدم إيصالها، و استراق السمع و كل أنواع التجسس الا بحكم القانون (المادة 23 و 25) و لا يخفى ما في إطلاق المادة الأولى و الكلام في ذلك في الفقه.

* جود التجويد*

التجويد في اللغة جعل الشي‌ء جيدا يقال جوّد الشي‌ء و إجادة صيّره حسنا جيدا، و التجويد قد وقع مورد الكلام في الفقه و كلمات الأصحاب، في قراءة الصلاة و أذكارها و تلاوة القران في الصلوات الواجبة و المسنونة، و في غير الصلوات، فجعلوه على قسمين:

واجب و مندوب، و الأول عبارة عن تحسين قراءة الصلاة و تجويد أذكارها بمعنى التلفظ


بلغة عربية صحيحة من حيث أداء الكلمات و رعاية مخارج حروفها على نحو يصدق التلفظ بالحرف الكذائي، و لا يعد ملحونا عند أهل اللسان، فذكروا ان من لا يحسن قراءة الصلاة و سائر أذكارها يجب عليه التعلم ليتكلم بعربي صحيح و فرعوا عليه انه يجب على المصلي رعاية الموالاة بين الحروف و الكلمات و حذف همزة الوصل و إظهار همزة القطع، و عدم تبديل حرف بحرف أخر كالضاد و الظاء، و السين و الثاء و الصاد، و ان يعلم أعراب أخر الكلمات ليتلفظ به عند الوصل، و يلاحظ المد الواجب و الإدغام اللازم و هكذا.

و اما رعاية الجهر و الإخفات فهي من شرائط الصحة دون آداب القراءة، و اما الثاني و هو التجويد المندوب فهو قد يلاحظ في الصلاة و يراد به رعاية جميع ما ذكره أهل التجويد الذي هو علم خاص متعلق بقراءة القرآن الكريم متخذ من كلمات أهل اللسان، و كيفية نطقهم، و قد يلاحظ في القرآن عند تلاوته، من رعاية آداب التلاوة التي ذكروها في ذلك العلم، و ورد في ذلك نصوص أيضا.

* جهز التجهيز*

التجهيز في اللغة اعداد مقدمات الشي‌ء و الجهاز بالفتح و الكسر نفس تلك المقدمات تقول جهزت المسافر إذا هيأت له جهاز سفره و ليس للّفظ مصطلح خاص شرعي أو فقهي و قد وقع بعنوانه اللغوي موضوعا للحكم في الشريعة و موردا للبحث في أبواب من الفقه.

منها: تجهيز الغزاة في سبيل اللّه في الجهاد الابتدائي و الدفاعي، فعلي ولى أمر المسلمين عندما رأى الغزو و المحاربة مع الكفار للدعوة إلى الإسلام مصلحة، التكفل بما يحتاج اليه ذلك من أعداد العدّة و تهيئة العدة مما ذكره اللّه تعالى بقوله‌ (وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ التي لا تحصى، و بالثاني الوسائل النقلية الأرضية و البحرية و الجوّية، يعدها الوالي و يهيّؤها إذا لم يكن هناك باذل للكل أو البعض، من بيت مال المسلمين أو بيت ماله، و الكلام كذلك في الجهاد الدفاعي مما لا يقدر عليه المدافعون، من نفقة أنفسهم حال‌


الدفاع، و أسباب الحرب و أدواته، كما ان الأمر كذلك في عصرنا هذا.

و منها: تجهيز العروس و هو اعداد لوازم انتقالها من بيتها إلى بيت زوجها من وسائل العيش كالألبسة و الأواني و الفرش و غيرها، و هذا كله على عهدة نفس العروس ان كانت موسرة، و لا يتقدر حينئذ بقدر فلها تهيئة ما تعيش به أعواما و سنين في بيت زوجها، و إن كان نفقتها عليه بعد الانتقال و التمكين و ان كانت معسرة لا مال لها فما يعد منه نفقة لها حسب اقتضاء حالها و عصرها و أرحامها و أقرانها يكون على وليها المنفق عليها و مع عدمه فعلى ولى أمر المسلمين.

و منها: تجهيز الميت و يتحقق في الشريعة بأمور خمسة: الغسل و الحنوط و الكفن و الصلاة و الدفن. و قد ذكروا في أحكام الأموات ان حق التصدي لها عملا لأولياء الميت و لو احتجت إلى صرف المال كاجرة التغسيل و التكفين و قيمة الحنوط و الكفن و قيمة مكان الدفن أو أجرته فهي تؤخذ من تركة الميت و لو لم يكن للميت مال فعلى ولى أمر المسلمين كما ان ديونه عليه مع عدم وفاء التركة.

ثم انه قد ذكر كل واحد من أقسام التجهيز الخمسة تحت عنوانه عدا غسله فلا بد من ذكره هنا فيجب تغسيل كل مسلم بعد موته بثلاثة أغسال وجوبا كفائيا كسائر تجهيزاته فيغسل أوّلا بماء السدر، ثم بماء الكافور، ثم بالماء القراح، أي غير المشروط بخلط السدر و الكافور، و الترتيب فيها شرط واقعي، و الغسل و الصلاة تعبدي و غيرهما توصلي، و لا يسقط ما تيسر من الخمسة بتعذر غيره، فلو قدر على الصلاة فقط صلى عليه و تركه و لو قدر على الدفن فقط دفنه.

* حكم التحكيم*

التحكيم في اللغة مشتق من الحكم بمعنى القضاء و معناه جعل الشخص حاكما و تفويض الأمر اليه و ليس للفظ مصطلح شرعي أو متشرعي و قد وقع موضوعا للبحث في الفقه في موارد.


منها في الاختلاف بين امرئ و زوجه فذكر الأصحاب انه إذا وقع الخلاف بينهما و ثارت الفتنة و انتهى الأمر إلى الحاكم فخاف وقوع الشقاق بينهما، و ان يؤول الأمر إلى ارتكاب الحرام و الفراق و الشقاق، فعليه ان يبعث حكمين حكما من أهل الزوج و أقاربه، و حكما من أهل الزوجة و أرحامها، للإصلاح و رفع الشقاق ما رأياه صلاحا من الجمع و التفرقة، فيجب عليهما الفحص عن حالهما و سبب ظهور الخلاف بينهما فكلّما استقر عليه رأيهما و حكما به، نفذ في حقهما و يلزمهما الرضا به مع كونه سائغا، نعم لو اجتمعا على الطلاق لم يجز لهما ذلك قال تعالى خطابا للحكّام‌ (وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقََاقَ بَيْنِهِمََا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهََا إِنْ يُرِيدََا إِصْلاََحاً يُوَفِّقِ اَللََّهُ بَيْنَهُمََا) (النساء 35) و التفصيل في الفقه.

و منها موارد النزاع و الدعاوي في الأموال و غيرها إذا لم يرد المتنازعان رفع الدعوى إلى القاضي المنصوب، و أرادا تحكيم غير المنصوب، فقد ذكر بعض الأصحاب تبعا للنص أنه يصح قضاؤه و ينفذ في حقهما، و هذا يتصور في زمان حضور الإمام العدل و نصبه القضاة، و كذا في زمان الغيبة مع وجود المنصوب العام و قيامه بتصدي أمور الملة بحيث يخرج قاضي التحكيم عن شمول النصب، فيختاره الخصمان بالتحكيم، فإذا كان واجدا لجميع شرائط القضاء عدا النصب صح عنوان التحكيم و نفذ قضاؤه في حقهما، و قيل انه مشروط بقبولهما بعد الحكم، و الكلام في الفقه و في عنوان القضاء.

* خلو التخلي*

هو معروف من حيث اللغة و العرف، و وقع البحث عنه في الفقه تارة عن أحكامه الخاصة المترتبة عليه في الشريعة، و أخرى عن وجوب ستر العورة حاله عن الناظر المحترم، و ثالثة عن حرمة استقبال القبلة و استدبارها حاله، أما الأول فقد ذكروا فيه فروعا ترتبط إليه بنوع ارتباط بعضها إلزامي و أغلبها ندبي أو كراهي، كحرمة التخلي في ملك الغير و في الوقف الخاص بغير إذن صاحبها، و على قبور المسلمين إذا كان هتكا، و في المدارس التي لم يعلم كيفية وقفها من حيث الاختصاص و التعميم، و في استحباب تقديم‌


الرجل اليسرى عند الورود إلى بيت الخلاء، و تقديم اليمنى عند الخروج عنه، و قراءة آية الكرسي حاله، إلى غير ذلك، و البحث عن الثاني واقع تحت عنوان الستر و عن الثالث تحت عنوان القبلة فراجع.

* دلس التدليس*

التدليس و الدّلس في اللغة كتمان العيب و استعمال الأول أكثر، و هو في اصطلاح الفقهاء مستعمل في كتمان العيب في النكاح و في البيع و نحوه.

أما التدليس المذكور في باب النكاح فتارة يقع الكلام بالنسبة لتدليس المرأة التي يراد تزويجها، فقد ذكروا، انّ عمل المواشط بالتدليس، بان يشمن الخدود و يحمّرنها و ينقّشن بالأيدي و الأرجل و يصلن شعر النساء بشعر غيرهن و ما جرى مجرى ذلك محرّم بنفسه و يحرم أخذ الأجرة عليه، بل قد ادعى عدم الخلاف في ذلك أو انعقاد الإجماع عليه، لكن الظاهر حمل مورد البحث و موضوع الحرمة على أن يعمل تلك الأمور على نحو عرضيّ يزول بالماء و نحوه، و يكون الغرض بها التدليس و إخفاء الواقع على الرجل، فيكون حراما حينئذ لدخوله تحت عنوان الغش و نحوه. و إلاّ فما كان فيه حقيقة و يراه الناظر لم يكن تدليسا، و نظيره تدليس الرجل الذي يريد الزواج، و لا فرق حينئذ بين حصولها من نفس الرجل أو المرأة أو من شخص آخر من ماشط أو ماشطة، و حكمهم حينئذ بحرمة أخذ الأجرة لكون العمل محرما فيكون أخذها عليه حراما، و هذا فيما علم الأجير بذلك.

و أخرى يقع الكلام بالنسبة لإخفاء العيوب المجوزة للفسخ. كما إذا أخفى الرجل حال العقد الخصاء، و الجبّ، و العنن، فالتدليس حينئذ منه و يترتب عليه أثره و هو حرمة العمل و استحقاقه العقوبة لذلك، و أما تزلزل العقد و ثبوت خيار الفسخ للزوجة مع اجتماع سائر شرائطه فهو من آثار نفس العيب و إن لم يتحقق تدليس كما إذا كان الإخفاء لجهل بالحكم أو الموضوع.

و كما إذا أخفت المرأة عيوبها المجوزة للفسخ من البرص، و الجذام، و القرن، و العفل


و غيرها، فدلست فيها ثم تبين وجودها بعد العقد أو بعد الدخول فإنه يحرم ذلك عليها تكليفا و تستحق العقوبة، و أما الفسخ فهو من آثار نفس العيب فإن فسخ لم يثبت لها مهر و إن حصل الدخول، و هذا أيضا من آثار التدليس، نعم لو كان المدلس غير الزوجة فالمهر المسمى يستقر على الزوج بالدخول و له الرجوع بذلك على المدلس.

و ثالثة يقع في خفاء مطلق النقص الذي لا يجوز الفسخ بنفسه كالعور، و قطع بعض الأعضاء و نحوهما، فأخفاه الناقص عن الآخر حال العقد، و يقع أيضا في صفات الكمال كالشرف و الحسب و النسب و الجمال و البكارة و نحوها، فوصف المدلس نفسه بها مع فقدانها، و هذا مع حرمة نفس العمل يترتب عليه ثبوت خيار الفسخ للطرف الآخر، و هذا إذا أتى بالأوصاف بنحو توصيف الزوج أو الزوجة بها في متن العقد، أو بنحو اشتراطها في ضمنه، كما إذا قال زوّجتك هذه الباكرة العالمة البالغة إلى الرتبة الفلانية في العلم، أو قال زوّجتكها بشرط كونها كذلك، و نظيرهما ما إذا جرى العقد بينهما مبنيا على الأوصاف فيثبت في الجميع الخيار و يسمى خيار التدليس كما قد يسمى خيار الاشتراط.

و أما التدليس في البيع و نحوه فقد ذكروا انه يتحقق باشتراط كمال في المبيع أو الثمن في ضمن العقد ثم يظهر خلافه و هذا أيضا يسمى خيار التدليس و خيار الشرط و لذا لم يذكره الأكثر بعنوان التدليس.

* رتب الترتيب*

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف واضح و ليس لها حقيقة شرعية أو متشرعية و قد وقع الترتيب في الفقه محلا للبحث في موارد من جهة كونه شرطا أو موضوعا لأحكام من تكليف و وضع و عمدة ما رتب عليه كونه شرطا لمعروضه، و توضيحه انه قد يكون الترتيب ملحوظا بين أجزاء عمل واحد و قد يكون بين أعمال مستقلة عبادية أو غيرها، و على التقديرين قد يكون شرطا واقعيا يوجب انتفاؤه البطلان مطلقا، و قد يكون شرطا ذكريا. لا يبطل في صورة السهو و النسيان، و يعلم حكم الجميع في ضمن العناوين التالية:


* رتب وضأ الترتيب في الوضوء*

فمن موارد اعتباره أعضاء الوضوء و أجزائه، فقد صرحوا بوجوب الترتيب بين أعضائه الستة و هي غسل الوجه، و اليدين، و مسح الرأس، و الرجلين، على إشكال وجوب تقديم مسح الرجل اليمنى على اليسرى للقول بجواز مسحهما معا، و صرحوا أيضا بلزوم الترتيب في نفس أعضاء الغسل، فيجب الغسل بتقديم الأعلى فالأعلى، و أما نفس أعضاء المسح فلا ترتيب فيها فيجوز مسح الرأس طولا و عرضا و منحرفا، و مسح كل من الرجلين من الأصابع إلى الكعبين أو على العكس، و قد أشرنا إلى إجمال ذلك تحت عنوان الوضوء.

* رتب غسل الترتيب في الغسل*

و أما الغسل فلا ترتيب في الارتماس منه إذ ليس فيه تجزئة و تعدد بل هو فعل وحداني آني أو تدريجي كما ذكر في الغسل و أما الترتيبي فيجب فيه الترتيب بين أفعاله بلا إشكال سواء قلنا بكونه أمرا ثنائيا مركبا من فعلين غسل الرأس و الرقبة، و غسل بقية البدن، أو قلنا بكونه أمرا ثلاثيا مركبا من ثلاثة أفعال غسل الرأس و الرقبة و غسل الجانب الأيمن و غسل الجانب الأيسر.

* رتب يمم الترتيب في التيمم*

و أما الترتيب في التيمم فله أجزاء و أبعاض، و هي الضربة و المسحات أو الضربات و المسحات و لا إشكال في وجوب الترتيب بينها وجوبا شرطيا واقعيا يبطل العمل بانتفائه و لو سهوا أو جهلا، كما يجب الترتيب فيه في أبعاض كل عضو فيجب المسح من الأعلى إلى الأسفل في الجبهة و اليدين و التفصيل تحت عنوان التيمم.

* رتب جهز موت الترتيب في تجهيز الميت*

يجب تجهيز الميت المسلم بأمور خمسة: تغسيله، و تكفينه، و تحنيطه، و الصلاة عليه، و دفنه، و يجب فيها الترتيب على الوجه المذكور و التفصيل تحت عنوان التجهيز.


* رتب غسل موت الترتيب في أغسال الميت*

قد مر تحت عنوان التجهيز وجوب تغسيل كل ميت مسلم بثلاثة أغسال وجوبا كفائيا و يجب فيها مراعاة الترتيب.

* رتب ولي موت الترتيب في أولياء الميت*

تجهيز المسلم و ان كان من الأمور الحسبية التي تجب على جميع الناس وجوبا كفائيا إلاّ ان ذلك لا ينافي وقوعه تحت ولاية فرد أو أفراد توجه الطلب إليهم ابتداء بنحو الترتيب الطولي و يكون تصدي غيرهم منوطا بإذنهم، فقد ذكر الأصحاب ان لأولياء الميت مراتب خاصة، و تفصيل ذلك: ان الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها دائمة كانت أو منقطعة، ثم المولى أولى بعبده و أمته، ثم طبقات الأرحام على ترتيب الإرث، فالطبقة الأولى هم الأبوان و الأولاد و هم مقدمون على الثانية و هم الأخوة و الأجداد، و هم متقدمون على الثالثة و هم الأعمام و الأخوال، ثم المعتق، ثم ضامن الجريرة، ثم الحاكم الشرعي، ثم عدول المؤمنين، ثم فساقهم على إشكال في ولاية الحاكم و من بعده، لكن الأظهر تحقق الولاية لولي الأمر، و أما العدول و الفساق فيجب عليهم حسبة عند عدم غيرهم فالمراتب تسع أو عشر و الترتيب بينهم ثابت.

ثم إنهم ذكروا ان الترتيب في المقام يغاير الترتيب الإرثي من جهات كتقدم الزوج و المولى على الأقارب، و كون الذكور في كل طبقة مقدمين على الإناث، و البالغين مقدمين على غيرهم، و كون المنتسب إلى الميت بالأب و الأم أولى من المنتسب إليه بأحدهما، و كون الأب في الطبقة الأولى مقدما على الأم، و كون الجد في الطبقة الثانية مقدما على الأخوة، و كون العم في الثالثة مقدما على الخال.

و من فروع المسألة انه إذا لم يكن في طبقة ذكور أو لم يكونوا بالغين أو كانوا غائبين فالولاية للإناث و انه إذا كان أهل مرتبة واحدة متعددين يشتركون في الولاية فلا بد من الاستيذان عن الجميع.


* رتب ظهر عشو الترتيب في الظهرين و العشاءين*

و من موارده الترتيب بين الظهر و العصر و المغرب و العشاء، فيجب تقديم الاولى على الثانية فيهما بمعنى كونه شرطا في صحة الثانية فلو قدم الثانية عالما عامدا بطلت مطلقا و وجبت إعادتها بعد الأولى، و لو قدمها نسيانا ففيه تفصيل، و بيانه ان مخالفة الترتيب اما ان تكون في الظهرين أو في العشاءين و على التقديرين اما ان تكون في الوقت المختص أو في الوقت المشترك و على التقادير اما ان يتذكر بعد إتمام الصلاة المتقدمة أو في أثنائها، و التفصيل في الفقه.

تنبيه: هنا قسمان من الترتيب، الترتيب المجعول في الظهرين و العشاءين الأدائيتين، و الترتيب المجعول في الفوائت كما سيأتي، و الأول مورد اتفاق و الثاني مورد خلاف، و يترتب على الثاني جميع ما رتب على الأول من الفروع و أحكامها فإنه اما ان يفوته عمدا أو سهوا أو نسيانا أو جهلا بالحكم، و على الأخيرين أما ان يتذكر في أثناء ما أخر، أو بعده و على فرض الأثناء أما ان يتذكر قبل فوات محل العدول أو بعده و بالجملة إذا فاته مغرب من يوم و ظهر من يوم بعده كان حكم المغرب و الظهر حكم المغرب و العشاء الحاضرتين على القول بالترتيب الثاني.

* رتب جزأ صلو الترتيب في أجزاء الصلاة*

و من موارده الترتيب بين أجزاء الصلاة نفسها واجبة أو مندوبة، فيجب أن يقدم تكبيرة الإحرام على القراءة، و القراءة على الركوع، و هو على السجود، و هو على التشهد، و هو على التسليم، و لا فرق في ذلك بين أنواع الصلاة حتى صلاة الآيات و صلاة الميت بالنسبة لأجزائها.

و من موارد شرطية الترتيب قضاء الصلوات الواجبة في الجملة، فقد ذهبوا إلى انه لا يجب الترتيب قطعا في غير الفوائت اليومية بعضها مع بعض، فلو كان عليه صلاة كسوف و خسوف جاز له تقديم المتأخر فواتا، كما لا ترتيب بينها و بين اليومية فلو كان عليه قضاء


الآيات و اليومية جاز تقديم المتأخر و تأخير المتقدم.

و أما الفوائت اليومية فقد اختلفوا في وجوب الترتيب في قضائها، و الذي اشتهر بينهم شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل ادعى عليه الإجماع غير واحد وجوب الترتيب بينها مطلقا، و يظهر من بعضهم عدمه مطلقا، و من ثالث التفصيل بين ما كان الترتيب شرطا شرعيا في الأدائية منها فيجب في قضائها أيضا كالظهرين و المغربين، و بين ما ليس كذلك فلا يجب كالصبح و الظهر و كالعصر و المغرب، فإن الترتيب في أدائها تكويني لا شرعي، و من رابع وجوبه مع العلم بالمتقدم و المتأخر و عدمه معه عدمه، فلو فات منه الصبح و الظهران في مدة أسبوع، فعلى القول بوجوبه مطلقا لزم في القضاء الشروع من أول الفائتة و الإتمام على ترتيب الفوت، و على القول بعدمه مطلقا جاز له الإتيان بسبع صبح قضائية ثم بسبع عصر ثم بسبع ظهر، و على القول بالتفصيل جاز الإتيان بسبع صبح و لزم تقديم ظهر كل يوم على عصره أو تقديم السبع من الظهر على السبع من العصر و أجود الأقوال التفصيل الأول.

* رتب أمر عرف نهي نكر الترتيب في مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر*

قد عرفت تحت عنوان الأمر و النهي وجوب العنوانين بوجوب توصلي كفائي مؤكد عقلي و شرعي ثابت بالأدلة الأربعة و الضرورة من المذهب و الدين، و عرفت أيضا ان لكل منهما مراتب ثلاث: الأمر و النهي قلبا و لسانا و عملا و ان لكل مرتبة أيضا مراتب و شعب، و انه صرحوا أيضا بلزوم الترتيب بين المراتب فإذا أمكنت المرتبة السابقة لا تصل النوبة إلى اللاحقة فراجع العنوانين.

* رتب عمل حجج الترتيب في أعمال الحج*

الحج عبادة خاصة مجعولة من جانب اللّه تعالى لأول إنسان خلقه في أرضه أو أسكنه فيها، ثم شرعه لنسله و ذريته دهرا بعد دهر و جيلا بعد جيل إلى زماننا هذا.


و هذا المشروع المبارك الباقي إلى يوم الدين. يشتمل على أربعة عشر عملا: الإحرام، و وقوف عرفة، و وقوف المشعر، و الإفاضة من المشعر إلى منى، و رمي جمرة العقبة، و النحر، و الذبح، و الحلق، و التقصير، و طواف الزيارة، و ركعتاه، و السعي، و طواف النساء، و ركعتاه، و مبيت منى، و رمي الجمار في أيامه، و هذه صورة حج التمتع و نظيرها حج القران و حج الافراد أيضا إلا أنه لا هدي فيه، و لا الثلاثة الأول و طواف الحج و سعيه أركان، و البواقي واجبات غير ركنية. قال المولى البهائي قده (أو و ارنحط رس طر مر لحج) و يجوز قراءة (مرطر لحج) .

و لا إشكال في وجوب الترتيب بين هذه الأعمال، و كونه شرطا في صحتها في الجملة و إن كان في بطلان بعضها مع انتفائه كلام مذكور في محله فراجع.

* رتب عمل عمر الترتيب في أعمال العمرة*

العمرة عبادة خاصة مشروطة بالنية مخترعة من جانب الشارع الحكيم منقسمة إلى صنفين: عمرة مفردة و عمرة التمتع، و الواجب من أعمال العمرة المفردة سبعة: الإحرام، و الطواف، و ركعتاه، و السعي، و التقصير، و طواف النساء، و ركعتاه، و الواجب من أعمال عمرة التمتع الخمسة الأول لعدم وجوب طواف النساء و ركعتيه فيها، قال المولى البهائي قده (اطرست للعمرة اجعل نهج) ، و عد بعضهم أعمال العمرة المفردة ثمانية مبني على جعل النية جزءا و هو غير سديد، و لا إشكال في وجوب الترتيب بينها كالحج وجوبا شرطيا فلو قدم ركعتي الطواف عليه أو قدم السعي على الطواف أو على ركعتيه عمدا بطل المتقدم و وجبت إعادته بعد المتأخر على نحو يحصل الترتيب، و تفصيل الكلام في ذلك تحت عنوان العمرة.

* رتب عمل يوم عود الترتيب في أعمال يوم العيد*

قد ذكروا ان الواجب من أعمال الحج بمنى يوم العيد ثلاثة: الأول رمي جمرة العقبة،


الثاني الهدي أي نحره أو ذبحه للمتمتع و القارن، الثالث التقصير بحلق الرأس أو أخذ الشعر و الظفر، و يجب الترتيب بينها على النحو المذكور، و هل الوجوب تكليفي محض أو شرطي واقعي أو ذكري فيه إشكال و اختلاف فراجع.

* رتب رمي جمر الترتيب في رمي الجمار*

يجب على الحاج مطلقا بعد قضاء مناسكه العود إلى منى للمبيت فيها ليلتين أو ثلاث ليال، و يجب عليه رمي الجمرات الثلاث في نهار كل ليلة وجب مبيتها، و الواجب رمي كل من الجمرة الأولى و هي التي تلي المشعر و الجمرة الوسطى و الأخيرة التي هي جمرة العقبة التي تلي مكة، بسبع حصيات، و على هذا فمجموع الرميات في اليومين ثنتان و أربعون رمية، و في الثلاثة أيام ثلاث و ستون رمية، و لو أضيف إليها رمي جمرة العقبة يوم النحر صار المجموع سبعين، و لو فات شي‌ء من الجمرات أو الحصيات وجبت إعادته أو قضاؤه، و قد ذكر الأصحاب وجوب الترتيب بين جميع الرميات أي بين أبعاض أدائها و كذا بين أبعاض قضائها و كذا بين الأداء و القضاء، فيجب أن يبدأ في كل يوم بالجمرة الأولى ثم الوسطى ثم العقبة، فلو خالف و لو عن غير عمد وجبت الإعادة حتى يحصل الترتيب و قد ذكر بعض الأبحاث تحت عنوان الرمي فراجع.

* رتب خصل كفر الترتيب في خصال الكفارة*

من موارد وجوب الترتيب ما ذكروه من الترتيب بين الخصال في بعض الكفارات، نظير كفارة القتل خطأ، و كفارة الظهار، فإنه يجب فيهما العتق أولا فإن عجز فصيام شهرين متتابعين فإن عجز فإطعام ستين مسكينا، و كفارة من أفطر يوما من قضاء رمضان بعد الزوال فإنه يجب عليه إطعام عشرة مساكين فإن عجز فصيام ثلاثة أيام، و كفارة حنث اليمين فإنه يجب عليه عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن عجز فصيام ثلاثة أيام.


و الترتيب فيها واجب شرطا فلو قدم المتأخر مع القدرة على المتقدم كأن صام في كفارة القتل مع القدرة على العتق أو أطعم مع القدرة على الصيام لم يجزه عن الكفارة و هكذا غيره.

* رتب طبق ورث الترتيب في طبقات الإرث*

لا إشكال في حقية قانون التوارث و إن الأحياء لا بد من ان يرثوا ما تركه الأموات من مال أو حق، و أن ذلك مما يقتضيه طبع حياة المجامع الذين يرتبط بعضهم ببعض بنسب أو مصاهرة، فيموت السابق و يخلف اللاحق، و أنه مما أمضاه اللّه في الدّين و جميع الشرائع السماوية، و هذا في أصل التوارث و أما خصوصياته الثابتة في الشرائع و لا سيما في شريعة الإسلام فهي مما اخترعه الشارع و تعبد به الناس، و جعل للتوارث أسبابا و للورثة مراتب و للمراتب طبقات، و قد ثبت الترتيب في الشريعة بين الأسباب بعضها مع بعض في الجملة، و بين الطبقات كذلك و تفصيل ذلك تحت عنوان الإرث فراجع.

* سمح التسامح*

(قاعدة التسامح) مفهوم الكلمة في اللغة واضح يقال تسامح في كذا تساهل فيه و هو في اصطلاح الفقهاء عبارة عن استفادة حكم شرعي استحبابي أو رجحان عقلي يترتب عليه المثوبة شرعا، عن دليل ناقص الحجية غير تام الدليلية بواسطة قيام الحجة على ذلك، فهو قاعدة كلية لها موضوع و محمول موضوعها ورود دليل غير تام الحجية على رجحان أمر في الشريعة و محمولها الحكم برجحانه شرعا أو ترتب المثوبة عليه عقلا.

و يتفرع على العنوان أمور تتضح بها حقيقته و شروطه و أحكامه، نظير أنه يعتبر فيه ورود ما يحكى عن استحباب عمل أو ثبوت مثوبة و أجر عليه، و لا إشكال في تحقق ذلك بورود النص منسوبا الى المعصوم كالأخبار الضعيفة غير المنجبرة و المراسيل المنقولة بطرقنا بل و طرق العامة أيضا، لصدق البلوغ المأخوذ من أدلة القاعدة، و في تحققه بالإجماع المنقول و الشهرة الفتوائية أو فتوى ففيه واحد أو الظن الانسدادي في الجملة إشكال فضلا


عن الظن القياسي و نحوه، فلو دلت هذه الأمور على استحباب عمل أو على ترتب الثواب عليه فالحكم بالاستحباب بأدلة التسامح لا يخلو من إشكال أو منع.

و لا فرق في عدم حجية النص المنقول بين أن يكون لعدم الوثوق بصدوره، أو بجهة صدوره، أو لعدم ظهور دلالته، أو لوجود معارض مساو أو أرجح في مقابله، ثم إنهم اختلفوا في ان المستفاد من أدلة القاعدة هل هو الإرشاد إلى حسن الفعل و ترتب الثواب عليه لكون موردها الانقياد المحكوم بحسنه عند العقل، أو استحباب العمل البالغ عليه المثوبة شرعا، كسائر المستحبات الثابتة في الشريعة بدليل خاص، لكن لا يخلو أولهما من رجحان، و اختلفوا أيضا في أن العمل المأخوذ في موضوع القاعدة هل يختص بالفعل أو يعم عبادات اللسان أيضا، كالدعاء و الذكر و قراءة القرآن، أو يعم غيرهما أيضا كالمعاملات إذا ورد ما دل على كونه ثوابا، لكن الأظهر الأخير.

ثم ذكروا انه ليس لغير المجتهد العمل بهذه القاعدة من غير تقليد لافتقار الحكم بالاستحباب أو الرجحان العقلي إلى الاجتهاد، نعم إذا قلد الجاهل في أصل القاعدة كان ما رآه في كتب الأخبار و ما سمعه من العلماء و الوعاظ من مصاديق القاعدة، كما أنه ليس له ذلك إذا احتمل وجوب مورد القاعدة أو حرمته فإن موضوعها الفعل المفروغ عن عدم وجوبه و حرمته.

تنبيه: ذكروا أن مدرك القاعدة ما صح عن الصادق عليه السلام: من بلغه شي‌ء من الثواب على شي‌ء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك و إن كان رسول صلّى اللّه عليه و آله لم يقله انتهى. و في بعض الأخبار، فعل ذلك طلب قول النبي صلّى اللّه عليه و آله كان له ذلك الثواب، و في آخر فعمل ذلك التماس ذلك الثواب أوتيه و إن لم يكن الحديث كما بلغه، فراجع (وسائل الشيعة، ج 1، أبواب مقدمة العبادات ب 18) و ظاهرها كون المحرك للعمل طلب الثواب و هذا هو الانقياد الذي يحكم العقل بحسنه فالحث عليه إرشاد إلى حكم العقل لا استحباب شرعي تعبدي.


* سلم التسليم*

التسليم في اللغة جعل الشي‌ء سالما، و إعطاء الشي‌ء للغير، و الانقياد لشخص أو شي‌ء، و قول سلام عليك، و هذا يتعدي بعلى يقال سلم عليه أي قال له سلام عليك، و قد كثر استعماله في الفقه في المعنى الأخير و رتب عليه في الشريعة أحكام من تكليف و وضع و هو عنوان كلي شامل لأقسام و أصناف وقع كل منها موضوعا للحكم في الشريعة و موردا للبحث في الفقه.

فمن أصنافه التسليم الصلاتي، و هو الجزء الأخير من كل صلاة واجبة و مندوبة عدا صلاة الميت، و هو واقع في مقابل تكبيرة الإحرام التي هي الجزء الأول منها و بها يدخل المصلي في الصلاة و يحرم عليه أمور مقررة في الشرع، و بالتسليم يخرج المصلي من الصلاة و يحل له كل ما كان محرما عليه، و لذا ورد أن تحريمها التكبير و تحليلها التسليم، و قد تعرضوا فيه لجهات من الكلام:

الأول: في أصل وجوبه و المشهور عندنا إنه واجب في الفريضة شرعا و في النافلة شرطا.

الثانية: في جزئيته من الصلوات، و المشهور الجزئية فيشترط فيه جميع شروط الصلاة من الطهارة و الستر و الاستقبال و غيرها.

الثالثة: في ركنيته و الظاهر عدمها فلا تبطل الصلاة بتركه نسيانا.

الرابعة: في عدده و كيفيته فذكروا أن له صيغتين إحداها السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين، و الأخرى السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

الخامسة: في كيفية الخروج بهما عن الصلاة فاختلفوا في أنه هل يجوز الخروج عنها بكل واحدة من الصيغتين أو يتعيّن الأولى للخروج بها، أو يجوز الخروج بالأولى و تجب الثانية بعدها مستقلا، أو أن المخرج الأولى و المحلل للمحرمات الثانية أو أن المخرج هو الأخيرة فقط، و القول الأول سديد و الأخير أحوط.

و من أصنافه تسليم التحية ابتداء و جوابا، و الأول أي البدأة بالتسليم عند اللقاء


و نحوه من المندوبات المؤكدة في الشريعة الإسلامية بالنسبة للأحياء و الأموات، بل يظهر كونه متعارفا عند أهل الشرائع كلها، كما يشهد به الكتاب و السنة بل الظاهر أنه متعارف عند الملإ الأعلى و عند لقائهم الأنبياء عليهم السلام في الدنيا، كما ان الأمر كذلك في عالم الآخرة بين اللّه و بين أهل الجنة و بين بعضهم مع بعض.

و الظاهر ان الصيغة لإنشائه هي السلام عليك و ما قاربه من مشتقاته و الألفاظ المترادفة له.

و الثاني أي التسليم الجوابي هو كلما يعد جوابا عرفيا للسلام، و هو واجب عند الأصحاب و إن كان البدأة به مستحبا و يؤدى بما يكون جوابا عرفيا في غير الصلاة، و أما فيها فله صيغة خاصة مذكورة في الفقه، هذا في جواب السلام المنشأ بصيغته، و أما التحيات اللفظية غير السلام كقول صبّحك اللّه بالخير، أو مسّاك اللّه بالخير و ما أشبه ذلك، فالمشهور عدم وجوب الجواب عنه، و قوله تعالى‌ (وَ إِذََا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهََا أَوْ رُدُّوهََا) مختص بالسلام و لو وجب الجواب بكل تحية قوليه أو فعليه لا اشتهر ذلك في الدين و شاع و ذاع.

* شرح رقع التشريح و الترقيع*

التشريح في اللغة و العرف قطع الشي‌ء قطعا و فصل أجزائه، يقال شرح اللحم و شرّحه قطعه و فصل بعضه عن بعض، و هو في اصطلاح الأطباء نوع عمل خاص و قسم من مصاديق معناه اللغوي، و الترقيع في اللغة إصلاح الخرق بالرقاع.

و قد وقع التشريح في الفقه مورد الكلام بذاك المعنى، فذكروا فيه أن موضوع البحث تشريح بدن الإنسان ميتا و قد رتب عليه في الشريعة أحكام خاصة من تكليف و وضع، فإنهم ذكروا أنه لا يجوز تشريح الميت المسلم اختيارا و هو محرم تكليفا و موجب لترتب الدية على الفاعل حسب اختلاف فعله، ففي قطع رأس الميت عشر دية القتل، و في أعضائه أيضا بتناسب النفس، و قد ذكرنا ذلك تحت عنوان الدية.


و يجوز تشريح الميت غير المسلم آية فرقة من فرقهم، فإن الكفر ملة واحدة في هذا الحكم، و لا فرق فيه بين المشركين و أهل الكتاب و إن قلنا بطهارتهم حال حياتهم فإنهم لا يطهّرون بعد مماتهم، و لا أثم و لا دية في ذلك، و لو توقف تعليم التشريح و تعلّمه على تشريح المسلم لم يسوغه ذلك، فلا بد من طلب غيره و لو بابتياعه بثمن كثير، بل الظاهر أنه لا يسوغ تشريح المسلم لمجرد التعلم و التعليم و إن لم يوجد غير المسلم، نعم لو كان هناك مسلم حيّ في معرض الهلاك جاز التشريح و الترقيع لحفظ حياته و الظاهر عدم سقوط الدية بذلك.

و لو قطع من الكافر شيئا فهو ميتة نجسة و لو رقع به بدن المسلم الحي فما دام لم تدخل الحياة فيه فهو نجس، و بعد ذلك يصير جزءا من بدنه و يطهر للاستحالة و الانقلاب، و تصح صلاته بها أيضا و نظيره الترقيع بأجزاء سائر الحيوانات إذا كانت ميتة نجسة حتى الكلب و الخنزير.

* شهد التشهد*

الشهادة لغة الأخبار القاطع عن الشي‌ء و التشهد تفعل منها فهو التكلّف بالشهادة و التكلم بها، و في نهاية ابن الأثير في حديث ابن مسعود كان يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، يريد تشهد الصلاة و هو التحيات سمّي تشهدا لأن فيه شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو تفعل من الشهادة انتهى. و في المفردات و التشهد هو أن يقول أشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه، و صار في التعارف اسما للتحيات المقروءة في الصلاة و للذكر الذي يقرأ ذلك فيه انتهى.

و يطلق عند الفقهاء و المتشرعة على المجموع من الشهادتين و الصلاة على محمد و آله صلّى اللّه عليه و آله و سائر ما يضاف من الأذكار و الأدعية قبل الخروج عن الصلاة بالتسليم، و عن جامع المقاصد إنه شرعا هو الشهادة بالتوحيد و الرسالة و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله انتهى.

و في الجواهر أن المجموع من الشهادتين و الصلاة هو المراد به في عبارات الأصحاب بل لعله‌


كذلك عند الشرع بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية التي معيارها الحقيقة المتشرعية انتهى.

(ج 10 ص 246) .

و كيف كان فالتشهد المصطلح عليه عند الأصحاب الذي كثر استعماله في كتاب الصلاة و وقع مورد البحث فيه، و إن كان فيه خلاف في الجملة كيفا و كما لكن المشهور المتيقن منه عندنا معاشر الإمامية أن يقول المصلي في الركعة الثانية بعد السجدة الثانية من كل صلاة فريضة أو نافلة و كذا في الركعة الثالثة في المغرب و الرابعة من كل رباعية و بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى من الوتر: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله اللّهمّ صل على محمد و آل محمد، و هذا جزء من كل صلاة واجبة و مندوبة و هو يشتمل على تسعة أجزاء و شروط: الشهادة بالتوحيد، و الشهادة بالرسالة، و الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و الصلاة على آله، و الجلوس بمقدار أدائه، و الطمأنينة فيه، و الترتيب بين أجزائه بتقديم الشهادة على الصلاة و الشهادة الأولى على الثانية و الصلاة الأولى على الثانية، و الموالاة بين الفقرات و الكلمات و الحروف، و المحافظة على تأديتها على الوجه الصحيح.

* شيع التشييع*

شاعه شياعا في اللغة تبعه و رافقه، و شيّعه بالتشديد خرج معه ليودعه، و التشييع الخروج مع الشخص لتوديعه أو إبلاغه منزله، و في المجمع شيّع الجنازة لحقها و تبعها، و شيّعت الضيف خرجت معه عند رحلته إكراما له و هو التوديع و شايعته مشايعة، تابعته وزنا و معنى.

و التشييع قد كثر استعماله في النصوص و الفتاوى في اتباع جنازة الميت و الخروج معها حين نقله إلى قبره و ذكره الأصحاب من سنن تجهيزه، و استحبابه إجماعي إن لم يكن ضروريا، و النصوص به مستفيضة إن لم تكن متواترة، و فرعوا على المسألة أنه يستحب إعلام المؤمنين بموت المسلم ليحضروا تجهيزه و أنه ليس له حد معين في القلة و الكثرة


و الأولى أن يكون إلى الدفن و دونه إلى الصلاة عليه، و أن أول تحفة من اللّه إلى المؤمن في قبره غفرانه و غفران من شيّعه و أنه يكره ركوب المشيع إلاّ لعذر، و ان يتقدم على الجنازة و أن يضحك حاله أو يلعب بشي‌ء بل يكون خاشعا متفكرا.

* صور مثل التصوير و التمثيل-و التمثال*

التصوير في اللغة بيّن و هو جعل الصورة و الشكل للشي‌ء، كان المجعول جسما قائما بنفسه، أو رسما على القرطاس و نحوه، أو نقشا على لوح أو جدار، أو حكا على خشب أو حجر، أو نسجا في القماش و الفراش أو غير ذلك، و نظيره التمثيل فإنه بمعنى جعل المثال و الصورة للشي‌ء، و في المجمع الصورة عامة لكل ما يصور مشبها بخلق اللّه تعالى من ذوات الروح و غيرها و الجمع صور مثل غرفة و غرف و التصاوير التماثيل انتهى.

و في المفردات: الصورة ما ينتقش به الأعيان و يتميز بها من غيرها، و ذلك ضربان أحدهما محسوس يدركه الخاصة و العامة بل يدركه الإنسان و كثير من الحيوان، كصورة الإنسان و الفرس و الحمار بالمعاينة، و الثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل و الرؤية و المعاني انتهى.

و لا يخفى أن كلام المجمع ناظر إلى ما ينقشه الإنسان و يصوره تشبيها للأشياء، و كلام المفردات ناظر إلى ذي الصورة و أن له صورتين، و كيف كان فالكلام هنا فيما يجعله الشخص من التصاوير و التماثيل.

و ليس للتصوير و الصورة في الشرع و ألسنة الفقهاء مصطلح خاص إلا أنهما قد وقعا بمعناهما اللغوي مورد البحث في الفقه و متعلق الحكم في الشريعة، فذكر الأصحاب أن التصوير على أقسام فإنه إما أن يكون تصوير ذوات الأرواح أو غيرها من الأعيان الخارجية، و على التقديرين فأما أن يكون نفس الصورة مجسما أو غير مجسم. فذهب جل الأصحاب لو لا كلهم إلى التحريم في تصوير ذوات الأرواح إذا كانت الصورة أيضا مجسمة، و لعل المشهور ذلك في تصوير ذوات الأرواح مع عدم جسمية نفس الصورة


أيضا كما أن المشهور لو لا كونه متفقا عليه عدم الحرمة في تصوير غير ذوات الأرواح كانت الصورة جسما أم لم تكن فمورد الكلام عندهم ثلاثة.

و لا يخفى عليك أن ما استدلوا على الحرمة في الأول فضلا عن الثاني مخدوش كله إما سندا أو دلالة، و يحصل الظن أو الاطمئنان للمتأمل أنه كان المنع عن ذلك آنذاك على فرض ثبوته لأجل كونه معرضا لانحراف العقائد و الرجوع إلى العادات الجاهلية، حيث إن مسألة عبادة الأصنام و الأوثان لم تكن زائلة بالكلية عن أوهام الجميع و أذهانهم، و الظاهر عدم بقاء هذا الملاك فيما بين المسلمين في هذه الأعصار مع كثرة التصاوير و التماثيل في بلاد المسلمين في الشوارع العامة و غيرها و عدم توهم أحد منهم قداسة خاصة لها فضلا عن الألوهية أو كونها مقربة إلى اللّه تعالى.

و ما ذكره المحقق الأنصاري في مقام تأييده التحريم في الصورة الأولى من أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبّه بالخالق في إيداع الحيوانات و أعضائها على الإشكال المطبوعة التي يعجز البشر عن نقشها على ما عليه فضلا عن اختراعها انتهى. فغير سديد لا سيما مع ذكره في تجويزه تصوير غير ذوات الأرواح، من قوله: و كذا مثل تمثال القصبات و الأخشاب و الجبال و الشطوط مما خلقه اللّه لا على هيئة معجبة للناظر بحيث تميل النفس إلى مشاهدتها و لو بالصور الحاكية لها لعدم شمول الأدلة لها انتهى. إذا لا يخفى عليك ان مناظر الأجمة و الأشجار و شطوط الأنهار و البحار بل و كذا الجبال و نحوها، ليست بأقل من حيث الحسن و البهاء و الإعجاب و ميل النفس إلى النظر إلى نفسها في الخارج و إلى تصاويرها و تماثيلها، من رؤية الغربان و العصافير أو الثعالب و الأرانب و الحيّات، و يشهد بذلك أن تماثيل غير الحيوان قد أعجبت سليمان النبي عليه السلام و لذلك أمر الشياطين أن يعملوها على ما نطق به الكتاب و فسرته السنة، إذا فالظاهر أن الحكمة في المنع لو ثبت فإنما هي ما ذكرنا ممّا زال في هذه العصور و لو فرضنا بقاء تلك الجهة في بعض الأمكنة و المناطق فلا مانع من القول بالحرمة هناك لذلك.

ثم إنهم ذكروا في المقام متفرعا على التحريم أن المرجع في الصورة إلى العرف فلا يقدح‌


نقص بعض الأعضاء و أنه لو صور بعض الأجزاء كنصف بدن الحيوان مثلا ففي حرمته إشكال إلا أن يفرض الباقي موجودا كالإنسان الجالس، و أنه لو اشتغل الشخص بالتصوير فعل حراما حتى لو بدا له في الإتمام، و أن اقتناء ما حرم تصويره ليس بحرام و غير ذلك.

* طفف التطفيف*

التطفيف في اللغة نقص الشي‌ء قليلا يقال طفّف المكيال نقصه قليلا، و في المجمع وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ : هم الذين لا يوفون الكيل و الوزن، و التطفف نقصان المكيال و أن لا يملأه انتهى.

و في المفردات: طفف الكيل قلّل نصيب المكيل له في إيفائه و استيفائه قال تعالى‌ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ انتهى.

و قد كثر استعمال الكلمة في الشرع و الفقه في خصوص النقص في الكيل سواء كان من البائع في نفس المبيع كما إذا باع معاطاة مع بخسة في كيله، أو كان منه في التأدية كما إذا بخس في الكيل في مقام الإقباض، و يظهر الفرق بينهما في ثبوت خيار تبعض الصفقة للمشتري على الأول دون الثاني. أو كان من المشتري في كيل الثمن في أصل المعاملة أو في مقام الإقباض.

و أما النقص في الميزان و غيره مما يعتبر به الأعيان الخارجية، كالعدّ و الذرع و المساحة بل و النظر أيضا في المبيع و الثمن فهو خارج عن العنوان من حيث اللغة لكنه داخل فيه موضوعا أو حكما.

و الظاهر ان التطفيف في غير البيع من المعاملات كالصلح و الإجارة و المزارعة و المضاربة و غيرها فيما يمكن فيه ذلك، بحكم البيع.

ثم إن الأصحاب ذكروا التطفيف في المكاسب المحرمة، و هو أما لان الزائد المأخوذ بخسا اكتساب محرم أو أن المراد استيجار نفسه للتطفيف للغير فيكتسب به.


* عجل التعجيل*

التعجيل في اللغة بين و هو مصدر عجل أي أسرع في الأمر، و هو على إطلاقه لا حكم له في الشريعة، نعم التعجيل في الأمور يتصف على حسب اختلافها في الوجوب و الحرمة و الندب و الكراهة فينقسم بانقسام الأحكام الخمسة ذكرها الأصحاب في الموارد المختلفة في الفقه.

فمنها: التعجيل في التوبة عن المعصية و بعد صدور الذنب عن المكلف، فإنه حينئذ واجب في الشريعة فورا ففورا كما ذكر تحت عنوان التوبة.

و منها: استحباب تعجيل الناسك بالحج في يوم النحر، بعد إتمام أعمال منى، للوفود إلى البيت لطواف الزيارة و سائر أعماله، و ان جاز التأخير إلى ما بعد ليالي المبيت بمنى، بل إلى آخر ذي الحجة.

و منها: جواز تعجيل الحاج بعد ليلتين من مبيت منى، في العود إلى البيت إذا لم يصدر منه شي‌ء من محرمات الإحرام أو خصوص الصيد، لقوله تعالى‌ (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاََ إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلاََ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اِتَّقى‌ََ) .

و منها: التعجيل في تجهيز الميت، و فإنه مندوب إذا لم يترتب على التأخير مفسدة كالهتك أو فساد البدن أو نحو ذلك و إلا وجب التعجيل.

و منها: تعجيل أداء الدين الحال فإن رضي صاحبه بالتأخير استحب، و ان لم يرض وجب فورا ففورا إلى أن يؤدى، فإن ليّ الواجد يحل عقوبته إلاّ مع عدم التمكن.

و منها: التعجيل في تأدية أجرة الأجير قبل أن جف عرقه فإنه مندوب محثوث عليه، و مع حلول الوقت و طلب الأجير يكون واجبا و التأخير محرما فان مطل الغنى ظلم.

و منها: تعجيل الأيّم في التزويج، ذكرا كان أو أنثى، فإنه مندوب مؤكد ما لم يؤد إلى الوقوع في المعصية و إلاّ وجب مع القدرة.

و منها: التعجيل في إتيان الفرائض في أوائل أوقاتها و لا سيما اليومية، فإنه مندوب مؤكد، بل قد قيل بحرمة التأخير إلى آخر وقتها إلاّ أنه ذنب مغفور.


و منها: التعجيل و التسريع في جميع الأمور التي تكون من الخيرات و أسباب المغفرة، لقوله تعالى‌ (وَ سََارِعُوا إِلى‌ََ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ) و قوله‌ (فَاسْتَبِقُوا اَلْخَيْرََاتِ) * و غير ذلك.

* عذب التعذيب*

مفهوم التعذيب في اللغة و العرف بين و ليس له مصطلح شرعي أو فقهي، و هو ينقسم من حيث الحلية و الحرمة في الشريعة على أقسام، و ليعلم أولا أن تعذيب الإنسان لإنسان آخر بعنوانه الأولي حرام في الشرع و قبيح عند العقل و العقلاء، فليس لأحد أن يعذب أبناء نوعه بأي عذاب كان، من الضرب و قطع الأعضاء و الجرح و إزالة المنافع، بل و التعذيب غير الجسمي كإيذائه بقبيح القول و الشتم و السبّ و الاستهزاء و كل ما يكون سببا للإيذاء، بل الأصل عدم جواز تعذيب غير الإنسان أيضا من الحيوانات غير الضارة إلاّ لمصالح انتفاع الإنسان، لأن ذلك نوع من الظلم، مما يقبح عقلا و يحرم شرعا، و لا استثناء من حرمة الظلم و لا تخصيص، بل كل مورد يتوهم كونه تخصيصا فهو خروج تخصّصي.

و كيف كان فالحكم الأولي الذاتي المترتب على عنوان التعذيب و طبيعة الساذجة، المنع و عدم الجواز فليس لأحد ضرب غيره و لا شتمه فضلا عن جرحه و قتله، و كذا ليس له إيذاءه بأيّ أنواع الإيذاء، إلاّ في موارد تثبت في الشريعة.

منها: إجراء الحدود و التعزيرات الشرعية المجعولة على المكلفين لارتكابهم المعاصي الكبيرة أو الصغيرة، و لها موارد كثيرة بعضها عقوبات معينة تسمى حدودا و بعضها غير معينة تسمى تعزيرات.

و منها: التعزيرات الشرعية المجعولة على غير المكلفين، من الصبيان و المجانين.

و منها: ما رخصه الشارع للأولياء و الموالي في مقام تأديب الصغار و المجانين و العبيد و تربيتهم، و حملهم على فعل الواجبات و ترك المحرمات، مما يكون سببا لإيذائهم كالضرب و الحبس و القول الخشن و نحوها.


و منها: ما رخصه الشارع لمعلمي الأطفال و مربيهم من الضرب و نحوه.

و منها: ما رخصه الشارع و أباحه للزوج بالنسبة إلى زوجته فيما إذا ظهر منها علائم النشوز كما قال تعالى في كتابه‌ (وَ اَللاََّتِي تَخََافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اُهْجُرُوهُنَّ فِي اَلْمَضََاجِعِ وَ اِضْرِبُوهُنَّ) انتهى. و هل يجوز ذلك للنساء إذا ظهرت منه أمارات النشوز و الخروج عن العشرة المعروفة؟الظاهر جواز الأول دون الأخيرين.

و منها: ما أباحه الشارع لكل مؤمن و مؤمنة بالنسبة لغيره من المكلفين من الكلام الخشن القارع و المهدد و المؤذي، و المنع و الزجر عن القصد و نحوها، في مقام الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع حصول شرائطهما المقررة مما قد ذكر في المرتبة الأولى من مراتب الأمر و النهي.

و منها: الإيذاء بالضرب و الجرح و القطع و القتل في مقام الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مما قد أبيح في المرتبة الثانية و الثالثة من مراتب الأمر و النهي إذا كان التصدي من ولي أمر المسلمين.

و منها: الإيذاءات و الجراحات بل و القتل و نحوها و لو بالنسبة لمن لا ذنب له، إذا توقف الظفر على الكفار و فتح بلادهم في الجهاد الابتدائي، بل و في الدفاعي أيضا، فيما توقف عليه استخلاص بلاد المسلمين، و كذا فيما إذا تترسوا بمن لا يجوز إيذاؤهم و قتلهم، بحيث توقف الظفر على ذلك.

و منها: تعذيب المتهم بالقتل و السرقة و التجسس في أسرار المسلمين في أرضهم و بلادهم ليخبر الأعداد و يكون سببا لغلبة الكفار، فيجوز ذلك حينئذ موكولا إلى نظر ولي الأمر في الكيف و الكم، فإن الظاهر أن المصالح الملزمة المترتبة على أخذ الأقارير و الاعترافات من المتهم بالأمور العظام أولى و الزم من ترك ضرب الفرد و شتمه و سائر أنواع تعذيبه.

و منها: تعذيب الحيوانات للتربية أو المنع عن إتلاف النفس و المال، بالمنع عن الأكل و الشرب، أو بالضرب و الجرح و الكي و القيد و الإخصاء و نحوها. ـ


و منها: ذبح الحيوانات و نحرها و صيد الوحوش و حفظها و تقييدها، بل و مطلق الركوب و الحمل و الانتفاعات بها التي تكون سببا لإيذائها فالجميع محلل بالعقل و النقل.

* عقب التعقيب*

التعقيب في اللغة الإتيان بشي‌ء عقيب آخر، و قد كثر استعماله في ألسنة الفقهاء في باب الصلاة فيما ينبغي أن يشتغل به المصلي بعد صلاته، فذكروا أن التعقيب هو الاشتغال عقيب الصلاة الفريضة أو النافلة بشي‌ء من العبادات، كالدعاء و الذكر و القرآن و الاستغفار و ما أشبه ذلك، و لعله يشمل مطالعة الكتب الدينية و العلمية و كتابة ما فيه رضا اللّه من العلوم و المعارف الإسلامية، بل و التفكر في صفاته تعالى و ما يرتبط بعالم الآخرة و التأمل و التعمق في أصول الدين و فنون الأخلاق و فروع الأحكام، و تذكر المعاصي و الندم عليها و الابتهال و التضرع إلى اللّه تعالى في غفرانها و غير ذلك.

و قد ذكروا أن التعقيب من السنن الأكيدة و إنه أبلغ في جلب الرزق من الضرب في الأرض إذا لم يجعله قائما مقام الطلب و السعي العملي.

و تعرض الأصحاب أيضا لبعض التعقيبات المنصوصة الواردة عن الأئمة عليهم السلام و أحالوا البقية إلى كتب الأدعية المؤلفة في هذا الموضوع نظير: كامل الزيارات و عدة الداعي و الإقبال و مفتاح الفلاح و زاد المعاد و غير ذلك فراجع إليها.

* غير جنس تغيير الجنسية*

العنوان بمفهومه اللغوي بيّن و الغرض بيان حكم أن يغيّر الرجل فيجعل امرأة، أو تغير المرأة فتجعل رجلا، و تحقق هذا الأمر حقيقة بحيث يعلم حال المتغير قبله و بعده، و أنه كان رجلا فصار امرأة أو عكسه لم يثبت إلى الآن و لعله غير ممكن في العادة، لكن وقع البحث عنه في الفقه و عدّ من المسائل المستحدثة.

نعم الظاهر إمكان أمر آخر بل وقوعه، و هو تغيير من كان ظاهره من أحد الجنسين‌


إلى الجنس الآخر بعملية الجرح بعد شهادة القرائن بكون باطنه على خلاف ظاهره و تظهر حقيقة الحال في المسألة بذكر بعض ما مثلوا له في المقام.

منها ما لو كان الشخص في أول تولده ذكرا في الظاهر فلاحت فيه آثار الأنوثة في جسمه أو روحه و نفسياته قبل بلوغه أو بعده بحيث ظهر على أهل الفن أنه من جنس الإناث و ان فيه جهاز الحمل و الولادة و ما أشبه ذلك من خواص النساء و إن آلة الرجولية فيه قطعة لحم شبيهة بالآلة فصيره الأطباء أنثى.

و منها عكس ذلك فظهر فيمن كان أنثى جسما آثار الذكورة و ظهرت بالعملية آلة الرجولية فصار مذكرا، و الظاهر أنه لا إشكال في جواز تغيير الجنسية بالمعنيين بل قد يكون واجبا، و أما سائر الأحكام من التكليف و الوضع كجواز النظر إلى المماثل و حرمة النظر إلى غيره و جواز الزواج و إبداء الزينة للمحارم و غير ذلك فتترتب على كل منهما بمجرد ظهور جنسه الأصلي و لو قبل تغيير الظاهر بالعملية.

و منها ما لو كان لأحد في ظاهر جسمه كلتا الآلتين و لم يعرف من حاله دخوله في أحد الصنفين الذكر و الأنثى و لا سيما قبل بلوغه، و هذا هو المعروف بالخنثى و قد ذكروا في الفقه أنه على قسمين مشكل و غير مشكل، و الأول من لم يعرف حاله بالأمارات الطبيعية أو المجعولة من الشرع، و الثاني من حكت الإمارات عن أحدهما و لو ظنا أما الأول فإن قلنا بعدم إمكان كون فرد من الإنسان مصداقا للصنفين حقيقة فهو اما ذكر أو أنثى كما هو المعروف بين الأطباء على ما ذكره بعضهم بدعوى أنه لا ثالث لصنفي الإنسان و لا ينطبق الصنفان أيضا على واحد، فالظاهر جواز عملية الجنسية له فإن ألحق بها بأحد الطرفين بأن ظهر فيه آثار، على نحو التعين، صدق تغيير الجنسية حينئذ بالعمل و يترتب آثار العنوان المنقلب إليه، و إن لم يظهر شي‌ء منها فهو خنثى مشكل و ذكروا له في الفقه أحكاما يبتني أكثرها على الاحتياط كحرمة نظره إلى الطائفتين و جواز نظر الطائفتين إليه أو حرمته على الخلاف فيه، و حرمة إبدائه الزينة للرجال، و عدم جواز تزويجه المرأة و تزويج الرجل إياه، و كون إرثه نصف إرث الرجل و المرأة، و تخييره في قراءة صلاته الجهرية


و الإخفاتية، و عدم جواز إمامته و قضائه و غير ذلك.

و إن قلنا بإمكان كون فرد من الإنسان مجمع العنوانين و مصداق الصنفين حقيقة، و إمكان اجتماع جهازي التناسل في واحد، كما يظهر وقوعه من بعض النصوص، فهو قبل ظهور كونه من أحد الطرفين خنثى مشكل و إن اتفق ظهور أثر كلا الجنسين يحكم بكونه مصداقا لهما، و قد ورد أنه ظهرت امرأة في زمان أمير المؤمنين عليه السلام و ادعت أن لها ما للرجال و النساء فسئلت عن بولها من أي المبال يخرج قالت منهما جميعا، ثم ادعت أنه جامعها زوجها فولدت له و جامعت جاريتها فولدت الجارية منها انتهى. و على هذا. فلا أثر لعملية الجرح فيه و إظهار الأعضاء المخصوصة بأحد الطرفين من حيث تشخيص الموضوع بل مقتضى القاعدة الحكم بأنه في الحقيقة رجل و امرأة فتشمله خطابات كل من الصنفين ما لم تتعارض في حقه فيتزوج المرأة و يكون زوجا و يتزوجه الرجل فتكون زوجة، إلا إنه لا يجمع بين الحالتين و ليس له النظر إلى أحد الصنفين في غير موارد الاستثناء لتقدم المانع على المقتضي، و يحرم نظر كل من الطائفتين إليه و يأخذ في الإرث حصة الذكر و الأنثى أو نصف الحصتين و المسألة ليست بمحل الابتلاء.

و أما الثاني أعني الخنثى غير المشكلة فالظاهر جواز عملية الجرح فيها فإن ألحقت بما أدت إليه العلائم فهو و إلا فالمتبع القواعد الشرعية.

* قصص التقاص و المقاصة*

القصص تتبع الأثر و التقاص تفاعل منه يفيد نوعا من الشدة فيه، و هو و المقاصة مصدران يراد بهما كما يظهر من بعض أخذ مال الغير بدون اذنه عوضا عن ماله، و قد يعرف أيضا بأنه استنقاذ الغريم حقه من مال المدين بدون رضاه أو بدون اطلاعه، و الأولى بعد ملاحظة دليله و موارده تعريفه بأنه استنقاذ الشخص حقه من غيره بدون اطلاعه أو بدون رضاه، فيلحق الأخذ بدون الرضا بالأخذ مع جهله، و على أيّ تقدير فالظاهر اشتراطه بما إذا كان الغير ممتنعا عن أداء الحق، و حينئذ فيدخل في هذا التعريف أخذ الشخص عين‌


ماله من يد غيره بدون اطلاعه أو رضاه، و كذا أخذ الشريك حصته من المال المشاع، و أخذ مالك الكلي في المعين حقه من المعين عند الممتنع، و لا فرق في المدين بين كون ما عليه من الأعيان و الكليات الذمية و الحقوق.

و العنوان المبحوث عنه قد وقع في الفقه في باب القضاء بمناسبة ان ذلك قد يستلزم المراجعة إلى القاضي، و ذكروا بعض الفروع هناك نظير انه هل يجوز للدائن التقاص بنفسه من دون المراجعة إلى الحاكم مطلقا أو يجب الرجوع إليه مطلقا أو يفصل بين الحقوق و غيرها بعدم وجوبه في غيرها و التفصيل فيها بينما إذا كان الحق عقوبة كالقصاص في النفس و الطرف و حد القذف و السرقة و نحوها فالرجوع و الاستيفاء بإذنه أو بيده لكونه مظنة إثارة الفتنة و بين غيره كحق التحجير و حق الفسخ و حق القسمة و حق الشفعة و نحوها فلا يلزم وجوه أقربها أو المشهور منها الأخير، ثم انه ان امكنه أخذ المثل أو القيمة مع التساوي فهو و إلاّ جاز أخذ الزائد أو الناقص مثلا أو قيمة ثم رد البقية، أو إتمام الناقص فيما بعد ذلك‌

* قصر حلق التقصير و الحلق*

مفهوم كل من اللفظين في اللغة بيّن و قد كثر استعمالهما في باب الحج في بعض مصاديق معناهما اللغوي بل الظاهر صيرورتهما فيه مصطلحا شرعيا و فقهيا مع قيود خاصة، فالتقصير عبارة عن قص شي‌ء من الظفر أو شي‌ء من شعر الرأس أو اللحية مثلا بقصد التقرب إلى اللّه تعالى مع حفظ سائر شروط العبادة من الإخلاص و نحوه، كما ان الحلق عبارة عن حلق الرأس بمقدار صدق ذلك كذلك، و كل منهما ركن في النسك التي جعل جزء منها من حج أو عمرة كما أن كلا منهما محلل عما حرّمه الإحرام كالتسليم في الصلاة المحلل عما حرّمه التكبير.

و بما ذكر يعلم انه قد رتب في الشرع على كل منهما حكم تكليفي و هو الوجوب أو الاستحباب الضمني المتحقق في ضمن الحكم المتعلق بالمجموع، و وضعي و هو سببيته للتحليل عما حرّمه الإحرام، أما في العمرة فعن جميعه و أما في الحج فعن غير الطيب و النساء.


ثم إنهما يختلفان في الحكم حسب اختلاف انتسابهما إلى النسكين العمرة و الحج، فالتقصير متعين في إحرام العمرة و لا يجزي فيه الحلق بل قد يكون الحلق فيه محرما، و الحلق متعين في إحرام الحج و قد يجزي غيره أيضا في الجملة و لكل من العنوانين فروع ذكرها الأصحاب في المفصّلات فراجع.

* قلد التقليد*

التقليد في اللغة جعل الشي‌ء على العنق يقال قلّده السيف جعل حمالته على عنقه، و قلّده القلادة جعلها في عنقه، و قلّده العمل جعله على عهدته فكأنه جعله قلادة له، و قد يتعدى بفي فيكون بمعنى تبعه و في المجمع التقليد في اصطلاح أهل العلم قبول قول الغير من غير دليل انتهى. و في المفردات قلدته عملا ألزمته انتهى.

و ذكر له في اصطلاح الفقهاء تعاريف أسدّها أنه عبارة عن إتيان العامي عملا استنادا إلى قول الفقيه، فكأنه جعل عهدته عليه من حيث المطلوبية و المبعوضية و الصحة و البطلان كالقلادة في العنق، و مقتضاه كون التقليد هو العمل، و عرّف أيضا بأنه أخذ فتوى الغير للعمل به أو أنه الالتزام بالعمل بفتوى الغير أو هو قبول قول الغير و نحوها.

ثم إنهم ذكروا ان التقليد أحد الطرق الثلاثة في وصول المكلف إلى أحكامه الشرعية الفرعية المعلوم له بالإجمال بين محتملات كثيرة، فإن المكلف المعتقد بالأصول إذا علم إجمالا بوجود أحكام إلزامية متوجهة إلى المكلف من ناحية الشارع يجب عليه امتثالها، حصل له بقضاء عقله أن عليه إما أن يجتهد بنفسه في تحصيلها، أو يأخذها ممن حصّلها و تمهّر فيها و هو التقليد أو يحتاط فيها بالإتيان بمحتملاتها، فالتقليد أحد الطرق التخييرية عند العقل.

و ذكروا أيضا أن هنا أمورا تتعلق بالتقليد و أمورا تتعلق بمن يجب عليه التقليد و أمورا تتعلق بمن يجب تقليده.

أما الأول فمنها انه لا تقليد في الأصول الاعتقادية، و لا في الضروريات من الأحكام‌


الفرعية كوجوب الصلاة و حرمة الزنا، و لا فيما تيقن به المكلف إذا لم يخطأ طريقه، و لا في مسائل أصول الفقه كحجية الظواهر و خبر الواحد و نحوهما، و لا في مسائل الصرف و النحو و غيرهما من المقدمات، و لا في الموضوعات العرفية للأحكام على اختلاف في بعضها.

فمورد التقليد الفروع العملية من تكليف و وضع فيعم التكليف العارض لجميع حركاته و سكناته من الواجبات و المحرمات و المندوبات و المكروهات بل و المباحات إذا احتمل الإلزام فيها واقعا، و يعم جميع الأحكام الوضعية من صحة العبادات و العقود و الإيقاعات و بطلانها و كذا أجزائها و شروطها و موانعها و غير ذلك.

ثم إن الطريق إلى إحراز فتوى المجتهد ثلاثة أو أربعة: السماع منه شفاها، و إخبار العدل أو الثقة بذلك، و أخذه منه بوسيلة الكتابة، و وجدانه في رسالته المأمونة من الغلط.

و أما الثاني و هو المقلّد فقد ذكروا انه يجب التقليد وجوبا عينيا تعيينا توصليا على كل إنسان كامل بالبلوغ و العقل، غير قادر على الاجتهاد و الاحتياط، و لو قدر عليهما وجب ذلك تخييرا عقليا بين الطرق الثلاثة و لو قدر على أحدهما وجب تخييرا بينهما.

و أما الثالث و هو المقلد فقد اشترطوا فيه أن يكون مجتهدا حيا، و الأحوط أن يكون مضافا إلى ذلك رجلا، بالغا، طيّب الولادة، مؤمنا، عادلا، حرا، أعلم من غيره أو مساويا له، و الأولى مع ذلك أن يكون أرجح من غيره في الورع و السياسة و نحوهما. فلا يجوز تقليد من لم يقدر على الاستنباط، و لا تقليد الميت، بل إذا مات مجتهده بطلت حجية آرائه في حقه و وجب له الرجوع إلى الحي، فلو أجاز له البقاء تمت حجيتها في غير مسألة البقاء، و ذكروا أن المراد بالأعلم، الأعرف بالقواعد الدخيلة في الاستنباط و الأبصر بالمدارك الأولية و الأجود استنباطا.

تنبيه: لا إشكال في أن مسألة التقليد و رجوع الجاهل إلى العالم أمر فطري عقلي عقلائي و لا مناص للجاهل بأيّ أمر ابتلى به و افتقر إلى علمه من الرجوع إلى العالم به، و عليه اتفاق علماء الفريقين أيضا فللبسطاء الذين لا طريق لهم إلى أحكام دينهم الرجوع إلى علمائهم فإنهم مهرة الفن.


هذا و لكن في المسألة فرق بين مسلك التشيع و التسنن، فالشيعة تقول باشتراط الحياة في المفتي إلا في البقاء كما إذا قلد العامي فقيها حيّا فمات فإنه يجوز له البقاء على تقليده بإذن الحي و هذا في الحقيقة تقليد للحي.

و أما علماء السنة فهم أنفسهم قد قلدوا الأئمة الأربعة الماضين في القرن الأول و الثاني من الهجرة و أرجعوا عوام المسلمين طرا إليهم، و هذا مع إنه إيجاب لتقليد الميت إلغاء لاجتهاد غير الأربعة و تنزيل لهم عن منصب الإفتاء و حصر للاستنباط طيلة التاريخ في أربعة مع عدم دليل من الكتاب و السنة على هذا النصب و العزل، مع أن مرور الدهور و تبدل العصور له تأثيره الخاص في تغير الموضوعات و الأحكام و استفادة الحكم من الأدلة، و بالجملة فأهل السنة طرا مقلدون منذ موت الشافعي إلى يومنا هذا و فيما يأتي من الأعوام، مع أن فيهم طيلة هذه القرون من هو أعلم من أولئك الأئمة فيكون تقليدهم لهم في موارد توافق الفتاوى و تخالفها من رجوع العالم إلى العالم أو العالم إلى الجاهل و كلاهما باطلان.

* وقي التقية و الاتقاء و التقوى*

التقية في اللغة مصدر بمعنى التحفظ يقال تقى يتقى من باب علم تحفّظ و اتقى يتقى اتقاء و تقية و تقوى، تحفظ و توقي، و التاء في التقوى مبدلة عن الواو، فالمصادر الثلاثة بمعنى التحفظ و التوقي، فالتقية في الفقه مطلق التحفظ عن الضرر كان من غضب اللّه تعالى و سخطه، بامتثال أوامره و نواهيه، أو من الحرّ و البرد، بلبس ثوب و نحوه، أو من المرض، باستعمال دواء أو تناول غذاء.

و هي في الاصطلاح عبارة عن التحفظ عن العامة خوفا منهم على نفسه أو ماله أو متعلقة، بالإتيان بما يوافق مذهبهم و إن كان محرما أو باطلا على مذهبه أو كان لا يريد الإتيان به، قولا كان أو فعلا عباديا أو غير عبادي. فهي بمعناها الاصطلاحي قسم خاص من معناها اللغوي و هو مطلق الاضطرار إلى الفعل أو القول.

فتحقق ماهية التقية تتوقف على أمور أربعة المتقي و هو المكلف، و ما به الاتقاء و هو


القول أو الفعل الموافق لمسلك الغير غير الموافق لمذهبه، و المتقى عنه و هو الشخص أو الأشخاص الذين يخاف منهم، و المتقى منه و هو الضرر المخوف منه، و يحتمل شمول المعنى الاصطلاحي للاتقاء عن الكافر إذا اضطر الإنسان إلى العمل على وفق مذهبه بل هذا هو ظاهر الآية الشريفة. و يشمل ما به الاتقاء كل قول و فعل اقتضته الضرورة: كالتكلم بما يوافق معتقدهم، و الإفتاء لأهل ملتهم على وفق مسلك أئمتهم، و الوضوء مع غسل الرجلين، أو المسح على الحاجب، أو على الخفين، أو الصلاة خلف الفاسق، أو متكتفا، أو مع التأمين بعد الفاتحة، أو الإتيان بصلاة المغرب مع غيبوبة الشمس، أو الإفطار قبل الغروب الحقيقي، أو الإتيان بحج الإفراد و القران مع كون فرضه التمتع، أو الوقوف بعرفة يوم الثامن من ذي الحجة، و في المشعر ليلة التاسع منه، و الإتيان بأعمال يوم النحر يوم التاسع منه، أو شرب المسكر أو الخمر أو الحضور في مجلس شربهما، أو السماع للغناء و آلات الطرب و نحو ذلك.

هذا ما يتعلق بموضوعها و أما الحكم فقد ذكروا في ذلك أمورا منها: أن التقية تنقسم إلى واجبة و محرمة بل قالوا إنها تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة فالواجبة منها ما يترتب الضرر على تركها من قتل أو إتلاف مال و لم يترتب عليه عدا مصلحة طبع الفعل أو الترك كالاضطرار إلى شرب المسكر أو الصلاة في الميتة. و هذا نظير سائر موارد الاضطرار إلى ترك واجب أو فعل حرام.

و التقية المحرمة هي الاضطرار إلى قتل نفس محرمة فإن اللّه تعالى شرع التقية لحقن الدماء فإذا بلغت الدم فلا تقية. و كذا إذا كانت المصالح المترتبة على الترك أقوى من الضرر المرتب عليه أو كانت المفاسد المترتبة على العمل بها أقوى من ذلك الضرر كما إذا اضطر العالم الذي له مكانة في أعين الناس و منزله في قلوبهم إلى شرب الخمر بحيث لو شرب تجرّؤوا إلى شربه أو شكّوا في حرمته أو ترددوا في أصل المذهب مثلا، و لعل ترك التقية من بعض أصحاب الأئمة كان كذلك، كميثم التمار، و حجر بن عدي، و رشيد الهجري رضوان اللّه عليهم، و قد لا تكون المفسدة بهذه المثابة فتكون حينئذ راجحة و قد تكون مساوية أو


مرجوحة و منه يعلم التقية المستحبة و المباحة و المكروهة.

و في رسالة التقية للشيخ الأعظم قدّس سرّه أن المستحب ما كان فيه التحرز عن معارض الضرر بأن يكون تركه مفضيا إلى حصول الضرر كترك المداراة مع العامة و هجرهم في المباشرة في بلادهم، فإنه ينجرّ غالبا إلى حصول المباينة الموجب لتضرره منهم، و ظاهره فرض القطع بحصول الضرر فيما يأتي، كما ان ظاهره جواز ارتكاب الحرام حينئذ كذلك.

و منها أنه ما هو المرفوع بعروض عنوان التقية على الفعل؟فإنهم ذكروا ان هنا أمورا قابلة للرفع:

الأول: الأحكام التي يكون الفعل أو الترك المتقى به متعلقا لهما كالحرمة المتعلقة بشرب المسكر و الوجوب المتعلق بقراءة السورة بعد الحمد في الصلاة.

الثاني: الأحكام التي يكون الفعل أو الترك موضوعا له كوجوب الحد المترتب على شرب الخمر و المسكر، و وجوب الكفارة المترتب على الإفطار قبل الغروب، و الظاهر أنه لا إشكال في ارتفاع كلا القسمين من الحكم مع الاضطرار لعموم أدلة الاضطرار المطلق و خصوص أدلة التقية.

الثالث: الجزئية و الشرطية و المانعية و القاطعية و نحوها فيما إذا تعلقت التقية بمركب عبادي ذي قيود كالصلاة فاضطر إلى الإخلال بأجزائها و قيودها، فمن ذاهب إلى عدم ارتفاع شي‌ء من تلك الأمور بالتقية بدليل أنه لا يعقل الاضطرار بالعبادة فإنها عبارة عن أفعال مشروطة بنية التقرب، فلها صورة هي الأفعال و مادة هي النية، و الاضطرار متعلق بصورتها فقط فللمتقي الإتيان بالصورة بدون النية و يدفع الضرر فتبقى العبادة على ذمته فيعيدها أو يقضيها، و عليه فليس له قصد التقرب بما أتى لكونه حينئذ تشريعا محرما مع علمه بعدم كونه عبادة مطلوبة فيجب على المتقي صورة الوضوء مع غسل الرجلين و صور الصلاة بعده و ليس له نية التقرب بهما، و لا حرمة لتفويت الواقع إذا اضطر إليه، و لا بد لهذا القائل أن يحمل أدلة الأمر بالعبادة تقية على إتيان الصورة إذ هي التي يتعلق بها الاضطرار، و هؤلاء هم القائلون ببطلان العبادة تقية إذا خالفت واقعها. و من ذاهب إلى


ارتفاع الجزئية و الشرطية و نحوهما بالتقية كما في سائر موارد الاضطرار فيبقى أصل العمل على مطلوبيّته بل يكون العمل الخاص الذي هو مورد التقية بدلا عن الواقع لان ذلك هو المستفاد من أدلة التقية.

تنبيهان: الأول أن الأصحاب استثنوا من وجوب التقية موارد:

أولها: التقية في قتل النفس فلا يجوز قتل النفس المحترمة حفظا لنفسه أو ماله فإنه قد صرح في النصوص بأن التقية إنما شرعت ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية.

ثانيها: إذا لم يترتب على تركها إلاّ ضرر يسير و هذا خروج موضوعي.

ثالثها: المسح على الخفين و شرب المسكر و متعة الحج، و الظاهر اختصاص ذلك بالمعصوم، فإن في صحيح زرارة ثلاثة لا أتقي فيهن من أحد و لذا استفاد زرارة أيضا من عبارة الإمام اختصاص ذلك به عليه السلام فلو خاف أحد على نفسه وجبت عليه التقية فيها.

رابعها: التبري عن مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام لما ورد من أنه يجب مد العنق حينئذ للسيف و ترك التبري، لكن الظاهر كما عرفت جواز ترك التقية حينئذ لا وجوبه.

التنبيه الثاني: ذكروا أن أدلة التقية على قسمين الأول-ما دل على حكم مطلق الاضطرار، كان للتحفظ عن الحوادث التكوينية أو عن الكفار أو عن العامة، نظير قوله تعالى‌ (وَ لاََ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى اَلتَّهْلُكَةِ) و قوله تعالى‌ (وَ لاََ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) و قوله لا ضرر و لا ضرار و قوله رفع عن أمتي ما اضطروا إليه و قوله لا شي‌ء مما حرمه اللّه إلاّ و قد أحله اللّه عند الاضطرار.

و الثاني-ما دل على خصوص التقية عن العامة كقوله التقية ديني، و قوله لا دين لمن لا تقية له، و قوله أي شي‌ء أقر لعيني من التقية إن التقية جنة المؤمن، و قوله التقية ترس المؤمن، و حرز المؤمن، و لا إيمان لمن لا تقية له، و قوله اتقوا على دينكم و احجبوه بالتقية، و قوله من لم تكن له تقية وضعه اللّه، و قوله ما عبد اللّه بشي‌ء أحب إليه من الخبإ قلت و ما الخبإ قال التقية، و قوله التقية في كل شي‌ء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّه.


* كبر التكبير*

التكبير في اللغة جعل الشي‌ء كبيرا تكوينا أو إنشاء بالحمد و الثناء و نحو ذلك، و التكبير التكلم بكلمة اللّه أكبر، قال في المفردات و أكبرت الشي‌ء رأيته كبيرا قال تعالى (فَلَمََّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) و التكبير يقال لذلك و لتعظيم اللّه تعالى بقول اللّه أكبر و بعبادته و استشعار تعظيمه، و على ذلك و لتكبروا اللّه على ما هداكم، و كبره تكبيرا انتهى.

و في النهاية الأثيرية: و في حديث الأذان اللّه أكبر معناه الكبير فوضع أفعل موضع فعيل، و قيل معناه أكبر من كل شي‌ء أي أعظم فحذف من لوضوح معناه، و قيل معناه أكبر من أن يعرف كبرياؤه و عظمته، وراء أكبر في الأذان و الصلاة ساكنة لا تضم للموقف فإذا وصل بكلمة ضم انتهى.

و التكبير بعنوانه المطلق في اصطلاح الشرع و المتشرعة شائع في التلفظ بكلمة اللّه أكبر، كما أن تكبيرة الإحرام شائع في خصوص ما يفتتح به الصلاة مطلقا، و يطلق عليها تكبيرة الافتتاح أيضا، و هي جزء ركني من كل صلاة واجبة و مندوبة فإنها أولها و أول الشي‌ء من الشي‌ء، و ليست كتكبيرة الركوع و السجود مندوبة، و هي التي بها تتحقق حرمة ما كان حراما في الصلاة من التكلم و الأكل و الشرب و غيرها، نظيرة التلبية بإحرام الحج أو العمرة في توجه خطاب محرمات الإحرام بها، فالدخول في الصلاة يتحقق بالشروع فيها و حرمة محرماتها لا تتحقق إلا بعد تمامها لأنها السبب في تحريمها و لا يتحقق المسبب إلا بعد تمام سببه و ذلك لقوله صلّى اللّه عليه و آله: افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم.

و في كونها ركنا في الصلاة خلاف، فمقتضى كون تركها مبطلا عمدا و سهوا أنها ركن و مقتضى كون زيادتها غير مبطل مع النسيان أنها غير ركن، و صورة تكبيرة الإحرام-اللّه أكبر-و هي الصورة المسلمة عند جميع أصحابنا، بل و عند فقهاء الإسلام، و المتعارفة المعهودة بين المسلمين، و المستفادة من السيرة القطعية المتصلة بعصر المعصومين و صاحب الشريعة الإسلامية، و هي الصورة الاختيارية منها و قد ذكروا أن لها مصاديق اضطرارية، منها ترجمتها بكل لسان لا يقدر أهله على الاختيارية و منها ما تكلم به‌


الأخرس بما استطاع من لفظه و جرى به لسانه و منها إشارة المصلي إليها باليد و نحوها إذا لم يقدر على غيرها، و يكفي كل منها في مورده عن الاختيارية.

* كفر كتف التكفير-التكتف*

معنى الكلمتين في اللغة بيّن و هو وضع اليدين على الصدر في مقابل الغير و التطامن له تعظيما، و لا حقيقة شرعية لهما في الفقه، و قد عبر بعض الأصحاب بوضع اليمين على الشمال، و كيف كان فالظاهر أن فقهاءنا أرادوا بهما في الفقه وضع أحدى اليدين على الأخرى على النحو الذي يصنعه العامة في صلاتهم تأدبا للّه تعالى، ثم اختلفوا في حكم العمل الشامل له فذهب بعضهم إلى حرمته من جهة ورود النهي عنه و كذا في بطلان الصلاة به لأن الصلاة بنفسها و أجزائها و شرائطها و جميع شؤونها عبادة توقيفية تحتاج إلى دليل، و ذهب آخرون إلى عدم الحرمة و عدم بطلان الصلاة به لضعف نصوص الباب سندا أو دلالة مع أنه أمر خارج عن الصلاة.

و المنقول عن العامة استحبابه و كونه فعلا صلاتيا لأنه قد حكي عن الخليفة الثاني أنه لما جي‌ء بأسارى العجم كفّروا أمامه فسأل عن ذلك فأجابوه بانا نستعمله خضوعا و تواضعا لملوكنا، فاستحسن فعله مع اللّه تعالى في الصلاة، و في الجواهر أنه غفل عن قبح التشبيه بالمجوس في الشريعة، مع أنه لا يعرف كيفية خدمة الملوك إلا وزرائه انتهى. ثم إنهم أشاروا في المقام إلى أنه لا إشكال في جوازه تقية بل و إلى انه لو تركه معها أشكلت صحة الصلاة بدونه.

* لبي التلبية*

التلبية لغة مصدر من لبي تلبية الرجل أجابه و قال له لبيك، فهي كالتهليل من لا إله إلا اللّه، و لبيك مصدر من لبّ و ألبّ بمعنى أقام بالمكان ثني للتكرار و حذف نونه للإضافة إلى كاف الخطاب، و حذف فعله و أقيم مقامه فالأصل ألب لك لبيك فوضع لبيك موضع الجميع و أريد به أقيم بخدمتك اقامة بعد اقامة، و قد استعملت الكلمة في اصطلاح الشرع‌


و المتشرعة أيضا في معناها لغة و أريد بها في باب الحج معنى أخص، فالتلبية الاصطلاحية عبارة عن ألفاظ خاصة عبادية مشروطة بنية التقرب و سائر شروط العبادة ينشأ بها و بالنية إحرام العمرة و الحج و صورتها المنصوصة في الشريعة كلام شامل لأربع تلبيات، تقول: لبيك اللهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبيك، و يجب الإتيان بها عربية صحيحة و لو بتلقين الغير، و تصح الترجمة بأية لغة كانت مع عدم التمكن، و الأخرس يشير إليها باللسان و الإصبع و لا ينعقد إحرام غير القران إلا بها و يتخير القارن بينها و بين الاشعار و التقليد فاحرامه ينعقد بأحد الأمور الثلاثة.

* لقي ركب تلقي الركبان*

التلقّي في اللغة الاستقبال يقال لقي الشي‌ء و تلقّاه استقبله و التلقي القبول يقال تلقيت الكلام أخذته و قبلته، و الركبان جمع راكب، و في المجمع نهى عن تلقي الركبان و هي أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد انتهى.

و كيف كان فقد ذكر تلقي الركبان في نصوصنا و وقع البحث عنه في الفقه و ذكر الأصحاب أن المراد بالتلقي فيه خروج الحضري إلى استقبال قاصدي البلد بالأموال التجارية فيما دون أربعة فراسخ بقصد الشراء منهم بأرخص من قيمة البلد أو البيع منهم بأغلى منها مع جهلهم بقيمة البلد، فهناك شروط: كون الخروج للتجارة و السفر أقل من المسافة الشرعية و إلا كان سفرا تجاريا، و كون الركب غير عارفين بالقيمة، فحكم المشهور حينئذ بكراهة التلقي بل قد يدعى الإجماع عليها و نقل من بعض الأصحاب القول بالحرمة أيضا و هو شاذ، و قد علل ذلك تارة بأنه نوع حرص على الدنيا و أخرى بأنه ربما أخبرهم بكساد ما معهم من السلعة كذبا ليشتري بالوكس، و ثالثة بأنه ربما أخبرهم بقيمة البلد فيبيعون بأغلى مما قصدوا مع إنه ينبغي أن يدع الناس يرزق بعضهم ببعض و رابعة بنصوص وردت في الباب.

ثم إنهم ذكروا كراهة شراء ما يتلقى ممن اشتراه من الركب و من ترتبت يده عليه و إن ترامى، و أما ثبوت الخيار للركب فهو يكون مع جهلهم بالقيمة و غبنهم في المعاملة


* لقح التلقيح*

اللقح بالفتح و التلقيح وضع نطفة الذكور في الإناث لتوليد المثل، كان في النبات أو الحيوان أو الإنسان، يقال لقح النخل و لقحها بالتخفيف و التشديد وضع طلع الذكور في الإناث، و لقح الذكر الأنثى ألقى النطفة فيها فأحبلها.

و قد استعمل اللفظ في العصور الأخيرة في أخذ ماء الرجل بآلة خاصة و تلقيحه في المرأة، و قد وقع مورد البحث في الفقه و يتضح موضوعا و حكما بذكر بعض فروع المسألة.

نظير انه لو أخذ نطفة الرجل و ألقحت بزوجته و هذا لا إشكال فيه من حيث أصل العمل إذا كان التصدي محللا كما إذا باشره نفس الرجل أو من محارم المرأة و لا من حيث انتساب الولد الحاصل إلى أبويه، و لو فرض وقوع التصدي له على نحو محرم، ككون الملقح أجنبيا كان نفس العمل حراما و لا يضر بالنسب و كون الولد لهما.

و لو كان التلقيح بأخذ ماء الرجل و تزريقه بالمرأة الأجنبية فالمذكور في كلماتهم حرمة العمل سواء رضيا بذلك أم لا و كانت المرأة خلّية أو ذات زوج و كانت من محارمه أو من الأجانب، و أما لحوق الولد بصاحب النطفة فينبغي أن يقال إن الحق لحوقه به و كونه ولدا لهما حقيقة فيترتب عليه جميع أحكام النسب من التوارث و غيره كانت خلية أو ذات بعل مع العلم بكون الولد من تلك النطفة.

ثم انه لو انكشف بمرور العصور وجود منافع طبّية و غيرها في نطفة الرجل و قلنا بجواز بيعها لذلك و لو كانت نجسة فاشتراها شخص أو اشتراها بنك النطفة و باعها من شخص، فلقّحها المشتري في امرأة، أو اشترتها امرأة فلحقتها في رحمها فحملت فالحكم بحرمة العمل اي الاشتراء و التلقيح مشكل، و كذا تبعية الولد لصاحب النطفة مع جهل صاحبها و انقطاع رابطته عنها بالكلية بانتقالها إلى المشتري و تملكه لها، إذا فيدور أمر الولد بين أن يحكم بكونه ولدا لصاحبها الواقعي كاللقيط و نحوه، أو يقال بكونه مولودا بغير أب نظير ما لو اتفق تكوّن مادة حيّة إسپرية في رحم المرأة و مادة أولية فتكون منهما ولد بان حملت و ولدت فإن الولد حينئذ لا أب له و له أم و هذا ممكن كما ادعاه أهل الفن.


لكن القول بهذا حتى فيما لو كان صاحب النطفة المبيعة معلوما فيحكم بكونه أجنبيا عن الولد لو كان أنثى فيحرم له النظر إليها أو يجوز له تزويجها و كذا مسألة التوارث بينهما مشكل.

و من فروع البحث أنه لو أخذت نطفة امرأة وليدة و ألقحت في رحم امرأة عقيمة فواقعها زوجها فحملت من تركب نطفة الرجل و المرأة الوليدة في رحم العقيمة فالظاهر أن الحكم بحرمة أصل العمل ما لم يستلزم محرما آخر مشكل بل لا يبعد عدمها، و أما نسب الولد فلا إشكال في كونه ولدا للرجل و أما الأم فكون ذات الرحم اما له أقرب من صاحبة النطفة و يمكن كون كلتيهما أما له فالأحوط لزوما رعاية الاحتياط بالنسبة لكلتا المرأتين و كذا مسألة التوارث و إن كانت أمية ذات الرحم أقرب.

و قد ذكروا في المقام فروضا كثيرة كتلقيح نطفة الإنسان في غير الإنسان من الحيوانات، و عكس ذلك إذا اتفق الولادة، أو أخذ النطفة من النبات و ألقحت في المرأة، أو من الرجل و وضعت في آلات خاصة حتى نمت فصارت جنين إنسان، و غير ذلك مما لا بهم الاشتغال به فعلا و لو اتفق تحققها في المستقبل فباب التحقيق واسع.

* متع التمتع و المتعة*

التمتع في اللغة الانتفاع و الالتذاذ يقال تمتع و استمتع بكذا انتفع و تلذذ به، و المتعة بالضم و الكسر اسم للتمتع و لما يتمتع به من الطعام و غيره، و في المجمع التمتع في الحج مناسك معروفة مذكورة في محالّها، و قد جمعها قول من قال

اطرست للعمرة اجعل نهج # اوو ارنحط رس طر مر لحج‌

و التمتع أصله التلذّذ، و سمّي هذا النوع به لما يتخلل بين عمرته و حجّه من التحلل الموجب لجواز الانتفاع و التلذذ بما كان قد حرّمه الإحرام، مع ارتباط عمرته بحجّه حتى أنهما كالشي‌ء الواحد شرعا، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنه حصل في الحج، و المتعة بالضم فالسكون اسم من تمتعت بكذا أي انتفعت و منه متعة النكاح و متعة الطلاق و متعة المج انتهى.

أقول: استعمال كلمة التمتع مطلقة و بدون إضافة الحج أو العمرة إليها قليل، و أما


استعمالها معها فالظاهر ثبوت وضعها في مصطلح الشرع و المتشرّعة لمجموع العملين أعني عمرة التمتع و حجّه، بحيث إذا طلقت كانت ظاهرة فيه و إن كثر استعمالها في خصوص حج التمتع في مقابل عمرته أو في مقابل حج القران و الافراد.

و كيف كان فمجموع العبادتين أعني عمرة التمتع و حجه مما أنشأه الشارع و اخترعه و تعبد به الناس، و له أحكام كثيرة في الشرع و أبحاث واسعة في الفقه قد ذكرنا ما يتعلق بالحج منها تحت عنوانه، و ما يتعلق بالعمرة تحت عنوانها، و هما عبارة واحدة من جهة و عبادتان مستقلتان من أخرى.

أما الأول فلاتحادهما في شرائط الاستطاعة، و اشتراط إتيانهما في سنة واحدة، فوجوب كل مشروط بوجوب الأخرى، و صحة كل مشروطة بصحة الأخرى، كما انهما قد شرعتا في أول الأمر في حجة الوداع بتشريع واحد.

و أما الثاني فلو وقع الفصل بينهما بالتحليل و خروج المحرم بتقصير العمرة عن حال الإحرام و حليّة المحرمات له حتى الصيد الإحرامي و النساء قال تعالى‌ (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى اَلْحَجِّ) أي انتفع و تلذذ مما أباحه اللّه بسبب إحلال العمرة قاصدا إلى إحرام الحج.

ثم انا قد أشرنا في عنوان الحج إلى أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قد شرعها في حجة الوداع بتبديل حج من أفرد من أصحابه إلى عمرة التمتع و حجه، و قد ورد في نصوص صحاح أن النبي صلّى اللّه عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج حتى نزل وَ أَذِّنْ فِي اَلنََّاسِ بِالْحَجِّ ، فأمر المؤذنين أن يؤذنوا أن رسول اللّه (ص) يحج من عامه هذا، فحضر أهل المدينة و العوالي و الأعراب، ينتظرون ما يؤمرون به فيصنعون، فخرج رسول اللّه (ص) في أربع بقين من ذي القعدة فلما انتهى إلى ذي الحليفة اغتسل فصلى الظهر في المسجد فخرج إلى البيداء فصفّ الناس له فلبى بالحج، و ساق ستا و ستين بدنة حتى انتهى إلى مكة في أربع من ذي الحجة، فطاف و صلى ركعتين ثم نزل‌ (إِنَّ اَلصَّفََا وَ اَلْمَرْوَةَ مِنْ شَعََائِرِ اَللََّهِ) و كان يظن المسلمون ان السعي مما صنعه المشركون فصعد الصفا و انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه، ثم أتى جبرئيل عليه السلام و هو على المروة فأمره أن يأمر الناس أن يحلّوا إلا سائق هدي، ثم أقبل على الناس و قال إن هذا جبرئيل


يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحل، فقال له رجل من القوم لنخرجن حجاجا و شعورنا تقطر، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أما إنك لن تؤمن بهذا أبدا، فقيل له يا رسول اللّه إن هذا الذي أمرتنا لعامنا هذا؟قال بل هو للأبد إلى يوم القيامة ثم شبك أصابعه بعضها إلى بعض و قال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة راجع (وسائل الشيعة، أبواب أقسام الحج ب 2، ح 4 و 13) و بالجملة يظهر من النصوص أن التمتع بعمرته و حجه قد شرع في عام واحد، و أن بينهما فصل التحليل و التمتع، و ان بدء تشريعه كان بتبديل الإفراد إليه، و أن أول زمان التشريع في حجة الوداع، و أنه ليس للقارن تبديل حجة إلى التمتع، و ان النبي الأقدس لم يأت بالتمتع في عمرة الشريف و أن بعض أصحابه قد خالف تشريعه من البدء، و انه كان ذلك لاستبعاده أو عدم قبوله إباحة المواقعة في أيام الحج أو في مكة، و هذا الحج هو أحد المتعتين اللتين ثبت تحريم الخليفة الثاني لهما، و الأخرى متعة النساء أعني النكاح الموقت، فقد رووا انه قال: متعتان كانتا حلالين في عهد الرسول و أنا أحرمهما و أعاقب عليهما و إلى هذا التحريم أشار النبي صلّى اللّه عليه و آله فيما نقلنا من الصحيح، ثم ان ما ذكرنا راجع إلى معنى حج التمتع عند إطلاقه، و أما عمرة التمتع فهي مصطلحة في خصوص أحد جزئي حج التمتع كما عرفت و إليه أشار بقوله (اطرست للعمرة اجعل نهج) و التفصيل تحت عنوان العمرة.

و أما تمتع النساء و متعتها فراجع عنوان المتعة، و أما متعة الطلاق فهي مذكورة تحت عنوان الطلاق.

* تمر التمر*

التمر في اللغة هو اليابس من ثمر النخل كالزبيب من الكرم و هو معروف بين الناس و الواحدة تمرة و الجمع تمرات و تمور، و يراد بجمعه أصناف التمر لأن اسم الجنس الذي هو التمر لا يجمع في الحقيقة.

و ليس للفظ اصطلاح خاص في الشرع و هو قد وقع في الشريعة موضوعا للأحكام‌


و في الفقه موردا للبحث و الكلام، فذكروا انه أحد الغلات الأربع التي شرع النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله عليه الضريبة المالية و سماها الزكاة، فأوجب إخراج العشر منه إذا سقي سيحا، و نصف العشر إذا سقي باليد، و ذكروا لتعلق الوجوب شروطا عامة و هي شرائط التكليف الأربعة الجارية في جميع التكاليف، و شروطا خاصة كملكية المالك له قبل وقت تعلق الوجوب أعني قبل بدو الصلاح و هو اصفراره أو احمراره، و بلوغه النصاب و غيرهما مما ذكرناه تحت عنوان الزكاة.

و من أحكامه أيضا كونه أحد الغلات الأربع الملحوظة في زكاة الفطرة فيجوز إخراجه بعنوان هذه الزكاة، و إن لم يكن من القوت الغالب للمكلف فراجع عنوان الفطرة و الزكاة.

* علق نجز التنجيز و التعليق-و المنجّز*

التنجيز في اللغة التعجيل في الأمر و تثبيته، و التعليق جعل الشي‌ء معلقا على آخر، و قد وقع البحث عنهما في الفقه في أبواب العقود و الإيقاعات، و ذكروا أنه يشترط في الجميع التنجيز، و انه يبطلها التعليق، و المراد بهذا الشرط انه يعتبر إنشاء المقصود في العقود و الإيقاعات بنحو البتّ و الجزم لا معلقا على شي‌ء بأداة الشرط أو بغيرها، فلو قال بعتك الدار إن أذن لي أبي أو في صورة مجي‌ء المسافر الفلاني بطل، و كذا غير البيع.

ثم إن الأصحاب ذكروا أن المعلق عليه في البيع و نحوه أما أن يكون أمرا معلوم التحقق، كقوله بعتك ان كان اليوم يوم الجمعة أو محتمل التحقق، و على التقديرين أما أن يكون حاليا أو استقباليا، و على التقادير أما ان يكون مما يتوقف عليه العقد في الواقع كتعليقه ببعض شروط المتعاقدين أو العوضين، أو لا يتوقف، و للأصحاب في صور المسألة اختلاف فراجع.

ثم إنهم اختلفوا في أمرين أحدهما ان القادح في المقام هل هو تعليق المنشأ بأمر استقبالي و لو كان معلوم التحقق كقوله بعتك ان جاء آخر الشهر، أو بأمر مجهول التحقق و لو كان فعليا كقوله بعتك الدابة ان كان حملها ذكرا، قال بكل منهما قائل، ثانيهما ان‌


الدليل على هذا الشرط هل هو الإجماع المدعى أو ان التعليق ينافي الجزم و الرضا المشروط في التجارة، أو ان الوجه فيه عدم قابلية الإنشاء للتعليق فقال بكل منها قائل و الكلام موكول إلى محله.

ثم اعلم انه قد كثر استعمال المنجز في الفقه في باب الحجر في تصرفات المريض في أمواله بحيث صار اصطلاحا خاصا في ذلك الباب و سموه منجزات المريض، و عرفوه تارة بأنه كل تصرف يكون سببا لإزالة ملك المريض عن عين أو مال بلا عوض بحيث لولاه جرى فيه الإرث، و أخرى بأنه التمليك أو الفكّ أو الإبراء المتعلق بالمال أو الحق تبرعا، و على أيّ يدخل تحته الهبة، و الصدقة، و الوقف، و البيع المحاباتي، و الإجارة كذلك، و إبراء الدين، و بذل حق التحجير، و حق الشفعة و نحوها، فيطلق على الجميع التصرف المنجّز و ذكروا انه ليس من ذلك التسبيبات حال المرض كإتلاف مال الغير، و الجناية على عبده، و عمل ما يوجب الكفارة فإنها تكون سببا لاشتغال ذمة المريض و دينا عليه.

و كيف كان فقد اختلفوا في انه هل يحكم بلزوم ذلك التصرف، بحيث إذا مات المريض أخرج متعلقة من صلب المال أو لا يحكم بذلك فيكون بحكم الوصية، و الأول منسوب إلى المشهور بين المتقدمين بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه لقاعدة السلطنة و عموم الوفاء بالعقود، و الثاني منسوب إلى المشهور بين المتأخرين و استدلوا عليه بنصوص فراجع.

* نجم التنجيم*

النجم في اللغة مصدر بمعنى الظهور و اسم بمعنى الكوكب و النجوم أيضا مصدر مرادف للظهور و جمع كالقلوب فالنجم مصدر و اسم و النجوم مصدر و جمع.

و التنجيم في اللغة رعاية النجم و مراقبتها للعلم بأحوال العالم و التنجيم الحكم بالنجوم.

هذا بحسب اللغة.

و أما في اصطلاح الفقهاء فقد اختلف تعاريفهم له، و الأولى أن يقال أن التنجيم عبارة عن استخراج أحوال النجوم و الأجرام العلوية، و استنباط الأوضاع الفلكية، لكشف‌


الحوادث السفلية و الوقائع الأرضية منها، و الغاية من ذلك اما الإخبار عن نفس الدال الكاشف أو الإخبار عن المدلول المنكشف مستندا إليه و الثاني قد يكون بدون اعتقاد الربط التكويني بينهما، و قد يكون مع الاعتقاد بذلك، و هذا التعريف نظير تعريف الفقه بأنه استخراج الأحكام الفرعية لغاية الإفتاء بها، هذا و قد يظهر من بعض الأصحاب ان حقيقة التنجيم هي الإخبار عن الحوادث السفلية مستندا إلى العلويات و هذا يباين التعريف الأول، و كيف كان فهنا أمور وقع البحث عن جوازها و حرمتها تكليفا و سببيتها للكفر و استحقاق القتل وضعا. بل و إطلاق عنوان التنجيم عليها و عدمه.

الأول: أخبار الشخص عن الأوضاع الفلكية من سير الكواكب و تقارنها و محالّ البروج الاثني عشر و حركاتها، و دخول الأعوام و السنين الشمسية و القمرية و خروجها، و منها الإخبار عن الكسوف و الخسوف و نحوهما، و هذا من دون القول بالارتباط بينها و بين الحوادث الأرضية و هذا من نتائج التنجيم على التعريف الأول و خارج عنه بالكلية على التعريف الثاني و الظاهر انه لا إشكال في جوازه سواء أخبر عن علم أو ظن.

الثاني: إخبار الشخص عن الحوادث الأرضية الحالية أو الاستقبالية مستندا إلى الأوضاع العلوية و الأجرام الفلكية، من دون اعتقاد بالربط بينهما بل لتجربة محصلة أو منقولة مؤدية إلى أن اللّه تعالى يوقع تلك الحوادث بإرادته النافذة عند الوضع الكذائي الفلكي، و هذا من مسائل التنجيم على الثاني، و الظاهر أنه ليس بحرام و قد يمثل له بنزول الأمطار و عدمه أو غلاء الأسعار أو رخصها.

الثالث: إخبار الشخص عن الحوادث السفلية مستندا إلى الأوضاع العلوية و الأحوال الفلكية معتقدا بالربط بينهما تكوينا و هذا يتصور على وجوه:

منها: أن يرجع الاعتقاد بذلك إلى إنكار الصانع جل ذكره و كون المؤثر في جميع حوادث هذه الكرة الأوضاع الفلكية، فهي الفاعلة بالاستقلال و المؤثرة بنفسها في السفليات من غير دخل شي‌ء في ذلك و هذا تنجيم على الثاني و الاعتقاد بذلك كفر، و لو شاركها مع اللّه تعالى فهو شرك.


و منها: ان يرجع ذلك إلى أن اللّه تعالى بعد خلق الأجرام العلوية و السفلية و جعل العلويات و الحركات الفلكية مؤثرة بنحو العلة التامة في الحوادث السفلية، قد عطل نفسه عن التصرف بالكلية فاستقلت العلل في التأثير في المعاليل بإرادة منها استقلالية و هذا أيضا تنجيم نسبت للكفر و الاعتقاد به أيضا كفر.

و منها: أن يرجع ذلك إلى كون الأجرام الفلكية مريدة فاعله مؤثرة في الحوادث السفلية بإرادة هي عين إرادة اللّه تعالى، فالمريد بالأصالة هو اللّه تعالى و هي مريدة غير مختارة كما قيل ذلك بالنسبة لتصرفات الملائكة في عالم الدنيا، و الظاهر ان هذا أيضا كسابقه لدلالة الضرورة على انه لا واسطة كذلك بين حوادث العالم السفلي و بين إرادة اللّه تعالى، و لو لزم القول بذلك في الجملة بواسطة ما ورد من أنه أبى اللّه ان يجري الأمور إلاّ بأسبابها، كانت الواسطة الملائكة المدبرات أمرا و المقسمات أمرا.

و منها: أن يرجع ذلك إلى كون الحوادث السفلية معلولة للأوضاع الفلكية بعليّة تامة إلاّ أن العلة بمنزلة الآلة الجمادية لإرادة اللّه تعالى كالقلم بيد الكاتب و هذا تنجيم باطل قطعا و إن لم يكن الاعتقاد به كفرا لكونه مخالفا لظواهر الكتاب و السنة بل و يمكن انتهاؤه إلى إنكار بعض الضروريات.

تنبيه:

يظهر من نصوص الباب أنه كان اعتقاد أهل النجوم في عصر صدور النصوص تأثير الأجرام الفلكية في الحوادث الأرضية بمعنى دلالتها على ذلك في بعضها و تأثيرها فيها في بعضها الآخر و كان العلم بذلك يسمى علم النجوم و كان الغرض من تعلمه و تعليمه الاهتداء إلى الخير و الضر و الإقدام على العلاج في جلب الخير و دفع الشر، كما يظهر منها أيضا أن أصل النجوم أعني التأثير الثبوتي و الإثباتي حق لكنه لا يمكن للناس معرفته لسعة دائرته، و العلم بشي‌ء من الكل غير نافع و قد عرفت حكم تحصيله و الاعتقاد به و الإخبار عنه.


* توب غفر التوبة و الاستغفار*

التوب و التوبة و المتاب في اللغة مصادر بمعنى الرجوع، يقال تاب إلى اللّه تعالى رجع إليه عن معصيته و في المجمع التوب و التوبة الرجوع من الذنوب و في اصطلاح أهل العلم الندم على الذنب لكونه ذنبا و في الحديث الندم توبة انتهى. و في المفردات التوب ترك الذنب على أجمل وجوه الاعتذار فان الاعتذار على ثلاثة أوجه إما أن يقول المعتذر لم أفعل، أو يقول فعلت لأجل كذا، أو فعلت و أسأت و قد قلعت و لا رابع لذلك، و هذا الأخير هو التوبة، و التوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه و الندم على ما فرط منه، و العزيمة على ترك المعاودة و تدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كمل شرائط التوبة. و التائب يقال لباذل التوبة و لقابل التوبة فالعبد تائب إلى اللّه و اللّه تائب على عبده انتهى. و الاستغفار طلب الغفران، ثم أنه ليس للتوبة معنى اصطلاحي في الشرع و الفقه، و قد وقعت بمعناها اللغوي موردا للحكم في الشريعة و محلا للبحث في الفقه، و الظاهر ان المراد بها هو الندم قلبا سواء قارن الاستغفار لفظا أم لا، مع اعتبار كونه لأجل إدراكه قبح عصيان اللّه و مخالفته، لا الندم لأجل أمور أخر، كما في قوله تعالى‌ (فَأَصْبَحَ مِنَ اَلنََّادِمِينَ) و قد يقال ان التوبة الإقلاع من الذنب قلبا و الاستغفار طلب الغفران لسانا.

و كيف كان فالحكم المترتب على التوبة هو الوجوب، فلا إشكال و لا خلاف في وجوبها على من صدر عنه المعصية، بل و فوريتها بمجرد ذلك، بل ذكروا انها تجب فورا ففورا، و معناه تعلق الطلب بها على نحوه تعدد المطلوب، كبعض الواجبات العبادية و غيرها، نظير صلاة الآيات، و ازالة النجاسة عن المساجد، و المشاهد المشرفة إذا استلزم الهتك مهما بقيت، و أداء الدين الحال مع طلب صاحبه و نحوها، و لأجل ذلك ذكروا انه لو ارتكب أحد المعصية و أخّر توبتها تحقق عنوان الإصرار.

* يمم التيمم*

يممه في اللغة قصده و تيمم الأمر توخاه و تعمده، و تيمم المريض مسح وجهه و يديه بالتراب، و تيمم للصلاة فعل ذلك لصلاته، و في المجمع قوله تعالى‌ (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) * أي اقصدوا الصعيد الطيب يقال يممته إذا قصدته، ثم كثر استعمالهم هذه اللفظة حتى‌


صار التيمم مسح الجبهة و اليدين بالتراب فالتيمم في اللغة القصد و في الشرع المسح المزبور لاستباحة ما هو مشروط به تقربا إلى اللّه انتهى.

و في النهاية: أصله في اللغة القصد ثم كثر الاستعمال حتى صار التيمم اسما علما لمسح الوجه و اليدين بالتراب انتهى. و لعل التسمية بذلك مأخوذة من قوله تعالى‌ (فَلَمْ تَجِدُوا مََاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) * حيث إن اللّه تعالى استعمال هذه الكلمة في مقام الأمر به و جعلها في متعلق الطلب عند إرادته ثم استعمل فيه على نحو إطلاق السبب على المسبب.

و كيف كان التيمم في الاصطلاح عبارة عن إحدى الطهارات الثلاث المجعولة مقدمة لغايات معينة، و هي طهارة ترابية واقعة في المرتبة المتأخرة عن الطهارة المائية أعني الوضوء و الغسل و حقيقته كما أشار إليها في المجمع، عبادة خاصة و مقدمة عملية مخترعة من قبل الشارع، محتاجة إلى نية التقرب، مطلوبة للغير بقيد عباديتها كالقسمين الآخرين، نعم هنا كلام في أن المقدمة نفس الأعمال البدنية أو الحالة الحاصلة للنفس المسببة عنها، مذكور في باب الوضوء، و عمدة البحث هنا في بيان المعنى المصطلح و أجزائه و شرائطه و مسوغاته و ما يصح التيمم به من الأرض و في أحكامه المترتبة عليه.

أما الأول: فالذي ذكروه في التيمم انه يجب أولا ضرب باطن اليدين معا دفعة على الأرض ثم مسح الجبهة بتمامها و الجبينين بهما من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى و إلى الحاجبين بتمام الكف على نحو مسح المجموع بالمجموع، ثم مسح تمام ظاهر الكف اليمنى بباطن اليسرى، ثم مسح تمام ظاهر اليسرى بباطن اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع، هذا أصل العمل و لكنّ في عدد أعضائه اختلافا فقيل انها أربعة، ضربة باليدين، و مسحة الجبهة، و مسحة لكل واحدة من اليدين، و قيل خمسة، بتكرير الضربة على الأرض فهو ضربتان و مسحات، و قيل سبعة، ضربة باليدين على الأرض مرة و المسحات الثلاثة، و ضربة بهما أخرى و مسح اليدين.

و ذكروا أيضا انه يشترط في التيمم نية القربة، و قصد البدلية، و المباشرة في حال الاختيار، و الموالاة العرفية، و الترتيب على الوجه المزبور، و الابتداء بالأعلى في الجبهة و اليدين، و عدم الحائل بين الماسح و الممسوح، و طهارة الماسح و الممسوح و جميع هذه‌


شروط واقعية تبطل بانتفاء كل منها المشروط.

و أما الثاني: أعني المسوغ فقد ذكروا ان المسوغ للتيمم هو العجز عن استعمال الماء، اما لعدم وجوده، أو لعدم إمكان الوصول إليه، أو للخوف عن استعماله على نفسه أو غيره من مرض أو تلف، أو لوجود الحرج في تحصيله أو في استعماله، أو لمعارضة استعماله مع واجب أهم كما إذا كان بدنه أو ثوبه نجسا و الماء لا يكفي إلاّ لأحد الأمرين، أو لضيق الوقت عن استعماله، أو لحصول مانع شرعي عنه ككونه في ظرف مغصوب، أو آنية من الذهب أو الفضة.

و أما الثالث: فظاهر أكثر الأصحاب أن ما يتمم به له مراتب ثلاث، الأولى مطلق وجه الأرض ترابا أو رملا أو مدرا أو حجرا و إن كان حجر الجص أو النورة قبل الإحراق.

الثانية الغبار مما فيه غبار من الثوب و اللبد و الفرش و غيرها، الثالثة الطين فيزيل ما لصق بالكف ثم يمسح على المحل، و الأصحاب قد اشترطوا فيما يتيمم به الطهارة، و عدم اختلاطه بما لا يجوز التيمم به، و إباحته، و إباحة مكانه، دون فضاء التيمم و مكان المتيمم، و إن كان أحوط، و الشرطان الأولان واقعيان دون الأخيرين. و مع فقد جميع المراتب يكون المكلف فاقد الطهورين يسقط عنه الأداء من الصلاة و نحوها و يجب عليه القضاء.

و أما الرابع: و هو أحكام التيمم فراجع فيها الفروع الفقهية.

* ثمر الثمر*

الثمر بالتحريك في اللغة حمل الشجر و الجمع ثمار أثمار و ثمرات، و الثمرة النسل و الولد تشبيها بثمر الشجر، و في المجمع: الثمر بالتحريك الرطب ما دام في رأس النخل فإذا قطع فهو الرطب، و يقع على كل الثمار أكلت أو لم تؤكل، كثمر الأراك و العوسج، واحدة ثمرة انتهى.

و في المفردات الثمر اسم لكل ما يتطعّم من أعمال الشجر، الواحدة ثمرة و الجمع ثمار و ثمرات، و يقال لكل نفع يصدر عن شي‌ء، ثمرته كقولك ثمرة العلم العمل الصالح. و ثمرة العمل الصالح الجنة انتهى. ـ


و كيف كان فقد وقع الثمر مورد البحث في الفقه في باب البيع، و مورد الكلام بيعه على أشجاره الذي يسمى في العرف الحاضر بالضمان، و عمدة البحث في ذلك في أمرين بيان الموضوع و أنواعه و أقسامه و بيان الحكم المترتب عليه في الشريعة.

أما الأول: فالمستفاد من كلماتهم أن المراد منه المعنى الأعم الشامل لثمار الأشجار الكبار و الصغار، كالرطب و الجوز و التوت و التفاح و المشمش و اللوز و العنب و نحوها، الشامل لثمار النباتات القائمة على سوقها، كالباذنجان و الطماطة و توت العليق و توت الأرض و البطيخ. و الشامل لحبوب الزرع كالحنطة و الشعير و الحمّص و الأرز و نحوها، و ألحقوا بذلك الخضروات التي تؤخذ لقطة و لقطات لأكل الإنسان و الحيوان، و بالجملة الجميع مورد البحث في المقام و موضوع للحكم المذكور في باب البيع.

و أما الثاني: أعني الحكم فقد ذكروا أنه لا يجوز بيع الثمار قبل وجودها و ظهورها لعام واحد بدون ضم مال آخر معين إليه، لكون البيع حينئذ غرريا، و أما بيعها قبل الوجود مع ضميمة مال معين أو بيعها لعامين أو أكثر فهو جائز و يكون ضم العام اللاحق على الثاني بحكم الضميمة الموجودة المعلومة. و أما بعد وجودها و ظهورها فيجوز مطلقا سواء بدا صلاحها أم لا، و سواء بيعت لعام واحد أم أكثر، و سواء ضم إليها مال آخر أم لا على اختلاف في بعض أقسامها.

ثم إنهم ذكروا أنه يختلف بدو الصلاح في كل ثمر بحسب حاله كالاحمرار و الاصفرار في التمر، و انعقاد الثمر في بعض أنواعها، و خروجها عن الأكمام أو تناثر أورادها في البعض الآخر، و الأولى أن يكون المراد بالبدو الملحوظ بعد وجود الثمر و ظهوره، وصوله إلى حد يمكن الانتفاع به في جهته المقصودة و لو في حدها الأقل.

و ذكروا أيضا أنه لا يجوز بيع التمر على النخيل بالتمر مطلقا، سواء أ كان من تمرها أو تمر غيرها على النخيل أو على الأرض، و سموه ببيع المزابنة، و في إلحاق بيع كل ثمر على شجره بالنخيل إشكال، كالإشكال في بيع الحبوب على زروعها بنوعها المماثل كان على زروعه أو كان حصيدا أو مصفى و يسمى بالمحاقلة، و قد أشرنا إليه إجمالا تحت عنوان البيع.


* جبب الجبّ*

الجبّ في اللغة القطع يقال جبّ الشي‌ء يجبّه من باب قتل قطعه، و في النهاية إن الإسلام يجب ما قبله و التوبة تجب ما قبلها أي يقطعان و يمحوان ما كان قبلهما من الكفر و المعاصي و الذنوب انتهى، و في المفردات و الجب قطع الشي‌ء من أصله. و معنى مجبوب مقطوع الذكر من أصله انتهى.

و الظاهر انه ليس له مصطلح خاص في الشرع و الفقه و قد وقع موضوعا لأحكام كثيرة هامة و محللا للبحث في الفقه، و عمدة البحث فيه تدور حول المفهوم من الخبر الوارد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و نقله الفريقان بطرق متعددة يمكن دعوى تواترها و لو إجمالا، متقاربة الألفاظ و المعاني الكاشفة كشفا مّا عن وحدة الحكم و الملاك، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله: الإسلام يجب ما قبله، أو أن الإسلام يهدم ما قبله أو يهدر ما قبله و نحوها، فيستفاد منها ان هنا أمرين جابّ و مجبوب و قاطع و مقطوع، أما الجابّ فهو الإسلام أي الشهادتان سواء علم تطابقهما الضمير أم لم يعلم لو قلنا بخروج ما لو علم عدم التطابق.

و أما المحبوب فيحتمل أن يكون المراد به نفس الكفر و الاعتقاد الباطني، فإنه إذا دخل الإسلام القلب خرج الكفر و انجبّ قهرا، و هذا غير مراد لكونه أمرا واضحا لا ينبغي حمل كلام النبي صلّى اللّه عليه و آله المتكرر في موارد عليه.

و يحتمل أن يكون المراد آثار الكفر الخارجية، أي نفس الحوادث الصادرة منه حاله من المحرمات و ترك الواجبات و نحوها، و نظيرتها خبائث الصفات و رذائل الأخلاق الموجودة فيه حينه، و هذا أيضا غير مراد قطعا لعدم إمكان انقلاب الشي‌ء عما وقع عليه كان من الحوادث الوجودية أو الأعدام المضافة.

و يحتمل أن يكون المراد الآثار الشرعية المترتبة على الكفر و على تلك الآثار، أو بعض الأعمال المقارنة له، و هي أمور كثيرة نظير استحقاقه العذاب في الآخرة لحالة كفره الباطنية و أعماله المحرمة الخارجية، و استحقاقه الحدود و التعزيرات الشرعية في الدنيا، و اشتغال ذمته بقضاء واجباته و كفاراتها، و كفارة المحرمات في بعض مواردها، و عروض‌


بعض الحالات على نفسه و بدنه كجنابته و سائر أحداثه الكبيرة و الصغيرة، و تنجس بدنه، و اشتغال ذمته بحقوق الناس، من القصاص، و الدية، و الديون المالية، و الحقية.

و المعاملات الصادرة منه من العقود و الإيقاعات كالبيوع، و الإجارات، و النكاح، و الطلاق، و العتق، و الإبراء، و نحوها. و الظاهر كون المراد هذا القسم في الجملة.

فيظهر منهم عدم الإشكال في شمول الجبّ لبعضها فيرتفع بمجرد الإسلام، و في عدم شموله لبعضها الآخر، و التردد في ثالث، و السر في ذلك أنه يظهر من مواضع ورود الحديث كون الحكم صادرا في مقام الامتنان على من دخل في الإسلام، و مقتضاه حينئذ حصول الجبّ و ارتفاع كل مؤاخذة أخروية على نفس الكفر و على ما عمله من المحرمات من ترك واجب أو فعل حرام، و ارتفاع الحدود الشرعية و التعزيرات، بل و قضاء الواجبات و كفاراتها و كفارة بعض المحرمات.

و وقوع الإشكال في الحكم بارتفاع جنابته و نجاسة بدنه، لكن الظاهر عدم ارتفاعها إما لعدم العلم بكون ذلك امتنانا أو أنها باقية بعد الإسلام أيضا فلا يشمله الحديث، لكن الظاهر من سيرة النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله عدم حكمه باغتسال من أسلم من جنابته و ما أشبه ذلك من أسباب الأحداث و الأخباث، كما ان الظاهر عدم شمول الجب لما صدر منه من عقوده و إيقاعاته، لأن الحكم ببطلانها و ارتفاع آثارها و خروج ما اشتراه من الأموال مثلا عن ملكه أو بطلان عقد زوجته خلاف الامتنان بل يكون ذلك مؤاخذة مترتبة على إسلامه.

و كذا لا يشمل جناياته العمدية و الخطائية التي أوردها على المسلم حال كفره، و إن كان ذلك امتنانا عليه لأنه خلاف الامتنان على المجني عليه المسلم، نعم لو كان قتل كافرا عمدا أو خطأ أو أتلف أمواله شمله الدليل و اقتضى الامتنان سقوط القصاص و الدية من غير معارضة.

تنبيه:

استدلّ على قاعدة الجب المذكورة بقوله تعالى‌ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال 38) و قوله صلّى اللّه عليه و آله: الإسلام يجب ما قبله، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: أ ما علمت أن‌


الإسلام يهدم ما قبله و أن الهجرة تهدم ما كان قبلها و أن الحج يهدم ما قبله، (صحيح مسلم) ، و قول الباقر عليه السلام: من أدرك الإسلام و تاب مما كان عمله في الجاهلية وضع اللّه عنه ما سلف (مجمع البيان) و قوله صلّى اللّه عليه و آله اهد الإسلام ما كان في الجاهلية، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية (صحاح) ، و غيرها مما يطلب من المطولات.

* جبب الجبيرة*

الجبيرة في اللغة من الجبر أي إصلاح العظم من الكسر، يقال جبر يجبر العظم من باب قتل أصلحه من الكسر، و الجبيرة العيدان و الخرق التي تجبر بها العظام و الجمع جبائر. و في المجمع و منه الجبيرة على فعيلة واحدة الجبائر و هي عيدان يجبر بها العظام انتهى.

و قد كثر و اشتهر في الفقه في باب الوضوء و الغسل استعمال الجبيرة في الألواح الموضوعة على الكسر و الخرق و الأدوية الموضوعة على الجروح و القروح و الدماميل، و بيّنوا ان حكم الجبيرة الموضوعة على محال الوضوء و الغسل هو المسح عليها مطلقا، كانت على موضع الغسل أو موضع المسح إلاّ ما استثنى، و قسموها إلى أقسام فإن الجرح و نحوه أما مكشوف أو مجبور و على التقديرين أما في موضع الغسل أو في موضع المسح و أيضا إما على بعض العضو أو تمامه أو تمام الأعضاء، ثم إنه أما ان يمكن غسل المحل أو مسحه أو لا يمكن، و قد تعرضوا في الفقه لبيان حكم الأقسام غسلا أو مسحا بدلا عن الغسل، أو مسحا بدلا عن المسح، و فرّعوا عليها فروعا تطلب من باب الوضوء.

ثم إنهم فصلوا بين مسح الجبيرة على محل الغسل و مسحها على محل المسح بوجوه:

منها: انه ينوي في الأول بدليته عن الغسل و في الثاني بدليته عن المسح.

و منها: انه يتعين في الثاني كون المسح بالرطوبة الباقية في الكف بالكف و يجوز في الأول بأي ماء كان و بأي شي‌ء كان.

و منها: انه يتعين في الأول استيعاب المحل و يكفي في الثاني المسمى.

و منها: انه يجب في الأول مراعاة الأعلى فالأعلى دون الثاني إلى غير ذلك.


* جدي الجدي*

الجدي بالفتح و السكون في اللغة ولد المعز الذكور في سنة الولادة، و الأنثى عناق و هو عند المنجمين اسم عدة نجوم في الفلك يتشكل منها للناظر هيئة الجدي نائما على بطنه و رأسه نحو المغرب و ذنبه نحو المشرق و ظهره إلى الجنوب و له يد واحدة نحو الشمال، و هو عندهم البرج العاشر من البروج الفلكية الاثني عشر، و يطلق الجدي أيضا على نجم خاص واقع فيما يقرب من نقطة القطب الشمالي من المنظومة الشمسية التي كرة الأرض جزء منها و لا سير له محسوس. و في المجمع الجدي: بالفتح فالسكون نجم إلى جنب القطب تعرف به القبلة و يقال له جدي الفرقد و قيل هو الجدي مصغرا و الأول أعرف. و المنجمون يسمونه الجدي على لفظ التصغير فرقا بينه و بين البرج و الجدي أيضا من أولاد المعز انتهى.

و كيف كان فقد وقع الجدي بمعنى النجم الخاص موردا للحكم في الشريعة و وقع البحث عنه في الفقه في باب القبلة، فذكروا انه من علائم القبلة لأهل بعض البلدان كأوساط العراق و ما يليهم، فإذا جعلوه خلف المنكب الأيمن حصل لهم التوجه إلى القبلة. و إذا جعله أهل الموصل بين الكتفين و أهل الشام خلف الكتف الأيسر و أهل عدن بين العينين و أهل صنعاء على الاذن اليمنى، و في الحبشة و النوبة على صفحة الخد الأيسر، حصل لهم التوجه إلى القبلة.

تنبيه:

ورد في الجدي نصوص بعضها مخدوش دلالة بعضها سندا فلا يكون علامة إلاّ في الجملة كموثق محمد بن مسلم، سألته عن القبلة فقال ضع الجدي في قفاك وصل و هذا لا يمكن الأخذ بإطلاقه، فليحمل على محل السائل و هو الكوفة أو المسئول و هو المدينة، و منه يعلم حكم الباقي و مرسل صدوق قيل للصادق عليه السلام: إني أكون في السفر لا أهتدي إلى القبلة بالليل فقال أ تعرف الكوكب الذي يقال له الجدي قلت نعم قال اجعله على يمينك و إذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك، و ما رواه العياشي في قوله تعالى‌ (وَ عَلاََمََاتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) قال صلّى اللّه عليه و آله هو الجدي لأنه نجم لا يزول و عليه بناء القبلة و به يهتدى أهل البر و البحر (الوسائل ج 4 أبواب القبلة ب 5) .


* جرد الجريدة*

الجريدة في اللغة قضيب النخل المجردة عن خوصها، و في المجمع ان الجريد سعف النخل بلغة أهل الحجاز الواحدة جريدة فعيلة بمعنى مفعولة سميت بذلك لتجريد خوصها عنها، و ذكر الأصحاب في الفقه الجريدتين و جعلوها من سنن تجهيز الميت عند الشيعة، و أرادوا بهما عودين رطبين يقرب طوله من عظم ذراع الميت أو قدر شبر و في العرض كلما كان أغلظ كان أحسن، يوضع معه كيف اتفق من غير فرق في الميت بين الكبير و الصغير و الذكر و الأنثى و المحسن و المسي‌ء و استحبابهما مما انفردت به الشيعة و صرحت به نصوص أهل البيت، و أن الميت يتجافى عنه العذاب و الحساب ما دام العود رطبا فإن الحساب و العذاب كله في يوم واحد و ساعة واحدة قدر ما يدخل في القبر و يرجع القوم، و إنما جعلت السعفتان لذلك فلا يصيبه عذاب و لا حساب بعد جفوفهما إن شاء اللّه، و انّ الجريدة تنفع المؤمن و الكافر و المحسن و المسي‌ء و أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: خضّروا أصحابكم فما أقل المخضّرين يوم القيامة، و التخضير وضع جريدة خضيرة مع الميت (الوسائل، ج 1، أبواب التكفين، ب 7) .

* جعل الجعالة*

الجعل بالفتح في اللغة الخلق و الصنع، و الجعل بالضم و الجعالة بتثليث الجيم أجر العامل، و ما يعطى للمحارب إذا حارب، و قد جاء الجعل و الجعالة في الحديث، و في المجمع الجعل بالضم و الجعالة بالفتح و الكسر في اللغة ما يجعل للإنسان على عمله، و شرعا على ما قرّره الفقهاء و أهل العلم، و صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم في العمل و العوض، و الجمع الجعالات و الجعائل انتهى.

و كيف كان فيمكن ان يعرّف الجعالة في اصطلاح الفقهاء بأنها إنشاء الالتزام بعوض معلوم على عمل محلّل مقصود، كقوله: من ردّ مركبي أو خاط ثوبي فله مائة درهم، أو يقول لزيد: ان خطت ثوبي فلك كذا، و يقال للملتزم الجاعل و لمن يعمل العامل و للعوض‌


الجعل و الجعيلة، و هل هي عقد يحتاج إلى الإيجاب و القبول أو إيقاع لا يحتاج إلى القبول وجهان: أقواهما الثاني.

و قد فرعوا على العنوان فروعا تبيعن حاله موضوعا و حكما، نظير انه تفترق الجعالة عن الإجارة بأن الإجارة عقد يملك المستأجر بمجرد تمامه الفعل على الأجير و يملك هو الأجرة على المستأجر، و هذا بخلاف الجعالة فإنه إيقاع محض لا يؤثر في ملك و استحقاق إلاّ بعد العمل، فيملك العامل الجعل على الجاعل بعده.

و انه لا تصح الجعالة على العمل المحرم في الشريعة كقتل مؤمن أو إتلاف ماله، و العمل اللغو عند العقلاء كالصعود إلى شاهق أو وثبة من موضع إلى آخر، فيما إذا لم يكن فيه غرض عقلائي. و انه يعتبر في الجاعل أهلية الالتزام و التصرف المالي و لا يعتبر في العامل إلا القدرة على العمل فأي صبي أو مجنون أو محجور عمله استحق الجعل. و انه لا يعتبر فيها تعيين حدود العمل و لا تضرّ الجهالة فيه و يعتبر تعيين الجعل جنسا و نوعا و وصفا كيلا أو وزنا أو عدّا. نعم يصح ان يجعل الجعل كسرا مشاعا من المردود كقوله: من ردّ فرسي فله خمسة أو من المبيع كقوله: من باع فرشي فله عشر ثمنه.

* جلل الجلل*

في المجمع: الجلة بالفتح البعرة و تطلق على العذرة، و الجلال من الحيوان بتشديد اللام الأولى، التي تكون غذاءها عذرة الإنسان محضا.

و المصطلح عليه في الفقه اعتياد الحيوان المأكول اللحم بأكل عذرة الإنسان بحيث تكون غذاءها محضا، و الحكم المترتب على الجلل في الشريعة سببيته لحرمة أكل لحمه، و انقلابه من عنوان المأكول إلى المحرّم بالعرض، و وقع البحث عنه من هذه الجهة في باب الأطعمة، و من جهة انه يترتب عليه نجاسة بوله و ورثة في باب النجاسات، و من جهة كون استبرائه سببا لحليته و طهارة بوله و روثه لرجوعه إلى أصله في باب المطهرات. و ذكر الأصحاب في المقام انه لا يتحقق الجلل إلاّ بالاعتياد بعذرة الإنسان، و لا يلحق بها عذرة غيره، و لا


سائر النجاسات، و انه يشترط في تحققه تغذيه بها مدة معتدا بها لا يوما أو يومين، و انه يعم حكم الجلل كل حيوان محلل حتى الطير و السمك، و انه إذا صار الحيوان بالجلل غير مأكول اللحم ترتب عليه جميع آثاره، من حرمة لبنه و بيضه و أولاده، و ان الجلل لا يكون مانعا عن التذكية، فيترتب على تذكيته طهارة لحمه و جلده كالمحرم بالأصل، و بقي هنا بيان كيفية استبرائه و هي مذكورة في باب المطهرات فإنه من أقسامها.

* جمع وطأ الجماع و الوطء*

الجماع في اللغة مصدر جامع بمعنى الاجتماع، و الجماع مجامعة الذكر من الحيوان مع أنثاه، و بهذا الاعتبار عرفوه بأنه إيلاج الذكر في القبل أو الدبر بإدخال الحشفة أو مطلقا، تحقق الإنزال أو لم يتحقق، بالغا كان الواطئ و الموطوء أو غير بالغ، عاقلا أو غير عاقل، مختارا أو مضطرا، حيا أو ميتا، و ينسب فيه العمل إلى الطرفين فإنه ذو إضافتين، و الواطئ و الموطوء متضايفان، و التعبير عن جماع الإنسان أحيانا بالتقاء الختانين مختص بجماع الرجل في قبل المرأة، و ليس للّفظ حقيقة شرعية و لا اصطلاح فقهي خاص، لكن قد وقع البحث عن خصوص جماع الإنسان في الفقه في أبواب مختلفة و رتب عليه أحكام خاصة من وضع و تكليف، منها سببيته للجنابة للواطئ و الموطوء إذا كانا إنسانين و مع كون أحدهما إنسانا خلاف إذا لم يحصل الإنزال و قد وقع التعرض للمطلب تحت عنوان الجنابة.

الثاني: كونه سببا لاستقرار تمام المهر المسمى في العقد على الزوج فإذا جامعها بعد العقد بما يصدق معه عنوانه استقر عليه المسمى جميعا كان ذلك قبل تسليم المهر إليها كلا أو بعضا أو بعده، و هذا هو المشهور بين الأصحاب بل قد ادعى عليه في الجواهر الإجماع بقسميه.

الثالث: ثبوت مهر المثل بذلك على عهدته فيما إذا تزوجها بدون المهر، أو بشرط عدمه، أو مع بطلان المسمى، فيثبت عليه بالجماع مهر أمثالها، و الظاهر عدم الخلاف بينهم في ذلك و ادعى في الجواهر (ج 31 ص 51) الإجماع عليه بقسميه. ـ


الرابع: شرطية وقوعه في عقد لصحة عقد آخر فإذا طلّق زوجته ثلاثا ثم تزوجها المحلّل فإن جامعها حلت بعد طلاقها للزوج الأول و إلاّ لم تحل، و الظاهر ان موضوع الحكم في هذه المسألة أخص من مطلق الجماع بل اللازم كون الجماع في قبلها دون الدبر، بل يشترط الإنزال أيضا كما هو ظاهرهم و ظاهر النصوص، حيث عبر فيها بلزوم أن يذوق عسيلتها و تذوق عسيلته، و هو كناية عن التذاذه بالإنزال و التذاذها به.

الخامس: ثبوت الحد بذلك على الواطئ و الموطوء فيما إذا كان ذلك بعنوان الزنا أو اللواط، أما الزنا فقد ذكروا ان الموجب للحد فيه إيلاج الذكر بنحو غيبوبة الحشفة في الفرج المحرم مع البلوغ و العقل و العلم و الاختيار بشرائط خاصة و قيود مذكورة في بابه، و أما اللواط فذكروا فيه أيضا ان السبب للحد فيه وطء الذكران بإيقاب و يتحقق السبب هنا بدخول بعض الحشفة أيضا و التفصيل فيه تحت عنوان اللواط.

السادس: سببيته في حصول الحرمة الأبدية بالنسبة لبنت الزوجة، فإذا عقد الرجل على امرأة حرمت عليه بنتها جمعا، و له طلاقها ما لم يدخل بها و تزويج بنتها و إذا تحقق الدخول بها حرمت بنتها مؤبدا، و الحكم مورد اتفاق لقوله تعالى‌ (مِنْ نِسََائِكُمُ اَللاََّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) .

السابع: سببيته لصحة عقد النكاح و ثبوت ملك المرأة المعقودة عليها للمهر، فيما إذا عقد على امرأة دواما في مرضه الذي مات فيه، فإنه لو دخل بها في الفرض صح النكاح و استحقت تمام المهر و ورثت منه بعد موته في مرضه ذلك، بخلاف ما إذا لم يدخل بها فإنه يبطل العقد بالموت و لا تستحق من المهر شيئا كما لا تستحق الإرث، و تعليق صحة العقد هنا بالدخول على نحو الكشف فإذا تحقق الدخول كشف عن صحته من حين وقوعه، و إذا حصل الموت قبله كشف عن بطلانه كذلك، و على أي فلا يترتب مع فرض الموت على العقد الواقع شي‌ء من الآثار الشرعية فلا عدة عليها بعد موته و لا ميراث له منها لو ماتت قبل موته بل لها التزويج بولد الميت أو أبيه و هكذا راجع الجواهر (ج 39 ص 220) .

الثامن: حرمة تأخيره عن أكثر من أربعة أشهر بالنسبة للزوجة الدائمة الشابة، و مبدأ


المدة من حين العقد أو الوطء السابق، فالوجوب يحدث بمجرد انقضاء تلك المدة و يبقى فورا ففورا، و يحرم الترك كذلك إلى أن يأتي به، لا الوجوب في كل أربعة أشهر، بمعنى أن لكل أربعة أشهر جماعا في أيّ وقت منها حصل و إن وقع ما لهذه الأربعة في أولها و ما لتلك في وسطها أو آخرها، و لا يجري هذا الحكم في المنقطعة و لا فيمن شرط معها الترك في ضمن العقد، و لا في المريض و المريضة.

التاسع: كونه من محرمات الإحرام فلو واقع حاله رتب عليه أحكام تكليفية و وضعية مختلفة حسب اختلاف وقت الوقوع، فإنه إن تحقق من المحرم قبل الوقوف بالمشعر استحق العقاب و كان سببا لكفارة بدنة و بطلان الحج و لزومه من قابل، و إن تحقق بعد وقوف المشعر فالفعل حرام تكليفا و يجب عليه الكفارة ببدنة و لا يفسد حجه، و إن تحقق في إحرام العمرة قبل السعي كان حراما و سببا لكفارة بدنة و فساد العمرة و وجوب قضائها.

العاشر: تأثيره في ثبوت الحد الكامل أي الرجم فيما إذا زنى الرجل المتزوج، فإن الرّجم ثبوتا و سقوطا في المقام يدور مدار دخوله بزوجته و عدمه، فيرجم ان دخل و يجلد ان لم يدخل، و هو المسمى مملكا، و كذلك الحال في الزوجة التي لها زوج فإنها إن زنت قبل أن يدخل بها زوجها جلدت و إن زنت بعده رجمت.

الحادي عشر: كونه سببا لإلحاق الولد بالزوج شرعا و ترتب جميع آثاره و عدم جواز نفي الزوج له عن نفسه و إن لم ينزل.

الثاني عشر: سببيته لثبوت المهر المسمى في العقد على الزوج فيما لو عقد على امرأة ثم فسخه بأحد العيوب المجوزة للفسخ، فإنه إذا فسخه قبل الدخول لا يترتب عليه شي‌ء و لو فسخه بعده لزمه تمام المسمى، و كذا لو فسخت عقدها بأحد عيوبه فإن كان قبل الدخول فلا شي‌ء لها و إن كان بعده استحقت تمام المسمى.

الثالث عشر: تأثيره في حرمة المرأتين عليه أمّ و بنت، فيما إذا كان كافرا فتزوج اما و بنتا ثم أسلم فإنه إن كان دخل بهما قبل الإسلام حرمتا عليه أبدا، و ان لم يدخل بهما بطل عقد الام و حلت البنت، و ليس الأمر كذلك فيما لو تزوج أختين فأسلم فإنه يتخير بينهما و إن دخل بهما.


الرابع عشر: تأثيره في الحرمة الأبدية فيما لو عقد على المرأة المعتدة أو على ذات البعل جاهلا بالحكم أو الموضوع أو كليهما فإن كان دخل حرمت عليه أبدا و إلاّ جاز له تجديد العقد عليهما بعد زوال المانع.

الخامس عشر: وقوع الاختلاف في حلية بعض مصاديقه و حرمته و هو وطء الزوجة دبرا و لا سيما فيما إذا لم ترض بذلك، فالمشهور بين الأصحاب الجواز و ذهب بعضهم إلى الحرمة و ثالث إلى الكراهة الشديدة.

السادس عشر: حرمته التكليفية بالنسبة للدخول بالزوجة الصغيرة فإنه محرّم في الشريعة و إن رضيت بذلك، أو رضى به وليها، و الظاهر أنه لا يترتب عليه غير العصيان، و أما كون ذلك سببا لترتب أحكام كثيرة شديدة فيما إذا إنجرّ ذلك إلى إفضائها بجعل مسلك حيضها و بولها أو حيضها و غائطها، أو جميع المسالك الثلاثة واحدة، فهو أمر أخر فإنّ تلك الأحكام مترتبة على الإفضاء المسبب عن الدخول و الأنسب لبيانها عنوان الإفضاء فراجع.

السابع عشر: حرمته تكليفا حرمة عرضية إذا ارتكبه الرجل مع زوجته حال حيضها.

الثامن عشر: حرمته كذلك إذا جامعها حال نفاسها.

التاسع عشر: حرمته تكليفا إذا وقع حال صومه الواجب المعين أو حال صومها الواجب كذلك.

العشرون: حرمته مع نذره تركه أو عهدة ذلك أو يمينه عليه، و كذا مع نذرها أو عهدها أو يمينها، إذا اجتمع شروطها و سببيته للكفارة أيضا في الجميع.

الواحد و العشرون: حرمته كذلك إذا وقع الترك شرطا في ضمن عقد لازم أو كان الفعل مقدمة لحرام.

الثاني و العشرون: وقوعه مورد البحث من حيث الحكم فيما إذا اتصف بعنوان الشبهة و عرفوها بأنه الجماع و الوطء الواقع على غير الحق واقعا و الحلية ظاهرا، لجهل المرتكب له‌


و معذوريته في جهله، كان الجهل بالموضوع كما إذا اشتبهت الأجنبية بالزوجة، أو اعتقد انقضاء زمان العدة، أو أخبرت بذلك أو بعدم الزوج لها فظهر الخلاف، أو و كلّ لإجراء العقد فنسي الوكيل و هكذا، أو بالحكم كما إذا اعتقد جواز العقد بغير العربية، أو نكاح المشركة أو الكتابية، أو العقد على البكر بدون إذن أبيها مع تحريم مجتهده ذلك و هكذا.

الثالث و العشرون: حرمته مع غير الإنسان كوطء الحيوان، فإن كان الموطوء مما يؤكل لحمه كالشاة و البقر ترتبت عليه أمور، وجوب التوبة فورا، و لزوم تعزيره على الحاكم إذا ثبت عنده، و صيرورة الحيوان غير مأكول اللحم بالعرض فيحرم لحمه و لحم نسله، و بيضه، و لبنه، و وجوب ذبحه ثم إحراقه، و تغريم الواطئ قيمته لصاحبه إن لم يكن له، و إن كان مما يراد ركوبه أو الحمل عليه كالحمار و الفرس و البغل أغرم الواطئ قيمته إن لم يكن له و أخرج من المحل و بيع في بلد آخر و اعطى الثمن للواطئ.

* جنب الجنابة*

مادة جنب في اللغة لمعان يقال جنب الشي‌ء دفعه و نحّاه، و جنب الشي‌ء قاده إلى جنبه، و جنب الرجل يجنب بتثليث العين جنابة تنجس، و الجنب القريب و البعيد، و الذي أصابه الجنابة أي النجاسة و يستوي في الواحد و الكثير و المذكر و المؤنث و أطلق عليه الجنب لأنه نهى عن مواضع العبادة. و في الجواهر هي في اللغة كما قيل البعد و شرعا ما يوجب البعد عن أحكام الطاهرين من الإنزال أو الجماع الموجب للغسل و لعل الأقوى ثبوت النقل الشرعي فيها للحالة المترتبة على السببين انتهى (ج 3 ص 3) .

و الجنابة في اصطلاح الشرع و المتشرّعة صفة قذارة تحصل للنفس و حالة رجاسة تعرض عليها من أسباب خاصة، فهي من الأعراض النفسانية المتأصلة كشف عنها الشارع و حكم بها عند طرو أسبابها، و لعله لذلك نهى عن الدخول في الأمكنة المتبركة كالمساجد و المشاهد، و الاشتغال ببعض الأعمال الشريفة كالصلاة و الصيام، و المساس ببعض الأعيان المباركة كالمصحف الشريف، و قد يقال إن الجنابة وصف اعتباري غير


متأصل اعتبره الشارع عند صدور بعض الأعمال من الإنسان.

ثم إنهم ذكروا في الفقه أن السبب الموجب لها أمران أحدهما خروج المني عن الإنسان كان بإرادة منه أو بدونها، في حال نومه أو يقظته، قليلا و لو بمقدار رأس إبرة أو كثيرا، بالوطء أو بدونه، بشهوة أو بغير شهوة، واجدا لأوصاف المني أو فاقدا لها، بعد العلم بكونه منيا، من المخرج المعتاد للرجل و المرأة أو من غيره، بشرط خروجه إلى خارج البدن.

ثانيهما: دخول الذكر و لو بمقدار الحشفة منه في القبل و الدبر، فتحصل الجنابة للواطئ و الموطوء، للرجل و المرأة، و الصغير و الكبير، و الحي و الميت، و المختار و المضطر، في النوم و اليقظة، حتى لو أدخلت حشفة الرضيع أو الميت في فرجها أجنبت و اجنبا على إشكال في الميت، و في حصولها بنكاح البهائم بغير إنزال إشكال أحوط ذلك.

و ذكروا أيضا أن الجنابة موضوع لأحكام كثيرة تكليفية و وضعية، أو لها انه يستحب للجنب الاغتسال بعروض الجنابة و هذا الغسل مستحب نفسي مطلوب فورا ففورا، و يستحب أيضا مقدمة لعدة غايات مندوبة، كالنوافل و الأدعية و الأذكار المندوبة.

ثانيها انه يجب عليه الاغتسال وجوبا غيريّا مقدميا لعدة غايات واجبة تتوقف عليه، و ذكروا أنها أمور الأول: الصلاة الواجبة أداء أو قضاء و كذا أجزاءها المنسية و صلاة الاحتياط، عدا صلاة الميت، الثاني الطواف الواجب فيبطل من الجنب و لو لم يحرم عليه دخول المسجد لجهل أو نسيان و أما المندوب فلا يتوقف عليه و إن حرم عليه دخول المسجد، الثالث صوم شهر رمضان و قضاؤه فيبطلان إذا أصبح جنبا متعمدا أو ناسيا للجنابة، و أما سائر الصيام الواجبة و المندوبة فلا يتوقف عليه و لا تبطل بالإصباح جنبا.

ثالثها: أنه يحرم على الجنب حال الجنابة أمور الأول مس خط المصحف الشريف، و مس اسم اللّه تعالى و سائر أسمائه و صفاته المختصة به، و مس أسماء الأنبياء و الأئمة على الأحوط، الثاني دخول المسجد الحرام و مسجد النبي و إن كان بنحو المرور، الثالث المكث في سائر المساجد بل الدخول لا بنحو المرور، و أما الدخول من باب و الخروج من آخر فهو


مورد الاختلاف و المشهور الجواز، الرابع دخول مشاهد المعصومين عليهم السلام أو المكث فيها على الاختلاف و الاحتياط. الخامس دخول المساجد بقصد وضع شي‌ء فيها. السادس قراءة سورة العزائم الأربع و هي اقرأ و النجم و الم التنزيل و حم السجدة أو قراءة خصوص آيات السجدة منها على الخلاف بينهم، و أما كيفية هذا الغسل فهي مذكورة تحت عنوان الغسل لعدم اختصاصها بغسل الجنابة.

رابعها: نجاسة عرقه إذا كان جنبا من حرام و هذا الحكم مشهور بين القدماء من أصحابنا و المشهور بين المتأخرين الطهارة.

خامسها: مانعية عرقه من الصلاة إذا كانت الجنابة من حرام و إن لم يكن نجسا فهو كأجزاء غير المأكول و نحوها ما دام لم يجف.

* جنن الجنين*

-جنين الإنسان و الحيوان جنّ الشي‌ء و على الشي‌ء جنّا و جنونا في اللغة ستره، و جنّ مجهولا زال عقله، و الجنين المستور من كل شي‌ء، و المقبور، و الولد ما دام في الرحم، و الجمع أجنة و جنن، و في المفردات: أصل الجنّ ستر الشي‌ء عن الحاسة يقال جنّه الليل و أجنّة ستره و الجنين الولد ما دام في بطن أمه و جمعه أجنّة و ذلك فعيل في معنى مفعول، و الجنين القبر و ذلك فعيل بمعنى فاعل انتهى.

و كيف كان فجنين الإنسان بمعنى الولد في بطن أمه مذكور في اصطلاح الفقهاء مبحوث عنه في كتبهم الفقهية، و قد رتب عليه في الشريعة أحكام كثيرة من تكليف أو وضع من ابتداء تكونه في الرحم و انعقاد نطفته إلى حين الولادة، بل قد أشاروا في المقام إلى حكم النطفة قبل الانعقاد أيضا من حيث جواز عزلها عن المرأة الدائمة فضلا عن غيرها، مع إذنها و رضاها أو بدونه، لا سيما في العقيم و اليائسة و السليطة و البذية و التي لا ترضع ولدها و فيما إذا لم يرد الولد لجهة شرعية أو عقلية.

ثم إنهم ذكروا أن للنطفة الواقعة في الرحم مراحل في النمو و حالات في التكامل حتى‌


يكون إنسانا تاما في الخلقة ثم يتولد، و أن الشارع قد حكم بحرمة إتلافها و إسقاطها بعد انعقادها إنسانا في آية حالة كانت، حلالا كان الفعل أو حراما حتى ولد الزنا من المسلم، و أن دية إسقاطها بعد كونها نطفة مستقرة في الرحم عشرون دينارا، و دية إسقاطها بعد كونها علقة أربعون دينارا، و بعد كونها مضغة ستون دينارا، و بعد كونها عظما و لم يكتس لحما ثمانون دينارا، و إذا اكتسى اللحم و تمت خلقته مائة دينار، و إذا ولج فيه الروح و أنشأ خلقا آخر، دية كاملة ألف دينار، من دون فرق بين كون المسقط أبا أو أما أو غيرهما، و أن مدة الكفارة الأولى من حين الانعقاد إلى أن يعلم صيرورتها علقة، و مدة الثانية من ذلك الحين إلى أن تصير مضغة و هكذا.

و أنه لا كفارة على الجاني في الجنين قبل و لوج الروح، و ان عليه كفارة القتل مضافا إلى الدية الكاملة بعد و لوج الروح، و أنه لو مات الجنين في بطن الحامل و خيف عليها وجب إخراجه بالأرفق فالأرفق و لو بتقطيعه و المباشر الزوج إن أمكن و إلاّ فالنساء و إلاّ فالأجانب. و انه لو ماتت و كان الجنين حيا وجب شق بطنها كيفما تيسر و الجانب الأيسر أيسر و إخراج الطفل ثم خياطة بطنها، و انه لا فرق فيه بين رجاء بقاء الطفل و عدمه. و أما الجنين الحيوان فقد تعرض الأصحاب له في باب الذباحة من جهة ان عمدة منافعه اللحم و الجلد فراجع عنوان الذباحة.

* جهد الجهاد*

الجهاد في اللغة بذل الوسع يقال جاهد يجاهد مجاهدة و جهادا بذل وسعه، و جاهد العدو قاتله، و في المجمع الجهاد مصدر من جاهد، و شرعا بذل المال و النفس لإعلاء كلمة الإسلام انتهى. و في المفردات الجهاد و المجاهدة استفراغ الوسع في مدافعة العدو، و الجهاد ثلاثة أضرب مجاهدة العدو الظاهر و مجاهدة الشيطان، و مجاهدة النفس و تدخل ثلاثتها في قوله تعالى‌ (وَ جََاهِدُوا فِي اَللََّهِ حَقَّ جِهََادِهِ) انتهى.

و كيف كان فالجهاد في مصطلح الفقهاء، بذل النفس و المال في البدأة بقتال طوائف‌


ثلاثة من الأعداء، الأولى الحربيون من الكفار كانوا مشركين أو من أهل الكتاب الذين لم يلتزموا بالذمام و شروطه، الثانية البغاة على الإمام المعصوم أو من نصبه عموما أو خصوصا. الثالثة أهل الذمة إذا أخلّوا بشرائطها، و على هذا فالأصل في المعنى الاصطلاحي له هو القتال الابتدائي على الإسلام، و أما دفع من يريد قتل النفوس أو سبي الحريم أو أخذ الأموال فهو قتال دفاعي و ليس جهادا اصطلاحيا، و لذا ذكروه في كتاب الحدود.

ثم إن الجهاد المصطلح موضوع خاص رتب عليه في الشرع أحكام كثيرة من تكليف و وضع بل قد تواترت النصوص على أنه واجب كفائي من أعظم الواجبات الشرعية و أنه ذروة سنام الإسلام، و رابع أركان الإيمان، و باب من أبواب الجنة، و أفضل الأشياء بعد الفرائض، و سياحة أمة محمد صلّى اللّه عليه و آله التي قد جعل اللّه عزّها في سنابك خيلها و مراكز رماحها.

ثم إن الأصحاب قد ذكروا في المقام أمورا تتضح بها حقيقة الجهاد المصطلح و اقسامه و أحكامه:

منها: ان وجوب هذا الجهاد يتوقف على الشروط التالية: البلوغ، و العقل، و الذكورة، و الحرية، و قدرة الجسم، و إذن الإمام أو من نصبه عموما أو خصوصا بل دعوته و أمره، و هو واجب كفائي يتعين على بعض الأمة إذا عيّنه الحاكم أو انحصر المقاتل به أو قصّر غيره عن القتال.

و منها: أنهم ذكروا ان أقل مراتب هذا الجهاد مرة واحدة في كل عام لقوله تعالى‌ (فَإِذَا اِنْسَلَخَ اَلْأَشْهُرُ اَلْحُرُمُ فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ) و الظاهر أن أصله و تكرره و سائر كيفياته موكولة إلى نظر ولي الأمر و حاكم الأمة.

و منها: أن هذا القتال إنما يجب بعد الدعاء إلى الإسلام و الإقرار بالشهادتين ثم إن الإمام يخير المشركين من أهل الحرب بين أمرين: الإسلام و الحرب، و يخير أهل الكتاب بين ثلاث: الإسلام و الحرب و الالتزام بالذمام و شرائطه، و قد ذكر تحت عنوان الذمة.

و منها: ان الفرار من هذا الجهاد من المعاصي الكبيرة و أنه يجب فيه رعاية قواعد العدل‌


الإسلامي مهما تيسر، فلا يجوز قتل الصبيان و المجانين و النساء و إن عاونوا، و الشيخ الفاني، و يكره المحاربة بهدم الحصون و قطع الأشجار و إرسال الماء و النار و إلقاء السم و نحوها إلاّ مع الضرورة.

* جهر خفت الجهر و الإخفات*

مفهوم الكلمتين بيّن و قد كثر استعمالهما في الفقه في قراءة الصلاة في مقام بيان اتصاف قراءة الفرائض اليومية و غيرها بأحد الوصفين، فإن اللّفظين قد وقعا موضوعا للحكم التكليفي و الوضعي في الشريعة، و وقعا مورد البحث في الفقه، فذكروا فيه أن كلا من الجهر و الإخفات قد يكون واجبا تكليفا و شرطا في صحة الصلاة، و قد يكون منهيا عنه مبطلا لها، و قد يكون المصلي مخيرا بينهما، و مورد الكلام خصوص القراءة أعني فاتحة الكتاب و السورة بعدهما دون سائر الأذكار و الأدعية الواقعة فيها.

فنقول ذكروا أنه يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء، و الإخفات بها في الظهرين في غير يوم الجمعة، و أما فيه فيستحب الجهر بالقراءة في الجمعة، بل في الظهر أيضا على اختلاف فيه، كما يستحب الجهر بالبسملة في القراءة الإخفاتية مطلقا، و يتخير الرجل و المرأة في قراءة سائر الصلوات الواجبة كما يتخيران في جميع النوافل. و ليس على النساء جهر في الجهرية فضلا عن الإخفاتية فيتخيرن في الجهرية بين الجهر و الإخفات، مع عدم سماع الأجنبي و يتعين عليهن الإخفات في الإخفاتية.

و ذكر الأصحاب ان مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه فما يظهر فيه جوهره جهرية و ما لم يظهر فيه ذلك إخفاتية و إن سمعه من بجانبه مثلا، و هذا مستفاد من النصوص و إلاّ فقوله تعالى‌ (وَ لاََ تَجْهَرْ بِصَلاََتِكَ وَ لاََ تُخََافِتْ بِهََا وَ اِبْتَغِ بَيْنَ ذََلِكَ سَبِيلاً) معنى الجهر المنهي عنه فيه الصياح الخارج عن المتعارف، كما أن التخافت المنهي عنه هو ما لا يسمع نفسه، فالوسط بين المنهيين ينقسم إلى قسمين على النحو الذي ذكرنا. و من


خصائص هذين العنوانين انه لو خالف الواقع فيهما جهلا بالحكم فأجهر في موضع الإخفات أو عكس الأمر لم تبطل صلاته، بخلاف سائر الأجزاء و الشرائط.

ثم انه قد أطلق عنوان الجهر في باب الغيبة أيضا فذكروا هناك أن الجهر بالسوء من القول من مصاديق الغيبة المحرمة، و أن اللّه تعالى لا يحبّه، و عدّوا ما وقع ممّن ظلم من مستثنيات الغيبة كما قال تعالى‌ (لاََ يُحِبُّ اَللََّهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاََّ مَنْ ظُلِمَ) فراجع المفصلات.

* حبس سكن عمر رقب الحبس و السكنى و العمرى و الرقبى*

الحبس في اللغة معروف و هو الإمساك، و السكنى بالضم مصدر بمعنى السكونة فهي فعل للساكن، و قال في المجمع أعمرته الدار جعلت له سكناها عمره، و منه العمرى و هي من اعمرته الشي‌ء أي جعلته له مدة عمرة أو مدة عمري، فإذا مات من علق عليه المدة رجع إلى المالك أو وارثه، و قال في المفردات و العمرى في العطية أن تجعل له شيئا مدة عمرك أو عمرة كالرقبى، و معنى الرقبى أنه يقول الرجل للرجل قد وهبت لك هذه الدار فإن متّ قبلي رجعت إلى و ان متّ قبلك فهي لك، و هو فعلى من المراقبة لأن كل واحد يرقب موت صاحبه انتهى. و هذه معاني الألفاظ بحسب اللغة.

و أما في الاصطلاح فقد ذكر الفقهاء العناوين الأربعة في ذيل كتاب الوقف لشباهتها به و اشتراكها معه في الآثار في الجملة، و القدر المشترك بينها ان يحبس المالك عينا معينة ليستفاد منها في سبيل الخير من غير إخراج عن الملك، فإن كانت غير المسكن كالثوب و الكتاب و المركب و نحوها فهو حبس، و إن كانت مسكنا حبسه لسكنى شخص بدون ذكر المدة فهو السكنى، و إن أسكنه موقتا بعمر أحدهما فهو العمرى، و إن أسكنه موقتا بالزمان فهو الرقبى.

ثم إن كل واحد من العناوين عقد من العقود العقلائية التي أمضاها الشارع و رتب عليها أحكاما فيحتاج إلى إيجاب من المالك و قبول من المتصرف، و الإيجاب كل ما أفاد المقصود عرفا و لو بقرائن خارجية، كأن يقول حبست لك كتابي هذا أو مركبي هذا دائما أو


مدة سنة و يقول في السكنى أسكنتك هذه الدار أو لك سكناها و ما أشبه ذلك، و يقول في العمرى أسكنتك داري مدة حياتي أو مدة حياتك، و يقول في الرقبى أسكنتك داري عشر سنين أو عشرين سنة، و يجوز أن يقول في العمرى أعمرتك هذه عمرك أو عمري، و في الرقبى أرقبتك الدار سنة مثلا، و القبول في الجميع كلما دل على الرضا بالإيجاب من قول أو فعل. و يشترط في صحة الجميع قبض الساكن و مع عدمه تبطل كالوقف و الهبة، و هذه العقود لازمة يجب العمل بمقتضاها و ليس للمالك الرجوع و إخراج الساكن إلاّ في السكنى المطلقة فيخرجه متى أراد لانقضاء المدة بإرادة الإخراج.

ثم ان مقتضى هذه العقود هل هو تمليك المنافع للساكن فيملكها بقبض العين، و يجوز له استيفاءها بأي نحو أراد بنفسه و غيره، بل و له إجارتها و مصالحتها و يرثها وارثه و هكذا، أو هو تمليك للانتفاع كالإعارة فليس للساكن إلاّ الانتفاع بنفسه و من نزل منزلته وجهان لا يبعد رجحان الأول نظرا إلى ظاهر ألفاظ العقود.

* حبو الحبوة*

الحبوة مثلث الحاء و الحباء في اللغة العطية يقال حباه كذا و بكذا حبوا أعطاه إياه بلا جزاء، و في المجمع يقال حبوت الرجل حبا بالكسر و المد أعطيته الشي‌ء بغير عوض، و الاسم منه الحبوة بالضم و منه بيع المحاباة و هو أن يبيع بدون ثمن المثل انتهى.

ثم إنه ذكر الأصحاب عنوان الحبوة في باب الإرث و قالوا انه يستفاد من النصوص ان في تركة الأب أشياء و أموالا يختص بولده الأكبر و لا يشاركه فيها غيره و سموها حبوة لكونها مما قد حباها الشارع للولد الأكبر، و لعله بملاك كون من له الحبوة مأمورا بإتيان ما فات من الأب من الصلاة و الصوم، و كيف كان فقد وقع البحث منهم في المقام في أصل المسألة، و هو استحقاق الولد الأكبر ذلك و في تشخيص الحبوة و في تعيين من يختص بها.

أما الأول: فقد ذكروا أن المسألة من متفردات الإمامية و لا قائل لها من غيرهم لكنهم اختلفوا في كون ذلك على سبيل الاستحقاق أو الاستحباب و التفصيل فيه في الفقه.


و أما الثاني: فالمتيقن من النصوص أنها عبارة عن الثياب، و الخاتم، و السيف، و المصحف، أعني أعيان هذه الأجناس و إن ادعى بعض كون المراد قيمتها، و هذا واضح فيما إذا كان لكل من تلك العناوين مصداق واحد، و أما مع التعدد ففي شمول الحكم للجميع أو عدم شموله لشي‌ء منها لخروجها عن مورد النص، أو استحقاقه فردا واحدا من كل منها تردد و إشكال، كما أن في شموله لغيرها ممّا ذكر في بعض النصوص كالسلاح، و الدرع، و الكتب، و الراحلة، و كذا في التعدي عن كل واحد منها إلى ما يشاركه في الغرض كأنواع الأسلحة و وسائل الحفظ و أقسام الرواحل إشكال.

و أما الثالث فالولد الذكر أعم من البالغ و غيره كما انه لا فرق بين كونه أكبر من الذكور أو الإناث و التفصيل يطلب من المطولات.

* حجج الحج*

الحج في اللغة القصد أو القصد المتكرر، يقال حجّه يحجّه من باب قتل قصده، و حججت فلانا أتيته مرة بعد أخرى، و الحجة بالفتح و الكسر اسم من حجّ جمعه حجج بالكسر، و الحجة بالضم البرهان جمعه حجج بالضم، و في النهاية الحج في اللغة القصد إلى كل شي‌ء، فخصه الشرع بقصد معين ذي شروط معلومة و فيه لغتان الفتح و الكسر و الحجة بالفتح المرة الواحدة انتهى. و في المفردات أصل الحج القصد للزيارة خص في تعارف الشرع بقصد بيت اللّه إقامة للنسك، فقيل الحج و الحج، فالحج مصدر و الحج اسم، و يَوْمَ اَلْحَجِّ اَلْأَكْبَرِ يوم النحر، و العمرة الحج الأصغر و الحجة الدلالة المبيّنة للمحجّة أي المقصد انتهى.

و كيف كان فالحج بل و سائر مشتقات هذه المادة قد استعمل في الشرع و عند المتشرّعة و الفقهاء في أحد معنيين و لعله قد صار حقيقة شرعية فيهما.

الأول: قصد زيارة بيت اللّه الحرام على نحو خاص معلوم من الشريعة معهود عند المسلمين و هو على هذا أمر قلبي يتعلق بعدة أعمال عبادية خارجية.


الثاني: نفس تلك المناسك العبادية الواردة في الشريعة، المخترعة من قبل الشارع، المقيدة بالإتيان بها في مشاعر خاصة، و أيام معينة معدودة، مشروطة بشروط وجودية و عدمية، محتاجة إلى نية القربة كسائر العبادات.

هذا بحسب موضوع العنوان و أما حكمه فقد ذكر الأصحاب أن الحج واجب إلهي، نفسي، عيني، تعييني، فوري، مشروط أو معلق، و له مقدمات وجوبية كثيرة يتوقف وجوبه على تحقق جميعها.

أولها: البلوغ، فلا يجب على الصبي و إن كان مراهقا قريبا من البلوغ.

ثانيها: العقل، فلا يجب على المجنون مطلقا إلاّ إذا تمكن منه الأدواري في دور إفاقته.

ثالثها: الحرية، فلا يجب بأصل الشرع على العبد.

رابعها: الاستطاعة البدنية، فلا يجب على الضعيف و المريض و الهرم و من أشبههم إذا كان حرجيا في حقهم أو متعذرا.

سادسها: الاستطاعة السربية، فلا حج على من لم يستطع من حيث تخلية السرب أي الطريق.

سابعها: الاستطاعة الزمانية و الوقتية، فلا وجوب لو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول إليه، أو أمكن بمشقة شديدة.

ثامنها: عدم استلزامه الضرر نفسا أو مالا إذا كان مجحفا.

تاسعها: عدم استلزامه ترك واجب كالصلاة، و الإنفاق على واجب النفقة، و حفظ نفس محترمة و نحو ذلك.

عاشرها: عدم استلزامه فعل حرام مع اختلاف أو تفصيل في بعض الشروط.

ثم إن الأصحاب قد تعرضوا في تبيين حقيقة العنوان و أقسامها و أحكامها لأمور:

الأول: ذكرهم حج الأسباب بعد التعرض لأسباب الحج، و ذلك لأن الحج يجب تارة من ناحية الشرع بالفرض الأصلي، و يسمى حجة الإسلام أي الحج الذي يقضيه الدين‌


و هو من شؤون الإسلام، و أخرى يجب بالعناوين الثانوية الطارية اختيارا أو قهرا من غير اختيار، كالحج الواجب بالنيابة عن مكلف آخر، و الحج الواجب بالنذر، و العهد، و اليمين، و الشرط في ضمن عقد مثلا، و أمر الإمام المفترض طاعته، و الوالدين إذا كان تركه عقوقا، و بالإفساد كما إذا أفسد المكلف حجه بالجماع قبل المشعر فوجب عليه إتمامه و الحج من قابل، و غير ذلك، فتختلف هذه الحجج من حيث الشروط حسب اختلاف أسبابه كما ذكروا ان شروط القسم الأول أعني حجة الإسلام ما عرفت من الشروط العشرة و أن شروط الحج النيابي البلوغ، و العقل في النائب، و إسلام النائب و المنوب عنه، و إيمانهما على اختلاف فيه، و معرفة النائب بأعمال الحج، و عدم اشتغال ذمته بحج واجب في ذلك العام.

الثاني: أن هذه العبادة تنقسم في التشريع الأول الديني إلى أقسام ثلاثة تمتع و افراد و قران، و الأول فرض من كان بعيدا عن مكة مساحة ثمانية و أربعين ميلا أو أكثر من ذلك من كل جانب، و يسمى هذا المكلف بالآفاقي و هذا القسم تدخل عمرته فيه، و تشترك معه في الوجوب و شروطه، و تلازمه في الصحة و الفساد، و تقارنه في زمان العمل و سنة إتيانه. و الثاني و الثالث فرض أهل مكة و من كان بين مسكنه و بينها أقل من ثمانية و أربعين ميلا من كل جانب و يسمّى هذا المكلف مكيا.

و قد خاطب اللّه تعالى في كتابه الكريم كلا من أهل الآفاق و أهل أم القرى بصنف من أصناف هذا النوع من العبادة.

الثالث: مجموع أعمال حج التمتع عبارة عن أربعة عشر عملا في أزمنة خاصة و أمكنة معينة، و قد جمعت في مصراع من بيت (أوو ارنحط رس طر مر لحج) و صورته بعد قصد عنوانه و الإتيان بعمرته، ان يحرم من مكة أو من دويرة أهله، ثم يمضي إلى عرفات، فيقف من زوال يوم عرفة إلى غروبه، ثم يفيض إلى المشعر، فيبيت فيه، و يقف فيه بعد طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع شمسه، ثم يمضي إلى منى فيرمي فيه يوم العيد جمرة العقبة، ثم ينحر أو يذبح هديه، ثم يحلق أو يقصر فيحل من كل شي‌ء من محرمات‌


الإحرام إلاّ الطيب و النساء، ثم هو مخير بين أن يأتي مكة ليومه فيطوف طواف الحج و يصلي ركعتيه و يسعى سعيه، فيحل عن الطيب، ثم يطوف طواف النساء و يصلي ركعتيه فتحل له النساء أيضا، ثم يعود إلى منى ليبيت بها ليالي التشريق و يرمي في أيامها الجمار الثلاث فيتم حجه، و بين أن يقف بمنى ليالي التشريق و يرمي أيامها، ثم يعود إلى مكة فيطوف و يسعى للحج و يطوف للنساء و يصلي ركعتيه، و صورة حج القران بعد قصد عنوان كحج التمتع مع اختلاف يسير في كيفية إحرامه، مذكور تحت عنوان الإحرام و صورة حج الإفراد كحج التمتع إلاّ ان الهدي واجب في التمتع مندوب في الافراد.

الرابع: ذكر الأصحاب انه يشترط في حج التمتع أمور:

أحدها: وجوب نية هذا الصنف من نوع الحج عند عقد إحرامه.

ثانيها: ان يكون عمرته و حجه في أشهر الحج شوال و ذي القعدة و ذي الحجة فلو أتى بواحد منهما في غيرها أو ببعض منهما كذلك بطل العملان.

ثالثها: أن يكون العملان في سنة واحدة فلا يصحان مع انفصال سنة العمل.

رابعها: أن يكون إحرام حجه من بطن مكة أو من دويرة أهله.

خامسها: أن يكون مجموع عمرته و حجه من واحد و عن واحد فلو استناب شخصان عن واحد، أحدهما لعمرته و الآخر لحجة أو استناب شخص واحد في سنة في عمرة التمتع عن واحد و حجّه عن آخر لم يجز عن المنوب عنه في الفرضين و هذا الشرط مورد إشكال أو اختلاف محتمل للصحة في الفرضين و التفصيل في الفقه.

* حجر سمعل الحجر-حجر إسماعيل*

الحجر بتثليث الحاء في اللغة المنع يقال حجره يحجره من باب قتل منعه، و في المجمع الحجر أيضا الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي، و كله من البيت أو ستة أذرع أو سبعة أقوال انتهى. و قد كثر استعمال الحجر في المكان المعروف في جانب الكعبة المكرمة، بل لعله قد صار مصطلحا فيه شرعيا و فقهيا، و ورد في تعيين حدوده نصوص و رتب عليه‌


أحكام و وقع مورد البحث في الفقه موضوعا و حكما.

أما الموضوع فقد ذكروا أنه المكان المعين الواقع في الجانب الغربي من الكعبة و حجر عليه بحائط مستدير على نحو نصف الدائرة، و رووا أن إبراهيم الخليل عليه السلام لما قضى مناسكه أمره اللّه بالانصراف فانصرف، و مات أم إسماعيل فدفنها في الحجر و حجر عليه لئلا يوطأ قبرها، و توفي إسماعيل بعد ذلك و هو ابن ثلاثين و مائة سنة فدفن في الحجر مع أمه، و أن فيه قبور الأنبياء و أنه دفن فيه مما يلي الركن الثالث عذارى بنات إسماعيل.

و أما الحكم فالمشهور أو المتفق عليه عند أصحابنا ان الحجر يعد من البيت في الطواف بمعنى أنه يجب وقوع الطواف حوله خارجا عنه كنفس الكعبة، فلو اقتصر الطريق و دخل من باب الحجر و خرج من بابه الآخر، أو مشى على حائطه بطل طوافه، كما ان المشهور شهرة عظيمة عدم كونه من الكعبة بل ليس شي‌ء منه من البيت حتى بمقدار قلامة ظفر، فلا تكفي الصلاة إليه إذا لم يتوجه إلى الكعبة، و عن بعض العامة ان الحجر من البيت و عن آخر منهم ان فيه ستة أذرع من البيت.

* حجر سود الحجر الأسود*

الحجر في اللغة و العرف هو الجوهر الصلب المعروف، و الظاهر صيرورته مع توصيفه بالأسود حقيقة في مصطلح الشرع و الفقه في حجر خاص منصوب في الركن العراقي من الكعبة المعظمة زادها اللّه شرفا، و هو من أحجار الجنة قد أنزله اللّه منها في بدء بناء البيت المبارك، و كان عند نزوله أشد بياضا من اللبن فسودّته خطايا بني آدم، و هو الذي ألقمه اللّه المواثيق، فيجي‌ء يوم القيامة و له لسان ناطق و عين ناظرة ليشهد على من وافاه في ذلك المكان، و حفظ الميثاق، و هو الذي يعلم من يرد عليه و يستلمه، و هو أحد الأحجار الثلاثة التي أنزلها اللّه من الجنة و الآخر ان مقام إبراهيم و حجر بني إسرائيل.

و كيف كان فقد رتب على الحجر في الشريعة أحكام و وقع البحث في الفقه عما رتب عليه من تكليف و وضع، نظير انه يستحب استلامه عند الطواف أو مطلقا و هو لمسه‌


بالقبلة أو باليد لإعلام الوجود و إيداع العهود و استحفاظ المواثيق. و أنه مبدأ الطواف أي مبدأ كل شوط من أشواطه السبعة فإن من الحجر إلى الحجر شوط.

* حجر نجو حجر الاستنجاء*

وقع البحث عنه في الفقه في باب الطهارة و فصل الاستنجاء و رتب عليه بعض الأحكام، و لم يقع البحث عنه هناك بخصوصه بل بما هو مزيل، فإن المراد منه كل جسم قالع لنجاسة الغائط عن المخرج كالمدر، و الخرقة، و القرطاس، و نحوها و قد اشترطوا فيه الطهارة و لا يشترط البكارة بل يجزي المستعمل المغسول بعده.

و الحكم بمطهرية تلك الأشياء و طهارة المحل بها مختص بنجاسة مخرج الغائط دون مخرج البول و دون تنجسه بغير الغائط من المتنجسات، و في جواز الاستنجاء بالمحترمات أو بالعظم و الروث تكليفا، و كذا في حصول طهارة المحل لو استنجى بها. إشكال و اختلاف مذكور في باب الاستنجاء.

* حدد الحدّ*

الحدّ في اللغة المنع، و بمعنى الحاجز بين شيئين، و في النهاية أصل الحدّ المنع و الفصل بين الشيئين فكأنّ حدود الشرع فصّلت بين الحلال و الحرام فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرّمة، و منها ما لا يتعدى كالمواريث المعيّنة و تزويج الأربع انتهى. و في المفردات الحدّ الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، يقال حددت كذا جعلت له حدّا يميّز و حدّ الدّار ما تتميز به عن غيرها و حدّ الشي‌ء الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره، و حدّ الزنا و الخمر سمّي به لكونه مانعا لمتعاطيه عن تعاوده مثله و مانعا لغيره ان يسلك مسلكه انتهى.

و الحاصل ان الحدّ في اللغة مصدر بمعنى المنع و استعماله في الحاجز و الأرض و ثغور البلدان و الممالك بلحاظ المانعية، و قد كثر استعماله في الفقه في باب الحدود في خصوص‌


الأحكام الجزائية بحيث كاد أن يكون اصطلاحا خاصا فيها، فذكروا هناك ان كلّ عقوبة مقدرة تسمّى حدّا و ما ليس كذلك يسمى تعزيرا، و في المسالك الحدود جمع حدّ و هو لغة المنع و شرعا عقوبة خاصّة يتعلق بإيلام البدن بواسطة تلبس المكلف بمعصية خاصة عيّن الشارع كميتها في جميع افراده انتهى.

و الاولى تعريفه بأنه عبارة عن الأحكام الكلية الجزائية المجعولة للمتخلف عن الأحكام الأولية غير الكفارات، و تسمى تلك الأحكام العقوبات أيضا، و إطلاقه عليها بملاك كونها حاجزة بين المكلف و المعاصي، كما إن إطلاق الحد على سائر الأحكام الشرعية التكليفية و الوضعية بملاك ان الجميع حدود و ثغور لأفعال العباد، يميز بها بين ما يتقرب به العبد إلى اللّه تعالى و غيره، و ما يحبّه اللّه تعالى و يبغضه، و ما فيه المصلحة لهم و ما فيه المفسدة، و في الصحيح ان اللّه قد جعل لكل شي‌ء حدا و جعل لمن تعدى ذلك الحدّ حدا، فالشي‌ء هنا أفعال المكلفين و بعض الموضوعات الخارجية كالطاهر و النجس و الكرّ و القليل و نحوها و المراد بالحد الأول الأحكام الشرعية تكليفا و وضعا، و بالحد الأخير خصوص الأحكام الجزائية و لعلها تشمل الكفارات أيضا.

ثم ان للحد معنى اصطلاحيا آخر و هو مطلق العقوبة الشرعية الأعم مما له مقدر و مما لا تقدير له الذي يسمى تعزيرا، و هنا أحكام كثيرة مترتبة على عنوان الحد، كدرء الحدود بالشبهات، و عدم جريان اليمين في الحد، و عدم الكفاية فيه، و كون الإمام مخيرا في العفو عن الحد الثابت بالإقرار دون البينة، و عدم الشفاعة في الحد و نحو ذلك، و هذه الأحكام على الإطلاق الأول لا تشمل التعزيرات و على الثاني تشملها فلا بد للفقيه من التحري في ذلك.

ثم انه يظهر من المسالك ان تعريف الحد غير منتقض لان كل حد له مقدر معين، و اما تعريف التعزير فمنتقض، فإنه قد عين مقدار العقوبة في عدّة من أقسام التعزيرات و لعلها تبلغ خمسة موارد: أولها تعزير المجامع زوجته في نهار رمضان فإنه مقدر شرعا بخمسة و عشرين سوطا، ثانيها من تزوج أمة على حرة فدخل بها قبل إذن الزوجة فإنه يضرب


اثنا عشر سوطا و نصفا ثمن حد الزاني، ثالثها المجتمعان تحت إزار واحد مجردين مقدر بثلاثين إلى تسع و تسعين على قول، رابعها من افتض بكرا بإصبعه فإنه يجلد من ثلاثين إلى سبعة و سبعين عند الشيخ و من ثلاثين إلى ثمانين عند المفيد و من ثلاثين إلى تسعة و تسعين عند ابن إدريس، خامسها الرجل و المرأة يوجدان في لحاف واحد و إزار مجردين يعزّران من عشرة إلى تسعة و تسعين انتهى. هذا و لا يخفى عليك انه يمكن دعوى عدم التقدير في الثلاثة الأخيرة و اما الأولان فلا بأس بعدهما من موارد الحد لانطباق تعريفه عليهما، و إطلاق التعزير عليهما في النصوص بلحاظ المعنى اللغوي.

هذا بعض الكلام في الحد الاصطلاحي بعنوانه الكلي في مقابل المعنى اللغوي، و أما مصاديقه المعينة من الشرع و المذكورة في الفقه فهي ثمانية أو عشرة أو ثلاثة عشر: حد الزنا، و حد اللواط، و حد السحق، و حد القذف، و حد القيادة، و حد شرب الخمر، و حد السرقة، و حد المحاربة، و مع إدراج القسمين الأولين مما ذكره في المسالك تكون عشرة، و مع إدراج جميعه تبلغ ثلاثة عشر قسما، و الكلام فيها في كتاب الحدود، و راجع أيضا عنوان الزنا و اللواط و غيرهما.

* حدد الحداد*

الحداد بالكسر في اللغة مصدر بمعنى المنع، و الفعل حدّ يحد حدا أو أحدّ يحد احدادا و حدّت المرأة أو أحدّت منعت نفسها من الزينة، و في المجمع حدت المرأة على زوجها تحد حدادا بالكسر فهي حاد بغيرها، إذا حزنت عليه و لبست ثياب الحزن و تركت الزينة انتهى.

و بالجملة وقع الحداد بمعناه اللغوي مورد البحث في الفقه و ذكروا انه يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها الحداد في مدة العدة، و فسروه بأنه عبارة عن ترك كل ما يعد زينة تتزين به الزوجة في الأوقات المناسبة له من الأعياد و الأعراس و نحوهما فيجب عليها ترك الزينة في البدن، بمثل الاكتحال و التطيب و تحمير الوجه و نحو ذلك، و في اللباس بلبس‌


الأحمر و الأصفر و الحلي، و يختلف عنوان الزينة بحسب الأشخاص و الأزمان و البلاد، فاللازم ترك ما يعد زينة في متعارف المحل، و لا بأس بتنظيف البدن و اللباس و تسريح الشعر و الاستحمام و ما أشبه ذلك.

ثم انهم ذكروا انه لا فرق في الزوجة بين المسلمة و الذمية و الدائمة و المنقطعة، و ان الحداد واجب مستقل و ليس شرطا لصحة العدة فلو تركته في تمام المدة أو بعضها لم يضر بالعدة و لا يجب قضاؤه و تداركه بعد العدة.

* حدث الحدث*

هو في اللغة الأمر الحادث و الأمر المنكر الذي ليس معتادا من السنة، و البدعة في الدين، و الغائط، و الحدث أيضا الشاب و الجمع أحداث، و في المجمع الحدث اسم للحادثة الناقضة للطهارة شرعا و الجمع أحداث مثل سبب و أسباب و هو يعم ما خرج من السبيلين و غيره انتهى.

هذا ما ذكره بعض أهل اللغة و أما الفقهاء فيظهر منهم انّ له عندهم اصطلاحا خاصا في هذا العلم، قال في المدارك: الحدث نجاسة حكمية لا تزول إلا بالنية، و الخبث نجاسة عينية تزول بغير النية، و أما ان الأول ما لا يدرك بالحس و الثاني ما يدرك به فهو غير تام انتهى.

و في الجواهر: ان المراد بالحدث أما نفس الأمور المؤثرة الموجبة لفعل الطهارة و يراد حينئذ بالإزالة الإزالة الحكمة و أما الأثر الحاصل منها (ج 1 ص 62) و في مصباح الفقيه و المراد بالحدث الأثر الحاصل عند عروض أسبابه المانع عن الدخول في الصلاة المتوقف رفعه على النية (الطهارة ص 6) .

ثم انه يفهم منها و من غيرها من عبائر الأصحاب ان للحدث عندهم إطلاقين، إطلاقا على السبب و هو عدة أمور سموها أسباب الحدث و موجباته، و قد أنهاها بعض إلى اثني عشر قسما ذكرناها في الوضوء و قد علمت هناك انها في الحقيقة نواقض للوضوء و ليست أسبابا و لا موجبات له إلا بمسامحة، و إطلاقا على المسبب و هو الحالة النفسانية التي لها نوع‌


حزازة و دناسة، و لها مرتبتان، خفيفة هي الحدث الأصغر الحاصل بثمانية من الأمور المذكورة، و شديدة تسمى بالأكبر و هي حالة نجاسة باطنية و قذارة نفسية تحصل بأربعة من الأمور المذكورة، و الأولى و الأرجح المناسب لإطلاقات النصوص هو الثاني أي المسبب كإطلاق ان الطهارة مزيلة للحدث و نحوه، و إن أوّله صاحب الجواهر بما عرفت.

ثم ان الحدث بمعنى الأسباب اسم جنس شامل لأنواع مختلفة الحقائق كالبول و النوم و الريح و زوال العقل و نحوها، و أما بمعنى المسبب ففي كونه حقيقة وحدانية و أمرا متأصلا مشكّكا يحصل مصداق منه عند حدوث كل واحد من أسبابه، و تختلف شدة و ضعفا حسب اختلاف الأسباب، أو كون الأصغر منه حقيقة و الأكبر حقيقة أخرى تستند كل منها إلى أسبابها، أو كون الأصغر كالفرض و الأكبر حقائق مختلفة متعددة حسب تعدد أسبابه وجوه أقربها الأخير.

تنبيه: قد عرفت فيما سبق ان أسباب الحدث تنحصر عندهم في أمور و قد عدها المفيد (قده) في القسم الأول من كتاب المقنعة عشرة قال: و جميع ما يوجب الطهارة من الأحداث عشرة أشياء: النوم الغالب على العقل، . و الإغماء، و البول، و الريح، و الغائط، و الجنابة، و الحيض للنساء، و الاستحاضة منهن، و النفاس، و مس الأموات من الناس بعد برد أجسامهم بالموت و ارتفاع الحياة منها قبل تطهيرهم بالغسل، و ليس يوجب الطهارة شي‌ء من الأحداث سوى ما ذكرناه على حال من الأحوال، إلى أن قال و الطهارة المزيلة لحكم الأحداث على ضربين أحدهما غسل و الآخر وضوء انتهى (المقنعة ص 38) .

* حدد درأ شبه الحدود تدرأ بالشبهات*

الحد في اللغة الحاجز بين شيئين، و المراد به هنا الأحكام الجزائية للإسلام التي شرعها اللّه تعالى عقوبة لمرتكبي المعاصي، كان حدا اصطلاحيا أو تعزيرا كحد الزنا و شرب الخمر و غيرهما، و الدرء في اللغة الدفع و المنع، و الشبهة الشك، و العنوان المركب من هذه الألفاظ قاعدة كلية استنتجها الأصحاب من الأدلة و النصوص، و أفتوا بمضمونها في موارد


مختلفة من الحدود، أرادوا بها أن الشارع قد رفع عقوبة الحد و التعزير عن المرتكب لأسبابهما إذا كان هناك شبهة طارئة و إبهام و ترديد.

و الظاهر انه لا إشكال عند الأصحاب في أصل ثبوت القاعدة، و إنما الإشكال في بعض فروعها، لما في مفادها من الإجمال في الجملة دليلا و موردا كما ستعرف. و عمدة الخدشة فيها من جهتين الاولى انّه هل المراد بالشبهة هو الشبهة العارضة للحاكم في حكمه و قضائه، من جهة الإجمال في الدليل أو موضوعه، أو الحاصلة لمن صدر عنه الذنب، و على الثاني هل المراد الشبهة التي تكون عذرا لصاحبها لقصوره، أو يعمها و التي لا تكون عذرا له لتقصيره، أو المراد الأعم من الشبهتين الحاصلة للحاكم و المحكوم.

الثانية-انه هل يحتاج الفقيه أو القاضي في موارد فتواه و قضائه إلى هذه القاعدة أو لا يتحقق له حاجة إليها لظهور حكم الحوادث بعناوينها الأولية أو الثانوية.

فنقول: أما الجهة الأولى فالظاهر عموم الشبهة الواقعة في عنوان القاعدة لما قد يعرض على الحاكم و ما قد يعرض على المحكوم، أما الأول فلظهور جريان القاعدة فيما لو كان حال مرتكب الذنب معلوما للحاكم، و كانت الشبهة حاصلة له من ناحية وجود الإجمال في مدرك الحكم الذي أراد القضاء به، كما إذا ارتكب شخص كبيرة مع جهله بالحكم أو الموضوع تقصيرا، و شك الحاكم في تنجيز ذلك الجهل و عدمه، كما إذا شرب الشخص خمرا جاهلا بحرمته بسيطا أو شرب أحد الاناءات المشبهة بالخمر بشبهة محصورة.

و نظيره ما لو نكح بكرا بالغة بدون إذن أبيها مع تردده في شرطية إذنه، أو أقر بما يوجب القتل من الزنا و اللواط أربع مرات ثم أنكر، فشك الحاكم في سقوط الحد بالإنكار، لاحتماله اختصاص أدلة السقوط بالإقرار بالرجم فقط، و غير ذلك من الأمثلة.

و أما الثاني فهو أظهر من الأول و ظهور جريان القاعدة فيما إذا عرضت الشبهة لمرتكب الذنب، سواء كانت عذرا لصاحبها أو لم تكن، كموارد ارتكاب المعاصي مع الجهل بالحكم أو الموضوع أو نسيانهما أو غير ذلك من الشبهات مع كونه مقصرا و ذلك لصدق عنوان الشبهة مطلقا بلا ترديد فتجري القاعدة لتحقق موضوعها.

و أما الجهة الثانية: ففيها تفصيل بين شبهة الحاكم و المحكوم، فإن الإنصاف انه لو لم تكن‌


القاعدة جارية في الأول كان الحكم هو الدرء عند الشبهة أيضا، إذ ليس له إجراء الحد إلاّ فيما إذا كان الحكم و موضوعه محرزين عنده بحجة عقلية أو شرعية، فإذا شك في ذلك اندرأ الحد بنفسه لعدم ثبوت مقتضيه لا للاستناد إلى مانعه.

و أما الشبهات العارضة للمحكوم، فالأمر كذلك فيما إذا كانت عذرا له فإذا ارتكب كبيرة جهلا بحكمها أو موضوعها مثلا، كانت الأدلة العامة فضلا عن الخاصة الحاكمة برفع المؤاخذة عن الخطأ و النسيان و ما لا يعلم، كافية في رفع الحدود و التعزيرات. و أما العارضة للمحكوم في موارد التقصير فالظاهر انه لا إشكال في جريان الأدلة الأولية الحاكمة بالحدود و التعزيرات فان مقتضاها تنجز الواقع في حقه و استحقاقه العقوبة على مخالفته، و الحدود أيضا من العقوبات و حينئذ فلا دارأ للحدود إلاّ جريان قاعدة الدرء، و هذا من موارد ظهور الثمرة لهذه القاعدة، و عليه فينبغي ذكر أمثلة تظهر بذلك موارد الحاجة إلى القاعدة و انه لولاها كان المورد مجرى للحدود.

منها: ما لو علم بعروض جنون لشخص و زناه مع امرأة مع تعين زمان الجنون و الشك في كون الزنا قبله أو بعده، فان مقتضى جريان الاستصحاب في مجهول التاريخ وقوع الزنا حال تعقله و ثبوت الحد، فلا دارأ له إلاّ القاعدة.

و مثله ما لو أسلم الكافر و زنا بمؤمنة مع العلم بزمان الزنا دون الإسلام، فاستصحاب تأخير كفره يوجب قتله إلاّ أن يدرأ بالقاعدة.

و نظيره أيضا ما لو ارتدت المرأة المسلمة و علم بزناها مع كافر في زمان معلوم فاستصحاب بقاء الإسلام حال الزنا يوجب القتل للزاني إلاّ إذا تمسّك بذيل القاعدة.

و منها: ما لو تداعى اثنان ولدا و أقاما بينة فتعارضت البينتان، ثم قتله أحدهما عمدا فهل يقتص من القاتل أو لا لاحتمال أبوّته لكن مقتضى القاعدة القصاص لثبوت المقتضى له و هو قتل المؤمن و عدم المانع عنه إلاّ ان يتمسك بذيل القاعدة و غير ذلك من الموارد.

تنبيه:

استدل الأصحاب على قاعدة الدرء بنصوص منها النبوي صلّى اللّه عليه و آله و العلوي عليه السلام: ادرؤوا


الحدود بالشبهات‌ [1] و ما عن العامة ادرؤوا الحدود على المسلمين أو عن عباد اللّه ما استطعتم أو ادفعوا الحدود عن عباد اللّه ما وجدتم له مدفعا، و ما في الصحيح عندنا عن علي أتي بامرأة مع رجل قد فجر بها فقالت استكرهني و اللّه يا أمير المؤمنين فدرأ عنها الحد انتهى و هذا غير دال لعدم ذكر الشبهة و لاحتمال كون الدرء لحصول العلم له عليه السلام بصحة دعواها و لو فرضنا شكه عليه السلام في ذلك فالدرء لعدم إحراز الموضوع.

* حرم الحرم*

الحرم بفتحتين في اللغة ما يحميه الرجل و يدافع عنه، و الحرم ما لا يحل هتكه، و قد كثر استعماله في الشرع و كلمات الفقهاء في أمكنة خاصة اعتبر لها الشارع قداسة و حرمة، فجعلها ممّا يحرم هتكه و رتب عليها أحكاما تكليفية و وضعية، إيجابية و ندبية، و عمدة مصداق الحرم هي ما سمي حرم مكة، و هو حرم اللّه تعالى و حرم بيته و قد ذكر له حدود في النصوص، و إن إبراهيم الخليل قد حدّه بحدود و وضع له علامات و منارات، و ما زالت قريش تعرفها في الجاهلية و الإسلام، و تعلم ان ما دون العلامات من الحرم و ما وراءه خارج عنه، و لو خططنا على تلك الحدود خطا شاملا تولد منه شبه دائرة غير منظمة بعض قطعاتها القوسية قريب من مكة و بعضها بعيد، و قطرها فيما بين الشمال و الجنوب يقرب من ثمانية عشر كيلو مترا، و فيما بين المشرق و المغرب من واحد و ثلاثين كيلو مترا، و داخل الدائرة بجميع محاطها يسمى حرما و خارجها حلا، و أقرب نقطة الدائرة إلى مكة التنعيم الواقع في ناحية غرب الحرم بين جبلي ناعم و نعيم على طريق المدينة، و بعده من مكة ست كيلو مترا، ثم الجعرانة و هي واقعة في ناحية شمال الحرم على مسافة أربعة عشر كيلو مترا على طريق الطائف، ثم الحديبية و تسمى الشميس أيضا و هي أبعد حدود الحرم عن مكة وقعت على طريق جدة، و بينها و بين مكة خمسة عشر كيلو مترا، و من حدوده اضاة اللبن و بينها و بين مكة اثنا عشر كيلو مترا، و منها أيضا المزدلفة.


[1] الوسائل 18 أبواب مقدمات الحدود ب 24 ح 4.


ثم انه قد رتب في الشريعة على الحرم أحكام عمدتها انه لا يجوز الدخول فيه لمن أراد دخول مكة المكرمة إلاّ محرما، فيجب على كل من قصد مكة الإحرام عند دخول الحرم، فهو نظير الوضوء للصلاة الواجبة و المندوبة، فإذا وجب الدخول بسبب من الأسباب وجب الإحرام وجوبا مقدميا مولويا و إذا لم يجب وجب وجوبا شرطيا كالوضوء للنافلة.

فظهر ممّا ذكرنا انه لا يجب الإحرام إلاّ لدخول مكة فهو من مقدماته، فإن لهذا البلد الأمين قداسة و مزية تقتضي أن يفده الوافدون بهذه الكيفية. قال صلّى اللّه عليه و آله يوم فتح مكة: ان اللّه حرّم مكة يوم خلق السموات و الأرض و هي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي، و لم تحل لي إلاّ ساعة من نهار، و معنى عدم الحلية عدم جواز الدخول بدون رعاية آدابها الشرعية التي أهمها الإحرام.

ثم انهم استثنوا من ذلك موردين الأول الخارج من بعد الإتيان بحج أو عمرة إذا أراد الدخول بها قبل مضي شهر من عمله السابق فإن له العود بدون الإحرام ما لم يمض شهر من نسكه السابق، و قد علل ذلك في الموثقة بأن لكل شهر عمرة و هذا مبني على ان المراد بالتعليل انه لا عمرة إلاّ عند مضي شهر من السابقة، و قد يقال ان معنى التعليل ان الشارع شرع لكل شهر عمرة و ليس للمكلف الإتيان بأكثر من ذلك في شهر، من غير نظر إلى زمان الفصل بينهما، و لا فرق بين الوجهين لو اتفق وقوع النسك الأول في أول شهر كرجب مثلا فان له الدخول بلا إحرام إلى أول شعبان، و يظهر الفرق فيما لو اتفق وقوع السابق في عشرين من رجب مثلا، فإنه يدخل بلا إحرام إلى آخره، و لو أراد الدخول في أول شعبان مثلا لم يجز الإحرام إلى عشرين منه على الأول و وجب على الثاني.

المورد الثاني أحد العنوانين الآتيين على اختلاف بين الأصحاب، الأول من يتكرر عنه الدخول و الخروج كالحطاب، و الحشاش، و المعيد للمريض، و التاجر، و السائق و نحوهم، لورود النص بذلك و للزوم الحرج لو وجب لكل دخول، و الثاني المجتلب لمحاويج الناس إلى البلد من الأطعمة، و الألبسة، و لوازم بناء البيت من الخشب و الحديد و الطوب، تكرر ذلك أم اتفق في شهرين مرة، و المسألة محل اختلاف راجع المطولات.


* حسد الحسد*

الحسد في اللغة كراهة النعمة على المحسود و تمني زوالها، سواء وصلت إلى الحاسد أم لا، و ليس للّفظ اصطلاح خاص شرعي أو فقهي. و قد حكم عدة من الأصحاب بحرمة صفة الحسد بمجرد حصولها في القلب، فإن أظهرها الحاسد بقول أو فعل و تظاهر بذلك فهو محرم آخر، و صرّحوا أيضا بأن وجوده الباطني غير قادح للعدالة و القادح هو التظاهر بذلك، صرح به في الشرائع و المسالك و كشف اللثام.

أقول بناء على القول بحرمة الحسد فهل المحرم الذي هو مورد النهي و متعلق التحريم، نفس وجود الصفة في القلب و لو كان صاحبها مسلطا على نفسه مانعا عن تأثيره في الخارج و عن ظهوره في الأقوال و الأفعال، أو الصفة مع قصد صاحبها لأعمالها في الخارج متى أتاحت له الفرصة و لو لم يظهر منه شي‌ء بعد، أو هو نفس الآثار الخارجية المسببة عنها من الأقوال و الأفعال و الكتابة و غيرها التي تصدر لغرض إيراد النقص على المحسود و إزالة نعمته وجوه.

ظاهر إطلاق بعض حرمة الجميع إلا أن ذلك غير مراد قطعا إذ القسم الأول غير اختياري في الغالب أو مطلقا، لورود النصوص بأنه لا يخلو من الحسد أحد نبي فمن دونه، و أما القسم الثاني فظاهر بعض حرمته كما عرفت، لكن الحكم بالحرمة ينافي حكمهم بعدم قدحه في العدالة فالحكمان متنافيان فالصواب هو الثالث و مقتضاه كون الحرام ظهور الحسد في الخارج في قالب القول أو الفعل على اختلاف مراتبها.

و يشهد بذلك عدة من النصوص كخبر حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه التفكر في الوسوسة (الوسوسة في التفكر) و الطيرة و الحسد إلاّ ان المؤمن لا يستعمل حسده (الوسائل 15 ص 366) و خبر المجالس قال النبي صلّى اللّه عليه و آله في الحسد: انه ليس بحالق الشعر لكنه حالق الدين و ينجي فيه ان يكف الإنسان يده و يخزن لسانه و لا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن انتهى. فيظهر منه ان حلق الحسد للدّين و إزالته فيما إذا لم يكف الحاسد يده و لا لسانه و إلاّ فلا يكون حالقة، و صحيح داود في قول اللّه تعالى لموسى (ع) يا بن عمران


لا تحسدن الناس على ما أتيتهم من فضلي و لا تمدن عينيك إلى ذلك و لا تتبعه نفسك، فإن الحاسد ساخط لنعمتي انتهى. و مد العين و اتباع النفس للحسد عبارة عن أعماله بالحركات الخارجية وفق ما تقتضيه صفة الحسد. و قوله تعالى‌ أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنََّاسَ عَلى‌ََ مََا آتََاهُمُ اَللََّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، ظاهر في العمل على وفقه، و حسّاد ولاية الأئمة عليهم السلام الذين هم المقصودون بالآية الشريفة ما كان حسدهم إلا بإظهار تلك في جميع مراحله القولية و الفعلية. و قد ذكرنا في العجب كلاما يناسب المورد.

ثم انه لا بد حينئذ من ملاحظة الآثار المسببة عن هذه الصفة فإنهم قد حكموا بكونها من المعاصي الكبيرة كثيرة المفسدة عظيمة المغبة، فإن مقتضى ذلك كون كل كلمة أو حركة يسيره من فعلة أو لفظة أو كتابة أو نحو ذلك إذا صدرت عن تلك الصفة و في طريق أعمالها معصية كبيرة موبقة. و نظيره ما يترائى من تعلق التحريم أو الوجوب بصفات النفس في موارد كثيرة: كقوله العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم، فإن ظاهره الشركة في الإثم و العقاب، و ما ورد في ذم قسوة القلب من قوله صلّى اللّه عليه و آله و القاسي القلب مني بعيد و البعد من آثار العصيان، و قوله صلّى اللّه عليه و آله رأس كل خطيئة حب الدنيا، و قوله ملعون من ترأس ملعون من حدّث بها نفسه، و وجوب الصبر على الطاعة و ترك المعصية، و وجوب حسن الظن باللّه، و حرمة سوء الظن، و وجوب الخوف من اللّه تعالى، و وجوب اليقين باللّه في الرزق و العمر و غير ذلك من الموارد، و المسألة غير منقحة في الفقه.

* حضن الحضانة*

الحضانة بالكسر و الحضن و الاحتضان في اللغة التربية، يقال حضن الصبي يحضنه من باب قتل ربّاه، و في المجمع حضن الطائر بيضه يحضنه إذا ضمّه إلى نفسه تحت جناحه، و كذا المرأة إذا حضنت ولدها، و الحضانة بالفتح و الكسر اسم منه، و هي ولاية على الطفل و المجنون لفائدة تربيته و ما يتعلق بها من حفظه، و جعله في سريره، و رفعه، و غسل ثيابه، و بدنه، و مشطه، و جميع مصالحه غير الرضاعة انتهى.


و الكلمة مستعملة أو مصطلحة في الفقه في باب النكاح في خصوص حضانة الأم أو الأب للولد و تربيتهما له، و لعل حقيقتها المتشرعية هنا هي الولاية على الطفل ولاية خاصة اعتبرها العقلاء و العرف و أمضاها الشرع رعاية لبقاء المجتمع و حفظا لحياة نسله المتسلسل، و من فوائدها و آثارها ما ذكره في المجمع و قد رتب عليها في الشريعة أحكام ذكرها الأصحاب في الفقه في باب النكاح نظير أن الأم أحق بحضانة الولد و تربيته في الحولين ذكرا كان الولد أو أنثى، فليس للأب أن يأخذه منها و إن فطم من اللبن سواء كانت هي المرضعة له أو غيرها، و أنه إذا انقضت مدة الحولين فالأب أحق بالذكر و الأم بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين من عمرها، ثم يكون الأب أحق بها، و أنه لو اتفق ان الزوج فارق الأم بفسخ أو طلاق قبل السبع لم يسقط حقها ما لم تتزوج بالغير، فإذا تزوجت سقط حقها عن الذكر و الأنثى و كانت الحضانة للأب، و هي تسقط بالبلوغ مطلقا و هكذا.

* حفظ كتب ضلل حفظ كتب الضّلال*

مفهوم العنوان بيّن و قد وقع مورد البحث في الفقه، و ذكروا انه رتب عليه أحكام في الشريعة، و يتوقف تشخيص الحق في المقام على بيان المراد من متعلق الحكم و موضوعه أعني كتب الضلال و الحفظ المتعلق به، أما الأول فالظاهر أن المراد كل كتاب أو ما أشبهه يكون سببا للإضلال و حصول الانحراف في العقائد الأصولية، أو في الأخلاق، أو في الأحكام الفرعية، بل كلما كان مشتملا على الأكاذيب فيما يتعلق بحالات الأنبياء عليهم السلام و الأوصياء عليهم السلام و الملائكة عليهم السلام و أحوال البرزخ و حالات القيامة و ما بعدها، فيشمل الكتب السماوية المحرفة و كتب الأديان و المذاهب الباطلة، و المكاتب المضلة، و كتب القصص الكاذبة و الاشعار اللهوية، و المقالات المجعولة المكذوبة، و المشتملة على الصور و التماثيل و الأساطير المحركة للشهوة و الغضب و سائر الحالات و الملكات الرذيلة، و كذا الشريطات المعدة للتسجيل مصورة أو غير مصورة إذا كان محتواها مما في الكتب المذكورة، و الضابط كلما كان وسيلة لحفظ المطالب الباطلة الموجبة للفساد، و الإضلال في‌


افراد المسلمين أو مجتمعهم أو غيرها مما يستفيد منه مختلف حواس الإنسان.

و أما الثاني أي الحفظ فالمراد به كل عمل يكون سببا لبقاء المطالب الباطلة المضلة و انتشارها و شيوعها في الذين آمنوا بل و غيرهم، و انتقالها من إنسان إلى آخر، و من قلب إلى قلب، و من كتاب إلى كتاب و من مرحلة القلة إلى الكثرة، و من العلم إلى العمل و هكذا، فيشمل تأليف الكتب و تصنيفها و تفسيرها و ترجمتها من لغة إلى أخرى و كتابتها و طبعها و تكثيرها، و حملها من بلد إلى آخر و من قوم إلى آخرين، و في كتاب المكاسب للمحقق الأنصاري انه يحتمل ان يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال، و ان يراد ما أوجب الضلال و ان كان مطالبها حقه، كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة على ظواهر منكرة يدّعون أن المراد غير ظاهرها.

و كيف كان فالمشهور أو المتفق عليه عندنا حرمة الحفظ بل ادعى عدم الخلاف في ذلك في الجملة و ان كان بعض مصاديق الموضوع أو المتعلق محل خلاف.

تنبيه:

استدلوا على حرمة العنوان المذكور بحكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد، و الحفظ إبقاء لها فيحرم، و بقوله تعالى‌ (وَ مِنَ اَلنََّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللََّهِ) مع فرض ان ما تحويه تلك الكتب من لهو الحديث، و قوله تعالى‌ (وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ) و الزور، الكذب و الغناء و قوله: انما حرم اللّه الصناعة التي يجي‌ء منها الفساد محضا، و قوله:

أو ما يقوى به الكفر و الشرك في جميع وجوه المعاصي و غيرها.

* حقق الحق*

الحق في اللغة مصدر بمعنى الثبوت، من حق يحق إذا ثبت، و الحق أيضا هو الثابت و لذا يفسر باللازم و الواجب، و قد وقع الاختلاف في حقيقته في مصطلح الفقهاء، و أحسن القول فيه انه نوع من السلطنة و الملكية و مرتبة ضعيفة منها مجعولة من ناحية العقلاء و الشرع، فكأنّ صاحبه مالك لشي‌ء و أمره بيده و يكون متعلقة تارة


الشخص، كحق القصاص و حق الحضانة، و أخرى العين كحق التحجير و حق الرهانة و حق الغرماء في تركة الميت، و ثالثة العقد كحق الخيار، ففي جميع الفروض يفرض ذو الحق كأنه مالك لشي‌ء و أمره بيده، لكنه غير الملك و غير الحكم الاصطلاحيين، أما الملك فإنه سلطنة تامة و مرتبة قوية من الاحتواء، فترى ان الإنسان إذا حجّر مواتا من الأرض مثلا ثبت له ملكية ضعيفة تسمى حق التحجير، لا يترتب عليه أغلب آثار الملكية كالبيع و الوقف و نحوهما، و إذا أحياها و أعدها للاستفادة ثبت له ملكية تامة و ترتبت عليها جميع آثارها من البيع و الهبة و الوقف و نحوها. و أما الحكم فهو و إن كان مجعولا أيضا كالحق، إلاّ ان بينهما فرقا فان المجعول في الحق السلطة على الشي‌ء، و في الحكم مجرد الرخصة في الشي‌ء أو المنع عنه نظير جواز شرب الماء و أكل اللحم، و الأول قابل للإسقاط في الغالب و الثاني غير قابل له لعدم كون أمره بيده.

و لذا قد يقال ان الفرق بين الحق الثابت في العقود اللازمة و الثابت في العقود الحائزة، هو الفرق بين الحق و الحكم، فان المجعول من الشرع في الأول السلطة كالخيار في البيع و نحوه، و في الثاني الجواز و الرخصة كالجواز في الهبة و العارية. هذا كله في معنى الحق لغة و اصطلاحا على النحو الكلي. و أما تشخيص المصاديق و الصغريات، و تمييز الحقوق من الملك و الحكم في مختلف أبواب الفقه، فهو على عهدة الفقيه الباحث عن أحوالها فإنه كثيرا ما يشتبه الحال و يصعب التمييز، و لا يتحصل إلاّ بالاجتهاد في ظواهر النصوص، و استنطاق ألسنة الأدلة، و التحري في الآثار المترتبة على العناوين المذكورة، فلو ثبت عنده جواز الإسقاط في مورد كحق الخيار في البيع و نحوه كشف عن كونه حقا و لا كذلك لو ثبت عدم إسقاطه، فإنه لا يكشف مطلقا عن كونه حكما إذ من الحق أيضا ما لا يسقط بالإسقاط كحق فسخ الهبة و نحوه فيرجع إلى آثار أخر.

ثم إن الأصحاب قد تعرضوا لبيان أقسام الحق و أنواعه فقسموه تارة بلحاظ صحة إسقاطه و نقله بعوض أو بلا عوض إلى أقسام:

منها: ما لا يصح إسقاطه و لا نقله و لا ينتقل بالموت كحق الأبوة و ولاية الحاكم و حق الاستمتاع بالزوجة.


و منها: ما يجوز إسقاطه و لا يصلح نقله و لا ينتقل بالموت كحق الغيبة و الشتم.

و منها: ما ينتقل بالموت و يصح إسقاطه و لا يصلح نقله كحق الشفعة.

و منها: ما يصلح نقله و إسقاطه و ينتقل بالموت كحق الخيار و حق القصاص و حق الرهانة و حق التحجير و حق الشرط و غير ذلك.

و اخرى بملاك قابلية ثبوته بشهادة الرجال، أو النساء منضمات، أو بالاستقلال مع انضمام اليمين، أو بدونه، إلى أقسام فقسموه إلى حق اللّه و حق الناس ثم فصّلوا مواردهما، و الظاهر ان المراد بحق اللّه تعالى كلما كان ثبوته سببا لثبوت حق اللّه تعالى و حد من حدوده الجزائية أو غيرها من أحكامه، إطلاقا للمسبب على السبب فيشمل ارتكاب الكبائر كلها، و ثبوت هلال شهر رمضان و غيره، ليثبت وجوب الصوم أو وجوب الفطر أو غيرهما.

و المراد بحقوق الناس كل قول أو فعل يكون تحققه الخارجي سببا لثبوت حق للناس دنيوي أو أخروي، كالدين و الإتلاف و نحوهما، و بذلك قد عدّوا في باب الشهادات أكثر الموضوعات و الأفعال التي تصدر من الإنسان من الحقوق، ثم ذكروا أنها من حيث أدلة ثبوتها تنقسم إلى حقوق اللّه و حقوق الآدمي، و الأول منه ما يثبت بأربعة رجال كالزنا و اللواط و السحق، و منه ما يثبت بشاهدين و هو ما عدا ذلك من الجنايات الموجبة للحد، كالسرقة و شرب الخمر و الردّة، و لا يثبت شي‌ء من حقوق اللّه بشاهد و امرأتين و لا بشاهد و يمين و لا بشهادة النساء منفردات.

و أما حقوق الآدمي فمنها ما لا يثبت إلا بشاهدين و هو الطلاق، و الوكالة، و النسب، و منها ما يثبت بشاهدين، و شاهد و امرأتين، و شاهد و يمين، و هو الديون و الأموال كالقرض، و القراض، و الغصب، و عقود المعاوضات.

و منها ما يثبت بالرجال و النساء منفردات و منضمات و هو الولادة و الاستهلال و عيوب النساء الباطنة، و ضابطه كلما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا.

تنبيه: ذكر الأصحاب ان في الفقه موردين يثبت فيهما شهادة المرأة على حسب‌


عددهن، بمعنى إنه يثبت تمام المشهود به بشهادة الأربع منهن، و ثلاثة أرباعه بشهادة ثلاثة، و نصفه بشهادة ثنتين، و ربعه بشهادة واحدة، أحد الموردين استهلال الصبي و الآخر الوصية، فإذا مات الرجل و لم يترك إلاّ زوجه حاملا فوضعت ولدا شك في حياته عند الولادة، فشهادة الجميع تثبت تمام الميراث له، و شهادة البعض تثبت بعضه، و كذا فيما إذا شهدن بالوصية بالمال، و راجع في ذلك عنوان الشهادة.

* حلل الحلال*

الحلال في اللغة ضد الحرام فهو مصدر بمعنى المفعول، من حل الشي‌ء يحل حلا من باب ضرب أي كان حلالا سائغا، و حل المحرم يحل حلالا و أحل إحلالا إذا خرج عن الإحرام و حل له محظوراته، و في المفردات، و من حل العقدة أستعير قولهم حل الشي‌ء حلا قال تعالى‌ (وَ كُلُوا مِمََّا رَزَقَكُمُ اَللََّهُ حَلاََلاً طَيِّباً) .

و كيف كان فقد كثر استعمال اللفظ في الفقه في معناه اللغوي و هو ما قابل الحرام و أطلقوه على كل ما هو سائغ شرعا أو محلل عقلا، فيشمل جميع العناوين التي تقبل الجواز و الحلية، من العقائد، و أفعال الجوانح، و أعمال البدن و الجوارح، و لفظات اللسان و أقواله.

ثم ان الحلال أحد العناوين التي تكون موضوعا للأحكام الخمسة التكليفية و هي ذلك و الواجب و المندوب و الحرام و المكروه و لا يخلو شي‌ء مما يصدق عليه الفعل الاختياري للمكلف إلاّ و هو داخل تحت أحدها و متعلق بأحد تلك الأحكام. و ذكروا ان الحلال على قسمين الأول هو الفعل العاري عن كل مفسدة و مصلحة و الساذج عما يتقضي تعلق البعث و الزجر به كبعض الحركات البدنية و لفظات اللسان أو أكثرها، و الثاني هو الفعل الذي جمعت فيه مصلحة ملزمة أو غير ملزمة مع مفسدة كذلك بحيث لا يترجح إحداهما على الأخرى، و قد سموا القسم الأول حلالا أو مباحا لا اقتضائيا و الثاني حلالا أو مباحا اقتضائيا و لا مشاحة في الاصطلاح. و كيف كان فقد وقع البحث في الفقه عن الحلال من‌


حيث دلالة الدليل فذكروا ان الأصل المجعول من جانب الشرع في كل فعل أو قول لم يرد بوجوبه أو حرمته من الشارع دليل هو كونه حلالا واقعيا و مرخصا فيه برخصة واقعية. كما انه إذا شك في حلية فعل أو قول أو حرمته بشبهة بدوية لعدم وصول دليل فيه إلينا أو لكون دليله مجمل الدلالة أو لكونه معارضا لدليل آخر فالأصل فيه الحلية الظاهرية.

و استدلوا على الحلية الواقعية فيما لم يرد فيه دليل على البعث و الزجر بقوله تعالى‌ (وَ مََا كُنََّا مُعَذِّبِينَ حَتََّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (15 الإسراء) بناء على ان بعث الرسول كناية عن جعل الحكم و إبلاغه إلى المكلف، و عدم التعذيب كناية عن عدم الحكم، فما لم يتعلق به إيجاب أو تحريم فهو حلال واقعا، هذا و يخدش في دلالتها بأنها تكشف عن اقتضاء العناية الإلهية ان لا يعذب قوما بعذاب الاستيصال و هو عذاب الدنيا إلاّ بعد ان يبعث إليهم رسولا فيؤكد لهم الحجة و يقرعهم بالبيان بعد البيان. و هذا أجنبي عن استحقاق العقاب بما شك في جعله و تشريعه.

و قوله عليه السلام: ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم. أي كل حكم إلزامي لم يعلمه اللّه تعالى لعباده بلسان نبيه و لو بعد إنزاله عليه فهو موضوع عنهم و هم مرخصون في مورده.

و استدلوا على الحلية الظاهرية عند الشك بقوله عليه السلام: رفع عن أمتي ما لا يعلمون و قوله: كل شي‌ء لك حلال حتى تعلم انه حرام و قوله عليه السلام: الناس في سعة ما لا يعلمون و قوله: كل شي‌ء لك مطلق حتى يرد فيه نهي.

* حلف الحلف*

للقسم ألفاظ في اللغة و العرف بعضها اسم و بعضها فعل و بعضها حرف، نظير كلمة القسم، و الحلف، و اليمين، و أيمن اللّه، و ما يستعمل فيه من مشتقاتها، و كلمة الواو، و الباء، و التاء و ما أشبهها، و الموضوع له في الكل إنشاء تأكيد أمر و تحكيمه، و ليس لهذه الألفاظ معنى خاص في الشريعة و لا في الفقه و قد وقعت بمعناها اللغوي موضوعا للحكم‌


و موردا للبحث في الفقه، فذكروا ان معنى القسم يتقوم بأمرين المقسم به و المقسم عليه، و حينئذ فيستعمل تارة في مقام التأكيد لما قصده الشخص من فعل أو ترك في المستقبل، و أخرى لإثبات مال أو حق أو نفيه في مقام الدّعوى، و الأول موضوع لأحكام خاصة من تكليف أو وضع مذكور تحت عنوان اليمين، في مقابل النذر و العهد، و الثاني موضوع لأحكام خاصة في باب الدعاوي إذا صدر من المنكر أو المدّعي، و المقسم به في البابين واحد مشروط بشروط معينة تعرضنا له تحت عنوان اليمين، و قد ذكروا في بيان حكم القسم و المقسم عليه في الدعاوي، انه يعتبر ان يكون الحلف في مقام الدعوى عند الحاكم و في مجلس القضاء، و انه لا فرق في لزوم الحلف باللّه بين ان يكون الحالف و المستحلف مسلمين أو كافرين أو مختلفين، بل و لا بين كون الكافر معتقدا باللّه أو جاحدا، و في جواز إحلاف أهل الكتاب بما يقتضيه دينهم كالتوراة و الإنجيل إشكال، أقربه عدمه، كما ان الحلف بغير اللّه تعالى كالنبي و القرآن و الكعبة و نحوها لا أثر له في مقام الدعوى.

* حنط شعر الحنطة-الشعير*

مفهوم الحنطة في اللغة و العرف أوضح من أن يجعل غيره معرفا له و يسمى أيضا قمحا بالفتح و برّا بالضم و علسا بالتحريك و هذا ضرب من الحنطة يكون له حبتان أو أكثر في قشر واحد، و ليس للكلمة اصطلاح خاص شرعي أو متشرعي و قد وقعت في الفقه موضوعا للأحكام في موارد كثيرة.

منها: أنها أحد الأجناس التسعة التي تكون متعلقة للزكاة و وضع النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله عليها ضريبة مالية سماها زكاة المال، و عين لها نصابا و حدّد فريضتها بالعشر و نصف العشر على اختلاف كيفية وصول الماء إليها فراجع عنوان الزكاة.

و منها: أنها إحدى مصاديق ما يقوت به الغالب بل هي أعظمها و أهمها كما هي أعمها فيجب إخراج زكاة الفطرة منها و هي زكاة الإسلام و الأبدان. و ذكروا لوجوب إخراجها شروطا تحت عنوان زكاة الفطرة فراجع. ـ


و منها: انّها متعلق لأهم مصاديق الخصال في الكفارات و هي الإطعام و الإعتاق و الصيام، و ربما ينضم إليها الإكساء فيجب إخراجها بعنوان الكفارة تخييرا بينها و بين الخصال الأخر في بعض الموارد و تعيينا في بعضها الآخر و ترتيبا في ثالث و جمعا بينها في رابع.

و منها: أنها إحدى الأجناس التي تحرم احتكارها مع حاجة الناس إليها فإنهم ذكروا الاحتكار، و اختلفوا في أعيان ما يتحقق به، و القدر المتيقن تحققه في الغلات الأربعة و في رأسها الحنطة سواء خصّصنا التحريم بالغلات أو عمّمناه لكل ما يحتاج الناس إليه في معاشهم، و لم توجد إلاّ عند من حبسه انتظارا لغلاء السعر، فيكرهه الحاكم على البيع أو يبيعها بنفسه إذا امتنع أو أجحف في السعر و التفصيل تحت عنوان الاحتكار.

و منها: أنها قد عدت مع الشعير نوعا واحدا في باب الرّبا على خلاف القاعدة، فتحرم معاملتهما متفاضلين كما إذا أراد بيع منّ من حنطة بمنين من شعير و لا يشتركان في الحكم في باب الزكاة و غيره.

و منها: أنها تقع بدل كفارات الصيد إذا عجز الناسك عن الواجب بالأصالة، فإذا ارتكب بعض محرمات الإحرام كصيد النعامة، أو بقرة الوحش، أو حماره، أو الظبي، أو الثعلب، أو الأرنب، أو كسر بيض النعامة، فوجب عليه كفاراتها من البدنة أو البقرة أو الشاة أو بكرة الإبل، فعجز عنها، تبدل الواجب إلى فضّ ثمنها على البرّ و دفعها إلى المستحق على اختلاف قيم الكفارات، و قد تقع الحنطة بنفسها أيضا كفارة لبعض محرمات الإحرام و ذكرنا بعض ما يتعلق به تحت عنوان الكفارة و تفصيلها في الفقه.

و اما الشعير: و هو الحب المعروف أصله و دقيقه و خبزه و هو طعام الأنبياء و الزهاد، و ماؤه و عصيرة شراب الفسقة و أهل الفساد، و يسمى أيضا بالسلت بالضم فالسكون، و هو ضرب منه لا قشر له و يكون كالحنطة في ملاسته و الشعير في طبعه و الشعير يساوي الحنطة في أغلب الأحكام المذكورة و يختلفان في الجملة.


* حول عوم سنه الحول-العام-السنة*

الحول في اللغة مصدر من حال الشي‌ء إذا تحرك و مضى و من حال حولا إذا تحول من حال إلى حال، و الحول السنة لأنها تحول أي تمضي، و يعبر عنه بالعام أيضا، و الحول هو مجموع الفصول الأربعة للسنة كاملة متوالية. و اللفظ بمعناه اللغوي قد وقع موضوعا للبحث في الفقه في موارد:

منها: انه قد جعل شرطا في باب الزكاة لتعلق الزكاة بالأنعام الثلاثة و النقدين مع اجتماع سائر شرائطها، فإذا مضى عليها حول من حين تملك المالك لها أو انقضاء حولها السابق تعلق بها الزكاة، و ذكروا انه لا يشترط انقضاء الشهر الثاني عشر كما هو مقتضى القاعدة، بل تجب و تستقر بدخول الحول الثاني عشر، لكن يحسب الشهر المذكور من الحول الثاني.

و منها: انه ملحوظ في تعلق الخمس بأرباح المكاسب و الفوائد في باب الخمس فإنه يجب إخراج خمس كل ربح زاد عن مؤنة حول الرابح بمحض حصوله إذا اجتمعت سائر شرائطه، فإذا حصلت الفائدة و ظنّ أو اطمأن المالك بالزيادة فقد تنجز الوجوب، لكن الشارع رخّص في تأخيره سنة إرفاقا له و رعاية لاحتمال حدوث حاجة تقتضي زيادة المؤنة، و الظاهر ان الحكم كذلك و ان علم بعدم عروضها فإن ذلك حكمة للحكم لا علّة.

و منها: لحاظه في بلوغ الصغير و كماله ذكرا كان أو أنثى، فإنه قد اشترط في كمال الذكر بلوغ سنة إلى خمسة عشر حولا، بمعنى تمامية هذا الحد، و في كمال الأنثى بلوغها إلى انتهاء التسعة، إذا لم يتقدم على الحدين أمارة أخرى دالة على البلوغ كالاحتلام و الحيض و إنبات الشعر الخشن على العانة مثلا، فالإنسان في الشريعة فيما قبل تمام الحدين محكوم بالصغر و القصر و رفع قلم التكاليف الإلزامية و بعض الأحكام الوضعية، أو قلم المؤاخذة الدنيوية و الأخروية عدا ما استثني، و هو محكوم بالبلوغ و تنجّز جميع التكاليف الإلزامية و الوضعية عليه بعد تمام الحدين.

و منها: لحاظه في إرضاع الطفل فإنه قد جعل حد إرضاعه في الشريعة حولين كاملين‌


لمن أراد أن يتم الرضاعة، فليس للأبوين إرضاعه اللبن بعد انقضاء تلك المدة، و لا فرق في ذلك بين الأم و غيرها كما أنه يكره لهما إرضاعه أقل من ذلك، فإنه سوء عشرة و منع عن الحق و ترك للإنفاق الواجب.

و منها: لحاظه حدا في الشريعة لمدة الحمل فإن الظاهر أن أكثر مدة الحمل سنة، و إن وقع الاختلاف في ذلك فذهب الأكثر أو المشهور إلى كونه تسعة أشهر و في الناس من ذهب إلى كون أكثر الحمل أربعة أحوال و نعوذ باللّه من الحبّ الذي يعمى و يصم.

و منها: لحاظه في تأدية أقساط الدية فإن الشارع قد عيّن مدة التأدية بالأحوال في العمد و شبه العمد و الخطأ المحض، فتستأدى دية العمد في سنة واحدة، و ليس للجاني التأخير إلاّ مع التراضي، نعم له التخيير في كيفية الأداء في خلال السنة، فليؤدها في أولها أو آخرها أو وسطها، و تستأدى دية شبه العمد في سنتين، و تستأدى دية الخطأ محضا في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها، و لا فرق في ذلك بين أقسام الدية كدية قتل النفس رجلا أو امرأة أو جنينا، و دية العضو كقطع اليد و الرجل و قلع العين و قطع اللسان و نحوها، و دية المنافع كإزالة العقل و السمع و البصر و نحوها.

و منها: لحاظه في حق الحضانة فإن الأم أحق بحضانة ولدها مدة الرضاع و هي حولان فليس للأب أخذه منها في المدة و إن فطمته عن اللبن، و فيما بعد ذلك يكون الأب أحق بالذكر مطلقا و الأم بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين ثم يكون الأب أحق بها بعدها و التفصيل تحت عنوان الحضانة.

* حول الحوالة*

الحوالة بالفتح في اللغة اسم من أحال يحيل إذا نقل، و في المجمع أحلته بدينه إذا نقلته من ذمتك إلى ذمة غيرك و الاسم الحوالة، و هي في مصطلح أهل الشرع عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله أو غير مشغولة، بشرط رضا الثلاثة و أقصر بعض على رضا المحيل و المحتال انتهى.


و الحوالة قد عرّفت في كلمات الفقهاء بتعاريف أسدّها و أخصرها أنها إنشاء إحالة المديون دائنه إلى غيره، أو انّها إنشاء تحويل المديون ما في ذمته إلى ذمة غيره، فحقيقتها الإنشاء العقدي، و تحقق موضوعها يتوقف على أمور أربعة: المحيل و هو المديون، و المحتال و هو الدائن، و الدين الثابت على الأول للثاني، و المحال عليه الذي ينتقل الدين إلى ذمته و هو قد يكون مديونا للمحيل فتكون الحوالة على مشغول الذمة، و قد لا يكون فالحوالة على البري‌ء. و على هذا فلا ينتقض التعريف بدخول الضمان فيه فإنه عبارة عن إحالة الثالث دين المديون إلى ذمته و قد كانت الحوالة إحالة المديون دينه إلى الثالث، و كم من فرق بينهما.

ثم إن الحوالة من العقود اللازمة، إيجابها من المحيل و قبولها من المحتال، و ثمرتها انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه و فراغ ذمة المحيل، و إن كان المحال عليه مديونا للمحيل تفرغ بها ذمته عن المحيل و تشتغل بدين المحتال، و ذكر الأصحاب في تمامية هذا العقد أمورا:

الأول: انه يكفي في إيجابه و قبوله كلّما دل على المقصود كقوله أحلتك بما في ذمتي على فلان أو خذ دينك منه و يقبل الآخر.

الثاني: انه يشترط في المحيل و المحتال و المحال عليه البلوغ و العقل و الرشد و الاختيار.

الثالث: ان يكون المال المحال به ثابتا في ذمة المحيل فعلا، و لا يكفي الثبوت الشأني.

كأن يقول العامل في الجعالة لدائنه قبل العمل أحلتك على الجاعل، أو يقول الذي يريد الإقراض لدائنه أحلتك على المستقرض.

الرابع: ان يقبل المحال عليه أيضا في الحوالة على البري‌ء.

* حيض الحيض*

الحيض في اللغة السيلان، و كثر استعماله في اللغة و العرف في سيلان دم المرأة عن عروق الرحم إلى فضائه، أو من الرحم إلى الخارج، يقال حاضت المرأة و تحيضت سال دمها، و أكثر من ذلك استعمال الحيض في نفس الدم السائل، و نظيره المحيض، و في المجمع‌


الحيض اجتماع الدم و حاضت المرأة إذا سال دمها في أوقات معلومة فإذا سال الدم من غير عرق الحيض فهي مستحاضة انتهى. و في المفردات الحيض الدم الخارج من الرحم على وصف مخصوص في وقت مخصوص و المحيض وقت الحيض و موضعه انتهى.

ثم ان الحيض مستعمل في النصوص و كلمات الأصحاب في معناه اللغوي و العرفي، و عرّفه أكثرهم بأنه دم خلقه اللّه تعالى في الرحم لمصالح و هو في الغالب أسود أو أحمر غليظ طريّ حارّ يخرج بقوة و حرقة، كما أن دم الاستحاضة بعكس ذلك و ذكروا في مقام بيان أقسامه و أحكامه المترتبة عليه أمورا:

الأول: ان هنا شروطا لها دخل في تحقق موضوعه أو ترتب الحكم عليها، منها ان يكون خروجه بعد بلوغ المرأة و قبل يأسها، فما تراه قبل البلوغ أو بعد اليأس لا يحكم بحيضيته و لا يترتب عليه حكمه، فيحكم بكونه من استحاضة أو غيرها، و منها ان لا يكون سيلانه أقل من ثلاثة أيام، فلو نقص عنها و لو ساعة أو ساعتين لا يكون حيضا.

و منها أن يكون الخروج متواليا في الثلاثة و لو بوجوده في فضاء الفرج، فلو انقطع ساعة أو ساعتين في أثناء الثلاثة لم يكن حيضا، على اختلاف في ذلك. و منها ان لا يكون أكثر من عشرة أيام. و منها أن لا يكون بين الحيضتين أقل من عشرة أيام و إلاّ لم يكن أحد الدمين أو كلاهما حيضا.

الثاني: انهم قد قسموا المرأة الحائض إلى أقسام فإنها أما ذات عادة، أو غير ذات عادة و الاولى أما وقتية و عددية كما إذا رأت الدم في أول شهر خمسة أيام و في أول الشهر الآخر أيضا خمسة و هكذا، أو وقتية فقط كما إذا رأت في أول شهر خمسة و في أول شهر آخر ستة، أو عددية فقط كما إذا رأت في أول شهر خمسة و بعد عشرة أيام أو أكثر رأت خمسة أخرى.

و الثانية أما مبتدئة و هي التي لم تر الدم سابقا و كان ما رآه أوله، أو مضطربة و هي التي رأت الدم مكررا لكن لم تستقر لها عادة، و أما ناسية و هي التي نسيت عادتها و يطلق عليها المتحيرة أيضا.


ثم إنهم ذكروا ان حكم ذات العادتين و ذات العادة الوقتية فقط، الحكم بحيضية الدم و ترك العبادة بمجرد رؤية الدم، و لو لم يكن الدم بصفات الحيض، و أما غيرهما و هي ذات العادة العددية فقط و المبتدئة و المضطربة و الناسية فهي تترك العبادة و ترتب أحكام الحيض بالرؤية إذا كان الدم بصفات الحيض، و مع عدمه تحتاط إلى ثلاثة أيام، فإن رأت ثلاثة أو أكثر فهي حيض و إن تبين الخلاف تقضي ما تركته، و الاحتياط هنا هو الجمع بين تروك الحائض و أعمال المستحاضة كما سيأتي.

الثالث: ذكر الأصحاب ان الحيض من موجبات الأحداث الكبيرة كخروج المني، و قد رتب في الشرع على عنوان الحائض أحكاما من تكليف و وضع، الأول انه يحرم عليها العبادات المشروطة بالطهارة، كالصلاة و الصوم و الاعتكاف و الطواف. الثاني انه يحرم عليها مس كتابة القرآن و مس اسم اللّه تعالى و أسماء صفاته الخاصة، بل و أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام على الأحوط. الثالث قراءة آيات السجدة بل و سورها على الأحوط. الرابع اللبث في المساجد. الخامس وضع شي‌ء فيها. السادس الاجتياز من المسجدين الشريفين و المشاهد المشرفة للمعصومين (ع) . السابع وطيها في القبل و كذا الدبر على الأحوط، و يجوز سائر الاستمتاعات. الثامن وجوب الكفارة لوطيها على الأحوط. التاسع بطلان طلاقها إذا كانت مدخولة و كان زوجها حاضرا و لم تكن حاملا، فلو لم تكن مدخولا بها، أو كان زوجها غائبا، أو بحكم الغائب بأن لم يكن متمكنا من استعلام حالها، أو كانت حاملا صح طلاقها حال حيضها.

* ختن الختان*

الختان بالكسر اسم مصدر من ختن يختن الشي‌ء قطعه، و ختن الصبي قطع قلفته و الصبي ختين و مختون، و في المجمع الختان بالكسر و قد يؤنث بالهاء موضع القطع من الذكر، و قد يطلق على موضع القطع من الفرج، و المراد من التقاء الختانين تقابل موضع قطعهما، و ختن الخاتن الغلام من باب ضرب فعل به ذلك فهو مختون انتهى.


و ليس له اصطلاح خاص و وقع البحث عنه في الكتب الفقهية، و رتب عليه في الشريعة أحكام إيجابية و ندبية، نظير ما ذكروا انه يندب لأولياء الذكر ختنه اليوم السابع من ولادته، و لو أخروا بقي الاستحباب إلى زمان بلوغه، و إذا بلغ وجب عليه أن يختن نفسه و حرم عليه البقاء على الغلفة، فوجوبه فوري بحيث لو أخر وجب فورا ففورا، و هذا بالإجماع و الضرورة من المذهب و الدين، و هو مندوب للأنثى، و لو أسلم الكافر غير المختون وجب عليه الختان و لو كان مسنا، و الواجب من الختان قطع الجلدة السائرة للحشفة لتبقى الحشفة ظاهرة.

تنبيه: قد ورد في النصوص أن الختان من سنن المرسلين بمعنى كونه من دينهم و أنه من الحنفية و أنه سنة واجبة للرجال و مكرمة للنساء.

* خرج الخراج*

الخراج مثلثة الخاء في اللغة ما يخرج من غلة الأرض و المال، و المال المضروب على الأرض، و الجزية، و في المجمع الخراج بفتح المعجمة ما يحصل من غلة الأرض، و ظهر النبي (ص) على خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض لهم أي فصالحهم على ذلك انتهى. و في المفردات و الخراج مختص في الغالب بالضريبة على الأرض، و قيل العبد يؤدي خرجه أي غلته و الرعية تؤدي إلى الأمير الخراج انتهى.

و كيف كان فيطلق الخراج في الفقه على غلة كل أرض محياة أخذها المسلمون من الكفار عنوة فصارت لجميع المسلمين إلى آخر الدنيا، و على غلة كل أرض انجلى عنها أهلها و تركوها رغبة عنها أو خوفا من المسلمين، فما أخذه الوالي من غلة هذه الأراضي فهو خرج و خراج، و قد يطلق على الجزية و هي ما يضربه السلطان على رؤوس أهل الذمة أو على أراضيهم.

ثم انهم ذكروا ان الخراج أمره بيد الامام يصرفه حيث يراه صلاحا لحال الإسلام و المسلمين، و قد ورد في تقبيل الأراضي المفتوحة عنوة للعاملين، انه ليعطي الإمام حصتهم‌


من غلاتها، و يأخذ الباقي فيكون أرزاق أعوانه على دين اللّه و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد و غير ذلك مما فيه مصلحة العامة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير انتهى أي لا حصة له منها بعنوان شخصه و ان استحق بعنوان إمامته و ادارة شؤون ولايته و نفقة أعوانه.

* خطب الخطبة*

الخطبة بالضم في اللغة مصدر خطب يخطب من باب قتل إذا وعظ، يقال خطب القوم و في القوم خطبة و خطابة و عظهم، و في المجمع الخطب و المخاطبة و التخاطب المراجعة في الكلام و منه الخطبة لكنها بالضم تختص بالموعظة و بالكسر بخطبة النساء و هي من الرجل انتهى. و ظاهر ما ذكره أهل اللغة ان مادة خطب و مشتقاتها أما بمعنى الوعظ و التكلم في غير طلب الزوج فالمصدر منها الخطبة بالضم، و أما بمعنى التكلم في طلب الزواج فالمصدر منها الخطبة بالكسر.

و كيف كان قد اشتهر استعمال الخطبة بالكسر في الدعوة إلى الزواج في الشرع و الفقه، و ذكروا أن الذي تداول منها في الخارج أمران، يفعل كل منهما في الغالب في محفل مستقل مقرون بإحضار بعض ما يؤكل و يشرب.

أحدهما: المقاولة الابتدائية الشاملة على تعريف طرفي العقد بذكر الأسماء و الألقاب و بيان الشغل و المهنة و القبيلة و محل السكنى و نحوها، فيما إذا لم يكونا مسبوقين بالمعرفة، ثم بيان ان الرجل الفلاني يخطب المرأة الفلانية، و تعيين المهر و ما قد يذكر من الشروط و نحوها.

ثانيهما: الإقدام بإجراء العقد مع مقارنته بحمد اللّه تعالى و الثناء عليه و الصلاة و السلام على رسول و آله صلّى اللّه عليه و آله و ما يناسب ذلك من ذكر بعض الآيات و الروايات و نحوها، و ذكروا أن الأمر الأول يسمى خطبة بالكسر و الثاني خطبة بالضم.

و يظهر من النصوص الواردة انه كان المتعارف في صدر الإسلام بل و قبيل ظهور


الإسلام أو قبله، وقوع الدعوة من طرف الزوج أو وليه في ضمن خطبة طويلة، يذكر فيها نسب الزوج و أوصافه و شؤونه في حياته و مدحه بتقاريض، و تقريضه بمدائح، و ذكر الدعوة إلى الزواج في ضمن ذلك، و ربما كان يذكر في ضمنها المهر و مقداره فالخطبة بالكسر تقع في ضمن خطبة بالضم و كانت إجابة الطرف الآخر أيضا في ضمن خطبة أخرى، ثم كانوا يجرون العقد في وقت و مجلس آخر مقرونة بخطبة قصيرة فكان آنئذ خطبتان في ضمنهما الطلب و الإجابة، و خطبة في ضمنها الإيجاب المتعقب بالقبول.

هذا كله في بيان موضوع الخطبة و الخطبة، و أما الحكم فالظاهر أنه لا إشكال في حسن جميع الأمور المذكورة من الخطبة و الخطبة و غيرهما بل و استحبابها و لو بعنوان كونها من مقدمات الواجب أو المستحب مشتملا على حمد اللّه و ثنائه و القراءة و الدعاء و نحوها.

* خلع الخلع*

الخلع بالفتح و الضم في اللغة مصدر خلع يخلع من باب منع بمعنى النزع، يقال خلع الثوب نزعه، و في المجمع و خلع الرجل امرأته خلعا و الخلع بالضم، ان يطلّق الرجل زوجته على عوض تبذله له. و هو استعارة من خلع اللباس لان كل واحد من الزوجين لباس الآخر، و اختلعت المرأة إذا طلقت من زوجها طلاقا بعوض انتهى. و الخلع بالفتح و الضم في اصطلاح المتشرّعة قسم من الطلاق، لكنه إيقاع يشبه العقد، خلافا للجعالة فإنها عقد يشبه الإيقاع، و حقيقته إنشاء إزالة الزوجية بفدية من الزوجة و كراهة منها له.

ثم انهم قد ذكروا في المبارأة انها أيضا طلاق مع الكراهة في مقابل بذلك المرأة و على هذا فهما صنفان من الطلاق يمتازان بأمور: أحدها ان المبارأة تترتب على كراهة كل من الزوجين لصاحبه، و الخلع على كراهتها خاصة، ثانيها انه يشترط فيها ان لا تزيد الفداء على مهرها بل الأحوط أن يكون أقل منه، و الخلع صحيح على ما تراضيا عليه، ثالثها أنها لا تقع بلفظ بارأتك و الخلع يقع بلفظه أيضا على اختلاف فيه، ثم ان كلا من طلاق الخلع و المبارأة بائن ليس للزوج الرجوع فيه إلاّ ان ترجع في الفدية فيرجع هو في الزوجية. راجع المباداة ايضا.


* خمر الخمر*

خمر الشي‌ء يخمره من باب ضرب في اللغة ستره، و خمر الشهادة كتمها، و خمّر وجهه بالتشديد غطاه، و خامر به استتر به، و الخمر عصير العنب إذا اختمر، و في المجمع: سمي الخمر خمرا لأنها تركت فاختمرت و اختمارها تغير ريحها، و قيل سميت بذلك لمخامرتها العقل، و التخمير التغطية، و الخمير فيما اشتهر بينهم كل شراب مسكر و لا يختص بعصير العنب، قال في القاموس: و العموم أصح لأنها حرّمت و ما بالمدينة خمر و ما كان شرابهم إلاّ التمر و البسر انتهى. و يشهد له قوله صلّى اللّه عليه و آله: الخمر من خمسة العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر، و في الصحيح إن اللّه لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرّمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر انتهى ما عن المجمع، و في المفردات أصل الخمر ستر الشي‌ء و يقال لما يستر به خمار. و الخمر سميت لكونها خامرة لمقر العقل، و هو عند بعض الناس اسم لكل مسكر و عند بعضهم اسم للمتخذ من العنب و التمر لما روى عنه صلّى اللّه عليه و آله: الخمر من هاتين الشجرتين النخلة و العنب انتهى.

و كيف كان فالظاهر ان الخمر في اللغة و في اصطلاح الفقهاء هي الشراب المسكر كان من العنب أو التمر أو غيرهما، و أما إطلاقها على كل مسكر مزيل للعقل في وقت محدود مائعا كان أو جامدا، فهو صحيح بحسب اللغة إلاّ ان كونه معنى اصطلاحيا لها غير ثابت نعم لا يبعد كونه مرادا من بعض النصوص، كما انه موضوع للحرمة قطعا، و على أيّ فالبحث الفقهي عن الخمر المصطلح بالنسبة لحكم تحريمها واقع في باب الأطعمة و الأشربة.

و بالإضافة إلى نجاستها و طهارتها في كتاب الطهارة، و بالنسبة لبيعها و التكسب بها في المكاسب المحرمة.

و نشير إلى الجميع إجمالا فنقول اما تحريمها تكليفا فإنه لا إشكال في ان حرمة شربها بل و سائر استعمالاتها المؤدية إلى الإسكار موضع وفاق، حتى انه يقتل مستحلها لثبوته من الدين ضرورة.


و أما نجاستها ففيها خلاف بين الأصحاب ينشأ من اختلاف النصوص فمن قائل بالطهارة كالصدوق و والده و الجعفي و العماني و المقدس الأردبيلي و صاحب الذخيرة و المدارك، و من متردد فيها كالمحقق في الشرائع، و من قائل بالنجاسة و هو مشهور بين الأصحاب قديما و حديثا بل عن بعضهم دعوى إجماع المسلمين على النجاسة، و لكل من أصحاب الأقوال دليل مذكور في محله فراجع، و الظاهر ان موضوع هذا الحكم كل مسكر مائع بالأصالة و ان صار جامدا بالعرض، لا المسكر الجامد و ان صار مائعا بالعرض، فموضوع النجاسة أخص من موضوع الحرمة.

و أما بيعها فلا إشكال في حرمته و بطلانه نصا و فتوى و كذا سائر أنواع التكسب بها بل قد عرفت دلالة بعض النصوص على تحريم جميع مقدماتها القريبة و البعيدة تحريما نفسيا يترتب عليها العقاب الأخروي كنفس شربه و لعل هذا من مختصات هذا الرجس النجس.

فعن الباقر عليه السلام قال لعن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الخمر عشرة غارسها و حارسها و عاصرها و شاربها و ساقيها و حالمها و المحمول إليه و بائعها و مشتريها و آكل ثمنها [1] .

* خمس الخمس*

الخمس بسكون الميم و ضمها في اللغة كسر خاص من الكسور معروف و في المجمع أنه اسم لحق يجب في المال يستحقه بنو هاشم انتهى.

و قد غلب استعماله في النصوص و كلمات الأصحاب في ضريب خاص محدود بهذا الكسر، و حق مالي فرضه اللّه مالك الملك على عباده في أموال مخصوصة جعله لنفسه و لبني هاشم، فقرن نفسه بهم و أشرك ذاته عز و جل فيه إشعارا لقداسة الحق، و إعلانا بعظيم منزلة أهله، و إكراما لهم، و إجلالا لشأنهم، مع أنهم غير محتاجين إلى ما في أيدي الناس، بل الناس يحتاجون إلى أن يقبلوا منهم، و ما أخذوه ليس إلا صدقة تطهرهم و تزكيهم، و ربما سماه اللّه تعالى فيئا، و ليس ذلك إلا لأجل ان كل ما في الدنيا و كل ما في


[1] الوسائل أبواب ما يكتسب به ب 55 ح 4.


أيدي الناس لهم، فالخمس في‌ء منها يرجع إليهم، مع أنه لا يصرفونه إلا في صلاح حال الناس و إصلاح بالهم، و الظاهر أن ملكهم للدنيا مع ملك الناس لها طولية كملكية المولى و العبد لما ملكه العبد فالدنيا كلها لهم و هم قد بذلوا للناس ما في أيديهم و لهم سلبه عنهم فما أخذوه كله في‌ء، و ما لم يتصرف فيه الناس فهو باق على ملكهم كالأنفال، فالخمس مقدار خاص مما يفي‌ء إليهم من بعض ما أباحوه. و كيف كان فقد ذكر الأصحاب الخمس و أوضحوا حاله في فصول و هي تعيين ما يجب فيه الخمس و كيفية قسمته و من يستحقه من الأصناف.

أما الأول: فقد ذكروا ان الخمس واجب في سبعة أشياء حسب الاستقرار التام في الأدلة.

أولها: ما يغتنم من أهل الحرب الذين يحل الغزو معهم و يستحل أسرهم و أخذ أموالهم و سبي ذراريهم، و يسمى هذا غنيمة بالمعنى الأخص في مقابل مطلق الغنيمة الشاملة للعناوين السبعة، و ذكروا انه يشترط ان يكون الغزو و بإذن الإمام المعصوم أو نائبه الخاص أو العام، و إلاّ كان الجميع أنفالا ملكا للإمام داخلا في بيت ماله، كان ذلك في زمان حضوره أو غيبته، و أنه لا فرق في المأخوذ بين المنقول و غيره و لا بين المأخوذ في الجهاد الابتدائي أو الدفاعي إذا غنمه المسلمون في تلك الحالة.

ثانيها: المعدن و المرجع فيه إلى العرف نظير معدن الذهب و الفضة و غيرهما و يعتبر في خمسة بلوغه النصاب و هو عشرون دينارا أو مائتا درهم فراجع عنوان النصاب.

ثالثها: الكنز الذي لا يعرف له صاحب و المرجع في تعيين مفهومه العرف و قد ذكر تحت عنوان الكنز، و ذكروا انه لا فرق في ترتب حكم الخمس عليه بين كونه في بلاد المسلمين أو الكفار، في الأرض الموات أو الخربة، كان عليه أثر الإسلام أم لا، و يعتبر فيه النصاب و هو عشرون دينارا أو مائتا درهم عينا أو قيمة و ألحقوا بالكنز ما يوجد في جوف دابة كالسمكة.

رابعها: الغوص، و هو كل ما يستخرج بالغوص من البحار و الأنهار الكبار من اللؤلؤ و المرجان، و سائر الجواهر التي يتعارف إخراجها من الماء غير الحيوان، إذا بلغ قيمته دينارا فصاعدا.


خامسها: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم، فيجب على الذمي خمسها عينا أو قيمته، و يؤخذ منه قهرا ان لم يدفعه بالاختيار، و لا فرق بين أرض الزرع و البستان و الدار و الحمام و الدكان، إذا تعلق البيع بنفسها لا تبعا لمبيع، و لا يشترط النية في هذا الخمس لا من الكافر لعدم اعتقاده به أو لعدم اختياره و لا من الحاكم لعدم تعلق التكليف به.

سادسها: الحلال المختلط بالحرام مع عدم تمييز صاحبه و عدم العلم بقدره، فقد ذكروا انه حينئذ يجب على صاحبه تخميسه و يحل الباقي له و إن كان الحرام الموجود فيه في الواقع أكثر من خمسة، لأن اللّه قد رضى من المال بالخمس، كما أنه لو كان الحرام أقل لم يذهب ما أعطاه من الزيادة هدرا لكونه عوض استخلاصه المال من الشبهة و حرمة التصرف في المال المشترك، و ذكروا في المقام أنه لو جهل قدره و علم صاحبه تخلص بالصلح و نحوه و لا خمس، و لو علم قدره و جهل صاحبه تصدق به و لا خمس.

سابعها: أرباح المكاسب فقد ذكروا انه يجب الخمس فيما يفضل عن مؤنة سنة الشخص و عياله، من كل ما يدخل تحت عنوان التجارة أو التكسب أو مطلق الفائدة، من التجارات و الإجارات، و الصناعات، و الزراعات، و المواشي، و الهبات، و الهدايا، إلاّ الميراث و الصداق و عوض الخلع. و ذكر الأصحاب ان هذا الخمس بعد مؤنة التكسب و مؤنة السنة، و الأولى ما يصرفه قبل الربح في تحصيله و الثانية ما يصرفه بعده لمؤنة سنة نفسه و عياله.

و أما الثاني و الثالث: أعني كيفية قسمة الخمس و مستحقيه، فقد ذكروا انه ينقسم إلى ستة أسهم، سهم للّه تعالى، و سهم للنبي صلّى اللّه عليه و آله، و سهم للإمام الحي في كل زمان، و ثلاثة أسهم لليتامى و المساكين و ابن السبيل، ممّن انتسب بالأب إلى عبد المطلب، و أن سهم اللّه تعالى لنبيه فإنه قد ذكر تشريفا له و لآله و تقديسا للمال، و سهم النبي صلّى اللّه عليه و آله ثابت له لإمامته، و كذا سهم ذي القربى، و العناوين الباقية مصارف لا ملاّك، فالخمس بأجمعه لواحد و هو الإمام بعنوان إمامته و ولايته لا شخصه، و المالك له في كل زمان هو الإمام الحي في ذلك الزمان، ثم إنهم اختلفوا فيمن يستحق الخمس في زمن الغيبة اختلافا


شديدا، لكن الظاهر الذي لا ينبغي أن يرتاب فيه، ان أمره بجميعه في زمان الغيبة للمنصوب العام من قبله للحكومة على الناس و الولاية عليهم، فله مالهم بالنسبة لوظائف الولاية و شؤونها التي منها التسلط على الأنفال، و التصرف في الأخماس و غيرهما.

* خنث الخنثى*

الخنث بالتحريك في اللغة حالة التكسر و الانعطاف لتلذذ الغير به، و خنث الرجل كان على صورة الرجال و أحوال النساء، فهو أخنث، و خنثت المرأة عملت بمقتضى طبعها فهي خنثى، و الخنثى أيضا من له آلة الرجال و النساء معا، و في المجمع هو الذي له فرج الرجل و المرأة و الجمع خناث ككتاب و خناثى كحبالى انتهى.

ثم ان ظاهر الأصحاب ان الخنثى اما ذكر في الواقع أو أنثى و ليس طبيعة ثالثة غيرهما، و في الجواهر تعليله بعدم الواسطة على الظاهر المستفاد من تقسيم الإنسان بل مطلق الحيوان إلى الذكر و الأنثى في جميع الأصناف في الكتاب و السنة انتهى، كما ان ظاهرهم أيضا عدم إمكان اجتماع العنوانين في واحد، لكن لا يبعد ان يقال بإمكان كون فرد من الإنسان مجمعا للعنوانين و مصداقا حقيقيا للصنفين، فيكون ذكرا و أنثى، و يجتمع فيه وسائل توالدهما، و يصح إطلاق الخنثى عليه بمعناه اللغوي فيتزوج امرأة و تلد له، و يتزوجه رجل فيلد له، و عليه يمكن ان يتفق حمله بلا زوج إذا احتلم و اختلطت النطفتان في الرحم و ازدواج الأسپر و الأوول فيه، كما قد اتفق وجودهما في نطفة المرأة فولدت بلا مساس زوج.

و كيف كان ليس للفظ اصطلاح خاص شرعي أو فقهي و وقع بعنوانه موضوعا للحكم و موردا لابحاث في الفقه.

منها-ما ذكروا من علائم تشخيصه و إحراز جنسه، فذكروا ان منها ان يبول من أحد الفرجين دون الآخر، فان بالت من فرج الذكر فهو ذكر، و ان بالت من فرج الأنثى فهي أنثى، و منها ان يسبق البول من أحدهما فالحكم تابع للسابق، و منها ان يتأخر انقطاع البول من أحدهما إذا تقارن الشروع، فيتبع المتأخر انقطاعا، و منها عدّ أضلاعه فإن استوى جنباه فهو


امرأة و ان اختلفا فهو ذكر، و على هذا فان علم حاله بإحدى الأمارات انكشف الموضوع و ترتب حكمه، و ان لم يعلم و لم تتم العلائم كان مشكلا موضوعا، و أوجب الإشكال في الأحكام المترتبة على الطائفتين، و استلزم العمل بالاحتياط مهما تيسر في الموارد التالية و ما أشبهها، منها الحكم بجنابته فيما إذا وطأ امرأة أو وطأه رجل، بالنسبة إليه و إلى الموطوء و الواطئ، و لو وطاء امرأة و وطئه رجل، فلا إشكال في جنابته، دون الرجل و المرأة. و منها حكم لبسه الحرير الخالص و الذهب، و كذا الصلاة بهما، و منها حكم ستره غير العورة و غير الوجه و الكفين و القدمين في الصلاة، و منها حكم قراءته في الجهرية من الفرائض اليومية، و منها حكم إمامته للرجال في الصلوات، و منها حكم إحرامها في المخيط من الثياب و في الثوب الحرير، و منها حكم تزيينه بالذهب، و منها تشخيص بلوغه بالسن، و منها كيفية إرثه، و منها حكم رد نصف الدية إذا قتله رجل فأراد وليّه القصاص، و منها حكم ما إذا قطع آلة الرجولية منه، قصاصا و دية، و منها مقدار دية نفسه و دية أعضائه فيما زاد عن ثلث أصل الدية، و منها حكم ابدائه الزينة لغير المحارم، و جواز نظر كل من الرجل و المرأة إليه من غير المحارم، و قد ذكرنا شيئا من ذلك تحت عنوان تغيير الجنسية.

* خنزر الخنزير*

الخنزير في اللغة و العرف حيوان معروف، و في المجمع قوله أو لحم خنزير هو واحد الخنازير حيوان معروف و في الحديث إنه ممسوخ انتهى. و في المفردات و جعل منهم القردة و الخنازير قيل عني الحيوان المخصوص و قيل عني من أخلاقه و أفعاله مشابهة لأخلاقها لا من خلقته خلقتها انتهى.

و قد وقع البحث عنه في الفقه في حرمته و نجاسته و عدم جواز بيعه و عدم جواز الانتفاع به، و مورد البحث في الخنزير البرّي دون البحري لانصراف نصوص المنع عنه بل قد ذكرنا في الكلب ان البحري من النوعين طبيعة أخرى مغايرة للبريين تشبه البري كما في الإنسان البحري.


أما الحرمة التكليفية: فلا إشكال و لا خلاف بين أهل الإسلام في حرمة أكله و هي التي ارتكزت في أذهانهم و جرت عليها سيرتهم، بل هو من ضروريات الدين، و لم يصرح بحرمة حيوان خاص في الكتاب الكريم غيره، و لعل في ذلك إشارة إلى ما سوف يبتلى به عدة كثيرة من أهل الدنيا من تحليله و الاعتياد بأكله و إن كان لا يدركه المخاطبون في تلك الأعصار.

و أما النجاسة: فالظاهر أنه لا إشكال و لا خلاف هنا في نجاسته بل ادعى الإجماع عليه غير واحد و هو من أنجس الحيوانات و أطلق عليه الرجس في الكتاب الكريم في موردين و أما عدم جواز بيعه فقد ذكروا في المكاسب انه يحرم بيعه و التكسب به إجماعا مع انه لا مالية له شرعا فأخذ المال في مقابله أكل للمال بالباطل. و أما عدم جواز الانتفاع به فهو محل خلاف، و هناك رواية دالة على جواز الاستقاء بالحبل الذي صنع من شعره فراجع.

* خير الخيار*

الخيار اسم مصدر من الاختيار يقال إختار يختار اختيارا و خيارا، و يقال أنت بالخيار أي اختر ما شئت هذا بحسب اللغة.

و أما في اصطلاح الفقهاء فهو عبارة عن تسلط الشخص على العقد فسخا و إمضاء، فيشمل التسلط على فسخ العقود اللازمة كالبيع و الإجارة و الصلح و نحوها، و على فسخ العقود الجائزة كالهبة و العارية و الوكالة و غيرها، و كذا تسلط المالك على ردّ العقد الفضولي، و الوارث على ردّ الوصية بالنسبة لما زاد عن الثلث، و تسلط العمة و الخالة على رد عقد زوجهما على بنت الأخ و الأخت، و تسلط الأمة على فسخ عقدها إذا أعتقت.

و قد يعرف بأنه ملك الإقرار العقد و إزالته و يحتمل ان يكون التعبير بالملك إشارة إلى بيان ان الخيار من الحقوق دون الأحكام، و عليه فلا يشمل فسخ العقود الجائزة لكونها من قبيل الأحكام التي لا يجوز إسقاطها و لا يسقط بالإسقاط و كذا ما بعدها من الموارد المذكورة، إذا فيكون للخيار معنيان اصطلاحيان أحدهما أعم و هو مطلق التسلط على‌


الفسخ كان على نحو الحق القابل للإسقاط أو الحكم غير القابل له، و الثاني خصوص التسلط الحقي القابل للإسقاط و هذا هو الغالب في ألسنة من قارب عصرنا.

و كيف كان فقد تعرضوا في تبيين المعنى الاصطلاحي للخيار لأسباب الخيار و أحكامها المترتبة عليها، و قد عدها بعضهم سبعة و بعضهم أكثر و المجموع مما يستفاد من كلماتهم الأقسام التالية و هي: 1-خيار المجلس 2-خيار الحيوان 3-خيار الشرط 4-خيار التأخير 5-خيار ما يفسد ليومه 6-خيار الرؤية 7-خيار الغبن 8-خيار العيب 9-خيار التدليس 10-خيار الاشتراط 11-خيار الشركة 12-خيار تعذّر التسليم 13-خيار تبعّض الصفقة 14-خيار التفليس 15-خيار غريم الميت و بيان حال كل منها مذكور إجمالا تحت عنوانه الخاص.

* خير جلس خيار المجلس*

هذا الخيار مختص بالبيع غير جار في غيره من العقود و هو خيار مسبب عن وقوع العقد في مكان واحد مع نسبة انفصالية مكانية خاصة بين البائع و المشتري كانا جالسين أو قائمين أو مختلفين ساكنين أو سائرين، و الملاك في هذا الخيار وجودا و عدما بقاء ذلك الفصل الخاص بينهما و عدمه، و التعبير بالمجلس لغلبة وقوع العقد في حال جلوسهما، و منه يعلم مقدار مدة هذا الخيار و ان أقله لحظة و أكثره يوم أو أيام، ان فرض كونهما في محل لم يتفق الانفصال بينهما، كما انه قد لا يثبت من أصله إذا أجريا العقد حال التباعد، و قد بين الشارع مبدأ هذا الخيار و منتهاه بقوله: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع و الافتراق عرفي لا عقلي.

* خير حيو خيار الحيوان*

يطلق هذا اللفظ عند الشرع و المتشرعة على تسلط مشتري الحيوان، أو مطلق من انتقل إليه الحيوان مشتريا كان أو بائعا، على العقد بملاك انتقال الحيوان إليه، فمتعلق


السلطة العقد و موضوعها مشتري الحيوان أو من انتقل إليه الحيوان مبيعا أو ثمنا، و الظاهر ان الحكم كان ثابتا قبل الشرع و الشارع قد أمضاه و رتب عليه آثارا خاصة، فهو كأغلب الأحكام الوضعية حكم إمضائي لا تأسيسي، و ذكروا في الفقه ان أمد هذا الخيار بطبعه ثلاثة أيام من حين العقد أعني بعد تمام القبول أو تمام التعاطي، و تصرّف ذي الخيار يسقطه إذا كشف نوعا عن الرضا بالعقد.

* خير شرط خيار الشرط*

خيار الشرط عبارة عن الخيار الثابت باشتراطه في ضمن العقد، و قد ذكروا أنه لا خلاف في ثبوته إجماعا و نصا، و لا يتقدر بقدر من حيث الزمان، فيصح القليل جدّا كلحظة ما لم يصر لغوا و الكثير جدا كأشهر و أعوام، و يجوز جعله في الزمان المتصل بالعقد أو المنفصل عنه، و يجوز جعله لكل من المتعاقدين، و لهما معا، و لثالث منفردا و مشتركا مع أحد المتعاقدين أو كليهما، و لا إشكال في عدم جريانه في العقود الجائزة كالوكالة و الجعالة و القراض و العارية و الوديعة، لأن الخيار في كل منها ثابت بالأصالة، و ذكروا أيضا انه قد خرج من عموم هذا الخيار: الإيقاعات تخصصا فلا يصح شرطه في العتق و الوقف و الإبراء و الطلاق و هكذا، و أما العقود اللازمة فلا إشكال أيضا في عدم اختصاصه بالبيع بل يجري فيها على تفصيل فان منها ما لا يدخله هذا الخيار و منها ما يدخله و منها ما وقع الاختلاف فيه، و الأول كالنكاح فلا يصح شرط الخيار فيه اتفاقا كما انه لا إقالة فيه أيضا، و الثاني كالبيع و الإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة، و الثالث كالوقف و الصدقة و الهبة اللازمة بالذات كالهبة للأرحام أو بقصد القربة أو الهبة المعوضة، و الصلح و الضمان.

ثم انهم ذكروا ان من افراد خيار الشرط ما سمي ببيع الخيار و هو ان يبيع متاعا و يشترط لنفسه الخيار مدة، بأنه متى ردّ الثمن في تلك المدة كان له فسخ العقد، و هذا اما بأخذ ردّ الثمن قيدا للخيار كأن يقول: ان أتيتك بالثمن كان لي الخيار فلا خيار قبل الرد، أو أخذه قيد للفسخ بان يقول انّ لي الخيار في كل المدة و التسلط على الفسخ عند رد الثمن، فله‌


الإمضاء حينئذ قبل الرد، أو يجعل رد الثمن فسخا فعليا أو يجعله قيدا للانفساخ فهو مسلط على السبب لا المسبب، أو يجعله شرطا لوجوب الإقالة على المشتري، و الكل جائز لعموم الوفاء بالشرط.

* خير أخر خيار التأخير*

ذكر الأصحاب انه يثبت هذا الخيار للبائع فيما إذا باع عينا شخصية لم يسلمها إلى المشتري، و لم يقبض الثمن و لا شرط المشتري تأخير الثمن، فذهب و لم يجي‌ء إلى ثلاثة أيام، فالبيع لازم في الثلاثة، لعموم وجوب الوفاء، و يثبت للبائع بعدها خيار التأخير، فيتخير بين الفسخ و التصرف في ماله و الصبر و مطالبة الثمن.

و في ثبوت هذا الخيار للمشتري فيما إذا اشترى بثمن معين و لم يسلمه إلى البائع و لم يقبض المبيع و لم يشترط البائع تأخير المبيع فذهب و لم يجي‌ء إلى ثلاثة أيام إشكال، و مبدأ الثلاثة من حين العقد و قيل من حين التفرق، و يختص هذا الخيار بالبيع.

* خير فسد يوم خيار ما يفسد ليومه*

يطلق هذا الخيار في مصطلح القوم على السلطة المجعولة للبائع فيما إذا باع ما يفسده البقاء يوما بليلته و لم يقبضه و لا قبض ثمنه و غاب المشتري، فذكروا انه لا خيار للبائع إلى الليل و يثبت ذلك له بدخول الليل، و لذا عبر في الدروس عن هذا الخيار بخيار ما يفسده المبيت، فله الخيار عند دخول الليل، و هذا في أغلب أقسام الخضر و الفواكه و اللحوم و نحو ذلك، و الظاهر انه صنف من خيار التأخير فيشترط فيه شروطه كما أشرنا إليه، و يدل عليه قاعدة نفي الضرر، فإن البائع ضامن للمبيع ممنوع عن التصرف فيه محروم عن ثمنه.

* خير رأي خيار الرؤية*

أطلق الأصحاب هذا العنوان على تسلط كل من المشتري و البائع على فسخ العقد، فيما


لو تبايعا على العين الشخصية الغائبة بالتوصيف الرافع للجهالة و الغرر، فوجدت العين عند التقابض على خلاف التوصيف، و بمعنى انه ان وجدت فاقدة لتلك الأوصاف كلا أو بعضا كان للمشتري خيار الرؤية، و إن وجدت واجدة لأكثر مما وصفت به لم يعلمها البائع، كان له ذلك الخيار، فالخيار مسبب عن الرؤية، و التسمية لأجل ذلك، و في ثبوته لهما أيضا فيما إذا كان الثمن عينا غائبة موصوفة ظهرت عند التسليم فاقدة لها كلا أو بعضا أو واجدة لأكثر منها إشكال، لا يبعد الثبوت لعموم الدليل.

* خير غبن خيار الغبن*

الغبن بسكون الباء و فتحه الخديعة في البيع و الشراء، يقال غبنه يغبنه في البيع و شبهه من باب نصر غبنا و غبنا خدعه، و غبن غبنا و غبانة رأيه قل ذكاؤه. و في المفردات الغبن ان تبخس صاحبك في معاملة بينك و بينه بضرب من الإخفاء، فإن كان ذلك في مال يقال غبن فلان و إن كان في رأي يقال غبن انتهى. و عن الصحاح هو بالتسكين في البيع و بالتحريك في الرأي انتهى.

و هو في اصطلاح الفقهاء عبارة عن تمليك الشخص ماله بما يزيد عن قيمته مع جهل الآخر، فالمملك غابن و الممتلك مغبون قصد المملك الخدعة أم لم يقصد، و قد جعل الشارع للمغبون في ذلك خيار الفسخ، و سمّاه الأصحاب بخيار الغبن و اشترطوا فيه أمرين أحدهما عدم علم المغبون بالقيمة سواء كان غافلا عنها بالمرة أو ملتفتا في الجملة، و ثانيهما كون التفاوت فاحشا فلو اشترى ما يساوي تسعة عشر أو ثمانية عشر بعشرين لم يثبت الخيار، و ذكروا ان حدّه ما لا يتغابن الناس بمثله و لا يتسامح.

* خير عيب خيار العيب*

و المراد به الخيار المسبب عن العيب الموجود في أحد عوضي المعاملة فقد جعل الشارع تسلطا على الفسخ لمن انتقل إليه المعيب، و قد بينوا حقيقة هذا الخيار و تمايزه عن غيره بأمور:


الأول: ان ماهية هذا الخيار هل هي تخيير ذي الخيار بين الفسخ و الإمضاء و أخذ الأرش مطلقا، أو أنها عبارة عن تسلطه على الفسخ و الإمضاء مع بقاء العين و إمكان ردّه، و على مطالبة الأرض أو الرضا بتركه مع عدمه، و ظاهر جلّ الأصحاب لو لا كلّهم الأول.

الثاني: انّ ظهور العيب هل هو سبب لحدوث الخيار من حينه أو كاشف عن حدوثه عند البيع، و يترتب على الثاني انه لو أسقطه ذو الخيار قبل ظهوره أو تبرأ منه الناقل عند العقد سقط و هذا بخلاف النقل و الحدوث بالظهور، و يعم الحكم عيب المثمن و الثمن.

الثالث: ان مسقطات هذا الخيار قسمان قسم يسقط به الرد فقط مع بقاء جواز أخذ الأرش و هو أمور الأول التصريح بإمضاء العقد و أخذ الأرش، الثاني التصرف في المعيب بعد العلم بالعيب، فإنه رضاء بالعقد و ليس رضاء بترك الأرش، الثالث تلف العين المعيبة أو خروجها عن ملكه أو استيجارها أو رهنها و نحو ذلك، الرابع حدوث عيب آخر عند من انتقل إليه المعيب بعد قبضه.

و قسم يسقط به الرد و الأرش معا و هو أيضا أمور: الأول العلم بالعيب قبل العقد، الثاني تبرئ من ينتقل عنه المعيب عن العيوب، الثالث زوال العيب قبل العلم به، الرابع التصرف في المعيب بعد العلم بالعيب على إشكال فيه، الخامس تأخير الأخذ بمقتضى الخيار بعد العلم بالعيب.

ثم ان كيفية أخذ الأرش للمعيب، ان يقوم صحيحا و معيبا و تلاحظ النسبة بينهما ثم ينقص الثمن بتلك النسبة فإذا قوم صحيحا بتسعة و معيبا بستة و كان الثمن ستة ينقص اثنان.

* خير خلف شرط خيار تخلف الشرط-الاشتراط*

يطلق هذا العنوان على تسلط كل من المتعاقدين على فسخ العقد اللازم المتضمن لشرط أو شروط حكم بصحتها و وجوب الوفاء بها، ثم تخلف عنها من عليه الشرط، فللمشروط له حينئذ فسخ العقد، و سمي بخيار الاشتراط لتسببه عن اشتراط أمر في‌


العقد، و خيار تخلف الشرط لتسببه عن مخالفة المشروط عليه، و السببان طوليان، و ذكر الأصحاب في المقام، الشروط القابلة للأخذ في العقد الصالحة لوجوب الوفاء بها مقدمة لبيان هذا الخيار فإنه مترتب على صحة الشرط و حصول حق للمشروط و حرمانه عن حقه بتخلف المشروط عليه.

* خير شرك خيار الشركة*

يطلق هذا العنوان على تسلط المشتري على فسخ العقد فيما إذا ظهر المبيع مشتركا بين البائع و غيره على نحو الإشاعة، و قضت صحة العقد اشتراك المشتري مع شريك البائع، و مثله ما لو اتفق حصول تلك الشركة بعد العقد و قبل القبض كما لو امتزج الخل المشترى بخل غيره قبل القبض، فمقتضى قاعدة نفي الضرر تسلطه على الفسخ، و يطلق أيضا على تسلط البائع إذا ظهر الثمن مشتركا كذلك، فالشارع قد جعل الخيار لمن انتقل إليه الملك المشترك مع عدم قصد الشركة مشتريا كان أو بائعا، و قد يطلق عليه خيار العيب فإن الشركة عيب في الجملة لنقص في المالية و السلطة، لمنع كل عن التصرف فيه بدون إذن الآخر، و يطلق عليه في الجملة خيار تبعض الصفقة أيضا، و في جريان هذا الخيار في سائر العقود اللازمة كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة تردد، إلاّ أن مقتضى القاعدة جريانه.

* خير عذر سلم خيار تعذّر التسليم*

يطلق هذا العنوان في الاصطلاح الفقهي على تسلط المشتري على فسخ العقد فيما إذا تعذر للبائع تسليم المبيع، و على تسلط البائع عليه فيما إذا تعذر للمشتري تسليم الثمن، و هذه السلطة من القواعد العقلائية التي جرت سيرتهم عليه، و هي من توابع صحة العقود و وجوب الوفاء به، بضميمة قاعدة نفي الضرر، و ان كان لجبره طريق آخر، و لا يبعد جريانه في غير البيع من العقود اللازمة أيضا كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة.


* خير بعض صفق خيار تبعض الصفقة*

يطلق هذا العنوان في اصطلاح الفقهاء على تسلط كل من المشتري و البائع على العقد إذا تبعضت الصفقة، أي البيع بانحلال بعضه و بقاء بعضه، فإذا اشترى سلعتين بمعاملة واحدة فتبين عدم كون إحداهما قابلة للتملك أو ملكا للبائع، فانفسخ البيع قهرا بالنسبة لما ليس ملكا له، فللمشتري الخيار بين قبول المملوك بحصته من الثمن و بين فسخ العقد، و إذا تملك البائع شيئين ثمنا لما باعه، فظهر أحدهما غير قابل للملك أو غير مملوك للمشتري، فله حينئذ قبول البعض أو فسخ الكل و يفترق هذا عن خيار الشركة بتعدد المبيع أو الثمن هنا و وحدتهما فيه و ان شئت قلت بعدم الإشاعة هنا و الإشاعة فيه، و يمكن إرجاعهما إلى واحد.

* خير فلس خيار التفليس*

أي الخيار المسبب عن قضاء الحاكم بإفلاس من استوعبت ديونه أمواله فحكم بإفلاسه بعد استدعاء غرمائه ذلك، و صاحب هذا الخيار غريمه الذي وجد عين متاعه عنده، كان الانتقال ببيع أو صلح أو إقراض، فله الخيار حينئذ في فسخ العقد الناقل و أخذ متاعه، و لا فرق في ذلك بين كون أموال المفلس وافية بديونه و عدمه، فللغريم الفسخ و أخذ ماله و لو كان بحيث إذا فسخ العقد و أخذه وصل بجميع ديونه و حرم سائر الغرماء عن أكثرها أو مطلقا.

* خير غرم موت خيار غريم الميت*

إذا مات الشخص و ترك ديونا استوعبت تركته فكل دائن وجد في تركته عين ماله المنتقل إلى الميت ببيع أو إقراض أو نحوهما كان له الخيار في فسخ العقد و أخذ ماله و ترك الضرب مع الغرماء، و هذا أشبه بخيار التفليس، إلاّ أن متعلقة تركة الميت، و يفترق أيضا بأن هذا الخيار مشروط بكون تركة الميت وافية بديون الغرماء و إلا فليس له هذا الخيار، بل هو كسائر الغرماء يضرب بدينه معهم، و هذا بخلاف خيار التفليس كما ذكر تحت عنوانه.


* درهم دنر الدّرهم و الدّينار*

الدرهم في اللغة قطعة من فضة مضروبة للمعاملة، و الكلمة يونانية و الجمع دراهم، و قد يطلق على مطلق النقود، و قيل الدرهم واحد الدراهم فارسي معرب، و في المصباح الدرهم الإسلامي اسم للمضروب من الفضة.

و الدرهم في مصطلح الشرع و الفقه الإسلامي عبارة عن ستة دوانيق كل دانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير، فالدرهم يساوي في الوزن 48 حبة من الشعير، و الدرهم نصف مثقال شرعي و خمسه، فالمثقال درهم و ثلاثة أسباعه، و عشرة دراهم سبعة مثاقيل، و الظاهر انه لا خلاف في جميع ذلك عند الأصحاب و في مصطلحهم.

و الدينار في اللغة ضرب من قديم النقود الذهبية، و جمعه دنانير، و هو مثقال من الذهب، و المثقال يطلق عليه خاصة. و في المفردات: أصله دنّار فأبدل من احدى النونين ياء، و قيل أصله بالفارسية دين آر أي الشريعة جاءت به انتهى، و الدينار في مصطلح الشرع و الفقه مثقال شرعي وزنه درهم و ثلاثة أسباع الدرهم، فيساوي ثمانية و ستين حبة و أربعة أسباعها.

و كيف كان فقد وقع الدرهم و الدينار في الشريعة موضوعا للأحكام الكثيرة، و وقع البحث عنهما في الفقه في موارد، منها-كونهما موضوعا لتعلق الزكاة مع تحقق شرائطها و قد ذكر تحت عنوان الزكاة.

و منها-تعلق أحكام خاصة بهما إذا بيع كل منهما بنفسه و كل منهما بالآخر و يسمى بيع الصرف و قد ذكر تحت عنوان ذلك البيع.

و منها-ما ذكروه في اعتبار كون رأس المال في عقد المضاربة منهما و قد أفتى به جل قدماء الأصحاب لو لا كلهم.

و منها-جواز إعارتهما و يترتب عليها الضمان و ان لم يشترط.

و منها-كونهما من تقديرات دية الإنسان فهما قسمان من الأمور الستة التي بها تقدير الديات في النفس، و الطرف، و المنافع، و قد ذكر تحت عنوان الدية.


و منها-كونهما الأصل للنقود الرائجة في الصدر الأول من الإسلام إلى ما يقرب زماننا و كان يليهما الفلوس السود. و بهما كان تقويم كل عين و منفعة و نحوهما، و تعيين ماليتها، في موارد المعاملات و الضمانات و غيرهما، و كان الدرهم أكثر رواجا من الدينار بحيث كان قد يقوم الدينار أيضا بالدرهم و منها غير ذلك مما ذكروه في الفقه.

* دعو الدعوى*

الدعوى و الدعاء في اللغة النداء، و الدعوى اسم من ادعى يدعي فهي بمعنى الادعاء، و ادعى الشي‌ء زعم انه له حقا أو باطلا، و ادعى عليه حاكمه عند القاضي، و في المجمع دعوى فلان كذا أي قوله و الجمع الدعاوي بكسر الواو و فتحها، و في الحديث البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه، و المراد بالمدعي على ما يفهم من الحديث من يكون في مقام إثبات قضية على غيره، و من المدعى عليه المانع من ذلك و هو المعبر عنه بالمنكر انتهى.

و الدعوى في اصطلاح باب القضاء طلب الشخص إثبات مال أو حق على غيره أو طلب أدائه منه، و قوام ماهية الدعوى بالمدعي و المدعى عليه و المدعى به و هو الشي‌ء المطلوب، و قد وقع العنوان موضوعا لأحكام كثيرة في الشريعة و تعرض الأصحاب لفروع في المقام يتضح بها حالها و ما يترتب عليها من الآثار.

منها: انه يشترط في سماع دعوى المدعي أمور ترجع إلى الدعوى و ما تتحقق به، الأول البلوغ فلا تسمع من الطفل و لو كان مراهقا و لا يترتب عليه وظائف المدعي و المدعى عليه، فلو رفع إلى الحاكم ظلامته أحضر وليّه و مع عدمه نصب له قيما أو عين لأمره وكيلا أو تصدى بنفسه ولايته.

الثاني-العقل فلا تسمع من المجنون.

الثالث-ان لا يكون أجنبيا عن الدعوى كما لو ادعى بدين شخص على أجنبي فلا بد من نحو تعلق به كالولاية و الوكالة و نحوهما.


الرابع-ان يكون للدعوى أثر لو حكم على طبقها، فلو ادعى كرؤية الأرض أو دورانها حول الشمس، أو ادعى وقفا أو هبة من غير قبض، أو ان هذا الخنزير أو الخمر لي، أو ان لي دينا على واحد من أهل هذا البلد، لم تسمع.

الخامس-ان يكون المدعى به معلوما، فلا يسمع المجهول المطلق كان ادعى ان لي شيئا على ذمّة زيد.

السادس-الجزم على الدعوى، فلو ادعى شيئا على زيد ظنا أو احتمالا ففي سماعه تردد، و يسمع الدعوى على الغائب و يحكم القاضي و يرتب الأثر، و الغائب على حجته، و ذلك في حقوق الناس و لا يسمع في حقوق اللّه.

و منها: ما ذكروه في تشخيص المدعي و المدعى عليه، فقيل ان المدعي هو الذي لو ترك ترك أي لو ترك الخصومة لم يعقّبها الآخر، و قيل إنه من يدعي خلاف الأصل، و قيل انه من يكون في مقام إثبات أمر على غيره، و هذه كلها إشارة إلى معناها العرفي، و الاولى ان يقال ان المدعي عبارة عمن ينشأ الدعوى المقتضي لترتب حق على الغير، أو خروجه عن الحق الثابت عليه، و ثم انه كيف عرّفنا المدعي، كان المنكر في مقابله، فهو من لم يترك لو ترك الخصومة، أو هو من يدعي على وفق الأصل، أو هو ليس في مقام إثبات شي‌ء على الآخر بل في مقام نفيه عن نفسه، أو هو من ينشأ نفي ثبوت حق عليه حتى يجب الخروج عنه.

و منها: ان المدعى عليه أما ان يقرّ بما ادعي عليه، أو ينكر ذلك، أو ينكل، أو يقول لا أدري، أو يسكت عن الجواب، أو يقول أديت، فإن أقرّ بالحق عينا أو دينا فيلزم ذلك، و صورة حكم الحاكم حينئذ ألزمتك أو قضيت عليك أو حكمت فإذا حكم تمت الخصوصة و ترتبت آثار الحكم، من عدم جواز نقضه أو رفع القضية إلى حاكم آخر.

و لو أجاب بالإنكار عرّف الحاكم المدعي بان عليه البينة ان كانت و إلاّ فله إحلاف المنكر، فإن قال لي بينة خيّره بين إحضارها و مطالبة اليمين و ترك الدعوى، و له في خصوص الديون إثبات مدعاه بشاهد و يمين و بشاهد و امرأتين، و لا يكفي ذلك في حقوق اللّه و حدوده. ـ


و لو أجاب بقوله لا أدري أو سكت عن الجواب فقد ذكروا أنه أمره الحاكم بالجواب بالرفق ثم بالغلظة فإن أصرّ جعله ناكلا و رد اليمين على المدعي، فإن حلف ثبت حقه. و لو قال أديت انقلب مدعيا فعليه الإثبات.

* جهد دفع الدفاع-و الجهاد الدفاعى*

دفعه في اللغة نحّاه و أبعده، و دفع عنه الأذى حماه منه، و دافع عنه دفاعا و مدافعة حامى عنه و انتصر له، و في المفردات الدفع إذا عدي بإلى اقتضى معنى الإنالة، نحو قوله تعالى‌ (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوََالَهُمْ) و إذا عدي بعن اقتضى معنى الحماية نحو قوله تعالى‌ (إِنَّ اَللََّهَ يُدََافِعُ عَنِ اَلَّذِينَ آمَنُوا) انتهى.

و تستعمل الكلمة في اصطلاح الفقهاء في دفاع خاص وقع في الشريعة موضوعا لأحكام خاصة و هو ينقسم إلى قسمين أحدهما الدفاع عن بيضة الإسلام و حوزته، ثانيهما دفاع الشخص عن نفسه و ما هو بمنزلته.

أما الأول: فهو عبارة عن دفاع المسلمين إذا هجم عليهم عدو و يخشى منه على بيضة الإسلام و حومة الدين و حوزة المسلمين و مجتمعهم، فيجب عليهم الدفاع ببذل النفوس و الأموال بأية وسيلة ممكنة من طرق الدفاع، و لا يتقيد هذا الدفاع بحضور الإمام العدل و إذنه أو إذن نائبه الخاص أو العام، بل هو واجب كفائي أو عيني على جميع المسلمين حتى تندفع الهجمة، و يحصل الأمن الديني و الدنيوي في بلاد المسلمين و مجتمعهم.

و يتفرع على المسألة أنه لو خيف على شي‌ء من البلاد أو على مناطق خاصة منها كان الحكم ذلك أيضا، و أنه لو خيف من زيادة الاستيلاء و السلطة مع سبق تحققها أو عدم القدرة على دفع أصلها وجب الدفاع لمنع الزيادة.

و أنه لا فرق في سلطتهم بين السلطة العسكرية، و الثقافية، و السياسية، و الاقتصادية، إذا أضرت بدين المجتمع و عقائدهم أو أخلاقهم و فروع أحكامهم.

و أنه لا فرق بينها و بين كل سلطة كان فيها وهن الإسلام و المسلمين و تضعيف قوتهم و كسر شوكتهم.


و أنه لو خيف على حوزة الإسلام و مجتمع المسلمين من دخول الكفار في بلادهم بأي عنوان كان كالتجارة، و الطبابة، و السياحة، و ما أشبه ذلك، وجب المنع عن ذلك أو جعلهم تحت المراقبة التامة.

و انه لو استلزمت الروابط الدولية السياسية مع دول الكفر، تسلطهم و أسرهم السياسية و الاقتصادية للمسلمين، وجب المنع عن جميع ذلك و وجب على الأمة لا سيما العلماء منهم إرشادهم و نهيهم، و أنه لو ظهر عن أحد من رؤساء الدول الإسلامية، أو عن الوكلاء و الممثّلين روابط فاسدة مع الدول الكافرة بحيث تصير سببا لنفوذهم في المسلمين و تسلطهم عليهم و لو في الجملة، فهو خائن معزول عن مقامه بنفسه، و انه يحرم على الأمة أيضا الروابط التي تكون سببا لضعف حياتهم الاقتصادية و ركود أسواقهم.

و أما الثاني: أعني الدفاع عن النفس قد ذكروا أنه يجب على كل إنسان عقلا و شرعا و فطرة، ان يدفع عن نفسه بل و عن حريمه و أمواله ما استطاع. فلو هجم مهاجم قاصد بسوء من قتل أو جرح أو تجاوز عرض محاربا أو لصا أو غيرهما وجب الدفع و لو انجرّ إلى جرحه أو قتله، و ليس له الاستسلام و الانظلام.

و يجب في الدفاع مراعاة الأسهل فالأسهل فيدفعه بالإخطار، و الصياح، و الدفع باليد، و العصا، و الجرح، و القتل، مع ملاحظة الترتيب و لو خاف الفوت جاز التوسل بما أمكن و لو وقع على المهاجم حينئذ جرح أو قطع أو قتل فضلا عن النقص المالي كان هدرا.

تنبيه: ذكروا انه لو وجد مع زوجته رجلا يزني بها و علم بمطاوعتها جاز قتلهما و لا إثم عليه و لا قود، كانا محصنين أو غير محصنين، و كانت دائمة أو متعة، و الجواز حينئذ حكم واقعي بينه و بين اللّه تعالى، و أما في الظاهر فلو لم يقدر على إثباته حكم بالقصاص.

و لو اطلع أحد إلى عورات الغير من ثقب باب أو جدار أو من سطح فله زجره و دفعه بالضرب و غيره، و لو أدى إلى الجرح أو القتل كان هدرا.


* دمو الدم*

الدم في اللغة و العرف واضح، و قد يعرف في اللغة بأنه السائل الأحمر الذي يجري في عروق الحيوان، و أصله دمي أو دمو حذفت لامه، و في المجمع أصل الدم دمي بسكون الميم فحذفت اللام و جعلت الميم حرف إعراب، و في الحديث كلما ليس له دم فلا بأس به أي نفس سائلة كالعقارب و الخنافس و فيه لا يبطل دم امرئ مسلم أي لا يذهب هدرا انتهى.

و كيف كان فليس له اصطلاح خاص شرعي أو فقهي، و قد وقع الكلام فيه في الفقه تارة في حلّية أكله و أخرى في طهارته و نجاسته و ثالثة في بيعه و أكل ثمنه.

أما الأول: فلا إشكال بل و لا خلاف في حرمة أكل الدم بأي طريق كان، و هي اجماعية بين المسلمين كحرمة الميتة، و تدل عليها من الكتاب الكريم آيات و من السنة نصوص و روايات، راجع فيه عنوان الأشربة أيضا.

و أما الثاني: فقد عده الأصحاب في جملة النجاسات بل عن غير واحد منهم دعوى إجماع المسلمين عليه، بل قد عدها بعض من ضروريات الدين، لكن ذكر بعض ان موضوع النجاسة الدم المسفوح أي المنصب من العرق، و يؤيده قوله تعالى‌ (إِلاََّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) لكن الظاهر ان الموضوع أعم من المسفوح لدلالة النصوص على نجاسة دم الرعاف، و الدماء الثلاثة، و دم القروح و الجروح، و دم حكة الجسد، و دم الأسنان، مع انها غير مسفوحة، فمرادهم بالمسفوح المقابل لغير السائل و في دلالة الآية الشريفة على النجاسة تأمل.

و أما الثالث: و هو جواز بيعه و عدمه فالقول السديد فيه عندهم انه ان كان له منفعة محللة مقصودة جاز ذلك و إلاّ فلا و للدم في هذه العصور منافع محللة من أقوى المنافع العامة البشرية.

* دين الدّين*

الدّين بالفتح في اللغة إعطاء مال إلى أجل من دانه يدينه أعطاه مالا إلى أجل فهو دائن و ذاك مدين و مديون، و دان الرجل صار عليه دين فهو دائن بمعنى المدين.

و في المجمع: و الدين بفتح الدال واحد الديون تقول دنت الرجل أقرضته فهو مدين‌


و مديون و دان فلان استقرض و صار عليه دين.

و بالجملة الدين في اللغة مصدر بمعنى الإقراض أو الاستقراض إلاّ ان المراد بالدين المقابل للقرض اسم مصدر أي الحاصل بالاستقراض و الإقراض، و هو الواقع مورد البحث و المترتب عليه الأحكام، و لذا عرفوه بأنه المال الكلي الثابت في ذمة شخص لآخر بسبب من الأسباب كان السبب أمرا اختياريا كالاستقراض، و بيع السلم، و النسيئة، و الإجارة، و النكاح، و الخلع، و الجعالة، و نحوها، أو أمرا قهريا كما في بعض موارد الضمانات و النفقات.

و البحث عن الدين في الفقه ليس في علله و أسباب تحققه، بل في نفس العنوان الذي وعاؤه الذمة لكونه موضوعا لأحكام كثيرة في الشريعة من تكليف و وضع، نظير ما ذكروا من أن الدين إما حالّ أو مؤجّل، و الأول يجوز للدائن مطالبته مهما أراد، و يجب على المدين أداءه إذا تمكن، و الثاني لا يجب قضاءه قبل الأجل و إن طالبه الدائن و لا يجب عليه قبوله قبله و إن أدّاه المدين.

و أن الأجل إما بتعيين الطرفين كما في السلم و النسيئة، و إمّا بتعيين الشرع كما في أقساط الديات، و المؤجل يحل أجله بموت المدين دون الدائن، فإذا مات الزوج طالبته زوجته بالصداق المؤجل، و إذا ماتت لم يطالبه وارثها، و يجوز تعجيل المؤجل بنقصان شي‌ء منه و هو النزول، و لا يجوز تأخير المعجل بزيادة شي‌ء و هو الربا.

* ودي الدية*

الدية في اللغة مصدر أصلها الودي عوّض الهاء عن الواو المحذوفة التي هي فاء الكلمة، و معناها إعطاء دية القتيل، يقال ودى القاتل وديا و دية القتيل أعطى ديته، ثم أطلقت على المال المبذول الذي هو حق المجني عليه قتيلا أو غيره.

و الدية في اصطلاح الشرع و الفقه عبارة عن المال الواجب على الجاني بجنايته على إنسان حرّ في نفسه أو طرفه، سواء كان له تقدير أم لا، و ربما سمّوا غير المقدر أرشا أو حكومة.


و هذا العنوان قد وقع في الشريعة موضوعا لأحكام كثيرة من تكليف و وضع، و عقد الأصحاب له كتابا ذا أبواب و فصول سمّوه كتاب الديات و تعرضوا فيه لأقسام الجنايات من القتل و الجناية على الأطراف و الجرح و إذهاب المنافع، لتبيين مقادير دياتها المقررة في الشريعة.

أما القتل، فقد ذكروا أن أقسامه ثلاثة، فإنه إما عمد محض أو شبه عمد أو خطأ محض -و الأقسام تجري في الجناية على الأطراف و المنافع أيضا فراجع عنوان القصاص-و أما تقدير دياتها فقد ذكروا انه لا دية في قتل العمد بالأصالة إلاّ ان يصالح الطرفان عليها، فإن صالحا و أطلقا فهي مائة إبل، أو مائتا بقرة، أو ألف شاة، أو مائتا حلة، أو ألف دينار، أو عشرة آلاف درهم، و يعتبر كون الجميع في مال الجاني سليمة عن المرض و العيب، مؤداة في سنة واحدة، مع تخيير الجاني في تأديتها أول السنة أو وسطها أو آخرها، مغلظة بالنسبة لدية شبه العمد فإنها عبارة عن الأصول الستة من مال الجاني مع تخفيف في أسنان الإبل و التأدية في سنتين، و بالنسبة لدية الخطأ المحض أيضا فإنها عبارة عن الأصول المذكورة مع تخفيف أكثر في أسنان الإبل و التأدية في ثلاث سنين كل سنة ثلثها، و هذه الدية على عاقلة الجاني و لا يضمن هو منها شيئا بل و لا ترجع العاقلة إليه بعد الأداء أيضا.

ثم ان الأصحاب ذكروا في المقام انه لو ارتكب الجاني الجناية في زمان شريف كالأشهر الحرام أو في مكان شريف كمكة المعظمة أضيف إلى الدية ثلثها من أي الأجناس كان تغليظا له، و لا يلحق بهما غيرهما من الأزمنة و الأمكنة.

و أن دية المرأة المسلمة على النصف من الرجل المسلم في جميع التقادير المتقدمة فمن الإبل خمسون و من الدنانير خمسمائة و هكذا.

و انه تتساوى المرأة مع الرجل في الجراح إلى أن تبلغ ثلث دية الحرّ فتنتصف بعد ذلك ديتها.

و ان الدية في جميع فرق المسلمين سواء إلاّ من حكم بكفره كالنواصب و الخوارج و الغلاة. و أن دية الذمي الحرّ من أي فرقة كان ثمانمائة درهم و دية المرأة منهم نصف ديته.


و انه تجري أحكام دية الأطراف و التفاوت بين الرجل و المرأة في الذميين أيضا بالنسبة لأصل ديتهم.

و اما الجناية على الأطراف فقد ذكروا ان ديتها على قسمين، مقدرة و هي الدية المعينة الثابتة في الشريعة على الأعضاء و الجوارح و هي ثابتة في أكثر مورد الجناية على الأعضاء.

و غيره مقدرة و هي التي عينها الحاكم في الموارد التي لم يعين لها دية و قد ذكرنا موضوعات الدية تحت عناوينها الثابتة من النصوص فيما يلي.

* ودي عضو دية الأعضاء *

* ودي شعر دية الشعر*

الأول الشعر فذكروا انه لو أزال شخص شعر الرأس من ذكر صغير أو كبير بحيث لم ينبت أو أزال لحيته كذلك، ففي كل واحد الدية كاملة، و أنه لو نبت شعر الرأس ففيه الأرش، و لو نبت شعر اللحية ففيه ثلث ديته، و انه لو أزال شعر الرأس من المرأة صغيرة أو كبيرة بحيث لم ينبت ففيه ديتها كاملة و لو نبت ففيه مهر نسائها.

و ان في شعر الحاجبين معا إذا لم ينبت خمسمائة دينار و في كل واحد نصفها ذكرا كان أو أنثى و لو نبتت ففيه الأرش.

* ودي عين دية العينين*

الثاني العينيان فيهما معا الدية كاملة، و في كل واحدة منهما نصفها، و لا فرق بين العين الصحيحة و المريضة بأي مرض كان إذا كان الإبصار باقيا، و في العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إن كان العور خلقة أو بآفة من اللّه، و لو أعورها جان كان فيها نصف الدية، و في العين العوراء ثلث الدية، و في الأجفان الأربعة الدية كاملة، و في بعضها اختلاف، الأحوط التصالح.

* ودي أنف دية الأنف*

الثالث الأنف إذا قطع من أصله الدية كاملة و كذا في مارنه و هو ما لان منه بعد قصبتيه و في أحد المنخرين ثلث الدية.


* ودي أذن دية الأذن*

الرابع الاذن، في الأذنين إذا استؤصلا الدية كاملة، و في استيصال كل واحدة منهما نصفها، و في بعضها بحسابه ان نصفا فنصف و إن ثلثا فثلث، و لا فرق في ذلك بين الأصم و السميع، فإن الدية للعضو لا للقوة و لذا لو سرى القطع إلى السمع فأبطله كانت عليه ديتان للعضو و المنفعة، و لو قطعها بحيث ظهر عظم الرأس كانت عليه دية العضو و دية الموضحة من الشجاج.

* ودي شفه دية الشفتين*

الخامس الشفتان في الشفتين الدية الكاملة و في كل واحدة منهما نصف الدية، و الأحوط في السفلى ستمائة دينار، و حدّ الشفة العليا ما انفصل عن اللثة متصلة بالمنخرين، و السفلى ما انفصل عن اللثة، هذا في العرض، و طولها طول الفم، و في شقهما حتى بدت الأسنان ثلث الدية فإن برئتا فخمس الدية.

* ودي لسن دية اللسان*

السادس اللسان، في اللسان الفصيح إذا استؤصل الدية كاملة، و في الأخرس كذلك ثلثها، و في قطع بعضه يعتبر المقدار بحروف المعجم لا بالمساحة، فإن ذهبت أجمع فالدية كاملة، و إن ذهب بعضها وجب نصيب الذاهب، و يحسب حروف المعجم في كل لغة بحسبها و لو ضرب على رأسه أو وجهه فاعدم كلامه ففي إعدام الكلّ الدية كاملة و في إعدام البعض بحسب الحروف.

* ودي سنن دية الأسنان*

السابع الأسنان في الأسنان كلها الدية كاملة، و هي توزّع على ثمان و عشرين سنّا اثنتا عشرة في مقاديم الفم، ثنيّتان و رباعيتان و نابان من الأعلى، و مثلها من الأسفل، ففي كل واحدة منها خمسون دينارا فالجميع ستمائة دينار، و ست عشرة في مؤخر الفم في كلّ جانب‌


من الجوانب الأربعة، أربعة ضواحك و أضراس، في كلّ واحدة منها خمسة و عشرون دينارا فالجميع أربعمائة دينار. و لو نقصت الأسنان عن ثمان و عشرين نقص من الدية بحسابه و لو زادت عنها ففي الزائد الحكومة.

* ودي عنق دية العنق*

الثامن العنق في العنق إذا كسر فصار الشخص أصعر أي مائل العنق إلى طرف و ثنى، الدية كاملة على الأحوط و لو زال العيب فعليه الأرش.

* ودي لحو دية اللحيين*

التاسع اللحيان: في اللحيين إذا قلعتا الدية كاملة و في كل واحدة منهما نصفها، و هما العظمان من الطرفين ملتقاهما الذقن و عليهما قد نبتت الأسنان السفلى، و هذا فيما إذا قلعهما و ليس عليهما سن كالصبي و الهرم و لو كان عليهما الأسنان كانت عليه ديتان للحيين و الأسنان بحسابها.

* ودي يدي دية اليدين*

العاشر اليدان: في اليدين الدية كاملة و في كلّ واحدة نصفها من غير فرق بين اليمنى و اليسرى و حدّ اليد التي فيها الدية المعصم و هو المفصل بين الكف و الذراع، و لا دية على الأصابع في قطع اليد، و لو قطعت الأصابع منفردة ففيها الدية، و لو قطع اليد من المرفق أو من المنكب ففيها خمسمائة دينار، و في الزيادة بين الحدود الحكومة.

* ودي صبع دية الأصابع*

الحادي عشر الأصابع: في قطع أصابع اليدين كلها الدية كاملة، و كذا في أصابع الرجلين، و في كلّ واحدة من أصابع اليدين و الرجلين عشر الدية، من غير فرق بين الإبهام و غيره، و دية كل إصبع مقسومة على ثلاث عقد في كل عقدة ثلثها، و في الإبهام مقسومة على اثنتين في كل منهما نصفها، و في الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع، و في شلل‌


كل إصبع ثلثا ديتها، و في قطع المشلولة ثلث ديتها. و في الظفر إذا لم ينبت أو نبت فاسدا عشرة دنانير و ان نبت صحيحا خمسة دنانير.

* ودي ظهر دية الظهر*

الثاني عشر الظهر: في كسر الظهر الدية كاملة إذا لم يصلح أو احدودب أو صار بحيث لا يقدر على القعود أو المشي و لو عولج كاملا فمائة دينار.

* ودي نخع دية النخاع*

الثالث عشر في قطع النخاع: دية كاملة و لو عيب به عضو آخر فيه الدية، تثبت دية أخرى أو فيه الحكومة، تثبت الحكومة.

* ودي ثدي دية الثديين*

الرابع عشر الثديان: في الثديين من المرأة ديتها كاملة، و في واحدة منهما نصف ديتها، و في حلمتي ثدي الرجل ربع ديته، و في كل واحدة منهما ثمنها أعني مائة و خمسة و عشرين دينارا.

* ودي ذكر دية الذكر*

الخامس عشر في الحشفة فما زاد الدية كاملة و إن استؤصل، من غير فرق بين الكبير و الصغير، و في ذكر العنين ثلث الدية، و لو قطع نصف الذكر طولا ففيه نصف الدية.

* ودي خصي دية الخصيتين*

السادس عشر الخصيتان: في الخصيتين الدية الكاملة و لخصوص اليسرى منهما ثلثا الدية و لليمنى منهما ثلثها، و لا فرق فيه بين الصغير و الكبير و العنين و غيره و في أدرة الخصيتين و هي انتفاخهما أربعمائة دينار.


* ودي شفر دية الشفرين*

السابع عشر في شفري المرأة أي اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم، الدية الكاملة و في إحديهما نصفها.

و في إفضاء المرأة مطلقا كان بالوطي أو بشي‌ء آخر و كان من الزوج أو من الأجنبي ديتها كاملة، و هو جعل مسلكي الحيض و البول، أو الحيض و الغائط واحدا، إلاّ إذا كان من الزوج بالوطي بعد البلوغ، و فيما كان قبل البلوغ يجب مهرها أيضا و تفصيل الكلام فيه مذكورة تحت عنوان الإفضاء.

* ودي ألو دية الأليين*

الثامن عشر الأليان في الأليين الدية كاملة و في كلّ واحدة منهما نصفها في الرجل و المرأة، و هما اللحمان المرتفعان فوق الساق إلى الظهر من خلف يجلس الإنسان عليهما.

* ودي رجل دية الرجلين*

التاسع عشر الرجلان في الرجلين الدية كاملة و في كل منهما نصفها، و حدّهما مفصل الساق، أو مفصل الركبتين، أو مفصل الفخذين، كما مرّ في اليدين و في أصابع الرجلين منفردة دية كاملة، و في كل واحدة منهما عشرها و دية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية و الإبهام على أنملتين.

* ودي ضلع دية الأضلاع*

العشرون الأضلاع، و الظاهر في كسر الأضلاع من جانب اليسار التي تحيط بالقلب خمسة و عشرون دينارا و في غيرها في كلّ واحد عشرة دنانير و النصوص فيها مختلفة.

* ودي ترق دية الترقوة*

الواحد و العشرون الترقوة، و في الترقوتين الدية كاملة ان لم تجبرا و في كسر واحدة من غير جبر نصفها، و مع الجبر أربعون دينارا. ـ


تنبيه: كل عضو من أعضاء الرجل فيه ديته كاليدين و الرجلين و المنافع و الجراح، ففيه من المرأة ديتها و من الذّمّي أيضا ديته و من الذّمية ديتها، و كلما منه في الإنسان واحد ففيه الدية كاملة كالأنف و اللسان و الذكر و المثانة و الظهر و كلما منه اثنان ففيهما الدية و في كل واحد نصفها، و في شلل كلّ عضو ثلثا ديته و في قطع كل عضو فيه شلل ثلث الدية، و في كسر كلّ عظم من عضو له مقدّر خمس دية ذلك العضو، و في موضحته ربع دية كسره، و في رضّه ثلث ديته، و الأحوط في جميعها التصالح.

و من افتض بكرا بإصبعه مثلا فخرق مثانتها ففيه ديتها للمثانة و مهر مثلها لإزالة البكارة و كلّ من لا وليّ له فالحاكم وليّه فلو قتل خطأ أو شبه عمد فله الاستيفاء و الأحوط ان لا يعفو.

و أما الجناية على المنافع فهي موارد

* ودي عقل دية العقل*

الأول العقل و في إزالته بأي سبب كان الدية كاملة، و في نقصانه الحكومة، و لا قصاص فيه مطلقا.

* ودي سمع دية السمع*

الثاني السمع و في ذهابه من الأذنين جميعا الدية، و في زوال سمع كلّ واحدة نصفها، و حينئذ فلو علم عدم عوده استقرت، و إن عاد فالأرش، و لو قطع الأذن فذهب السمع فديتان.

* ودي بصر دية البصر*

الثالث البصر و في ذهاب الإبصار من العينين الدية كاملة، و من إحديهما نصفها، و لا فرق بين الصحيحة و المريضة بأنواع الأمراض ما دام الإبصار باقيا.


* ودي شمم دية الشم*

الرابع الشم، و في ذهابه من المنخرين الدية كاملة، و عن المنخر الواحد نصفها، و الأحوط فيه التصالح.

* ودي ذوق دية الذوق*

الخامس الذوق و في ذهابه الدية كاملة على الأحوط.

* ودي نزل دية الإنزال*

السادس قدرة الإنزال ففي زوالها الدية كاملة على الأحوط.

* ودي سلس بول دية في سلس البول*

السابع في سلس البول الدية كاملة إن كان دائما.

* ودي صوت دية الصوت*

الثامن في ذهاب الصوت كله بمعنى عدم قدرته على الجهر، و إن قدر على الإخفات الدية كاملة، ثم ان الجراحات الواقعة على الرأس و الوجه المسماة بالشجاج و إن كانت من الجنايات التي لها دية إلاّ انها مذكورة تحت عنوان الشجاج فراجع.

* ذبح الذباحة*

الذباحة بالفتح في اللغة مصدر ذبح يذبح الشي‌ء بمعنى شقه و نحره، و الذبيحة المذبوحة فعلا أو قوة، و في المجمع: الذبح بالفتح الشق و الذبح مصدر قولك ذبحت الحيوان فهو ذبيح و مذبوح، و الذبح بالكسر ما يذبح من الحيوان انتهى. و في المفردات: أصل الذبح شق حلق الحيوانات و الذبح المذبوح انتهى.


و أما في اصطلاح الأصحاب فقد عنونوا بابا في الفقه بعنوان الذباحة كما في الشرائع و غيره و ادعى بعض الأصحاب أنه لم يرها في كتب اللغة و ان اشتهر التعبير بها في كتب الفقه، لكن الظاهر أنها مذكورة في بعض كتب اللغة كالقاموس و لسان العرب و المنجد و غيرها.

و كيف كان فيمكن ان يقال ان الذباحة و الذبح في اصطلاح الشرع و الفقهاء عبارة عن إزهاق روح الحيوان بفري أو داجه على وجه خاص بشرائط مقررة، و قد ذكر الأصحاب في بيان حقيقتها و أحكامها أمورا أربعة: الذابح، و الآلة، و كيفية الذبح، و شرائطه.

أما الأول: فقد ذكروا انه يشترط في الذّابح ان يكون مسلما أو ما بحكمه فلا تحل ذبيحة الكافر بأقسامه، و لا يشترط فيه الإيمان فتحل ذبيحة جميع فرق المسلمين عدا المحكوم بكفره منهم، و لا يشترط الذكورة و البلوغ.

و أما الثاني: فإنه لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، و مع الضرورة يجوز بكل ما يفري أعضاء الذبح و لو قصبا أو حجارة حادّة أو زجاجة.

و أما الثالث: فالواجب فيه قطع تمام الأعضاء الأربعة، و هي الحلقوم أعني مجرى النفس، و المري‌ء أعني مجرى الطعام و الشراب، و الودجان أي العرقان الغليظان المحيط بالحلقوم، و يسمى الجميع بالأوداج الأربعة. و محل الذبح تحت اللحيين و تحت العقدة المسماة بالجوزة بحيث تبقى في طرف الرأس، مع وقوع الذبح من القدام لا من القفا و ان انقطعت الأوداج.

و أما الرابع: فإنّه يشترط في التذكية مضافا إلى ما ذكر أمور:

أحدها: توجيه الذبيحة إلى القبلة بأن يوجه مذبحها و مقاديم بدنها إليها.

ثانيها: التسمية بأن يذكر اسم اللّه عليها قريبا من الذبح أو حينه.

ثالثها: صدور الحركة من الذبيحة بعد تمام الذبح، و لو بان تطرف عينها، أو يحرك أذنها أو ذنبها أو رجلها، أو خرج الدم المعتدل.

و يختص الإبل من بين الحيوانات البرية بتذكية النحر، كما يختص غيرها بالذبح، فلو


ذبحت الإبل حرمت و لو نحر غيرها حرم، فإن كل مذبوح منحور حرام، و كل منحور مذبوح حرام.

هذا كله في ذباحة غير الجنين و أما فيه فقد ذكروا أنه إن كان خرج من بطن أمه حيا وجبت تذكيته و إن لم يمكن حرم، و إن خرج ميتا فإن كانت أمه مذكاة و كان تام الخلقة و قد أشعر أو أوبر، حل أكله و إلاّ حرم، و لا فرق في الحلية بين عدم و لوج الروح فيه أصلا أو خروجه عنه في بطن أمه فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه.

* ذكر الذكر*

الذكر في اللغة يطلق تارة على حالة حضور الشي‌ء عند النفس كالحفظ الذي هو حالة إدامة ما تذكر، و أخرى لحضور الشي‌ء على اللسان و لذا قيل إن الذكر ذكران ذكر بالقلب و ذكر باللسان، و بالاعتبار الثاني يطلق عليه القول، و يكون أعم من القرآن و الدعاء فقد أطلق على القرآن في قوله‌ (وَ هََذََا ذِكْرٌ مُبََارَكٌ أَنْزَلْنََاهُ) و يطلق أيضا على الإنسان‌ (قَدْ أَنْزَلَ اَللََّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً `رَسُولاً) فالذكر وصف للنبي صلّى اللّه عليه و آله كما أن الكلمة وصف لعيسى عليه السلام.

و كيف كان فأكثر استعمال الذكر في الفقه في باب الصلاة و غيرها في القول المقابل للقرآن و الدعاء كذكر الركوع و السجود و الذكر في غيرهما، فيشمل كلما كان حمدا للّه تعالى و شكرا، و ما كان حاكيا عن صفات ذاته و جلالة و جماله و عن أفعاله و يشمل الشهادتين و الإقرار بالأنبياء و الكتب و الملائكة و غيرها، و الدعاء المعروف بالجوشن الكبير كلّه ذكر إلا قوله خلصنا من النار، و في المجمع ان الذكر بالكسر نقيض النسيان و الذكرى مثله و الذكر يشمل الصلاة و قراءة القرآن و الحديث و تدريس الصلاة و مناظرة العلماء انتهى. و هذا ذكر بالمعنى اللغوي.

ثم إن الذكر قد وقع مورد البحث في الفقه و هو بمعنى النطق اللساني جزء من كل صلاة واجبة أو مندوبة، يجب الإتيان بشي‌ء منه وجوبا نفسيا ضمنيا في الفرائض و شرطيا في النوافل، و هو ما يقرأ في الركوع و السجود و لا يكفي فيهما القرآن و الدعاء إذا لم ينطبق‌


عليهما الذكر، و هل يكفي فيهما مطلق الذكر أو يتعين التسبيح فيه وجهان كالوجهين في كفاية الواحدة و لو من التسبيح أو لزوم التثليث، و الظاهر الإطلاق في الأول و التقييد في الثاني و التفصيل في الفقه.

* ذكر أنث الذكر و الأنثى*

الذكر في اللغة خلاف الأنثى و مفهومهما في اللغة و العرف أجلى من أن يعرف بغيرهما من الألفاظ، و جمع الأنثى إناث و اناثي، و هي أعم من البالغين و غير البالغين كما أن الذكر كذلك، و هي في جميع الحيوانات تعتبر أضعف من الذكر في القوى النفسية و الجسمية، و يسمى الصنفان إذا بلغا، المرء و المرأة، و ليس للفظين مصطلح خاص شرعي أو متشرعي و قد وقع كل واحد منهما في الشريعة موضوعا للأحكام و في الفقه موردا للبحث.

و ليعلم أولا أن الذكر و الأنثى صنفان من نوع الإنسان يشتركان في الصفات الروحية و الملكات النفسية فضائلها و رذائلها إلاّ شيئا يسيرا يفترقان فيه كما انهما يشتركان أيضا في أغلب الأحكام الدينية في أصولها و فروعها و أخلاقها.

نعم قد افترقا في نظر الشرع بل و العقل في عدة من الأحكام الفردية و الاجتماعية روعي فيها صلاح حالها أو حاله أو حالهما أو حال المجتمع، و ان شئت قلت ان اختلافهما في الجملة في طبيعتهما و حقيقتهما الجسمية، و في الصفات النفسانية أوجبت اختلافهما في بعض الأحكام بحيث لو كانا مساويين كان ذلك على خلاف حكمة التكوين و مصالح التشريع.

و بالجملة الرجل و المرأة يشتركان في أركان الدين بمعنى انهما يتساويان في جميع الأصول الاعتقادية سواء الخمسة الأصلية و ما يتبعها من سائر العقائد، كما يشتركان في أغلب الأحكام الفرعية و هي أمهات تلك الأحكام و أصول الفروع، و هي تتفرق و تتمايز عنه في شي‌ء من الفروع ذكره الأصحاب في خلال أبواب الفقه بتناسب مسائلها و نشير هنا إلى عدة من موارد الافتراق التي عقدنا هذين العنوانين عمدة لبيانها.

الأول: افتراقهما في زمان البلوغ و أسبابه فالأنثى تدرك و تبلغ الحلم إذا تم لها تسع‌


سنين من عمرها، و الذكر يبلغ الحلم إذا تم له خمس عشرة سنة، و لو سبقه الاحتلام أو نبات الشعر الخشن على العانة أو اللحية أو الشارب قبل تمام السنين، كانت علامة لتقدم البلوغ كما انه لو سبقها الحيض أو العلائم المذكورة كانت علامة لتقدم بلوغها، و العلائم مورد اختلاف بين الفريقين بل و بين أصحابنا أيضا أشهرها أو أحسنها ما ذكرنا.

الثاني: افتراقهما في وجوب تستر كل منهما عن الآخر و كيفية ذلك فيجب عليها التستر بمعنى تغطية البدن كله ما عدا الوجه و الكفين عن غير محارمها من الرجال، و يحرم عليها إبداء الزينة و مواضعها لهم، فبدنها كله عورة عدا الموضعين، و أما الذكر فلا يجب عليه التستر من الأجنبيات و ان علم نظرهن إليه، فبدن الرجل غير عورة، غير العورة، و هذا مما دل عليه الكتاب الكريم و السنة المنقولة عن أهل البيت عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و توافقت عليه الإجماع و السيرة و الضرورة عند المسلمين.

ثم انه لا يبعد القول بالملازمة بين جواز إبداء الجسد من طرف و جواز النظر بلا ريبة و تلذذ من الآخر في الجملة، بمعنى ان الرجل النظر إلى الوجه و الكفين منها و للمرأة النظر إلى ما جرت العادة بعدم تستره منه و المسألة خلافية.

الثالث: افتراقهما في الميراث فنصيب الذكر مثل حظ الأنثيين، و نصيبها نصف ما للذكر من الحظ في أغلب مراتب النسب و السبب، فللذكر من الأولاد مثل حظ الأنثيين منهم، و للاخوة من الأبوين أو الأب مثل حظ الأنثيين منهم، و للأم نصف حظ الأب، و للعمة نصف حظ العم، و للزوجة نصف حظ الزوج، و هذا غير مخالف للعدل في التشريع، الذي لو حظ في جميع قواعد الدين و قوانينه، فإنه لا بد في لحاظ العدل من نسبة كل حكم إلى بقية الأجزاء من مجموع الشريعة، فإذا شرع في الدين لابن الميت ان يتزوج بامرأة و يتكفل لنفقتها، و لبنته أن تتزوج برجل و تلقي كلّها في النفقة إليه، كان العدل حينئذ قسمة التركة كما شرعه، و الحكم تابع للأغلب من الملاكات.

الرابع: انهما يفترقان في دية النفس و الأعضاء و المنافع، بل و في قصاصها أيضا في الجملة، فإن دية الأنثى في القتل نصف دية الذكر، و دية أعضائها أيضا على النصف من‌


دية أعضائه، و دية زوال منافعها كإزالة قوة السمع و البصر و غيرهما على النصف منه، و قد يتساويان في بعض الموارد و التفصيل في الفقه.

الخامس: افتراقهما بعد حصول الزواج بينهما، في عدة من الأمور الدخيلة في عيشهما و دوام مصاحبتهما:

منها: النفقة فإنه تستحقها منه دون العكس في النكاح الدائم، فعليه أن ينفق عليها جميع ما تحتاج إليه من المسكن و اللباس و الغذاء و الدواء و غيرها و ان كان فقيرا معسرا لا يجد غير نفقتهما، و كانت غنية موسرة غير محتاجة إليه.

و منها: خروجها عن البيت فليس لها ذلك إلى سفر و نحوه بدون إذنه و رضاه، و له الخروج بدون إذنها، و يستثني من ذلك سفر الحج الواجب و عند الاضطرار و عند التظلم عنه أو نحو ذلك.

و منها: عدم جواز إتيانها العبادات المندوبة بدون إذنه فضلا عن غير العبادة، فيما إذا أضرت بحقوقه المشروعة كالاستمتاع و نحوه.

و منها: الولاية على أولادهما، فإن له الولاية على نفوسهم و أموالهم بالتصرف التربوي و التعليمي بالنسبة لأنفسهم، و التصرف على وفق الصلاح في أموالهم و ليس لها ذلك فيما عدا الحضانة كما ستعرف.

و منها: نفقة أولادهما فإنها عليه دونها ما دام كان متمكنا عن ذلك، و إلاّ كانت على جدهم أو عليها، و من جملة ذلك إرضاعهم أيام الرضاعة فان أجرتها عليه سواء كانت هي المرضعة أو غيرها.

و منها: حق الحضانة، و هو حق تربية الأولاد و التصدي لأمر حفظهم و حضانتهم مدة الرضاع، فان الأم أحق بذلك في تلك المدة، و بعد انقضائها كان الأب أحق بالذكر و الام بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين، ثم يكون الأب أيضا أحق بها، و مدة الحضانة إلى البلوغ.

السادس: افتراقهما في مباشرة الجهاد الابتدائي فإنه قد أفتوا بعدم وجوب الحضور


عليهن في المعارك و أخذ السلاح للمحاربة، و لا بأس بحضورهن لتداوي الجرحى و طبخ الغذاء و سقي الماء و نحو ذلك، و أما الجهاد الدفاعي فهو واجب على جميع المكلفين القادرين عليه رجالا كانوا أو إناثا.

السابع: افتراقهما في نقصان حظهن من العبادات فإنه يسقط عنها الفرائض الخمس اليومية و سائر العبادات المشروطة بالطهارة من الحدث الأكبر كالصوم و الطواف و الاعتكاف، أيام عادتها في الحيض و النفاس بل و يحرم عليها الإتيان بها في تلك الأيام لصيرورتها بدعة حينئذ.

الثامن: افتراقهما في استقلال الإقدام على النكاح، فإنه ليس لها تزويج نفسها و لو كانت بالغة رشيدة إذا كانت بكرا إلاّ بإذن أبيها أو جدها للأب، و لو كانت أيما استقلت في أمرها، و أما الذكر فيستقل بالنكاح و لا يتوقف على إذنهما.

التاسع: افتراقهما أيام رضاعتهما و عدم تغذيهما، في إنه إذا أصاب بوله شيئا يطهر بصب الماء عليه، بحيث يغلب على البول من غير حاجة إلى إخراج الغسالة، و إذا أصاب بولها شيئا كان كبول الكبير مشروطا بشروط.

العاشر: افتراقهما في استعمال الحرير و الذهب، فإنه يحل لها لبس الحرير المحض و التزين بالذهب، و هما محرّمان على الذكر، و يحرم على كل منهما أيضا التلبس بما يختص بالآخر فيحرم عليها لبس العمامة و الرداء و عليه الخمار و المئزر على الأحوط فيهما.

الحادي عشر: افتراقهما في محرمات الإحرام فيحرم عليها تغطية الوجه حال إحرامها بنقاب و برقع و نحوهما دونه، و يحرم عليه تغطية الرأس دونها، و يحل عليها لبس المخيط و ما يستر ظهر القدم و التظليل، و يحرم الجميع عليه و يجب عليه الحلق في إحرامه في الجملة، و يجب عليها التقصير دون الحلق.

الثاني عشر: افتراقهما في قراءة الصلاة، فيجب عليه الجهر بها في الصبح و المغرب و العشاء، و لها التخيير بين الجهر و الإخفات فيها إلاّ مع سماع الأجنبي فتخفت، و يتساويان في الإخفاتية و في سائر الصلوات.


الثالث عشر: افتراقهما في إمامة الصلاة فلا يجوز لهنّ الإمامة على الرجال في الجمعة و الجماعة و يجوز لهم الإمامة عليهن.

الرابع عشر: افتراقهما في التصدي لولاية أمر المسلمين بنصب خاص أو عام من جانب المعصوم، فان الظاهر انه كما لم يشرع لهن منصب النبوة و الرسالة في إبلاغ الأديان و الشرائع و الإمامة المنصوصة من قبل اللّه تعالى، كذلك لم يشرع لهن منصب الولاية المجعولة من قبل المعصوم على نفوس المجتمع و أموالهم، و هذا ما يستفاد من الكتاب الكريم و السنة و مذاق الشارع الأقدس، و سنة اللّه التي قد خلت في عبادة منذ أرسل الرسل و أنزل الكتب.

الخامس عشر: افتراقهما في منصب القضاء بين الناس، فإنه لم يشرع لهن ذلك و ان كانت واجدة لشرائطه غير الذكورة، مع ان القضاء شعبة من الولاية التامة و غصن من غصونها.

السادس عشر: افتراقهما في الشهادة في مقام الدعاوي و المخاصمات من حيث الشاهد و المشهود به، أما الأول فإن شهادة امرأتين عدلين تساوي شهادة رجل عدل، ففيما تجب فيه شهادة رجلين تجب شهادة أربع نسوة، و فيما تجب فيه أربعة رجال، إذا نقص منهم واحد انضمت إليهم امرأتان، و إذا نقص اثنان انضمت أربع، و إذا نقص ثلاثة انضمت ست من النساء على اختلاف في بعض الصور يطلب من الفقه. و أما الثاني فإنه يختص نفوذ شهادتهن بالاستقلال بالموارد التي يعسر اطلاع الرجال عليها عادة، كالبكارة و الولادة و الرضاعة و نحوها، و تجوز في غيرها مع الانضمام إلى الرجال، و لهم الاستقلال بالشهادة مع سائر الشروط مطلقا.

السابع عشر: افتراقهما في الارتداد عن فطرة فإن المرتد الفطري يجب قتله، و لا تقبل توبته من جهة سقوط القتل، و تبين عنه زوجته بالارتداد، و تعتد عدة الوفاة، و تقسم أمواله في ورثته، و المرتدة فطرة لا تبين عن زوجها بالارتداد بل تعتد عدة الطلاق، فان ثابت في مدة العدة و إلاّ بانت و خلدت في الحبس، و لا تخرج أموالها عن ملكها. ـ


الثامن عشر: افتراقهما في الختان فان ختان الذكر واجب لنفسه بعد البلوغ بلا ريب، و هو مندوب لأوليائه قبل بلوغه، و لا يجب ختان الأنثى نعم هو مندوب.

التاسع عشر: افتراقهما في الاعتداد عند انقطاع الزوجية بينهما بالطلاق و الفسخ و الانفساخ و الموت، فإنه يجب عليها الاعتداد منه مطلقا إلاّ في موارد معينة، و يحرم عليها التزويج من غيره أيام الاعتداد، و لا يجب عليه الاعتداد منها مطلقا فله التزويج بغيرها بعد الانقطاع بلا فصل.

* ذمم الذمة*

الذمة في اللغة الأمان و العهد و الضمان، و أهل الذمة سموا بذلك لأنهم دخلوا في أمان المسلمين و عهدهم و ضمانهم، و منه سمي المعاهد ذميا لنسبته إلى الذمة و هي العهد.

ثم إن الذمة قد وقعت في الشرع موضوعا للحكم و قد استعملت في الفقه في باب الجهاد فيما إذا خيّر ولي المسلمين أهل الكتاب بين أمور ثلاثة: قبول الإسلام و المحاربة و قبول الذمة، فإذا اختاروا الأخير تحقق عنوان الذمة، و على هذا فهي عقد مفتقر إلى الإيجاب و القبول ينعقد بين و إلي المسلمين أو خصوص أمير الجيش و بين أهل الكتاب أو طائفة منهم. و قد ذكر الأصحاب إن للذمة شرائط ركنية و غير ركنية و هي الشروط التالية: - 1-بذل الجزية على ما يأتي تفصيلها.

2-ان لا يفعلوا ما ينافي الأمان كالعزم و التوطئة على حرب المسلمين، و كإمداد المشركين.

3-الالتزام بأحكام الإسلام القضائية كانت المنازعة بين بعضهم مع بعض أو بينهم و بين المسلمين.

4-ترك التعرض لنساء المسلمين و أطفالهم بالعقد أو الفحشاء.

5-ترك إلقاء الوسوسة و الانحراف في أذهان المسلمين في عقائدهم و أخلاقهم و أعمالهم.

6-ترك المزاحمة لهم بقطع الطريق و سرقة الأموال و نحو ذلك.


7-عدم إيوائهم جواسيس الكفر و عيونهم.

8-عدم دلالتهم أعداء الإسلام على أسرار الدولة الإسلامية.

9-عدم دلالتهم على عورات المسلمين و ما فيه ضرر عليهم كطريق أخذهم و غيلتهم و أخذ أموالهم.

10-عدم تظاهرهم بالمحرمات الإسلامية كشرب الخمر و أكل لحم الخنزير و أكل الربا و الأكل في شهر رمضان، و ذكروا أن الشروط الثلاثة الأول من أركان عقد الذمة، سواء شرطت في متن العقد أم لا فيبطل العقد بالإخلال بها، و يخرجون عنها بمجرد الامتناع عن الجزية، أو التوطئة للحرب، أو عدم قبول قضاء حكام المسلمين، و حينئذ يترتب عليهم حكم الحربي، و أما باقي الشروط فإن شرطت في متن العقد تبطل بالمخالفة و إلاّ فلا.

ثم إنهم ذكروا في المقام أن تقدير الجزية على والي المسلمين فله الخيار فيها كيفا و كمّا على ما يرى المصلحة في ذلك، فإن شاء وضعها على الرؤوس أو على الأراضي أو على كليهما حسب اقتضاء الصلاح.

* ذهب ثلث ذهاب الثلثين*

هذا العنوان مذكور في الفقه في موردين لأجل غرضين و كونه سببا لحكمين مختلفين.

أحدهما: في باب الطهارة و فصل المطهرات لبيان كونه مطهرا لبعض النجاسات، فإنه إذا قلنا بأن عصير العنب تعرض عليه النجاسة بالغليان كما تعرضه الحرمة بذلك، كان ذهاب ثلثيه مطهرا له فراجع عنوان المطهر.

الثاني: في باب الأطعمة و الأشربة فإنه لا إشكال في حرمة العصير العنبي إذا حصل فيه الغليان فيكون ذهاب ثلثيه مفيدا لحليته، و لا فرق في ترتيب الحرمة و النجاسة على القول بها بالغليان، و كذا في زوالهما بذهاب الثلثين، بين كونهما أي الغليان و الذهاب كليهما بالنار أو بالشمس أو بالهواء أو بالاختلاف على الخلاف في بعضها، كما أنه يمكن في البابين تقدير الثلث و الثلثين بالوزن و الكيل و المساحة.


* ذهب فضض الذهب و الفضة*

الذهب هو الجوهر النفيس المعروف، الثقيل وزنه و الغالي قيمته، و الكثير طالبه و القليل واجده، له أسماء متعددة في اللغة كالتبر و السام و العسجد و العين و العقيان و النضر و غيرها، و هو أحد النقدين المعروفين، و قرينه الآخر الفضة، و قد يعبر عن حقيقتهما بالأحمر و الأبيض، و هما المحبوبان عند الناس من قديم الأزمنة إلى عصرنا هذا، و لعل زمان وجودهما و ولع الإنسان إليهما و حب النفوس لهما يساوي في التاريخ أوائل أزمنة خلقهم و إسكانهم في الأرض. ثم انه ليس للذهب مصطلح خاص في الشرع و بين المتشرعة، لكنه وقع بمعناه اللغوي موضوعا لأحكام كثيرة في الفقه.

منها: كونه أحد الأعيان التسعة الزكوية التي وضع النبي الأعظم عليها ضريبة مالية معينة أسماها الزكاة، فأوجب لمن ملك منه حدا خاصا إخراج ربع العشر منه في كل سنة، مع اجتماع سائر الشرائط كالنصاب و كونه مسكوكا و مضيّ الحول عليه، و قد ذكرنا تفصيل ذلك تحت عنوان الزكاة.

و منها: حرمة تزيين الرجل به في الدنيا دون المرأة، فلا يجوز له لبسه في حال من الحالات كان بعنوان التختم به، أو لبس المنسوج منه خالصا أو ممزوجا، أو شد الأسنان به بقصد الزينة، و لا يشترك الفضة معه في هذا الحكم.

و منها: حرمة اتخاذ الآنية منه و كذا من الفضة و استعمالهما في الأكل و الشرب و غيرهما و الكلام في ذلك مذكور تحت عنوان الآنية.

و منها: وجوب القبض و الإقباض في بيعه بمثله أو بالفضة و كذا بيع الفضة به و بالفضة، قبل التفرق عن مجلس المعاملة، بمعنى فساد العقد إذا تفرقا قبل التقابض.

و منها: حرمة بيعه بمثله متفاضلا لكونه ربويا حينئذ و هذا الحكم عارض له بعنوان كونه مثليا.


* ربو الربا*

الربا بالمد و القصر في اللغة الزيادة، قال في النهاية: هو في الأصل الزيادة ربا المال يربو ربوا إذا زاد و ارتفع و الاسم الربا مقصورا انتهى، و في المفردات فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت، أي زادت، و الربا الزيادة على رأس المال، لكن خص في الشرع بالزيادة على وجه دون وجه. و نبه بقوله: يَمْحَقُ اَللََّهُ اَلرِّبََا ان الزيادة المعقولة المعبر عنها بالبركة مرتفعة عن الربا انتهى.

و قد كثر استعمال اللفظ عند الشرع و المتشرعة بحيث صار اصطلاحا في معنى أخص من المعنى اللغوي، قال في المسالك: هو شرعا بيع أحد المتماثلين المقدرين بالكيل و الوزن بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة، و ان لم يكونا مقدرين بهما انتهى، و بالجملة فالربا عند الأصحاب على قسمين، معاملي و قرضي، و الأول هو بيع أحد المتماثلين بالآخر مع زيادة عينية كبيع منّ من الحنطة الجيدة مثلا بمنين من حنطة ردية أو بمن و درهم، أو حكمية كبيع منّ من الحنطة نقدا بمنّ منها نسية، فان المبيع زائد على الثمن بمقدار قيمة المدة فكان البائع أعطى منا و مهلة بمن فهو كمن اعطى منا و ربع من بمن و لذا لو باع منا بدراهم نقدا كان أرخص مما لو باع بها نسية.

و قد اشترطوا في تحقق موضوع الربا في هذا القسم أمرين أولهما-اتحاد الجنس المراد به النوع في المقام فان الحبّ مثلا جنس تحته أنواع كثيرة كالحنطة، و الأرز، و العدس، و الحمص، و غيرها، فافراد كل نوع متماثلة و ان اختلفت في الصفة و كانت أصنافا كالحنطة الحمراء و البيضاء، و كذا الأرز العنبر و الشنبة، فلا ربا لو بيع الحنطة بالأرز أو العدس مع التفاضل.

ثانيهما-كون العوضين من قبيل المكيل و الموزون، فلا ربا فيما يباع بالعدّ و المساحة و المشاهدة.

و الثاني-أعني الربا القرضي فقد ذكروا انه يتحقق فيما إذا أقرض ما لا بشرط الزيادة، بان يؤدي المقترض أزيد مما اقترضه، كان الاشتراط صريحا، أو تقارضا مبنيّا عليها، و لا فرق بين كون الزيادة عينا كاقراض عشرة دراهم باثني عشر، أو عملا كاشتراط خياطة


ثوب على المقترض، أو منفعة أو انتفاعا كاشتراط المقرض الانتفاع بالعين المرهونة على القرض، أو على قرض آخر، أو صفة كاقراض دراهم مكسورة أو ردية بشرط رد الصحيحة أو الجيدة، و لا فرق أيضا بين كون المال المقترض مكيلا أو موزونا أو غيرهما كالمعتبر بالعدّ و المساحة و المشاهدة.

ثم انه لا اشكال عندنا بل عند كافة المسلمين في حرمة الربا، بل الظاهر انها من ضروريات الدين، و قد ذكروا دخول مستحلّه في المرتدين، و فرّعوا على مسألة الربا في البيع، بأن الحنطة و الشعير في هذا الباب بحكم جنس واحد لا يجوز معاملتهما مع التفاضل، و ان أصناف كل نوع تعدّ جنسا واحدا، و فروع كل صنف مع أصله واحد، و فروع جميع الأصول واحد، و ان اختلفت العناوين، كاللبن مع فروعه من الجبن و اللبأ و الزبد و الأقط و الدهن، و كل واحد منها مع الآخر إذا كانت من البقر مثلا، و كذا التمر و العنب مع دبسهما، و ان اللحوم و الألبان و الادهان تختلف باختلاف الحيوان، فيجوز التفاضل في معاملة لحم الغنم و البقر.

و فرعوا على الربا القرضي بأنه انما يحرم الزيادة مع الشرط، و اما بدونه فلا بأس به بل يستحب للمقترض بذل شي‌ء زيادة لأنه من حسن القضاء، و انه انما يحرم شرط الزيادة على المقترض دون المقرض كما إذا أقرضه عشرة بشرط أن يرد ثمانية، أو بشرط أن يخيط للمقترض ثوبا، و ان حرمة الإقراض مع الزيادة لا يستلزم بطلان أصل القرض فيصح الأصل و يبطل الشرط و تحرم الزيادة.

* رجع الرجعة*

الرجعة بالفتح في اللغة المرة من الرجوع و بالكسر نوع الرجوع، و في المجمع: و أما الرجعة بعد الطلاق فتقرأ بالفتح و الكسر على المرة و الحالة و بعضهم يقتصر فيها على الفتح و في المصباح و هو الأصح و طلاق رجعي يقرأ بالوجهين أيضا انتهى.

و في النهاية: هي ارتجاع الزوجة المطلقة غير البائنة إلى النكاح من غير استيناف عقد


و كيف كان فالرجعة في الفقه و في اصطلاح أهله من الإيقاعات التي ينشأها الزوج بأسبابها الخاصة، و حقيقتها ارتجاع الزوجة إلى حبالة النكاح، فهي أمر اعتباري قابل للجعل و الإنشاء باللفظ و نحوه مفتقر إلى النية، هذا و لكن يشكل الالتزام بما ذكروه:

أولا: بأن مقتضاه كون المنشأ زوجية مستقلة حادثة بالرجوع بعد ما زالت بالطلاق فقول رجعت مثلا يفيد فائدة الإيجاب و القبول و قيامه مقام العقد التام.

و ثانيا: بأنهم قالوا بكفاية كل فعل يدل على المقصود و هذا مما لا يلتزمون به في كل إيقاع.

و ثالثا: بأنهم ذكروا عدم لزوم قصد الرجوع ايضا بل قالوا بكفاية كل فعل يقتضي كونها زوجة كالتقبيل بشهوة و الجماع بل و إنكار الطلاق.

و يمكن أن يقال إن الطلاق الرجعي الذي يشترط فيه العدّة و يشرع فيه الرجوع له جهتان، الأولى أن يكون سببا تاما لزوال الزوجية كالطلاق البائن و يكون الرجعة سببا لحدوث الزوجية ثانيا كما ذكرنا، و يكون المراد من قولهم المطلقة الرجعية زوجة ما دامت في العدة، تنزيلها منزلة الزوجة تعبدا، و تخصيصا للنصوص الدالة على حرمة النظر إلى الأجنبية و حرمة لمسها بشهوة و حرمة إبدائها الزينة عند غير الزوج و غير محارمها، و عدم وجوب الإنفاق على الأجنبية و عدم توارث الأجنبيين و غير ذلك.

الثانية أن يكون الطلاق مقتضيا لزوال الزوجية و يكون انقضاء العدة شرطا له فالمطلقة رجعيا قبل تحقق الشرط زوجة حقيقية يترتب عليها جميع آثارها و الرجوع مانع عن تحقق الشرط، مبطل لتأثير المقتضى كما في فسخ بيع السلم و الصرف قبل التقابض، و لا يبعد رجحان هذا الوجه و على هذا فمفاد الرجعة ليس إيقاعا بذلك المعنى، بل هو رفع و إبطال لتأثير المقتضى و يحصل ذلك شرعا لكل قول أو فعل كاللمس و التقبيل و غيرهما و لا تتوقف حلّية تلك الأفعال على سبق الرجوع لفظا و لا على قصده كما مرّ.


* رشد سفه الرشد و السفه*

الرشد في اللغة الاهتداء و الاستقامة، و الرشد خلاف الغي و الضلالة و فسر بإحقاق الحق، و قد كثر استعماله في كلمات الفقهاء فيما يتعلق بالمال، و لذا عرفه في الشرائع بأنه إصلاح المال، و هذا موافق لمعناه العرفي فالمراد به عند العرف و الفقه رعاية الصلاح في التصرفات المالية تحصيلا و حفظا و صرفا و مبادلة، و ظاهر هذا البيان انه فعل خارجي يتصف به صاحب المال لكن عرفه الشهيد الثاني بأنه ملكة نفسانية تقتضي إصلاح المال و تمنع من إفساده و صرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.

و السفه يقابل الرشد عند الأصحاب، و لذلك عرّفوا السفه بأنه صرف المال في غير الأغراض الصحيحة العقلائية، و السفيه بأنه من ليس له حالة باعثة على حفظ ماله، يصرفه في غير موقعه و يتلفه في غير محله، لا مكايسة له في معاملاته و لا محافظة له على المغابنة.

و كيف كان فقد ذكروا انه يترتب على الرشد كونه شرطا في خروج الصبيّ عن الحجر، و ان الصبي ممنوع عن التصرفات الماليّة و غيرها حتى تخرج عنه بأمرين بالبلوغ و الرشد، و ذكروا ان السفيه لا تصح تصرفاته في أعيان أمواله بالبيع و الصلح و الهبة و الإجارة و الوقف و نحوها و كذا في توابع ذلك من الفسخ بالخيار و إمضاء الفضولي و البيع الخياري و قبض الثمن و اقباض المبيع و نحوها، و ان الولاية له على الأب و الجد له و وصيهما، و انّه لا تنفذ تصرفاته في ذمته ايضا كتعهده بالمال أو العمل بالاقتراض و الضمان و بيع النسية و السلم، و ان معنى عدم نفوذ تصرفاته عدم استقلاله فيها و تصح بالاذن من الولي على خلاف الصغير فإنه مسلوب العبارة، و انه لا يصح زواجه أيضا بدون الاذن من الولي، و انه يجب اختبار السفيه و السفيهة بتفويض بعض الأمور المالية المتناسبة لحالهما إليهما حتى يظهر رشدهما.

* رشو الرشوة*

الرشوة مثلثة الراء في اللغة ما يعطى لإبطال حق أو إحقاق باطل و الجمع رشى بالفتح و الكسر، و في المجمع: الرشوة بالكسر ما يعطيه الشخص للحاكم و غيره ليحكم له أو يحمله‌


على ما يريد و أصلها من الرشاء الحبل الذي يتوصل به إلى الماء و الرشوة قلما تستعمل إلاّ فيما يتوصل به إلى إبطال حق أو تمشية باطل انتهى.

و في النهاية: الرشوة بالكسر و الضم الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، فالراشي من يعطي المال الذي يعنيه على الباطل، و المرتشي الآخذ، و الرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا و يستنقص لهذا، و أما ما يعطى توصّلا إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه انتهى.

و كيف كان فالرشوة في مصطلح الشرع و المتشرعة و في اصطلاح الفقهاء مورد اختلاف من حيث الموضوع وسعته و ضيقه، فيسري الاختلاف إلى الحكم أيضا، و مجموع ما أطلق عليه الرشوة حقيقة أو عناية أمور: الأول: أخذ الأجرة و الجعل للحكم و القضاء و لو مقيدا بالحق. الثاني: أخذ الأجرة للنظر في أمر المترافعين ليحكم بعد ذلك بالحق. الثالث:

أخذ الأجرة للحكم لمعطيها حقا أو باطلا. الرابع: أخذ الأجرة للحكم بالباطل.

ثم إنه لا إشكال و لا خلاف عند الأصحاب في حرمة الرشوة في الجملة حرمة مؤكدة للراشي و المرتشي و الرائش، سواء تعين الحكم على القاضي أم لا و سواء مع حاجته إليها أم لا. و لا إشكال أيضا في بطلان العمل و فساده وضعا بمعنى عدم تملك الأخذ لها و ضمانه و وجوب ردها إلى المالك.

تنبيه: الظاهر عند الفقهاء جواز ارتزاق القاضي من بيت مال الإمام أو المسلمين سواء احتاج إليه لفقره أم لا إذا رأى الإمام أو نفس القاضي ذلك صلاحا.

و أما الهدية للقاضي و هي هنا ما يبذل له على وجه الهبة لجلب مودته ليحكم له حقا أو باطلا فالفرق بينها و بين الرشوة أن الرشوة تبذل لأجل أصل الحكم و الهدية تبذل لإيراث الحب المحرك للحكم له، و الظاهر حرمتها أيضا و نظيرها المعاملة المشتملة على المحاباة كبيع شي‌ء من القاضي بأقل من قيمته إذا قصد بذلك الحكم له حقا أو باطلا. و أما الرشوة في غير الحكم كإعطاء المال لإصلاح أمره عند القاضي أو عند الأمير أو غيرهما من أهل الولايات، فذكروا انه ان كان أمره محرما أو بذل المال للإصلاح من طريق محرم فهو حرام و إلاّ فلا.


* رضع الرضاع*

الرضاع بالكسر و الفتح في اللغة مصدر بمعنى امتصاص ولد الحيوان ثدي أمه أو ضرعها، من رضع يرضع من باب ضرب و منع و الاسم راضع و الجمع رضّع و المرأة مرضع بلا تاء إذا أريد الوصف و مرضعة إذا أريد الفعل، و الكلمة ليس لها مصطلح خاص شرعي أو فقهي و قد كثر استعمالها في باب النكاح في ارتضاع الطفل الإنساني من أمه و غيرها، و وقع مورد البحث في الفقه و رتب عليه أحكام هامة في الشريعة من تكليف و وضع وجوبي و ندبي.

فمنها أن إرضاع الولد واجب على الأب بالأصالة تخييرا فيه بين استئجار الأم عليه، أو استيجار غيرها، أو تغذيته بنحو آخر ان فرض إمكانه و عدم الإضرار به، فإن ذلك إنفاق و هو واجب على الأب ابتداء، فلا يجب على الأم إرضاعه لا مجانا و لا بأجرة مع عدم الحصر و الضرر، بل لها مطالبة الأجرة من مال الولد و إلاّ فمن مال الأب، نعم هي أحق بإرضاعه إن كانت متبرعة أو طلبت ما تطلب غيرها أو أنقض منه، و مدة الإرضاع في الشريعة حولان كاملان و لا يجوز أن ينقص منها مع الإمكان و من غير ضرورة إلاّ شهرين أو ثلاثة أشهر.

و منها: انه يترتب انتشار الحرمة التكليفية و الوضعية على الرضاع و يحدث القرابة التنزيلية بمجرد تحققه، المستلزم لترتب أحكام أخر على ذلك، فإنه إذا ارتضع صبي من امرأة و تحقق رضاع بشروطه صار الفحل صاحب اللبن أبا للمرتضع، و المرضعة أما له، و صار أصولهما أجدادا و جدات، و فروعها اخوة و أولاد اخوة، و من في حاشيتهما أعماما و عمات و أخوالا و خالات، و صار المرتضع ابنا و بنتا لهما و فروعه أحفادا لهما، فكل عنوان نسبي محرم من العناوين السبعة إذا تحقق مثله في الرضاع يكون محرما، و حينئذ تحرم على الرضيع الذكر بمجرد تمامية الرضاعة ستة أصناف من النساء، هن السبع المحرمات بالنسب ما عدا البنت، و تحرم على الرضيعة سبعة أصناف من الرجال هم المحارم لها في النسب ما عدا الولد، و يترتب حينئذ بينهم جواز النظر و جواز إبداء الزينة و حرمة النكاح و لا


يترتب التوارث، و الإنفاق الواجب، و صلة الرحم الواجبة و المندوبة.

ثم إنهم قد اشترطوا في تأثير الرضاع في الحرمات المزبورة و ما ترتب عليها من سائر الأحكام الشروط الثلاثة التالية:

الأول: أن يكون اللبن حاصلا من وطء جائز و حمل و ولادة، كان الجواز النكاح دائم أو موقت أو شبهة، فلو در اللبن بغير وطء، أو معه بغير حمل أو معه بغير ولادة بأن كان قبلها لا يكون أثر لارتضاع الطفل منه، و كذا لو كان من الزنا.

الثاني: ان يمص الصبي من الثدي فلا يكفي حلبه و إشرابه للطفل.

الثالث: أن يكون المرتضع في أثناء الحولين فلا أثر لارتضاعه بعدهما.

الرابع: حصول الكمية بان يرتضع على ما عينه الشرع من الحدود و هي ثلاثة، الأثر و الزمان و العدد، و أيها حصل كان كافيا، فالأثر أن يرتضع بمقدار ينبت به اللحم و يشتد به العظم، و الزمان أن يرتضع من المرأة يوما و ليلة بلا فصل غذاء بينها، و العدد ان يرتضع خمس عشرة رضعة كاملة، و ذكروا لكل شروطا تطلب من المطولات.

ثم ان مما يتعلق برضاع الحيوان ما ذكروه في باب النجاسات، من انه لو شرب غنم لبن خنزيرة أثر ذلك في الرضيع فصيره غير مأكول اللحم، و الظاهر انه يعتبر فيه الشرط الثاني و الثالث من شروط الرضاع الإنساني و انه لا يختص ذلك بخصوص الغنم بل يعم كل حيوان مأكول اللحم و أما التعدي عن هذه المرضعة إلى الكلب أو الكافر حتى الناصب ففيه تأمل و التفصيل يطلب من مظانه.

* رقب الرقاب*

الرقبة بالتحريك في اللغة العنق، و الرقبة العبد المملوك تسمية للكل باسم أشرف أجزائه، و في النهاية: هي في الأصل العنق فجعلت كناية عن جميع ذات الإنسان، فإذا قال أعتق رقبة فكأنه قال أعتق عبدا أو أمة، و في المفردات و جعل في التعاريف اسما للمماليك كما عبر بالرأس و بالظهر عن المركوب، و قال في الرقاب أي المكاتبين منهم، فهم الذين‌


تصرف إليهم الزكاة انتهى. و قد كثر استعمال الرقاب في الفقه و جعلت أحد مصارف الزكاة و قسموها إلى ثلاثة أقسام:

الأول: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة فيفكّه الوالي من الزكاة، و يتخير بين دفعها إلى المولى أو إلى العبد ليفك نفسه. الثاني: العبد تحت الشدة فيشترى و يعتق خصوصا إذا كان مؤمنا تحت يد غير مؤمن. الثالث: مطلق العبد مع عدم وجود المستحق للزكاة، و المسألة خارجة فعلا عن محل الابتلاء و لذا قد طوينا عنها كشحا، و إذا تعلقت مشيته تعالى بتشكيل دولة كريمة عالمية فأعان على ذلك بفتح منه يعجله و نصر يعزه و سلطان حق يظهره، فكثر المسلمون عندئذ من الكافرين فحربوهم و أسروهم و كثرت الرقاب، ظهر للمسألة موارد الابتلاء، و أحكام الحوادث انئذ تؤخذ عمن ينطق عن اللوح المحفوظ لا الرسائل العملية و نسأل اللّه تعالى أن يعجل في ذلك إن شاء اللّه.

* ركن الركن*

الركن في اللغة ما يقوى به الشي‌ء، و الركن من الشي‌ء الجزء الأقوى منه، و الجمع أركان كقفل و أقفال، و في المفردات: ركن الشي‌ء جانبه الذي يسكن إليه و أركان العبادات جوانبها التي عليها مبناها و بتركها بطلانها انتهى.

و الركن في مصطلح الفقهاء يطلق على الجزء الأصيل القويم من كل عمل، و كذا الشرط الأصيل و الأقوى منه بحيث يبطل العمل بتركه عمدا و سهوا، نظير تكبيرة الإحرام و الركوع و السجدتان من الصلاة، و الطهارة من الحدث منها، و يستظهر من صحيح لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس: الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود، ان الأمور الخمسة أركان للصلاة لكن الجميع منها غير الركوع مقيد في مقام ركنيته بقيد أو قيود، فالوقت ركن و تفوت الصلاة بتركه فيما إذا وقعت الصلاة بتمامها قبله أو وقع بعضها قبله و لم يكن المصلي قد تحرى و كذا لا تبطل إذا وقعت ركعة منها في الوقت و الباقي خارجه أو وقع جميعها بعده فإنها تصح قضاء.


و أما الطهور فالمراد به الطهارة من الحدث دون الخبث فإنها ليست ركنا، و أما القبلة فالركن فوتها بمعنى وقوع الصلاة مستدبرا، أو متجاوزا عن اليمين و اليسار أو كانت إليهما أيضا في غير مورد الاضطرار، و أما السجود فهو ركن إذا زاد أو نقص سجدتان من ركعة، و الأجزاء الركنية في غير الصلاة من العبادات أو الأعمال و الأقوال تلاحظ فيها حسب حالها و ثبوتها شرعا أو عرفا كما في أجزاء الحج و شرائطها و كذا الصوم و الزكاة و ذبح الحيوان و العقود و الإيقاعات و غيرها. و قد اصطلح الأصحاب في الحج على أن الركن منه ما يبطله تركه عمدا دون السهو.

و قد يطلق الركن في الفقه في باب الحج على كل زاوية من زوايا البيت الحرام أعني الكعبة المعظمة شرفها اللّه، فإنها قد بنيت شبه المربع و وقعت كل زاوية منها نحو أحدى الجهات الأربع، على خلاف أكثر البيوت، و سميت كل زاوية ركنا خاصا فأول الأركان ركن الحجر و هو الواقع نحو المشرق و يسمى الركن الأسود، و الشرقي، و العراقي، و تجاه زمزم أيضا و عليه نصب الحجر و محاذاته مبدأ أشواط الطواف و منتهاها، فإن من الحجر إلى الحجر شوط، و لا طواف إذا لم يشرع منه و لا طواف إذا يختم به.

و الركن الثاني هو الواقع نحو الشمال في مقابل مدخل الحجر و يسمى الركن العراقي و الشمالي. و الركن الثالث هو الواقع نحو المغرب و يسمى الركن الغربي. و الركن الرابع هو الواقع نحو الجنوب و يسمى الركن اليماني.

* ركع الركوع*

الركوع و الركع بالضم و الركعة بالفتح و الضم في اللغة مطلق الانحناء و طأطأة الرأس، و في المفردات الركوع الانحناء فتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة و تارة في التواضع و التذلل إما في العبادة أو غيرها.

و هو في اصطلاح الشرع و الفقه عبارة عن انحناء خاص بقصد العبادة فالانحناء بمنزلة الجنس و النية بمنزلة الفصل، و هو بهذا المعنى جزء من الصلوات الواجبة و المندوبة،


و يعرض عليه الطلب الضمني المؤكّد و غيره، و لو وقع لغير اللّه تعالى عرضت عليه الحرمة الشديدة.

و قد ذكر الأصحاب أن الركوع مركب من خمسة أجزاء الانحناء الى حد خاص بنية الركوع، و الذكر فيه، و الطمأنينة حال الذكر، و رفع الرأس إلى أن ينتصب، و الطمأنينة في الجملة حال الانتصاب، و الظاهر أن الركن يتحقق بالأول و البواقي أجزاء غير ركنية لا تبطل الصلاة بتركها سهوا، و هل الركن الذي هو حقيقة العمل عبارة من نفس الانحناء بالنية، فيكون من مقولة الفعل، أو عن الهيئة الحاصلة بتمام الانحناء، فيكون من قبيل الوضع، وجهان لكل منهما قائل، و تظهر الثمرة فيما إذا ركع في الفضاء المغصوب فينطبق عليه عنوانان عنوان الصلاة و الغصب على الأول دون الثاني. و يترتب عليه بطلان الصلاة على الأول دون الثاني.

ثم إنه ينقسم الركوع من جهة حكمه التكليفي إلى واجب و مندوب و حرام فالواجب ما كان جزءا للصلوات الواجبة، و المندوب ما كان جزءا للصلوات المندوبة، و المحرم ما وقع لغير اللّه تعالى من الأصنام و الأوثان أو البشر و لو كان مؤمنا صالحا بل و لو كان إماما معصوما أو نبيا من الأنبياء لاختصاص هذه العبادة للّه تعالى كالسجدة.

و الركوع الصلاتي ركن اصطلاحي لكل صلاة فريضة و مندوبة بلا إشكال بل هو أقوى أركانها فتبطل بتركه عمدا و سهوا في الفريضة و النافلة، فهو حينئذ واجب مطلقا حتى في الصلوات المندوبة، إلا أن وجوبه شرعي في الأول و شرطي في الثاني.

ثم ان في تشريع الركوعي العبادي مستقلا من غير أن يكون جزءا من صلاة إشكال قد توهم ثبوته بمقتضى بعض إطلاقات الكتاب و السنة لكنه غير ثابت.

* رمي الرّمي*

هو في اللغة واضح و في اصطلاح الشرع و أهل الفقه في باب الحج موضوع لمصداق خاص من معناه اللغوي و هو رمي حصيات معدودة إلى مواضع معينة في أيام معلومات‌


و هو عمل عبادي معيّن مخترع في الشريعة الإسلامية تعبّد اللّه به عباده، فأمر بذلك في بدو الأمر آدم عليه السلام ثم جعلها سنة في خلقه إعلانا لوجوب مخالفة العبد للشيطان و أتباعه و حثا له إلى كفره بالطاغوت و أشياعه، و قد ورد فيه نصوص و تعرض الأصحاب في الفقه لأقسامه و أحكامه فذكروا فيه ان الرمي على قسمين: قسم منه فريضة ركنية من أجزاء الحج و من أهم أعمال يوم العيد، و أول الواجبات الثلاثة في يوم النحر، و هو رمي جمرة العقبة التي هي أقرب الجمرات إلى مكة، و قسم آخر واجب مستقل تابع لإعمال الحج ليس جزءا منها و لا شرطا و هو رمي الجمرات الثلاث أيام المبيت بمنى.

و ذكروا انه يعتبر فيما يرمي به صفات و يشترط في رميه شروط:

أما الأول: فيجب ان يصدق عليه عنوان الحصى لا الرمل و الحجارة، و يكون من الحرم و يكون بكرا و يكون مباحا.

و أما الثاني: فقد اشترطوا فيه شروطا الأول نية التقرب به إلى اللّه تعالى، الثاني صدق الرمي دون الوضع، الثالث كون الإلقاء باليد بأصابعها أو بآلة كالمقلاع، الرابع وصول الحصاة إلى المرمى، الخامس كون العدد سبعة، السادس أن يرميها متعاقبا لا دفعة.

و ذكروا لخصوص الرمي في أيام المبيت شروطا أحدها انه يجب رمي الجمار الثلاث في نهار الليلة التي بات فيها بمنى، و ثانيها ان يكون الرمي من طلوع الشمس إلى غروبها دون الليل، و ثالثها مراعاة الترتيب بين الجمرة الأولى و الوسطى و العقبة.

* رهن الرّهن*

الرهن في اللغة الدوام و الثبوت يقال رهن الشي‌ء دام و ثبت و أرهن الشي‌ء أدامه، و الرهن وضع الشي‌ء عند أحد و جعله تحت يده، يقال رهن الشي‌ء فلانا و عند فلان وضعه عنده و أرهنه الشي‌ء جعله رهنا عنده، و الرهن و الرهان ما يوضع عند أحد تأمينا للدّين فهو بمعنى المرهون.

و هو في اصطلاح الفقه و مصطلح الفقهاء عبارة عن إنشاء جعل المال تحت يدا المرتهن‌


بملاك وثوقه لدينه، و يقال للعين الرهن و الرهان و المرهون، و لدافعها الراهن، و لآخذها المرتهن، و للدّين ما يرهن عليه، و الإيجاب فيه من الراهن و يكفي فيه كل ما أفاد المقصود عند العرف كقوله رهنتك، أو أرهنتك هذا المال، أو هو وثيقة لك، أو خذه وثيقة لدينك، و القبول من المرتهن و يكفي فيه ما أفاد الرضا من قول أو فعل، ثم إن الأصحاب قد ذكروا في بيان أحكامه انه يشترط في الراهن و المرتهن البلوغ و العقل و القصد و الاختيار، و يشترط في صحة الرهن القبض و الإقباض، و أن يكون المرهون عينا مملوكة يمكن قبضها و يصح بيعها، و انه يشترط في ما يرهن عليه أن يكون دينا في الذمة أو عينا مضمونة كالمغصوبة و الأمانات مع التعدي، و ان الرهن لازم من طرف الراهن دون المرتهن، و انه ليس للراهن و لا للمرتهن التصرف في الرهن بدون الإذن من الآخر، و ان منافع العين كلها ملك للراهن، و ان الرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه إلاّ بالتعدي أو التفريط إلى غير ذلك من الأحكام.

* رأي الرياء*

الرياء في اللغة مصدر باب المفاعلة من رأى يرائي مراءاة و رياء، و رأيته أريته خلاف ما أنا عليه، فالمفاعلة بمعنى السعي في المادة و إنهائها كالمكاتبة، و المرائي من يسعى في أن يراه الناس، و يراؤون و يمنعون الماعون معناه يتعرضون لان يراهم الناس.

و كيف كان لا مصطلح خاص للرياء في الشرع و الفقه، بل هو بمعناه اللغوي مقيّدا بوقوعه في عبادة اللّه تعالى، و قد وقع موضوعا للحكم تكليفا و وضعا و موردا للبحث، فالعمل الصادر رياء محرم باطل شرعا بل هو من المعاصي الكبيرة، و عبر عنه في النصوص بالشرك و ذلك لأن ظاهر العبادة المرائي فيها للّه و باطنها لغيره فالصورة عبادة مقربة و المادة نفسانية مبعدة.

ثم إن الأصحاب قد ذكروا ان دخول الرياء في العمل على أقسام كثيرة لكل منها حكمه.

أحدها: أن يأتي أصل العمل لمجرد إراءة الناس من دون قصد التقرب به و لا إشكال في‌


حرمته و بطلانه لصدق عنوان الرياء و عدم قصد القربة.

ثانيها: أن يكون المحرك نحو العمل أمران الرياء و قصد الأمر و هذا أيضا محرم مبطل، لانتفاء الإخلاص سواء كان القصدان مستقلين أو كان أحدهما تبعا للآخر أو كانا معا و منضمين محرّكين داعيين.

ثالثها: ان يقصد الرياء ببعض الأجزاء الواجبة و هذا أيضا مبطل و إن كان محل التدارك باقيا كالسورة قبل الركوع و ذلك لصدق دخول الرياء في العمل المبطل له.

رابعها: ان يقصد الرياء ببعض الأجزاء المستحبة كالقنوت في الصلاة و القنوت حرام حينئذ و بطلان الصلاة به أحوط.

خامسها: أن يكون الرياء في إتيانه في المكان الخاص، كإتيان الصلاة في المسجد مثلا، أو في الصف الأول من الجماعة و الظاهر البطلان في الفرض أيضا.

سادسها: ان يقصد الرياء بإتيانه في زمان خاص كأول الوقت و هذا أيضا مبطل.

سابعها: أن يكون الرياء في أوصاف العمل كالجماعة أو مع الخشوع، و الظاهر بطلانه أيضا لصدق دخول الرياء في العمل.

ثامنها: أن يكون الرياء في مقدمات العمل، كما في مشيه إلى المسجد للعبادة دون نفس العبادة، و الظاهر عدم بطلان العبادة حينئذ.

تاسعها: أن يكون في بعض الأفعال الخارجة عن العمل المقارنة له، كالتعمم و التحنك في الصلاة، و الظاهر عدم البطلان حينئذ.

عاشرها: أن يكون العمل خالصا لكن إذا رآه أحد أعجبه و هذا غير مبطل.

تنبيه:

ذكروا في حرمة الرياء و إبطاله العمل المقرون نصوصا كثيرة مستفيضة ذكرها في الوسائل في مقدمة العبادات في الباب 11 و لعلها تبلغ 16 حديثا و فيها ان المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك و بطل أجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له، و المراد بالكافر الكفر العملي لا الاعتقادي.


* زبب الزبيب*

الزبيب في اللغة كل ما يؤكل و هو اسم جمع يذكر و يؤنث، و الزبيب ما جف من العنب و التين، و قد اشتهر في مصطلح الفقهاء في اليابس من ثمر الكرم غير مختص بصنف خاص.

و الزبيب قد وقع في الفقه موضوعا لأحكام فإنه أحد الغلات الأربع المعروفة، فهو أحد الأجناس الثمانية الزكوية و قد وضع النبي صلّى اللّه عليه و آله عليه ضريبة مالية خاصة سماها زكاة الأموال، و هي تتعلق به بشروط عامة تلازم جميع التكاليف، و شروط تخص المكلف المأمور بإخراج هذا القسم من الزكاة، و شروط تخص العين الخارجية التي تخرج زكاتها و الكل مذكور تحت عنوان الزكاة.

و هو أيضا موضوع لتعلق زكاة الأبدان المتعلقة بالأصالة بالقوت الغالب للمكلف إلا انه يكفي الإخراج منه لكونه أحد الغلات الأربع و التفصيل تحت عنوان زكاة الفطرة.

* زكو الزكاة*

زكى الزرع كنصر و علم في اللغة نمى و طهر، و الزكاة صفوة الشي‌ء و ما تخرجه من مالك و في مجمع البحرين: هي أما مصدر زكى إذا نمى لأنها تستجلب البركة في المال و تنمية، و أما مصدر زكي إذا طهر لأنها تطهر المال من الخبث و النفس البخيلة من البخل انتهى.

و في النهاية أصل الزكاة في اللغة الطهارة و النماء و البركة و المدح، و كل ذلك قد استعمل في القرآن و الحديث، و وزنها فعلة كصدقة فانقلب الواو ألفا و هي من الأسماء المشتركة بين المخرج و الفعل فتطلق على العين و هي الطائفة من المال المزكى بها و على المعنى و هو التزكية فالزكاة طهرة للأموال و زكاة الفطرة طهرة للأبدان انتهى.

أقول هذه معاني الكلمة بحسب اللغة و قد تحصيل أنها لمعان النمو و الطهارة و البركة و المدح و لا يبعد رجوع الأخيرين إلى الأولين فإن البركة من مصاديق النمو و المدح تطهير للممدوح. ـ


و أما بحسب الاصطلاح فهي هنا عبارة عن ضريب مالي خاص مجعول من الشارع في أموال خاصة لأشخاص معينين بشرائط معلومة، و جعل إخراجها عبادة مشروطة بقصد التقرب، فهي مع كونها من الضرائب الحكومية و الماليات الدولية التي لها مصارف في المجتمع، و أخذها و صرفها في مصارفها من شؤون الدولة الإسلامية، من الواجبات التعبدية و العبادات الشرعية مشروطة بنية القربة تبطل بورود الخلل فيها من جهة النية أيضا.

و قد وقع البحث و التكلم عنها في الفقه فقسموها ابتداء إلى زكاة الأموال و زكاة الأبدان المسماة بزكاة الفطرة. و قسموا الأول إلى مالية واجبة و مندوبة و هي زكاة مال التجارة، و تعرضوا في البحث عن الواجب لجهات، شرائط وجوبها، و ما تجب فيه، و مقدارها، و من يستحقها من الأصناف، و أوصاف المستحقين لها، أما الوجوب فقد ذكروا انه يشترط في تعلق وجوبها و تنجّزه أمور:

أولها: البلوغ بمعنى كون الشخص بالغا في تمام الحول فيما يعتبر فيه الحول كالنقدين و الأنعام، و بالغا حين تعلق الزكاة بالمال فيما لا يعتبر فيه الحول كالغلات الأربع.

ثانيها: العقل على النحو المذكور.

ثالثها: الحرية فلا زكاة على مال العبد و إن قلنا بملكه.

رابعها: الملكية لمتعلق الزكاة في تمام الحول أو في وقت التعلق على التفصيل السابق.

خامسها: تمام التمكن من التصرف فلا زكاة لماله الغائب الذي لا يتمكن من التصرف فيه و المسروق و المجحود و المدفون المنسي مكانه و المرهون.

سادسها: بلوغه حد النصاب.

و أما ما تجب فيه من الأجناس فتسعة أشياء: الأنعام الثلاثة و هي الإبل و البقر و الغنم، و النقدان أي الذهب و الفضة، و الغلات الأربع أي الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، فالأعيان الزكوية ثلاث طوائف:

أولها الأنعام فذكروا انه يعتبر في وجوب زكاتها مضافا إلى الشرائط العامة أربعة


شروط: النصاب، و السوم، و عدم كونها عوامل، و مضي الحول عليها جامعة للشرائط، و الشرط الأول قد ذكر تفصيله تحت عنوان النصاب، و الثاني يجب صدقه في تمام الحول فلو كانت معلوفة و لو اضطرارا في شهر أو أسبوع لم تجب الزكاة، و كذا الثالث فإنّه يشترط عدم كونها عوامل و لو في يوم أو يومين على الأحوط، و الرابع يكفي في تحققه دخول الشهر الثاني عشر و بذلك يستقر الوجوب لكن هذا الشهر محسوب من الحول السابق.

و ثانيها النقدان فذكروا انه يشترط في وجوب زكاتهما مضافا إلى الشروط العامة عدة شرائط خاصة، النصاب و قد أوضحناه تحت عنوان النصاب.

و كونهما مسكوكين بسكة المعاملة كانت سكة الإسلام أو الكفر، و كانت كتابة أو غيرها، باقية أو ممسوحة بالعرض مع رواج المعاملة، و مضي الحول عليهما بدخول الشهر الثاني عشر جامعي للشرائط.

و ثالثها الغلات فذكروا انه يعتبر في وجوب زكاتها مضافا إلى الشروط العامة أمران أحدهما بلوغها النصاب و هو في جميعها مائتان و ثمانية و ثمانون منا تبريزيا إلاّ 45 مثقالا صيرفيا، تساوي 207-847 كيلو غراما فلا تجب على الناقص من ذلك و قد أشرنا إليه تحت عنوان النصاب.

ثانيهما التملك قبل وقت التعلق، بالزراعة فيما يزرع، أو بانتقال الزرع إليه بإرث أو شراء أو اتهاب أو غيرها، و التملك فيها يغرس بغرس الشجر أو دخوله في ملكه بإرث و شراء و بقائه إلى زمان التعلق أو تملك ثمره كذلك.

و أما المقدار المخرج منها الزكاة فقد ذكرنا تفصيله تحت عنوان النصاب للملائمة التامة بين ذكر النصاب و المقدار المخرج منه فراجع هناك.

و أما من يستحقها و هو المسمى بمصارف الزكاة فالمذكور في فتاواهم و المستفاد من ظاهر الكتاب و صريح النصوص أنهم ثمانية أصناف:

الأول و الثاني: الفقير و المسكين و المراد بهما من لا يملك مؤنة السنة له و لعياله الواجب نفقتهم عليه، لا فعلا و لا قوة، و الثاني أسوأ حالا من الأول، فهو أخص منه، و الصرف‌


فيه أرجح، و هذا المقدار كاف في جعلهما قسمين تبعا للآية الشريفة، و هنا فروع كثيرة، نظير ان الدار و الخادم و المركوب و الألبسة و أثاث البيت و الفروش و الظروف و الكتب العلمية و ما أشبه ذلك مما يحتاج إليه الشخص بحسب حاله لا يمنع من أخذ الزكاة، كما انه يجوز تهيئة جميع ذلك من الزكاة لمن ليس له و غير ذلك فراجع الكتب الاستدلالية.

الثالث: العاملون عليها و هم المنصوبون من قبل الحاكم للعمالة في أمر الزكاة.

الرابع: المؤلفة قلوبهم و هم الكفار يعطون منها لألفتهم و ميلهم إلى الإسلام أو إلى إعانة المسلمين في الحرب و غيره.

الخامس: الرقاب أي المماليك يصرف سهم منها في طريق إعتاقهم.

السادس: الغارمون و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها.

السابع: سبيل اللّه و هو جميع سبل الخير.

الثامن: ابن السبيل و هو المسافر الذي نفدت نفقته فلا يقدر على السير و إن كان غنيا في بلده، و هذا مما يقل مصداقه و يصعب إحراز موضوعه في زماننا هذا و له معنى آخر لا يبعد كونه المراد من الكلمة في هذا المورد و نظائره ذكرناه تحت عنوان ابن السبيل. ثم ان توضيح معنى كل واحد من الأصناف الثمانية و ما أريد بها في الكتاب الكريم مذكور تحت عناوينها كالفقير و العامل و المؤلفة فراجع.

و أما أوصاف المستحقين فقد ذكروا انه يشترط اتصاف المستحقين بالأمور التالية:

الأول: الإيمان فلا يجوز إعطاؤها للكافر أي صنف كان من أصنافه، و لا للمخالف آية فرقة كانت من فرقة، إلاّ من حصة المؤلفة في الجملة، و تعطى لأطفال المسلمين و مجانينهم، من غير فرق بين اليتيم و غيره و الذكر و الأنثى و المتولد بين مؤمنين أو من مؤمن، و أما المتولد من المؤمنة فقط و المتولد من الزنا من المؤمنين ففيهما إشكال.

الثاني: أن لا يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح، فلا يصح دفعها لمن يصرفها في المعصية، و لا يشترط عدالته بل يجوز دفعها لمرتكبي الكبيرة أيضا.

الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي كالعمودين و الزوجة الدائمة، فلا


يجوز إعطاؤهم منها لأجل فقرهم و من سهم الفقراء، و أما من سهم العاملين و الغارمين و غيرهما إذا انطبقت عليهم فلا بأس.

الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غير الهاشمي، و لا فرق فيه بين سهم الفقراء و سائر السهام على إشكال في بعضها، و يجوز للهاشمي زكاة الهاشمي من سهم الفقراء و غيرهم، كما يجوز لغير الهاشمي أن يعطي للهاشمي غير الزكاة و إن كان واجبا، و الزكاة إذا كانت غير واجبة، فيجوز أن يدفع إليه الصدقات المنذورة، و الكفارات الواجبة، و المظالم، و زكاة مال التجارة، و الصدقات المستحبة.

تنبيه:

ذكر الأصحاب فيما يتعلق بالزكاة على النحو الكلي أمورا ينبغي الإشارة إلى بعضها، منها بيان ما هو المجعول في باب الزكاة من تكليف أو وضع بالنسبة لمالك المال أو لمستحق الزكاة و فيه وجوه أو أقوال:

الأول: ان المجعول هو التكليف المحض بأن أوجب اللّه تعالى على المالك إخراجها مع تحقق الشرائط المعتبرة، من دون تعلق حق لأحد بالمال كما أوجب للشخص الإنفاق على العمودين.

الثاني: ان المجعول اشتغال ذمة المالك بالزكاة، و الأعيان الزكوية ليست متعلقة لملك أحد أو حقه، و مقتضى الوجهين بقاء التكليف و الوضع على المكلف و ان تلفت الأعيان إلا أن يدل دليل على السقوط.

الثالث: ان المجعول اشتغال ذمة المالك مع كون الأعيان الزكوية بجميعها أو بمقدار الزكاة منها رهنا عليها، فالشارع قد أنشأ في وقت تعلق الزكاة حكمين، اشتغال الذمة للمالك، و حق الرهانة للمستحق، و قد يقال إن المجعول هو الثاني فقط أي حق للمستحق مشابه لحق الرهانة فليس للمالك التصرف قبل أداء الزكاة. و هذا على فرض ثبوته يكون قولا آخر.

الرابع: ان المجعول هو ملك المستحقين لمقدار حقهم من المال على نحو الإشاعة،


فيترتب حينئذ على المال أحكام الإشاعة من عدم جواز تصرف الشركاء إلاّ بإذن الجميع، و كون التلف عليهم و النماء لهم بنسبة الملك، و جواز المطالبة بالقسمة و غير ذلك.

الخامس: ان المجعول هو ملك المستحقين لمقدار حقهم في المال على نحو الكلي في المعين، كملك مشتري الصاع من الصبرة، فالعين الخارجية للمالك، و المستحق مالك للكلي على ذمة المالك بشرط الأداء من العين، أو على ذمة العين فيخرجها المالك منها ولاية، و تعيين الكلي في الفرد حق للمالك و تلف الجميع يسقط الحق، و تلف البعض ما عدا الكلي لا يسقطه فيجب إخراجه.

السادس: ان المجعول حق للمستحق في المال نظير حق المجني عليه على العبد الجاني عمدا، فإن للمجنى عليه أو ورثته حقا في العبد تخييرا بين أن يقتصّ منه أو يسترقه، و حيث إنه لا معنى لأحد طرفي الحق هنا فالتشبيه في الجهة الثانية فللمستحق حق التملك، فالمجعول له في الحقيقة أنه ملك أن يملك.

السابع: ان المجعول حق للمستحق في المال نظير حق الغرماء في تركة الميت، فالغارم كان مالكا للمال على عهدة المدين و انتقل بعد موته إلى عهده التركة فصارت مشغولة الذمة به، فالمجعول حق أخذ مقدار الدين من التركة، و للورثة إبراء ذمة التركة بالإعطاء من نفسها أو من غيرها و كذلك حق الزكاة.

الثامن: ان المجعول للمستحق حق في مالية الأعيان الزكوية و قيمتها، نظير حق الزوجة في مالية الأبنية و أشجار البساتين فللمالك الأداء من نفس العين و الأداء من مال آخر و كلاهما أداء من المالية و قد اعتبر الحق المالي هنا على نحو الإشاعة كما في إرث الزوجة فلو تلف نصف العين مثلا سقط نصف الزكاة.

التاسع: ان المجعول حق للمستحق كحق المنذور له في منذور التصدق بناء على أنه إذا نذر مالا لزيد مثلا تعلق له حق بالمال فللمستحق في المقام مطالبة الزكاة و هذا ضعيف و الحق المزبور غير ثابت، ثم إن المسألة ذات شقوق على ما ترى و ذات اختلاف و إشكال و لعل الأوجه الوجه الثامن ثم الوجه الرابع و اللّه أعلم.


و أما الزكاة المندوبة فقد ذكروا انها تتعلق بأمور: الأول مال التجارة فإذا تملك مالا بشراء و غيره بقصد الاتجار و الاسترباح به، تعلق به هذا القسم من الزكاة بشروط أحدها بلوغه من حيث القيمة مقدار نصاب أحد النقدين، ثانيها مضي الحول عليه من حين التملك بالقصد المزبور، ثالثها بقاء المال المذكور بعينه طول الحول، و قيل لا مانع من تبدله بمال آخر مع بقاء قصد الاسترباح، رابعها عدم تنزّل قيمته عن رأس المال أي الثمن الذي بذل لتحصيله، و المتحصل أنه لو اشترى متاعا بمائة مثلا بقصد التجارة فبقي عنده سنة لم ينقص قيمته عن المائة أو زاد عليها تعلقت به الزكاة و مقدارها ربع العشر، و لو فرضنا زيادة قيمة المتاع في أثناء الحول فصارت مائة و خمسين، تعلق في آخر الحول زكاة بالأصل و بعد حول من الربح زكاة بالربح و المسألة مورد اختلاف أغمضنا عن بيانها لعدم العامل بها فيما نعلم.

الثاني كل ما يكال أو يوزن مما أنبتته الأرض عدا الغلات الأربع و الخضر، فيشمل جميع الحبوبات و حكم ذلك حكم الغلات في قدر النصاب و قدر ما يخرج منه و في الزرع و السقي.

الثالث الخيل الإناث بشرط أن تكون سائمة و يحول عليها الحول و لا بأس بكونها عوامل، ففي العتاق منها و هي التي تولدت من عربيين كل سنة ديناران و هما مثقال و نصف صيرفي، و في البرازين كل سنة دينار ثلاثة أرباع الصيرفي.

الرابع حاصل العقارة المتخذة للنماء من البساتين و الدكاكين و المساكن و الحمامات و الخانات مع النصاب و الحول.

الخامس الحلي و زكاته إعارته للمؤمن.

السادس المال الغائب المدفون الذي لا يتمكن من التصرف فيه ان حال عليه حولان أو أحوال فيستحب بعد التمكن إخراج زكاته لسنة واحدة.

السابع إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة فيستحب إخراج زكاته.


* بدن زكو فطر زكاة الأبدان-زكاة الفطرة*

و أما القسم الثاني من الزكاة أعني زكاة الفطرة فهي أيضا عبادة مالية خاصة مشروطة بالنية مجعولة من ناحية الشرع مخترعة لمصالح المجتمع و حفظ أجسادهم و دفع الموت عنهم و قبول صيامهم و تطهيرهم قلوبهم، و لذلك أطلقت عليها اسم زكاة الفطرة أي الخلقة أو الإسلام أو الدين.

و قد وقع هذا العنوان أعني زكاة الفطرة مورد البحث في الفقه من جهة وجوبها، و شرائط وجوبها، و المكلف المخاطب بإخراجها، و من تخرج عنه، و في جنسها و قدرها و وقتها و مصرفها.

أما وجوبها الذي لا خلاف فيه بين المسلمين، فهو مشروط بالشروط التالية:

البلوغ، و العقل، و عدم الإغماء، و الحرية، و الغنى، فيعتبر اجتماعها حين دخول ليلة العيد فيكون الواجد لها جميعا مكلفا مخاطبا بإخراجها، فلا تجب على من بلغ أو عقل أو أفاق أو تحرّر أو صار غنيا بلحظة أو لحظات بعد دخول الليلة، و لا يشترط في وجوبها الإسلام و لا الإيمان حين دخول الليلة فتجب على الكافر، و إن كان لو أسلم بعد الهلال سقطت عنه لحديث الجب، و على المخالف، و لو استبصر بعده لم تسقط عنه.

و أما من تخرج عنه فقد ذكروا أنه كل من يعوله الشخص حين دخول ليلة العيد، كان من واجبي النفقة عليه أو غيره، كان من أرحامه أو غيره، حتى المحبوس عنده، و أجيره الذي ينفق عليه، و من طلقها رجعية، و الضيف الوارد عليه قبل الليلة، و المولود قبلها، و التي زوجها دائما قبلها، و كل من عد عيالا له كذلك.

و أما جنسها و قدرها فقد ذكروا أن الضابط في الجنس القوت الغالب للناس، من الغلات الأربع، و الأرز و الخبز و الحبوب، كالعدس و الماش و الحمص و نحوها فكل ذلك يكفي، إذا كان لها شيوع ما في الناس و يجوز قيمة الجميع بنقد البلد، و قيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب، و قيمة بلد المال لا وطنه و لا بلد آخر فلو كان له مال في بلد و هو في بلد آخر فالمراد قيمة بلد المال.


و أما مقدارها فالواجب صاع عن كل رأس من أي جنس كان و الصاع أربعة أمداد تقرب من ثلاث كيلوات.

و أما وقت وجوبها فهو محدود جدا لأنه أول آنات دخول ليلة العيد، و الوجوب يدور مداره مع اجتماع الشروط السابقة وجودا و عدما، و إن كان يستمر بعد تحققه إلى زوال يوم العيد لمن لم يصل صلاته، أو إلى زمان إقامتها لمن صلاها أو إلى الأبد، على اختلاف فيه، و عليه يتبنى كون الإخراج بعد خروج الوقت أداء أو قضاء، و يجوز عزلها عينا أو قيمة ثم دفعها إلى من شاء، و النية حين العزل و الأحوط ان ينوي حين الدفع أيضا.

و أما مصرفها فقد ذكروا انه مصرف زكاة المال، و لا يشترط عدالة المستحق مطلقا و يجوز أن يعطي إلى حد الغنى و يشترط فيها نية القربة و التعيين.

* زنو الزنا*

الزنا في اللغة معروف، و في المجمع هو بالقصر و المد وطء المرأة حراما من دون عقد، و الزاني فاعل الزنا و الجمع زناة كقضاة، و الزنية بالفتح المرّة من الزنا و أجاز بعض الكسر انتهى. و في المفردات الزنا وطء المرأة من غير عقد شرعي و قد يقصر و إذا مد يصح أن يكون مصدر المفاعلة و النسبة إليه زنوي انتهى.

ثم ان له عند الفقهاء تعاريف مختلفة أرادوا بذلك تعيين ما هو المراد من اللفظ الواقع موضوعا للأحكام في النصوص و إن كان أخص من المعنى اللغوي، و ليس له معنى مصطلح في الشرع و القيود المأخوذة في كلمات الأصحاب دخيلة في الحكم دون الموضوع، و كيف كان الأولى تعريفه بأنه إيلاج الرجل ذكره في فرج امرأة من غير عقد مع فعلية حرمته، و المراد بالفرج أعم من القبل و الدبر، و التقييد بغير العقد لإخراج الإيلاج الحرام مع العقد، و بفعلية الحرمة لإخراج الإيلاج بغير العقد مع عدم الحرمة، و بعبارة أخرى هنا قسمان من الإيلاج و الإدخال ليسا من الزنا أحدهما الإيلاج المحرم مع تقارنه بالعقد فيتوهم دخوله في التعريف فتقييد التعريف بغير العقد للاحتراز عنه، و هو نظير وطء الحائض، و النفساء، ـ


و الوطء في حال إحرامه أو إحرامها، و في نهار شهر رمضان و هو صائم، أو هي صائمة، و الوطء مع نذر عدمه أو اليمين أو العهد عليه فيما إذا اجتمع شرائطها و ما أشبه ذلك، و الثاني الإيلاج بغير العقد مع عدم الحرمة. و التقييد بفعلية الحرمة للاحتراز عنه، و هو نظير زنا الصبي، و المجنون، و المكره، و المضطر، و الجاهل بالحكم أو الموضوع، و من أشبههم، و الظاهر أنه لا إشكال في كون خروج القسم الأول عن الحد من باب التخصّص، إذ لا يتحقق الزنا لغة و شرعا مع العقد الصحيح، و أما القسم الثاني فظاهر الأصحاب كون خروجه أيضا تخصّصا، و قد يتوهم كونه زناء حقيقة رفع حكمه بأدلة رفع القلم و رفع الإكراه و الاضطرار و الجهل، و هذا غير بعيد في الصبي دون الجاهل و المشتبه.

ثم إن الزنا قد وقع في الشرع موضوعا لأحكام كثيرة ذكروها في أبواب متفرقة في الفقه:

منها: كونه من المحرمات الأكيدة في الشريعة الإسلامية بل في جميع الشرائع، بل لعل قبحه و حرمته من الأحكام العقلية التي توافقت عليها الشرائع، فإن في تحليله و رواجه إخلالا لحياة المجتمع الإنساني و إبطالا للنسب و إفسادا للنسل فهو حرام شرعا و عقلا إجماعا و ضرورة من الدين.

و منها: كونه سببا لحدوث حالة الجنابة لكل من الطرفين، و هي الجنابة من الحرام للزاني منهما دون الآخر و يترتب عليهما آثار مطلق الجنابة و على الذي جنابته من الحرام آثارها الخاصة.

و منها: كونه سببا لحرمة أم المزني بها و بنتها على الزاني على اختلاف في المسألة.

و منها: كونه سببا لحرمة المزني بها على أب الزاني و ابنه.

و منها: تحقق النسب بين الزاني و المتولد من الزنا على اختلاف بين الأصحاب في ذلك، فإن فيه وجوها: القول بعدم تحققه و يلزمه عدم ترتب شي‌ء من آثاره، و القول بتحققه و تحقق جميع آثاره، و القول بالتحقق مع استثناء بعض الآثار، و هذا هو الأرجح و لعله المشهور أيضا فيترتب على المتولد من الزنا حرمة الزواج، و جواز النظر إلى المحارم فيما عدا العورة، و جواز إبدائها الزينة عندهم، و وجوب الإنفاق مع شرائطه، و حرمة


قطع الرحم، و عدم جواز القصاص للولد من الأب نفسا و طرفا، و لا يترتب عليه التوارث مطلقا في جميع الطبقات.

و منها: ترتب الحد على الفاعل و القابل إذا كان الزنا من الطرفين و إلاّ فعلى من كان فعله زنا، و هذا من أهم أحكامه الفقهية و قد ذكر الأصحاب أن حد الزنا و هو عقوبته الشرعية على أقسام و صنوف، تختلف درجاتها في الشدة و الخفة حسب اختلاف مراتب السبب في القبح و الشناعة، و الحدود عبارة عن القتل، و الرجم، و الجلد، و المجتمع من الجلد و الرجم، و المجتمع من الجلد و التغريب و الجزّ أي حلق الرأس، و المجتمع من الجلد و التغريب.

و أما الأسباب فقد قالوا إن القتل يثبت بأسباب ثلاثة: الأول الزنا بذات محرم نسبا.

الثاني زنا الذمي بل مطلق الكافر بمسلمة مطاوعة أو مكرهة. الثالث الزنا مع إجبارها بل الظاهر مع إكراهها أو مع اضطرارها ايضا و لا يشترط في الموارد الثلاثة الإحصان في الرجل و لا في الموردين الأولين الإحصان في المرأة.

و أما الرجم فهو حد للزنا مع الإحصان كما إذا زنى الرجل المحصن ببالغة عاقلة و زنت المرأة المحصنة ببالغ عاقل كانا شابين أو شائبين بل الظاهر ثبوت الرجم للمحصن و إن زنى بغير البالغة أو بالمجنونة.

و أما الجلد فهو حد الزاني غير المحصن إذا لم يتزوج و لم يعقد على المرأة، و على غير المحصنة إذا زنت، و على المرأة البالغة إذا زنى بها طفل كانت محصنة أو غير محصنة.

و أما الجلد و الرجم معا فهما حد للشيخ و الشيخة إذا كانا محصنين فيجلدان أولا ثم يرجمان.

و أما الجلد و التغريب و الجز فهي حد البكر الذي تزوج و لم يدخل بها.

و أما الجلد و التغريب فهما حد البكرة التي تزوجت و لم يدخل بها.


* سأر السؤر*

السؤر بالضم فالسكون في اللغة ما يبقى في الإناء من الماء و نحوه بعد تناول الشخص مما فيه، و السؤر البقية مطلقا، و هو مشتق من سأر الشارب يسأر في الإناء أبقى فيه بقية، و في المجمع: السؤر بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو في الحوض ثم أستعير لبقية الطعام انتهى.

ثم إن السؤر قد رتب عليه أحكام في الشريعة و ذكر الأصحاب في الفقه أن السؤر و هو الذي باشره جسم حيوان تابع في الطهارة و النجاسة و الكراهة لذلك الحيوان، فسؤر نجس العين كالكلب و الخنزير و المشرك نجس، و سؤر طاهر العين طاهر، سواء كان مأكول اللحم كالبقر و الغنم أو محرم اللحم كالسباع و المسوخ و الجلاّل و موطوء الإنسان و غيرها، نعم يكره سؤر حرام اللحم ما عدا الإنسان و الهرّ فإنه من أهل البيت، و يكره أيضا سؤر مأكول اللحم كالخيل و البغال و الحمير، و كذا سؤر الحائض المتهمة بعدم الاجتناب عن النجاسة بل مطلق المتهم.

* سبب شتم فحش هجر السب و الشتم و الفحش و الهجر*

السب في اللغة معروف و هو مصدر سب يسب من باب قتل بمعنى الشتم، و نظيره السباب بالكسر، و لا اصطلاح خاص له في الفقه و هو عند الفقهاء عبارة عن التوصيف بما فيه إزراء و نقص بقصد الإهانة، فيدخل في النقص كلما يوجب الأذى كالحقير، و الوضيع، و الكلب، و الكافر، و المرتد، و التعبير بنسبة البلاء إليه كالأجذم و الأبرص، سواء أ كان التوصيف مواجهة أو في غيبته، و حيث ان قصد الإهانة معتبر فيه تكون النسبة بينه و الغيبة عموما من وجه فالسبّ بالإزراء، مواجهة سبّ دون غيبة، و إظهار ما فيه نقص في غيبته بدون قصد الإزراء و الإهانة غيبة دون سب، و ذكر ما فيه من النقص إزراء في غيبته مجمع للعنوانين.

ثم إنهم ذكروا أنه لا خلاف في حرمة السب في الجملة بل هو حرام بالأدلة الأربعة،


لكونه ظلما و إيذاء و إذلالا للمؤمن فينطبق على مورد الاجتماع عنوانان محرمان، و يترتب عليه أثمان قضاء لحق تعدد المقتضى، و استثنى الأصحاب من ذلك سب المؤمن المتظاهر بالفسق فإنه لا حرمة له و المبتدع في دين اللّه لقوله عليه السلام: و أكثروا من سبهم و الوقيعة فيهم و يمكن ايضا استثناء من لم يتأثر بسبه و لم يكن فيه مذلة له كسب الوالد ولده في الجملة و ما أشبه ذلك.

* سبق رمي السبق و الرماية*

السبق في اللغة مصدر سبق يسبق إلى كذا إذا تقدم إليه من غيره، و سابقه سباقا و مسابقة غالبة في السباق، و السبقة بالفتح فالسكون ما يتسابق إليه و بفتحتين و السبقة بالضم ما يتراهن عليه المتسابقون.

هذا و قد كثر استعمال السبق و المسابقة في اصطلاح الفقهاء بحيث كاد أن يكون حقيقة، في عقد خاص، أعني إنشاءين اعتباريين مرتبطين مشتملين على إيجاب و قبول، مفادهما تمليك مال في مقابل عمل، نظير عقد الإجارة و الجعالة، و صورته ان يقول أحدهما من سبق منا فله السبقة و يقبل الآخر قولا أو عملا.

و قوام هذا العقد بأمور ثلاثة المتسابقان و ما يتسابق به و ما يتسابق عليه و ذكروا انه يشترط في الأول أن يكونا كاملين بالبلوغ و العقل و الخلو عن الحجر لسفه أو فلس إذا استلزم تصرفا في ماله.

و في الثاني أن يكون أحد الأمور المنصوص عليها و هي النعل و الخف و الحافر لكن الظاهر أن ذلك لا يقتضي الحصر فيها لأنها مذكورة حسب اقتضاء الزمان و عصر النصوص الواردة، بل المراد من النصل كل آلة جمادية صالحة للنضال و القتال، فيشمل جميع الآلات العصرية المعدة لذلك من صغارها القابلة لحمل الإنسان و كبارها المحمول بالوسائل الكبيرة الضخمة المعدة لها. و من الخف و الحافر كل مركب حيواني صالح للسباق، و غير حيواني معد لذلك فيصح السباق بها و المراهنة عليها.

و في الثالث ان يكون عينا خارجية، أو كليا ذميا، أو دينا حالا أو مؤجلا، أو


منفعة، أو عملا، كان من مالهما أو من بيت المال للإمام أو للمسلمين أو من أجنبي.

ثم إنهم اشترطوا في السباق المكاني تقدير المسافة ابتداء و غاية، و تعيين العوض كما و كيفا، و تعيين ما يسابق عليه، و كون السبق لأحدهما على الأحوط.

و قد ظهر بما ذكرنا أن المسابقة من العقود كما هو المشهور و قال بعض بكونها إيقاعا و يكفي إنشاء الإيجاب المذكور من أحدهما و تشبه الإجارة على الأول و الجعالة على الثاني.

* سبل أله سبيل اللّه*

السبيل في اللغة و العرف و الشرع معروف، و يرادفه الطريق و الصراط، و قيل ان السبيل ما وضح من الطريق و الجمع سبل و أسبلة و سبول، و في النهاية السبيل في الأصل الطريق، و التأنيث فيها أغلب و سبيل اللّه عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى اللّه تعالى كأداء الفرائض و النوافل و أنواع التطوعات، و إذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه انتهى.

ثم ان هذا العنوان مضافا إلى لفظ الجلالة قد ذكر في الفقه في باب الزكاة، و جعل أحد الأصناف الثمانية المستحقين للزكاة، و الظاهر أن المراد به في ذلك الباب جميع سبل الخير التي لها نوع أهمية في الشريعة أو أعمية في الخير و المصلحة، فيشتمل جميع ما ينبغي لولي المسلمين صرف الزكاة فيه، من تدبير أمورهم، و تمامية أراضيهم، و إصلاح أحوالهم من جهاتها الثقافية، و العسكرية، و القضائية، و الاجتماعية، و السياسية، و شتى فنونها الاقتصادية و الصناعية، فإن تدبير ذلك و حفظها من أهم سبل الخير و أفضل سبل اللّه و ما يرضى الرب تعالى به، و ليس تشريع كون الزكاة بيده إلاّ لذلك، نعم لو لم يكن للمسلمين إمام متسلط متسيطر و ولي مبسوط اليد، فلهم صرفها في كل أمر عام النفع له أهمية عند الشرع كبناء المساجد و المدارس و تعميرها، و أحداث الطرق و الشوارع و إصلاحها، و إنجاء المسجونين من غير جرم، و إصلاح ذات البين و تزويج العزّاب و تهيئة المقدّمات لتحصيل طلاب العلوم التي تحتاج إليها المجتمع من الدينية و الدنيوية، و الصرف في سبيل الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ما أشبه ذلك، مما لا تحصى.


* ستر الستر*

الستر بالفتح مصدر من ستر يستر من باب قتل، و الستر و الستار بالكسر فيهما و السترة بالضم ما يستر به و جمع الستر بالكسر الستور و الأستار.

و ليس في شي‌ء منها اصطلاح خاص فقهي، لكنه قد وقع الستر و الساتر في الشريعة موضوعا لأحكام تكليفية و وضعية في الفقه موردا للبحث في موارد.

منها: حكمهم بوجوب ستر العورة لكل من الرجل و المرأة عن الناظر المحترم و مرادهم منه ستر اللون لا الحجم، و من العورة في الرجل القبل و الدبر و البيضتان، و في المرأة القبل و الدبر، و هذا فيما عدا الزوج و الزوجة و في غير موارد الاضطرار.

و منها: ما ذكروه في باب الصلاة من شرطية الستر لها فيجب على الرجل ستر عورته حال الصلاة و على المرأة ستر ما عدا وجهها و كفيها حالها وجوبا مقدميا شرطيا، و لا فرق فيه بين وجود ناظر و عدمه كما أنه يشترط في ساتره شروط لباس المصلي.

و منها: وجوب ستر المرأة ما عدا الوجه و الكفين عن الأجنبي، كان من أرحامها أو من غيرهم، و هذا مما قام به الإجماع و السيرة و الضرورة و دل عليه الكتاب و النصوص المتواترة قال اللّه تعالى‌ (وَ لاََ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاََّ مََا ظَهَرَ مِنْهََا) .

و منها: حرمة ستر الرأس للرجال حال الإحرام، كان إحرام الحج أو العمرة و قد ذكر التحريم و ما يترتب عليه من الكفارة تحت عنوان الإحرام.

و منها: حرمة ستر المرأة وجهها حال الإحرام و هو يقرب من ستر الرأس للرجل فيما يترتب عليه من الحكم فراجع عنوان الإحرام.

و منها: اختلافهم في وجوب ستر المرأة وجهها و كفيها عن الأجنبي، فأفتى طائفة في المسألة بالوجوب و طائفة بالجواز و احتاط آخرون و الإنصاف عدم ما تطمئن به النفس من أدلة التحريم، و تحريم إبداء الزينة لا يشمل ما ظهر منها، مع شدة حاجتهن إلى الإبداء، و كون الستر حرجيا في حقهن في الغالب، و جريان السيرة على عدمه شاهد على الجواز بل الإنصاف تمامية ما دل على جواز ابدائهما لها.


تنبيه: وجوب ستر العورة للرجل و المرأة لا يختص بالشريعة، بل و لعل ذلك من الأحكام الفطرية أو العقلية أو العقلائية القطعية، و هو من ضروريات الدين أو الأديان مضافا إلى حكم الكتاب و السنة بذلك.

* سجد السجود*

هو في اللغة الخضوع و التذلل، يقال سجد يسجد من باب نصر و أسجد يسجد انحنى و طأطأ رأسه خضوعا و في لسان العرب: سجد يسجد سجودا وضع جبهته على الأرض و سجد إذا انحنى و تطامن إلى الأرض و أسجد طأطأ رأسه و انحنى و سجدت الناقة و أسجدت إذا خفضت رأسها لتركب و سجدت النخلة إذا مالت، و نخل سواجد مائلة، و سجد خضع، و منه سجود الصلاة و هو وضع الجبهة على الأرض و لا خضوع أعظم منه انتهى.

و في المفردات السجود أصله التطامن و التذلل و ذلك ضربان سجود باختيار و ليس ذلك إلاّ للإنسان و به يستحق الثواب نحو قوله‌ (فَاسْجُدُوا لِلََّهِ وَ اُعْبُدُوا) أي تذللا له، و سجود تسخير و هو للإنسان و الحيوانات و النبات و خص السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة و ما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن و سجود الشكر و قد يعبر به عن الصلاة انتهى.

أقول لا يخفى عليك انه لا يستفاد من اللغة في تحقق مفهوم السجود و السجدة اعتبار وضع الجبهة على الأرض فضلا عن سائر المساجد أو الشروط المذكورة لها في الفقه، بل المستفاد منها أعم من ذلك، فيتحقق بمجرد الانحناء و التطامن و لو بغير الوضع، إلاّ أن وضع الجبهة على الأرض من أتم مصاديقه و أوضحها، كما ان قصد التعظيم و التكريم داخل في حقيقته، فهو من العناوين القصدية، و لذا لو صدر بغير داع التعظيم كالسخرية و الاستهزاء لا يكون سجودا حقيقيا، فيترتب عليه الحكم المجعول في الشرع على عنوان السجود إذ لم يثبت فيه حقيقة متشرعية فضلا عن الشرعية، و لا اعتبار بما ينسبق إلى أذهان أهل العرف هنا من معناه الشرعي بخصوصياته، فلو ورد النهي عن السجود لغير اللّه‌


ترتب على المعنى اللغوي و حرم كل ما صدق عليه السجود و السجدة لغير اللّه، نعم لا يبعد القول باعتبار وصول الجبهة إلى ما تستقر عليه في موضوع الأحكام الوجوبية أو الندبية المطلقة كسجود التلاوة و الشكر و نحوهما، و أما السجود الصلاتي فهو عبارة عن المعنى اللغوي مع إضافة قيود أخر بعنوان الجزئية و الشرطية فيه، دلت عليه الأدلة تعبدا مع عدم دخلها في معناه اللغوي، و لذا تبطل مع ترك شي‌ء منها عمدا و لا تبطل سهوا أو نسيانا. ثم إن للسجود أصنافا وقعت موضوعا للبحث عنها في الفقه ينبغي الإشارة إليها:

الأول: السجود الصلاتي بمعنى الواقع جزء للصلوات الواجبة و المندوبة، فإنه قد أخذت سجدتان في الشريعة جزء من كل ركعة من أيّة صلاة كانت، فهما واجبتان شرعا في الواجب من الصلاة و المندوب منها، و هما معا ركن في كل ركعة فلو زادتا أو نقصتا بطلت الصلاة كانا من عمد أو سهو، و لو زادت واحدة في كل ركعة أو نقصت كذلك بطلت مع العمد دون النسيان.

و ذكروا ان واجبات هذا القسم أي السجود المأخوذ في الصلاة بعنوان الجزئية أمور أولها وضع المساجد السبعة على الأرض و هي الجبهة و الكفان و الركبتان و الإبهامان من الرجلين ثانيها الذكر، ثالثها الطمأنينة حال الذكر، رابعها رفع الرأس منه، خامسها الجلوس بعده مطمئنا ثم الانحناء للسجدة الثانية أو القيام، سادسها كون المساجد السبعة في محالها إلى تمام الذكر، سابعها مساواة موضع الجبهة للموقف بمعنى عدم التفاوت بينهما من حيث السطح أزيد من مقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها أو أربع أصابع مضمومات، ثامنها وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض و ما أنبتته، تاسعها طهارة موضع الجبهة، عاشرها الإتيان بأذكارها صحيحة، و قد عرفت ان المسلّم مما يدخل في ماهيتها الشرعية بحيث يدور مداره وجودا و عدما خصوص وضع الجبهة، و مستحبات هذه السجدة كثيرة أنهاها بعض الأصحاب إلى ثلاثين فراجع كتاب العروة الوثقى للمحقق اليزدي (قده) الثاني: سجدة القضاء أي المنسية من الفريضة كما إذا نسي المصلي سجدة واحدة من


الركعة غير الأخيرة فيجب عليه الإتيان بها بعد الصلاة فهي في الحقيقة راجعة إلى القسم الأول تختص ببعض الأحكام.

الثالث: سجدتا السهو و هما سجدتان مستقلتان تجبان لأسباب خاصة تحدث في أثناء الصلاة الواجبة، و يؤتى بهما بعدها، فالأسباب واقعة في الفريضة و المسببات خارجة عنها و ذكروا أن الأسباب الموجبة لهما ستة أو سبعة.

أولها: التكلم سهوا في الفريضة بكلام آدمي غير القرآن و الذكر و الدعاء. ثانيها:

السلام سهوا في أثناء الفريضة في غير موضعه بإحدى الصيغتين الواجبتين. ثالثها: نسيان السجدة الواحدة في محلها. رابعها: نسيان التشهد مع فوت محل تداركه. خامسها: الشك بين الأربع و الخمس بعد السجدتين. سادسها: القيام في الصلاة في موضع القعود و عكسه.

سابعها: كل زيادة و نقيصة فيها لم تذكر في محلها وفات التدارك على اختلاف فيه. ثم ان مقتضى تعدد الأسباب تعدد المسببات، سواء أ كان من صنف واحد أم متعدد، فلو تكلم مرارا وجبت سجدات للسهو، كما لو تكلم و سلم في غير موضعه و نسي السجدة الواحدة وجبت سجدات و هكذا.

الرابع: سجود التلاوة و هو الذي شرعه اللّه تعالى لمن قرأ آيات خاصة من كتابه أو استمع لها، أو سمعها، على خلاف في الأخير، و هو على قسمين واجب و مندوب، فالواجب هو المسبب عن تلاوة إحدى الآيات الأربع من أحدى السور الأربع و هي الآية الخامسة عشر من سورة السجدة، و الآية السابعة و الثلاثين من سورة فصلت، و آخر آية من سورة النجم و العلق، و لا حكم لتصورها في الذهن، و كتابتها باليد، و مشاهدتها في المصحف بالعين، فإن الموضوع في الدليل القراءة و الاستماع و السّماع، فلا دليل على الوجوب في غيرها.

و المندوب هو المطلوب عند تلاوة إحدى عشرة آية من الكتاب الكريم، الآية 206 من الأعراف عند قوله وَ لَهُ يَسْجُدُونَ ، و الآية 15 من الرعد عند قوله وَ ظِلاََلُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ اَلْآصََالِ ، و الآية 50 من النخل عند قوله وَ يَفْعَلُونَ مََا يُؤْمَرُونَ ، و الآية 109 من الإسراء


عند قوله وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ، و الآية 58 من مريم عند قوله و خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا ، و الآية 18 من الحج عند قوله يَفْعَلُ اَللََّهُ مََا يَشََاءُ ، و الآية 77 من الحج أيضا عند قوله اِفْعَلُوا اَلْخَيْرَ ، و الآية، 60 من فرقان عند قوله وَ زََادَهُمْ نُفُوراً ، و الآية 76 من النمل عند قوله رَبُّ اَلْعَرْشِ اَلْعَظِيمِ ، و الآية 24 من (ص) عند قوله وَ خَرَّ رََاكِعاً وَ أَنََابَ ، و الآية 21 من الانشقاق عند قوله وَ إِذََا قُرِئَ اَلْقُرْآنُ . و مقتضى ما عرفت من معنى السجود لغة و شرعا و إطلاق الأمر به في المقام، كفاية تحقق المعنى اللغوي في امتثال أمره إلا أنك عرفت لزوم وضع الجبهة على ما تستقر عليه فلا يجب الزائد على ذلك من الاجزاء و الشروط المأخوذة في السجود الصلاتي.

الخامس: سجود الشكر و البحث الفقهي عنه أنه هو الذي شرعه اللّه تعالى لعباده تأسيسا أو إمضاء لحكم العقل، شكرا لنعمائه، و أمر به أمرا ندبيا عند تجدد كل نعمة و دفع كل بلية و نقمة، بل عند تذكرهما أيضا، و للتوفيق لأداء كل فريضة و نافلة و فعل كل خير.

و الظاهر أن مطلق السجود للّه تعالى و الخضوع و التذلل له بهذه الصورة مستحب ذاتا و إن لم ينو به شكر النعمة أو دفع النقمة فهو من العبادات المستقلة الراجحة عند العقل في مقابل الرب تعالى المشروعة قبل خلق الإنسان، بل هو أفضلها و أقدمها، و به قد امتحن اللّه الملائكة في الملإ الأعلى عند ساحة قدسه و موطن أنسه، و كان فيهم إبليس اللعين فأمرهم بالسجود لآدم فأطاعوه و عصى إبليس، فصورته الانحناء و الانخفاض و وضع الجبهة على الأرض و روحه قصد التذلل و قد عرفت خروج سائر الأمور المأخوذة في سجدة الصلاة عن ماهيته و تعلق طلبه غير الصلاتي.

السادس: السجود لغير اللّه تعالى من إنسان أو ملك أو غيرهما، و الظاهر انه لا إشكال في حرمته في الشريعة، و حينئذ فإن قارن اعتقادا باطلا في السجود له كاعتقاد الألوهية أو الاشتراك فيها أو كونه مقربا إليه تعالى أو ما أشبه ذلك كما كان يصنعه المشركون، أوجب كفر الفاعل أو شركه كمشركي عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله، و ان لم يقارن ذلك القصد بل أتى بهذا النوع من التعظيم للمخلوق مع العلم بكونه مخلوقا مربوبا، فالظاهر أيضا


حرمته و ان لم يوجب الكفر لتمامية الدليل على كون ذلك مختصا باللّه تعالى بل الظاهر أنه مغروس في أذهان المسلمين أو هو من ضروريات الدين، و سجود الملائكة لآدم النبي من موارد التخصيص، لأمره تعالى بذلك و لم يكن ذلك باعتقاد الألوهية في آدم بلا إشكال و قيل إن آدم كان قبلة كالكعبة المعظمة.

و أما سجود يعقوب و أولاده ليوسف في قوله تعالى‌ (وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً) فلعله كان من مصاديقه الحقيقية غير المحرمة في شرعنا أيضا، أو كان الخضوع السجودي و لو بوضع الجبهة جائزا في شرعه لغير اللّه تعالى في الجملة، أو أنه كان شكرا، للّه تعالى، و في لسان العرب يمكن أن يجعل اللام في قوله‌ (وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً) و في قوله‌ (رَأَيْتُهُمْ لِي سََاجِدِينَ) لام من أجل و المعنى خرّوا من أجله ساجدين للّه شكرا لما أنعم عليهم.

* سحر السحر*

قد عرّف السحر في اللغة تارة بما لطف مأخذه و دق، و أخرى بأنه صرف الشي‌ء عن وجهه، و ثالثة بأنه الخدع، و رابعة بأنه إخراج الباطل بصورة الحق و غير ذلك، و اختلفت كلمات الفقهاء في تعريفه أيضا، فعرفه عدة بأنه كلام أو كتابة أو رقية تؤثر في المسحور، و مقتضاه اعتبار وجود مسحور و حصول الإضرار به في تحقق مفهومه، و يفهم من آخرين عدم توقفه على المسحور فضلا عن الإضرار، و ذكر ثالث انه ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية، و ذكر في البحار: أنه في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه و يتخيل على غير حقيقته و يجري مجرى التمويه و الخداع و هذا منقول عن الفخر أيضا في تفسيره الكبير.

و يحتمل ان يكون هذا هو مراد الأكثر من عنوان السحر، و إن أفاد كلام بعضهم كونه مغايرا له أو أخص، فالأولى أن يكون هذا ملاك البحث، و لا ينافي ذلك كون موضوع الحرمة الثابتة في الكتاب و السنة أو بالإجماع و الضرورة، أخص من ذلك، فيكون كل ما ذكروه في بيان حقيقته من الأمور التالية من مصاديق هذا العنوان.


فمنها ان السحر كلام يتكلم به الشخص أو يكتبه أو رقية أو عقد أو أقسام أو عزائم أو تدخين أو تصوير أو نفث أو تصفية نفس أو عمل شي‌ء، يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة-و منها أن السحر استخدام الملائكة و استنزال الشياطين في كشف الغائبات و علاج المصاب و استحضارهم و تلبيسهم ببدن الصبي و كشف الغائبات عن لسانه-و منها أن السحر استحداث الخوارق بمجرد التأثيرات النفسانية أو بالاستعانة بالفلكيات أو بتمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية أو بالاستغاثة على الأرواح الساذجة-و منها ان السحر هو النيرنجات أي إظهار غرائب خواص الامتزاجات و أسرار النيرين، و الاستعانة لخواص الأجسام السفلية، و النسب الرياضية كاستخدام الأجنة مؤمنيهم و كفارهم و الشياطين-و منها انه كإحضار الغائب و فتح الحصون أو إحداث حبّ مفرط في الشخص بالنسبة لشخص أو لشي‌ء أخر، أو بغض مفرط كذلك أو عقد رجل أو امرأة أو إيجاد التفرقة بين المرأة و زوجه و غير ذلك مما ذكروا.

ثم إن ما يستفاد من الكتاب و السنة أو الإجماع أو الضرورة المدعاة في كلام البعض، حرمة السحر في الجملة مع ما عرفت من الإجمال في تشخيص موضوعه، و حينئذ فلا يبعد القول بأن الحرام ما كان منه سببا لانحراف اعتقاد المسلمين، أو كان فيه إهانة على المقدسات الدينية، أو إضرار على نفس محترمة من إنسان أو جن أو ملك، أو كان فيه تسبب لإبطال حق أو إحقاق باطل أو إيقاع في إثم و عصيان و ما أشبه ذلك.

و أما الشعبذة بفتح الشين و الدال المعجمة و المهملة فهي خفة في اليد و حركة سريعة بوسيلة بعض الأعضاء، توجب انتقال حس الناظر من الشي‌ء إلى شبهة فهي كالسحر تري الشي‌ء للعين بغير ما هو عليه، و قد ذكرت في الفقه و وقع البحث عنها من الأصحاب و ذكر العلامة الأنصاري (قده) في المكاسب أنها حرام للإجماع و لكونه من الباطل و لدخوله في مفهوم السحر، لكن الجميع مخدوش و التفصيل في الفقه.


* سحق السحق*

السحق في اللغة البعد و السحيق البعيد، و في المجمع في الحديث سألته امرأة عن السحق يعني دلك فرج امرأة بفرج أخرى انتهى.

و في الجواهر هو وطء المرأة مثلها المكنى عنه في النصوص باللواتي مع اللواتي التي لعنها اللّه و الملائكة. و هو الزنا الأكبر الذي أحدثه في الناس لا قيس بنت إبليس كما أحدث أبوها اللواط بالرجال فاستغنى الرجال بالرجال و النساء بالنساء انتهى (ج 41 ص 385) و لعل إطلاق السحق على العمل لكونه سببا للبعد عن اللّه و رحمته.

و كيف كان فهو في اصطلاح الفقهاء وطء المرأة مثلها و قد رتب عليه في الشرع أحكام تكليفية و وضعية فإنه من المعاصي الكبيرة التي رتب عليها الحد.

و ذكروا أنه يثبت السحق بما يثبت به اللواط من الأقارير الأربعة و الشهود الأربعة، و حدّه مائة جلدة بشرط البلوغ و العقل و الاختيار من غير فرق بين الفاعلة و المفعولة و المحصنة و غيرها و الكافرة و المسلمة. و لو وجدت أجنبيتان مجردتين تحت إزار واحد عزرتا دون الحد.

و لو وطأ رجل زوجته فساحقت أخرى فحملت الثانية منها ثبتت الحد على المرأتين و الولد لصاحب الماء و التي ولدته.

* سرقفلية السرقفلية*

القفل في اللغة و العرف معلوم و هو وسيلة الغلق و الفتح، و اللفظ مشترك بين لساني العرب و الفرس، و هو في المقام كناية عن تسلط الشخص على محل يغلق بابه و يفتح للاستفادة منه، و كلمة سر فارسية بمعنى الرأس أريد به في المقام المال الذي يبذل بإزاء تحصيل السلطة المذكورة فمعنى السرقفلية المال المبذول للسلطة على محل خاص، هذا على النحو الكلي و قد صارت الكلمة حقيقة عند التجار و الكسبة و في باب التجارة من الفقه، في المال الذي يأخذه كل من المستأجر و المالك من الآخر أو من شخص آخر ليتسلط على‌


مورد الإجارة من دكان أو دار أو نحوهما، و العنوان نفسه و مسائله من المستحدثات حدثت بعد ما قضت القوة المقننة في الغرب على أن ليس لمؤجر المحل أخذه بعد تمامية مدة الإجارة و للمستأجر أن يتسلط عليه ما شاء من المدة بتلك الأجرة أو تسليمه إلى غيره كذلك، و يأخذ من الثالث مالا سموه السرقفلية المبذولة لحيازة متعلق الإجارة و الانتفاع به.

ثم إنهم ذكروا في عدم حلية المأخوذة أنّ استيجار الملك بنفسه لا يوجب حدوث حق للمستأجر غير ما يقتضيه عقد الإجارة، و استقرار كسب المستأجر في المحل و حصول و جاهة و شهرة له فيه بحيث يتوجه التجار و المعاملون إليه و نحو ذلك لا يوجب تعلق حق له بالمحل، و جواز أخذ السرقفلية يتوقف على ثبوت حق للأخذ في المورد بحيث أمكن كونه بدلا عن المأخوذ و لو بإسقاطه، نعم قد يتفق ثبوت حق له فينبغي ذكر أمثلة يتضح بها موارد ثبوت الحق و عدمه.

منها: ما إذا استأجر محلا إلى مدة بنحو الإطلاق فأخذ المستأجر مالا من ثالث و سلم المحل إليه بعد مدة الإجارة بتلك الأجرة الأولية مع عدم رضا المالك و قد ازدادت أجرة المحل بكثير و هذا هو الفرض المعمول به في الممالك الغريبة فربما كان المالك قبل اطلاعه على هذا القانون المستحدث أجر ملكه إلى مدة فانقطعت يده عنه أبدا و تبادل الملك بين الأيادي من المستأجرين و أخذ كل سابق من لا حق مالا معتدا به بعنوان السرقفلية و سلم إليه الملك و لم يصل إلى المالك إلاّ مقدار وجه الإجارة الأولية و إن بلغ ذلك فعلا إلى أضعاف الأول. و هذا من السرقفلية المحرمة.

و منها: ما لو أخذ المالك من شخص مالا ليوجر ملكه منه لا من غيره و هذا من السرقفلية المباحة كما ان المستأجر إذا كان له إيجاره من ثالث لو أخذ منه سرقفلية للإيجار منه كان جائزا.

و منها: ما لو اشترط على الموجر أن لا يؤجر ملكه إلاّ منه سنويا فله حينئذ أخذ السرقفلية من المالك لإسقاط حقه منه.


و منها: ما لو أجر ملكه في مدة معينة بأقل من أجرته المتعارفة و أخذ من المستأجر مالا و اشترط المستأجر عليه في ضمن العقد ان لا يوجره ثانيا إلاّ منه أو ممن يختاره، فيأخذ المستأجر مالا من ثالث بعنوان السرقفلية ليؤجره المالك منه بعده، و هذا من السرقفلية المحللة.

و منها: ما لو استأجر مكانا للتجارة عشرين سنة مثلا و كان له إيجاره من غيره فاتفق ترقي أجرة المحل في أثناء المدة فله أخذ مال من الغير ليؤجره منه بمقدار الأجرة الأولية و هذا ايضا لا بأس به إلى غير ذلك.

* سرق السرقة*

السرقة بفتح الراء و كسرها في اللغة أخذ الشي‌ء خفية و بحيلة، و سرق منه يسرق من باب ضرب سرقا بالتحريك أخذ سرا، و السارق من جاء مستترا فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس و مستلب و منتهب، و في المفردات السرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء، و صار ذلك في الشرع لتناول الشي‌ء من موضع مخصوص و قدر مخصوص انتهى.

و الظاهر أنه ليس للكلمة اصطلاح خاص شرعي أو متشرعي بل قد استعملت في معناها اللغوي و العرفي، و الأحكام الشرعية من الحرمة و الضمان مترتبة عليه، نعم الحد الشرعي الثابت لها، موضوعه أخص لتقيده بقيود خاصة، فذكروا أن الكلام فيه يقع في السارق و المسروق و الحجة المثبتة و الحد الشرعي فيشترط في السارق أمور.

أولها البلوغ فلا حد على الصبي و إن تكررت منه بل يؤدّب و يعزّر بما رآه الحاكم.

ثانيها-العقل فالمجنون يعزّر ان استشعر.

ثالثها-الاختيار فلا يقطع المكره.

رابعها-عدم الاضطرار فلا قطع معه.

خامسها-هتك الحرز.

سادسها-إخراج الهاتك المال من الحرز بنفسه ليكون هاتكا سارقا فلو هتك هذا


و أخرج ذاك لم يحدا و عزرا و ضمنا المال.

سابعها-أن لا يكون السارق والد المسروق منه لأنه لا يقطع الوالد لولده و يقطع الولد لوالده و والدته و الوالدة لولدها.

ثامنها-الأخذ سرا فلو هتك و أخذ جهرا و قهرا لم يقطع.

تاسعها-عدم الشبهة موضوعا و حكما فلو أخذ الشريك من المال المشترك بظن الجواز أو بقصد الاستيذان بعده أو أخذ مال الغير بظن كونه ماله لم يقطع.

و ذكروا في المسروق أن أقل نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا رائجا أو بلغ قيمته ذلك من أي جنس كان. و أن أكثره لا حدّ له، و أن الملاك في الحرز العرف، و حرز كل شي‌ء بحسبه، فما يعد محرزا عندهم كالمأخوذ من بيت مغلق و صندوق مقفل و محل دفن فيه المال و كتاب أخفى فيه الورق النقدي يقطع به.

و ذهبوا إلى انه يثبت الحد بإقرار السارق مرتين و بشهادة عدلين خاصة، و أنه لو أقر مرة أخذ منه المال و لا يقطع و أنه يشترط في المقر البلوغ و العقل و الاختيار و القصد. و أن حدّ السارق في المرة الأولى قطع الأصابع الأربع من مفصل أصولها من اليد اليمنى، و يترك له الراحة و الإبهام، و لا فرق بين وجود يساره و عدمه. و لو سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى مما تحت قبة القدم حتى يبقى له نصف القدم و شي‌ء قليل من محل المسح و إن سرق ثالثا حبس دائما و إن سرق رابعا و لو في السجن قتل.

* سعو السعي*

السعي في اللغة العمل و المشي و القصد، يقال سعى يسعى عمل، و مشى بسرعة، و سعى إليه قصده.

و في اصطلاح الشرع و المتشرعة في باب الحج عبادة خاصة مجعولة من الشارع تأسيسا أو إمضاء، تعبد اللّه به عباده و جعله مذلة للجبارين، فهو يحتاج إلى نية التقرب و الإخلاص و سائر شروط العبادة العامة، و إلى شروط خاصة، و هو جزء ركني من كل


حج و عمرة واجبا كان أو مندوبا، يجب أن يكون سبعة أشواط كالطواف، من الصفا إلى المروة شوط، و من المروة إلى الصفا شوط، و هكذا و يجب أن تكون البدأة من الصفا كما بدأ اللّه تعالى به و التفصيل في الفقه.

* سفر السفر و المسافر*

سفر يسفر سفورا من باب نصر في اللغة خرج إلى السفر و سفرت المرأة وجهها و أسفرت كشفت عن وجهها، و سفر الصبح أضاء و أشرق و سافر سفارا و مسافرة إلى بلد مضى إليه و السفر قطع المسافة.

و في المفردات: السفر كشف الغطاء و يختص ذلك بالأعيان نحو سفر العمامة عن الرأس و الخمار عن الوجه، و سفر الرجل فهو سافر و الجمع سفر نحو ركب، و سافر خص بالمفاعلة اعتبارا بأن الإنسان قد سفر عن المكان و المكان سفر عنه انتهى. و قد أطلق عليه في الكتاب و السنة الضرب في الأرض.

و كيف كان فمفهوم السفر في اللغة واضح فإن حقيقته الانكشاف و إطلاقه على فعل المسافر لخروجه إلى الفضاء المنكشف، و استعمال باب المفاعلة بلحاظ السعي و الإنهاء فمعنى سافر سعى في قطع المسافة كما هو حقيقة هذا الباب و إن حمله الراغب إلى العمل بين الاثنين و قد ذكرنا الكلام في ذلك غير مرة.

ثم إنه ليس للفظ السفر حقيقة شرعية أو متشرعية بل هو مستعمل في معناه اللغوي، إلاّ أن الشارع قد أخذ فيه قيودا خاصة في مقام أخذه موضوعا لبعض ما رتب عليه من الأحكام، نظير عدم كونه أقل من ثمانية فراسخ امتدادية أو تلفيقية، أو عدم كونه محرّما، أو عدم كونه شغلا للمسافر، أو نحو ذلك، و يسمى الجامع للقيود سفرا شرعيا.

و الحكم المترتب عليه أنه يجب على المسافر ان يقصر فيه صلواته الرباعية فيصلّيها ركعتين و لو صلاها تماما كانت فاسدة إلاّ في بعض الموارد بل محرمة تشريعا إذا تعمد إليه، و أنه يجب عليه ترك الصوم فيه مطلقا واجبا أو مندوبا إلاّ في بعض الأوقات، و تفصيل ما زاد على ما ذكرنا يطلب في باب الصلاة تحت عنوان صلاة المسافر.


* سفه السفيه*

السفه في اللغة فقد الحلم، و السفه الجهل يقال سفه يسفه سفها من باب علم كان عديم الحلم جاهلا فهو سفيه و الجمع سفهاء و سفاه، و في المجمع: إن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أي جاهلا أو أحمقا، و السفيه المبذر و هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة أو ينخدع في المعاملة انتهى. و في المفردات: السفه خفة في البدن و استعمل في خفة النفس لنقصان العقل في الأمور الدنيوية و الأخروية انتهى.

و السفيه في مصطلح الفقهاء هو الذي ليس له حالة حفظ المال، يصرفه في غير موقعه و يتلفه في غير محلّه، لا يبني معاملاته على المصلحة و لا يبالي فيها بالانخداع، يعرف عند العقلاء خارجا عن طورهم و سيرتهم في تحصيل الأموال و صرفها، و الظاهر ان ما ذكروه مطابق للمعنى اللغوي و ليس مغايرا له.

ثم إنهم ذكروا أن السفيه على قسمين من اتصل سفهه بصغره و من عرض له السفه بعد بلوغه، و الأول محجور من ناحية الشرع بحجر أولي أصلي، لا ينفذ تصرفاته في أمواله ببيع و صلح و إجارة و هبة و إيداع و عارية و نحوها، و الولاية عليه للأب و الجد أو القيم المنصوب من ناحيتهما، و الثاني محجور بحجر عرضي يتوقف على حكم الحاكم و له الولاية عليه أيضا.

و السفيه كما أنه محجور عليه في أمواله الخارجية فهو محجور عليه في ذمته فليس له أن يتعهد مالا أو عملا ببيع سلف و شراء نسيئة و كفالة، و معنى عدم نفوذ تصرفات السفيه عدم استقلاله فلو كان بإذن الوليّ أو إجازته صح و نفذ كما أنه لو حصل له الرشد بعده جاز إمضاؤه.

* سلس بطن السلس و البطن*

السلس في اللغة السهولة و الانقياد، و السلس عدم استمساك البول و المسلوس من لا يقدر على إمساك بوله، و البطن بالتحريك داء البطن و المبطون من به إسهال أو انتفاخ في‌


البطن فلا يقدر على إمساك غائطه أو ريحه.

و قد وقع المسلوس و المبطون موردا للحكم في الشريعة و تعرض لهما الفقهاء في ضمن أحداث الوضوء و ذكروا أن كلا من المسلوس و المبطون على ثلاثة أقسام:

الأول: من له فترة في مجموع الوقت المعدّ للصلاة يتمكن فيها من الطهارة و الإتيان بالصلاة و لو بالاكتفاء بأقل واجباتها و ترك جميع مندوباتها، و هذا يتعين عليه المبادرة إليها و لم تسقط عنه بل تجب عليه الاضطراري منها. و لو تركها عصى و وجب عليه القضاء.

الثاني: من لا تكون له فترة بقدر العمل إلاّ أنه يكون خروج الحدث في مقدار الصلاة مرة أو مرتين أو ثلاثا مثلا، و هذا يجب عليه التطهير و الدخول في الصلاة و وضع الماء في جنبه، فكلما خرج منه حدث توضأ بلا مهلة و بنى على ما شرع من الصلاة و أتمها.

الثالث: أن يكون الحدث مستمرا متصلا بلا فترة فيجوز له حينئذ أن يصلي بوضوء واحد صلوات عديدة و هو بحكم المتطهر إلى أن يجيئه حدث آخر من نوم أو نحوه، أو خرج بوله أو غائطه على النحو المتعارف.

هذا بالنسبة إلى الطهارة الحدثية، و أما الخبثية فيجب على المسلوس التحفظ عن سراية بوله بكيس و نحوه، و كذا المبطون ان أمكنه، أو تطهير المحل بغير حرج، ثم إن الأصحاب ذكروا أن صلاة الطائفتين صحيحة تامة لا تحتاج إلى القضاء بعد الوقت.

و تفصيل الكلام في الفقه.

* سنن حدث خبر روي السنة و الحديث و الخبر و الرواية*

السنة في اللغة السيرة و الطريقة، و الجمع سنن كغرفة و غرف، و في المجمع و في الصناعة:

هي طريقة النبي صلّى اللّه عليه و آله قولا و فعلا و تقريرا أصالة أو نيابة انتهى. و السنة في اصطلاح المتشرعة و فقهائنا عبارة عما صدر عن المعصوم في مقام بيان ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم و أحكام الإسلام و معارفه، من قول أو كتابة أو عمل أو تقرير، و السنة عند العامة القول و العمل و التقرير الصادر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و عليه فالسنة لا تطلق إلاّ على ما


صدر عن المعصوم الذي يجب إتباعه و يكون حجة واجبة الطاعة، و لذلك خصت عند العامة بما يصدر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و عمت عند الخاصة لما يصدر عن الإمام المعصوم أيضا، و الأسماء الثلاثة المذكورة في العنوان أيضا تطلق على السنة فهي مترادفات و ان كانت الثلاثة قد تطلق على القول و الكتابة فقط.

و كيف كان فالسنة أحد الأدلة الثلاثة التي هي مدرك الأحكام الدينية من أصولها و فروعها، بل و غير الأحكام من المعارف الإلهية و العلوم الإسلامية الصادرة عن النبي الأكرم، و الآخران الكتاب و العقل: و عمدة البحث و الخلاف في المقام في الأخبار و الأحاديث الصادرة عن أئمة الشيعة عليهم السلام التي رووها عن النبي صلّى اللّه عليه و آله فإنها عند العامة نظير الروايات التي رواها غيرهم عنه صلّى اللّه عليه و آله كعكرمة و أنس و ابن عمر و عائشة، فإن حصل الوثوق به لأحد عمل به و إلاّ فلا، و لذلك لم يرو البخاري في صحيحة حديثا واحدا عن جعفر بن محمد بن الصادق عليه السلام لانه كان في نفسه منه شي‌ء، و أما عند الإمامية فهي صادرة عن أئمة معصومين عن المعاصي و الزلل و عن الجهل و الخطأ، العالمين بجميع ما يحتاج إليه الناس من الأحكام، الاخذين لها من النبي الأقدس، الوارثين عمن نزل به الروح الأمين على قلبه، فهي عندهم حجة و لو فرض عدم ثبوت إمامتهم، لمكان حديث الثقلين الثابت عن الفريقين، فإنه لو لم يدل على إمامتهم و خلافتهم الإلهية، فلا أقل من دلالته على حجية أقوالهم و ما حدثوا عن النبي الأعظم و وجوب الأخذ للأمة الإسلامية فإنه أدنى مراتب التمسك بهم في قوله صلّى اللّه عليه و آله: ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا، و على هذا فلا مناص لجميع الأمة الإسلامية سنيهم و شيعيّهم عن الأخذ بذلك و العمل به و لو لم يعتقدوا بإمامتهم، و مع ذلك فقد تركوا ذلك و أعرضوا عنهم إعراضا فترى أن أئمتهم الأربعة فضلا عن سائر علمائهم قد جرت سيرتهم في مقام استنباط الأحكام في شتى أبواب الفقه، على التمسك بأحاديث الرواة غير أئمة أهل البيت عليهم السلام و مع عدم ذلك يتمسكون بالقياس و الاستحسان و غيرهما، و ان كان هنا نصوص واردة عن أهل البيت عليهم السلام.

و هنا بحث آخر في السنة أعني الأحاديث و النصوص التي نقلها غير المعصوم عن‌


المعصومين عليهم السلام و هم الوسائط في الرواية عن المعصومين فوقع الاختلاف بيننا في ذلك و البحث عنه في علم أصول الفقه، و المشهور عندنا في ذلك الباب حجية كل راو ثقة في الحديث كان إماميا عدلا أو غير إمامي، ثم قسموا الحديث و السنة إلى أقسام، كالصحيح و الموثق و الحسن و الضعيف، فذهبوا إلى حجية الثلاثة الأول و عدم حجية الرابع و التفصيل في علم الأصول.

* سوأ ظنن أله سوء الظن باللّه تعالى*

عبر عن ذلك بعض الأصحاب بتحريم سوء الظن و عقد في الوسائل بابا في وجوب حسن الظن باللّه و تحريم سوء الظن به تعالى، و ظاهرهم تعلق الحرمة بنفس الحالة القلبية أو ملكتها، و هو ينافي ما عليه أكثرهم من عدم كون الحالات أو الملكات الباطنية متعلقا للتكليف تحريما أو إيجابا، و قد أشرنا إلى ذلك تحت عنوان الحسد و الكبر، و نصوص الباب أيضا لا تدل في الأغلب على حرمة العنوان المذكور.

ففيها أن اللّه عز و جل يقول انا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخيرا و ان شرا فشرا [1]

و ما بهذا المضمون لا يدل على التحريم فإن ظن الشر باللّه تعالى لا يكون إلاّ بالظن بمعاملته معه بالعدل فإن ظن الظلم و نعوذ باللّه لا يكون من المؤمن و لو فرض وجوده لا يكون الرب عند ظنه فالمعنى أنه ان ظن العبد عدم غفران اللّه ذنوبه و إدخاله النار فيعامله اللّه بذلك الظن فلا وجه للتحريم.

نعم في صحيح بريد بن معاوية عن أبي جعفر، في حديث: و الذي لا إله إلاّ هو لا يعذب اللّه مؤمنا بعد التوبة و الاستغفار إلاّ بسوء ظنه باللّه و تقصير من رجائه له و سوء خلقه و اغتياب المؤمنين (الوسائل، 15 ص 230 أبواب جهاد النفس ب 16 ح 3) .


[1] (الوسائل ج 15 ص 229 من أبواب جهاد النفس ب 16 ح 1، 5، 7، 8) .


* سوم رعي السوم-الرعي*

السوم في اللغة مصدر من سام السلعة يسومها إذا عرضها للبيع و ذكر ثمنها، و سامت الماشية من باب قتل خرجت إلى المرعى، و أسام الماشية أخرجها إلى المرعى، و في المجمع سامت الماشية سوما رعت بنفسها، و تتعدى بالهمزة فيقال أسامها راعيها، و في الحديث في سائمة الغنم زكاة أي الراعية منها انتهى. و مثله في اللغة الرعي فيقال رعت الماشية إذا خرجت إلى المرعى و رعي الماشية أخرجها للرعي.

و الكلمة قد كثر استعمالها في الفقه و وقعت موردا لبحث في باب الزكاة بمعناها اللغوي فإن الشارع قد جعل سوم الأنعام الثلاثة أعني الإبل و البقر و الغنم شرطا لتعلق الزكاة بها.

و ذكروا ان هذا الشرط ملحوظ فيها في تمام الحول، فلو كانت معلوفة و لو في بعض الحول لم تتعلق بها الزكاة و لو كان شهرا أو أسبوعا، نعم ذكر بعض أنه لا يقدح في صدق كون الماشية سائمة في تمام الحول علفها يوما أو يومين و تفصيل الشرط في باب الزكاة.

* شجج الشّجاج*

الشجة بالفتح في اللغة الجراحة في الرأس قطعا للّحم أو كسرا للعظم، و في المجمع: في الحديث: الشجة و الشجاج و الشج هو في الرأس خاصة، و هو ان يضربه بشي‌ء فيجرحه و يشقه ثم استعمل في غيره من الأعضاء، و عن بعض المحققين: الشجة هي الجراح بالرأس و الوجه و سمّي في غيرها جرحا بقول مطلق انتهى.

و هي في اصطلاح الفقهاء تطلق على مصاديق خاصة من جراحات الرأس الشامل لما فوق العنق من الوجه و غيره. و قد وقعت موردا للحكم في الشريعة و رتب عليها دية معينة مقدرة أو أرش و حكومة.

و الشجاج عند الأكثر ثمانية أقسام لكل قسم حكم خاص في الشريعة و هي العناوين التالية:

الأول: الحارصة أو الحرصة بالحروف المهملات غير المنقوطات، و هي التي تقشر


الجلد شبه الخدش من غيره إدماء، و فيها بعير، و الرجل و المرأة و الصغير و الكبير فيها سواء.

الثاني: الدامية و هي التي تدخل في اللحم يسيرا أو يخرج معه الدم و لو كان قليلا و فيها بعيران.

الثالث: المتلاحمة و تسمى الباضعة أيضا و هي التي تدخل في اللحم كثيرا و لم تبلغ السمحاق و فيها ثلاثة أبعرة.

الرابع: السمحاق و هي التي تقطع اللحم و تبلغ الجلدة الرقيقة المغشّية للعظم و فيها أربعة أبعرة.

الخامس: الموضحة و هي التي تكشف عن وضح العظم أي بياضه و فيها خمسة أبعرة.

السادس: الهاشمة و هي التي تهشم العظم و تكسره و الحكم منوط بالكسر و إن لم يكن جرح الجلد و اللحم و فيها عشرة أبعرة.

السابع: المنقّلة و هي التي تنقل العظام من محل إلى آخر و فيها خمسة عشر بعيرا.

الثامن: المأمومة و هي التي تبلغ أم الرأس أي الخريطة التي تجمع الدماغ، و فيها ثلث الدية مطلقا و يكفي في الإبل ثلاثة و ثلاثون بعيرا.

ثم إنهم ذكروا الدامغة أيضا في الشجاج و هي التي تفتق الخريطة التي تجمع الدماغ و تصل إلى الدماغ فالسلامة معها بعيدة فتنتقل إلى الدية و لو فرض البقاء تزيد ديتها على المأمومة بالحكومة.

* شرط الشرط*

الشرط في اللغة الإلزام و الالتزام، أي الإلزام المقيد بالالتزام، أو المركب منهما، أو يطلق على كل منهما بوضع مستقل، يقال شرط عليه كذا يشرط من باب ضرب و قتل ألزمه به، و قيل إن الشرط هو الإلزام و الالتزام في ضمن عقد كالبيع و نحوه و قد يطلق على المشروط كالخلق بمعنى المخلوق.


و كيف كان فلا اصطلاح خاص له في الشرع و عند الفقهاء و قد وقع موضوعا للأحكام في الشريعة و وقع البحث عنه في الفقه، و ذكروا فيه ما تتضح به حقيقته و أقسامه و أحكامه في ضمن أمور:

منها: انه هل يختص موضوع الحكم بما يقع في ضمن العقود كما أشار إليه بعض أهل اللغة أو هو أعم منه و من الشروط الابتدائية كنفس العقود فيشملها كما يشمل الشروط الواقعة في ضمنها و يشمل الإيقاعات المستلزمة للالتزام كالنذر و العهد و اليمين فإنها من اشتراط الإنسان على نفسه، وجهان وقع الاختلاف فيه و الظاهر هو الثاني.

و منها: أنهم ذكروا أنه يشترط في صحة الشروط الواقع في ضمن العقد شروط:

أولها: ان يكون مقدورا للمشروط عليه فلا يصح بيع الحيوان بشرط أن يلد ذكرا أو أنثى و ما أشبه ذلك مما قد يتفق بين العوام.

ثانيها: أن لا يكون مخالفا للحكم الثابت في الشريعة تكليفا كان أو وضعا، فلا يصح أن يشترطا في ضمن العقد ترك واجب أو فعل حرام أو عدم توريث من يستحق الإرث أو توريث من لا يستحق.

ثالثها: أن لا يكون منافيا لمقتضى ماهية العقد كاشتراط ما ينتفي العقد بانتفائه أو منافيا لشؤونه و آثاره، و الأول كالبيع بشرط عدم انتقال المبيع إلى المشتري أو الثمن إلى البائع، و الثاني كالبيع بشرط عدم تصرف المشتري في المبيع مطلقا.

رابعها: ان لا يكون مجهولا كالبيع بشرط أن يبذل له مالا أو يعمل له عملا فإنه غرر في الشرط، و يسري إلى الثمن و المثمن فيكونان مجهولين و يكون البيع غرريا.

خامسها: أن يلتزما بالشرط في متن العقد لفظا أو يعقدا مبنيا على ما شرطا قبله، فلو لم يذكراه في العقد و كان مغفولا عنه عنده بطل الشرط و إن لم يبطل العقد.

سادسها: تنجيزه فلو علقاه بطل كان يقول البائع مثلا بعتك هذا بشرط أن تخيط لي ثوبا ان جاء زيد من سفره على اختلاف بينهم في هذا الشرط.

سابعها: أن يكون عقلائيا مشتملا على غرض معتد به فلا يصح اشتراط الذهاب في‌


الليل إلى محل مظلم مثلا و لعل منه اشتراط التوزين بميزان خاص مع عدم الفرق بينه و بين غيره.

و منها: ما ذكروا ان الشرط على أقسام ثلاثة، شرط الوصف و شرط الفعل و شرط النتيجة و الأول كبيع الحيوان بشرط أن يكون حاملا، و الثاني كالبيع بشرط أن يخيط له ثوبا، و الثالث كبيع الحيوان بشرط أن يكون ولده أيضا للمشتري و التعبير عنه بشرط النتيجة لكون مفاده أمرا مسببيا و نتيجة عقد من العقود و الإيقاعات كالملكية و الزوجية و الرهان و الطلاق و العتاق، و قد افتى عدة ببطلان هذا القسم و فصل اخرون بأنّ عدم الصحة إنما هو في شرط النتائج التي تتوقف شرعا على عقد أو إيقاع خاص كالزوجية و الطلاق و العتاق دون ما لا تتوقف كالوكالة و نحوها، فلا يصح بيع الدار من امرأة بشرط كونها زوجة له من غير إجراء عقد، و يصح فيما إذا باعها بشرط أن يكون ملكها الفلاني له أو يكون المشتري وكيلا من ناحية البائع في بيع مال مثلا.

و منها: ما يظهر منهم انه لا إشكال في وجوب الوفاء بالشرط إن كان مأخوذا في ضمن العقد الواجب، و أما المأخوذ في ضمن العقد الجائز كالوديعة و العارية و المضاربة، ففيه اختلاف فمن قائل بالبطلان لأن الشرط فرع للعقد و تابع له فلو وجب الوفاء به دون العقد لزم زيادة الفرع على الأصل، و من قائل بالصحة من أجل انه لا مانع من وجوب العمل به ما دام الأصل باقيا و لا ينافي جواز الأصل، فلو وهبه عينا و شرط عليه أن يقرأ كل يوم سورة من القرآن له أو لأمواته، فلا بأس بوجوب القراءة عليه ما دام العين باقية في ملكه فلو استرجعها و بطلت الهبة انتفى موضوع الشرط أيضا و هذا أجود.

* شرك الشركة*

شركه شركة في اللغة صار شريكه، و شاركه وقعت بينهما شركة، و اشترك القوم في كذا تشاركوا فيه، و في المفردات الشركة و المشاركة خلط الملكين، و قيل هو أن يوجد شي‌ء لاثنين فصاعدا عينا كان الشي‌ء أو معنى كمشاركة الإنسان و الفرس في الحيوانية، ـ


و في لسان العرب: الشركة و الشركة مخالطة الشريكين يقال اشتركنا بمعنى تشاركنا، و في المنجد الشركة مصدر بمعنى اختلاط النصيبين فصاعدا بحيث لا يتميز الواحد عن الآخر و تطلق على العقد و إن لم يوجد الاختلاط انتهى.

و الظاهر أنه ليس لكلمة الشركة معنى اصطلاحي خاص عند الشرع و الفقهاء، بل هنا حقيقة فأرده و معنى واحد أريد من الكلمة عند أهل اللغة و المتشرعة، و ما ذكره الفقهاء تعاريف منهم في بيان تلك الحقيقة و لذلك قد يستشكل في طردها و عكسها كما هو الحال في سائر التحديدات، فمن التعاريف ما ذكره في كتاب الإسعاد في شرح الإرشاد لبعض الشافعية من أنها ثبوت الحق في الشي‌ء الواحد لمتعدد، و عرفها في الشرائع و غيرها، بأنها اجتماع حقوق الملاك في شي‌ء واحد على سبيل الشياع، و عرفها في العروة الوثقى بأنها عبارة عن كون شي‌ء واحد لاثنين أو أزيد ملكا أو حقا، و الظاهر وحدة المراد من الجميع، و توضيح التعريف الأول حتى تتضح حقيقة المعنى المقصود و ما هو موضوع الحكم عند الشارع و يتضح به حال سائر التعاريف أيضا. ان نقول ان المراد بالحق الأعم من الملك و الحق الاصطلاحي أعني مطلق السلطنة إذ الحق أيضا نوع من الملك، و المراد بالشي‌ء المعنى الأعم الشامل للعين الخارجية، و الكلي الذمي، و الكلي في المعين، و منفعة العين، و عمل الشخص، و الحق المتعلق بالعين إنسانا أو غيره، و غير ذلك مما يتصور في المقام، فشركة زيد و عمرو في دار، و في دين ثابت على ثالث، و في صاع من صبرة، و في منفعة بستان استأجراه، و في كتابة إنسان استأجراه، و في حق تحجير أرض حجراها و في صورة كون الكلي لأحدهما و المعين للآخر، شركة بالمعنى المزبور.

و المراد بالواحد هو الواحد بالشخص حسبما يظهر من كلماتهم و فتاواهم في مقابل الواحد بالجنس و النوع و الصنف مع التعدد في الشخص، فإذا ملك زيد فرسا و عمرو غنما أو ملك كل منهما صنفا من الغنم أو ملك كل فرد من صنف واحد لا يطلق على ملكهما الشركة و إن اتحدا في الأول في الجنس و في الثاني في النوع و في الثالث في الصنف لأنهما لم يملكا شيئا واحدا شخصيا، فان المتعدد بالشخص لا يعد واحدا عند العرف و العقل و إن اتحدا في الصنف فضلا عن النوع و الجنس.


و المراد بثبوت الحق لمتعدد فيه ثبوته على نحو الإشاعة، و إن كان ظاهر التعريف الأعم كما إذا ملكا بيتا واحدا أو فرسا أو سريرا واحدا بالإرث فإن ملك المتعدد فيها إشاعي بمعنى شيوع ملكية كل منهما و شمولها لكل جزء من المملوك، فيخرج ما لو ملكا كتابا جلده من أحدهما و أوراقه من آخر، أو بيتا أرضه من واحد و جدرانه من آخر و سقفه من ثالث مثلا، و قس على ذلك سائر المركبات التي تعد في العرف واحدا حقيقيا مع كون كل جزء من واحد فإنه لا يطلق عليه الشركة و يمكن كونه شركة عند من أطلق الواحد و لم يقيده بالشياع و ليس ببعيد.

و يخرج بهذا القيد أيضا اجتماع الحقوق في الواحد على نحو البدل كمعدن مباح يتعذر فيه الاجتماع، و كذا محل خاص من المسجد و المدرسة مع تعدد طلابها، و يدخل في التعريف اشتراك شخصين أو أشخاص في حق القصاص و حد القذف و الخيار و الرهن و الشفعة و نحوها، و هل يشمل ملك الفقراء للزكاة و السادة للخمس و المسلمين للأرض المفتوحة عنوة لكونها أعيانا شخصية ملكا لمتعدد، أو لا يشملها لأنها ملك للجنس و هو واحد دون الأفراد، و الفرد إنما يملك بعد القبض وجهان، و نظيرها الأشياء المباحة من معدن و نحوه فإنها ليست ملكا و لا متعلق حق لأحد قبل الحيازة بل يجوز لكل أحد حيازتها و إيجاد رابطة الملكية و الحقّية بينه و بينها، و نظيرها المسجد و المدرسة و سائر الأوقاف العامة.

إذا عرفت ما ذكرنا ظهر لك ان الشركة أمر اعتباري قابل للجعل و الإنشاء بلفظ و غيره من أسبابه، كما أنها قد توجد قهرا فكما أن الملك أو الحق المنفرد قابل للجعل فكذلك المتعدد، و يتضح لك ذلك في تقاسيمها.

ثم إن الأصحاب قسموا الشركة إلى أقسام:

أولها: الشركة الواقعية القهرية كما في الملك أو الحق الموروث فإذا مات الوالد و ورث وراثه بيته و أرضه المحجرة فاجتماع حقوق الملاك في بيت أو أرض، واقعية قهرية، و نظير ذلك ما لو امتزج مالهما من دون اختيارهما بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر كانا من‌


جنس واحد كمزج حنطة بحنطة أو جنسين كمزج دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو دهن اللوز بدهن الجوز أو الخل بالدبس، و جعل بعض الأصحاب هذا النوع من الاختلاط من الشركة القهرية الظاهرية لعدم اختلاط المالين بالدقة العقلية فالشركة ظاهرية و هو ضعيف إذ الملاك في هذا الحكم العرف و الموارد محسوبة عندهم واقعية.

ثانيها: الشركة الواقعية الاختيارية من غير استناد إلى عقد، كما إذا أحيا شخصان أرضا مواتا أو حفرا بئرا أو اقتلعا شجرا من المباحات فملكا كذلك، و نظير ذلك ما لو مزجا أموالهما في الأمثلة السابقة باختيارهما، فإنها حينئذ واقعية اختيارية لا ظاهرية كما عرفت و الكلام في سابقها آت هنا أيضا.

ثالثها: الشركة الظاهرية و هي في موارد الشك كما إذا شك أحد الشريكين في بيع نصيبه من شريكه أو من شخص آخر فاستصحب بقاء ملكه أو شك كل منهما كذلك.

رابعها: الشركة الحكمية بمعنى ترتيب آثار الشركة و أحكامها تعبدا في مورد العلم بعدم تحققها واقعا، كما في امتزاج أموال شخصين أو أزيد مع بقاء التمايز في الجملة و عدم إمكان التفريق و العزل، أو كونه حرجيا، كامتزاج الحنطة بالشعير أو الحنطة البيضاء بالحمراء و ما أشبه ذلك و قد ادعي دخول هذا القسم أيضا في الشركة الحقيقية.

خامسها: الشركة الواقعية المنشأة بعقد غير عقد الشركة كما إذا ملكا شيئا واحدا بالشراء أو الصلح أو الاتهاب.

سادسها: الشركة الواقعية المنشأة بتشريك أحدهما الآخر في ما اشتراه بقوله أشركتك في مالي كما دلت عليه النصوص.

سابعها: الشركة الواقعية المنشأة بتشريك كل منهما الآخر في ماله و تسمى هذه بالشركة العقدية و هي معدود من العقود و قد ذكرنا الكلام فيها تحت عنوان عقد الشركة المذكور من مصاديق العقد المطلق.

ثم إنه يعلم مما ذكر أنه لو اقتلعا شجرة أو أخذا ماء من المباحات أو أحييا أرضا كان لكل منهما من ذلك بنسبة عمله حسب الاستناد العرفي و لو استأجر اثنين بأجرة معلومة كانت حصة كل منهما بنسبة عمله و لا يلزم علمهما بالنسبة حال العمل.


* شغر الشغار*

الشغار في اللغة الرفع يقال شغر الكلب أي رفع إحدى رجليه ليبول، أو بمعنى الخلو يقال شغر البلد شغورا إذا خلى من الناس، و في النهاية: هو نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل شاغرني أي زوجني أختك أو بنتك أو من تلي أمرها حتى أزوجك أختي أو بنتي أو من إلى أمرها، و لا يكون بينهما مهر و يكون بضع كل واحدة منهما في مقابل بضع الأخرى و التسمية لارتفاع المهر بينهما أو خلوهما عن المهر انتهى.

و الشغار في اصطلاح الفقه هو النكاح القائم بين وليين شرعا أو عرفا و يتحقق بتزويج أحد الوليين من له الولاية عليها من آخر، و يجعل مهرها تزويج الآخر من له الولاية عليها من الأول، و ظاهر بعض و صريح آخر انه لا فرق بين أن يجعل المهر إنشاء التزويج من الآخر أو استمتاعه بها بعد ذلك التزويج، لكن الظاهر الأول، كما انه لا فرق بين أن يكون الشغار من طرف واحد كأن يقول أحدهما زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك أو على أن أستمتع ببنتك بعد تزويجها، و يجيب الآخر بقوله زوجتك بنتي على صداق مائة دينار مثلا فمهر الأولى التزويج الثاني أو البضع المترتب عليه، و مهر الثانية مائة دينار، و النكاح الأول شغار لارتفاع المهر غير التزويج أو البضع عنه و خلوه عنهما، أو من الطرفين و يطلق عليه انه شغار دائر كأن يقول أحدهما زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك و يقول الآخر زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك و كذا لو ذكرا البضع.

هذا بالنسبة لموضوع الشغار و أما حكمه فظاهر الأصحاب الاتفاق على بطلان ما يصدق عليه نكاح الشغار كان واحدا أو دائرا، و عمدة الدليل عليه الإجماع المدعى و نصوص خاصّة كقوله صلّى اللّه عليه و آله: لا جلب و لا جنب و لا شغار في الإسلام، و الشغار أن يزوج الرجل ابنته أو أخته و يتزوج هو ابنة المتزوج أو أخته و لا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا من هذا و هذا من هذا [1] و المرسل عن أحدهما نهي عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلا بضع صاحبتها [2] . و الجلب الذي يجلب من الخيل يركض معها و الجنب الذي يقوم في أعراض الخيل فيصيح بها.


[1] (الوسائل أبواب عقد النكاح ب 27 ح 2) .

[2] (ب 27 ح 1) .


ثم انه يظهر من بعضهم تعليل البطلان بكون ذلك من تعليق المهر أو العقد، و النكاح لا يقبل التعليق و في كشف اللثام: انه للزوم تشريك البضع بين كونه للزوج و كونه مهرا للزوجة، و ان البضع لا يصلح أن يكون مهرا و غير ذلك، و التعليلات عليلة و الدليل النص فراجع الكتب الفقهية.

* شفع الشفعة*

الشفعة في اللغة مصدر بمعنى جعل الشي‌ء زوجا للشي‌ء و بمعنى التقوية و الإعانة يقال شفع الشي‌ء بالشي‌ء أي كان وترا فجعله شفعا أي زوجا و يقال شفعه أي أعانه و قوّاه.

و الشفعة أيضا اسم للمشفوع كاللقمة اسم للملقوم.

و أما في اصطلاح الفقهاء فهي عبارة عن حق مجعول للشريك متعلق بحصة الشريك الآخر إذا باعها من غيره، بأن ينتزعها من المشتري و يتملكها بما بذل من الثمن، فهي حكم وضعي اعتباري جعله الشارع لشريك البائع فإذا باع أحد شريكي الدار مثلا حصته من زيد بألف و تمت المعاملة، كان للشريك الآخر أن ينتزعها من المشتري ببذل مقدار الثمن و لو لم يرض به، و يسمى الحق بالشفعة و صاحبه بالشفيع.

و ذكروا في تبيين حكم المقام ان هذا الحق ثابت في كل ما لا ينقل و كان قابلا للقسمة كالأراضي و البساتين و الدور، و في ثبوته في المنقول و فيما لا يقبل القسمة من غير المنقول كالبئر و الحمام و إشكال، و يشترط في ثبوته الانتقال إلى المشتري بالبيع لا بالصلح و الهبة و نحوهما، و كون العين بيد شريكين و كون الشفيع قادرا على أداء الثمن.

* شمس الشمس*

الشمس هي الكوكب المعروف، منبع النور و الحرارة في محيط منظومتها، و إليها تنسب أعضاء منظومتها المركبة منها و من أقمارها و سياراتها، و تتولد من إشراق نورها على الأرض و القمر، الليالي و الأيام و الشهور و الأعوام، و في المجمع هي أنثى واحدة الوجود


ليس لها ثان و لهذا لا تثنى و لا تجمع، و قول بعضهم تجمع على شموس على وجه التأويل لا الحقيقة كأنهم جعلوا كل ناحية منها شمسا انتهى. و في المفردات الشمس يقال للقرصة و للضوء المنتشر عنها و تجمع على شموس انتهى.

ثم إنها قد وقعت في الفقه مورد البحث في الجملة من حيث حالاتها و آثارها، فان منها الزوال، و هو شرط لعدة من الأوامر الوجوبية و الندبية فإذا زالت في حركتها اليومية عن دائرة نصف النهار إلى جانب المغرب بالنسبة إلى كل بلد و محل تحقق عنوان الظهر، و وجب ترتيب الآثار المترتبة عليه منها وجوب الفريضتين الظهر و العصر لقوله تعالى‌ (أَقِمِ اَلصَّلاََةَ لِدُلُوكِ اَلشَّمْسِ إِلى‌ََ غَسَقِ اَللَّيْلِ) و الدلوك الميل فهو مبدأ الأوقات و شرط لتوجه خطاب الفرائض و النوافل على نحو الترتيب و تفصيل ذلك تحت عنوان الوقت. و منها تطهيرها لبعض الأشياء بإشراقها عليه و قد ذكرناه تحت عنوان المطهر.

* شهد الشهادة*

الشهادة في اللغة الحضور و المعاينة، يقال شهد المجلس حضره و شهد الشي‌ء عاينه، و الشهادة بمعنى الأخبار عن قطع، يقال شهد على كذا أخبر به خبرا قاطعا، و لذلك يقال الشهادة إخبار جازم عن حق لازم للغير. و في المفردات: الشهود و الشهادة الحضور مع المشاهدة أما بالبصر أو بالبصيرة. و الشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر انتهى. هذا ما يتعلق بالشهادة بمعناها اللغوي و العرفي، و يوافقه المصطلح الشرعي أيضا لعدم معنى خاص لها في الشرع و عند الفقهاء، و هي قد وقعت موضوعا للحكم في الشريعة و رتب عليها أحكام من وضع و تكليف و وقع البحث عنها في الفقه في شروط الشاهد، و موارد اشتراط الشهادة لزوما، و دخلها استحبابا.

أما الأول: فذكروا انه يشترط في الشاهد أمور:

الأول: البلوغ فلا عبرة بشهادة الصبي. الثاني: العقل فلا تقبل من المجنون. الثالث:

الإيمان فلا تقبل شهادة غير المؤمن فضلا عن غير المسلم، و بالجملة لا تقبل شهادة كلّ‌


مخالف في أصول الدين و المذهب، و تقبل شهادة المؤمن الجامع للشرائط، على جميع الناس من جميع الملل، و تقبل شهادة كل ملة على ملتهم بل و على غير ملتهم.

الرابع: العدالة و هي الاستقامة العملية على الدين، أو الملكة الرادعة عن المعصية فلا تقبل شهادة الفاسق.

الخامس: طيب الولادة فلا تقبل شهادة من علم كونه من الزنا و إن أظهر الإسلام و كان صالحا للنص، و لا بأس بمن جهل حاله.

السادس: ارتفاع التهمة الحاصلة من ناحية أسباب خاصة، كأن يجرّ بشهادته نفعا ماليا لنفسه أو يدفع بها ضررا عنها، و هذه الشروط ملحوظة حال الأداء و عدمها في حال التحمل غير ضار.

أما الثاني: فقد ذكروا انه يشترط الإشهاد في باب المنازعات و رفع الأمر إلى الحاكم، فقد جعل الشارع الإشهاد فيه من وظائف المدعي مع اشتراط كون الشاهد رجلين عدلين أو نسوة عدولا في الجملة، و سماها الشارع بيّنة في المقام و ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله: البينة على المدعي و اليمين على المدعى عليه.

و ذكروا أيضا اشتراطها في باب الطلاق فإن أصحابنا قد أجمعوا على شرطية الإشهاد فيه مضافا إلى سائر شروطه، مريدين به هنا أيضا ذوي عدل من الرجال، فلا طلاق مع عدمهما، و لا مع شهادة عدل واحد، و لا مع شهادة فاسقين، لقوله تعالى‌ (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) مع دلالة النصوص المعتبرة على كون الإشهاد فيه راجعا إلى الطلاق لا الرجعة، و هذا على خلاف العامة حيث لا يرون شرطيته في الطلاق.

و ذكروا أيضا الإشهاد في عقد النكاح و كونه من المندوبات و ليس بواجب مستقل، و لا بشرط في العقد، لنصوص كثيرة عندنا دالة على ذلك، و هذا أيضا على خلاف العامة حيث يرون شرطيته في النكاح و التفصيل في الفقه.


* شهر الشهر*

مفهوم الشهر لغة و عرفا واضح، و في المجمع: و الشهر في الشرع عبارة عما بين هلالين قال أبو علي و إنما سمي شهرا لاشتهاره بالهلال، و قد يكون الشهر ثلاثين و قد يكون تسعة و عشرين إذا كان هلاليا فإذا لم يكن هلاليا فهو ثلاثون انتهى. و في المفردات: الشهر مدة مشهورة بإهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزء من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة انتهى.

أقول حقيقة الشهر كما أشرنا إليها تحت عنوان الوقت أمير غير متأصل فينتزع من حركة الشمس و القمر، و هو ينقسم إلى قسمين شمسي و قمري أو هلالي، و الأول منتزع من دوران الأرض حول الشمس و حول نفسها أي من حركتيها الانتقالية و الوضعية، فإن الأولى طولها سنة و إذا قسمت إلى اثني عشر كان كل جزء شهرا شمسيا، كما أن الثانية طولها أربعة و عشرون ساعة فإذا تكررت ثلاثون مرة تحقق شهر شمسي، و الثاني منتزع من دوران القمر حول الأرض مرة واحدة. و الظاهر أن إطلاق الشهر في النصوص و كلمات الأصحاب محمول على الهلالي، بل لا يبعد أن يكون اصطلاحا في الشرع و الفقه و إطلاقه على الشمسي قليل. و كيف كان فقد وقع الشهر الهلالي و سنته مورد البحث عند الأصحاب في موارد كثيرة:

منها: نفس انقسام السنة القمرية إلى اثني عشر شهرا هلاليا، فإنه مذكور في الكتاب و السنة توجيها للمخاطبين إلى أهميتها في الشريعة و ترتب أحكام جمة غفيرة عليها حسب تجزئتها إلى شهور و أسابيع و أيام، كما قال تعالى‌ (إِنَّ عِدَّةَ اَلشُّهُورِ عِنْدَ اَللََّهِ اِثْنََا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتََابِ اَللََّهِ يَوْمَ خَلَقَ اَلسَّمََاوََاتِ وَ اَلْأَرْضَ) و قوله في كتاب اللّه أي العدد المذكور أمر ثابت في علم اللّه أو لوحه المحفوظ أو الكتاب التكويني، من ابتداء خلق الأجرام السماوية، و هذا إشارة إلى كونها منتزعة من حركة الكواكب العلوية حادثة من دوران بعضها حول بعض مخلوقة بتبع خلقها.

و منها: وجود الأشهر الحرم الأربعة في السنة الهلالية ثلاثة منها سرد أي متصلة


متعاقبة، و هي ذو القعدة و ذو الحجة و محرم، و واحد فرد و هو رجب. قال في المجمع: الأشهر الحرم أربعة و لكن اختلف في كيفية عددها فقيل هي العشر من ذي الحجة إلى عشر من ربيع الآخر، لأن البراءة وقعت في يوم عرفة و الذي عليه الجمهور و جاءت به الأخبار أنها ذو القعدة و ذو الحجة و محرم و رجب ثلاثة سرد و واحد فرد انتهى. و كيف كان، هي بنفسها محكومة بالحرمة في الشريعة، إمضاء لما كان عليه في الجاهلية من وجوب التسالم و التصالح و حرمة الحرب فيها ما لم يشرع من جانب العدو، لقوله تعالى‌ (وَ اَلْحُرُمََاتُ قِصََاصٌ) يعني أن هتك حرمة الشهر المحرم لا يسوغ إلا إذا هتكها العدو.

و منها: وجود أشهر الحج الثلاثة في السنة الهلالية و هي أشهر شريفة مخترعة من جانب الشرع مجعولة وقتا لإعمال خاصة و شرطا لعبادة معينة، و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، قال تعالى‌ (اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومََاتٌ) أي في أشهر معلومات أو أشهر الحج أشهر معلومات، و عمرة التمتع داخلة في حجّه لكونه كالجزء منه و إن كان يتخلل الإحلال بينهما لانتفاع الناسك، و قد مرّ ان معنى كون الحج في الأشهر لزوم تحقق مجموع العمل في مجموع الزمان و لا ينافي ذلك اختصاص بعض من العمل ببعض من أجزاء الزمان كالوقوفين و أعمال منى و المبيت.

ثم إن أشهر الحج الثلاثة تتداخل مع أشهر الحرم السرد في شهرين و هما ذو القعدة و ذو الحجة و الشهر المتقدم عليها شهر حج و ليس بحرام و الشهر المتأخر عنهما شهر حرام و ليس بشهر حج.

و منها: وجود شهر اللّه الأعظم فيها و هو شهر رمضان، و الظاهر ان الشرف و الحرمة و البركة و الانتساب إلى اللّه تعالى مجعولة مخترعة له منذ خلقه اللّه تعالى بخلق الأجرام المنتزع هو منها، فهو ظرف زماني لعبادات خاصة و ركن قويم لصيامه و لعدة وافرة من الأعمال العبادية، و الأحكام المترتبة على صيامه و غيره من العبادات المطلوبة فيه، مذكورة تحت عنوان الصوم و رمضان.

و منها: وجود شهر رجب و شعبان فيها و هما شهران شريفان مجعولان من الشارع‌


للصيام و القيام و سائر الأعمال الحسنة أولهما منسوب إلى علي عليه السلام و الثاني إلى النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و البحث عن الأحكام الفرعية المربوطة بهما يقع تحت عنوان رجب و شعبان و غيرهما.

و منها: كون أهلّتها مواقيت للناس في جميع أمورهم المفتقرة إلى التحديد الزماني من بيوع السلف و السلم و النسيئة و عدة المطلقات و أجل المتمتعات و قصد إقامة المسافرين في الأمكنة إلى غير ذلك.

* صحح الصحة*

الصحة بالكسر في اللغة خلاف المرض، و اعتدال الجسم، و الصحة السلامة من العيب، و في المجمع: قد أستعير الصحة للمعاني فقيل صحت الصلاة و صح العقد انتهى. و الظاهر المستفاد من أهل اللغة ان الصحة هي تمامية الشي‌ء و حصوله على وفق ما يقتضيه طبعه، في مقابل نقصه، كان معروضها الأعيان أو الأعراض أو المعاني، و عليه فيختلف مصاديقها حسب اختلاف المتعلق كصحة الجسم، و العقد، و الإيقاع، و العبادة، و العقيدة، و العلم، و غيرها.

الاّ ان الكلام في تشخيص طبع الشي‌ء ليتبين نقصه و كماله فإنه قد يكون الحاكم بذلك العقل الحاصل قضاؤه بالتجربة نظير صحة جسم الحيوان و أقسام النبات و الأشجار، و قد يكون العرف و العادة، كصحة الألفاظ و العقود و الإيقاعات، و قد يكون الشرع، كصحة العقائد و العبادات و سائر الموضوعات المخترعة من جانب الشرع، فترى ان صحة جسم الفرس و الغنم عدم المرض و نقص العضو و صحة الصلاة تمامية اجزائها و شرائطها بل و خلوها عن الموانع، و كذلك صحة النكاح و الطلاق مثلا.

و كيف كان فقد وقع الكلام في الفقه كثيرا مّا عن الصحة و الفساد إذا عرضا على موضوعات الأحكام فيما إذا كانت قابلة للصحة و الفساد فيبحث عن صحتها و فسادها صغرى و كبرى لحكم العقل بوجوب الامتثال بالصحيح فلاحظ باب العبادات و المعاملات و غيرها.


و من ذلك البحث في باب البيع عن خيار العيب و أسبابه، و انه إذا كان المبيع أو الثمن معيبا غير صحيح، و ثبت الخيار لمن انتقل إليه المعيب بشروطه و هذا الخيار له خصوصية موضوعا و حكما ذكرناها تحت عنوان الخيار.

* صدق الصدقة*

الصدقة في اللغة و العرف و الشرع عطية يراد بها المثوبة من اللّه و في المجمع: الصدقة ما اعطى الغير به تبرعا بقصد القربة غير هدية فتدخل فيها الزكاة و النذور و الكفارة و نحوها و عرفها بعض الفقهاء بالعطية المتبرع بها من غير نصاب للقربة انتهى. و في المفردات:

و الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزكاة لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوع به و الزكاة للواجب و قد يسمى الواجب صدقة انتهى.

و هي عند الفقهاء المال الذي يعطى للغير بقصد التقرب إلى اللّه تعالى، و في المبسوط:

إذا قصد الثواب و التقرب بالهبة إلى اللّه تعالى سميت صدقة و فرق بذلك بينها و بين الهبة و الهدية، و على هذا ليس لها اصطلاح خاص بالشرع بل هي مستعملة في معناها اللغوي، و ما ورد من ان الصدقة محدثة معناه أنها لم تكن معمولة في عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله بل كانوا ينحلون و يهبون لأغراض أخر انتهى.

ثم إن نية التقرب من مقومات ماهيتها فالهبة أعم منها لاشتراطها بالقربة دونها كما انّ الهبة أعم من الهدية أيضا لأنها تفتقر إلى حمل المهدى من مكان إلى مكان فلا يقال أهدي إليه دارا أو عقارا بل يقال وهبه ذلك.

و ذكر المال في تعريفها للغلبة و لذا قال في الجواهر: إن الصدقة دفع المال مجانا متقربا فإن كان مورده الإبراء كان صدقة و إبراء و إن كان مورده الهبة كان هبة و صدقة و إن كان غير ذلك كان صدقة كالزكاة و الكفارة.

و يشترط فيها الإقباض و القبض، و أنه لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض و إن كانت على أجنبي. و ذكروا انه يعتبر في المتصدق البلوغ و العقل و عدم الحجر لفلس أو سفه و لا


يعتبر في المتصدق عليه الفقر و الإيمان و الإسلام فيجوز على الغني و الذمي و المخالف. نعم لا تجوز على الناصب و لا على الحربي و إن كانا قريبين.

* صفو مرو الصفا و المروة*

الصفا مقصورا في اللغة الحجر الصلد الضخم و الواحدة صفاة مثل حصا و حصاة، و المروة أيضا حجارة صلبة واحدها مرو، و في المجمع الصفا و المروة جبلان معروفان بمكة يسعى بينهما و يجوز التذكير و التأنيث في الصفا، و في الحديث إنما سمي الصفا صفا لإن المصطفى آدم هبط عليه فقطع للجبل اسم من اسم آدم و هبطت حواء على المروة فسميت المروة لأن المرأة أهبطت عليه فقطع للجبل اسم من اسم المرأة انتهى.

و كيف كان فالصفا جبل صغير من صخرة صماء في جانب المسجد الحرام و يقابله المروة و هي جبل أصغر منه في الجانب الآخر و بينهما مقدار 700 مترا و الجبلان قد جعلا في الكتاب و السنة من شعائر اللّه تعالى و من علائمه التشريعية، فهما معبدان للناس يذكرون اللّه فيهما و يعبدونه و يخضعون له بالسعي و الهرولة، و السعي بينهما جزء من الحج و العمرة، و يشتمل كل سعي نظير الطواف على سبعة أشواط تبدأ من الصفا و تختم في المروة، فالسعي من الصفا إلى المروة شوط، و من المروة إلى الصفا شوط، و يبطل كل من النسكين بتركه عمدا، و يجب قضاؤه مع الفوت جهلا أو نسيانا، و محله في أعمال الحج بعد أعمال يوم النحر فهو الجزء العاشر منها و في العمرة مطلقا بعد ركعتي الطواف و الكلام في سائر أحكامه واقع تحت عنوان السعي.

* صلو الصلاة*

الصلاة في اللغة مصدر معتل اللام واوي بمعنى الدعاء و صلّى يصلي تصلية إذا دعي أو أقام الصلاة و الصلاة كنائس اليهود لإقامتهم و الصلاة فيها و الجمع صلوات.

و في المفردات: قال كثير من أهل اللغة الصلاة هي الدعاء و التبريك و التمجيد يقال‌


صليت عليه أي دعوت له و زكيت و صلاة الرسول و صلاة اللّه للمسلمين هو في الحقيقة تزكيته إياهم انتهى.

و أما في اصطلاح الشرع و الفقه فهي عبارة عن عمل عبادي مركب من أجزاء مشروط بشروط مقيد بعدم موانع و قواطع، و لا يبعد القول بكون هذا المعنى أيضا من المعاني اللغوية للفظ، بل هذه العبادة كانت مشروعة منذ شرع الدين فضلا عن الشرائع فحقيقة العمل أسبق زمانا من الألفاظ المستعملة فيها حسب اختلاف الألسنة في الشرائع و الملل.

فحدث اللفظ و الوضع لهما انتزاعا فيها من الحالات.

ثم ان تبيين حقيقة هذه العبادة و إيضاح شي‌ء من أقسامها و أحكامها يستدعي ذكر أمور:

الأول: ان الصلاة نوع خاص من جنس العبادة الذي تحته أنواع كثيرة مختلفة في الأوصاف و الأجزاء و الشرائط بل و الموانع و القواطع و قد عدّوها في الفقه أحد عشر نوعا يتشكل منها قسم العبادات من الفقه و الصلاة أعلاها و أسماها و أفضلها.

و قد ذكر الأصحاب أنها تنقسم ابتداء إلى قسمين واجب و مندوب و الافراد الواقعة تحت كل من القسمين صنوف هذا النوع و تحت كل صنف صنوف ايضا و للجميع أحكامها العامة و الخاصة.

فأقسام الصلاة المفروضة ستة، الصلاة اليومية و منها الجمعة، و صلاة الآيات، و صلاة الطواف الواجب، و المتلزم بها بنذر و عهد و يمين و إجارة، و صلاة الوالدين على الولد الأكبر، و صلاة الأموات و من صنوف اليومية الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء و صلاة الجماعة و الصلاة المقصورة، و من صنوف الآيات صلاة الكسوف و الخسوف و الزلزلة و المخوّف السماوي بأقسامه و أصناف و من صنوف صلاة الطواف، صلاة طواف حج التمتع و الأفراد و القران و عمرة التمتع و العمرة المفردة و من صنوف المتلزم المنذورة و المحلوف عليها و المعهود عليها و المشروط في ضمن عقد و نحوه، و من صنوف صلاة الوالدين صلاة الوالدين و الوالدة، و من صنوف صلاة الأموات الصلاة على المؤمن‌


و المخالف و المستضعف و المنافق و الصبي، الصلاة المندوبة كثيرة جدا، و من عناوينها الكلية الرواتب اليومية و هي أربع و ثلاثون ركعة ضعف الفرائض، و نوافل شهر رمضان و غيرها فراجع عنوان النافلة.

الثاني: حيث ان الصلاة عبادة خاصة مخترعة من ناحية الشرع مركبة من صورة و مادة صورتها الأقوال و الأفعال و الهيئات و مادتها عباديتها و الإتيان بها تقربا إلى اللّه تعالى، و بعبارة أخرى للصلاة جسم و روح جسمها الحركات و اللفظات و روحها النيات و اللحظات.

و ان شئت فقل إن الصلاة بحسب الصورة عمل واحد بوحدة اعتبارية و أمور متعددة بتعدد حقيقية أما تعددها فلأنها كلام و قيام و قعود و ركوع و سجود، و أما وحدتها اعتبارا فلاشتراك مجموع أجزائها في التأثير في غرض وحداني، من كونها معراجا و قربانا و ناهيا و نورا، أو لكون المجموع متعلقا لطلب وحداني منبسط على الأجزاء، أو لكونه متعلقا لإرادة واحدة من المولى فالاجزاء متفرقات بالحقيقة واحدة بالاعتبار.

إذا عرفت هذا فتنقسم اجزاؤها تارة إلى ركنية و غير ركنية و الأولى عبارة عن كل جزء يبطل الكل بزيادته و نقصانه عمدا و سهوا و جهلا، كتكبيرة الإحرام، و الركوع، و السجدتين، و الترتيب، و الموالاة في الجملة، و الثانية عبارة عن كل جزء يبطل العمل بزيادته و نقصه عمدا لا سهوا أو جهلا في الجملة، كالقراءة، و السجدة الواحدة، و ذكر الركوع، و السجود، و التشهد، و التسليم. و أخرى إلى ذكر كالتكبير، و أذكار الركوع، و السجود، و التشهد، و القنوت، و قرآن كالفاتحة و السورة، و دعاء كالقنوت و بعض أبعاض التشهد، و التسليم، و فعل كالانحناء إلى الركوع و السجود و رفع الرأس منهما، و هيئة كنفس الركوع، و السجود، و القيام، و القعود، و القنوت، و الموالاة فإنها هيئة اتصال الإجزاء على نحو يعد عملا واحدا عند العرف، و هي المعبر عنها بالهيئة الاتصالية المنتزعة من تعبير الشارع عن بعض ما يفسدها بالقاطع، و الترتيب فإنه أيضا هيئة ترتب الأجزاء بعضها على بعض على نحو خاص بحيث يبطل الكل مع الإخلال به.


الثالث: ذكر الأصحاب للصلاة شروطا مجعولة من الشارع يعم بعضها جميع أصنافها و يختص بعضها ببعض منها، كاليومية و غيرها و هي ثمانية 1-الوقت 2-الاستقبال إلى القبلة 3-ستر العورة للرجل و ستر جميع البدن عدا الوجه و الكفين للمرأة 4-طهارة البدن 5-طهارة الثوب و حلية المكان 6-طهارته في الجملة 7-استقرار المصلي، و عد بعض النية أيضا من الشرائط.

و حيث ان الصلاة أمر زماني بجميع أجزائها فلا إشكال في كون الوقت شرطا عقليا في تحقق جميع أصنافها فالمراد به هنا أما تعيين صدورها في زمان خاص من يوم أو ليلة أو شهر مثلا بل أو ساعة خاصة من اليوم أو الليلة أو يوم خاص من السنة، أو يراد بالوقت صدورها قبل عمل معين أو بعده مهما وقع ذلك العمل، أو صدورها قبل حادثة تكوينية أو بعدها.

و المراد بالاستقبال توجه المصلي حالها نحو الكعبة المعظمة-زاد اللّه في شرفها و في الأفئدة التي تهوى إليها في أي قطعة من الأرض كانت-من دون فرق بين أصناف الصلاة المختلفة و أقسامها الواجبة و المندوبة حتى صلاة الجنائز، عدا ما استثني كموارد الاضطرار و الصلاة ماشيا، و تسقط شرطيته في مكانين من الأرض أحدهما داخل الكعبة المعظمة و الثانية القطعة الأرضية المقابل لها في الطرف الآخر من كرة الأرض بحيث لو أحدث ثقبة مستقيمة من الكعبة خرجت من تلك القطعة فإن للمصلي فيهما الصلاة أينما تولى وجهه، و ان شئت فعبر بأنه يتحقق الشرط في الموضعين قهرا بحيث لا يمكنه الصلاة بدونه و يقع بعض الكلام في ذلك تحت عنوان القبلة.

و المراد بالستر: ستر العورة و هي للرجل القبل و الدبر، و للمرأة جميع البدن عدا الوجه و الكفين، و ذكروا ان الستر الواجب هنا غير الستر الواجب عن نظر الأجنبي، فإنه يكفي في ذلك الستر المطلق بكل ما يمنع عن النظر و لو كان بيده أو يد زوجته، و يكفي في ستر الدبر التصاق الأليتين، و يسقط لو لم يكن هناك ناظر محترم، و هذا بخلاف المقام فإن اللازم فيه الستر بالثوب الواجد شرائط لباس المصلي سواء كان هناك ناظر أم لا و التفصيل في الفقه.


و المراد بالمكان في المقام أمران أحدهما ما استقر عليه المصلي بلا واسطة أو بوسائط و لو كثيرة كطبقات غرف بعضها فوق بعض، و ثانيهما الفضاء الذي شغله جسمه و قد أرادوا بشرطية المكان شرطية أوصافه التالية:

الأول: إباحته فذهب المشهور إلى بطلان الصلاة إذا كان مغصوبا و عدت الصلاة فيه تصرفا في المغصوب، و يتحقق التصرف في القسم الأول بالقيام عليه و القعود فيه و وضع أعضاء السجود عليه، و في الثاني بالكون فيه و إيجاد سائر الحركات الصلاتية فيه كالانحناء للركوع و السجود و رفع الرأس منهما و نحو ذلك.

الثاني: استقراره و المراد به اشتراط كون مكان المصلي قارا غير متحرك و لا متزلزل حين القراءة و في حال أذكار الركوع و السجود و التشهد و التسليم فلو صلى اختيارا في السيارة و السفينة الصغيرة و العربة و نحوها حال سيرها بحيث كان جسمه متزلزلا كانت باطلة.

الثالث: ان لا يكون معرضا لعدم إمكان الإتمام كمحل الرخام أو المطر الشديد أو الريح كذلك بحيث كان معرضا له.

الرابع: ان لا يكون مما يحرم البقاء فيه كما بين الصفين حال القتال أو تحت السقف أو في جنب الحائط المحتمل سقوطهما أو في المسبعة أو ما أشبه ذلك.

الخامس: أن لا يكون مما يحرم الوقوف و القعود عليه كالفراش أو اللوح أو القرطاس إذا كتب عليها القرآن مثلا أو الصلاة على قبر المعصوم أو غيره ممن يكون ذلك هتكا لحرمته عند العرف.

السادس: أن يكون مما يمكن أداء الصلاة فيه تامة الأفعال فتبطل فيما سقفه نازل أو فيه موانع من الركوع و السجود.

السابع: ان لا يكون مقدما على قبر المعصوم أو مساويا مع عدم الحائل.

الثامن: أن لا يكون نجسا بنجاسة مسرية إلى ثوب المصلي و بدنه.

التاسع: أن لا يكون موضع جبهته أعلى أو أسفل من موقفه بأزيد من المقدار المغتفر. ـ


العاشر: أن لا يكون مكان الرجل متأخرا عن مكان المرأة بل أو مساويا له مع قربهما في الجملة.

الرابع: ذكروا أن للصلاة موانع و قواطع إذا تحقق أحدها حال الصلاة و قارن أفعالها أو أكوانها أوجبت بطلانها، و فرقوا بينهما بأن الأول هو الذي يمنع الصلاة عن التأثير في ملاكاتها الموجبة للأمر بها فتصبح فاسدة، و الثاني هو الذي يوجب انقطاع هيئتها الاتصالية الملحوظة فيها جزءا أو شرطا فينتفي بعروض القاطع شي‌ء من أجزائها و شروطها فتبطل، و العنوانان قد يفترقان و قد يجتمعان، فما عدوه أو ينبغي عده من مصاديق الأول أعني المانع الأمور التالية:

أ-الحدث الأكبر و الأصغر.

ب-نجاسة بدن المصلي و لباسه إذا صلى كذلك عمدا أو نسيانا حال الاختيار عدا موارد الاستثناء.

ج-غصبية لباسه و المكان الذي يصلي فيه.

د-كون لباسه من أجزاء الميتة.

ه-كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه.

و-كونه من الذهب للرجال و كذا تزينه به.

ز-كونه من الحرير المحض لهم أيضا.

ح-و التكفير بمعنى وضع احدى اليدين على الأخرى على النحو الذي يضعه العامة.

ثم إنه لا تنافي بين عد الطهارة من الحدث أو من الخبث من الشرائط و عد الحدث و الخبث مانعا فان الضدين الذين لا ثالث لهما يلازم وجود أحدهما عدم الآخر فإذا كان أحدهما شرطا لشي‌ء جاز إطلاق المانع على الآخر مجازا، و ان لم يكن له تأثير في ذلك الشي‌ء، و قد يكون لأحدهما دخل في الشي‌ء بنحو الشرطية و للآخر دخل بنحو المانعية فيكون أحدهما شرطا حقيقة و الآخر مانعا كذلك، و لا يبعد أن يكون الطهارة و النجاسة كذلك، و أيضا حيث ان الممنوع لا يتحقق إلا مع عدم المانع فكثيرا ما ينتزع من مانعية


المانع شرطية عدمه، و لذلك عبّر الأكثر من الموانع المذكور بشرطية عدمها.

و ما يمكن ان يعد من القواطع الأمور التالية:

الأول: تعمد الالتفات بتمام البدن عن القبلة إلى الخلف أو اليمين و اليسار.

الثاني: تعمد التكلم بحرفين و لو كانا مهملين فما زاد.

الثالث: تعمد القهقهة أي الضحك المشتمل على الصوت و الترجيع.

الرابع: تعمد البكاء غير المشتمل على الصوت و المشتمل عليه إذا كان لأمور الدنيا.

الخامس: الفعل الماحي لصورة الصلاة كالوثبة و الرقص و التصفيق.

السادس: الأكل و الشرب الماحيان لصورة الصلاة.

السابع: تعمد قول آمين بعد تمام فاتحة الكتاب.

الثامن: الشك في عدد الركعات الثنائية أو الثلاثية و الأوليين من الرباعية، على ما ذكروه في باب الشكوك و في كون هذا من القواطع تأمل. و قد تبطل الصلاة بما لا يعد من الموانع و القواطع نظير ما ذكروه انه لو اتفق حالها توجّه خطاب أهمّ من أمر الصلاة إلى المصلي بحيث سقط أمرها بذلك، كتنجس المسجد أو وقوع نفس محترمة في خطر التلف أو ما أشبه ذلك، مما صار سببا لوجوب امتثال أمر حادث و فيه تأمل.

الخامس: للصلاة في الشريعة الطاهرة أسماء شريفة و أوصاف كمالية، و لها فوائد جمة عبادية روحية، و منافع عظيمة فردية، و مصالح كثيرة اجتماعية، و آثار مطلوبة سياسية، ثابتة في نفس العمل كامنة في حقيقتها، و يعبر عن بعضها بغاياتها و ملاكاتها و هي في الحقيقة سبب لطلبها و علة للأمر بها و قد وقع التصريح ببعضها و الإشارة إلى بعضها الآخر في الكتاب و السنة، نظير ما ورد من انها حسنات يذهبن السيئات، و انها ذكري للذاكرين، و ان بها يستعان للأمور، و انها لكبيرة إلاّ على الخاشعين، و انها مما تجب المحافظة عليه، و انها العلة الغائية لإسكان إبراهيم ولده حول البيت و هو قفر، و انها مما أوصاه اللّه لعيسى صبيا، و انها مما يقام لذكر اللّه، و انها مما لو مكن اللّه لعباده في الأرض أقاموه، و انها مما لا تلهي عنه تجارة و لا بيع، و انها تنهى عن الفحشاء و المنكر، و انها


قربان كل تقي، و ان الإنذار من اللّه لا ينفع إلاّ لمن أقامها، و انها مأدبة اللّه في أرضه، و انها كفارة لما بينها و بين ما وقع منها قبلها و بعدها، و انها كتاب موقوت، و انها كتاب موجوب، و انها كتاب مفروض، و انها إقرار بالربوبية و خلع للأنداد، و قيام بين يدي الجبار، و طلب للإقالة من الذنوب، و وضع الوجه على الأرض إعظاما للّه، و انه بها يكون الإنسان ذاكرا غير ناسي و لا بطر، و بها يكون خاشعا متذللا راغبا طالبا للزيادة في الدين و الدنيا، و انها سبب للمداومة على ذكر اللّه، و انها صلاح عام، و زجر عن المعاصي، و منع عن أنواع الفساد، و ان بها يتجدد في نفس المسلم ذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله في كل يوم خمس مرات، و انها قنوت للّه تعالى، و ان العبد إذا لقي اللّه بها لم يسأله غيرها، و انها بالنسبة لنفس الإنسان نظير اغتساله بالنهر في كل يوم خمس مرات بالنسبة لجسده، و انه إذا أتى العبد بها حرم جسده على النار، و ان من صلى الخمس خرج من ذنوبه كلها، و ان اليومية منها خمس بخمسين صلاة لأن اللّه أوجب أولا خمسين فشفع موسى عليه السلام حتى خففت إلى خمس و يوجر بها ثواب خمسين، و انها أحب الأعمال الدينية، و انها آخر وصايا الأنبياء، و انها عمود الدين، و انها إذا قبلت قبل ما سواها، و انها إذا ردّت رد ما سواها، و انها أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، و انها ان صحت نظر في غيرها و إلاّ فلا، و انه ليس بين المسلم و الوصول إلى الكفر غير تركها، و انه لو لم يجي‌ء العبد بها تامة يوم القيامة زخّ في النار و انه لا أفضل منها بعد المعرفة، و ان فريضة منها تعدل ألف حجة و عمرة، و ان الاستخفاف بها بحكم تركها و ان المستخف بها ليس من النبي صلّى اللّه عليه و آله و لا ينال شفاعته و ان المضيع لها يحشر مع قارون و هامان.

نسأل اللّه التوفيق لإقامتها كما يجب و يرضى إن شاء اللّه.

* صلو قضي صلاة القضاء*

القضاء في اللغة لمعان كثيرة لعلها تبلغ عشرة، و المراد به في اصطلاح الفقهاء في باب العبادات فعل الواجب الموقت أو المحدود بحد في خارج ذلك الوقت أو الحد، أو فعل‌


المندوب كذلك، و في المجمع في معاني القضاء، الثاني فعل العبادة ذات الوقت المحدود المعين بالشخص خارجا عنه.

و كيف كان فقد كثر إطلاق القضاء عند الأصحاب على الصلوات الفائتة التي اشتغلت بها الذمة و وجب إبراؤها، و جعلوا هذا القسم بابا من أبواب الصلاة أو فصلا من فصولها و تعرضوا فيه لأقسامها و أحكامها في ضمن أمور.

الأول: انه يجب قضاء اليومية الفائتة عمدا أو سهوا أو جهلا بالحكم أو بالموضوع، و الفائتة لأجل النوم المستوعب للوقت أو للمرض و نحوها، و كذا يجب قضاء ما أتى به باطلا لفقد جزء أو شرط أو وجود مانع.

الثاني: انه لا قضاء على الصبي لما فاته حال صغره، و لا على المجنون لما فاته حال جنونه، و لا على المغمى عليه في تمام الوقت، و لا على الكافر الأصلي إذا أسلم بعد خروج الوقت، و لا على الحائض و النفساء مع استيعاب الدم للوقت.

الثالث: انه يجب على المرتد قضاء صلواته في أيام ردته إلى أن يعود إلى الإسلام، فطريا كان أو مليا، و لا يجب على المخالف إذا استبصر قضاء ما عمله على وفق مذهبه، و يجب عليه قضاء ما تركه أو عمله على خلاف مذهبه، و انه يجب على كل مكلف قضاء غير اليومية أيضا من الصلوات الواجبة كالطواف و الآيات و المنذورة في الوقت المعين.

* صلو أيي صلاة الآيات*

هي نوع خاص من جنس الصلاة أو صنف خاص من نوعها مخترعة من ناحية الشرع للعبادة، و الأصحاب قد بينوا حالها بالبحث عن أسبابها و وقتها و كيفيتها و أحكامها.

أما الأسباب فهي أمور: الأول كسوف الشمس و لو شي‌ء يسير منها إذا كان قابلا لرؤية الأبصار، الثاني خسوف القمر كذلك، الثالث الزلزلة خفيفة كانت أو شديدة، و لا يشترط في الثلاثة خوف الناس منها، الرابع كل مخوّف سماويّ كالريح السوداء و الحمراء و الصفراء و الظلمة الشديدة و الصاعقة و الصيحة و الهدّة و النار تظهر في السماء و ما أشبه‌


ذلك، و أما المخوّف الأرضي كحدوث الخسف فيها و انفجارها و خروج الأشياء المذابة منها و حصول الخرق فيها و ما أشبه ذلك مما أخاف الناس، ففي وجوبها له خلاف أحوط ذلك.

ثم انه أطلق على هذه الأسباب الآية التي هي بمعنى العلامة لكونها علامة قدرة اللّه تعالى و عظمته أو علامة غضبه و نقمته.

و أما وقتها ففي الكسوفين من حين الأخذ في الانكساف و الانخساف إلى تمام الانجلاء، و في الزلزلة و غيرها أوّل وقوع الحادثة، فتجب المبادرة إليها بمجرده ثم تجب فورا ففورا إلى آخر العمر و هي أداء دائما.

و اما كيفيتها فقد ذكروا انها ركعتان في كل منهما خمس ركوعات و سجدتان، فالمجموع عشر ركوعات و سجدتان بعد الركوع الخامس و سجدتان بعد الركوع العاشر و لها صورتان تفصيلية و إجمالية.

أما الأولى: فهي أن يكبر للإحرام ثم يقرأ الحمد و سورة تامة أيّة سورة شاء ثم يركع ثم يرفع رأسه و يقرأ الحمد و سورة تامة و يركع و هكذا حتى يتم خمس ركوعات فيسجد سجدتين ثم يقوم للركعة الثانية و يصليها كالأولى ثم يتشهد ثم يسلم.

و أما الثانية: فهي أن يفرق سورة واحدة على الركوعات فيقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد آية أو أكثر من سورة، ثم يركع ثم يرفع رأسه و يقرأ بعضا آخر من تلك السورة بدون الحمد، و هكذا إلى الركوع الخامس، حتى يتم سورة، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم و يصنع كما صنع في الأولى، فيتم صلاته فقد قرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة و سورة تامة مفرقة على الركوعات الخمسة، و لها صور أخرى بين التفصيل و الإجمال ذكرت في محلها.

و يعتبر في هذه الصلاة ما يعتبر في اليومية من الأجزاء و الشرائط و الأذكار.

* صلو جمع صلاة الجماعة*

هذا العنوان اسم في إطلاق الشرع و اصطلاح الفقهاء لنوع من أنواع الصلوات الواجبة أو لصنف من أصنافها، اخترعه الشارع لتأدية المصلين فرضهم بوجه خاص، و هو هيئة


اجتماع أبدانهم و صورة ارتباط أعمالهم، و هي أفضل صنف من نوع الصلاة، كما ان الصلاة أفضل نوع من جنس العبادة، و الأصحاب قد ذكروا هنا شروط تحققها و صحتها، و ما شرع فيها الجماعة منها، و شروط المقيم لها، و الأحكام المترتبة عليها.

فمن الأول: ما ذكروه انّ أقل عدد تنعقد به الجماعة اثنان أحدهما الإمام، كان المأموم رجلا أو امرأة بل أو صبيا، هذا في مطلق الجماعة و يشترط في خصوص صلاة الجمعة و العيدين في زمن الحضور اجتماع خمسة أو سبعة، و يشترط في صحة الجماعة أمور:

1-أن ينوي المأموم الجماعة و المأمومية و إلاّ لم تتحقق.

2-ان لا يكون بين الإمام و المأموم حائل من جدار أو ستر يمنع عن مشاهدته، و كذا بين المأموم و مأموم آخر به يتصل إلى الإمام، هذا في الرجال و لا بأس بالحائل بين المرأة و بين الإمام أو المأموم الذي به تتصل إلى الإمام.

3-ان لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم علوا معتدا به دفعيا لا انحداريا.

4-ان لا يتباعد المأموم عن الإمام أزيد من الخطوة الكبيرة.

5-ان لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف في جميع أحوال الصلاة و الأحوط تأخره عنه.

و من الثاني: أنه لا تشرع الجماعة في شي‌ء من النوافل الأصلية، و إن وجبت بالعرض بنذر أو عهد أو يمين أو غيرها، إلاّ صلاة الاستسقاء، و أنه لا بأس بها في النفل بالعرض إذا كانت واجبة بالأصالة، كصلاة العيدين في زماننا هذا، و المعادة جماعة، و الفريضة المتبرعة بها عن الغير، و انه يجوز الاقتداء في كل من اليومية بمن يصلي الأخرى منها و ان اختلفتا في الجهر و الإخفات و القصر و الإتمام و الأداء و القضاء و الوجوب و الندب كالمعيد صلاته مع من لم يصل و عكسه، و انّ في صحة الجماعة في صلاة الطواف إشكالا.

و من الثالث: انه يشترط في إمام الجماعة أمور0: أولها البلوغ، و ثانيها العقل، و ثالثها الإيمان، و رابعها العدالة فلا تجوز الصلاة خلف الفاسق مع العلم و العمد تكليفا و لا تصح وضعا، و خامسها أن لا يكون ابن زنا و ان اجتمع فيه سائر الشرائط، و سادسها الذكورة.


إذا كان المأموم ذكرا، و سابعها ان لا يأتم الصحيح بالمعذور و المعذور بمن هو أعذر منه، نعم لا بأس بإمامة المتيمم للمتوضئ و ذي الجبيرة لغيره و مستصحب النجاسة لعذر لغيره، و تجوز إمامة المرأة لمثلها و الصبي لمثله.

و من الرابع: انه تسقط في هذه الصلاة القراءة عن المأموم في الركعتين الأوليتين رخصة في موارد و عزيمة في أخرى على إشكال في المسألة، و انه ليس للمأموم أن يتقدم على الإمام في الأفعال و لا أن يتأخر التأخر الفاحش، و انه لا يتحمل الإمام عن المأموم شيئا من أفعال الصلاة غير القراءة في الأوليتين فيجب عليه في الأخيرتين القراءة أو التسبيحات، و انه إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمل عنه القراءة فيها فيجب عليه القراءة في ثانيته و ثالثة الإمام، و انه يجب على المأموم الإخفات في قراءته خلف الإمام و إن كان الصلاة جهرية، و انه إذا أدرك الإمام في الأخيرتين، فإن دخل قبل الركوع وجبت عليه القراءة، و ان دخل بعده سقطت عنه، و انه إذا تبين بعد الصلاة كون الإمام فاسقا أو كافرا أو غير متطهر أو تاركا لركن أو ناسيا لنجاسة ثوبه أو بدنه لم تبطل صلاة المأموم إذا لم يخلّ بركن، و هل تبطل جماعته لاختلاله بالأركان أو لم تبطل لاغتفار ذلك في الجماعة وجهان.

* صلو جمع صلاة الجمعة*

الجمعة بالضم فالسكون في اللغة الأسبوع، و بضمتين اليوم السابع من الأسبوع، و في المجمع: يوم الجمعة أحد أيام الأسبوع و ضم الميم لغة الحجاز و فتحها لغة تميم و إسكانها لغة عقيل سمي بذلك لاجتماع الناس فيه انتهى.

و كيف كان فالجمعة اسم لليوم المعروف من أيام الأسبوع، و هو خيرة اللّه من الأيام و سيّدها، و هو يوم الشاهد، و يوم لم تطلع الشمس على أفضل منه تنزل فيه الرحمة، و يغفر فيه للعباد، و تضاعف فيه الحسنات، و يمحى فيه السيئات، و يستجاب فيه الدعوات، و تقضى فيه الحوائج، و تفتح فيه أبواب السماء لصعود أعمال العباد، و هو اليوم‌


الذي حملت فيه مريم و هبط فيه الروح الأمين، و ليس للمسلمين عيد بعد يوم الغدير أولى منه و هو أعظم عند اللّه من يوم الفطر و الأضحى، عظّمه اللّه تعالى و عظّمه محمد صلّى اللّه عليه و آله و كلام الطيور فيه بعضهم لبعض سلام سلام، و فيه يخرج قائم آل محمد صلّى اللّه عليه و آله كما ان فيه تقوم الساعة.

و من فضل هذا اليوم ان اللّه تعالى شرع فيه صلاة الجمعة، و هي صلاة الظهر احدى الصلوات الخمس اليومية أوجبها اللّه في هذا اليوم، فشرعها قبل سائر الصلوات و أسماها بالظهر و الجمعة، ثم شرع سائر الصلوات اليومية.

ثم ان الأصحاب قد ذكروا في الفقه صلاة الجمعة، و هي ركعتان باقيتان على مقتضى طبعها في مرحلة تشريعها أي كونها ركعتين بركوعين و أربع سجدات في حضر أو سفر، و من أحكامها الخاصة ضيق وقتها فإنه من أول دلوك الشمس إلى أن تصير قدمين على اختلاف فيه بين القوم، و استحباب الجهر بقراءتها و اشتراطها بالشروط التالية:

الأول: انه يجب ان يقيمها السلطان العدل أو المنصوب من قبله عموما أو خصوصا في زمن الحضور أو الغيبة.

الثاني: الجماعة فلا جمعة منفردة.

الثالث: العدد فلا تجوز لأقل من خمسة و تندب لأقل من سبعة و تجب على السبعة و أكثر.

الرابع: الخطبتان الشاملتان على الحمد للّه و الصلاة على رسوله صلّى اللّه عليه و آله و الوصية بالتقوى و قراءة آية جامعة أو سورة.

الخامس: ان لا تنعقد جمعة قبلها أو معها زمانا في أقرب من فرسخ من محلها و إلاّ بطلت.

ثم ان الأصحاب ذكروا انه يعتبر فيمن تجب عليه الجمعة أمور ثمانية: البلوغ، و العقل، و الذكورة، و الحرية، و الحضر، و السلامة من العمى و العرج و المرض، و ان لا يكون شيخا كبيرا، و ان لا يكون بينه و بين محل إقامة الجمعة أزيد من فرسخين، و لو اتفق للفاقدين للشرائط الحضور لإقامتها صحت و أجزأت.


* صلو سفر صلاة المسافر*

هذا الاسم عنوان لموضوع خاص ينطبق على ثلاثة أصناف من فرائض يومية المسافر، و هي الظهر و العصر و العشاء الآخرة، إذا أراد الإتيان بها حال السفر، فقد وقعت موردا لأحكام خاصة في الشريعة، و أبحاث كثيرة في الفقه، فذكروا في توضيح حقيقة هذه العبادة و بيان أقسامها و أحكامها أمورا:

منها: انه كان المفروض على العباد من الفرائض اليومية في أول البعثة خمس صلوات بعشر ركعات، فأراد النبي صلّى اللّه عليه و آله بعد هجرته إلى المدينة بمقتضى ولايته التشريعية على أحكام الشريعة كولايته على نفوس الأمة و أموالهم، إضافة ركعات عليها وفق ما رآه صلاحا لحالهم، فأضاف ركعة إلى المغرب مطلقا و ركعتين إلى كل من الظهر و العصر و العشاء فيما إذا صلاها المكلف في حضره و أبقاها على حالها في سفره كما أبقى الصبح على حالها مطلقا فالصلوات المقصورة هي التي بقيت على طبعها الأولى.

و منها: انه يعتبر في قصر الصلوات الرباعية أمور:

أحدها: كون السفر مسافة شرعية و هي ثمانية فراسخ ممتدات أو ملفقات من ذهاب و إياب و لا يكفي الأقل منه و لو بمقدار أقدام.

ثانيها: قصد قطع المسافة من أول السير، فلا قصر مع عدمه، فلو قصد ثلاثة فراسخ، ثم بدا له إضافة خمسة لم يكن مسافرا شرعا فلا قصر.

ثالثها: استمرار القصد، فلو عدل عنه في الأثناء أو تردد و قطع شيئا على تلك الحالة بطلت المسافة و عليه الاستيناف لو أراد.

رابعها: عدم قصده قطع المسافة في الأثناء بالمرور على الوطن أو إقامة عشرة أيام في محل.

خامسها: عدم كون سفره معصية كلا أو بعضها.

سادسها: ان لا يكون في سفره ممن بيته معه و إلا فليس بمسافر.

سابعها: ان لا يكون السفر شغلا له كالسائق و الملاح. ـ


ثامنها: ان يصل بعد خروجه من منزله إلى حد الترخص و هو بعد خاص. لا حظه الشارع شرطا لترتب أحكام السفر في الذهاب و انقطاعها في العود، ثم إن الثمانية فراسخ عبارة عن 44 كيلو مترا، فان كل فرسخ خمس كيلو مترات و نصف.

و منها: انه كما يقصر الرباعيات في السفر تسقط نوافل الظهر و العصر أيضا و هي ست عشرة ركعات، و أما نافلة العشاء و هي ركعتا الوتيرة ففي سقوطهما اختلاف بين الأصحاب فالأولى الإتيان بهما رجاء.

و منها: ان الأصحاب ذكروا انه بعد توجه خطاب القصر للمسافر قد تعرض له حالات تقطع سفره موضوعا أو حكما فيخاطب بالإتمام حينئذ.

أحدها: المرور على وطنه في أثناء سفره، فعليه بعد دخول الوطن الإتمام و لو في صلاة واحدة.

ثانيها: العزم على الإقامة عشرة أيام أو أكثر في مكان واحد كان ذلك باختياره أو بدونه.

ثالثها: بقاؤه في محل واحد مترددا في الإقامة و السفر ثلاثين يوما فينقطع حكم السفر بعد تمام المدة و يصلي تماما و لو أراد الحركة بعد الصلاة.

ثم انه يتفرع على المسألة انّ التقصير في الصلوات الثلاث يعييني عند أصحابنا، و تخييري عند أكثر العامة عملا بظاهر قوله تعالى‌ (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنََاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ اَلصَّلاََةِ) و ان التقصير عند أصحابنا أيضا تخييري في أربعة أمكنة، و هي بلد مكة المكرمة، و المدينة الطيبة، و مسجد الكوفة، و الحائر الحسيني سلام اللّه عليه، فللمسافر في هذه الأمكنة الإتمام و القصر، و الإتمام أفضل، و انه لو صلى المسافر تماما فإن كان عالما بالموضوع و الحكم وجبت الإعادة أو القضاء و إن كان جاهلا بأصل الحكم بان لم يقرأ عليه آية التقصير و لم تفسر له لم تجب عليه الإعادة فضلا عن القضاء، و أما الناسي للسفر أو لحكمه المتم لصلاته فإن تذكر في الوقت أعادها و إلاّ فلا قضاء عليه.


* صلو ولد صلاة الوالدين*

هذا العنوان مذكور في الفقه في باب الصلاة أرادوا به الصلوات الفائتة من الميت و وجوبها على وليه، و لذلك قد عدوها من الصلوات الواجبة على المكلف و قد ورد في ذلك نصوص و وقعت موردا لأحكام خاصة و ذكر الأصحاب الواجب منها في الشريعة كما و كيفا، و من يتعلق الوجوب به من الأرحام في ضمن أمرين.

الأول: أنّه يجب على الولي قضاء ما فات عن والده من الصلوات لنوم أو نسيان أو عجز أو تقية، بل و إهمال و عصيان إذا لم يكن ذلك عن عناد و طغيان، و كذلك يجب عليه ما أتى به فاسدا من جهة إخلاله بأجزائها أو شرائطها، و الظاهر انه لا تلحق الوالدة بالوالد في هذا الحكم على اختلاف في ذلك، و لا يجب عليه غير صلاته من صومه و حجه و زكاته و خمسه و سائر واجباته المالية و البدنية مما تركه و أدركه الموت، و لا غير صلاة نفسه مما كان عليه من صلاة استيجارية أو فائتة كان عليه من أبيه.

الثاني: أنهم ذكروا ان المراد بالولي في المقام هو الولد الأكبر من المذكور فلا تجب على البنات و لا على غير الأكبر من البنين و لا على سائر الأقارب كالأخ و العم و الخال، و لا يعتبر بلوغ الولي حين موت الوالد، بل عليه ذلك و إن كان رضيعا أو مجنونا، فيجب بعد البلوغ و الإفاقة، و لا تجب المباشرة على الولي فله استيجار غيره لذلك.

* صلو موت صلاة الميت*

إطلاق اسم الصلاة عليها ليس إلا مجازا بلحاظ المعنى اللغوي و هو الدعاء أو التبعية، لكون المأموم يتبع الإمام في التكبير و الذكر، دون المعنى المصطلح العام للبون البعيد بينهما، إلاّ أن يقال بصيرورة اللفظ حقيقة فيها أيضا على نحو الاشتراك اللفظي، فإنها عبادة خاصة تخالف سائر الصلوات في أغلب الأجزاء و الشروط إذ ليس فيها من الأركان إلاّ التكبير و هو متكرر فيها خمس مرات.

و كيف كان فهي صلاة خاصة مشروعة من جانب الشارع و حقيقتها تتركب عن‌


خمس تكبيرات، يكبر المصلي الأولى و يأتي بعدها بالشهادتين، و يكبر الثانية و يأتي بالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله، و يكبر الثالثة و يدعو بعدها للمؤمنين و المؤمنات، و يكبر الرابعة و يدعو بعدها للميت، و يكبر الخامسة و ينصرف، و يجزي من ذلك أن يقول: اللّه أكبر أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، اللّه أكبر اللّهم صل على محمد و آله محمد، اللّه أكبر اللّهمّ اغفر للمؤمنين و المؤمنات، اللّه أكبر اللّهمّ اغفر لهذا الميت، اللّه أكبر، و لها مصاديق مفصلة و متوسطة. و ذكرنا تحت عنوان الموت و الميت ما يناسب المسألة فراجع.

* صلب الصلب*

الصلب بالفتح في اللغة مصدر صلبه إذا جعله مصلوبا أي مقتولا على نحو التعليق و هو قتلة معروفة، و الصليب ما يصلب عليه، و يسمى به العود الذي يتخيل النصارى أن المسيح عليه السلام صلب عليه، و يطلقونه على كل ما كان بشكل خطين متقاطعين، و كل شي‌ء من الظهر فيه فقار فذلك الصلب، و في المفردات: و الصليب الذي يتقرب به النصارى هو لكونه على هيئته الخشب الذي زعموا انه صلب عليه عيسى عليه السّلام انتهى. و قد يقال أن الصّلب كان قتلة معروفة في الأمم السابقة و هي شد القتيل على شجرة أو خشبة قائمة و شدّ يديه على خشبة معترضة عليها و يترك هكذا حتى يموت و المرسوم في هذا الزمان على نحو آخر.

و كيف كان فالصلب وارد في الشريعة، و ذكره الأصحاب في الفقه تارة في باب الحدود فإنه أحد وجوه التعذيب التي عينها الشارع للمحارب في قوله‌ (إِنَّمََا جَزََاءُ اَلَّذِينَ يُحََارِبُونَ اَللََّهَ وَ رَسُولَهُ (وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَسََاداً) أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاََفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ) و ذكروا أن التخيير فيهما للإمام مطلقا كان عمل المحارب أخذ المال أو قتلا أو غيرهما.

و أخرى في المكاسب المحرمة لبيان أنّ صنعة الصليب و توليده و بيعه و شراءه و حفظه و جميع التقلب فيه حرام محرم معذب فاعله على قليله و كثيره، و لو أتلفه شخص من مسيحي لم يضمن قيمة الهيئة و ضمن قيمة المادة إذا كان ذميا و يستحق فاعله التعزير لعمله.


* صلح الصلح*

الصلح في اللغة اسم مصدر من صالحه صلحا إذا وافقه و لم يخاصمه، و المستفاد من اللغة ان الصلح و المصالحة هو التسالم و التراضي و زوال المنافرة و التباغض.

و في اصطلاح الفقهاء هو إنشاء التراضي و التسالم بين شخصين على أمر من الأمور، فهو عقد مستقل يحتاج إلى إيجاب و قبول، و لا يعتبر فيه صيغة خاصة، بل يكفي كلما أفاد ذلك التراضي، كصالحتك على كذا أو تسالمنا أو تراضينا على كذا.

و ذكر الأصحاب هنا ان مفاد الصلح و هو التراضي لا يتحقق الا بلحاظ ما تعلق به، و حيث يمكن ان يكون متعلقة مفاد كل عقد لازم أو جائز، بل و كل إيقاع، فمقتضى دليل صحته وجوب الوفاء بمتعلقه مهما كان، إذا فالصلح على مقتضى العقود الجائزة يجعله واجبا بهذا العنوان في مقابل عنوانه الأولى، و كذا في الإيقاعات، فإذا تعلق بمبادلة عين بماله أفاد فائدة البيع و وجب الوفاء به، و بالتسليط على العين بعوض أفاد فائدة الإجارة، و بالتسليط على الانتفاع بلا عوض أفاد فائدة العارية، و ببراءة الذّمة عن الدين أفاد فائدة الإبراء، و إذا تعلق في باب القراض بكون جميع الربح للعامل أو على كون الربح و الخسران كليهما عليه أفاد فائدة التقرير على أمر يخالف طبع القراض فيصح و يجب بعنوان الصلح.

و ذكروا ايضا أن مفاد العقود و إن كانت لازمة إذا وجب بعنوان الصلح لكنه لا يترتب عليه آثارها المختصة بها. فالصلح على مفاد البيع لا يكون موضوعا لجريان الخيارات المختصة بالبيع، كخيار المجلس و الحيوان و التأخير، و الصلح على هبة المال لا يكون مشروطا بالإقباض و هكذا. و أن الصلح على مفاد الإيقاعات يكون عقدا أيضا، فإذا تصالحا على براءة الذّمة من الدين لزم إنشاؤها بإيجاب و قبول. و انه حيث أن الصلح عقد لازم من الطرفين فيشترط فيه شرائط العقد العامة، و كذا شرائط المتعاقدين. و انه يغتفر في الصلح من الجهالة ما لا يغتفر في غيره كالجهل بمقدار الثمن و المثمن في صلح البيع، و لو تصالحا على الربويين بالتفاضل جرى حكم الربا للنص.


* صوم الصوم*

الصوم في اللغة الإمساك، و عن بعض أهل اللغة كل ممسك عن طعام أو سير أو كلام أو نكاح فهو صائم، و في المجمع: أن الصوم في الشريعة هو الكف عن المفطرات مع النية انتهى و في المفردات: الصوم في الأصل الإمساك من الفعل مطعما كان أو كلاما أو مشيا و لذلك قيل للفرس الممسك عن السير و العلف صائم و الصوم في الشرع إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين و الاستمناء و الاستقاء انتهى.

و الظاهر ان هذه العبادة قد كانت قبل وضع أكثر اللغات فما هو حقيقة فيه شرعا و عند المتشرعة حقيقة لغوية أيضا. و ان قلنا بتغير مصاديقه الشرعية فتأمل.

و كيف كان فقد اختلفوا في أن ماهية الصوم هل هي عين التروك المعهودة المقرونة بقصد التقرب فهو إعدام مشروطة بأمر وجودي.

أو أنها عبارة عن كف النفس عنها مع القربة، فهو أمر وجودي و ان تعلق بالأعدام، أو انها توطين النفس على ترك أمور مع النية، و من العجب أنهم تركوا تقييد ذلك باليوم مع انه مأخوذ في ماهيته، و يمكن أن يقال ان الأحسن أن يعرف بأنه العزم على تروك معينة نهارا تقربا فحقيقته فعل قلبي و هو عبادة فاعلية و غيره عبادة فعلية، و على أيّ فهو أمر إرادي اختياري، و على هذا فالصوم نوع من النية فلا تجب له نية أخرى، لكنّ النية بمعنى كونه للّه معتبرة قطعا، نعم يجب تعيين نوع الصوم عند قصده كالقضاء و الكفارة و النذر و نحوها، و يكفي في شهر رمضان قصد صوم الغد و إن كان غافلا عن دخوله، و آخر وقت النية في الواجب المعين قبل الفجر، و في المخير قبل الزوال، و في المندوب قبل الغروب، ثم إن ما سموه بالمفطرات أفعال خاصة، يكون تركها بالنية عبادة، و يترتب على إيجادها و ارتكابها التحريم التكليفي، و عدة أحكام عقوبية، ذكرنا تفصيلها تحت عنوان المفطر فراجع.

و هنا أمور ذكرها الأصحاب ترجع إلى بيان حقيقة الصوم و أقسامه و أحكامه، الأول:

أنهم قسموا الصوم من حيث تعلق التكليف به إلى أقسام أربعة واجب و مندوب و مكروه و حرام.


و القسم الأول: أصناف منها صوم شهر رمضان، و صوم الكفارة، و صوم القضاء، و صوم بدل الهدي، و صوم النذر، و العهد و اليمين، و الملتزم بشرط أو إجارة أو نحوها، و صوم اليوم الثالث من الاعتكاف، و الجهة المصنفة في صوم رمضان خصوصية الزمان و في غيره خصوصية الأسباب الموجبة لتعلق التكليف به.

و القسم الثاني: و هو المندوب ينقسم إلى أقسام، منها ما هو مندوب بعنوانه الأولى، و منها ما هو مندوب لأجل أسباب خاصة كصوم الاستسقاء و نحوه، و منها ما هو مندوب لأجل الوقت و الأيام المخصوصة كصوم ثلاثة أيام من كل شهر و نحوه.

و القسم الثالث: أعني الصوم المكروه بمعنى القليل ثوابه أو المزاحم لما هو أرجح منه من دعاء و عبادة و نحوهما، كصوم يوم عاشوراء، و يوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء، و صوم الضيف بدون إذن المضيف، و الولد بدون إذن الوالدين.

و القسم الرابع: أعني الصوم المحظور كصوم يوم الفطر، و يوم الأضحى، و صوم أيام التشريق من ذي الحجة لمن كان بمنى، و صوم يوم الشك في انه آخر شعبان أو أول رمضان بنية شهر رمضان، و صوم الوفاء بنذر المعصية شكرا، و صوم الصمت بأن يجعل السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه جزءا من الصوم أو قيدا له، و صوم الوصال و هو صوم يوم و ليلة يوم آخر إلى السحر، أو صوم يومين بلا إفطار في البين، و صوم الزوجة مع المزاحمة لحق الزوج، أو مع عدم إذنه على اختلاف فيه، و صوم المملوك مع المزاحمة لحق المولى أو مع عدم إذنه، و صوم الولد مع كونه سببا لإيذاء الوالدين، و صوم المريض و من كان يضره الصوم، و صوم المسافر حال سفره.

الأمر الثاني: ذكروا في باب الصوم انه تجب الكفارة في إفطار ثلاثة أقسام من الصيام، أحدها صوم شهر رمضان، و كفارته مخيرة بين الخصال الثلاث، و الثاني صوم قضائه إذا أفطر بعد الزوال، و كفارته مرتبة و هي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مدّ فإن لم يتمكن فصوم ثلاثة أيام، و الثالث صوم النذر المعين و كفارته كفارة إفطار شهر رمضان أو كفارة اليمين على الخلاف فيه، و ما عدا ذلك من أقسام الصوم لا كفارة في إفطاره واجبا كان‌


أو مندوبا و الفروع المتفرعة على المسألة مذكورة تحت عنوان الكفارة.

الأمر الثالث: ذكروا انه يجب قضاء الصوم فقط بلا كفارة في موارد أحدها في النوم الثاني و الثالث من نوم الجنب في ليلة رمضان إذا أصبح جنبا فيما إذا كان قاصدا للغسل على خلاف فيه، ثانيها إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية أو بالرياء أو بنية القطع أو القاطع مع عدم ارتكاب المفطر، ثالثها إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه يوم أو أيام، رابعها من أتى بالمفطر قبل مراعاة الفجر ثم ظهر سبق طلوعه و إن الإفطار كان في النهار، خامسها الأكل تعويلا على من أخبر ببقاء الليل مع ظهور طلوع الفجر حينه، سادسها الإفطار تعويلا على قول من أخبر بدخول الليل ممّن كان قوله حجة كعدل أو عدلين مع انكشاف عدم دخوله و إلاّ وجبت الكفارة أيضا، سابعها الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل فبان خطؤه على اختلاف فيه، و يتفرع على المسألة انه يجوز للمكلف فعل المفطر في الليل ما لم يعلم طلوع الفجر و لو قبل الفحص و لا يجوز له ذلك إذا شك في الغروب عملا بالاستصحاب في الطرفين.

الأمر الرابع: ذكر الأصحاب ان شرائط وجوب الصوم أمور: أولها و ثانيها: البلوغ و العقل الذين هما شرط في وجوب سائر العبادات بل و جميع الأحكام التكليفية الإلزامية وجوبا أو تحريما، و شرطيتهما ثابتة بالإجماع من الفريقين و بقوله صلّى اللّه عليه و آله: رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق، ثالثها: عدم الإغماء في جميع أجزاء النهار فلو أغمي عليه و لو في ساعة من النهار بطل صومه لعدم إمكان تعلق الطلب بالمجموع للإغماء و عدم تبعض الصوم في يوم واحد، رابعها: عدم المرض الذي يتضرر به الصائم، خامسها: الخلو من دم الحيض و النفاس في جميع اليوم فلا يجب و إن كان حصولهما في جزء من النهار كأوله و آخره، و سادسها: الحضر في جميع النهار، أو من حين طلوع الفجر إلى الزوال، أو مما قبل الزوال إلى الزوال و لو بقليل، فلا يجب على المسافر الذي يجب عليه قصر الصلاة.

الأمر الخامس: ذكر الأصحاب ان شرائط صحة الصوم أمور: أولها: الإسلام و هو


الإقرار بالشهادتين، و هذا أقل مراتبه و يتكامل بالإذعان بما اعترف به، و بالاعتقاد بسائر أصول الدين، و بالاعتقاد بالولاية، و بالعمل على وفق ما أعتقده إلى آخر مراتب كماله غير المتناهية، فلا يصح الصوم بل و سائر العبادات ممن لم يقر بهما من أيّ صنف من الكفار كان، و ذلك شرط في مجموع النهار بحيث لو كفر في جزء منه يبطل الصوم نظير الطهارة من الحدث في الصلاة، و المسألة مورد إجماع محقق، ثانيها: الإيمان و هو الاعتراف بالولاية مضافا إلى الإسلام على اختلاف في المسألة، ثالثها: العقل في جميع أجزاء النهار فلو جن في ساعة منه بطل صوم ذلك اليوم، رابعها: عدم الإصباح جنبا أو على حدث الحيض و النفاس، خامسها: الخلو من دم الحيض و النفاس في مجموع النهار فلا يصح الصوم من الحائض و النفساء إذا فاجاهما الدم و لو بلحظة قبل الغروب أو انقطع عنهما بعد لحظة من طلوع الفجر و المسألة مورد إجماع عند الأصحاب، سادسها: ان لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصلاة واجبا كان الصوم أو مندوبا، لكنّهم قد استثنوا من بطلان الصوم الواجب في السفر ثلاثة موارد الأول: صوم ثلاثة أيام من عشرة أيام بدل هدي التمتع لقوله تعالى‌ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيََامُ ثَلاََثَةِ أَيََّامٍ فِي اَلْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذََا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كََامِلَةٌ) و الثاني: صوم بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا و هو ثمانية عشر يوما، الثالث: صوم النذر المشروط بالسفر أو الأعم من السفر و الحضر، سابعها: عدم المرض أو الرمد الذي يضر به الصوم سواء كان لإيجابه شدته، أو طول برئه، أو شدة ألمه، أو حدوثه، و سواء كان الضرر متوجها إلى نفسه أو عرضه أو ماله أو متعلقيه، و سواء كان متوجها إلى نفس الغير أو مال له يجب حفظه و كذا لو كان الصوم مزاحما لواجب آخر أهم منه.

تنبيهان:

الأول: ذكر الأصحاب أنه يجوز ترك الصوم من شهر رمضان بل قد يجب للأشخاص التالية

: أولهم و ثانيهم: الشيخ و الشيخة، فإن كان حرجيا لهما جاز الإفطار، و إن كان غير ممكن وجب، ثالثهم: من به داء العطش فإنه قد يجوز ذلك في حقه و قد يجب، رابعهم: ـ


الحامل المقرب التي يضر الصوم لحملها فيجب عليها الإفطار، خامسهم: المرضعة القليلة اللبن إذا أضر الصوم بولدها، فإن لم تقدر على حفظ الولد بغير الإرضاع أو تسليمه لغيرها، وجب الإفطار و إلاّ فالأحوط الصوم.

الثاني: قد أشرنا فيما سبق ان من أقسام الصيام الواجبة صوم الكفارة

فذكروا ان ذلك في موارد: 1-في كفارة قتل العمد 2-في كفارة من أفطر في شهر رمضان على محرم فيتعين فيهما الصوم مع انضمام غيره 3-في كفارة الظهار 4-في كفارة القتل خطأ 5-في كفارة قضاء رمضان 6-في كفارة اليمين 7-في كفارة صيد النعامة حال الإحرام 8-في كفارة صيد البقر الوحشي حاله 9-في كفارة صيد الغزال حاله 10-في كفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب 11-في كفارة خدش المرأة وجهها في المصاب 12-في كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده فيجب الصوم في هذه الأقسام بعد العجز عن غيره 13-في كفارة الإفطار في شهر رمضان 14-في كفارة الاعتكاف 15-في كفارة حث النذر 16-في كفارة حنث العهد 17-في كفارة جز المرأة شعرها في المصاب 18-في كفارة حلق الرأس في الإحرام فيجب الصوم في هذه الأقسام مخيرا بينه و بين عدله 19-في وطء الرجل أمته المحرمة بإذنه، فإن الصوم فيه مرتب و مخير و تفصيل ذلك مذكور تحت عنوان الكفارة فراجع.

* صيد الصيد*

الصيد في اللغة يستعمل تارة مصدرا بمعنى إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة و نحوه، و أخرى بمعنى قتل الحيوان الممتنع و إزهاق روحه بنحو غير الذبح و النحر، بآلة حيوانية أو جمادية، و ثالثة بمعنى المصيد و هو الحيوان المأخوذ بالاصطياد، قال في المجمع:

قد تكرر الصيد في الحديث اسما و فعلا و مصدرا يقال صاد يصيد صيدا فهو صائد و مصيد، و يسمى ما يصاد صيدا إما فعل بمعنى مفعول و إما تسمية بالمصدر انتهى. و في المفردات:

الصيد مصدر صاد و هو تناول ما يظفر به مما كان ممتنعا و في الشرع تناول الحيوانات الممتنعة ما لم يكن مملوكا انتهى.


و الظاهر إنه ليس للصيد اصطلاح خاص في الشرع لكنه قد وقع بكل من المعاني المذكورة موضوعا للحكم، و ما وقع في الفقه عنوانا لكتاب فقهي أريد به المعنى المصدري بمعنى إزهاق الروح بالصيد لذكره في مقابل الذباحة و هي إزهاق الروح بالذبح و النحر، أو المراد المصيد لذكره في مقابل الذبائح فإنها جمع ذبيحة.

ثم إن الأصحاب ذكروا في مقام تبيين حال الصيد موضوعا و حكما فروعا: منها: أن الصيد بمعنى إثبات اليد على الحيوان الممتنع بالأصالة سائغ في الشريعة حلال تكليفا و وضعا، لانه من المباحات الأصلية فيجوز لكل أحد حيازته و تملّكه كتابا و سنة و إجماعا بل و ضرورة من المذهب أو الدين كما في الجواهر. و منها: أنه لا يحل صيد أي حيوان غير الكلب المعلم، و لا فرق في الكلب بين أقسامه و أصنافه.

و منها: أنه يعتبر في حلية الصيد به أمور:

الأول: ان يكون ذلك بإرساله، فلو استرسل بنفسه و قتل لا يحل.

الثاني: ان يكون المرسل مسلما أو بحكمه، فصيد الكافر بالكلب المعلم محرم.

الثالث: ان يسمى عند إرساله بذكر اسم اللّه تعالى، فلو تركه عمدا لم يحل.

الرابع: ان يكون موت الصيد مستندا إلى جرحه و عقره، فلو استند إلى صدمه، أو إتعابه أو خنقه أو إلقائه من شاهق و نحو ذلك لم يحل.

الخامس: عدم إدراك الشخص الحيوان حيا قابلا للتذكية، فلو أدركه كذلك و لم يذكه لم يحل.

و منها انه لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجمادية إلاّ ما قتله السيف أو السكين أو الخنجر أو كل أسلحة تقطع بحدها حديدا كان أو غيره من الفلزات.

و منها انه يحل ما قتل بالآلة المعروفة بالبندقية بشرط أن تكون البندقية محددة نافذة بحده.


* صوغ الصيغة*

الصيغة في اللغة المصوغ على هيئة خاصة، يقال صاغ الشي‌ء هيّأه على مثال، و صاغ الكلمة بناها من كلمة أخرى.

و قد كثر استعمال الصيغة في الفقه أو صار مصطلحا فقهيا في الألفاظ التي ينشأ بها الأمور الاعتبارية القابلة للجعل و الإنشاء بلفظ و نحوه كألفاظ العقود و الإيقاعات، أو التي يخبر بها عن أمور خاصة مما ينبغي أن يؤدى بلفظ معين محدود، كبعض أقسام الشهادة و الإقرار و ما أشبه ذلك. فيقال صيغة البيع و صيغة النكاح و صيغة الطلاق، و ذكروا ان السرّ في تعيين الصيغة لتلك الأمور، ما التزموا به و شهدت به السيرة العقلائية، من عدم تحقق الأمور القابلة للإنشاء بمجرد الإرادة القلبية، بل و عدم كفاية إظهارها في الغالب بالإشارة و الكتابة و نحوهما، كعدم كفاية مطلق الإظهار في بعض الإخبارات، فصار أداؤها بالألفاظ مقتضى طبعها الأولى، لكن الأمور المفتقرة إلى الصيغة مختلفة في كيفية الافتقار فقد لوحظ التضييق في تركيب بعضها، بحيث لا تؤدّى إلاّ بألفاظ خاصة تعبد بها الشرع، فلا يحصل المطلوب بدونها، كالنكاح الدائم و الموقت، و الطلاق، و اللعان، و الظهار. و نحوها، و لم يلاحظ ذلك في البيع و الإجارة و أغلب العقود و الإيقاعات، و منها ما يتحقق بإشارة و كتابة و نحوهما كالوكالة و العارية.

و بالجملة مقتضى السيرة العقلائية الممضاة من جانب الشرع لزوم تأدية عدة من العناوين الإنشائية و غيرها بألفاظ خاصة تعد صيغة لها كالعقود و الإيقاعات و من هنا قد تعرض الأصحاب في الفقه لذكر صيغها في أوائل أبوابها.

فذكر بعضهم في البيع ان اعتبار اللفظ فيه و في جميع العقود مما نقل عليه الإجماع، و تحقق فيه الشهرة العظيمة، مع وقوع الإشارة إليه في بعض النصوص، فاشترطوا شروطا في موادّ صيغ العقود و هيأتها، و في هيئة العقد المركب من الإيجاب و القبول، و جعلوها في قبال شروط المتعاقدين، و شروط العوضين، نظير انه يشترط في صيغة العقد الصراحة، فلا ينعقد بالكنايات و المجازات القريبة و البعيدة. و الماضوية فلا يكفي‌


المستقبل في الإيجاب و القبول. و كذا الأمر و الجملة الاسمية، و الترتيب بتقديم الإيجاب على القبول فلا يكفي العكس، و الموالاة بينهما فلا يكفي مع الفصل الطويل، و التنجيز فلا يصح العقد مع التعليق، و التطابق بين الإيجاب و القبول في البائع و المشتري و المبيع و الثمن و توابع العقد من الشروط و القيود، و وقوع كل من الإيجاب و القبول حال جامعية المتعاقدين لشروط العقد، بل و قد ذكروا شرطية العربية أيضا فلا تصح العقود و الإيقاعات بغير العربية.

هذا و أغلب ما ذكر محل اختلاف و الظاهر انه لا دليل على أكثر ما ذكروه من الشروط إلاّ حيطة للأمر و حفظا لشؤون العقود و الإيقاعات التي لها مكانتها الخاصة الهامة في أمور المجتمع، و تأدية عدم رعايتها إلى الخلاف و النزاع، و إلاّ فالظاهر كفاية كل لفظ له ظهور معتد به في أداء مقصود الطرفين بأي لسان كان، و بأي مادة و هيئة من الألفاظ إنشاء إلاّ إذا ثبت في الشرع في مورد تعين تأدية مقصود خاصّ بلفظ معيّن، كما قيل ذلك في النكاح و الطلاق.

* ضمن الضمان*

الضمان في اللغة الكفالة من ضمن يضمن كعلم يعلم، و الضامن و الضمين، الكفيل، و في المجمع ضمنت الشي‌ء ضمانا كفلت به فانا ضامن و ضمين، و ضمنت المال التزمته، و يتعدى بالتضعيف فيقال ضمّنته المال أي ألزمته إياه، قال بعض الأعلام الضمان مأخوذ من الضم و هو غلط من جهة الاشتقاق لان نونه أصلية و الضم لا نون فيه انتهى.

ثم ان الظاهر انه لا اصطلاح للكلمة في الشرع و الفقه و من تعرض لتفسيره أراد بيان حقيقته اللغوية، و مقتضى الفحص و التأمل ان نعرفه بأنه تعهد اعتباري و إثبات للشي‌ء في الذمة في اعتبار العرف و العقلاء كان المضمون موجودا خارجيا أو كليا ذميا، فإذا غصب فرسا أو كتابا من زيد اعتبروا المغصوب على عهدته و فرضوه في ذمته و ان تلف بعده، و لذلك يطالب زيد منه فرسه أو كتابه، فالمعتبر في ذمة الغاصب حال الوجود و بعد التلف‌


نفس المغصوب لكن لو أراد الرد بعد التلف ردّ بدله، هذا في ضمان اليد، و الأمر كذلك في الضمان العقدي و الضمان بالإتلاف فإذا كان زيد مديونا لعمرو منا من حنطة فضمنه أحد ثبت ذلك في ذمته بعقد الضمان كما يثبت بالإتلاف.

ثم انه يظهر من الأصحاب ان أسباب الضمان أمور:

الأول: الاستيلاء على ما هو للغير بغير حق، كان على نحو العدوان كغاصب المال أو المتعدي للأمانات، أو غيره كالقابض للمال بالمعاملة الفاسدة أو للسوم و الواضع يده على مال الغير جهلا كما إذا لبس ثوبه أو مداسه اشتباها أو أخذ شيئا من السارق جهلا. و هنا أحكام كثيرة مترتبة على الضمان ذكروها في باب الغصب، و هو و إن كان أحد أسباب الضمان إلاّ انه يلازمه دائما فذكروا فيه أغلب فروع الضمان المطلق، كضمان الإتلاف المباشري، و التسبيبي، و ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، و المقبوض للسوم و غير ذلك، فراجع عنوان الغصب.

الثاني: استناد تلف مال الغير إلى الشخص مباشرة كقتل الحيوان و كسر الإناء و الإحراق بالنار و الإغراق في الماء و نحو ذلك من موارد صدق المباشرة عقلا أو عرفا.

الثالث: استناد التلف إليه بالتسبيب و هو إيجاد شي‌ء يترتب عليه التلف كحفر بئر في المعابر، و إلقاء شي‌ء في المزالق، و وضع شي‌ء في المعاثر، و فكّ دابة الغير، و فتح قفص طائره إذا صار ذلك سببا للتلف.

الرابع: إنشاء التعهد و الضمان تبعا في العقود المعاوضية التي يكون فيها العوضان أو أحدهما كليا في الذمة فإذا باع منا من حنطة بدرهم كان مفاد العقد مطابقة التمليك و التملك، و التزما ضمان البائع المبيع الكلي للمشتري و المشتري للثمن للبائع.

الخامس: الضمان العقدي التبعي أيضا على عكس السابق كما في العقود الصحيحة المعاوضية فإنه إذا باع شيئا و أخذ ثمنه كان البائع ضامنا للثمن، بمعنى ان دركه عليه، و انه لم يتلم له بلا عوض، و تلفه قد تدورك من ماله و هو المبيع، و هكذا الكلام في المشتري بالنسبة للمبيع الذي يملكه، فإن دركه عليه و تلفه متدارك من ماله و هو الثمن، و يطلق‌


على هذا، الضمان المعاملي، و هو المراد من الضمان الأول في قاعدة كل عقد يضمن بصحيحة يضمن بفاسده، و إن كان في إطلاقه عليه عناية.

السادس: إنشاء الضمان و التعهد بجعل استقلالي بواسطة العقد كما في عقد الضمان و الكفالة و الحوالة و البحث عنه وقع تحت تلك العناوين.

تنبيه: ذكر الأصحاب ان الدليل على الضمان في القسم الأول قوله صلّى اللّه عليه و آله: على اليد ما أخذت حتى تؤديه و على الضمان التسبيبي قاعدة من أتلف مال الغير فهو له ضامن، و يدل على الأمرين قاعدة احترام مال المسلم، و على الرابع و الخامس عمومات أدلة تلك العقود و خصوصاتها.

* ضمن عقد الضمان العقدي*

قد عرفت معنى الضمان لغة و عرفا و انه يحصل بأسباب مختلفة، منها إنشاؤه باللفظ استقلالا و هذا هو المقصود هنا، فنقول ان الضمان العقدي في اصطلاح الفقهاء لمعنيين أحدهما أعم و الآخر أخص.

أما الأعم فهو عبارة عن التعهد الإنشائي بمال أو نفس، فيشمل الضمان الاصطلاحي الخاص و الحوالة و الكفالة الاصطلاحيتين، فإن الأولين تعهد بالمال و الثالث تعهد بالنفس.

و أما الأخص فهو التعهد بمال ثابت في ذمة شخص لآخر، و ان شئت فقل انه تعهد من الثالث للدائن بما له على ذمة المدين فهو عقد خاص قابل للإنشاء بلفظ أو فعل، إيجابه من الثالث و قبوله من الدائن و لا يشترط فيه رضا المدين و لا قبوله، فنفس التعهد الضمان، و المتعهد الضامن، و الدائن المضمون له، و المدين المضمون عنه، و الدين المضمون.

ثم ان الأصحاب ذكروا هنا أمورا ترجع إلى بيان حال العقد و المال المضمون.

أما الأول: ففيه أمور: أولها ان حقيقة الضمان مورد اختلاف بين الخاصة و العامة، أما الخاصة فذهبوا إلى ان حقيقته عبارة عن نقل ذمة إلى ذمة، لأن الضامن ينقل بإيجابه ما في ذمّة المدين إلى ذمة نفسه فتبرأ ذمة المدين و تشتغل ذمة الضامن للدائن، و أما العامة


فذهبوا إلى أن الضمان ضم ذمة إلى ذمة بمعنى أن الضامن بإنشائه يجعل ذمته شريكة لذمة المدين في الاشتغال بالدين مستقلا، فالدائن يملك دينه بتمامه على الضامن و المدين على البدل، و بأيهما رجع سقط عن الآخر و لذلك جعلوا الضمان من الضم، و على هذا يكون الدائن في باب الضمان نظير مالك العين إذا تواردت عليها الأيادي و تلفت عند بعضها، و أحال صاحب الجواهر اشتغال ذمتين أو أزيد بمال واحد و أجاب عن مسألة ترتب الأيادي بما لا يخلو عن خدشة فراجع.

ثانيها: استشكل بعض على تعريف الضمان بأنه يشمل الحوالة على البري‌ء فالتعريف مخدوش لا محالة منعا.

و الجواب ان الضمان و الحوالة حقيقتان اعتباريتان متباينتان لا يمكن انطباق إحداهما على الأخرى كان الضمان من البري‌ء أو مشغول الذمة، و كانت الحوالة إلى البري‌ء أو إلى مشغول الذمة، فإن الضمان عبارة عن تعهد غير الدائن و المدين لما هو للأول على الثاني، و القبول من الدائن مع عدم دخل المدين، و بعبارة أخرى الضمان تبديل اشتغال ذمة الغير باشتغال ذمة نفسه، و أما لحوالة فهي عبارة عن إحالة المدين دائنه إلى ثالث، و إنشاء قبول الدائن دون الثالث، كان مدينا أم لم يكن، و بعبارة أخرى الحوالة تبديل الشخص اشتغال ذمته باشتغال ذمة الغير أو تبديله اشتغال ذمته للدائن و اشتغال ذمة الثالث له، إلى اشتغال ذمة الثالث للدائن، و كم من فرق بين قول القائل تعهدت مالك على فلان، و قوله أحلتك إلى فلان فيما لك عليّ، أو بين خذ مالك على الغير مني و خذ مالك علىّ من غيري، نعم يشتركان في لازم واحد و هو حدوث اشتغال ذمة الثالث على الدائن.

و هذا فيما لو لم تكن ذمة الثالث مشغولة بدين للمدين، و أما مع اشتغال ذمة الثالث بالمدين بمثل الدين الذي عليه مثلا، فإن كان الإنشاء ضمانا انتقل إلى الضامن دين المدين فصارت ذمته مشغولة بكلا الدينين ما لم يود شيئا فإذا أدى ما عليه من جهة الضمان فان لم يكن الضمان باستدعاء المدين بقي اشتغال ذمته بدينه الأول و إن كان باستدعائه تهاترا كلا أو بعضا و هو واضح.


ثالثها: هل يكفي في القبول مجرد رضا الدائن أو يشترط صدق إنشاء القبول بقول أو فعل وجهان بل قولان، المشهور الذي هو المنصور اشتراط القبول المنشأ باللفظ و نحوه كتابة أو إشارة أو فعلا، و الفعل كان يضع الضامن يده على عنقه أو قفاه مثلا مشيرا إلى أن الدين عليه و يضع الدائن يده مثلا على عينه مشيرا إلى قبوله.

رابعها: اشترطوا التنجيز في عقد الضمان فلو علقه الضامن على إذن أبيه مثلا أو على عدم أداء المدين إلى مدة أو مطلقا بطل، كما ذكروه في سائر العقود.

خامسها: حكموا بكون الضمان عقدا لازما من طرف الضامن و المضمون له فيشترط كونهما واجدين لشرائط العقد اللازم من البلوغ و العقل و الاختيار، كما يشترط اجتماع شروط العقد، فليس لواحد منهما فسخه إلاّ بجعل الخيار، نعم لو كان الضامن معسرا حال الضمان و لم يعلم به المضمون له، كان له فسخ الضمان و الرجوع إلى المدين.

سادسها: يجوز الدور في الضمان و التسلسل أما الأول فكما إذا ضمن زيد للدائن ثم ضمن عمرو لزيد ثم ضمن الدائن الأول لعمرو، فرجع الدين إلى الحال قبل الضمانات الثلاثة و جريان التسلسل فيه واضح.

و أما الثاني: أعني المال المضمون فقد ذكروا ان الثابت في الذمة على أقسام، الأول المال الثابت المستقر بالفعل كالثابت بالاقتراض و الثمن في النسية و المبيع في السلف و المهر بعد الدخول و دية الجناية و ضمان المتلف، الثاني الثابت المتزلزل غير المستقر كالثمن و المثمن في النسيئة و السلف في البيع الخياري و نصف المهر على الزوج قبل الدخول، الثالث غير الثابت بالفعل مع كونه في معرض الثبوت لتحقق مقتضية كمال الجعال قبل إتيان العامل بالشرط و نفقة الزوجة بالنسبة للزمان الآتي و قوله أقرض فلانا و أنا ضامن و قوله ان أعطيت فلانا فأنا ضامن و نحوها، و الظاهر انه لا إشكال عندهم في صحة الضمان في الأولين لثبوت المال في الذمة حقيقة و التزلزل غير مانع من صدق الضمان، و أما الثالث ففيه وجهان أوجههما عدم الصحة و ان كان يظهر من صاحب العروة اختيارها.


* طبب الطبابة*

الطبابة في اللغة معالجة المريض و علاجه، و الطب هو الفن المعروف عند العرف بالطبابة، و الطبيب هو الحاذق الماهر في ذلك الفن، و ليس للفظ مصطلح شرعي أو فقهي، و قد وقع أصل تحصيل الفن ثم اعماله موردا للحكم في الشريعة و البحث في الفقه، و اشتهر أن العلم علمان علم الأبدان و علم الأديان و ان لم نتحقق له مدركا معتبرا، إلاّ أن الظاهر أن تحصيله من الواجبات الكفائية حفظا لبقاء البشر، و دوام نسله، و نظام مجتمعة، و الظاهر وجود هذا الفن و لو في مرتبته النازلة، منذ خلقة الإنسان و وقوعه في مسير لتواليد و التناسل، و يجب على المريض أيضا أن يعرض نفسه للطبيب المعالج إذا احتمل تأدية عدمه إلى فساد الجسم أو إلى الموت، فليس له أن يلقى نفسه في التهلكة، فإن من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا، و على الطبيب التداوي بأجرة أو بدونها، فان من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا.

و كان يواظب بطبابة الجسم نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة المعصومون عليهم السّلام و لا فرق في ذلك بين الأمراض و القروح الحاصلة من داخل المزاج، أو الكسر و الجروح الحاصلة من الخارج أو من لدغ حيوان و نحوها.

ثم أن الأصحاب قد ذكروا هنا أمورا:

منها: جواز نظر الطبيب إلى بدن المخالف في جنسه في مقام العلاج لمكان الاضطرار، بل و إلى عورته و غيرها، كمورد عسر الولادة مع لحاظ أن الضرورة تتقدر بقدرها.

و منها: جواز استيجار الطبيب على عمل العلاج على نحو تعيين المدة أو تعيين العمل، أو استيجاره على حصول البرء إن أمكن ذلك، و لا يستحق الأجرة لو لم يحصل البرء على الأخير.

و منها: أن الطبيب ضامن للنقض أو التلف الحاصل للمريض من فعله أو خطائه في الطبابة و لو كان حاذقا، كالختان لو تجاوز الحد و المتصدي لعملية الجراحة في هذا العصر إذا لم يحسن وادي إلى النقص أو التلف، و الظاهر سقوط الضمان مع اشتراط عدمه مع المريض


أو وليه، و نظير ذلك التطبيب على النحو المرسوم بإعطاء الدواء و تعيين أوقات الاستعمال إذا اشتبه في ذلك إلاّ إذا وصف الدواء و كيفية الاستعمال فقط.

* طلق الطلاق*

الطلاق مصدر بمعنى الانفصال يقال طلق يطلق طلاقا من باب قتل أي انفصل، و مصدر بمعنى التطليق و الإرسال يقال طلّق زوجته تطليقا و طلاقا، و الطالق البائن عن الزوج. و في المفردات: أصل الطلاق التخلية من الوثاق يقال أطلقت البعير من عقاله و طلّقته، و هو طالق و طلق اى بلا قيد، و منه أستعير طلقت المرأة نحو خلّيتها فهي طالق، أي مخلاّة من حبالة النكاح انتهى.

و في الجواهر: انه شرعا إزالة قيد النكاح بصيغة طالق و شبهها، و على أيّ فالظاهر انه ليس للفظ حقيقة شرعية بل اللفظ بمعناه الشرعي أيضا من المعاني اللغوية، بل يمكن أن يقال انه لم تثبت الحقيقة الشرعية في أغلب ألفاظ العقود و الإيقاعات، لأن معانيها كألفاظها كانت ثابتة قبل الشرع، و الشارع لم يخترع معانيها و لم يتصرف في ألفاظها، نعم قد اعتبر الشارع في بعضها قيودا خاصة كما في المقام فصار ذلك سببا لعدّة معنى شرعيا مقابلا للمعنى اللغوي و عدّ لفظها من الحقائق الشرعية اللغوية و قد أشار إلى ذلك في الجواهر.

و الأولى: تعريفه بأنه عبارة عن إزالة قيد النكاح و هذا تمام حقيقته و الباقي من الصيغة و الإشهاد و غيرهما قيود خارجية عن حقيقته مأخوذة فيه لأن أسباب الإنشاء لا تدخل في المنشأ مع انه قد لا توجد صيغة كإشارة الأخرس أو لا تكون كلمة طالق و شبهها.

ثم إنهم ذكروا في المقام أمورا ترجع إلى شروط المطلّق و الطلاق و بيان أقسامه، نظير انه يشترط في المطلّق البلوغ، و العقل، و القصد، و الاختيار، و لا يشترط شي‌ء من ذلك في المطلقة، و يشترط في الطلاق صيغة خاصة هي قوله أنت طالق أو فلانة طالق، فلا يكفي أنت مطلقة أو طلقتك أو ما أشبه ذلك، و لكن تصح ما يرادفها من سائر اللغات، و


يشترط فيه أيضا إشهاد ذوي عدل أي إحضار رجلين عدلين غير الزوج في محل يستمعان ألفاظ الطلاق، و كون الزوجة دائمة طاهرة من الحيض و النفاس، و كونها في طهر لم يواقعها فيه زوجها و نحو ذلك من الشروط.

و أما الأقسام فهو على قسمين قسم غير جامع للشروط الشرعية عندنا و قسم جامع لها.

و الأول: يسمى بدعيا كالطلاق ثلاثا بإنشاء واحد مثلا و الطلاق مع عدم الإشهاد و نحو ذلك مما هو صحيح عند العامة باطل عندنا.

و الثاني: يسمى طلاقا سنيا أي مطابقا لما سنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و هذا أيضا قسمان: بائن و رجعي، فالبائن ما ليس للزوج الرجوع إليها بعده، سواء كانت لها عدة أم لا، و هو ستة:

الأول الطلاق قبل الدخول، الثاني طلاق الصغيرة و ان دخل بها، الثالث طلاق اليائسة، و هذه الثلاث ليس عليهن عدّة، الرابع و الخامس طلاق الخلع و المبارأة مع عدم رجوع الزوجة فيما بذلت، السادس الطلاق الثالث إذا وقع رجوعان بينهما، و الرجعي غير البائن مما يجوز للزوج الرجوع إليها ما دامت في العدة.

ثم إنّهم فرعوا على العنوان انه لو طلق زوجته ثلاثا مع تخلل رجعتين بينها، حرمت عليه و لو بعقد جديد حتى تنكح زوجا غيره، و انه إذا فارقها الزوج الثاني بموت أو طلاق و انقضت عدّتها حلّت للزوج الأول، و انه إذا طلقها تسعا عديا مع تخلل تحليلين حرمت عليه أبدا، و انه يشترط في المحلل البلوغ و دوام العقد و حصول الوطء قبلا، و ان المطلقة رجعية بحكم الزوجة أو زوجة فيترتب عليها جميع آثارها.

* طهر الطهارة-الطهور*

الطهارة في اللغة مصدر من طهر يطهر من باب نصر، بمعنى النزاهة و النظافة، يقال ثوب طاهر أي منزّه عن الدرن أو النجاسة، و امرأة طاهرة أي منزهة عن الحيض أو العيب. و في المفردات الطهارة ضربان طهارة جسم و طهارة نفس و حمل عليها أغلب‌


الآيات انتهى.

و يعم العنوان لغة الطهارة عن كل ماله نوع رجاسة قابلة للتطهير، كطهارة الجسم عن الوسخ و الدرن، و طهارته عن النجاسة الشرعية، و طهارة النفس عن الحدث الأصغر و الأكبر، و طهارتها عن العقائد الخبيثة، و عن رذائل الملكات و الأخلاق، و عن خبائث الأعمال.

و قد كثر استعمالها في الفقه في طهارة الجسم عن القذارات الشرعية و النفس عن الأحداث، و عقد الأصحاب في الفقه بابا يشمل لبيان الأعيان النجسة و المتنجسة و أسباب تطهيرها و كيفيته، و على بيان موضوع الأحداث، و الأسباب المجعولة شرعا لإزالتها، سموه كتاب الطهارة، فبحثوا فيه بحثا كاملا استقصائيا عن الأعيان المحكومة شرعا بالنجاسة غير القابلة للتطهير و القابلة له، الأشياء و القابلة للتنجس، و عن الدماء الثلاثة، و الأحداث الكبيرة و الصغيرة، و عن المياه و غيرها القابلة لإزالتها، و عن الطهارات الثلاث و أحكامها الكثيرة من تكليف و وضع.

و ذكروا فيه أمورا تتضح بها حقيقة الطهارة و بعض أقسامها و أحكامها:

منها: ان الطهارة و النجاسة مطلقا أي الأعم مما هو من عوارض الأجسام الخارجية أو من عوارض النفس و الروح هل هما من الأمور التكوينية المتأصلة غير القابلة للجعل و الإنشاء بلفظ و نحوه، التابعة في مرحلة التحقق بتحقق أسبابها التكوينية، أو هي من الأمور الاعتبارية غير المتأصلة القابلة للجعل و الإنشاء بلفظ و نحوه، أو هما من المفاهيم العامة التي لها مصاديق متأصلة و غير متأصلة نظير الطلب و الإرادة، وجوه لا يبعد صحة الثالث فان الظاهر ان قذارة الأعيان النجسة و المتنجسة في الغالب و طهارتها عنها أمور متأصلة تكوينية تتبع أسبابها التكوينية، و كذلك طهارتها عنها و زوالها بالمطهر، كما ان الأحداث العارضة على النفس و ما شرعه اللّه تعالى لزوالها من الطهارات الثلاث كذلك، نعم المجعول منها عند الشك من الأمور الاعتبارية، كحكم الشارع بطهارة الماء المشكوك الطهارة، و اللحم المشتري من سوق المسلمين، و حكمه بكون الشاك في الطهارة بعد


الحدث محدثا، و بعد الوضوء مثلا متطهرا.

و منها: انهم قد قسموا الأعيان الخارجية إلى قسمين: طاهرة بالذات و هو جميع ما خلقه اللّه تعالى في الأرض، و قذرة بالذات و هي أمور معدودة لعلها تبلغ في الشريعة الإسلامية أحد عشر نوعا، حكم الشارع بقذارتها و كونها رجسا نجسا منها ما يقبل الطهارة و منها ما لا يقبل، و ذكروا ان تطهير النجس أو المتنجس يحصل بواسطة المطهرات، و هي اثنا عشر نوعا، كما ان تطهير النفس عن الأحداث و القذارات المعنوية أيضا يحصل بأمور سموها بالطهارات الثلاث، و هي الوضوء و الغسل و التيمم بدلا عنهما.

و منها: أنهم ذكروا ان تطهير الحيوان بحيث يكون قابلا للأكل أو للانتفاع به بعد موته، يحصل بأمور خاصة معينة شرعت في الدين و دلت عليها النصوص، و هي غير ما يطهر الأعيان و النفوس، و هي عبارة عن الاصطياد، و النحر، و الذبح، و الأخذ من الماء حيا كما في حيوان البحر، و الحيازة و الجمع في إنية و نحوها كما في الجراد، و التفصيل تحت عنوان الصيد أو الذباحة.

و منها: انهم ذكروا في المقام عنوان الطهور، لانه ما يحصل به الطهارة و يترتب عليه أحكام في الشريعة، فعرّفه بعض بأنه الطاهر المطهر، و آخر بأنه الطاهر في نفسه المطهر لغيره، و عن الزمخشري أنه البليغ في الطهارة، و عند بعض انه مصدر أو اسم من تطهر، و في المفردات الطهور قد يكون مصدرا من قولهم تطهرت طهورا و يكون غير مصدر كالفطور، و قال آخرون انّ فعول في كلام العرب لمعان، منها لما يفعل به مثل الطهور لما يتطهر به و الوضوء لما يتوضأ به و كذا الفطور و الغسول.

و كيف كان فقد استعملت الكلمة في الفقه في الماء و التراب، لترتب حكم الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات على الماء و حكم التيمم و السجود و تطهير بعض المتنجسات على التراب.

و منها: ان الأصحاب ذكروا أنه يثبت طهارة الشي‌ء عن الخبث بعد العلم بنجاسته بأمور: أحدها العلم الوجداني، و الثاني شهادة عدلين، و الثالث اخبار عدلي واحد أو


ثقة، و الرابع اخبار صاحب اليد، و الخامس غيبة المسلم عن الشخص، و السادس اخبار الوكيل في التطهير، و السابع غسل المسلم له بقصد التطهير و ان شك في حصول الطهارة.

* طوف الطواف*

الطواف في اللغة الدوران حول الشي‌ء، يقال طاف يطوف طوفا و طوافا بالمكان دار حوله، و في البلاد جال فيها، و طوّفه و إطافة طاف به و جعله يطوف، و في اصطلاح الشرع و المتشرعة حقيقة في مصداق خاص من المعنى اللغوي و هو الطواف حول الكعبة المكرمة زادها اللّه شرفا، أطوافا معدودة بشرائط معينة، و هو عبادة خاصة مستقلة مشروطة بقصد التقرب، و شروط عبادية عامة، و شروط خاصة، و هو مع ذلك جزء من كل حج و عمرة، فمثله مثل السجدة التي هي عبادة مستقلة و جزء من كل صلاة أيضا جزء ركني في الجملة تبطل بتركها عمدا، و هو من أقدم العبادات التي تعبّد اللّه بها أبانا آدم و أولاده بعده، و أصل الطواف كان في السماء السادسة حين ما أمر اللّه الملائكة ان يطوفوا حول الضراح و هو البيت المعمور، ثم انه تعالى خلق البيت الحرام في الأرض فصيّره لآدم و ذريته كما صيّر ذلك لأهل السماء، توبة لمن أذنب من بني آدم و طهورا لهم، ثم أمر آدم فطاف به ثم تاب عليه و جرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة، ثم ان ما ذكرنا من الطواف المصطلح عليه في الشرع و الفقه، سبعة أشواط حول البيت بشروط تأتي، و هو ركن يبطل العمل بتركه عمدا لا سهوا كما هو معنى الركن في باب الحج.

و قد ذكر الأصحاب ان له واجبات و شروطا مذكورة في ضمن أمور:

أولها-النية أعني قصد الطواف متقربا مخلصا مع تعيين النوع.

ثانيها-الابتداء بالحجر الأسود بان يشرع مما يحاذيه.

ثالثها-الختم به فإنه من الحجر إلى الحجر شوط، و ختم كل شوط عند ما ابتدأ منه.

رابعها-الطواف على اليسار بان تكون الكعبة المعظّمة حاله على يساره بمحاذاة عرفية، و الانحراف القليل غير مضر، و يصح بأي نحو من السرعة و البطء ماشيا و راكبا.


خامسها-إدخال حجر إسماعيل في الطواف بان يطوف خارجه فلو طاف من داخله أو على جدرانه عمدا أو سهوا أبطله.

سادسها-أن يكون الطواف في المقدار الفاصل بين البيت و المقام الموضوع الان في جميع جوانب البيت بان يكون المقام خارجا و هو مقدار ستة و عشرين ذراعا و نصف ذراع، فيضيق الطواف خلف حجر إسماعيل بمقداره فيبقى ستة أذرع و نصف تقريبا، فلا بد أن لا يتجاوز عن الحد.

سابعها-ان يكون الطواف سبعة أشواط.

ثامنها-الطهارة من الحدث الأصغر و الأكبر، و هي شرط واقعي يبطل العمل بتركه عمدا و سهوا، و لو عرضه حدث في الأثناء فإن كان بعد الشوط الرابع توضأ و أتى بالبقية، و ان كان قبله توضأ و أعاد.

تاسعها-طهارة البدن و اللباس إلاّ من دم الجروح و القروح إذا كانت إزالته حرجيا.

عاشرها-ان يكون مختونا، فيبطل طواف الأغلف و لو كان طفلا على الأحوط.

حادي عشرها-ستر العورة و إلاّ بطل.

ثاني عشرها-الموالاة بين الأشواط عرفا، بمعنى التوالي على نحو لا يخرج عن صورة طواف واحد، و لا يضر التكلم و الضحك و إنشاد الشعر و ان يميل حاله بصفحة الوجه يمينا و شمالا، و ان يقبل البيت و يجلس للاستراحة بما لا يضر الموالاة العرفية.

ثالث عشرها-صلاة ركعتين بعد تمامية بنية صلاة الطواف، و تجبان بوجوبه و لا يختلف وجوبهما عن وجوبه و استحبابهما عن استحبابه، فواجبهما من الفرائض، و صورتهما كصلاة الصبح و محلهما خلف المقام أو عنده من اليمين و اليسار.

* طير الطيرة-و التطيّر*

تطير بالشي‌ء تطيرا و طيرة بالكسر فالفتح في اللغة تشأم به، و الطائر كل ذي جناح من الحيوان يسير في الهواء، و الطائر كل ما تيمنت به أو تشأمت، و في المجمع: الطيرة بكسر الطاء و فتح الياء، مصدر تطير و أصله فيما يقال التطير بالسوانح و البوارح من الطير و الظباء


و غير ذلك، و كان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع انتهى. و في المفردات: الطائر كل ذي جناح يسيح في الهواء و جمع الطائر طير، و تطير فلان أصله التفؤل بالطير ثم يستعمل في كل ما يتفأل به و يتشأم انتهى.

و كيف كان فالمراد بالطيرة و التطير التشؤم أي إحساس الشر برؤية شي‌ء في طريق ما قصده من الأمور، و الكف و الارتداع عن القصد لذلك، و هذا مما ورد النص في الردع عنه، فقد ورد انه إذا تطيرت فامض، و فيه أيضا لا عدوى و لا طيرة أي لا يصد الناس عن مقاصدهم التشؤم، و فيه أيضا رفع عن أمتي الحسد و الطيرة و الوسوسة في التفكر في الخلق. و رفع الطيرة رفع المؤاخذة على ما يظن من الشر، أو رفع المنع عن المضيّ في الحاجة، و فيه الطيرة شرك و لكن اللّه يذهبه بالتوكل، و المراد انها تشبه بالشرك للظن بان غير اللّه تعالى مؤثر في العالم و التوكل يزيل ذلك.

ثم ان مقابل الطيرة التفؤل و هو إحساس الخير و الظن به عند رؤية شي‌ء أو سماعه و هو مندوب مطلوب شرعا.

* ظهر الظهار*

الظهر في اللغة معروف و هو من الحيوان موضع الركوب، و قد يطلق و يراد به الجماع لان جماع الحيوان في الغالب بركوب الظهر، فقول الرجل للمرأة أنت عليّ أو ظهرك عليّ كظهر أمي معناه جماعك كجماع أمي، و الظهار مصدر يراد به التكلم بذلك القول، و ظاهر الرجل من زوجته قال لها ذلك، و قد شاع هذا الاستعمال في لسان الشرع و المتشرعة و اصطلح عليه الفقهاء.

و الظهار كان طلاقا في الجاهلية، له صيغة خاصة ينشأ بها خروج الزوجة عن الزوجية و حصول التحريم المؤبد عند أهل الجاهلية، و حيث كان سهل المنال للرجل لا سيما عند غضبه، وقع الاعتناء بشأنه في الشريعة، و نزل في ذلك آيات من الكتاب تدل على تحريمه و تخطئة القائل في تشبيه الزوجة بالأم، و عد التكلم به منكرا من القول و زورا.

و قد تصرف الشارع فيه في الإسلام فغير أحكامه و رتب عليه أمورا:


الأول: تحريمه تكليفا فيحرم على الرجل طلاق زوجته على نحو الظهار.

الثاني: تأثيره في حرمة وطء الزوجة من دون خروجها عن الزوجية.

الثالث: وجوب الكفارة عليه.

الرابع: توقف جواز وطئها على التكفير فلو وطئها قبله لزمه كفارة أخرى للوطء.

الخامس: توقف تأثيره في الأمور المذكورة على تحقق شرائط الطلاق في نفس الصيغة، و في المظاهر و المظاهر بها، و ذكروا أن كفارة الظهار الخصال الثلاث ترتيبا فيجب عليه عتق رقبة، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، و ان عجز فإطعام ستين مسكينا.

* عرو العارية*

العاريّة بتشديد الياء و تخفيفها في اللغة الشي‌ء المنسوب إلى العار لجلبه العار إلى آخذها، و المنسوب إلى العارة أي المعطى من أعرته إعارة و عارة كالاطلاقة و الطاقة، فاعلين عارية أي منسوبة إلى وقوعها معطي للانتفاع، و قيل غير ذلك و الجميع تعريف للعين المتحولة من يد إلى أخرى.

و هي في اصطلاح الفقه إنشاء إباحة الانتفاع بعين بلا عوض فهي من العقود المحتاجة إلى الإيجاب و القبول، و يقع بكل لفظ أدى المقصود عرفا بأي لغة كان، كقوله أعرتك الثوب، أو أذنت لك في الانتفاع به، أو انتفع به، و القبول كلما أفاد الرضا به من قول أو فعل، و لا يملك المستعير هنا المنفعة بل يباح له استيفاءها بخلاف الإجارة.

و ذكر الأصحاب في المقام انه يعتبر في المعير أهلية الإنشاء و التصرف في المال، فلا تصح إعارة القاصر المحجور مطلقا، و ان يكون مالكا للمنفعة إما بملكية العين، أو باستئجارها، أو بكونها موصى بها له، و ان يكون المستعير أهلا للانتفاع بالعين، فلا يصح إعارة كتاب لمن ليس أهلا للاستفادة منه، و يعتبر في العين المعارة وجود منفعة محللة فيها، فلا تصح إعارة آلات الطرب، و أواني الذّهب و الفضة للاستعمال، و العارية جائزة من الطرفين و تبطل بموت المعير و المستعير، و العين في العارية أمانة بيد المستعير، لا يضمنها إلاّ مع التعدي أو التفريط، أو إذا أشرطا الضمان، أو كانت العارية ذهبا أو فضة.


* عقل العاقلة*

العقل في اللغة الشدّ و الإمساك يقال عقله عقلا أمسكه، و عقل البعير شدّه بعقال، و عقل القتيل أدى ديته، و عقل عن فلان أدى ما عليه من دية، و العاقلة عصبة الرجل و قرابته من قبل الأب.

و في المجمع: العقل الدية و أصله ان القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول، أي شدها في عقلها ليسلّمها إليهم، فسميت الدية عقلا بالمصدر، و كان أصل الدية الإبل فقومت بعد ذلك بالذهب و الفضة و البقر و الغنم، و قيل سميت بذلك لأنها تعقل لسان ولي المقتول، و العاقلة التي تحمل دية الخطأ و هم من تقرب إلى القاتل بالأب كالإخوة و الأعمام و أولادهما، و ان لم يكونوا وارثين في الحال انتهى.

و كيف كان فالعاقلة في مصطلح الفقهاء الطائفة التي تحمل دية الخطأ في القتل و الجرح من الجاني، شرعها الإسلام تخصيصا لقوله تعالى‌ (وَ لاََ تَزِرُ وََازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‌ََ) * و تقييدا لما كانت العرب يقومون بنصرة من جنى من قبيلتهم حقا أو باطلا، و يمنعون أولياء الدم عن استيفاء حقّه، فألزم عاقلة الجاني بتحمل ديته في الخطأ محضا دون العمد و شبهة مع كون عمد الصبي و المجنون بحكم الخطأ في ذلك، و تنطبق هذه الطائفة على العصبة، و المعتق، و ضامن الجريرة، و الإمام، على ترتيب طبقات الإرث، و التسمية بذلك لكون الطائفة تمسك لسان ولي الدم من مطالبة القصاص، أو تمسك دم القاتل من السفك، أو تعقل أبعرة الدية في معقل ولي الدم، ثم استعمل فيمن بذل سائر أصناف الدية أيضا.

و ذكر الأصحاب هنا ان العاقلة الطوائف الأربع المذكورين، و ان المراد بالعصبة كل رحم تقرب للقاتل بالأبوين أو بالأب، كالإخوة من الأبوين أو الأب فقط، و أولادهم و ان نزلوا، و العمومة و أولادهم، و الآباء و ان علوا، و الأولاد الذكور و ان نزلوا، على الأقوى. و ان الدية توزّع عليهم على ترتيب طبقات الإرث، و لو لم تكن له عصبة و لا معتق و لا ضامن جريرة، فعلى الإمام تأديتها من بيت المال، و تستأدى هذه الدية في ثلاث سنين، مبدؤها من حين القتل أو الجرح فتودى عند انسلاخ كل سنة.


* عمل زكو العاملين على الزكاة*

العامل في اللغة فاعل من عمل بمعنى صنع، و العامل كل من يتولى أمور شخص أو طائفة، و العامل الرئيس و الوالي و الحاكم.

و قد وقع عنوان العامل على الزكاة في الفقه في كتاب الزكاة، و الظاهر ان العمالة منصب خاص لا بد من إعطائه من قبل الإمام، و لذا فسروا العامل في الفقه بأنه المنصوب من قبل الإمام أو نائبه الخاص أو العام لأخذ الزكوات و ضبطها و إبصالها إليه أو إلى الفقراء و مستحقيها على حسب اذنه، و ذكروا من شؤون العامل انه أحد الأصناف الثمانية التي يستحقون الزكاة، و هي تصرف فيهم على حسب حالهم، فهو يستحق سهما منها في مقابل عمله و ان كان غنيا و لا يلزم استيجاره لهذا العمل من أول الأمر أو تعيين مقدار منها على نحو الجعالة بل يجوز للحاكم أن لا يعين له شيئا ثم يعطيه بعد العمل ما رآه صلاحا.

و اشترطوا في صحة انتصاب العامل للعمالة و اتصافه بهذا العنوان البلوغ، و العقل، و الإيمان، و العدالة، و معرفة الأحكام المتعلقة بعمله اجتهادا أو تقليدا، و عدم كونه من بني هاشم.

ثم ان الظاهر عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة مع بسط يد نائب الغيبة، نعم لو لم يكن نائب في محل و جاز للمالك إيصال الزكاة إلى مستحقيها بنفسه سقط عنوان العامل و سهمه.

* عبد العبادة*

العبادة و العبودية في اللغة الخضوع و الذلة، يقال عبد اللّه من باب نصر خضع و ذلّ له، و في المجمع: العبادة هي غاية الخضوع و التذلل و لذلك لا تحسن إلاّ للّه تعالى، و في المفردات:

العبودية إظهار التذلل و العبادة أبلغ منها، لأنها غاية التذلل و لا يستحقها إلاّ من له غاية الإفضال و هو اللّه تعالى، و العبادة ضربان عبادة بالتسخير و عبادة بالاختيار و هي لذوي النطق و هي المأمور بها انتهى.


و العبادة في اصطلاح الفقهاء عبارة عن العمل المأتي به بقصد القرب إلى اللّه تعالى، و قد ذكروا في تحقيق ماهيتها و أقسامها و الأحكام المترتبة عليها أمورا:

الأول: أنها تنقسم إلى عبادة بالمعنى الأخص و عبادة بالمعنى الأعم و الأول: ما تعلق به أمر المولى مع كون قصد التقرب مأخوذا فيه شطرا أو شرطا بحيث لو لم يتحقق في مقام العمل كان فاسدا باطلا، و يدخل في هذا القسم جميع العبادات الواجبة و المندوبة الواردة في الشريعة. و الثاني: العمل القابل لأن يؤتى به بقصد التقرب مع قصده، فقوام هذا القسم بأمرين: صلاحيته الذاتية و القربة الفعلية، و الصلاحية تتحقق بكونه من قبيل الواجبات التوصلية أو المندوبات كذلك، أو كونه من المباحات أو المكروهات بالذات، مع عروض بعض العناوين الراجحة، نظير كونه مقدمة لعبادة أو إعانة مظلوم أو غيرها.

الثاني: ان نية التقرب المأخوذة في العبادة التي بها قوام عباديتها لا يراد به خصوص عنوان التقرب، بل المراد قصد كل عنوان يكون سببا لعبادية الفعل و كونه مورد رضا الرب تعالى، أو ورد النص على إجزاء قصده في العبادة كإتيان العمل امتثالا لأمره تعالى، أو شكرا لنعمته، أو للمصلحة الملزمة أو غير الملزمة في فعله، أو طلبا لثوابه الأخروي، أو خوفا من عقاب تركه، أو حبّا له تعالى، أو طلبا لرضاه، أو لكونه تعالى أهلا للعبادة، أو طلبا لمثوبة دنيوية منه تعالى، أو خوفا من عقاب كذلك. فان الظاهر كفاية قصد كل واحد منها في صيرورة العمل عباديا إلاّ انها ذات مراتب، أفضلها الإتيان بها حبا له تعالى كما ورد في النص، ثم كونه أهلا للعبادة و مستحقا لها.

الثالث: انهم قد قسموا العبادة إلى أقسام واجب و مندوب و محرم و مكروه، فذكروا ان الواجب من العبادات أحد عشر قسما، و قد وضعوا لبيان حال أغلبها كتابا مستقلا في الفقه، و أكثروا البحث عنه و التحقيق و تأسيس الأصول و تفريع الفروع، و أشبعوا الكلام من الاستدلال حول مسائلها، و أجزائها، و شروطها، و موانعها، و سائر ما يتعلق بها، و هي العناوين التالية: الوضوء، و الغسل، و التيمم، و الصلاة، و الصوم و الاعتكاف، و الزكاة، و الخمس، و الحج، و العمرة، و الكفارة.


و أما المندوب من العبادات فهي كثيرة لا تحصى من الصلوات و الصيام و قراءة القرآن و الزيارات و الأدعية و الأذكار و غيرها.

و أما المحرم من العبادات فهي على أقسام: منها العبادة لغير اللّه تعالى و الخضوع له، على النحو الذي ثبت اختصاصه باللّه تعالى كالسجود، و الركوع، سواء أتى بها للصنم، أو للناس، أو للملائكة و الأنبياء عليهم السّلام و الأوصياء عليهم السّلام و سواء اعتقد بالألوهية لهم أم لم يعتقد، بل قصدها بمجرد التعظيم فان هذا القسم مختص به تعالى و لا يجوز لغيره. و منها العبادة و الخضوع لغير اللّه تعالى بمطلق الخضوع مع الاعتقاد بألوهية المعبود كالخضوع للأصنام و الشمس و القمر و النجوم أو غيرها، كان من أقسام المعبودات الباطلة، أو كان من الملائكة و الأنبياء عليهم السّلام، و منها العبادة و الخضوع لغير اللّه تعالى باعتقاد كونه مقربا إلى اللّه تعالى موصلا إلى رضاه وسيلة لقضاء الحاجة، ممن لم يثبت ذلك في حقه من الشرع كتقبيل الأصنام و تقريب القربان إليهم و الطواف حولهم و التبرك بهم بأي وجه كان. فيخرج الخضوع للأنبياء عليهم السّلام و الأئمة عليهم السّلام بل و بعض العلماء و الأتقياء فالتعظيم و التواضع و الخضوع لهم بتقبيل أيديهم و أرجلهم و تقرب القربان لهم ليكون شفعاء إلى اللّه و وسيلة لقضاء الحوائج لا يكون عبادة محرمة.

الرابع: انهم قسموا أبواب الفقه التي سموها كتبا إلى أربعة أقسام، و جعلوا الأول قسم العبادات، و أدرجوا فيه الأصناف العشرة التي مر ذكرها، لكنهم لم يذكروا الكفارات منها، و أدرجوا الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيها، و قد ذكرنا تحت عنوان الفقه ان هذا القسم من تقسيمهم غير جامع و مانع، لعدم ذكر الكفارات مع انها منها، مالية كانت أو بدنية، و ذكرهم الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر منها، مع عدم كونها من العبادات بالمعنى الأخص التي هي المراد بهذا القسم فراجع عنوان الفقه.

* عجب العجب*

العجب في اللغة ابتهاج الإنسان و سروره بتصور الكمال في نفسه، و استعظامه أعماله و حسبان خروجه عن حد التقصير، و صيرورته كأنه يمن بها على ربّه تعالى، فهو حالة باطنيّة و صفة قلبية، و هو عند الشرع و علماء الأخلاق من رذائل الصفات و خبائث‌


الحالات، بل يظهر من كلمات بعض الفقهاء انه من الموضوعات التي تعلق بها التحريم فقد صرح في الشرائع و المسالك و كشف اللثام في صفة الحسد و بغضة المؤمن بأنهما من المحرمات إلاّ انهما لا تقدحان في العدالة.

و ذكر آخرون في صفة الكبر و اليأس من روح اللّه تعالى و الأمن من مكر اللّه تعالى، انها من المحرمات الكبيرة و عدوها في باب عدالة الإمام من المعاصي التي تقدح بعدالته.

و كيف كان انّ هنا صفات من رذائل الأخلاق يظهر من عبائر القوم تعلق الحرمة بها، و عدها الحرّ في عناوين أبواب الوسائل أيضا من المحرمات، بل و يظهر من ظواهر نصوصها أيضا ذلك، و هي: كالكبر، و الحسد، و اليأس من روح اللّه، و الأمن من مكره، و سوء الظن باللّه، و الحرص، و الطمع، و بغضة المؤمن، و البخل، و قسوة القلب، و العصبية، و الحمية، و نية الشر، و غير ذلك. مع انه لا يمكن عد أكثرها على الإطلاق لو لا جميعها من المحرمات شرعا، بل و لا عقلا و لم يفت بها أحد من الأصحاب و ذلك لان أكثرها صفات أو ملكات ذاتية غير اختيارية عارضة على طبيعة الإنسان و نفسه أودعتها فيها يد الخلقة و أعانها أحيانا طبع الوراثة.

و على هذا فان قلنا بالحرمة فلا بد من ان تتعلق بإبقائها و ترك السعي في إزالتها، و هو مشكل للجهل حينئذ بمتعلق التحريم، و انه آنات وجودها أو ساعاتها المصطلحة أو الأيام التي تمضي عليها، فلا محيص عن القول بتعلقها إلى ما يتولد منها في الخارج من الأقوال و الأفعال و الكتابة و ما أشبه ذلك و ذكرنا شيئا من ذلك تحت عنوان الحسد فراجع.

و في نصوص هذا العنوان أيضا ما يدل على كون المحرم الآثار الخارجية دون نفس الصفة كقوله عليه السّلام ان سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك فالمفضولية عن السيئة المستلزمة لكونها مسيئة ثابتة على الحسنة المأتي بها عجبا، أو المقارنة له، و قوله عليه السّلام: ان موسى عليه السّلام سأل إبليس عن الذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذ عليه، قال إذا أعجبته نفسه و استكثر عمله فان الظاهر ان قوله و استكثر عمله بيان لكيفية إعجاب النفس و قد أطلق عليه الذنب فتأمل.


* عدل العدالة*

العدل و العدالة في اللغة لمعان أوضحها و لعله الأصل لجميعها، انه الاستقامة و عدم الانحراف، يقال عدل السهم قوّمه، و عدل في الحكم لم يمل إلى الجوز، و يستعمل العدل بمعنى المصدر و الفاعل و يستوي فيه المذكر و المؤنث.

و معنى العدل و العدالة قد يلاحظ في المحسوسات، فيقال السهم العدل و العصا العدل أي المستقيم، و قد يلاحظ في المعاني، فيقال هو عدل في عقيدته و فهمه أي مستقيم، و هو عدل في طريقته و سيرته و أخلاقه أي مستقيم فيها غير منحرف، و انه عدل في أقواله و أفعاله.

ثم ان الظاهر ان لم يستعمل العدل و العدالة في النصوص إلاّ في معناها اللغوي و هو الاستقامة، فيطلق العادل على الإنسان الذي له استقامة في جهة من جهات وجوده كعقيدته، أو أخلاقه، أو سيرته، أو سلوكه في أمور دنياه، أو في وظائف دينه، لكن الفقهاء قد عرفوا العدالة في كلماتهم بتعاريف يظهر منها ان لهم اصطلاحا خاصا فيها.

فمنها: ما نسب إلى المشهور بين المتأخرين من أن العدالة ملكة أو هيئة راسخة باعثة على الإتيان بالواجبات و ترك المحرمات و المراد كونها باعثة بالفعل بحيث لو سقطت عن الفعلية لم تكن عدالة.

و منها: ان العدالة هي الإتيان بالواجبات و الاجتناب عن المحرمات عن ملكة، و مرجع هذا إلى تعريفها بالملكة الفعلية فإن هنا أمران متلازمان السبب و المسبب و المعرّف على الأول اسم للسبب و على الثاني للمسبب.

و منها: ان العدالة هي نفس الأفعال و التروك الخارجية من دون اعتبار اقترانها بالملكة أو صدورها عنها، فالعدالة هي الاستقامة عملا في طريق الشريعة و في سبيل فروع الدين.

و منها: ان العدالة هي حسن الظاهر فحسب، و هذا تعريف بالآثار الكاشفة عنها غالبا. و أجود التعاريف هو ثالثها أعني نفس الاستقامة العملية في جادة الشريعة و ذكروا هنا انه لو صدر من العادل معصية كبيرة خرج عن العدالة و لو تاب و رجع عاد إليها، و هذا


لانه بناء على كون العدالة ملكة فعلية تبطل فعليتها بالعصيان فان لم يتب لم يترتب عليها آثار فإذا تاب تحققت الفعلية، و كذا بناء على كونها الاستقامة في العمل، فإذا صدرت معصية لغلبة شهوة أو غضب حصل فيه انحراف على طريق العمل و إذا تاب رجع إليها.

ثم انه يظهر منهم أيضا ان العدالة في الفقه شرط مأخوذ في أحكام كثيرة و موضوعاتها.

منها انها شرط في جواز تقليد العامي من الفقيه، فيصح إذا كان المجتهد ورعا و لا يصح إذا كان فاسقا.

و منها: انها شرط في إمام الجماعة، فلا يصح الإيتمام للفاسق.

و منها: انها شرط في شاهدي الحكم، فلا يصح إذا لم يكن أحدهما أو كلاهما عدلين، لقوله تعالى‌ (وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) .

و منها: انها شرط في جميع أعضاء البينة التي يقيمها المدعي في مقام الدعوى، كانوا رجالا أو نساء أو مختلفين و كانوا شهداء الأصل أو شهداء الجرح و التعديل.

و منها: انها شرط في الحاكم بمثلية الجزاء من النعم، للصيد الذي قتله المحرم، لقوله تعالى‌ (فَجَزََاءٌ مِثْلُ مََا قَتَلَ مِنَ اَلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوََا عَدْلٍ مِنْكُمْ) .

و منها: انها شرط في ثبوت وصية الميت، فان من تجوز شهادته من المسلمين إذا حضر لأحدهم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منهم.

و منها: انها شرط في شاهدي المداينة فإذا تداين أحد بدين، لشراء شي‌ء، أو للاستقراض، أو الاستيجار، أو الصداق، أو عوض الخلع، أو إتلاف نفس، أو مال أو نحو ذلك، فكتبوا في ذلك كتابا، استحبّ ان يستشهدوا شهيدين من الرجال، و ان لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان ان تضل أحدهما فتذكر إحداهما الأخرى.

* عدد العدّة*

العدة في اللغة الجماعة من الشي‌ء أو الشخص يقال عندي عدة من الكتب، و في اصطلاح الشرع و المتشرعة زمان خاص عيّنه الشرع للمرأة و منعها فيه عن الزواج بغير


من له العدة، و عن التزيّن بزينة، و عن مواقعة زوجها في الجملة، و بانقضائه يحل لها الزواج، و في النهاية: عدّة المطلقة و المتوفى عنها زوجها هي ما تعتده من أيام أقرائها أو أيام حملها أو أربعة أشهر و عشر ليال و المرأة معتدة انتهى.

و ذكر الأصحاب في تبيين معنى الكلمة و بيان أسبابها و أقسامها أن أسبابها سبعة:

1-الطلاق بأغلب أقسامه 2-فسخ النكاح بالعيوب و الشروط 3-انفساخه بالارتداد أو الإسلام أو الرضاع 4-انقضاء مدة المتعة 5-بذل مدتها 6-موت الزوج 7-الوطء بالشبهة مجردا عن العقد أو معه.

و ذكروا انّه لا عدة على من لم يدخل بها الزوج، و لا على الصغيرة و ان دخل بها، و لا على اليائسة، و أن عدة الحامل أيام حملها طالت أو قصرت و لو كانت لحظة كما إذا طلقها فوضعت حملها بعده بلا فصل، و ان عدة المطلقة الحائل ثلاثة قروء ان كانت تحيض، و إلاّ فثلاثة أشهر، و ان عدة المتعة في الحامل وضع حملها و في الحائل قرئان أي حيضتان كاملتان، و ان كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض فخمسة و أربعون يوما، و ان عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرة أيام إذا كانت حائلا، صغيرة كانت أو كبيرة يائسة كانت أو غيرها مدخولا بها أو غيرها دائمة أو منقطعة، و ان كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين، و عدة وطء الشبهة كعدة الطلاق.

* عرض طول العرض-الطول*

مفهوم اللفظين واضح و قد استعملا في الفقه في موارد منها في باب القبلة ذكرا و صفين لمساحة خاصة منسوبة إلى مكة المعظمة و إلى غيرها من البلدان الواقعة في كرة الأرض، فقالوا مثلا ان عرض مكة كذا درجة، و طولها كذا درجة و عرض البلد الفلاني كذا، و طوله كذا و الغرض من تعيين ذلك تحصيل مقدار الدرجات ثم نسبة كل من عرض البلد و طوله إلى عرض مكة و طولها، ليحصل من ذلك معرفة جهة القبلة التي هي من أركان شروط الصلاة كما انها شرط لأمور أخر في الشريعة.


و كيفية ذلك انهم قد فرضوا لكرة الأرض دائرة محيطة بها من ناحية الشرق و الغرب سموها بخط الاستواء، و فرضوا لها دائرة أخرى تحيط بها من جانب الشمال و الجنوب تمر على نقطتيهما سموها دائرة نصف النهار، و تفرض الدائرتان سماوتين أيضا، و قسموا كل دائرة إلى ثلثمائة و ستين درجة، يكون ما بين القطب إلى القطب، و كذا ما بين الشرق إلى الغرب مائة و ثمانين درجة، كما قسموها بلحاظ تقاطعهما إلى أربعة أقواس كل قوس تسعون درجة.

و حينئذ نقول انهم جعلوا خط الاستواء مبدأ لعرض البلاد، فقسموه إلى عرض شمالي و عرض جنوبي، فالبلد الواقع في شمال الخط بدرجة مثلا يكون ذا عرض شمالي بدرجة، و الواقع في جنوبه بعشر درجات مثلا ذا عرض جنوبي بعشر درجات، و مكة المكرمة واقعة في شمال الخط و عرضها هذا بحسب العرض.

و أما طول البلاد فلا بد أن يكون مبدؤه من دائرة نصف النهار، و حيث انه يمكن أن يفرض ذلك لكل محل و بلد، فقد اختلفوا فيه، فالمشهور عند أهل الفن جعل الملاك الدائرة المارة على گرينج و هي قرية قرب لندن عاصمة الإنكليز، فالبلد الواقع في شرقها بدرجة، له طول شرقي بدرجة و الواقع في غربها بعشر درجات طوله الغربي عشر درجات و هكذا، و مكة المكرمة طولها إذا عرفت ذلك فاعلم انه إذا أردت معرفة قبلة بلد فلا بد من لحاظ النسبة بين عرضه و طوله و بين عرض مكة و طولها، و يتحصل من ذلك صور ثمان فإنه أما أن يتساويا في الطول و يختلفا في العرض، أو يتساويا في العرض و يختلفا في الطول، أو يختلفا في الطول و العرض، و الأول على قسمين، فإنه اما ان يكون ذا عرض شمالي بمعنى أن يكون درجات عرضه أكثر من عرض مكة، أو ذا عرض جنوبي بأن يكون درجات عرضه أقل من درجات مكة، و الأول قبلته نقطة الجنوب و الثاني قبلته نقطة الشمال.

و الثاني أيضا على قسمين فإنه أما أن يكون ذا طول شرقي بمعنى أن تكون درجات طوله أكثر من مكة، أو يكون ذا طول غربي بأن يكون درجات طول أقل من مكة، و الأول


قبلته نقطة المغرب و الثاني قبلته نقطة المغرب.

و الثالث أي المختلفين في الطول و العرض و فيه صور لأنه أما أن يكون أنقص من مكة طولا و عرضا، أو يكون أزيد منها كذلك، أو يكون أنقص في الطول و أزيد في العرض، أو يكون أزيد في الطول و أنقص في العرض، أما الأول فقبلة البلد فيما بين المشرق و الشمال، و كلما كان العرض أنقص كانت إلى نقطة المشرق أقرب، و كلما كان الطول أنقص كان إلى نقطة الشمال أقرب.

و أما الثانية فقبلة البلد فيما بين الجنوب و المغرب، و كلما كان الطول أنقص كانت إلى نقطة الجنوب أقرب، و كلما كان العرض أنقص كانت إلى نقطة المغرب أقرب.

و اما الثالثة و هي كون الطول أنقص و العرض أزيد فقبلة البلد فيما بين المشرق و الجنوب، و كلما كان الطول أنقص كانت إلى نقطة الجنوب أقرب، و كلما كان العرض أنقص كانت إلى نقطة المشرق أقرب.

و أما الرابعة و هي كون الطول أزيد و العرض أنقص، فقبلته فيما المغرب و الشمال و كلما كان الطول أنقص كانت إلى نقطة الشمال أقرب، و كلما كان الطول أزيد كانت إلى نقطة المغرب أقرب.

* عرف عرفات*

عرف الشي‌ء عرفة و معرفة في اللغة علمه، و في المصباح المنير: عرفته عرفة بالكسر و عرفانا علمته بحاسة من الحواس الخمس، و المعرفة اسم منه، و عرفة اسم لتاسع ذي الحجة، علم لا يدخلها الألف و اللام، و عرفات موضع وقوف الحجيج انتهى.

و ليس عرفات جمع عرفة بل هي مفرد على صيغة الجمع و هي أرض فسيحة محاطة بقوس من الجبال تبعد عن مكة المكرمة بما يقرب من اثنين و عشرين كيلو مترا، و هي أبعد نقاط الوادي الذي يتصل بمكة يقصدها الحاج، و قد حدّوها ببطن عرنة و ثويّة و نمرة و ذي المجاز.


و كيف كان الظاهر ان معناها المصطلح عليه في الشرع و العرف و المشهور بين المسلمين أحد معانيها اللغوية، بل الظاهر كونه كذلك قبل ظهور الإسلام، و هي بذلك المعنى موضوع لأحكام في باب الحج، نظير ان الوقوف بها يوم عرفة من الزوال إلى الغروب من أهم أفعال الحج و أجزائه. و ينقسم إلى واجب ركني و غير ركني و الأول مقدار منه يصدق عليه الكون هناك، و الثاني ما زاد عليه فيما بين الحدين.

و ذكر الأصحاب انه لو نفر الناسك عن حدودها عمدا قبل الغروب و لم يرجع فعليه كفارة بدنة، و مع عدم التمكن منها فعليه صيام ثمانية عشر يوما، و انه لو خرج عنها جهلا أو نسيانا ليس عليه شي‌ء و التفصيل تحت عنوان الوقوف.

* عزل العزل*

العزل في اللغة إبعاد الشي‌ء و جعله في ناحية، يقال عزله عن كذا نحّاه عنه، و فلانا عن منصبه رفعه منه، و لا اصطلاح خاص للفظ في الشرع و لا في الفقه، لكنه عنوان كلي وقع مصاديقه موضوعا لأحكام تكليفية أو وضعية في موارد من من الفقه.

منها ما ذكروه في حكم عزل الرجل نطفته عن المرأة، يراد به إفراغه في خارج الرحم، أو منعه عن الانصباب فيه بآلة و نحوها، أو استعمال دواء يفسدها عن قابليّة تكون الولد منها، فأفتوا بجوازه في الأمة و الحرة المتمتع بها، و الحرة الدائمة مع اشتراط ذلك في عقدها، و في صورة رضاها بذلك، و في صورة ترتب ضرر على تركه و غير ذلك من المحاذير المسوغة، و اختلفوا في الجواز و عدمه في الحرة الدائمة مع عدم الشرط و عدم رضاها، فحكم جماعة بالحرمة و انه الوأد الخفي كما في النص، أي قتل الولد، بل ذكروا انه يجب عليه حينئذ دية النطفة يؤديها للزوجة و هي عشرة دنانير.

و ذهب المشهور إلى الجواز تكليفا و عدم ضمانه الدية وضعا لنصوص معتبرة نافية لذلك، و ان ذلك إلى الرجل و ليس لها من الأمر شي‌ء، و ذكروا انّه لا فرق في ذلك بين كون الوطء واجبا بالذات كوطئها في كل أربعة أشهر، أو بالعرض كما إذا أوجبه على نفسه بيمين‌


أو نذر، و انه يحرم العزل على المرأة بأي سبب قدرت عليه مع عدم رضاه، و انه لو فعلته وجب عليها دية النطفة، فإنها حينئذ كالمفزع للرجل الذي يجامع زوجته حتى وقعت النطفة خارج الرحم.

و منها-ما ذكروه في عزل زكاة المال و زكاة البدن، فإنه يجوز لمن عليه الزكاة عزلها عن أمواله و تعيينها في مال خاص، سواء عزلها من العين الزكوية أو من مال آخر، نقدا أو جنسا، و هذا العزل عمل بالنية شرع للإرفاق لمن عليه الحق امتنانا، بتسليطه على قسمة المال المشترك بناء على الإشاعة، أو نقل الحق المتعلق بالكل إلى جزء منه أو مباين له.

و كيف كان فيخرج المعزول عن ملك العازل. و يدخل في ملك المستحق، و يكون أمانة شرعية عنده، ليس له التصرف فيه بعد العزل، و لا فرق في ذلك بين وجود المستحق فعلا و عدمه.

و منها-عزل الموكل وكيله، فذكروا ان الوكالة من العقود الجائزة من الطرفين، فيجوز للوكيل عزل نفسه، فينعزل بإنشائه مع حضور الموكل و غيبته، كما يجوز للموكل عزل الوكيل، إلا أن فيه اختلافا بين الفريقين، فذهبت العامة إلى جواز عزل الموكّل وكيله سواء علم به الوكيل أم لم يعلم، فكل عمل صدر من الوكيل في مورد الوكالة يكون باطلا أو فضوليا محتاجا إلى إمضاء جديد بعد اطلاعه، و ذهب أصحابنا إلى عدم صحة العزل في غيبة الوكيل و عدم اثر له، فإذا أتى الوكيل بمورد الوكالة بعد العزل و قبل علمه صح و نفذ، فلو وكله في طلاق زوجته، و تزويج امرأة له و عزله بعد غيبته فطلق الوكيل زوجته و زوّجه المرأة قبل علمه صحّ الأمران بناء على مسلك أصحابنا، و كان الطلاق باطلا و العقد فضوليا بناء على مذهب العامة.

و منها-ما ذكروه في عزل الولاة من نصبوه أو نصبه غيرهم، على اختلاف الموارد و المراتب، فهو عدل النصب و مقابله، و له شروط و أحكامه و حقيقته حينئذ أمر إنشائي و أعمال ولاية خاصة، قابل للجعل و الإنشاء، و يكون من شؤون ولاة الأمر و ولاتهم، و البحث عنه أيضا تابع للبحث عن النصب و يجري في مختلف أبواب الفقه، كعزل الامام‌


القاضي المنصوب، و عزله إمام الجمعة و الجماعة، و عزله أمراء الجيش، و رؤساء الأمور، و العاملين للزكاة و الصدقات، و المتولّين للأوقاف، و المتصدّين لأمور القصّر و الغيّب، و من ذلك عزل وصي الميت، و القسم للصغار و المتولي للأموال و الأوقاف، من ناحية الأشخاص، إذا ظهر ضعفهم عن القيام بالأمر أو خيانتهم.

* عصر العصير*

العصير فعيل بمعنى المفعول، و هو ما تحلّب مما عصر من الأجسام، و ليس له اصطلاح خاص في الشرع و الفقه، و قد ذكر في الفقه لوقوع بعض مصاديقه موضوعا للحرمة و النجاسة، فذكروا في باب الطهارة ان عصير العنب إذا غلى و اشتدّ يلحق بالخمر في الحرمة و النجاسة، على المشهور في الثاني، و ذلك قبل ان يذهب ثلثاه، و ذكروا أيضا انه لا فرق في ترتب الحكمين بين غليانه بالنار أو بالشمس أو بنفسه، فإذا ذهب ثلثاه حل و طهر، و لا فرق في ذهاب الثلثين أيضا بين حصوله بأحد الوجوه الثلاثة على خلاف فيه. و بالجملة غليان العصير سبب لعروض حكمين متلازمين و ذهاب ثلثيه سبب لزوالهما و طرو حكمين متلازمين آخرين. و لا فرق أيضا بين العصير و نفس العنب إذا غلى جوفه و لا يلحق به عصير الزبيب و التمر.

* عقد العقد*

العقد في اللغة نقيض الحل فهو الشد و الإبرام يقال عقد الحبل من باب ضرب شد أحد طرفيه بالآخر أو بحبل آخر، و في المجمع: أوفوا بالعقود هي جمع عقد بمعنى المعقود و هو أوكد العهود، و الفرق بين العقد و العهد ان العقد فيه معنى الاستيثاق و الشدّ و لا يكون إلاّ من متعاقدين، و العهد قد ينفرد به الواحد، و أصله عقد الشي‌ء بغيره و هو وصله به كما يعقد الحبل انتهى.

و في المفردات: العقد الجمع بين أطراف الشي‌ء و يستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد


الحبل، ثم يستعار ذلك للمعاني على نحو عقد البيع و العهد و غيرهما، ثم قال و العقد مصدر استعمل اسما فجمع نحو أوفوا بالعقود انتهى. و على الجملة العقد في اللغة إما مصدر بمعنى الشد أو بمعنى المعقود و المشدود، و بهذا اللحاظ يطلق على العقود الإنشائية.

و هو في اصطلاح الفقهاء عبارة عن إنشاءين متلازمين ابتدائي و مطاوعي معقود أحدهما بالآخر في وعاء الاعتبار، لا يتم و لا يؤثر واحد منهما إلاّ بالآخر، و الظاهر ان هذا من مصاديق المعنى اللغوي فاللفظ حقيقة فيه في الشرع و العرف.

فالعقد واقع في مقابل الإيقاع الذي هو إنشاء واحد مستقل مؤثر في المنشأ وحده، من غير حاجة إلى القبول، و السر في لزوم انضمام القبول في العقد انّ فرض كفاية الإنشاء من الموجب ينافي سلطنته الآخر على نفسه و ماله، فإنه إذا قال شخص لزيد مثلا بعتك هذه الدار بالألف الذي عندك و فرضنا لزوم المبادلة و تمامها، لزم تمليك الدار لزيد بدون اختياره و هو مناف لسطنته على نفسه، و لزم أخذ الألف منه كذلك، و هو خلاف سلطنته على ماله، و كذا لو قالت لزيد زوجتك نفسي بألف.

ثم ان العقد اسم لجنس العقود و تحته حقائق نوعية و صنفية اعتبارية كالبيع، و الإجارة، و الهبة، و الصلح، و النكاح، و لكل نوع صيغة خاصة ينشأ بها ذلك النوع، و تسمى بألفاظ العقود، و بالإيجاب و القبول من كل عقد، نظير بعت و آجرت و وهبت و أنكحت و نحوها مع قبولها، و قد يطلق العقد على تلك الألفاظ أيضا بعلاقة السببية.

و ذكروا أيضا ان العقود تنقسم إلى عقود لازمة و جائزة و ذات جهتين، و اللازم هو الذي يقتضي بطبعه اللزوم لدي العرف و العقلاء، و ليس لأحد المتعاقدين نقضه و حله إلاّ لطرو عوارض خارجية اقتضت جوازه، من الخيار و الإقالة و نحوهما، و هذا كالبيع و الإجارة و النكاح و غيرها، و الجائز هو الذي يقتضي طبعه جواز النقض و رخصة الحل كالوديعة، و العارية، و المضاربة و نحوها، و ذات الجهتين كالرهن، فإنه جائز من طرف المرتهن و لازم من طرف الراهن، و الضمان و القرض فإنه لازم بالنسبة للعين المقترضة و جائز بالنسبة لبدلها الكلي في ذمة المقترض و هكذا و تنقسم أيضا إلى عقود معاملية كالبيع‌


و الإجارة و غيرها كالهبة و الوديعة و العارية و نحوها.

ثم ان الأصحاب ذكروا لألفاظ العقود أعني ما هو مركب من الإيجاب و القبول شرائط خاصة اختلفت أقوالهم في شرطيتها كلا أو بعضها.

منها: اشتراط كون اللفظ المستعمل في كل نوع حقيقة في ذلك ليكون صريحا في إفادة المقصود فلا تكفي الألفاظ الكنائية و المجازات القريبة فضلا عن البعيدة، و لا الألفاظ المشتركة بينه و بين نوع آخر مثلا.

و منها: الماضوية في الإيجاب و القبول فلا يصح المستقبل و لا الأمر و الجملة الاسمية.

و منها: تقديم الإيجاب على القبول فلا يكفي ما كان على العكس.

و منها: الموالاة بين الإيجاب و القبول فلا يكفي لو وقع الفصل بينهما.

و منها: التنجيز فلا يصح العقد المعلق على شي‌ء، هذا و الظاهر كفاية كل لفظ ظاهر في إفادة المقصود و لو بالقرائن حقيقة كان أو مجازا ماضيا أو غيره مع الترتيب و الموالاة و بدونهما مع صدق عنوان العقد.

تنبيه: استدلوا على لزوم العقود و صحتها، بقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و قوله:

وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ اَلْعَهْدَ كََانَ مَسْؤُلاً ، و قوله: المؤمنون عند شروطهم.

فان المراد بالعقد و العهد و الشرط، المعاني المسببية التي هي العقد حقيقة فيشمل كل ما صدق عليه عقد و شرط كان محققا معمولا به في تلك الأزمنة أو محدثا بين العقلاء فيما تأخر من الزمان، و الأمر بالوفاء بها و الكون عندها أما إيجاب ينتزع منه الصحة أو إرشاد إلى الصحة و التمامية.

* عقل العقل*

العقل في اللغة الإمساك يقال عقل الدواء بطنه أمسكه، و عقل زيد بعيره شده، و العقل الإدراك يقال عقل الغلام أي بلغ مبلغ الرجال، و العقل الفهم يقال عقل الشي‌ء فهمه و تدبره.


و يطلق العقل أيضا على ما في الإنسان و سائر ذوي العقول من قوة التمييز، و هو بهذا المعنى نور روحاني و قوة ربّانية مودعة في الإنسان أو الملك و الجنّ، فهو صفة جميلة من صفات الروح و فضيلة بارزة من فضائله و قوّة غريزية يستعد بها الإنسان لإدراك العلوم، فتدرك النفس بها حقيقة الأشياء حسب استعدادها، و العلوم الضرورية و النظرية، و حسن الأعمال و قبحها، و بها تمتاز ذوو العقول عن غيرهم من الحيوانات، و كما ان الحياة تهيئ الجسم للحركات الاختيارية و الإدراكات الحسية، فكذا تلك القوة تهيئ الإنسان للعلوم النظرية و الصناعات الفكرية، بل العقل شرع من داخل كما ان الشرع عقل من خارج.

ثم ان الظاهر ان المصطلح عليه عند الشرع و المتشرعة و في الأبحاث الفقهية و الأصولية هو العقل بهذا المعنى. و به قد أخذ في الشريعة موضوعا لأحكام كثيرة وافرة دخيلا في توجه خطاباتها التكليفية و الوضعية، و وقع في الفقه أحد منابع الأحكام و مدارك استنباطها و معادن استخراجها، فوقع البحث عنه في جميع أبواب الفقه.

نظير ما ذكروا من ان العقل أحد الشرائط العامة لتوجّه التكاليف الفرعية الإلزامية أو مطلقا، كما هو الحال في علم الكلام بالنسبة لمسائله الأصولية الباحثة عن المبدأ و المعاد، و قد ذكرنا تحت عنوان الحكم ان الحكم ينقسم ابتداء إلى تكليف و وضع ثم ينقسم الأول إلى خمسة أقسام و الثاني إلى ستة، و كل مشروط بالعقل عدا الأول من أقسام الوضع، و توضيح المطلب على نحو الإجمال أن يقال: ان التكاليف العقلية الأصولية و الفروعية غير ثابتة في حق غير العاقل و كذا الشرعية الإلزامية بل و غير الإلزامية أيضا، فلا أمر متعلق بالمجنون إيجابا أو استحبابا و لا نهي عليه تحريما أو إعافة، و ينتج ذلك انه لا يترتب عليه الوضع المنتزع من التكليف، و الوضع المنتزع منه التكليف، و كذا لا صحة لعقوده و إيقاعاته، و لا تجري في حقه الحدود التامة الجارية على البالغين، بل و الناقصة الثابتة على غير البالغين، فيبقى منها الوضع غير المحتاج إلى النية كالنجاسة و الطهارة من الخبث و الحدث الأكبر و الأصغر، و ضمانه إتلاف نفس أو مال، فان الظاهر ثبوت ذلك كله في‌


حقه، لعدم الحاجة في ترتب المسببات فيها على أسبابها إلى النية، و فعل المجنون ليس بأدون من عدم القصد، فإذا مس بيده نجسا برطوبة تنجست يده، و إذا غمسها في كرّ طهرت، و إذا أدخل في فرج المرأة أجنب، و إذا اغتسل لم يرتفع جنابته، بل تبقى إلى ان يعقل أو يموت لاحتياجه إلى النية، و إذا قتل نفسا تعلقت الدية بالعاقلة، و إذا أتلف ما لا لم يضمنه و لا وليه و ان استند الإتلاف إليه إذا لم يكن مقصرا في حفظه، و الفارق بين ضمان النفس و المال قوله الصبي و المجنون عمدهما خطأ تحمله العاقلة.

تنبيه: هنا بحث آخر يتعلق بالعقل و هو كونه حجة من حجج اللّه تعالى على عباده، و لعل إليه يرجع أيضا ما اشتهر بين الأصوليين من قولهم: كلما حكم به العقل حكم به الشرع، فكل فعل أدرك العقل القطعي حسنة و لم يكن هناك ما يخالفه من الحجج النقلية حكم الشرع بوجوبه، كما ان كل فعل أدرك العقل القطعي قبحه حكم الشرع بحرمته، و لم نتعرض للتفصيل في المقام لكونه مسألة أصولية فإن نتيجة البحث عنها تقع كبرى لاستنتاج الحكم الفرعي، و هذا بخلاف عكس القاعدة، و هو كلما حكم به الشرع حكم به العقل فإنها ليست مسألة فقهية و لا أصولية و لعلها مسألة كلامية.

* عمر العمرة*

العمرة في اللغة قصد المكان العامر و هي مصدر اعتمر المكان إذا قصده، و في المجمع:

و المعتمر الزائر و من هنا سميت العمرة عمرة لأنها زيارة البيت يقال اعتمر فهو معتمر أي زار و قصد، و في الشرع زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة مذكورة في محلها و جمع العمرة عمر و عمرات كغرف و غرفات انتهى. و في المفردات: و الاعتمار و العمرة الزيارة التي فيها عمارة الودّ و جعل في الشريعة للقصد المخصوص انتهى.

و كيف كان فالعمرة نظيرة كلمة الحج حقيقة في اصطلاح الشرع و المتشرعة في القصد الخاص، كما يظهر من كلام الراغب أو في أعمال مخصوصة و عبادة مخترعة من الشرع تعبّد اللّه بها عبادة تفتقر إلى نية التقرب و سائر شروط العبادة، بل هي من أقدم العبادات التي


شرعها اللّه لأول حجة أسكنه في أرضه، و هي قرينة الحجّة في الماهية و شريكتها في الوجوب، بل هي الحج الأصغر و قرينتها الحج الأكبر.

و تنقسم وفق الجعل الأولى إلى صنفين طويل مسمى بالعمرة المفردة تشمل على سبعة أجزاء: الإحرام، و الطواف، و ركعتاه، و السعي، و التقصير، و طواف النساء، و ركعتاه، و قصير مسمى بعمرة التمتع و هو العمرة المفردة عدا طواف النساء و ركعتيه، و الصنف الأول قد جعله رب البيت من شؤون الدخول إلى بلد البيت، و من آداب الورود على صاحب البيت، فليس لأحد أن يدخله إلاّ محرما بإحرامه، و أوجبه أيضا للمكي أي القريب من البيت بحد خاص، بإيجاب أولي أصلي في تمام العمر مرة واحدة، و قرنه في هذا الوجوب لحج الأفراد و القران، و النصف الثاني قد أوجبه للآفاقي و هو الخارج عن حد المكي و جعله جزءا من حج التمتع مقارنا له في العمل ملازما له في الوجوب، يجبان على كل من استطاع السبيل إليه مرة واحدة في مدة عمره و قد شبّك النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله يوم تشريعه أصابعه بعضها إلى بعض و قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.

و يمتاز الصنفان أعني العمرة المفردة و عمرة التمتع في جهات أولها اختلاف نيتهما فيقصد الناسك في كل منهما عنوانه الخاص كالمسافر عند الإتيان بالمغربين، ثانيها اختلاف صورتهما كما عرفت، ثالثها اختلاف المخاطب بهما كما مر، رابعها استقلال وجوب الأول دون الثاني.

* عهد العهد*

العهد في اللغة العلم، و الرعاية، و الوفاء، و اللقاء، يقال عهد الأمر أي عرفه و عهد الشي‌ء حفظه و راعاه و تفقده حالا بعد حال، و عهد فلان وعده وفاه، و عهدي به قريب أي لقائي، و في المجمع: العهد النذر و صيغته عاهدت اللّه أنه متى كان كذا فعليّ كذا، و تقول عليّ عهد لأفعلن كذا و يمين انتهى.

و العهد في اصطلاح الفقه عبارة عن إنشاء الالتزام و التعهد بفعل شي‌ء أو تركه مطلقا أو


معلقا على شي‌ء فهو إنشاء إيقاعي يحتاج إلى اللفظ و لا ينعقد بمجرد النية، و قد أمضاه الشارع و رتب عليه أحكاما خاصة، و ان علق على شي‌ء اعتبر في المعلق عليه ان لا يكون مرجوحا دينا أو دنيا، و لا يعتبر فيه الرجحان فلو عاهد على مباح لزم و لو طرأ على متعلقة المرجوحية انحل، ثم إنهم ذكروا أنه يشترط في المعاهد شروط الناذر، و يجب الوفاء بالعهد كالنذر، و يحرم حنثه و يلزمه الكفارة، و هي كفارة شهر رمضان على اختلاف فيه.

تنبيه: استدلوا على نفوذه و صحته بعموم قوله تعالى‌ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و قد فسرت في النصوص بالعهد، و قوله تعالى‌ (وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ اَلْعَهْدَ كََانَ مَسْؤُلاً) (الإسراء 36) و قوله تعالى‌ (وَ اَلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذََا عََاهَدُوا) (البقرة 177) و قوله تعالى‌ (وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِأَمََانََاتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رََاعُونَ) * (المؤمنون 18) و بالنصوص الواردة في الباب.

و قد يطلق العهد في الفقه على المعاهدة و المعاقدة المذكورة في باب الجهاد الابتدائي و الدفاعي، فذكروا فيه انه يجوز للإمام و من نصبه للحرب أو مطلقا عقد الصلح مع الكفار و عقد الأمان لهم و بينوا هناك كيفية ذلك و اختصاصه بفرد أو أفراد أو عمومه لطائفة خاصة أو جميع الكفار بنحو التوقيت أو الدوام، فإن أمر الحرب و الصلح حتى في الدفاعيّ الذي يستدعي النظم و اجتماع المسلمين تحت راية واحدة، راجع إلى ولي أمر المسلمين، و الكلام مذكور تحت عنوان الجهاد.

* عيب العيب*

الملحوظ في الإنسان و الحيوان و الأعيان الخارجية.

العيب في اللغة و العرف هو نقص الشي‌ء عن مرتبة صحته المتوسطة بينه و بين الكمال، فالصحة ما يقتضيه أصل الطبيعة المشتركة بين جميع الافراد، و العيب و الكمال يلحقان به لأمر خارج، و مقتضى حقيقة الشي‌ء نوعا أو صنفا قد يعلم بالبحث عنها و كشفها، و قد يعلم من ملاحظة أغلب أفرادها، و في المجمع: هو كلما يزيد أو ينقض عن مجرى الطبيعي‌


كزيادة إصبع و نقصانه انتهى. و عن العلامة في التحرير: انه نقص في العين أو زيادة فيها يقتضي النقيصة المالية في عادات التجار انتهى، و نظره في هذا إلى العيب الذي يترتب عليه الخيار في البيع و نحوه.

و لا كلام في الفقه في العيب على النحو الكلي، بل المراد به عند الفقهاء ما يتصف به أحد طرفي العقد في العقود اللازمة على نحو يستلزم تسلط المتعاقدين أو كليهما على فسخ العقد من البيع و الإجارة و الصلح و النكاح، فالمراد عيوب خاصة لها دخل في تزلزل العقد.

ثم ان الحكم المترتب على العيب في الشرع المبحوث عنه في الفقه في العقود اللازمة، هو وجوب الاخبار به قبل العقد في الجملة، و تزلزل العقد و ثبوت الخيار لأحد الطرفين أو كليهما بعده مع عدم العلم، و عمدة الكلام في المقام بيان العيوب الدخيلة في الحكم، فنقول الظاهر أنّه في البيع و نحوه عبارة عن مطلق ما يعد عيبا و نقصا عرفيا في العوضين، فإنه المستفاد من أدلته فلا بحث معتدا به فيه بالنسبة لنفس العيب و تعيين ماهيته و أقسامه، بل عمدة الكلام فيه في الخيار المسبب عنه و محله عنوان الخيار.

و أما النكاح فالمراد من العيب فيه أنواع خاصة من العيوب يختص بعضها بالرجل و بعضها بالمرأة و يعم بعضها الصنفين.

فالعيوب المختصة بالرجل ثلاثة: الخصاء و هو سل الخصيتين أي إخراجهما أو رضّهما، و الجبّ و هو قطع الذكر بحيث لم يبق منه مقدار الحشفة، و العنن بفتحتين و هو مرض في الرجل تضعف معه الآلة عن الانتشار و يعجز عن الإيلاج.

و العيوب المختصة بالمرأة ستة: البرص، و الجذام، و الإفضاء، و قد مرّ تفصيله تحت عنوانه، و القرن و يقال له العفل أيضا و هو لحم أو عظم في الفرج يمنع عن الوطء، و العرج البين، و العمى.

و المشترك بين الرجل و المرأة من العيوب هو الجنون، فهو عيب للرجل و المرأة، لكنهم ذكروا ان جنون الرجل مأخوذ في موضوع خيارها على نحو الإطلاق، فيعم حصوله قبل العقد و بعده، و قبل الدخول و بعده، و جنون المرأة مأخوذ على نحو التقييد، و هو الحاصل قبل العقد مع عدم علم الرجل به و إلاّ فلا فسخ له.


* عود العيد*

العيد في اللغة مصدر من عاد يعود عودا و معادا إلى كذا صار و رجع إليه، و أصله العود بالكسر فالسكون فقلبت الواو ياء، و العيد الموسم و كل يوم فيه جمع أو تذكار لذي فضل أو حادثة مهمة، و الجمع أعياد، و في المجمع العيد واحد الأعياد هو كل يوم مجمع انتهى. و في المفردات: و العيد ما يعاود مرة بعد أخرى، و خص في الشريعة بيوم الفطر و يوم النحر، و لما كان ذلك اليوم مجعولا للسرور في الشريعة صار يستعمل العيد في كل يوم فيه مسرة انتهى. و كيف كان فقد كثر استعمال العيد في الشرع و اصطلاح الفقهاء في اليوم المجعول للسرور كما هو معناها اللغوي، و العيد مطلقا على أقسام:

منها: كل يوم أو ليلة اخترعه الشارع و جعله عيدا و رتب عليه آثارا.

و منها: كل عيد كان مرسوما عند الناس و أمضاه الشارع و لو بالسكوت و عدم الردع عنه و عن الرسوم الجارية فيه.

و منها: ما ليس كأحد السابقين، فمن الأول يوم الفطر، و الأضحى، و يوم عرفة، و يوم الجمعة، و يوم الغدير، و من الثاني يوم النيروز المعروف عند العجم و هكذا.

* عود ضحو عيد الأضحى*

هو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة الحرام، و هو من الأعياد العظيمة الدينية جعله اللّه تعالى للمسلمين عيدا و لمحمد و آله (ص) ذخرا و شرفا و كرامة و مزيدا، و قد أشبه العشر الأول من ذي الحجة في استحباب صومه و وجوب الإفطار في العاشر منه شهر رمضان في وجوب الصوم و الإفطار يوم العيد، فهو الفطر الأصغر، و هذا الفطر الأكبر، و قد زينه اللّه تعالى و شرفه بصلاة خاصة واجبة مع حضور الإمام المعصوم و بسط يده، و مندوبة مع عدمه، و صدقة أضحية لمن لم يكن بمنى، و فضله اللّه تعالى لمن كان فيه بأعمال جليلة متبركة لها مصالح كامنة، و فوائد اجتماعية، و منافع سياسية، و معاني رقيقة عرفانية، و هي رمي جمرة العقبة بسبع حصيات خاصة، و ذبح هدي من الأنعام الثلاثة، و حلق‌


الرأس أو التقصير و تفصيل الكلام فيه تحت عنوان منى و الهدي. و كيفية هذه الصلاة و صلاة الفطر مذكورة تحت عنوان الصلاة.

* عود فطر عيد الفطر*

عيد الفطر هو اليوم الأول من شهر شوال المكرم أول أشهر الحج الثلاثة، و هو اليوم الذي جعله الشارع للمسلمين عيدا و لمحمد و آله صلّى اللّه عليه و آله ذخرا و شرفا و كرامة و مزيدا و زينه اللّه تعالى بزينة صلاة خاصة و زكاة خاصة.

أما الصلاة فهي صلاة الفطر و هي واجبة على المسلمين جميعا مع حضور الإمام المعصوم و بسط يده و اجتماع شروطها الأخر، و مندوبة في زمان الغيبة مع عدم وجود منصوب من قبله، إما لعدم القول بالنصب لذلك، أو لعدم وجود المنصوب كذلك. و قد ذكر كيفية هذه الصلاة و شرطها و أحكامها تحت عنوان الصلاة.

و أما الزكاة فهي زكاة خاصة، تسمى زكاة الفطرة و زكاة الأبدان و زكاة الخلقة، قد أوجبها اللّه تعالى على جميع الأغنياء، و جعلها صدقة للفقراء و المساكين و سائر مصارف زكاة المال، و هي من تمام الصوم كما ان الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله من تمام الصلاة و الكلام في جنس ما يجب إخراجه في هذه الزكاة و قدره و وقته و مصرفه مذكور تحت عنوان الزكاة.

* غرم الغارمين*

الغارم في اللغة من عليه الدين كالغريم، و في النهاية الغارم الذي يلتزم ما ضمنه و تكفل به و يؤديه، و الغرم أداء شي‌ء لازم انتهى.

و الغارمون قد استعمل في الكتاب الكريم في عدة خاصة وقعت موضوعا للحكم في الشريعة، و جعلت صنفا من الأصناف الثمانية في باب الزكاة، و فسرها الأصحاب بأنهم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها و ان لم يكونوا فقراء، فيعطون سهما من الزكاة، و اشترطوا فيه أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية، و إلاّ لم يقض من هذا السهم، و لا


فرق بين إعطائها للغارم ليقضي بها دينه، أو للدائن مع اطلاع الغارم أو عدم اطلاعه، كما انه لا فرق بين أقسام الدين و كونه حاصلا من استقراض، أو ثمن مبيع، أو ضمان مال، أو عوض صلح، أو غرامة إتلاف إذا لم تكن عدوانا.

* غلو الغالي-الغلو*

الغلو في اللغة الزيادة و الارتفاع، يقال غلى النبت التفّ و عظم، و غلى السعر ارتفع، و في المجمع يقال غلي في الدين غلوا من باب قعد، تصلّب و تشدد حتى تجاوز الحد و المقدار، و الغلاة هم الذين يغالون في علي عليه السّلام و يجعلونه ربا و التخميس عندهم هو ان سلمان و المقداد و أبا ذر و عمار و عمر بن أمية هم الموكلون بمصالح العالم عن علي عليه السّلام انتهى.

ثم انه قد وقعت الإشارة إلى الغلو في الدين و الغالي فيه، و في الكتاب الكريم و السنّة و وقع البحث عنه في الفقه أيضا، فإن الأصحاب قد ذكروا الغلو و اختلفوا فيه موضوعا و حكما، و بيانه إجمالا ان الغلو المبحوث عنه في الفقه هو الغلو في النبي صلّى اللّه عليه و آله و علي و الأئمة عليهم السلام من بعده و بعض أصحابهم نظير غلو النصارى في عيسى عليه السلام، و يتصور له صور بعضها مستلزم للكفر و الشرك، و بعضها باطل غير مستلزم لذلك، فإنه إن اعتقد الغالي بربوبية محمد صلّى اللّه عليه و آله أو علي أو غيرهما من الخلق، بان اعتقد ان هذا الشخص الخارجي بعوارضه المشخصة هو الرب القديم الواجب وجوده، و أنكر غيره أو اعترف بوجود صانع واجب الوجود غيره، كان هذا كفرا أو شركا بلا إشكال، و ان اعتقد بربوبيتهم ذاتا و حدوث عوارضهم الشخصية الخارجية بعدا، بان تنزل الربّ و تجسد و تصور بصورة أحدهم، كما يتمثل الملك أو الجن بصورة البشر، فهو أيضا كفر لما ثبت بالضرورة من الشرع ان اللّه أجل شأنا من أن يصير بشرا يأكل الطعام و يمشي في الأسواق، و نظيرهما ما لو اعتقد بحلول الرب تعالى في جسد أحدهم كحلول الروح في جسد الإنسان.

و أما أن اعتقد بأنهم عليهم السّلام مظاهر أوصاف اللّه تعالى و ان أزمّة الأمور بأيديهم، من حيث خلق العالم، أو خلق الناس أو رزقهم أو أحيائهم و اماتتهم، أو ان معرفتهم تغني عن‌


جميع الطاعات فلا تكليف بعدها، أو ان علمهم بجميع الأشياء حضوري كعلمه تعالى أو ما أشبه ذلك فلا إشكال في بطلان جميع ذلك، إلاّ ان الظاهر إن إثبات شي‌ء من أوصاف اللّه تعالى لبعض مخلوقاته لا يوجب كفرا بعد الاعتراف بكون الموصوف مخلوقا له تعالى، نعم لو سلب صفة عن اللّه تعالى مع كونها ضروري الثبوت له كالخلق و الرزق أوجب الكفر، ألا ترى انه يصح نسبة الإماتة إلى ملك الموت (ع) و قسمة الأرزاق إلى ميكائيل (ع) و نحو ذلك.

* غسل الغسل*

الغسل بالضم في اللغة اسم مصدر و بالفتح مصدر من غسل الشي‌ء يغسله من باب ضرب طهّره بالماء و أزال وسخه، و في المجمع الغسل بالضم اسم لافاضة الماء على جميع البدن، و اسم الماء الذي يغتسل به انتهى. و في الجواهر: انه في الأصل اسم مصدر ثم نقل في العرف الشرعي على الأقوى فيه و في نظائره إلى أفعال خاصة للصحيح منها أو للأعم منها و من الفاسد انتهى (ج 3 ص 2) .

أقول الغسل في اصطلاح المتشرعة حقيقة في أفعال خاصة عبادية محتاجة إلى نية التقرب مخترعة من جانب الشارع فهي عبادة توفيقية تفتقر إلى البيان و تعيين الأجزاء و الشرائط و الموانع من الشارع، فورد في الشريعة ان له كيفيتين بمعنى ان ماهيته تتحقق على نحوين:

الأول: الترتيبي و هو أن يغسل الرأس و الرقبة أو لا، ثم الطرف الأيمن من البدن ثم الأيسر، و العورة تغسل بطبع الحال مع كل من الطرفين، و قيل انه مركب من فعلين: غسل الرأس و الرقبة و غسل بقية البدن جميعها، فهو على الأول ثلاثي التركيب و على الثاني ثنائي التركيب.

الثاني: الارتماسي و هو غمس تمام البدن في الماء دفعة واحدة عرفية، و ذكروا ان هذا على ثلاث صور: الأولى أن يقصد كون أول الغسل غمس أوّل جزء من البدن في الماء


و آخره إحاطة الماء بالجزء الآخر منه و لو كان ذلك المحل الذي أزال المانع عنه تحت الماء، و هذا ارتماس تدريجي، الثانية أن يقصد كون الغسل حال استيعاب الماء تمام البدن فالغسل يتحقق في آن تمامية الاستيعاب، و هذا غسل ارتماسي آني، الثالثة أن ينوي بعد حصول جميع بدنه تحت الماء الغسل آنا ما مع تحريك شي‌ء من بدنه أو بدونه و هذا أيضا ارتماسي آني.

ثم ان الغسل على أنواع شتى داخلة تحت جنس هذه العبادة، أو على أصناف كذلك داخلة تحت نوعها، و منشأ ذلك الاختلاف الواقع في أسبابها، كما يشير إليه تعابير النصوص بغسل الجنابة و غسل الحيض و غسل المس و نحوها، و يحتمل أن يكون حقيقة واحدة نوعية له مصاديق خارجية و كل من أسبابه يوجب طلب مصداق جزئي منها كالوضوء بالنسبة إلى أسبابه على احتمال بعيد عن ظواهر الأدلة.

و كيف كان فقد قسموا الغسل ابتداء إلى قسمين واجب و مندوب، و الأول سبعة أنواع، غسل الجنابة، و الحيض، و النفاس، و الاستحاضة المتوسطة و الكثيرة، و مس الميت، و غسل الأموات، و ما التزمه المكلف على نفسه بنذر و أخويه أو استيجار أو أمر المعصوم أو أمر الوالد أو شرط لازم أو مقدمة واجب أو ترك حرام و ما أشبه ذلك، و قد ذكر حكم كل واحد من هذه الأغسال تحت عنوانه الخاص.

و الثاني أنواع كثيرة جدا فأنهاها بعض إلى أربعين أو ستين، و أنهاها آخرون إلى سبعين و نقل عن بعض أنها مائة و تنقسم في أحد تقاسيمها إلى ثلاثة أقسام زمانية و مكانية و فعلية، و هذه النسبة لأجل دخل العناوين الثلاثة أي الزمان و المكان و الفعل في طلبها سببا أو شرطا.

أما الزمانية: بمعنى سببية حلول زمان خاص لاستحبابها فهي عدة أغسال، الأول غسل يوم الجمعة من طلوع الفجر الثاني إلى الزوال، و بعده إلى آخر يوم السبت قضاء، و ذكروا ان رجحان هذا الغسل من الضروريات، و تأكد استحبابه معلوم من الشرع، و الاخبار في الحث عليه كثيرة و ربما عبر عنه بالوجوب، بل ذهب إلى وجوبه الكليني و الصدوق و البهائي قدس سرهم، الثاني أغسال ليالي شهر رمضان من أول الليل إلى


آخره، الثالث غسل يوم الفطر، الرابع غسل يوم الأضحى، و وقتهما من أول اليوم إلى الزوال أو إلى الغروب، الخامس غسل ليلة الفطر، السادس غسل يوم التروية في تمام النهار، السابع غسل يوم عرفة في تمام اليوم كان في عرفات أو في بلد آخر، الثامن غسل أيام من رجب الأول و الوسط و الآخر، و السابع و العشرين و يوم المبعث، التاسع غسل يوم الغدير، العاشر غسل يوم المباهلة و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة، الحادي عشر غسل يوم النصف من شعبان، الثاني عشر غسل يوم المولود و هو السابع عشر من ربيع الأول، الثالث عشر غسل يوم النيروز، الرابع عشر غسل اليوم التاسع من الربيع، الخامس عشر الغسل يوم دحو الأرض و هو الخامس و العشرون من ذي القعدة، السادس عشر غسل كل ليلة من ليالي الجمعة.

و أما المكانية: بمعنى مطلوبيتها عند إرادة الدخول في مكان خاص فهي أيضا أقسام:

منها الغسل عن إرادة الدخول في الحرم، و الغسل عند دخول مكة المكرمة، و الغسل عند دخول المسجد الشريف، و الغسل عند دخول الكعبة المشرفة، و الغسل عند دخول حرم النبي صلّى اللّه عليه و آله، و الغسل عند دخول مشاهد الأئمة عليهم السّلام، و وقتها قبل الدخول عند إرادته.

و أما الفعلية: فهي قسمان المندوب عند إرادة فعل، و المندوب بعد الفعل الذي فعله، و القسم الأول أغسال كثيرة، أحدها الغسل للإحرام و قال عدة بوجوبه، الثاني للطواف كان لحج أو عمرة أو كان طواف النساء بل و للطواف المندوب أيضا، الثالث للوقوف بعرفات، الرابع للوقوف بالمشعر، الخامس للذبح و النحر، السادس للحلق، السابع لزيارة أحد المعصومين من قريب أو بعيد، الثامن لمن أراد أن يرى أحدهم عليهم السّلام في المنام فيغتسل ثلاث ليال بهذا القصد فينام، التاسع لصلاة الحاجة بل و لطلب الحاجة، العاشر لصلاة الاستخارة بل و للاستخارة و لو من غير صلاة، الحادي عشر لعمل أم داود، الثاني عشر لأخذ تربة قبر الحسين عليه السّلام، الثالث عشر لإرادة السفر لا سيما لزيارة الحسين عليه السّلام، الرابع عشر لصلاة الاستسقاء، الخامس عشر للتوبة من الكفر بل و من الفسق و كل معصية، السادس عشر للتظلم و الاشتكاء إلى اللّه من ظلم ظالم و للأمن من‌


خوفه، السابع عشر للمباهلة مع من يدعي باطلا، الثامن عشر لتحصيل النشاط للعبادة أو لخصوص صلاة الليل، التاسع عشر لصلاة الشكر، العشرون لتغسيل الميت و لتكفينه.

و القسم الثاني أي المندوب بعد الفعل فهو أيضا أغسال، الأول غسل التوبة فإذا ندم و استغفر اغتسل ندبا، و يمكن أن يكون لقبولها أو لسرعة القبول أو لكماله فيرجع إلى القسم السابق، و الأول أظهر، الثاني غسل المولود و عن الصدوق وجوبه من حين الولادة إلى ثلاثة أيام، الثالث غسل رؤية المصلوب، بحق كان أو بجور، الرابع غسل من ترك صلاة الآيات للكسوفين، مع احتراق القرص فيغتسل ثم يقضيها، الخامس غسل المرأة إذا تطيبت لغير زوجها فإنه لم تقبل لها صلاة حتى تغتسل من طيبها، السادس غسل من شرب مسكرا فنام فكأنه صار عروسا للشيطان فيغتسل شبه غسل الجنابة، السابع غسل من مس ميتا بعد غسله، ثم ان وقت هذا القسم من الغسل بعد الفعل إلى آخر العمر، و ان الأفضل الإتيان به فورا ففورا، و لا ينتقض الأغسال الزمانية بالحدث و ينتقض به القسم الأول من الفعلية و ينتقض به المكانية.

* غسل موت غسل الميت*

و قد عرفت ان الغسل عبادة مستقلة مخترعة من جانب الشارع، و ان له أنواعا كثيرة واجبة و مندوبة، و العنوان شامل لغسل الميت أيضا إلاّ أن له جهات خاصة اقتضت افراده بالذكر، لانه يمتاز عن سائر أنواعه كما و كيفا، أما الكم فإن المشروع فيه ثلاثة أغسال مرتبة كل واحد نظير غسل الجنابة، و أما الكيف فيجب أن يكون الأول بماء السدر، و الثاني بماء الكافور، و الثالث بالماء القراح أي الخالص من الخليطين، و يشترط فيها مضافا إلى ما يشترط في سائر الأغسال من شروط الصحة و الكمال، الترتيب بينها على النحو المزبور، و المماثلة بين الغاسل و الميت في الذكورة و الأنوثة، فلا يجوز تغسيل الرجل المرأة و عكسه عدا الموارد التالية: الأول الطفل الميت الذي لا يزيد سنه عن ثلاث سنين، فلا تجب المماثلة حينئذ، الثاني الزوج و الزوجة دائمة أو منقطعة وجد المماثل أو لم يوجد،


الثالث المحارم النسبية أو الرضاعية مع فقد المماثل.

ثم انهم استثنوا من وجوب تغسيل كل ميت موردين الأول الشهيد المقتول في معركة القتال في الجهاد الممضى من الشرع ابتداء أو دفاعا، الثاني المقتول برجم أو قصاص إذا أتى بغسلة قبل إجراء الحد، كان ذلك بأمر الحاكم أو من قبل نفسه.

* غشش الغش*

الغشّ بالفتح و الكسر في اللغة إظهار الشخص خلاف ما أضمره، و تزيينه غير ما فيه الصلاح خدعة، و في المجمع: غشّه لم يمحضه النصح و أظهر له خلاف ما أضمره انتهى. و في النهاية: الغش ضد النصح من الغشش و هو المشرب الكدر انتهى.

و الغش قد رتب عليه الحكم في الشريعة و وقع مورد البحث في الفقه في المكاسب و البيوع بالنسبة للمال و العوضين، و الأصحاب قد قسموه إلى قسمين خفي و جلّي، و الأول هو الغش بما يخفى كإخفاء الأدنى من المال في الأعلى كمزج الجيد بالردي، أو غير المراد بالمراد كإدخال الماء في اللبن، أو بإظهار الصفة الجيدة المفقودة واقعا و هو التدليس أيضا، أو بإظهار الشي‌ء على خلاف جنسه كبيع المموه باسم الذهب و الفضة، و الثاني هو الغش بما لا يخفى كخلط الحنطة بالشعير مثلا و نحو ذلك.

ثم ان الحكم المترتب على الغش الخفي هو الحرمة تكليفا، فقد ذكروا انه حرام بلا خلاف، و ان الاخبار به متواترة، و تزلزل البيع و الصلح و الإجارة و نحوها وضعا، فيكون الخيار لمن انتقل إليه المغشوش فراجع خيار العيب و التدليس.

* غصب الغصب*

الغصب في اللغة و الشرع و العرف بمعنى، و هو أخذ الشي‌ء ظلما كما في الصحاح و القاموس و غيرهما، و في المجمع تكرر ذكر الغصب في الحديث و هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير ظلما و عدوانا، يقال غصبه من باب ضرب فهو غاصب و غصبه منه و عليه بمعنى، و الشي‌ء غصب و مغصوب انتهى.


و في النهاية: الغصب أخذ مال الغير ظلما و عدوانا و نقل عن الإسعاد و هو فقه لبعض الشافعية زيادة (جهارا) لتخرج السرقة و نحوها، و هو غير سديد هذا.

و قد عرفه الفقهاء بتعاريف مختلفة كقولهم انه الاستيلاء على حق الغير عدوانا، أو انه الاستيلاء على حق الغير بغير حق، أو انه الاحتواء على مال الغير بغير تراض، إلى غير ذلك، و الظاهر وحدة المعنى المراد من الكل و اختلاف التعاريف لكونها شرح الاسم، و يمكن وجود الاختلاف في حقيقته عند بعضهم في بعض القيود، و ليس له حقيقة شرعية و لا متشرعية، لكنه موضوع لا بدّ ان يهتم به فان تجويزه و ترخيصه ينجر إلى فتنة في الأرض و فساد كبير، فعقدوا له بابا في الفقه و كتابا تحت عنوانه، و جميع ما ذكروه فيه يرجع إلى بيان عنوانه و أحكامه و أصناف متعلقة و كيفية رده و الخروج عن عهدته.

نظير ما ذكروا من أن المغصوب أما عين مع المنفعة كغصب الدار من مالكها، أو عين بلا منفعة كغصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها في مدة الإجارة، أو منفعة مجردة كغصب الموجر العين المستأجرة من يد المستأجر، أو حق مالي متعلق بالعين كالاستيلاء على أرض محجرة أو على عين مرهونة، و من هذا القبيل غصب المساجد و المدارس و الشوارع و المقابر فإنه استيلاء على الحقوق.

و انّ المغصوب منه قد يكون شخصا كغصب عين من زيد، و قد يكون نوعا كغصب الموقوف على الفقراء و الطلاب، و قد يكون جهة كغصب ما وقف على المساجد أو على إقامة التعزية أو تزويج العزاب.

و انّه للغصب حكمان تكليفيان و هما حرمة الاستيلاء و وجوب الرد بعده و حكم وضعي و هو الضمان بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب و من آثاره وجوب رد عينه مع البقاء و بدله مع التلف و هذا يسمى ضمان اليد.

و انّه يلحق به في الضمان، المقبوض بالعقد الفاسد المعاوضي، كالمبيع يأخذه المشتري، و الثمن يأخذه البائع، و المهر تأخذه الزوجة، و الجعل يأخذه العامل، كان الطرفان عالمين بالفساد أو جاهلين، و مثله المقبوض بالسوم، و لا يلحق به المقبوض‌


بالعقد الفاسد غير المعاوضي، كالعين الموهوبة و المستعارة و نحوهما فلا ضمان.

ثم ان الأصحاب ذكروا ان الغصب حرام عقلا و شرعا كتابا و سنة و إجماعا و ضرورة من الشرع لقوله تعالى‌ (لاََ تَأْكُلُوا أَمْوََالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبََاطِلِ) و قوله صلّى اللّه عليه و آله ان دماءكم و أموالكم عليكم حرام و قوله: و لا يحل دم امرئ مسلم و ماله إلا بطيب نفسه‌ [1] و قوله انّ كلّ غصب مردود.

* غنو الغناء*

للغناء في اللغة معان كثيرة و عرفه الفقهاء أيضا بتعاريف مختلفة و ليس له مصطلح شرعي أو متشرعي و لعل أقرب ما يمكن أن يعرف به، انه عبارة عن الصوت الإنساني الحسن العارض في الغالب على الأقوال و الألفاظ، الذي له شأنية الإطراب لمتعارف الناس، كان التأثير لنفسه أو له مع الأقوال المعروضة له إذا كانت باطلة، و تقييد الصوت بكونه إنسانيا لا خراج صوت غير الإنسان من البلابل و العنادل و نحوهما و ان كان مطربا، و تقييده بالحسن لا خراج الرديّ من الصوت و إن كان القول باطلا و اتفق حصول الطرب به كصوت الأبحّ و نحوه، و التقييد بالشأنية لإدخال ما كان على الوصف و لم يؤثر بالفعل لعوارض، فهو كشرب الخمر الذي لا يشترط فيه الإسكار بالفعل، و تأثير الصوت قد يكون بنفسه كالتغني بلسان لا يعرفه السامع و ان لم يكن باطلا، و قد يكون بمعونة معروضه كالتغني بالأقوال الباطلة المناسبة للقوة الشهوية و غيرها، و لا فرق بين تقارنه بالمحرمات كاختلاط الرجال بالنساء و استعمال المسكر و اللعب بالقمار و استعمال آلات الطرب و نحوها.

هذا كله بالنسبة لتشخيص موضوع الغناء.

و أما حكمه فقد ذكر عنوان الغناء في النصوص و رتب عليه حكم التحريم في الشريعة، و ذكره الفقهاء و أكثروا البحث عنه في الفقه، فالظاهر ان المشهور عند الأصحاب لو لا كونه اتفاقيا، هو تحريمه بل في الجواهر دعوى الإجماع عليه بقسميه، قال بل يمكن دعوى كونه


[1] الجواهر ج 37 ص 8.


ضروريا من المذهب، و عن المستند ان الدليل عليه هو الإجماع القطعي بل الضرورة الدينية و انه يدل عليه أخبار مستفيضة تزيد على ثلاثين حديثا انتهى.

لكن عن المحقق الأردبيلي انه ما رأيت رواية صحيحة صريحة في التحريم، و لعل الشهرة تكفي مع الاخبار و الإجماع ثم استشكل في حجيتهما و قال ان الأصل دليل قوي و الاحتياط واضح انتهى.

تنبيهان:

الأول: استدلوا على حرمة الغناء بنصوص كثيرة

واردة في تفسير قوله تعالى‌ (فَاجْتَنِبُوا اَلرِّجْسَ مِنَ اَلْأَوْثََانِ وَ اِجْتَنِبُوا قَوْلَ اَلزُّورِ) (الحج 30) فقد وقع التصريح فيها بكون المراد من قول الزور الغناء أو ان الغناء منه، فتدل الآية الشريفة ببركة النصوص المعتبرة على حرمة الغناء فان قول الزور يشمل كل كلام باطل فدخول الغناء فيه لانه لا يكون في الغالب الا عارضا على القول و صفة من صفاته فيكون القول باطلا لأجله فالآية تدل على حرمة الصوت المطرب المتحقق في ضمنه.

و حيث انه لا يمكن القول بحرمة كل قول باطل فلا بد من حمله على الباطل الخاص و هو ما ثبت تحريمه شرعا كالكذب و الفحش و الهجر و استهزاء المؤمن و غيبته و تهمته و قذفه و الشهادة الباطلة و التشبيب بالأجنبية و إظهار عورات الغير، بل و الكلمات الدالة على الكفر و الارتداد و إنكار أصول الدين و الفروع الثابتة منه و قول المشركين في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلاّ شريكا هو لك تملكه و ما ملك، و على هذا فالآية الشريفة مسوقة لبيان إجمالي مما فصل في الشريعة من المحرمات كقوله تعالى‌ (وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ اَلْخَبََائِثَ) .

و بالجملة النصوص الدالة على إدراج الغناء في الآية الشريفة مع ان معروضه من الأقوال لا يكون محرما في الغالب تعطي كونه محرما من جهة الوصف العارض له.

و نظيره الاستدلال بقوله تعالى‌ (وَ مِنَ اَلنََّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ اَلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اَللََّهِ) (لقمان 6) فإن إطلاق لهو الحديث على الغناء بلحاظ اندكاكه في الحديث فصار لهوا و شراؤه عبارة عن تملكه و الاستفادة منه بالعوض، و تأثير الغناء في ترك الواجب أو فعل‌


الحرام إضلال عن سبيل اللّه، و اللام للعاقبة لا للغاية لأنه لا يكون غرضا للمغني غالبا.

و هنا نصوص كثيرة أخرى أيضا لا إشكال في دلالتها على حرمة الغناء على نحو الإطلاق فراجع (الوسائل كتاب التجارة أبواب ما يكتسب به ب 99) .

الثاني: قد نسب إلى المحدث الكاشاني و الفاضل الخراساني صاحب الكفاية إنكار حرمة الغناء مطلقا،

و اختصاص الحرمة بمقارناته الغالبة كدخول الرجال على النساء و اللعب بالملاهي و نحوهما، و قد أنكر النسبة بعض مدعيا أن مرادهما التفصيل بين الغناء الحق و الباطل و الأول هو التغني بالأشعار المشتملة على ذكر الجنة و النار و المواعظ و نحوها، و الثاني ما كان متعارفا في مجالس أهل اللهو من بني أمية و بني العباس، بمعنى أن الغناء المقارن لها حرام لا أن المقارن حرام و هذا قد اختاره النراقي أيضا فراجع المفصلات.

* غنم ضأن معز شوه الغنم و الضأن و المعز و الشاة*

الغنم بالتحريك في اللغة اسم جمع لا واحد لها من لفظها و هي مؤنث موضوع للجنس الأعم من الضأن و المعز و الذكور و الإناث و يجمع على أغنام و غنوم، و هي حيوان معروف بين الناس كافة، بل هي أنفع البهائم و الأنعام و آنسها بالإنسان، و أطيبها لحما و أجودها شحما، و الضأن اسم جنس لغير المعز من أقسام الغنم، و المعز اسم جنس لغير الضأن من الغنم، و يقال للواحدة من كل من الضأن و المعز شاة.

ثم ان الغنم موضوع في الشريعة لأحكام كثيرة من تكليف و وضع، و قد وقع البحث عنها في الفقه في موارد، نظير كونها من الأجناس الزكوية فتتعلق بها هذه الضريبة الشرعية الهامة بشروط خاصة، و كونها من مصاديق الهدي الواجب في الحج، و تعينها في أغلب كفارات إحرام الحج و العمرة، و كونها أحد أطراف التخيير في دية القتل و ديات الأعضاء، و كذا الأضحية و العقيقة و نحوها فراجع عنوان الإبل و الأنعام.


* غنم ربح الغنيمة-الربح*

الغنيمة مصدر من غنم الشي‌ء يغنم من باب علم غنما و غنما و غنيمة فاز به و ناله بلا بدل، و الغنيمة ما يؤخذ من المحاربين عنوة، و الغنيمة الباردة، الطيبة بلا تعب، و الجمع غنائم، و في المجمع الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة و لكن اصطلح جماعة على أن ما أخذ من الكفار ان كان من غير قتال فهو في‌ء و ان كان مع القتال فهو غنيمة و إليه ذهب الإمامية و هو مروي عن أئمة الهدى عليهم السّلام انتهى.

و في النهاية الغنيمة و الغنم و المغنم ما أصيب من أموال أهل الحرب و أوجف عليه المسلمين بالخيل و الركاب و الغنم بالضم الاسم و بالفتح المصدر.

هذا و قد وقع عنوان الغنيمة في الفقه موردا للحكم و كثر استعمالها في جميع ما يتعلق به الخمس بل لعلها صارت مصطلحا خاصا في ذلك الباب فإنها تطلق فيه على المعنى الأعم الشامل لجميع الأعيان السبعة التي تعلق بها حق الخمس، غير الأرض المشتراة من الذمي و المخلوط بالحرام فإنه لا تصدق الغنيمة فيهما، و قد تطلق على خصوص الربح الذي هو قسم من السبعة و هذا أيضا يكثر استعمال لفظ الغنيمة فيه، و عليه فلا إشكال في كون الغنيمة موضوعا للحكم في باب الخمس اما لإرادة المعنى الأعم منها أو لإرادة خصوص ما يتحصل من الفوائد، و على الثاني يرادفها أو يقرب منها عنوان الربح و الكسب، و كيف كان فمحتملات موضوع هذا الحكم ثلاثة:

الأول: ان الموضوع أرباح التجارة و غنائمها فالحكم منوط بها و لا خمس في غيرها و ان حصل من الكسب غير التجارة.

الثاني: ان الموضوع عنوان الكسب و صدق التكسب، كالصناعات، و الزراعات، و الإجارات، حتى الخياطة و الكتابة و النجارة و الصيد و حيازة المباحات و أجرة العبادات الاستيجارية و تعليم الأطفال و غير ذلك مما كان من كدّ يمينه أو من أمواله المعدة للاستفادة بأجرتها أو نمائها من عقار أو حيوان أو غير ذلك.

الثالث: ان الموضوع عنوان الفائدة و ان دخلت في ملكه بغير الأسباب المذكورة


كالإرث و الصداق و الوقف و الوصية و الصدقة و الهبة و الهدية و الجائزة و نحوها، و هذا غير بعيد و ان قلنا باختصاص الحكم في الإرث بالذي كان من حيث لا يحتسب و خروج الصداق بدليل على اختلاف فيه.

* غوص الغوص*

الغوص بالفتح مصدر و هو النزول تحت الماء لإخراج شي‌ء أو غيره، و قد يطلق على الشي‌ء الذي يستخرج منه بالغوص، و ليس له اصطلاح خاص في الفقه لكنه وقع مورد البحث في الفقه تارة بعنوانه المصدري و أخرى بالمعنى الثاني.

فالأول: هو الذي عدوه من مفطرات الصوم، و رتبوا عليه التحريم و الكفارة في الجملة في الصوم الواجب المعين، لكن يكفي في تحقق موضوع التحريم هنا مطلق رمس الرأس في الماء و إن كان سائر الجسد خارجا عنه، سواء أ كان الرمس دفعة أم تدريجا، و فرعوا على العنوان في ذلك الباب فروعا كثيرة يرجع فيها إلى عنوان الصوم و المفطر.

ثم انه يقرب من الغوص بهذا العنوان ما ذكروه في الحج في عداد محرمات الإحرام من حرمة الارتماس في الماء و لزوم الكفارة عليه لكن موضوع الحرمة هناك عنوان تغطية الرأس بكل ما يغطيه من ثوب و قلنسوة بل و حشيش و طين و نحوها و يكون الغوص في الماء من مصاديق ذلك.

و الثاني: ما ذكروه في باب الخمس من جعل الغوص أحد العناوين السبعة التي تعلق بها الخمس أعني الضريبة المالية الإسلامية التي شرعها اللّه تعالى ملكا للإمام الحاكم على الناس، و قد بينوا هناك ان الغوص إخراج الجواهر من البحر من مثل اللؤلؤ و المرجان و غيرهما معدنيا أو نباتيا على اختلاف أعيانه و أجناسه غير الحيوانات، و في حكم البحر الأنهار الكبيرة التي تتكون الجواهر فيها و الأحكام الراجعة إلى خمسة و شرائطها مذكورة تحت عنوان الخمس.


* غيب الغيبة*

الغيبة في اللغة مصدر من غابه غيابا و غيبة إذا عابه و ذكره بما فيه من السوء فهي متعدية، و عن المصباح: اغتابه إذا ذكره بما يكرهه من العيوب و هو حق و الاسم الغيبة، و المحصل أن الغيبة ذكر الغير بإظهار نقصه و عيبه مع كراهته ظهوره، أو ذكره بقصد التنقيص و التعييب إذا كان ظاهرا.

و الغيبة قد وقع ذكرها في النصوص و رتب عليها أحكام في الشريعة، و جعلها الأصحاب في الفقه مورد البحث، و الظاهر ان مرادهم بها هو المعنى اللغوي فذكروا انها من المحرمات الكبيرة، و تدل على حرمتها الأدلة الأربعة، و لا فرق فيما يذكر و يظهر بين ما كان نقصا في بدن المغتاب، أو نسبه، أو خلقه، أو فعله، أو قوله، أو دينه، أو دنياه، حتى في ثوبه و داره و دابته، و انه لا فرق أيضا بين الذكر باللسان أو بغيره، من فعل و حركة و كتابة و غيرها مما يكون مذكّرا للمغتاب بالسوء، فان الملاك جعله في معرض الذكر في مقابل الغفلة عنه، و لا فرق في الحرمة بين الذاكر المغتاب، و المستمع لذلك اختيارا، نعم الظاهر اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن دون الكافر و غير المؤمن.

ثم انهم ذكروا موارد قد استفيد من النصوص استثناؤها عن الحرمة موضوعا أو حكما، منها غيبة المتظاهر بمورد الغيبة أو مطلقا، و مورد نصح المستشير، و مقام الاستفتاء بان يقول ظلمني فلان حقي فكيف الخلاص، و قصد ردع المغتاب عن المنكر، و قصد حسم مادة المغتاب كالمبتدع الذي يخاف من إضلاله الناس، و جرح الشهود، و دفع الضرر عن المغتاب، و ذكر العيب الذي صار صفة مفرّقة له كالأعمش و الأشتر، و رد من ادعى نسبا، و القدح في مقالة باطلة.

ثم الظاهر انه لا كفارة مالية و لا غيرها في الغيبة، بل الأحوط الاستحلال من المغتاب بالفتح، و مع عدم الإمكان الاستغفار له.

ثم ان عنوان الغيبة بمعناه اللغوي قد وقع موضوعا لحكم آخر في الفقه، و هو الطهارة فيما إذا علم بنجاسة بدن شخص أو ثوبه أو سائر ما يتعلق به فغاب أحدهما عن الآخر، ثم‌


لاقاه بعد مدة احتمل تطهيره لها فله أن يحكم بأن طهرها، فالغيبة من المطهرات و البحث عنه تحت عنوان المطهر.

* فضل الفضولي*

الفضول جمع فضل بمعنى الزيادة أو هو مصدر بمعنى الزيادة كالطلوع و الغروب، و الياء تدل على النسبة فالمراد به المنسوب إلى الزيادة، و قد كثر استعمال الكلمة في الفقه في العقود التي تصدر عن غير من له العقد، فسموا الشخص الذي أنشأ ذلك العقد فضوليا لكونه زائدا خارجا عن السلطة على العقد، أو سموا نفس العقد فضوليا لأنه زائد خارج عن وظيفة العاقد المجري له. و إطلاقات الأصحاب مبنية على الفرض الأول، و الظاهر أن الكلمة صارت مصطلحا خاصا لهذا المعنى في الفقه لا سيما في باب العقود و الإيقاعات، و لأجل ذلك عرف الفقهاء الفضولي بأنه هو الكامل غير المالك للتصرف و لو كان غاصبا، و عن العامة تعريفه بأنه العاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه. و على هذا فكما يشمل التعريف عقد النكاح الصادر من غير الزوجين، و البيع الصادر من غير مالك العين، يشمل العقد الصادر من الباكرة الرشيدة بدون إذن الولي، و الصادر من مالك العين إذا لم يملك التصرف كبيع الراهن و السفيه و نحوهما. و على أيّ يعتبر في العقد الصادر من الفضولي اجتماعه بجميع شروط الصحة عدا صدوره من أهله.

ثم ان الكشف عن ماهية عقد الفضولي و أقسامه و شروطه و أحكامه يتوقف على ذكر أمور تعرض لها الأصحاب في خصوص عقد البيع، لكن حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز سواء، و ان كان بين العقود فرق في الجملة.

الأول: انه يتصور بيع الفضولي على صور فإنه أما ان يبيع للمالك أو يبيع لنفسه، و على التقديرين فاما أن يسبق من المالك منع عن البيع أم لا.

أما الأول: و هو أن يبيع الفضولي للمالك مع عدم سبق المنع، و هذا هو المتيقن من مورد الفضولي و محل البحث فيه، و قد اختلفت أقوالهم في صحته بمعنى قابليته للحكم‌


بالنفوذ و ترتب الآثار عليه مع لحوق الإجازة من المالك، و المشهور عندهم هو الأول فحكموا بلزوم ترتيب آثار الصحة إذا أجازه المالك بحيث كأنه صدر من المالك نفسه، و استدلوا على ذلك بأدلة العقد العامة و أدلة العقد الفضولي خاصة، و نظيره إجارة الفضولي و صلحه و نكاحه.

و أما الثاني: و هو أن يبيع للمالك مع سبق نهيه عنه فالمشهور فيه أيضا الصحة، و ان قال بعض بالبطلان بتوهم ان المنع السابق الباقي بعد العقد و لو بلحظة رد للعقد، فالإجازة بعد الرد غير نافذة، و يرده ان الباقي عدم طيب النفس و هو غير مؤثر شيئا.

و أما الثالث: و هو أن يبيع الفضولي لنفسه و هذا من غير فرق بين سبق النهي و عدمه، و يتفق كثيرا من الغاصب بدعوى مالكيته للمال، و المشهور فيه أيضا صحة العقد مع لحوق الإجازة، و قد يتوهم في المقام ان البائع الفضولي لما قصد النقل عن نفسه فقد قصد دخول الثمن في ملكه، و لازم إجازة هذا العقد دخول الثمن في ملك الفضولي دون المالك، و دفعوه بأن المالك إنما يجيز أصل المبادلة بمعنى انتقال العين إلى مالك الثمن، و انتقال الثمن إلى مالك المبيع، و نتيجة صحة هذه الإجازة انتقال الثمن إلى ملك المجيز، و أما دعوى البائع الفضولي ملكية العين لنفسه و انتقال الثمن إلى ملكه فهي باطلة في نفسها، غير ممضاة من طرف المالك، فالبيع يصح و ينفذ للمالك و ينتقل إليه الثمن.

الأمر الثاني: اختلفت كلمات القوم في كيفية تأثر الإجازة المتأخرة زمانا في العقد المتقدم، و انه هل هي بنحو الكشف أو النقل على وجوه و لعلها تبلغ ثمانية، أكثرها مبنية على الدقة العقلية فيما يستند إلى العرف، و في فهم معاني ألفاظهم، و لعل بعضها ممتنعة عقلا أيضا كما ان بعضها مما تطمئن النفس بعدم إرادته من النصوص.

و المذكور في كلام بعض المحققين أن محتملات الإجازة أربعة:

الأول: الكشف الحقيقي بمعنى كونها كاشفة بعد صدورها من المالك بشروطها، عن تأثير العقد السابق من حين وقوعه بأن تكون الإجازة شرطا متأخرا للنقل و الانتقال، و ذكروا أن هذا هو المشهور بين الأصحاب.


الثاني: الكشف الحقيقي بالتزام كون الشرط تعقب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة فرارا عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط.

الثالث: الكشف الحكمي بمعنى لزوم ترتيب آثار العقد الصحيح على الواقع من حين صدوره تعبدا و إن لم يتحقق الموضوع إلاّ بعد الإجازة.

الرابع: النقل بمعنى أن صحة العقد و ترتب الآثار عليه لا تكون إلاّ بعد الإجازة لأنها شرط في الصحة، و لا أثر للمركب قبل تمامه.

ثم إنهم ذكروا أن الثمرة بين الأول و الثاني تظهر في جواز تصرف المشتري مثلا فيما انتقل إليه إذا علم بالإجازة، فإنه غير جائز على الأول جائز على الثاني، و هذا مخدوش عند التأمل و الثمرة بين الكشف و النقل تظهر في جواز تصرفه قبل الإجازة على الكشف و عدمه على النقل و هكذا و التفصيل في الفقه.

الأمر الثالث: ذكر الأصحاب انه لو اتفق وقوع عقود فضولية على مال المالك يحصل من ذلك صور يختلف حكمها باختلاف تعلق الإجازة، و ذلك لأن العقود إما ان تقع على نفس مال الغير بتبادل الأيادي عليه، كأن ببيعه الفضولي من زيد و ببيعه زيد من عمرو و هكذا، أو تقع على بدله كان يبيعه الفضولي بكتاب، و يبيع الكتاب بدينار، و الدينار بدرهم. و هكذا، فعلى الأول ان أمضى المالك العقد الأول صح و ما بعده من العقود، و ان أمضى الأخير صح هو و بطل ما قبله منها، و ان أمضى الوسط صح و ما بعده و بطل ما قبله و على الثاني ينعكس الأمر فإنه ان أمضى الأول صح هو و بطل ما بعده من العقود، بمعنى صيرورتها فضولية، و ان أمضى الأخير صح و ما قبله، و ان أمضى الوسط صح و ما قبله، و بطل ما بعده، و للمسألة صوره كثيرة أشرنا هنا إلى شي‌ء منها فراجع المطولات.

الأمر الرابع: تعرض الأصحاب (قده) في المقام لحال الإجازة، و ان من أحكامها مضافا إلى الكشف و النقل اشتراط ان تكون باللفظ الصريح عند العرف، أو بالفعل الكاشف عن الرضا كذلك، كالتصرف في الثمن، و إجازة البيع الواقع على الثمن، و تمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوجت فضولا، و أنّ كفاية الرضا الباطني من غير مظهر و مبرز


مورد إشكال، و أنّه يشترط فيها أن لا يسبقها الرد، فإنه مع الرد ينفسخ العقد فلا يبقى مجال للإجازة، و أنّ الإجازة ليست على الفور و غير ذلك.

الأمر الخامس: ذكروا في المقام رد العقد، و أثره إسقاط العقد عن التأثير و خلعه عن قابلية الصحة بالإجازة، و لا يتحقق كالإجازة إلاّ بالقول الصريح عند العرف كقوله رددت أو فسخت أو أبطلت أو بالفعل الدال عليه كذلك كإتلاف ما باعه الفضولي أو بيعه أو وقفه مع علمه بالبيع و نحو ذلك.

* فقع الفقاع*

فقع لون الشي‌ء في اللغة كان صافيا خالصا، أو اشتد صفرته و الفقع البيضاء الرخوة من الكمأة، و الفقاع الشراب يتخذ من ماء الشعير، سمي به لما يعلوه من الزبد، و في المجمع:

فاقع لونها أي شديد الصفرة و الفقاع كرمان شي‌ء يشرب يتخذ من ماء الشعير فقط و ليس بمسكر، و لكن ورد النهي عنه، قيل سمي فقاعا لما يرتفع في رأسه من الزبد انتهى أي لكون ما يعلو عليه صافيا خالصا.

و كيف كان فقد وقع البحث في الفقه عن تشخيص موضوعه و بيان حكمه، أما الأول فيظهر من غير واحد من الأصحاب كونه في مصطلح الفقهاء اسما للشراب الذي كان يتخذ من ماء الشعير و البر و القمح، و في العروة الوثقى انه شراب متخذ من الشعير على وجه مخصوص و يقال ان فيه سكرا خفيفا و ان كان من غيره فلا حرمة و لا نجاسة إلاّ إذا كان مسكرا، و أما الحكم فيظهر منهم حرمته و نجاسته مطلقا حصل فيه النشيش و الغليان أم لا فان المدار تحقق اسم الفقاع على إشكال في إطلاقه، و الكلام في حرمته مذكور في باب الأشربة المحرمة و في نجاسته في باب النجاسات و في ترتب العقاب عليه في باب الحدود.

و استدل الأصحاب على حرمته و نجاسته بما ورد من تنزيله منزلة الخمر فتدل على الحكمين.


* فقه الفقه*

الفقه في اللغة الفهم من فقه يفقه من باب علم، يقال فقه الكلام علمه و فقهه بالتشديد علّمه، و في المجمع يقال فقه الرجل بالكسر يفقه فقها من باب تعب إذا علم، ثم خصّ به علم الشريعة، قال بعض الأعلام و يسمى العلم بالأحكام فقها، و الفقيه الذي علم ذلك و اهتدى به إلى استنباط ما خفي عليه انتهى و في المفردات: الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخص من العلم، و الفقه العلم بأحكام الشريعة، يقال فقه الرجل فقاهة إذا صار فقيها انتهى. أقول ما ذكره من اختصاص الفقه بعلم الشريعة لعله استفادة من استعماله في الآية الشريفة في علم الدين قال تعالى‌ (لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ) لكن الاستعمال لا يكون مخصصا.

و كيف كان فالظاهر ثبوت اصطلاح خاص للكلمة بين الفقهاء في معنى أخص من المعنى اللغوي، بل في مفهوم أخص مما ذكره عدة من أهل اللغة من انه العلم بأحكام الشريعة، و هو المعنى المصطلح عليه عند فقهائنا و توضيحه يتوقف على بيان أمور:

الأول: ذكر تعريفه عندهم، فإنهم عرفوه بتعاريف مختلفة، لعل أسدها ما اشتهر بينهم، من انه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفضيلية، لكن الأولى تعريفه بأنه قيام الحجة التفصيلية عند الشخص على الأحكام الفرعية الدينية و موضوعاتها المستنبطة، فالفقيه هو من قامت عنده الحجة عليها، و المجتهد هو من تحمل الجهد في إقامة الحجة، و المراد بالحجة التفصيلية الكتاب و السنة و العقل و كذا اللغة و العرف في استنباط الموضوعات و التقييد بها لإخراج علم المقلد و تبديل العلم بالأحكام، بقيام الحجة عليها لعدم حصول العلم بالأحكام للفقيه في جميع موارد الاستنباط، بل يحصل ذلك في بعضها، و تقوم الحجة في بعضها الآخر، و المراد بالأحكام الأحكام الراجعة إلى الدين الأعم من التكليفية و الوضعية و الواقعية الأولية و الثانوية و الظاهرية، و الشرعية و العقلية.

و ذكر الموضوعات لإدراج أبحاث كثيرة مسوقة لبيان حال موضوعات الأحكام و أجزائها و شروطها، بحيث لا ينبغي عدها استطرادا في العلم، و هي الموضوعات‌


المستنبطة المحتاجة إلى الفحص و التحقيق كانت من مخترعات الشرع كالعبادات، أو لم تكن كالصعيد و الوطن و المعدن و نحوها.

ثم انه على ما ذكرنا لا يكون موضوع علم الفقه أفعال المكلفين من حيث عروض الأحكام عليها محضا، بل الأفعال من حيث الأحكام و من حيث تشخيص أنفسها و أوصافها في مقام موضوعيتها، و على هذا فموضوع علم الفقه طبائع الأفعال من حيث عروض الأحكام عليها و من حيث انطباقها على المصاديق الخارجية و عدمه.

الثاني: مجموع الأبواب الفقهية التي سماها الأصحاب كتبا يقرب من اثنين و ستين كتابا، ذكرها في الشرائع و أدرجها تحت أربعة عناوين، و هي: العبادات و العقود و الإيقاعات و الأحكام.

أما العبادات: فقد جعلها عشرة كتب، و هي كتاب الطهارة، و الصلاة، و الزكاة، و الخمس، و الصوم، و الاعتكاف، و الحج، و العمرة، و الجهاد، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر.

و لا يخفى عليك ما في ذكر الجهاد و الأمر و النهي في العبادات، فان المراد من المقسم، العبادة بالمعنى الأخص، و في عدم ذكر الكفارات من العبادات مع انها منها، و في ذكر الأبحاث السبعة في الطهارة مع انها ليست منها.

و أما العقود: فقد ذكر تحت عنوانها تسعة عشر كتابا التجارة، و الرهن، و الفلس، و الحجر، و الضمان، و الصلح، و الشركة، و المضاربة، و المزارعة، و المساقاة، و الوديعة، و العارية، و الإجارة، و الوكالة، و الوقف، و السكنى و أختاها، و الهبة، و السبق و الرماية، و الوصية، و النكاح.

و لا يخفى عليك ما في عدا الفلس و الحجر من العقود بل و كذا السبق و الرماية و الوصية و السكنى و أختيها.

و أما الإيقاعات: فقد ذكر تحت عنوانها أحد عشر كتابا و هي: كتاب الطلاق، و الخلع، و المبارأة، و الظهار، و الكفارات، و الإيلاء، و اللعان، و العتق، و المكاتبة، ـ


و التدبير، و الاستيلاء، و الإقرار، و الجعالة، و الإيمان، و النذور، و لا يخفى عليك ما في عدا الكفارات من الإيقاعات و كذا الإقرار فإنه إخبار بل و الجعالة فإن فيها إشكالا.

و أما الأحكام: فقد ذكر تحت عنوانها اثني عشر كتابا و هي: كتاب الصيد، و الذباحة، و الأطعمة، و الأشربة، و الغصب، و احياء الموات، و اللقطة، و الفرائض، و القضاء، و الشهادات، و الحدود، و التعزيرات، و القصاص، و الديات، و ستعرف ما فيه.

الثالث: في الإشارة الإجمالية إلى ما ذكروه في ترتيب الكتب الفقهية و كيفية تبويبها، فنقول لم يقسم الأصحاب أبواب الفقه تقسيما منظما يرتضيه الذوق السليم، و لم يذكروا لتبويبها و إدراجها تحت عناوين خاصة، ما يبتنى على نهج قويم، و لم يعتنوا بشأن هذا المعنى، و أمتن ما يرى من ذلك بين الأقدمين ما عرفت من الشرائع و أيده الشهيد (قده) و ذكر في وجه حصره، أن المبحوث عنه في الفقه أما أن يتعلق بالأمور الأخروية أو الدنيوية، فإن كان الأول فهو العبادات، و إن كان الثاني فلا يخلو أما أن يفتقر إلى عبارة أو لا، فإن لم يفتقر فهو الأحكام، كالديات و القصاص و الميراث، و ان افتقر فاما أن يكون من الطرفين أو من طرف واحد، فإن كان الثاني، فهو الإيقاعات، كالطلاق و العتق، و إن كان الأول فهو العقود، و يدخل فيه المعاملات و النكاح انتهى.

و قسم المحقق الصدر الشهيد (قده) أبواب الفقه إلى أربعة بتقسيم آخر قال: ثم صنّفنا الأحكام أربعة أقسام، القسم الأول العبادات، القسم الثاني الأموال و يشتمل على الأموال العامة و الخاصة، القسم الثالث السلوك الخاص، القسم الرابع السلوك العام انتهى، و مراده بالسلوك الخاص روابط الشخص مع عائلته و مجتمعة و بالسلوك العام الولاية و شؤونها و هذا أمتن من تقسيم المحقق (قده) لكنه لم يذكر كيفية إدراج الكتب تحت الأبواب فإن فيه كلاما.

فالأولى: في المقام أن نقول: انه ينبغي جعل العناوين ستة، و إدراج الكتب فيها على النحو التالي:

العنوان الأول: العبادات و يندرج فيها عشرة كتب، الوضوء، و الغسل، و التيمم،


و الصلاة، و الصوم، و الاعتكاف، و الحج، و العمرة، و الكفارات البدنية و المالية.

العنوان الثاني: الشؤون الفردية، أي الأعمال الشخصية غير العبادية، التي لا ترتبط بالمال و لا بالعائلة و المجتمع، و يندرج فيها ثمانية كتب: المياه، و التخلي، و الاستنجاء، و النجاسات، و الأواني، و المطهرات، و الدماء الثلاثة، و النذر، و العهد، و اليمين، و الأطعمة و الأشربة.

العنوان الثالث: الشؤون العائلية أي السلوك مع الأهل و الأرحام، و يندرج فيها أيضا ثمانية كتب النكاح، و الطلاق، و الظهار، و الإيلاء، و اللعان، و تجهيز الأموات، و الإرث، و الدفاع.

العنوان الرابع: الأموال الفردية تحصيلا و حفظا و تصرفا، و يندرج فيها اثنان و عشرون كتابا: إحياء الموات، و الصيد، و الذباحة، و التجارة، و البيع، و الإجارة، و الجعالة، و الصلح، و الرهن، و المضاربة، و الشركة، و المزارعة، و المساقاة، و الضمان، و الحوالة، و الكفالة، و الوكالة، و الوديعة، و العارية، و الوقف، و الهبة، و السكنى، و العمرى، و الرقبى، و الوصية، و الغصب، (و الحجر و التفليس) .

العنوان الخامس: الولايات أي الشؤون و الأعمال التي ترتبط بمجتمع الإنسان عدا أسرته، و كيفية سلوكه معهم، و يندرج فيها تسعة كتب الولاية و الحكومة، و الجهاد، و الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر، و الخمس، و الزكاة، و الأنفال، و الخراج، و السبق و الرماية.

العنوان السادس: الأمور القضائية و الجزائية، و هي ما يرتبط بالمنازعات و فصل الخصومات و التعدي عن حدود اللّه الأولية، و يندرج فيها سبعة كتب: القضاء، و الشهادات، و الإقرار، و الحدود، و التعزيرات، و القصاص، و الديات، و الكفارات.

ثم ان بعض تلك الكتب له جهتان أو جهات يصلح لأجلها إدراجه تحت عنوانين منها أو أكثر، نظير الكفارات المالية، فإنها عبادة و تصرف مالي و مجازاة، و كذا الخمس و الزكاة و غيرهما و الترجيح محول إلى ذوق المتأمل.


الأمر الرابع: قد مرّ انهم عرّفوا الفقه، بأنه العلم بالأحكام عن أدلتها التفصيلية و المراد بها مصادرها الأولية الكتاب و السنة و العقل و مرادهم بالكتاب ظواهره، و بالسنة ظواهر الأحاديث المعتبرة المروية عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة من أهله عليهم السّلام و بالعقل الأحكام التي حكم العقل بها، حكما قطعيا بالنسبة لأنفسها أو موضوعاتها و قد ذكرنا حال كل منها تحت عنوانها فراجع.

* فقر سكن الفقير و المسكين*

الفقر في اللغة الحفر يقال فقرت للفسيل أي حفرت مكانا لغرسه، و الفقرة بالضم الحفرة، و الفقر الثقب يقال فقرت الخرز أي ثقبته، و الفقر أيضا انكسار الفقرة، و هي واحدة فقار الظهر، و الفقير يستعمل في اللغة و العرف و الشرع فيمن لا مال له، و هذا معنى كنائي بالنسبة لجميع المعاني لكنها لم تلاحظ الآن في الاستعمالات لصيرورة اللفظ حقيقة فيه.

و المسكين هو الفقير في اللغة، إلاّ أنه أسوأ حالا منه، لإفادته انه قد سكن عن الحركة من كثرة الفقر، و في المفردات: أن المسكين هو الذي لا شي‌ء له، و هو أبلغ من الفقير، و قوله و أما السفينة فكانت لمساكين فإنه جعلهم مساكين بعد ذهاب السفينة أو لأن سفينتهم غير معتد بها انتهى. أقول أو كانوا اجراء لصاحبها و اللام ليست للملكية خاصة. و الفقير و المسكين قد وقعا موضوعا لأحكام في الفقه.

منها: كونهما من الأصناف الثمانية لمصارف الزكاة، و لعلهما أهمها و أعظمها، فيستحقان سهما منها كسائر الأصناف، و ذكروا انه يكفي في جعلهما صنفين كون المسكين أسوأ حالا من الفقير، فهو أرجح منه من حيث المصرف.

و منها: كونهما مصرفا وحيدا لجميع أقسام الكفارات المالية.

و منها: عدم وجوب عدة من الواجبات عليهما، كحجة الإسلام و عمرته، و زكاة الفطرة و هي زكاة الأبدان، و الخمس في أرباح مكاسبه إذا لم تزد على مؤنة سنته و غير


ذلك.

* فلس الفلس*

الفلس بالفتح فالسكون قطعة مضروبة من النحاس و نحوه للتعامل بها، و جمعه فلوس و إفلاس، و ليس له فعل من الثلاثي، و أفلس الرجل افتقر فكأنه ذهب خيار أمواله و بقي له الفلوس، و فلّسه بالتشديد جعله مفلسا فقيرا، و منه تفليس الحاكم، و ليس للإفلاس و التفليس اصطلاح خاص في الفقه، إلاّ أنه قد كثر استعمال التفليس عند الأصحاب فيمن ركبته الديون الخلقية، و استغرقت أمواله الموجودة، و عجز عن أدائها من غير طريق ماله، فحجر الحاكم له حينئذ تفليس، و المحكوم عليه مفلس. و ذكر الأصحاب أن هذا الحكم يحتاج إلى الشروط التالية: الأول: ثبوت ديونه عند الحاكم. الثاني: كون أمواله قاصرة عن مقدار ديونه لا مساوية و لا زائدة. الثالث: كون ديونه حالّة. الرابع: التماس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه و التفليس. فإذا تحققت هذه الشروط و حكم الحاكم، تعلق حق الديان بالأعيان الخارجية نظير تعلق حقهم بتركة الميت، فليس له بعد ذلك التصرف فيها بنقل و إتلاف و غيرهما، و للحاكم قسمتها بين الغرماء على نسبة الدين و التفصيل في الفقه.

* قعد جوز قاعدة التجاوز*

التجاوز في اللغة المرور و العبور عن الشي‌ء، و ليس له في الشرع مصطلح خاص، و قاعدة التجاوز في اصطلاح الفقهاء عبارة عن قاعدة كلية جارية في أبواب كثيرة من الفقه، بالنسبة لكل عمل محدود بحد معين أو موقت بوقت خاص، و لها موضوع و محمول، موضوعها الشك في الإتيان بعمل في محله المعين بعد الخروج عن ذلك المحل، و محمولها الحكم بالإتيان به و تحققه في محله، و ترتيب آثاره عليه، و قد أشرنا في قاعدة الفراغ إلى الفرق بينها. و بين تلك القاعدة، و انهما تفترقان بأن الموضوع هنا الشك في الوجود بعد


الخروج عن محله، و هناك الشك في الصحة بعد الفراغ عن نفسه، و المحمول هنا الحكم بالتحقق و هناك الحكم بالصحة.

ثم انهم ذكروا انه يشترط في هذه القاعدة إما الخروج عن وقت العمل المشكوك فيه إذا كان محدودا بوقت كالصلاة و الصيام، فإذا شك بعد طلوع الشمس في أنه صلى الغداة أم لا، بنى على الإتيان بها، أو الدخول في فعل غيره فيما إذا كان مرتبا عليه، كما إذا شك في القراءة بعد الدخول في الركوع أو في الركوع بعد الدخول في السجود و هكذا.

تنبيه: ذكر الأصحاب أن الدليل على القاعدة سيرة العقلاء في أمورهم العادية، و نصوص خاصة تدل على إمضاء القاعدة فراجع المطولات.

* قعد فرغ قاعدة الفراغ*

الفراغ في اللغة الإتمام و الخلو يقال فرغ عن الشي‌ء، أتمه و خلا منه و ليس له في الشرع اصطلاح خاص، و قاعدة الفراغ في مصطلح الفقهاء عبارة عن قاعدة كلية جارية في موارد كثيرة في الفقه موضوعها الشك في صحة الشي‌ء و تماميته بعد الفراغ عنه و محمولها الحكم بالصحة و ترتيب آثارها. و المراد بالشي‌ء في الموضوع كل قول أو فعل صالح للصدور من المكلف قابل للنقص و الكمال و الصحة و الفساد، و مترتب عليه حكم من الشرع، كقراءة القرآن، و أذكار العبادات، و أفعال الطهارات، و التطهير بالمطهرات، و الصلوات، و الصيام، و سائر العبادات، و العقود، و الإيقاعات، و تذكية الحيوانات، و ما أشبه ذلك. و المراد بالفراغ الخروج عنه و إتمامه سواء دخل في عمل غيره أم لا، و المراد من الحكم بالإتمام ترتيب آثار الصحة عليه. فالمحصل من القاعدة انه كلما فرغ المكلف من عمل ثم شك في انه أتمه أو أخل بجزء منه أو شرط فله الحكم بالتمامية و ترتيب آثارها.

ثم انهم ذكروا في المقام أمورا تبين حال القاعدة موضوعا و محمولا و دليلا.

منها: انه لا يخفى الفرق بين هذه القاعدة و قاعدة التجاوز فإنهما و ان اشتركا في الشك و في فراغ الذمة و عدم الاعتناء بالشك و الحكم بالفراغ، إلاّ أن بينهما فرقا في الموضوع‌


و المحمول و الدليل، فإن قاعدة الفراغ عبارة عن الشك في صحة الشي‌ء المحقق بعد الفراغ عنه و الحكم بصحته، و قاعدة التجاوز عبارة عن الشك في وجود الشي‌ء بعد الخروج عن محله، و الحكم بتحققه و وجوده، فإذا طلعت الشمس على المكلف، فقد يشك في صحة فريضته المأتي بها في الوقت، و قد يشك في الإتيان بها في الوقت، و الأول موضوع قاعدة الفراغ، و الثاني مجرى قاعدة التجاوز.

و منها: ما ذكره عدة، من انه هل يكفي في جريان قاعدة الفراغ، مجرد إتمام العمل و الفراغ عنه، أو يشترط الدخول في عمل آخر، فذكروا فيه قولين، فإذا أتم المتوضئ وضوءه بمسح الرجل اليسرى فشك فيه و هو جالس على حال الوضوء جرت القاعدة على الأول دون الثاني، و قد ورد في الصحيح إذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها فشككت فلا شي‌ء عليك، و ظاهره الوجه الثاني و حمله أرباب القول الأول على بيان حال الغالب دون الاشتراط.

منها: انه هل يشترط في قاعدة الفراغ كون الشخص في حال شكه عالما بكونه متذكرا حال العمل و متوجها إلى منشأ شكه، أو يكفي احتمال ذلك أو تجري القاعدة و لو علم بغفلته حين العمل عن حال ما أوجب شكه وجوه، فذكروا انه ذهب إلى كل من الوجوه قائل، و ذلك كما إذا توضأ و في يده خاتم فشك بعده في وصول الماء إلى ما تحته فحكم فيه كل على وفق مذهبه.

و منها: انه هل يشترط في تمامية القاعدة، فيما إذا أريد إجراؤها في متعلق التكاليف كالوضوء و الصلاة، كون منشأ الشك حصول الخلل في المأمور به مع العلم بتعلق التكليف و تنجزه، أو تجري و لو كان الشك من جهة نفس التكليف، وجهان بل قولان، فإذا أتى المكلف بالصلاة بعد دخول الوقت، فشك في صحتها من جهة الطهارة عن الحدث مثلا، جرت القاعدة على القولين و إذا شك في صحتها من جهة وقوعها قبل دخول الوقت أو بعده، لم تجر على الأول و جرت على الثاني.

و منها: ان القاعدة هل هي أمارة، بمعنى أن الشارع جعل حالة القرب من العمل لمريد


إبراء الذمة، امارة على إتمامه و عدم تركه شيئا مما له دخل في صحته، أو هي أصل بمعنى أن الشارع حكم بصحته و ترتيب آثارها تعبدا لمكان الشك من غير نظر إلى الواقع، ذهب إلى كل ذاهب، لكنه على التقديرين القاعدة مقدمة على أغلب الأصول المخالفة لها حكومة أو تخصيصا.

و منها: ما ذكروا من أن القاعدة كما تجري في الأعمال المركبة من أجزاء و قيود بالنسبة لمجموعها، كالشك في صحة الصلاة المأتي بها، تجري بالنسبة لأجزائها أيضا كما إذا شك في صحة القراءة بعد الركوع، و قد استثنى من هذه الكلية الوضوء فإنه لا تجري القاعدة في أجزائها و شرائطها قبل الفراغ من نفس العمل، و ذلك لورود النص في ذلك و في لحوق الغسل و التيمم به وجه قوي.

و منها: ما ذكروا أن الدليل على القاعدة مضافا إلى السيرة العقلائية القطعية على ذلك نصوص خاصة تدل على إمضاء السيرة فراجع المطولات من الفقه.

* قعد حرج عسر أصر قاعدة لا حرج و لا عسر و لا إصر*

الحرج في اللغة بمعنى الضيق و الشدة أو بمعنى أضيق الضيق، ولاء النفي تدل على عدمها، و المعنى عدم الضيق و الشدة، و يقرب منه في المعنى كلمة عسر و كلمة إصر بالكسر، هذا بحسب اللغة و أما في اصطلاح الفقهاء فالمراد بنفي الحرج و شبهه، عدم جعل اللّه تعالى و تشريعه في دينه، حكما و تكليفيا إلزاميا أو وضعيا، ابتداء أو استدامة، يكون فيه ضيق شديد على المكلف، و إيقاعه في العسر و الشدة التي لا تتحمل عادة، و المراد بالابتداء عدم جعله أصلا بالنسبة لكل فعل أو ترك يكون بطبعه حرجيا و عسيرا، كقطع لحم البدن عند تنجسه، و بالاستدامة عدم جعله فيما لو اتفق صيرورة فعل أو ترك كذلك لعروض حالة، فلا إلزام حينئذ في مرحلة البقاء.

ثم انه قد سمى الأصحاب هذه الكبرى الكلية قاعدة لا حرج أو نفي الحرج أو نفي العسر و الإصر، و ذكروا في مقام تبيين القاعدة و عمومها و حكومتها على الأحكام و موارد تخصيصها أمورا:


الأول: و هو من أهم شؤون هذه القاعدة بل هو الملاك في جعلها و تشريعها، تقدمها على أدلة الأحكام الأولية الإلزامية، من الواجبات و المحرمات و غيرها من الوضعية الحرجية، عند عروض عنوان هذه القاعدة على موضوعات تلك الأحكام، و حدوث التعارض و التصادم بين دليلها، و دليل تلك الأحكام، فتقدم عليها و لا تلاحظ النسبة بينهما و إن كانت عموما من وجه، فيحكم بارتفاع الوجوب عن كل واجب في الشريعة إذا كان فعله حرجيا كالصوم و الغسل الحرجيين، و ارتفاع الحرمة عن كل حرام إذا كان تركه حرجيا كترك أكل الميتة و شرب المسكر في مواقع الشدة و الخطر، و هذا لظهور دليل القاعدة مع ثبوت ذلك من الخارج قطعا، سواء سمي التقدم حكومة أو توفيقا عرفيا أو غيرهما. فقوله تعالى‌ (مََا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج 77) و غيره من أدلة القاعدة. ناظر إلى حال فروع الشريعة و أحكام الدين الفرعية من تكليفها و وضعها، و حاكم بأن الحكم المستلزم للحرج و العسر بطبعه أو في بعض مصاديقه و موارده ليس من الدين و لم يجعله الشارع.

الثاني: انه لو اتفق كون عبادة حرجية، كالصوم في شهر رمضان أو الوضوء و الغسل في بعض الأزمان، فأتى بها المكلف بتحمل الحرج، فهل تكون صحيحة أو باطلة نظير ما إذا كانت ضررية؟ وجهان اختلف في ذلك أقوال الأصحاب، و لا تبعد الصحة لأن رفع الحكم لدى عروض الحرج امتنان على الأمة، و إرفاق على المكلفين، و لا تكون الأفعال مبغوضة للمولى بعروضه بشهادة العقل و العرف، بل قد يدعى أنها حينئذ من مصاديق قوله تعالى (طه `مََا أَنْزَلْنََا عَلَيْكَ اَلْقُرْآنَ لِتَشْقى‌ََ) و قوله صلّى اللّه عليه و آله (أفضل الأعمال أحمزها) لكن الظاهر انه ليس كذلك مطلقا، و على أيّ فليس الحرج من قبيل الضرر فإن العبادة الضررية باطلة.

الثالث: قد خرج من عموم القاعدة موارد بالتخصيص، فشرع فيها الحكم الحرجي، نظير وجوب الجهاد الابتدائي إذا أمر به الإمام، و كذا الدفاعي إذا وجب عينا أو كفاية، و وجوب تسليم النفس لإجراء الحدود و التعزيرات، و كذا التسليم للقصاص في الأطراف فضلا عن القصاص في النفس، و أما عد وجوب الحج و الصوم في الصيف، و وجوب إخراج خمس المال أو عشرة بالنسبة إلى بعض الأشخاص، من موارد


التخصيص فغير سديد.

الرابع: ذكروا أن الدليل على القاعدة آيات من الكتاب أو نصوص من السنة كقوله تعالى‌ (مََا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج 77) و قوله تعالى‌ (مََا يُرِيدُ اَللََّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) (المائدة 6) و قوله تعالى‌ (يُرِيدُ اَللََّهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاََ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ) (البقرة 185) و قوله تعالى‌ (وَ لاََ تَحْمِلْ عَلَيْنََا إِصْراً) (البقرة 286) و قوله صلّى اللّه عليه و آله رفع عن أمتي الخطأ. و ما لا يطيقون انتهى و قوله صلّى اللّه عليه و آله بعثت بالشريعة السمحة و السهلة إلى غير ذلك.

* قبض القبض*

القبض في اللغة الأخذ باليد، يقال قبض الشي‌ء أو على الشي‌ء أمسكه بيده و قبض يده عن الشي‌ء امتنع عن إمساكه، و في المفردات: القبض تناول الشي‌ء بجميع الكف نحو قبض السيف و غيره، فقبض اليد على الشي‌ء جمعها بعد تناوله، و قبضها عنه جمعها قبل تناوله و ذلك إمساك عنه، قال و يستعار القبض لتحصيل الشي‌ء و إن لم يكن فيه مراعاة الكف كقولك قبضت الدار من فلان أي حزتها انتهى.

ثم انه قد كثر استعماله في الفقه في أمور بعضها من مصاديق المعنى اللغوي، و بعضها مغاير أو مباين له استعمل فيها مجازا أو استعارة كما ذكره الراغب، فلاحظ ما ذكروه من أن القبض في الثوب وضعه في اليد، و في الدراهم و الدنانير و نحوها التناول باليد، و أن القبض في البهيمة أن يمشي بها إلى مكان آخر، و في المكيل و الموزون و المعدود، الكيل و الوزن و العد، بل قد اتفقوا على أن القبض في غير المنقول التخلية بينه و بين من يريد قبضه، فالأولى أن نقول: إن القبض عند الأصحاب عبارة عن معنى أعم من معناه اللغوي بحيث يشمل موارد لزومه في العقود و غيرها، و هو الذي أشار إليه في المفردات و ذكره المحقق الأنصاري في قبض المبيع، و حقيقته الاستيلاء و التسلط على المال، الذي به يتحقق معنى اليد، و يتصور فيه الغصب، فيكون بعض ما ذكروه من مقدمات هذا المعنى، و يكون المراد من الإقباض المقابل له كل عمل كان سببا لتحقق القبض خارجا، فإنهما حينئذ


متلازمان أو متحدان وجودا نظير الكسر و الانكسار.

ثم انه قد وقع البحث عن القبض و الإقباض في الفقه في موارد و رتب عليه أحكام في الشريعة من تكليف و وضع.

فمنها: البيع فإنه بعد وقوع العقد و حصول الملكية للطرفين، يجب على البائع إقباض المبيع، و على المشتري إقباض الثمن، و ما لم يتحقق القبض من الطرفين لم تستقر ملكية الطرفين.

و منها: بيع الصرف و السلم، فإنه لو لم يحصل التقابض في المجلس في الصرف، لم تتحقق الملكية للطرفين، و يبطل البيع لو تفارقا قبل ذلك، و كذا الحكم بالنسبة للثمن في بيع السلم.

و منها: الرهن، فيجب على الراهن إقباض العين المرهونة و لو لم يقبضها المرتهن لم يتم عقد الرهن قال تعالى‌ (فَرِهََانٌ مَقْبُوضَةٌ) .

و منها: الهبة، فإنه لا يتم عقد الهبة بدون الإقباض.

و منها: الوقف، فلا يتم عقده و لا يؤثر شيئا إلاّ بالإقباض و القبض، و منها غيرها من موارد شرطية القبض لتمامية العقد أو حصول الملكية، كقبض الفقير و المسكين للزكاة و الإمام و قبيله للخمس و الدائن لدينه إلى غير ذلك.

و من موارد ترتب الحكم على القبض، انه إذا باع عينا بدينار مثلا، كان ضمان المبيع على البائع ما لم يقبض لأن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه، و ينتقل الضمان بعده إلى المشتري، بمعنى أن دركه من ماله بعده، و الحكم كذلك في الثمن. و انه لو اشترى مكيلا أو موزونا سلما كان بيعه قبل قبضه حراما إلاّ على نحو التولية و كان بيعه بعده حلالا.

* قبل كعب القبلة-الكعبة*

قبل يقبل قبلا المكان في اللغة أقبل نحوه، يقال قبلت الماشية الوادي أي توجهت إليه، و القبلة الجهة، و كل ما يستقبل من الشي‌ء، و في المفردات: و القبلة في الأصل اسم للحالة


التي عليها المقابل نحو الجلسة و القعدة، و في التعارف صار اسما للمكان المقابل المتوجه إليه للصلاة، نحو قوله تعالى‌ (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضََاهََا) ، و الكعب و الكعبة في اللغة كل شي‌ء علا و ارتفع، و المكعّب الجسم الذي له ستة سطوح مربعة متساوية، و الكعبة البيت المنسوب إلى اللّه تعالى، و سميت بذلك لارتفاعها أو لتكعبها، و هذا الاسم الشريف حقيقة في ذلك البيت لغة و عرفا و في اصطلاح الشرع و الفقه.

و كيف كان القبلة في اصطلاح الشرع و المتشرعة، اسم للكعبة المعظمة التي جعلها اللّه تعالى‌ قِيََاماً لِلنََّاسِ ، و قبلة للمسلمين، و إن شئت فقل انها اسم للمكان الذي وقع فيه البيت، من تخوم الأرض إلى عنان السماء، أي من موضعه إلى ما بدا لك من السماء، فإنه لو خربت الكعبة و انهدم بنيانها و نعوذ باللّه لم يزل موضع التوجه، و لم يسقط وجوب التوجه إليه و ذلك لأن حقيقتها الفراغ المتوهم المحدود في الطول و العرض بحد البيت الموجود، يشرع في الارتفاع من موضعها و ينتهي إلى السماء، كما في موثق ابن سنان، و المراد بالموضع وجه الأرض أو العمق القريب منه، و من السماء ما ينتهي إليه مد البصر لكونه سماء عرفا، أو السيارات و ما زاد عليها من الجو.

ثم انه قد رتب عليها في الشريعة آثار في موارد مختلفة و وقع البحث عنها في الفقه حول تلك الآثار:

الأول: كون التوجه إليها و استقبالها شرطا في الصلوات الواجبة و المندوبة، عدا موارد الاستثناء، فيجب على كل مكلف أن يولي وجهه شطرها في صلواته كلها مع الاختيار، و تكفي المحاذاة العرفية من البعيد بحيث يصدق كون العمل شطرها و إلى جهتها و لا يعتبر اتصال الخط الموهوم من موقف المصلي إليها.

الثاني: ركنيتها لعبادة خاصة و هي الطواف، فان كون الطواف و الدوران حولها من قوام عباديته، و ليس الطواف حول غيرها أي مكان كان مطلوبا للّه تعالى، بل و لا مشروعا في الشريعة المطهرة، فذلك الانتساب داخل في ماهية هذه العبادة المخترعة من قبل الشارع، تنتفي بانتفائه، و عمدة المسائل المربوطة بهذا الباب مذكورة تحت عنوان الطواف في كتاب الحج فراجع.


الثالث: ما ذكره بعض الأصحاب، من وجوب أن يتوجه المسلم المحتضر نحوها حال احتضاره ان قدر على ذلك، و ان يوجّهه إليها غيره لو لم يقدر، على وجه لو جلس كان مستقبلا، و الأحوط مراعاة تلك الحالة إلى ما بعد الغسل.

الرابع: وجوب توجيه الميت في القبر إليها، بأن يدفن على جانبه الأيمن ليحاذيها وجهه و مقاديم بدنه، و أما كون الرأس و الرجل نحو المغرب أو المشرق فهو يختلف باختلاف كون المدفن في أي جهة من جهات القبلة.

الخامس: وجوب توجيه الحيوان إليها عند تذكيته، بنحر أو ذبح، و قد أجمع الأصحاب على اشتراطه و انه لو أخل به عمدا صار ميتة محرمة نجسة، و لا يشترط في سائر أقسام التذكية.

السادس: حرمة استقبالها و استدبارها بمقاديم البدن حال التخلي، من غير فرق في ذلك بين الأبنية و الصحاري، و لا يجري الحكم في القبلة المنسوخة كبيت المقدس.

* قذف القذف*

القذف في اللغة الرمي يقال قذفت الحجر و بالحجر رميت به، و قذفه بكذا رماه به، و قذف المحصنة رماها بالفاحشة، و في النهاية: القذف هيهنا رمي المرأة بالزنا أو ما كان في معناه، و أصله الرمي ثم استعمل في هذا المعنى حتى غلب عليه، يقال قذف يقذف قذفا فهو قاذف، و قد تكرر ذكره في الحديث بهذا المعنى انتهى. و في المفردات: قد أستعير القذف للشتم و العيب كما أستعير الرمي انتهى. و في الجواهر في حد القذف قال: الذي هو أحد السبع الموبقات: الشرك باللّه، و السحر، و قتل النفس التي حرم اللّه، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و التولي يوم الزحف، و قذف المحصنات، و أصله الرمي يقال قذف بالحجارة رماها كأنّ الساب يرمي المسبوب بالكلمة المؤذية انتهى (ج 41، ص 402) .

ثم ان الكلمة كأنها مصطلحة في الفقه في المعنى المذكور، و قد رتب عليه في الشريعة أحكام، من وضع و تكليف، فإنه من الكبائر التي نص عليها في الكتاب الكريم و رتب عليها الحد.


و ذكر الأصحاب في تبيين حقيقة السبب، و الحد السبب، و حال القاذف و المقذوف، أن الموجب لثبوت هذا الحد، الرمي بالزنا و اللواط دون غيرهما، حتى السحق، و لا حد في غير اللفظين، و لو قال أنت ولد حرام أو ولد حيض، أو قال يا فاسق، يا شارب الخمر لا يحد، و لكنه يعزر، و يعتبر في القاذف البلوغ و العقل و الاختيار و القصد، و في المقذوف الإحصان، و هو هنا البلوغ و العقل و الحرية و الإسلام و العفة، فمن استكملها وجب الحد بقذفه، فلو قذف الصبي و المجنون و العبد و الكافر و المتظاهر بالزنا و اللواط فلا حد له.

و يثبت القذف بالإقرار مرة مع اجتماع شروطه و بشهادة عدلين، وحده أن يضرب ثمانين جلدة متوسطة.

* قرأ القرآن*

القرآن في اللغة القراءة و المقرو، و هو في اصطلاح الشرع و المتشرعة كلهم من علمائهم و عوامهم، اسم للكتاب الكريم المنزل من السماء، من عند اللّه تبارك و تعالى، إلى رسوله الأعظم و نبيه الخاتم محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و المراد به الألفاظ الخاصة الصادرة من الرب تعالى، الحاوية لعلوم جمة لا يعلم جميعها إلاّ هو، و من خاطبه‌أنزلها إليه فحقيقة القرآن والألفاظ المشتملة على المعاني، غير مرهونة بكتابة طلى أوراق؟و جريان على الألسنة، و الوجود في الأذهان، و الارتكاز في القلوب؟فان تحققه‌المراحل نزول له و حضور، و تجل و ظهور، فإطلاق الكتاب و القرآن عليه بيان لمرتبة القوة و مرحلة الاستعداد للكتابة و القراءة.

ثم ان للكلام حول الكتاب الكريم شعب كثيرة جدا و جهات و إبعاد يستدعي كل واحد منها تأليف و كتبا، إلاّ أن الكلام في المقام، بتناسب وضع الكتاب، فيما يترتب عليه من الأحكام الفرعية، من تكليف و وضع، فما ذكره الأصحاب في هذا المجال أو ينبغي أن يذكر أمور:


الأول: انه يشتمل على خطابات كثيرة عامة و خاصة، و على نصوص و ظواهر، فخطاباته متوجهة إلى جميع المكلفين من أهل الأرض، و ظواهره حجة عليهم أجمعين، فإن تمكنوا من الاستفادة منها، و اجتمعت لهم شروط الأخذ و العمل وجب ذلك قطعا، و ان لم يتمكنوا وجب عليهم الرجوع إلى من استفاد منها و استنبط، و بالجملة هو كتاب إلهي منزّل من عند اللّه تعالى بوساطة خاتم سفرائه، إلى جميع عباده في أقطار أرضه و أمصارها، و في طيلة حياتهم و أعصارها، ليكون مرجعا إليهم في أصول عقائدهم، و فصول أخلاقهم، و فروع أعمالهم، فهو الحجة الوحيد في كل وقت لكل أحد، يحتج اللّه تعالى به على عباده، و يحتجون به على اللّه يوم القيامة.

الثاني: انه يجب على كل من يقدر على الاستنباط و استخراج أحكام الدين من الأدلة، أن يجعله أول الأدلة و المدارك، و يقدمه على السنة المعتبرة و الأحاديث المروية عن المعصومين عليهم السّلام، فيما إذا كانت مخالفة له بالتباين، أو العموم من وجه، فضلا عن غير السنة فما خالفه كذلك زخرف و باطل لم يصدر من المعصوم عليه السّلام.

الثالث: انه يجب على كل عالم محدّث، و ففيه مراجع إلى الأخبار و الأحاديث المعتبرة، عرضها ابتداء على نصوصه و ظواهره، فان وافقته أو لم تخالفه عمل بها، و ان خالفته على نحو ما مرّ، طرحها و ضربها على الجدار، و ان خالفته على نحو الخاص في مقابل العام، أو المقيد في مقابل المطلق، أو على نحو الأظهر في قبال الظاهر، أخذها و تصرف بها في ظواهره بما يقتضيه قانون التعارض.

الرابع: انه يجب على علماء الإسلام في أقطار الأرض، لا سيما القاطنين في الحوزات العلمية الدينية، وجوبا كفائيا، تحقيق معانيه و البحث عن مفاهيمه، و بذل الوسع في تفسيره، و كشف القناع عن مبهماته و معضلاته، و رد متشابهاته إلى محكماته، بقدر وسعهم و طاقتهم الفكرية، متمسكين في ذلك قبل كل شي‌ء بما ورد عن أهل بيت الوحي عليهم السّلام ثم ترجمته بجميع الألسنة المعمولة في الدنيا بحيث يفهمه كل من أراد الرجوع إليه و تحصيل حقائقه و معارفه.


الخامس: يجب على جميع المكلفين وجوبا كفائيا مؤكدا، تعلمه و تعليمه و طبعه و نشره و إيصاله إلى جميع أهل الأرض، من شرقها إلى غربها، و يجب عليهم الإنفاق في هذا السبيل من أموالهم، إذا لم يكن هناك بيت مال لهم أو للإمام، و لو تركوا ذلك مع القدرة عليه فلم تصل معارفه إلى الناس، و بقيت مكتومة غير مبينة شملهم قوله تعالى‌ (إِنَّ اَلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مََا أَنْزَلْنََا مِنَ اَلْبَيِّنََاتِ وَ اَلْهُدى‌ََ مِنْ بَعْدِ مََا بَيَّنََّاهُ لِلنََّاسِ فِي اَلْكِتََابِ أُولََئِكَ يَلْعَنُهُمُ اَللََّهُ) إلاّ أن يتصدى لجميع ذلك ولي أمرهم.

السادس: ذكر الأصحاب أنه يحرم بيعه بعد صيرورته مصحفا من الكافر مطلقا أو إذا علم بتنجسه عنده.

السابع: ان سورتين من هذا الكتاب جزء لكل صلاة، عدا صلاة الميت، بمعنى أن أول سورة منه و هي المسماة بفاتحة الكتاب، و الحمد، و أم الكتاب، و السبع المثاني، جزء من كل صلاة فريضة و نافلة في الركعة الأولى و الثانية، فيجب قراءتها في الفريضة وجوبا نفسيا ضمنيا، و في النافلة استحبابا كذلك، و يجب قراءة سورة تامة كاملة منه غير الفاتحة جزء لكل فريضة وجوبا و لكل نافلة ندبا بعد الحمد.

الثامن: أنه يحرم مس خطوطه المباركة على المحدث بالحدث الأكبر، كالجنابة و الحيض و النفاس و غيرها، و بالحديث الأصغر كحدث النوم و البول و نحوهما، فيجب الطهارة حينئذ لمسه فإنه لا يمسه إلاّ المطهرون.

التاسع: انه يجب تطهير المصحف إذا تنجس، و كذا كل ما كتب عليه ألفاظه المباركة من القرطاس و غيره، وجوبا كفائيا فوريا، على كل من اطلع عليه و أمكنه تطهيره.

العاشر: انه لو وقع المصحف أو كل ما كتب عليه القرآن، في محل يكون هتكا لحرمته كمحل القاذورات و ما أشبه ذلك، وجب إخراجه فورا و ان لم تصل إليه النجاسة.

الثاني عشر: انه يجب السجود على من استمع إلى أربع آيات منه تسمى آيات السجدة، و هي واقعة في أربع سور منه تسمى سور العزائم، و تسمى سجدتها سجدة التلاوة راجع عنوان السجدة.


الثالث عشر: انه يحرم على المحدث بالأكبر قراءة تلك الآيات الأربع بل يحرم عليه قراءة تلك السور، على اختلاف في ذلك.

الرابع عشر: انه يحرم على المصلي صلاة الفريضة، أن يقرأ منها بعد الحمد أو مطلقا سور العزائم، لاستلزامه الإتيان بالسجدة في أثناء الصلاة و هو محل إشكال.

* قرأ القراءة*

القراءة في اللغة لمعان يقال قرأ الكتاب نطق بالمكتوب أو نظر إليه و طالعة، و قرأ عليه السلام أبلغه إليه، و قرأ الشي‌ء جمعه و ضم بعضه إلى بعض، و في المفردات: القراءة ضم الحروف و الكلمات بعضها إلى بعض في التنزيل، و ليس كل ضم قراءة انتهى، و في النهاية:

و الأصل في هذه اللفظة الجمع و كل شي‌ء جمعته فقد قرأته و سمي القرآن قرآنا لأنه جمع القصص، و الأمر، و النهي، و الوعد، و الوعيد، و الآيات، و السور بعضها إلى بعض، و هو مصدر كغفران و كفران و قد يطلق على الصلاة لأن فيها قراءة، تسمية للشي‌ء باسم بعضه، و على القراءة نفسها انتهى.

و يظهر من المجموع أن الأصل في القراءة الجمع و الضم، و إطلاقها على قراءة المكتوب أو مطالعته بلحاظ جمع ألفاظه في اللسان و معانيه في الجنان.

و كيف كان فالمصطلح عليه عند الفقهاء هو المعنى المتعارف عند المتشرعة و هو تلاوة كتاب اللّه تعالى، و قد يستعمل في الأعم من ذلك أيضا.

و قد وقع البحث عنها في الفقه، و قسموها بالإضافة إلى حكمها التكليفي و الوضعي إلى أقسام أربعة: القراءة الواجبة و المندوبة و المحرمة و المكروهة، فالأول عبارة عن القراءة الصلاتية، أي الواقعة جزء من الفرائض، و بهذا الاعتبار يقع جميع القرآن مورد البحث عدا سور العزائم بناء على عدم جواز قراءتها في الفرائض، فتجب فاتحة الكتاب فيها وجوبا تعيينيا في الفرائض كلها عدا صلاة الميت، و يجب غيرها من السور وجوبا تخييرا بمعنى لزوم قراءة سورة كاملة منها في الفرائض بعد الفاتحة، بل تكون فاتحة الكتاب واجبة


في جميع النوافل أيضا بوجوب شرطي بمعنى عدم صحتها بدون الفاتحة كما سيأتي و ذكروا في المقام أن وجوب الفاتحة في الصلاة في الجملة من ضروريات المذهب لكن ليست ركنا منها.

و تجب القراءة أيضا في موارد انطباق العناوين الثانوية الواجبة عليها، كوقوعها متعلقة للنذر، و العهد، و اليمين، و الاستيجار، و أمر الإمام، و الوالدين في الجملة، و صيرورتها مقدمة لواجب أو ترك حرام، و متعلقة للشرط في ضمن العقد و نحو ذلك.

و القراءة المندوبة عبارة عن الواقعة منها جزء للصلوات المندوبة و كل ما يقرؤه الإنسان من القرآن الكريم في أي وقت و زمان، على اختلاف في درجات فضيلتها من جهة زمان الإتيان بها، كشهر رمضان و غيره و من جهة مكانه كالمسجد الحرام و سائر المساجد.

و القراءة المحرمة قراءة العزائم الأربع أو خصوص آياتها في الفريضة، و أن يقرأها الجنب و الحائض و النفساء، و قراءة سورة في الفريضة يفوت الوقت بقراءتها و ما أشبه ذلك، و القراءة المكروهة قراءة القرآن حال الحدث الأكبر و الأصغر و قراءة ثانية السورتين المأتي بهما في الفريضة قرانا بناء على عدم حرمة القرآن فيها.

تنبيه: عمدة البحث عن القراءة في الفقه ترجع إلى جزئيتها من كل صلاة، و حرمة قراءة أربع سور من الكتاب الكريم في الفريضة، و حرمة قراءة آيات السجدة من تلك السور على المحدث بالأكبر، و كون البسملة جزء من كل سورة عدا الفاتحة، و اختلاف حكمها في الفرائض من حيث وجوب الجهر و الإخفات في بعضها لكل من للرجل و المرأة المذكور تحت عنوان الجهر، و جواز قراءة ترجمتها في الصلاة بلسان غير لسانها مع إمكان الأصل، و تعين القراءة في الركعتين الأولتين، و التخيير بينها و بين التسبيح في الثالثة و الرابعة، إلى غير ذلك مما ذكروه في المطولات.

* قرن القران*

القران بالكسر مصدر يقال قارنه قرانا و مقارنة، صاحبه و اقترن به، و في المجمع: و قرن بين الحج و العمرة من باب قتل أو ضرب جمع بينهما في الإحرام، و الاسم القران بالكسر،


قال و القارن في الحج و المفرد صفتهما واحدة إلاّ أن القارن يفصل المفرد بسياق الهدى انتهى.

و في النهاية: و في الحديث أنه قرن بين الحج و العمرة، أي جمع بينهما بنية واحدة و تلبية واحدة و إحرام واحد، و طواف واحد و سعي واحد فيقول لبيك بحجّة و عمرة يقال قرن بينهما يقرن، قرانا و هو عند أبي حنيفة أفضل من الأفراد و التمتع.

و كيف كان فالقران في اصطلاح فقهائنا أحد أصناف الحج الثلاثة على ما أشرنا إليه تحت عنوان الحج، و هو أن يقرن إحرامه بسوق الهدي سواء أنشأ الإحرام بالتلبية أو بالإشعار و التقليد، و تسميته بالقران بهذه الملاحظة.

و يطلق عند العامة على قصد الحج و العمرة من الابتداء بنية واحدة و لفظة جامعة لكليهما، و لعلهم أرادوا انطباق العنوانين و اشتراكهما في المقدار المشترك بين النسكين، و اختصاص الحج بالزائد على ذلك، و لا يكون المورد من قبيل قصد قضاء النافلة و صلاة تحية المسجد مثلا و الإتيان بركعتين، أو قصد نافلة المغرب و صلاة الغفيلة كذلك، فان كلا من العنوانين فيهما ينطبقان على جميع الأعمال الخارجية، و العمرة في المقام غير قابلة للانطباق على أعمال الحج، و كيف كان فالقران عندهم قد يكون بقصد الحج و العمرة من الابتداء، أو بإدراج إحدى النسكين في الآخر في الأثناء، كما إذا قصد عمرة فنوى الحج قبل الإحلال و أتمه حجا أو قصد الحج ثم نوى العمرة أيضا في أثنائه و كلاهما باطلان عند أصحابنا لتوقيفية العبادة و عدم الدليل على صحة هذا النحو من العمل.

* قرض القرض*

القرض بالفتح في اللغة القطع يقال قرض الشي‌ء قطعه و قرض الفأر الثوب أكله، و قارضه المال ضاربه، و القرض، المال الذي تعطيه غيرك بشرط ان يعيده لك بعد مدّة، و في المجمع: القرض ما تعطيه غيرك ليقضيكه، و أصله القطع فهو قطيعة من مالكه بأذنه على ضمان ردّ مثله، و استقرض طلب القرض و اقترض أخذه انتهى. هذا على حسب اللغة.

و هو في اصطلاح الفقهاء عبارة عن إنشاء تمليك عين بضمان المثل أو القيمة، أو تمليك


الجزئي و تملك الكلي، فهو عقد يحتاج إلى إيجاب من المقرض و قبول من المقترض، و يشترط فيهما شروط المتعاقدين، و يتحقق بكل لفظ دال على المقصود بأي لغة كان كما يتحقق بالمعاطاة.

و يتفرّع على العنوان فروع تبين حقيقته و شروطه نظير انه لا بد أن يقع القرض على العين الخارجية، فلا يصح قرض الدين و المنفعة على الأحوط، و ان أمكن قبضهما بقبض المصداق أو ذي المنفعة، و أنّ القرض من العقود اللازمة بالنسبة للعين المقترضة، و الجائزة بالنسبة لبدلها، فليس للمقرض مطالبة العين بعد القبض، و له مطالبة البدل حتى مع ذكر الأجل، و يشترط فيه القبض و الإقباض و بهما يملك المقترض العين و المقرض البدل على ذمة المقترض، و شرط الزيادة فيه للمقرض ربا محرم و للمقترض جائز و قد ذكر عدة من أحكام القرض تحت عنوان الربا فراجع.

* قسم القسامة*

قسم الشي‌ء يقسمه و أقسمه في اللغة جزّأه و فرّقه، و أقسم باللّه حلف به، و القسامة الجماعة يحلفون على الشي‌ء و يأخذونه، و القسامة الأيمان تقسم على أولياء الدم، و هي اسم من أقسم وضع موضع المصدر كأكرم إكراما و كرامة، و في المجمع: القسامة بالفتح هي الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم، يقال قتل فلان بالقسامة إذا اجتمعت جماعة من أولياء القتيل و ادعوا على رجل انه قتل صاحبهم و معهم دليل دون البينة، فحلفوا خمسين ان المدعى عليه قتل صاحبهم، فهؤلاء الذين يقسمون على دعواهم يسمون قسامة أيضا، قال بعض المحققين و القسامة تثبت مع اللوث و قدرها خمسون يمينا باللّه تعالى في العمد إجماعا و في الخطاء على الأشهر و قيل خمسة و عشرون انتهى.

و في النهاية: القسامة بالفتح اليمين كالقسم و حقيقتها أن يقسم من أولياء الدم خمسون نفرا على استحقاقهم دم صاحبهم إذا وجدوه قتيلا بين قوم و لم يعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين أقسم الموجودون خمسين يمينا، أو يقسم بها المتهمون على نفي القتل عنهم، فإن‌


حلف المدعون استحقوا الدية و إن حلف المتهمون لم تلزمهم الدية انتهى.

و بالجملة القسامة قد أطلقت في اصطلاح الفقهاء على أقسام متعددة صادرة من ولي الدم و قومه أو من المتهم و قومه، في صورة دعوى القتل مع عدم البينة، فهي قد تكون من مثبتات دعوى المدعي تقوم مقام بينته عند عدمها و علمه بالمدعى، إرفاقا من الشارع عليه، كما أنها قد تكون من المدعى عليه تقوم مقام حلفه لدى الإنكار كررت لأهمية الموضوع.

و هذا العنوان موضوع الأحكام في الشريعة و البحث عنه وقع في الفقه في باب القصاص، و فرعوا عليه فروعا تبين حقيقته و شروطه و أحكامه نظير أن القسامة في القتل العمدي خمسون و في الخطائي خمس و عشرون، و انّه لا تنفذ إلاّ في مورد اللوث و هو الأمارة الظنية الموجودة في مورد الدعوى كشهادة عدل واحد، أو رؤية المتهم عند المقتول و معه سلاح، و نحو ذلك مما ذكر تحت عنوان اللوث، و مع عدمه يرجع إلى قواعد الدعوى من حلف المنكر حلفا واحدا أورده إلى المدعي فيحلف واحدا.

و أنه أن لم يكن للولي المدعي قوم يبلغ عددهم خمسين كرّر الخمسين بنفسه، و إن كان يبلغ مع قومه خمسين، حلف كل واحد يمينا و ان نقصوا عن خمسين كرّروا حتى تبلغ النصاب، بالسوية أو بالاختلاف، و انه يشترط أن يكون حلفهم عن جزم و يقين و لا يكفي الظن، و انّه يشترط في المدعي رجلا كان أو امرأة أن يكون وارثا للمقتول، و في غيره من الحالفين أن يكون رجلا من قبيلته و عشيرته عرفا، و انّه يشترط في القسامة حضور المدعى عليه كما في سائر الدعاوي، و أنّه للمدعي أن يرد الأيمان على المدعى عليه فتثبت عليه نظير ثبوتها على المدعي، فعليه لو كان واحدا تمام الأيمان و ان حضر من قومه خمسون حلف كل واحد حلفا و إن كانوا أقل من خمسين تكررت الأيمان عليهم بالسوية أو بالتفاوت، و أنه إذا تمت القسامة من جانب المدعي ثبت القصاص في العمد، و الدية على القاتل في الخطأ و شبه العمد، و على العاقلة في الخطأ محضا، و أنه إذا تمت من المدعى عليه برئت ذمته من القصاص و الدية.


* قسم القسم*

القسم و القسمة بالفتح في اللغة مصدران بمعنى التقسيم، يقال قسمته قسما من باب ضرب فرزته و أجزأته، ثم أطلق على الحصة و النصيب يقال هذا قسمي و الجمع أقسام كحمل و أحمال، و في المفردات: القسم إفراز النصيب يقال قسمت كذا قسما و قسمة انتهى، و هو في مصطلح الفقهاء في باب النكاح عبارة عن تقسيم الرجل بين زوجاته حق المبيت عندهن و المضاجعة معهن إذا كنّ أكثر من واحدة، و قد يطلق على تقسيم الحقوق بين الزوجات مطلقا فان ذلك بيد الزوج، فالقسم واجب عليه و رعاية العدالة فيه فرض له، و في كيفية قسمة حق المبيت اختلاف بين الأصحاب أظهره أن يقال أنه من كانت عنده زوجة واحدة دائمية ليس لها عليه حق المبيت و المضاجعة، بل الواجب أن يعاشرها بالمعروف، و لا يترك مواقعتها أكثر من أربعة أشهر، و ان كانت أكثر من واحدة فإن بات عند إحداهن ليلة وجب الدور على الباقيات مع الترتيب باختيار الزوج أو بالقرعة و لا يجب عليه الشروع بعد تمام الدور.

* قسم القسمة*

القسمة بالكسر في اللغة كما في المصباح اسم من الاقتسام و اقتسموا المال بينهم جزئوه و فرّقوه و القسمة النصيب أيضا و جمعها قسم كسدرة و سدر، و في المفردات: القسم إفراز النصيب يقال قسمت كذا قسما و قسمة، و قسمة الميراث و قسمة الغنيمة تفريقها على صاحبها انتهى.

و القسمة في اصطلاح الفقهاء إفراز الحصص و تعيينها، و موردها الأعيان و الأموال المشاعة، و حيث أن الإشاعة عبارة عن مالكية كل من الشركاء لكل جزء من العين، فالقسمة فيها بمعنى إفراز الحصص و تعيينها لا تكون إلاّ بتبادل الحصص و انتقال ما لكل منهم إلى الآخر في مقابل ما للآخر عنده، فهي أمر اعتباري قابل للإنشاء و يتحقق بالإقراع، و تعديل السهام مقدمة، ففي الصبرة المشاعة بين شخصين أو أشخاص إذا


جزئوها و أقرعوا فيما بينهم تعين نصيب كل واحد بحصول المبادلة.

و لا يخفى عليك أن القسمة على هذا ليست بيعا و لا صلحا و لا هبة و لا غيرها من المعاملات الخاصة فإنه لا قصد للمتقاسمين إلاّ نفس ذاك التبادل فلا يترتب آثار المعاملة الخاصة.

و الظاهر رجوع التعاريف المذكورة في كلماتهم إلى ما ذكرنا كقولهم القسمة تميز الحق، أو أنها تمييز أحد النصيبين عن الآخر، أو أنها إفراز الحق.

ثم انه على هذا تكون القرعة ناقلة لا كاشفة بمعنى أن الحصص تتبادل و تنتقل بها فما في المسالك من قوله في القرعة (و معنى أنها تمييز و إفراز أنها تبين أنّ ما خرج لكل واحد منهما هو الذي ملكه) غير سديد فإن القسمة ليست بكاشفة إذ ليست هناك حصة معينة في الواقع مجهولة عند الشركاء، و على هذا فالقسمة المصطلحة متباينة مع المعنى اللغوي لظهوره في الإفراز التكويني أو هي أخص من ذلك.

ثم اعلم أن القسمة المصطلحة مذكورة في النصوص و قد رتب عليها في الشريعة أحكام و فرعوا عليها في الفقه فروعا نظير أن القسمة لا تكون إلاّ بعد تعديل السهام و التعديل على أقسام:

الأول: التعديل بحسب الأجزاء كيلا أو وزنا أو عدا أو مساحة، و هذا يكون في المثليات كالحبوب، و الأدهان، و طاقات الأقمشة، و قطعات الأرض إذا تساوت أجزاؤها، و تسمى قسمة إفراز.

الثاني: التعديل بحسب القيمة و المالية كما في القيميات، كالحيوانات و الأشجار و نحوهما، فإذا كانا شريكين في ثلاثة غنم تساوت قيمة أحدهما قيمة الآخرين، يجعل الواحد سهما و الآخران سهما و تسمى قسمة تعديل.

الثالث: التعديل بالرد بضم مال إلى بعض السهام كما إذا اشتركا في غنمين قيمة أحدهما خمسة دنانير و الآخر أربعة فيقسمان و يأخذ كل واحد غنما و يرد صاحب الخمسة نصف دينار إلى صاحب الأربعة، و تسمى قسمة رد و التفصيل يطلب من الفقه.


تنبيه: ذكر الأصحاب أنه لا ريب في شرعية القسمة كتابا لقوله تعالى‌ (وَ إِذََا حَضَرَ اَلْقِسْمَةَ أُولُوا اَلْقُرْبى‌ََ) و قوله‌ (أَنَّ اَلْمََاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) و سنة فإنه قد روي أن عبد اللّه بن يحيى كان قساما لأمير المؤمنين عليه السّلام، و قسم رسول صلّى اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر على ثمانية عشر سهما، و قال أن الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود و عرفت الطرق فلا شفعة، و إجماعا بل و ضرورة كما في الجواهر (ج 26 ص 309) .

* قصص القصاص*

قصّ يقصّ الشعر و نحوه في اللغة قطعه و قص يقص قصصا عليه الخبر حدثه به، و قص يقص قصا و قصصا أثره تتبعه، و قاصه قصاصا و مقاصة بما كان قبله، أوقع به القصاص و جازاه و فعل به مثل فعله، و في المجمع: القصاص بالكسر اسم للاستيفاء و المجازاة قبل الجناية من قتل، أو قطع، أو ضرب، أو جرح، و أصله اقتفاء الأثر، فكان المقتص يتبع أثر الجاني فيفعل مثله فعله فيجرح مثل جرحه و يقتل مثل قتله و نحو ذلك.

و كيف كان فقد وقع البحث في الفقه عن القصاص بمعناه المعروف في اللغة و العرف، لكونه موضوعا لأحكام شرعية تكليفية و وضعية، و عقد الأصحاب كتابا في الفقه للبحث عن أسبابه الموجبة له، و شروطه، و ما يثبت به، و كيفية استيفائه، يشتمل على فروع هامة مبينة لحقيقته و آثاره، و قد لا حظوا الأمور المذكورة تارة في قصاص النفس، و أخرى في قصاص ما دون النفس من الطرف و المنافع.

أما القصاص في النفس، فذكروا في بيان أسبابه أن الموجب له إزهاق النفس المعصومة عمدا بشرائط مقررة. فالمراد بالمعصومة من حكم الشارع بحرمة إزهاقه مطلقا، فقتل النفس المهدورة لا قصاص فيه كانت مهدورة مطلقا. كالباغي للإمام، و الناصب، و الساب للنبي صلّى اللّه عليه و آله و نحوهم، أو بالنسبة للقاتل كالمهاجم المريد قتل إنسان، و القاتل بالنسبة لولي الدم، و المحكوم بالقتل حدا بالنسبة بمجري الحد و غيرهم، و المراد بالعمد ما لم يكن شبه العمد و الخطأ المحض فان هنا عناوين ثلاثة تعرض على قتل الإنسان:


الأول: العمد و فسروه بأحد أمرين: قصد القتل مع إيقاع فعل أدى إليه سواء كان مما يقتل غالبا أو لا، أو إيقاع فعل يقتل غالبا فحصل به القتل سواء كان قاصدا للقتل أم لا، و بالجملة العمد يحصل بقصد القتل أو القاتل مع اتفاق حصوله.

الثاني: شبه العمد يسمى شبه الخطأ أيضا، و هو قصد الفعل الذي لا يكون قاتلا غالبا، مع عدم قصد القتل فاتفق حصوله، كما لو ضربه تأديبا فاتفق قتله، و منه علاج الطبيب، و ختان الولد إذا تجاوز الحد، و الضرب و التضارب عدوانا إذا انجر إلى القتل، و قتل شخص باعتقاد كونه مهدور الدم أو بظن كونه صيدا فظهر كونه إنسانا.

الثالث: الخطأ محضا و هو ان لا يقصد الفعل و لا القتل، كمن رمى صيدا أو ألقى حجرا فأصاب إنسانا، أو رمى مهدور فأصاب غير مهدور.

و المراد بالشروط المقررة ما ذكروه من الأمور التالية: الأول تساوي القاتل و المقتول في الحرّية و الرقية فلا يقتل حرّ برقّ الثاني تساويهما في الدين فلا يقتل مسلم بكافر، الثالث انتفاء الأبوة فلا يقتل أب بولده، الرابع البلوغ و العقل فلا يقتل صبي أو مجنون بصبي أو مجنون، و عكس ذلك، و لا صبي أو مجنون يقتل عاقل، و لا عاقل بقتل مجنون، و يجوز قتل البالغ العاقل بالصبي على اختلاف فيه.

ثم إنهم ذكروا انه يثبت السبب بأمور: الأول إقرار القاتل مع اجتماع الشروط العامة، الثاني قيام البينة العادلة، الثالث القسامة و هي خمسون يمينا أو خمسة و عشرون يمينا و قد ذكرت تحت عنوان القسامة.

و أما القصاص في ما دون النفس من الأطراف و المنافع، فيشترك قصاص النفس في الموجب و أقسامه من العمد و شبهه و الخطأ، و في الشروط من البلوغ، و العقل، و التساوي في الحرية، و الإسلام، و انتفاء الأبوة، و يختص قصاص الطرف بشروط أخر، كالتساوي من حيث الصحة و العيب فلا تقطع يد شلاء بالصحيحة، و كالمماثلة في النوع، و الخصوصية، كالأيمن و الأيسر في العينين و الأذنين و الأيدي و الأرجل و نحوها، و كالأعلى و الأسفل في الشفتين و الجفنين و الفكين، و كالعناوين الأخر في الأسنان‌


كالضاحك و الطاحن و غيرهما، و في الأصابع كالإبهام و السبابة و الوسطى و غيرهما.

و التفصيل في الفقه.

* قضي القضاء*

القضاء يطلق في اللغة على معان كثيرة كالحكم، و أحكام الشي‌ء، و إتمام الشي‌ء، و الفراغ من الأمر، و في القاموس القضاء الحكم، و الصنع، و الحتم، و البيان، و هو في اصطلاح الشرع و المتشرعة، ولاية على الحكم و منصب مجعول من ناحية اللّه تعالى أو من ناحية المعصوم، لمن كان واجدا لشرائط الإفتاء، عارفا بمسائل القضاء، و مبدؤه الرئاسة الكلية في أمور الدين و الدنيا، فهو غصن من شجرة الرئاسة العامة المجعولة للنبي و الأئمة عليهم السّلام المراد بقوله: (يََا دََاوُدُ إِنََّا جَعَلْنََاكَ خَلِيفَةً فِي اَلْأَرْضِ) بل و قوله‌ (وَ آتَيْنََاهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا) و غايته إحقاق الحق و إبطال الباطل و قطع المنازعة بين الناس فهو من متممات نظام النوع الإنساني.

و من خواصه أن الحكم الصادر من القاضي، و ينقض الفتوى و هو لا ينقض بالفتوى، فلو أفتى ففيه بجواز شرب التتن أو الشاي مثلا، و حكم آخر بحرمتهما لمصالح اقتضاها الوقت، كان الحكم ناقضا للفتوى حتى بالنسبة لمن قلد المفتي دون العكس، و أنّه يكون أصلا يجب للغير إنفاذه و إن كان ففيها يخالف اجتهاده أو قاضيا يخالف نظره، فلو تنازع اخوان فقيهان أحدهما الأكبر من الآخر في الحبوة، فادعاها الأكبر لاقتضاء نظره انها له و أنكره الآخر لكون نظره على خلاف ذلك، فترافعا إلى قاض فما حكم به نافذ بالنسبة لمن خالفه في النظر، كما انه نافذ بالنسبة لسائر القضاة أيضا.

ثم أن الأصحاب ذكروا هنا أمورا يتعلق بعضها بالقضاء و أحكامه، و بعضها بالقاضي و صفاته و وظائفه، فالأول نظير أن القضاء واجب كفائي مع تعدد أهله و عيني مع الانحصار أو عدم كفاية الموجودين، و أنه يحرم على الناس الترافع إلى قضاة الجور و هم المنصوبون من قبل الجائر، أو من لم يجتمع فيهم شرائط القضاء، و أنّ ما أخذ بحكمهم حرام‌


على الآخذ إذا كان دينا، و إذا كان عين ماله ففيه تردد، و أنه لو توقف استيفاء الحق على الترافع إليهم جاز، كما لو توقف ذلك على الحلف كاذبا جاز أيضا.

و الثاني نظير أن القاضي كما له الولاية على القضاء، له الولاية على الحكمين لإنفاذ قضائه، و على الشهود في تغريمهم إذا كذبوا أو رجعوا عن الشهادة بعد الحكم، و له الولاية أيضا على كل مولى عليه مع فقد وليّه بل مع وجوده في الجملة.

و انه يشترط فيه أمور البلوغ، و العقل، و الإيمان، و العدالة، و الاجتهاد، و الذكورة، و طهارة المولد، و الأعلمية ممن في البلد على الأحوط. و أنه لا بد من ثبوت هذه الشرائط عند كل من المترافعين و إلاّ لم يكن لهما التحاكم إليه. و ان من وظائفه وجوب التسوية بين الخصوم في السلام و آداب الكلام و أنواع الإكرام و العدل في الحكم، و ان كان أحدهما كافرا جازت الزيادة في تكريم المسلم و أما الحكم فيجب العدل فيه مطلقا. و لا يجوز له أن يلق أحد الخصمين شيئا يستظهر به على خصمه إلاّ أن يعلم بكون الحق له و هكذا.

* قمر يسر زلم القمار-الميسر-الأزلام*

القمار في اللغة مصدر من قامره مقامرة و قمارا أي راهنه و لاعبه في القمار، فهو لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا، بأيّة آلة كانت، و في المجمع تقامروا لعبوا بالقمار و اللعب بالآلات المعدّة له على اختلاف في أنواعها نحو الشطرنج و النرد و غير ذلك، و ربما أطلق على اللعب بالخاتم و الجوز انتهى.

و كيف كان لا اصطلاح خاص للشرع و المتشرعة فيه و هو بمعناه اللغوي قد وقع موضوعا للأحكام الشرعية و موردا للبحث في الفقه فهو حرام تكليفا و فاسد وضعا، بمعنى حرمة المأخوذ به، بل هو من آكد المحرمات الشرعية الثابتة في جميع الشرائع الإلهية، لكونه معرضا لإثارة الفتنة بين نفسين أو أكثر، و مؤديا إلى الجرح و القتل و أخذ الأموال قسرا، و أكله بالباطل، و إلى فساد كبير. ـ


و ذكر الأصحاب في المقام أن اللعب أما أن يكون بالآلات المختصة بالقمار، أو يكون بغيرها، و على التقديرين فاما أن يكون مع أخذ الرهن أو بدونه، فالصور أربع: أما الأولى فلا إشكال في حرمة العمل و فساده بمعنى عدم تملك الغالب العوض و حرمة أكله عليه، و أما الثانية أي اللعب بالآلات المختصة مع عدم العوض، فظاهر بعض الأصحاب الحرمة إلاّ أنه غير سديد، و أما الثالثة أعني اللعب بغير الآلات المعدة مع العوض، كالجوز، و البيض، و الخاتم، و الصراع، و حمل الحجر الثقيل، و الطيور، و الطفرة، و غير ذلك فالمشهور فيه أيضا الحرمة و الفساد لصدق المقامرة حقيقة، و أما الرابع فلا بأس به و إن كان الأحوط الترك، نعم قد استثنى من القسم الثالث السبق و الرماية فراجع عنوانها.

و أما الميسر: فهو مصدر ميمي من يسر ييسر من باب ضرب، بمعنى لان و تيسر و استعمل في القمار لتيسر أخذ كل منهما مال الآخر، و كان يستعمل في خصوص مقامرة الجزور، التي كانت العرب يتقامرون عليها، و ذلك بأنهم كانوا ينحرون جزورا و يقسمونها ثمانية و عشرين جزءا، و كان لهم أقداح عشرة، ثلاثة منها غير مكتوب، و سبعة منها مكتوب، كتب على أحدها واحد و على الآخر اثنان و هكذا على السابع سبعة، ثم كانوا يجعلون القداح في خريطة و يعطونها أحدا و هو يحرك الخريطة، و يخرج لكل منهم قدحا، فمن خرج له مكتوب ذا سهم أخذ سهمه، و يغرم الثلاثة الذين لا سهم لأقداحهم قيمة الجزور، و ليس لهم نصيب منه، و هذا من أقسام القمار، و قد حرّمه الإسلام و قد يسمى القداح العشرة بالأزلام أيضا جمع زلم و هو المراد بقوله تعالى‌ (وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلاََمِ ذََلِكُمْ فِسْقٌ) .

* قنت القنوت*

القنوت في اللغة الطاعة، يقال قنت يقنت من باب نصر أطاع، و قنت اللّه و قنت للّه تواضع له، و القانت المطيع و المتواضع، و في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر القنوت و يرد بمعان متعددة كالطاعة، و الخشوع و الصلاة، و الدعاء، و الخضوع، و السكوت، وَ قُومُوا


لِلََّهِ قََانِتِينَ أي خاضعين أو طائعين أو ساكتين، و لم يعن به كل سكوت، و إنما عنى به السكوت عن كلام الآدميين انتهى.

و كيف كان فالظاهر أن ما كثر استعمال هذا اللفظ فيه بحيث يتبادر عنه في باب الصلاة، انه عبادة خاصة مخترعة من جانب الشرع جزءا للصلوات الواجبة و المندوبة، أو عبادة في عبادة، نظير بعض الأدعية و الأذكار في أثنائها، و جوهر ذاته دعاء أو ذكر أو قرآن يؤتى به متقربا إلى اللّه تعالى مع رفع اليدين أو أحدهما إلى اللّه عز و جل على اختلاف في جزئيته أظهره ذلك، و إطلاق هذا الاسم عليه لكونه عبادة أو دعاء أو طاعة أو خضوعا.

ثم انه ذكر الأصحاب أن القنوت في الشريعة ينقسم إلى واجب و مندوب، و الأول ما يؤتى به في صلاة العيدين الفطر و الأضحى الواجبتين، و المندوب في غيرهما حتى صلاة الجمعة على اختلاف فيه أظهره ذلك، و انه يستحب في كل صلاة مرة قبل ركوع الركعة الثانية عدا العيدين ففيهما في الركعة الأولى خمسة قنوتات، و في الثانية أربعة، كانا واجبين أو مندوبين، و عدا الآيات ففيها قنوتان قبل الركوع الخامس و قبل الركوع العاشر، و عدا الجمعة ففيها أيضا قنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع، و في الثانية بعده، و عدا ركعة الوتر ففيها قنوت في الركعة الأولى، و ان أتى بها مرتين جلوسا، و انه لا يشترط فيه ذكر خاص بل تصدق الحقيقة بما صدق عليه الدعاء و الذكر و القرآن، و ان كان المنصوص أفضل.

* قيد القيادة*

قاد الدابة يقودها في اللغة مشى أمامها آخذا بقيادها، و المصدر القود و القيادة، و تستعمل القيادة كثيرا ما في لسان الشرع و كلمات الفقهاء في عمل الجمع بين الرجل و المرأة للزنا، و بين الذكر و الذكر للّواط، و هي موضوع في الشريعة للحرمة المؤكدة، و تذكر في كتاب الحدود لبيان ترتب الحد عليها، و فرعوا فيه على العنوان انه تثبت القيادة بالإقرار مرتين، و انه يشترط في المقر بها شرائط المقر في سائر الموارد، و أنها تثبت بشهادة


عدلين، و ان حد القواد خمس و سبعون جلدا ثلاثة أرباع حد الزاني، و ينفى من البلد إلى غيره، و أن المشهور بين الأصحاب لزوم حلق رأسه و إشهاره، و أنه لا فرق فيه بين المسلم و الكافر و الرجل و المرأة إلاّ أنه ليس في المرأة إلاّ الجلد، و ان مقدار النفي زمانا و مكانا موكول إلى نظر الحاكم.

* قوف القيافة*

القيافة في اللغة اتباع الأثر، يقال قاف يقوف أثر فلان تبعه، و اقتاف بمعناه، و القائف المتتبع للأثر، و الذي يعرف النسب بفراسته و نظره إلى أعضاء المولود، و في المجمع: القائف هو الذي يعرف الآثار و يلحق الولد بالوالد و الأخ بأخيه، و الجمع قافة انتهى.

و ليس للكلمة في الشرع و الفقه اصطلاح خاص لكن قد كثر استعمالها في الفقه في بعض المصاديق اللغوية، لكونها قد وقعت بهذا المعنى موردا للحكم في الشريعة، فإن الأصحاب قد حكموا بحرمة القيافة فيما إذا أريد ترتيب الأثر عليها كما إذا حكم القائف بعدم كون ولد الفراش لصاحبه أو بكونه ولد غيره، و كذا في سائر عناوين النسب كالأخوّة و العمومة و الخئولة فيؤخذ بقوله و يرتب أثره، و بالجملة قد حكموا بالتحريم فيما إذا كان مقتضاها على خلاف أصول الشرع و قواعد و أريد ترتيب الأثر عليها، من الحكم بالمحرمية، و إبداء الزينة، و التوارث، و حرمة الزواج، و ما يقابلها من الآثار، و أما مجرد حكم القائف على وفق ظنه أو علمه فليس بمحرّم كيف و قد رضى مولانا الرضا عليه السلام بحكمه بالنسبة للجواد عليه السّلام.

* كبر الكبر*

الكبر و التكبر و الاستكبار تتقارب، فالكبر حالة إعجاب الإنسان بنفسه بأن يرى نفسه أكبر من غيره، و أعظم التكبر التكبر على اللّه بالامتناع عن التسليم له، و الاستكبار قسمان أحدهما ان يتحرى الإنسان أن يكون كبيرا و هذا محمود بشرائطه و الآخر أن يتشبع‌


و يظهر من نفسه ما ليس له، و هذا مذموم، و على هذا فالكبر صفة ذات إضافة تستدعي مستكبرا عليه، فيفترق عن العجب المتعلق بالفعل بتغاير المتعلق، و عن العجب المتعلق بالنفس بعدم القياس فيه على غيره.

و كيف كان فقد عد الأصحاب الكبر من المعاصي الكبيرة القادحة للعدالة، و ظاهرهم كون المحرم الصفة العارضة للنفس و ان لم يظهر لها أثر في الخارج، و قد أشرنا في عنوان الحسد إلى أن القول بتعلق التحريم على الصفة النفسية غير سديد، بل باطل في الجملة لعدم اختيارية بعضها أو أكثرها و استبعاد تكرر العصيان حسب انات بقاء الصفة في الشخص، و وجوب السعي في إزالتها بأي وجه ممكن، و لم أر من التزم بذلك و لا يظهر من النصوص أيضا.

فالصواب القول بكون التحريم متوجها إلى ما يصدر من المتكبر من الأقوال و الأفعال المسببة عنها و المتناسبة لها، و هذا أيضا فيه إجمال لأن الحكم بكون جميع ما يصدر منه كذلك معصية كبيرة مستبعد، و في نصوص الباب أن الكبر غمص الناس و سفه الحق، و الغمص تحقير الناس، و السفه الجهل بالحق و الطعن على أهله، و فيها أيضا إنما الجبار الملعون من حقر الناس و تجبر عليهم، و فيها انما الكبر إنكار الحق، و فيها أن الكبر هو الجحود، و الظاهر أن المتيقن من الكبر و المراد منه، هو عدم قبول حكم من أحكام اللّه أو حق من حقوقه أو حقوق الناس الممضاة من قبله تعالى تجبرا و استكبارا، أو تحقير الناس و الإزراء و التوهين لهم قولا أو فعلا تصغيرا لهم و إعظاما لنفسه.

* كتب الكتابة*

الكتابة و الكتاب في اللغة مصدران من كتب الكتاب من باب قتل صوّر فيه اللفظ و أحدث فيه الحروف بالقلم و نحوه، و في المفردات: الكتب ضم أديم إلى أديم بالخياطة، و في التعارف ضمّ الحروف بعضها إلى بعض، فالأصل في الكتاب النظم بالخط، و الكتاب في الأصل مصدر ثم سمي المكتوب فيه كتابا انتهى.


و كيف كان فليس للّفظ مصطلح خاص في الشرع و الفقه لكنه وقع موضوعا للبحث و مورد التعرض في الجملة في بعض أبواب الفقه، و كان من شأنه أن يبحث عنه أكثر من ذلك، و لأجله قد استشكل على تركهم التعرض له في أصول الفقه في تفسير السنة، حيث قسموها إلى ثلاثة أقسام: القول و الفعل و التقرير، مع انه كان من اللازم قسمتها إلى أربعة بإضافة الكتابة إليها، لكن الظاهر أن تركهم لها في الأصول لأجل ان المراد بالسنة فيها ما صدر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من الكلام و غيره غير القرآن الكريم و لم يكن للنبي صلّى اللّه عليه و آله كتابة، و الصادر عن الأئمة عليهم السّلام و ان كان ينقسم إلى أربعة إلاّ أنه ليس سنة بنفسه بل هو حاك عن السنة الواقعية.

ثم أن الكتابة تنقسم إلى قسمين مختلفين موضوعا و حكما، الكتابة الأخبارية و الكتابة الإنشائية، و القسمان مذكوران في الفقه في أبواب مختلفة مع وقوع الخلاف في حكمهما و آثارهما.

فان البحث عن الأول إذا صدر عن شخص لبيان مراده يرجع إلى حجيته بالنسبة لما يحكى عنه صريحا أو ظاهرا، فهو حينئذ نظير إخبار العدل و البنية و الظاهر ان هذا القسم يعنى الكتابة الحاكية عن المطلوب، مما جرت السيرة على حجيته مع قيود و شروط معيّنة كإحراز وقوع الكتابة اختيارا بقصد افادة الغرض، و سائر ما يعتبر في اللفظ و البينة، فهي حجة من الحجج العقلائية القيمة الثابتة المتداولة بين الناس منذ حدث فيهم الكتابة و قد أمضاه الشارع كما يدل عليه آية المداينة، كيف و عليها مدور رحى العيش في الناس، قال في المجمع: هي مما أنعم اللّه به على الإنسان، تفيد اخبار الماضين للباقين، و اخبار الباقين للآتين، و بها تخلد الكتب للعلوم و لولاها لانقطع اخبار بعض الأزمنة عن بعض إلى أخر ما أفاده، فهي حجة تقوم مقام أدلة الأحكام و الموضوعات من إخبار العدل و الثقة و البينة و نحوها مع شروط مأخوذة في موضوع الحجية شرعا و عرفا.

و امّا الكتابة الإنشائية و هي ان يكتب اللفظ على القرطاس و نحوه و يقصد بذلك إنشاء المعنى الاعتباري المقصود، فهي العمدة في مورد العقود و الإيقاعات و غيرها من الإنشائيات ذات الأحكام، كأن يكتب الموجب مثلا الإيجاب و يكتب القابل القبول بقصد


إنشاء العقد المطلوب. و هذا مما تعرض له الفقهاء إجمالا في أبواب الفقه المختلفة، و ظاهرهم ان مورد البحث ينقسم إلى أقسام أحدها ما يظهر منهم الاتفاق على عدم كفاية الكتابة فيه، و هو الطلاق و حكم الحاكم برؤية الهلال و حكمه في فصل الخصام و نحوها و ثانيها ما يظهر من الأكثر كفايتها فيه و هو الوكالة و الوديعة و العارية و الجعالة و نحوها، و ثالثها ما اشتهر بينهم من عدم كفايتها فيه و إن خالف فيه بعض، و هذا كالبيع و الإجارة و أكثر العقود اللازمة فقد حكي عن بعض دعوى الإجماع على اعتبار اللفظ مطلقا أو اللفظ الخاص في العقود و عن العلامة و ولده و الشهيد الثاني (ره) اعتباره، و عن أبي زهرة دعوى الإجماع عليه، و قال المحقق الأنصاري ان اعتبار اللفظ في البيع بل في جميع العقود مما نقل عليه الإجماع، و تحقق فيه الشهرة العظيمة فراجع المطولات.

تنبيه: الإنصاف ان القول بالكفاية في جميع العقود و الإيقاعات عدا ما دل الدليل على عدمها غير بعيد، لصدق العقد على ما ينشأ بالكتابة بالدقة العقلية و العرفية فتشمله أدلة وجوب الوفاء بالعقود و العهود و الشروط و غيرها، إذ الظاهر انه لا فرق بين إنشاء البيع بلفظة بعت و إنشائه بكتابة ذلك بقصد الإنشاء و كذا إذا كتبت المرأة مخاطبة للرجل أنكحتك نفسي على الصداق، و كتب هو قبلت النكاح، فالإيجاب و القبول الكتبيين، كاللفظيين و العمليّين، و الإجماع المنقول على البطلان غير حجة، مع احتمال كونه مدركيا مبنيا على توهم دلالة بعض النصوص و على هذا فلا استبعاد لاحتمال الصحة في الأنكحة التي جرت بها السيرة في بعض الممالك غير الإسلامية، بحضور الزوجين في محل معدّ لثبت الزواج، فيكتب تبانيهما و تعاهدهما على الزوجية و يكتفيان بذلك، و لعله يؤيد ذلك قوله عليه السّلام:

لكل قوم نكاح فإنه كما يدل على صحة الأصل يدل على جواز الكيفية أيضا.

نعم قد ورد في الطلاق و العتاق ما يدل على عدم اعتبار الكتابة ففي صحيح زرارة عن رجل كتب إلى امرأته بطلاقها أو كتب بعتق مملوكه و لم ينطق به لسانه قال ليس بشي‌ء حتى ينطق به، هذا و لكن في صحيح الثمالي لا يكون طلاق و لا عتق حتى ينطق به لسانه أو يخطه بيده و هو يريد الطلاق أو العتق و يكون ذلك بالأهلة و الشهود يكون غائبا عن اهله انتهى و التفصيل في الفقه.


* كذب الكذب*

الكذب و مشتقاته في اللغة و العرف بيّن، و لا عبارة أو في لبيان حقيقته من نفس الكلمة، و قد تعرّف بأنه خلاف الواقع، و الظاهر أن الصدق و الكذب وصفان متناقضان، و هما المطابقة و اللامطابقة، و هما يكونان في الأقوال، و العقائد، و الأفعال، و يجوز إطلاق الصدق و الكذب على القول المطابق للواقع و المخالف للاعتقاد و على عكس ذلك.

و كيف كان فالكذب وقع موضوعا لأحكام تكليفية و وضعية في الشريعة، و موردا للبحث في الفقه، و الأصحاب قد ذكروا أن البحث عنه يقع تارة في حرمته و أخرى في مستثنياته، أما الأول فلا إشكال في حرمته عقلا، و شرعا، بضرورة العقول و الشرائع، و ما بعث نبي إلاّ بصدق الحديث، فهو حرام بالأدلة الأربعة أعني الكتاب و السنة و العقل و الإجماع، و هو من المعاصي الكبيرة، نعم هنا اختلاف في الكذب لا عن جدّ و في الكذب تورية، فأباحهما قوم و حرّمهما آخرون، و لم يذكروا له حدا في كتاب الحدود، لكنه من الكبائر فلا إشكال في ثبوت التعزير له بل القتل إذا تكرر ثلاثا أو أربعا مع تخلل التعزير بينها.

و أما الثاني فقد ذكروا جواز الكذب في مقامين، أحدهما مورد الضرورة كالإكراه و الاضطرار فجوزوه فيهما، بل قد ذكروا جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه و قالوا انه ينبغي لمن تمكن من التورية في هذه المقامات أن لا يتركها.

و ثانيهما: مورد الاصطلاح بين نفسين أو نفوس لدلالة النصوص المستفيضة على الحلية حينئذ فراجع كتب الفقه المبسوطة.

* كفر الكفارات*

الكفر بالضم و قد يفتح في اللغة الستر و التغطية، يقال كفر الشي‌ء و كفّره ستره و غطاه، و يطلق الكافر على ضد المؤمن كأنه قد ستر الإيمان، و على الزارع لأنه يستر البذر تحت الأرض، و على كفور النعم لأنه يستر نعم اللّه بعدم أداء شكرها، و على الليل،


لأنه يستر من دخل فيه، و على هذا فالكفارة مبالغة في الستر، فهي بمعنى كثير الستر و التغطية أو شديدة، أو مديدة، و في المجمع: الكفارة فعالة من الكفر و هي التغطية لأنها تكفر الذنب عن الإنسان أي تمحوه و تستره و تغطية، و في المفردات: الكفارة ما يغطى الإثم، و منه كفارة اليمين نحو قوله‌ (ذََلِكَ كَفََّارَةُ أَيْمََانِكُمْ إِذََا حَلَفْتُمْ) و كذلك كفارة غيرها من الآثام ككفارة القتل و الظهار انتهى.

و الكفارة في اصطلاح الفقهاء عبادة خاصة مالية أو بدنية شرعها اللّه تعالى في دينه و جعلها نحو مؤاخذة و عقوبة في الغالب على مخالفة حكمه، مسقطة أو مخففة لعقابه، ماحية لما صدر من العبد من ذنبه، أو جبرا للنقص الواقع في عمله، و هي أما قول أو فعل أو بذل مال، و قد عقد الفقهاء لبيان ماهيتها و تعيين أقسامها و إيضاح أحكامها كتابا في الفقه و بيّنوها في ضمن فروع.

منها: أن الكفارات على أقسام أربعة مرتبة و مخيرة و ما اجتمع فيه الأمران و كفارة الجمع، و المرتبة ثلاث، كفارة الظهار و كفارة قتل الخطأ تجب فيهما العتق فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا، و كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال و هي إطعام عشرة مساكين، فإن عجز فصيام ثلاثة أيام و الأحوط كونها متتابعات.

و المخيرة كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، و كفارة حنث النذر، و حنث العهد، و جزء المرأة شعرها في المصاب، و هي العتق أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا بينها.

و ما اجتمع فيه الأمران أي الترتيب و التخيير، كفارة حنث اليمين، و نتف المرأة شعرها، و خدشها وجهها في المصاب، و شق الرجل ثوبه في موت ولده، أو زوجته، فيجب في جميع ذلك عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيرا بينها، فإن عجز عن الجميع فصيام ثلاثة أيام.

و كفارة الجمع، هي كفارة قتل المؤمن عمدا و ظلما و كفارة الإفطار في شهر رمضان


بالمحرّم، على الأحوط، و هي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا.

و منها: انه يشترط في الكفارة قصد القربة، و تعيين نوع الكفارة ككون الصيام للقتل أو للإفطار في شهر رمضان، و أنه لو عجز عن بعض خصالها كالعتق في هذا الزمان سقط و تعين الأخرى. و انه يجب التتابع في الصيام في جميع الكفارات مرتبة كانت أو مخيرة أو جمعا شهرين كانت أو ثلاثة أيام.

* كفل الكفالة*

الكفالة بالفتح في اللغة مصدر كفل يكفل زيدا من باب نصر أي عاله و أنفق عليه، و كفل الرجل بالرجل و المال بالمال ضمنه، فالكفالة لغة بمعنى الإنفاق و الضمان.

و في اصطلاح الفقهاء و العرف عبارة عن إنشاء الالتزام و التعهد بنفس من عليه حق لإحضاره عند مطالبة من له الحق، و يتوقف تحقق ماهيتها على أمور: الكفيل و هو المتعهد الملتزم، و المكفول له و هو صاحب الحق، و المكفول. و هو من عليه الحق، و المكفول به و هو الحق الثابت، فهي عقد لازم مشتمل على إيجاب من الكفيل ينشأ به التزامه و تعهده و قبول من المكفول له ينشأ به قبوله و لا يحتاج إلى قبول المكفول.

و ذكر أهله الفقه في بيان عقدها و شرائطه أمورا:

الأول: أن عقدها يتحقق بكل لفظ أفاد المقصود كقوله كفلت نفس فلان أو أنا كفيله أو التزمت أو تعهدت إحضاره و نحو ذلك.

الثاني: انه يعتبر في الكفيل البلوغ و العقل و الاختيار و القدرة على ما التزم به.

الثالث: انه لا يشترط شي‌ء من ذلك في المكفول له فيكون القابل وليه.

الرابع: انه يشترط في الحق المكفول به الذي هو العلة الغائية في الكفالة، الثبوت الفعلي، و لا يكفي الثبوت الشأني فلو تكفل للعامل في الجعالة نفس الجاعل قبل العمل، أو تكفل للمقرض نفس المقترض قبل القرض، أو للزوجة نفس الزوج لتمام المهر قبل الدخول لم تصح.


الخامس: انه لا فرق في الحق الثابت على المكفول بين أن يكون عينا ذمية، أو حقا كحق الدعوى المسموعة، أو حق الاستمتاع و المضاجعة، أو حق القصاص و القذف، بل و عينا خارجية كما في المستودع و المرتهن إذا خيف من فرارهما، ثم أنه يتخير الكفيل بين إحضار المكفول و أداء ما عليه، و يتعين الإحضار في القصاص، و إذا أحضره برئت ذمته، و يجوز الترامي في الكفالات بان يكفل الكفيل شخص آخر و يكفله ثالث و هكذا، و لا كفالة في الحدود و التعزيرات الشرعية.

* كفأ الكفاءة-الكفو*

الكفاءة بالفتح و المد في اللغة المماثلة في القدر و المنزلة و الكف‌ء و الكفو المثل، يقال فلان كف‌ء لفلان في المناكحة أو في المحاربة و نحو ذلك، و منه المكافاة أي المساواة و المقابلة في الفعل، و اللفظ ليس له معنى اصطلاحي خاص شرعي و لا فقهي، و قد وقع بمعناه اللغوي موضوعا للحكم في الشريعة، و ذكره الأصحاب في الفقه.

فمن موارده باب النكاح، فإنهم قد اشترطوا في طرفي النكاح كفاءة أحدهما مع الآخر أي مماثلة الزوج و الزوجة، و اختلفوا في المراد بها على أقوال، أحدهما-ان المراد الكفاءة في الدين، فليس للرجل المسلم نكاح المرأة الكافرة، و لا للمرأة المسلمة النكاح بالكافر. ثانيها -الكفاءة في الإيمان بالمعنى المصطلح عندنا أي الاعتقاد بالولاية للأئمة المعصومين (ع) ، فليس للمؤمن نكاح المسلمة غير المؤمنة و لا للمؤمنة الزواج بالمسلم غير المؤمن، و قالوا ان الثاني أشد منعا لأن المرأة تأخذ من دين الرجل، ثالثها-التمكن من النفقة بمعنى عدم جواز نكاحها ممن لا يستطيع إنفاقها.

هذا و لكن المتيقن منها المتفق عليه بين الأصحاب، الكفاءة في الإسلام فلا يصح زواج المتخالفين في الدين، و القول بالكفاءة في الإيمان قليل ضعيف، و أضعف منه القول باشتراط التمكن من النفقة، و يتفرع على ما ذكر انه لا يعتبر الكفاءة في الأوصاف الشخصية و الشؤون الاجتماعية و لا في الانتحال بفرقة خاصة من فرق المسلمين و لا في الشؤون المميزة الآخر


كالانتساب بشعبة و قبيلة، و الاتصاف بالحرية و الرقية و القرشية و الهاشمية، و التكلم بالعربية و العجمية، و التلون بالبياض و السواد و الحمرة و غيره ذلك.

* نبه تنبيه: *

استدلوا على اشتراط الكفاءة في الإسلام بقوله (ص) حين أمر بتزويج الأبكار من الأكفاء (المؤمنون بعضهم أكفاء بعض) أي في الايمان المراد به الإسلام و لا دليل على اشتراط غيره.

* كفر الكفر و الكافر*

الكفر بالفتح و الضم مصدر بمعنى الستر و التغطية، يقال كفر الشي‌ء ستره و غطاه، و كفر الليل الأشياء غطاها، و في المفردات: الكفر في اللغة ستر الشي‌ء و وصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، و الزارع لستره البذر في الأرض، و كفر النعمة و كفرانها سترها بترك أداء شكرها، و أعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، و الكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا و الكفر في الدين أكثر، و الكفور فيهما إلى أن قال و الكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو الثلاثة انتهى.

و كيف كان فالكفر في اصطلاح الفقهاء هو عدم قبول الإسلام، أو إنكار ضروريّ من الدين و لو مع الانتحال للإسلام، و الكافر هو المتصف به، فيشمل من أنكر ذات الواجب تعالى أو وحدانيته أو الرسالة مطلقا أو رسالة محمد صلّى اللّه عليه و آله و أنكر المعاد أو أنكر ضروريا من ضروريات الدين أو قطعيا من قطعياته مع التوجه إلى استلزام ذلك إنكار النبوة أو تكذيب النبي صلّى اللّه عليه و آله، و يشمل أيضا من شكّ في التوحيد أو الرسالة أو المعاد و إن لم يجحدها، فإنه كفر في هذا الاصطلاح و ان لم يكن كفرا لغة، و ذلك لأن الأصول الاعتقادية على ضربين:

أحدهما ما يجب تحصيل الاعتقاد به بمجرد توجه النفس إليه فالبقاء على الشك فيه بعد التوجه نظير الشك فيه بعد الاعتقاد سبب للكفر، و ذلك كوجود المبدأ تعالى و توحيده و الرسالة و المعاد، نعم المسلم المعترف بالأصول إذا طرأ في قلبه شبهة من أجل جهالته، لا


يخرج بذلك عن الإسلام ما لم يجحد، و الثاني: ما لا يجب ذلك بل اللازم عدم رده و عدم إنكاره بمجرد الشك فيه كمسألة عصمة الأنبياء، و وجود الملائكة، و بعض أحوال عالم الآخرة.

هذا و عن بعض المحققين أن للكفر مراتب أدناها إنكار حكم من الأحكام الشرعية، فإنه يصح بذلك نسبة الكفر إليه بالإضافة إلى ذلك الحكم، أو بلحاظ أن الإسلام اسم للمجموع من حيث المجموع فمنكر البعض خارج عن الإسلام بهذا المعنى، و عليه يحمل ما ورد من أن أدنى ما يكون العبد به مشركا أن يقول للنواة حصاة و للحصاة نواة و دان به، أو يقول للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دان بذلك، و هذه المرتبة لا تؤثر في ترتيب آثار الكفر على المنكر، و لا في إطلاق الكافر عليه شرعا و عرفا انتهى. ثم انه يتفرع على ما ذكر حكم الأصحاب بكفر الخوارج الذين استحلوا قتل علي و الحسنين (ع) بل و مطلق النواصب الذين أظهروا عداوة أهل البيت (ع) بل أو أضمروا ذلك، و الغلاة القائلين بربوبية النبي أو على أحد الأئمة عليهم السّلام و أما المجسمة ففيهم اختلاف فراجع في أحكام هؤلاء إلى عنوان الباغي و الناصب و الغالي و المجسمة.

ثم أن الكافر قد وقع مورد البحث في الفقه عند الأصحاب و رتب عليه في الشريعة الإسلامية أحكام كثيرة هامة تكليفية و وضعية أخلاقية و اجتماعية و سياسية:

فمنها: تقسيم الكافر إلى أهل الكتاب و غيرهم و المراد بالأول اليهود و النصارى و المجوس، و لعل هذا الإطلاق صار مصطلحا شرعيا و فقيها فيهم بشهادة تبادرهم من اللفظ عند الإطلاق فالمراد بالكتاب حينئذ التوراة و الإنجيل و ما هو شبه الكتاب عند المجوس.

و منها: تقسيمه إلى ذمي و حربي، و الأول هو الكتابي الذي أنشأ عقد الذمة مع ولي المسلمين، و الثاني غير الكتابي، و الكتابي الذي لم يدخل في الذمام أو تخلف عنه.

و منها: وجوب دعوة الكفار إلى الإسلام ابتداء إرشادا إلى الخير و هداية إلى الدين، و هذا واجب على كل واحد من المسلمين إذا احتمل التأثير و لم يترتب عليه ضرر،


و بالنسبة إلى أرباب البيان و أصحاب القلم أهم و أقوى.

و منها: وجوب دعوة الإمام المعصوم أو نائبه العام و الخاص، الحربيين غير أهل الكتاب إلى الإسلام دعوة ابتدائية، و تخييرهم بين قبوله و الحرب و قد مر تحت عنوان الجهاد.

و منها: وجوب دعوة الإمام أو نائبه الحربيين من أهل الكتاب أيضا و تخييرهم بين أمور ثلاثة: الإسلام و الذمام و الحرب.

و منها: ما ذهب إليه جل القدماء و المتأخرين من أصحابنا لو لا كلهم من أن الكفار مكلفون بالفروع الدينية كما أنهم مكلفون بأصول الدين يلوح ذلك منهم في موارد كثيرة من المسائل الفرعية، و ذهب بعض المحققين من مقاربي عصرنا إلى أن الكافر لا يكلف بالفروع إلا بعد قبول الإسلام، فعليه يكون مجموع التكاليف المتوجه إليه من اللّه على قسمين مترتبين، الأول تكليفه لقبول الإسلام و لا خطاب له في هذه المرتبة إلاّ ذلك، فإن لم يقبل لم يتوجه إليه شي‌ء من الأحكام الفرعية، و ان قبل و أسلم خوطب بالفروع العملية، فالموضوع في الخطاب الأول الإنسان الصالح للتكليف، و في الخطاب الثاني المسلم المعتقد بالتوحيد و الرسالة، و الأظهر ما عليه المشهور و للبحث عنه محل آخر.

و منها: حرمة بيع السلاح منهم وقت الحرب أي حربهم مع المسلمين أو مطلقا، على ما رآه الإمام مفسدة، و قد لا يحرم بل يستحب بل الظاهر انقسامه بانقسام الأحكام الخمسة بلحاظ الأزمنة و الأمكنة.

و منها: حرمة بيع المصحف منهم إذا كان ذلك إهانة، أو استلزم مسّهم لكتابته ببشرتهم أو مطلقا على خلاف فيها.

و منها: غيرها من الموارد و الفروع الكثيرة التي تختص بالكافر و يمتاز بها عن المسلم، ذكرها الأصحاب في شتى مواضع الفقه، و مختلف أبوابه، و إليك بعضها تبيانا لحال العنوان:

1-نجاسة بدن المشرك أو مطلق الكافر على اختلاف في الكتابي.

2-نجاسة أولاد الكفار بالتبعية قبل التمييز أو قبل البلوغ و العقل.


3-حرمة الموادة معهم و اتخاذهم أولياء و إلقاء المودة إليهم.

4-عدم كونهم أكفاء المسلم في مقام الزواج فلا يجوز لهم تزويج المسلمات.

5-عدم توارثهم مع المسلمين و لو كانوا أقرب الأرحام من المسلم فيرثه الأبعد المسلم و إن كان هو الامام دونه.

6-عدم قبول نفقاتهم في سبيل الخير و سائر عبادتهم عند الله تعالى إذا ماتوا على الكفر فهي جميعا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، أو كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء إذا جاءه لم يجده شيئا، أو هي كمثل صفوان عليه تراب فأصابه و إبل.

7-عدم جواز قربهم من المسجد الحرام و مسجد النبي (ص) و لو على نحو الاجتياز.

8-عدم جواز دخولهم و مكثهم في سائر المساجد على اختلاف فيهما.

9-عدم كفاءتهم مع المسلمين في القصاص، فليس لهم أو لأوليائهم القصاص من المسلم نفسا أو طرفا أو منفعة، فيتبدل إلى الدية في الذمي.

10-عدم تساويهم مع المسلمين في الدية، بل المجعول لهم في دية النفس ثمانمائة درهم و في الأعضاء و المنافع على حسب ذلك.

11-تخيير حاكم المسلمين إذا ترافعوا إليه أن يحكم في حقهم على وفق مذهب المسلمين أو مذهبهم.

12-عدم قبول شهادتهم في حق المسلمين في مقام المخاصمة عند الحاكم إلاّ إذا أوصى المسافر المسلم في السفر بوصية و أشهد اثنين منهم مع عدم شهود من المسلمين إذا أتيا بالشهادة على وجهها.

13-عدم جواز الدعاء و الاستغفار لهم ما داموا أحياء بل و بعد الممات أيضا إلاّ إذا كان المستغفر الداعي ابنا أو أبا أو نحوهما من أرحامهم.

14-عدم جواز نيابة المسلم عنهم في إتيان عبادة واجبة أو مندوبة.

15-وجوب أخذ ولي المسلمين إذا اشتروا أرضا من المسلم، خمس تلك الأرض، خمسا اصطلاحيا، أو بعنوان عشرين من أرض الزراعة.


16 حرمة أكل ما اصطادوه من الحيوان البري، لنجاسته و عدم تذكيته.

17-حرمة أكل ذبائحهم و نجاستها و كونها ميتة.

18-بطلان الوقف عليهم إذا كان قربيا.

19-عدم نفوذ أيمانهم و نذورهم.

20-عدم احترام أموال غير الذمي منهم، فيجوز أخذها و تملكها بأي نحو ممكن.

21-جواز استرقاق الحربي منهم إذا لم يترتب عليه مفاسد أخر اجتماعية أو سياسية.

22-جواز تملك لقيطهم و استرقاقه.

23-عدم جواز تصديهم لمنصب القضاء و عدم نفوذ قضائهم.

24-عدم جواز إمامتهم لجماعة المسلمين و ان كانوا مستجمعين لشرائطها غير الكفر.

25-عدم جواز تقليدهم في الأحكام الفرعية و ان كانوا واجدين لشرائط التقليد حتى الأعلمية غير الإسلام على الأحوط.

26-صحة نكاحهم فيهما بينهم و ترتيب آثارها عليه عندنا أيضا و ان كان فاقدا لشرائطه عندنا حتى نكاح المحارم من الأم و البنت و الأخت، فإن لكل قوم نكاحا و هو محكوم بالصحة عندنا.

27-عدم قتل ساحرهم في مورد يقتل فيه ساحر المسلمين.

28-وجوب اصطبار المسلم في حربهم، و حرمة تولي الدبر عليه، حرمة مؤكدة إلاّ إذا كان متحرّفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، حتى فيما إذا كان المسلمون عشر الكفار دون ما إذا كانوا أقل.

29-ثبوت الجب في حقهم متى آمنوا، و هو سقوط جميع ما ثبت عليهم حال كفرهم من عقوبات الكفر و الفسق في الآخرة، و من الحدود و التعزيرات الثابتة عليهم في الدنيا، و سقوط ما عليهم من قضاء الأعمال الواجبة حال الكفر، و كفاراتهما فيما فيه قضاء و كفارة لغيرهم، على التفصيل الذي ذكرناه تحت عنوان الجبّ عملا بقوله تعالى‌ (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مََا قَدْ سَلَفَ) و قوله صلّى اللّه عليه و آله الإسلام يجب ما قبله.

30-إذا كان كفرهم بنحو الارتداد تحبط بمجرد ذلك جميع خيراتهم و أعمالهم العبادية، و لو كانت في مدة خمسين أو مائة سنة إذا ماتوا على تلك الحالة.


31-لم يجعل اللّه تعالى لهم على المؤمنين سبيلا فلا يجوز لهم تملك المسلم بعنوان العبد.

32-ليس لهم ولاية على القاصرين مع وجود الولي المسلم فلو كان هنا صغار و مجانين كانت الولاية عليهم، للمسلم من الأب و الجد دون الكافر، و ان كانوا كفارا تبعا.

33-ليس للكافر ولاية على بنته البكر البالغة الرشيدة إذا كانت مسلمة فلها أن تتزوج بدون إذنه.

34-يحرم تجهيزهم بعد الموت بما يجهز به المسلم، من الغسل و الحنوط و الكفن و الصلاة و الدفن في مقابر المسلمين.

35-يجب نبش قبره و إخراجه منه لو دفن في تلك المقابر الى غير ذلك.

* كلب الكلب*

الكلب في اللغة كل سبع يعض، و غلب على الحيوان النابح المعروف، و في المفردات:

و الكلاّب و المكلّب الذي يعلم الكلب قال تعالى‌ (وَ مََا عَلَّمْتُمْ مِنَ اَلْجَوََارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمََّا عَلَّمَكُمُ اَللََّهُ) و البحث عنه وقع في الفقه تارة في باب النجاسات عن نجاسته و كيفية تطهير المتنجس به، و أخرى في كتاب المكاسب عن حلية بيعه و شرائه و بيان أقسامه، و ثالثة في باب الصيد عن حصول التذكية بصيده لو قتله، و محل البحث الكلب البري دون البحري لانصراف الأدلة عنه، بل ربما ادعى أن إطلاق اسم الكلب على البحري منه مجازا لكونه طبيعة أخرى مغايرة للماهية المعهودة المسماة بالكلب المشابهة له في الصورة كالإنسان البحري.

و كيف كان فقد عدوا من النجاسات الكلب، و رطوبات بدنه، و أجزائه و ان كانت مما لا تحله الحياة كالشعر و العظم و نحوهما، و لا إشكال و لا خلاف منافي نجاسته بل هي ممّا اتفق عليه الفريقان، و دل عليها الإجماع، و قامت عليها سيرة المسلمين بل و الضرورة من الدين.

و قد ذكر الأصحاب في باب الطهارة أنه لو تنجس إناء بولوغه أي بشربه الماء و نحوه منه بطرف لسانه يجب تعفيره بالتراب الطاهر النديّ مرة، و غسله بالماء بعده مرتين، و لو خالف الترتيب لم يطهر، و انه لا يجب التعفير في غير الظرف مما تنجس بالكلب و بولوغه. ـ


و أما جواز بيعه و الاتجار به فالذي يستفاد منهم التفصيل في المسألة، فإنه على أقسام أربعة: كلب الهراش و هو الذي لا صاحب له ينتفع به، و كلب الصيد السلوقي و هو صنف خاص من الكلب منسوب إلى سلوق قرية باليمن لكثرة وجوده فيها، و كلب الصيد غير السلوقي و هو المتعلم للاصطياد، و كلب الحراسة للماشية و الحائط و الخيمة و البستان و الزرع و غيرها، و ظاهرهم الإجماع على عدم جواز بيع الهراش لكونه أكلا للمال بالباطل، و أما غيره فجائز بيعه و التجارة به بلا إشكال في الجملة.

و أما البحث عن الاصطياد به، فقد وقع في كتاب الصيد و انه قد جعله الشارع من الآلات الحية للاصطياد، فما صاده محكوم بالتذكية مع شرائطها المقررة، و ان مات بعضّه و جرحه و لم يدرك الصائد ذكاته فيطهر جلده، و يحل لحمه إذا كان مأكولا، و الحكم هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل عن عدة دعوى الإجماع عليه و هو مقتضى النصوص المستفيضة.

و هذا الحكم مختص بالكلب المعلم من بين جوارح السباع و الطيور، فلو اصطاد بالكلب غير المعلم و لو كان سلوقيا، أو بغير الكلب من جوارح السباع كالفهد و النمر و غيرهما و لو كان معلما، أو بجوارح الطير معلما أو غير معلم و لم يدرك ذكاته، لم يقع التذكية عليه و كانت ميتة، و التعليم في الكلب يتحقق بأمور ثلاثة أحدها أن يسترسل إذا أرسله، الثاني أن ينزجر إذا زجره، الثالث أن لا يأكل ما أمسكه، و الأكل اتفاقا غير ضار، و يشترط تكرر الاصطياد حتى يحرز حصول العادة فيه.

* كنز الكنز*

الكنز في اللغة مصدر بمعنى الإدخار، يقال كنز يكنز المال من باب ضرب، جمعه و ادّخره أو دفنه في الأرض، و الكنز المال المجموع المدّخر في مكان أو المدفون في الأرض، و في المجمع: أصل الكنز المال المدفون لعاقبة ما، ثم اتسع فيه فيقال لكل قينة يتخذها الإنسان كنزا و الجمع كنوز انتهى.

و ذكروا انه لا يعتبر في صدق الكنز قصد الإدخار و الإبقاء و إلاّ كان أكثر ما وجد منه‌


مشكوك الكنزية، و هو خلاف إطلاق النصوص و السيرة، و ان المراد بما تحت الأرض في قول بعضهم، ما يعم جوف الأبنية و السقوف أو تحت حطب أو بطن شجرة أو نحوها، و انّ ظاهر اللغة و العرف بل العلماء أيضا صدقه على كل مال مذخور سواء كان من النقدين أم غيرهما، فيشمل كل شي‌ء له مالية عند العقلاء أدخره صاحبه لغرض من أغراضه.

و الظاهر انه ليس للفظ اصطلاح خاص شرعي أو متشرعي، و قد وقع بمعناه اللغوي و العرفي موضوعا للحكم في باب الخمس، فذكروا انه أحد الأعيان السبعة التي يتعلق بها الحق الشرعي، و الضريبة المالية فيجب إخراج خمسه و تفصيل ما يرتبط بحكمه يطلب من باب الخمس.

* كهن الكهانة*

الكهانة بالفتح و الكسر مصدر من كهن يكهن من باب قتل، بمعنى الأخبار عن الغيب، يقال كهن لفلان قضى له بالغيب و حدّثه به، و في المجمع: الكاهن هو الذي يتعاطى الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، و يدعي معرفة الأسرار، فمنهم من كان يزعم انّ له تابعا من الجن يلقي إليه الأخبار انتهى، و في المفردات: الكاهن هو الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن و العراف يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك انتهى. و في الحديث إن الكاهن كان في زمن الفترة بمنزلة الحاكم يحتكم إليه الناس فيما اشتبه عليهم من أمورهم، و ذلك لفراسة عينه، و ذكاء قلبه، و فطنة روحه، و ذلك لأن ما يحدث في الأرض يعلمه الشيطان فيلقيه إلى الكاهن، و أخبار السماء أيضا يسرقها الشياطين فيلقيها إليه ثم منعت عن ذلك انتهى.

و كيف كان فقد وقع البحث عن الكهانة في الفقه و نقلوا تحريمها، بل و أنه لا خلاف في ذلك فيما بينهم، و الظاهر أن مرادهم إخبار الكاهن عن ارتباط بالأرواح الغيبية كالأجنة و الشياطين، و أما التفرس في الأمور و الأخبار عن بعض النتائج و لو جزما فحرمته غير مسلمة.


* عود قعد لا تعاد-قاعدة لا تعاد*

مفهوم كلمة لا تعاد في اللغة بيّن، و قد كثر استعمالها في الفقه في قاعدة سلبية مجعولة من الشارع مختصة بباب الصلاة، مشهورة بقاعدة لا تعاد، و قد انتزع من موردها و من الدليل الدال عليها قاعدة أخرى إيجابية ينبغي أن تسمى بقاعدة تعاد، و مدرك القاعدتين صحيح زرارة (لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود) و أصل القاعدة قضية كلية سلبية لها موضوع و محمول و قيود، موضوعها الصلاة الأعم من الفريضة و النافلة، و محمولها عدم وجوب الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه، و قيودها عبارة عن اشتمال الصلاة على خلل فيها، من ناحية أجزائها و شروطها و موانعها، مقتضية لإعادتها أو قضائها بطبعها الأوّلي، فيما لم يكن الخلل من ناحية خمسة معينة من أجزائها و شرائطها، و هي الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود، فالمحصل من القاعدتين أن كل صلاة حصلت فيها خلل من ناحية أي جزء من أجزائها و شرائطها و موانعها، عدا الخمسة، لا تجب إعادتها و قضاؤها، و كل صلاة دخل فيها خلل من قبل تلك الخمسة وجبت إعادتها و قضاؤها.

و يتفرع على القاعدة أمور يتضح بها حقيقتها و ما ينبغي أن يعلم من حالها.

الأول: أن مقتضى ما ذكر من التعريف عدم الفرق بين كون الخلل في الصلاة ناشئا من ناحية جزئها نقصا كفوت الفاتحة أو السورة أو ذكر الركوع أو السجود أو غيرها، أو زيادة كإضافة القنوت في غير الثانية من ركعاتها، أو أفعال أو أذكار بقصد الجزئية، أو من ناحية شرطها كترك الاستقبال أو طهارة الثوب أو البدن أو غيرها، أو من جهة المانع كلبس النجس، أو أجزاء الميتة، أو غير المأكول، أو التكلم أو التكليف، أو غيرها.

الثاني: انه لا فرق أيضا بين كون صدور الخلل، سهوا، أو نسيانا، أو غفلة، أو عمدا، مع العلم بالحكم، أو الجهل به قصورا، أو تقصيرا، أو مع نسيانه، إلاّ انه قد خرج من الإطلاق صورة ما لو أخل عالما بالحكم عامدا في الموضوع، فإنه لا إشكال حينئذ في البطلان و وجوب الإعادة لاستلزام ذلك لغوية تشريع الأجزاء و الشرائط.


الثالث: ان ما أشرنا إليه من قاعدة تعاد، يستفاد من الاستثناء في الصحيح، بل و من جميع الأدلة المثبتة لأجزاء الصلاة و شرائطها و موانعها، إذ لا معنى لجعلها إلاّ عدم تحقق الماهية المطلوبة بدونها، و وجوب إعادتها، بل هي مقتضى حكم العقل بان من لم يأت بالمأمور به على وجهه وجب عليه الإتيان به كذلك، و هذه القاعدة مطلقة من حيث كون الإخلال بها صادرا عن عمد أو سهو أو نسيان أو جهل بالحكم أو الموضوع كما كان الأمر كذلك في القاعدة الأولى.

الرابع: أن العناوين الخمسة المأخوذة في موضوع قاعدة تعاد الصلاة، و إن كانت مطلقة من الجهة السابقة إلاّ أنه لا إطلاق لها من حيث نفسها، و ذلك لأن المراد من الطهور فيها الطهارة من الحدث دون الخبث، فيدخل الإخلال بالخبثية تحت قاعدة لا تعاد، و المراد بالوقت الإخلال به بوقوع الصلاة قبله لا بعده فإنها حينئذ لا تكون باطلة كان الخارج جميع أجزائها أو بعضها إذ الأول محكوم بالصحة بأدلة القضاء، و الثاني في الجملة بأدلة من أدرك ركعة من الوقت، كما أن في التقدم أيضا تبطل إذا وقعت قبله بجميع أجزائها، دون ما إذا وقع شي‌ء منها في الوقت إذا دخل فيها بعد الفحص، فإنها صحيحة أيضا لقسم آخر من قاعدة من أدرك كما عرفت تحت عنوانها.

و المراد من خلل القبلة وقوع الصلاة على نحو الاستدبار أو ما بينه و بين اليمين و اليسار، و أما الانحراف منها إلى ما بين اليمين و اليسار، فهو مورد قاعدة لا تعاد لحكومة دليله على دليل القاعدة و أما الخلل من ناحية السجود ففيها إذا زاد سجدتين في ركعة أو نقصهما فيها و إلاّ فيدخل تحت قاعدة لا تعاد.

الخامس: إطلاق الإعادة في خلل الخمس الشامل لصورة العلم و الجهل و النسيان، يدل على أن الخمسة أركان للصلاة، فإن ركنية شي‌ء لعمل منتزعة من إطلاق انتفاء العمل بنقصه أو زيادته كان عن علم أو جهل أو نسيان، و مقتضى ظاهر الاستثناء انحصار الركنية فيها، و قد دل الدليل على أن النية أيضا شرط ركني في الصلاة، كما أن تكبيرة الإحرام جزء ركني، و على هذا فيقع التعارض بين ما دل على ركنيتهما و الصحيح أي‌


الجملة المستثنى منها المستفاد منها قاعدة لا تعاد، لكن النسبة بينهما عموم مطلق، فتخصص القاعدة بدليلها، فلا يجب الإعادة من خلل غير الخمس إلاّ إذا كان من جهة النية أو تكبيرة الإحرام، و هذا البيان جاز بالنسبة للقيام حال التكبير و القيام المتصل بالركوع إذا قلنا بركنيّتهما.

* لبس اللباس*

لبس عليه الأمر يلبسه من باب ضرب في اللغة، خلطه و جعله مشتبها له، و لبس الثوب يلبسه من باب علم استتر و تغطى به، و اللباس معروف و هو كل ما يلبس، و في المفردات لبس الثوب استتر به و ألبسه غيره، و اللباس و اللبوس و اللبس ما يلبس و جعل اللباس لكل ما يغطى الإنسان عن قبيح قال تعالى‌ (هُنَّ لِبََاسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبََاسٌ لَهُنَّ) .

و كيف كان فليس للّباس معنى اصطلاحي، و البحث عنه واقع في موارد من الفقه الأول في كونه ساترا للعورة، الثاني في كونه لباس المصلي، الثالث في كونه حريرا محضا للرجال، الرابع في كونه من الذهب للرجال أيضا، الخامس في كونه لباس الشهرة، السادس في كونه من مختصات إحدى الطائفتين الذكر و الأنثى إذا لبسته الأخرى.

أما الأول: فقد ذكر تفصيله تحت عنوان الستر و الستار.

و أما الثاني: فقد وقع اللباس في باب الصلاة موضوعا لأحكام خاصة فذكروا انه يشترط في لباس المصلي شرائط ستة و القسمان الأولان منها شرط وجودي اصطلاحي و البواقي شرائط عدمية منتزعة من مانعية الوجود.

أوّلها: الطهارة في جميع ألبسه المصلي عدا ما لا تتم فيه الصلاة، فالصلاة في اللباس النجس عمدا اختيارا باطلة.

ثانيها: الإباحة في لباسه كله، فالصلاة في اللباس المغصوب فاسدة إذا كان عالما بالحرمة مختارا، أو جاهلا بها مقصرا، أو جاهلا بالبطلان أو ناسيا للغصبية، و أما الجهل بالموضوع فلا يكون مبطلا.


ثالثها: أن لا يكون من أجزاء الميتة كانت من محلل اللحم أو محرّمه و كانت مدبوغة أو غير مدبوغة، بل و كذلك الميتة الطاهرة كالسمك و نحوه.

رابعها: أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه و ان كان مذكى، كان من جلده أو شعره أو وبره أو صوفه.

خامسها: أن لا يكون من الذهب للرجال خالصا لو أمكن ذلك، أو مخلوطا، أو ملحما به، أو مذهبا بالتمويه إذا صدق عليه لبس الذهب، كان مما تتم فيه الصلاة أو مما لا تتم كالخاتم و الحلقة و الزر، و في شد الأسنان به إشكال.

سادسها: أن لا يكون حريرا محضا للرجال، ساترا أو غيره، مما تتم فيه الصلاة أو غيره كالتكة و القلنسوة.

و أما الثالث: فقد ذكروا انه لا إشكال في حرمة لبس الحرير المحض للرجال، كان ساترا للعورة أو غيره، و تبطل به الصلاة أيضا.

و أما الرابع: ذكروا ان لبس الثوب المزين بالذهب، بل و استعمال الذهب على نحو يصدق عليه اسم اللبس و لو مجازا كلبس الخاتم، بل و مطلق التزين به حرام للرجال.

و أما الخامس: فعنون بعض الأصحاب لباس الشهرة و حرمة لبسه و اختار التحريم، و ذكر في العروة الوثقى أن المراد به لبس الشخص خلاف زيّه من حيث جنس الثوب، أو من حيث لونه، أو من حيث هيئته في خياطته أو كيفية لبسه، و هذا مما فيه إجمال من حيث الموضوع و الحكم و الدليل، نعم لا يبعد ذلك فيما إذا كان لبس المؤمن له هتكا لحرمة نفسه و إذهابا لمروته، أو كان سببا لاغتياب الناس، أو وقوعهم في معاصي أخر، أو كونه ممنوعا في قوانين الدولة الإسلامية كلبس غير الجندي لباس الجندي و أما بطلان الصلاة به فلا دليل عليه.

و أما السادس: فقد ذكروا انه لا يجوز للرجال لبس ما يختص بالنساء، كالمقنعة و ما يسمى بالچادر و نحوهما، و لا يجوز للنساء لبس ما يختص بالرجال، كالقلنسوة و العمامة، و يمكن أن يقال أن المحرم تشبه أحدهما بالآخر و أخذه بزيّه على نحو يستلزم المحرم، كلبس‌


المرأة ثياب الرجال على نحو يستلزم إبداء بدنها و زينتها و شعرها، و لبس الرجل ما يشتبه به الأمر على النساء في النظر عليه، و الدخول عليهن فتأمل.

* لحو اللحية*

اللحية في اللغة شعر الخدين و الذقن، و الجمع لحى كسدرة و سدر، و في المجمع: اللحى كفلس عظم الحنك و اللحيان بفتح اللام العظمان اللذان تنبت اللحية على بشرتهما و يقال لملتقاهما الذقن، و عليهما نبات الأسنان السفلى، و اللحية كسدرة الشعر النازل على الذقن، و جمعها لحى كسدر انتهى.

ثم أن الكلمة مستعملة في النصوص و كذا في فتاوى الأصحاب في معناها اللغوي، و قد رتب عليها في الشريعة أحكام، نظير أنها جمال للرجل كما أن شعر الرأس جمال للمرأة، و أنه يستحب تسريحها، و يكره تطويلها، و أنه لو أزال شخص لحية آخر قهرا عليه، وجبت عليه ثلث دية الرجل ان نبتت بعده، و وجبت عليه تمام ديته ان لم تنبت فهي نظيرة شعر رأس المرأة فيما إذا إزالة أحد قهرا عليها.

و في تحريم حلقها للرجل إشكال و لم أر من أفتى بجوازه من أصحابنا و قد أفتى بحرمته بعضهم، و هي مقتضى جريان السيرة القطعية بين المتدينين المتصلة بزمان المعصومين و النبي صلّى اللّه عليه و آله، بل و لعلها مستمرة بلحاظ سيرها القهقري، بين المتدينين من كل ملة و أمة و بين الأنبياء و حواريهم حتى تنتهي إلى آدم النبي عليه السّلام و لم ينقل كما لم يعهد من أحد منهم حلقها و كذلك كان الأمر قطعا من صدر الإسلام و أول ظهوره، بين النبي صلّى اللّه عليه و آله و أمته و أصحابه و التابعين لهم بإحسان إلى يومنا هذا، فكانوا ملتزمين بها ذامّين من حلقها معاملين معهم معاملة الفساق في الأمور التي يعتبر فيها العدالة، و قد ادعى الإجماع عليه بعض أصحابنا و هناك من النصوص أيضا ما لا يخلو عن ظهور فيه و التفصيل في الفقه.


* لعن اللعان*

اللعن في اللغة السبّ و الطرد، و اللعان مصدر باب المفاعلة يقال لا عنه لعانا، لعن كل واحد منهما صاحبه، و في المجمع و اللعان في اللغة الطرد و البعد و شرعا المباهلة بين الزوجين في إزاحة حد أو ولد بلفظ مخصوص انتهى.

و كيف كان فاللعان في مصطلح الفقهاء عبارة عن تلاعن الزوجين بألفاظ خاصة، و مورد ذلك ما إذا رمى الرجل زوجته بالزنا أو نفى عنه من ولد في فراشه مع إمكان لحوقه به، و لا بد أن يكون ذلك عن علم به، و إلاّ حرم الرمي و النفي، و مع العلم جاز له إسقاط حد القذف عن نفسه، أو إثبات عدم كون الولد منه باللعان، و قد ذكر الأصحاب في بيان شروطه و أحكامه أمورا: نظير أنه يشترط في لعان الرمي بالزنا، دعوى المشاهدة، و عدم وجود البينة له، و كون الزوجة دائمة مدخولا بها، غير مشهورة بالزنا، و كونها سليمة عن الصم و الخرس، فلا لعان مع عدم المشاهدة، و مع وجود البينة، و مع كونها منقطعة على اختلاف فيها، و مع كونها غير مدخول بها، أو مشهورة بالزنا، أو كونها صماء أو خرساء فيترتب عليه حينئذ حكم القذف.

و يشترط في لعان نفي الولد كون الزوجة دائمة و لحوقه به من جهة الدخول و نحوه، و مضي ستة أشهر من زمان الدخول، و عدم مضي أقصى الحمل من ذلك، و يشترط أيضا وقوع اللعان عند الحاكم و بتلقينه ألفاظ اللعان، و طريق ذلك:

أنّه يبدأ الرجل بعد رميها بالزنا أو نفي ولدها، فيقول أشهد باللّه اني لمن الصادقين فيما قلت من قذفها أو نفي ولدها، يقول ذلك أربع مرات، ثم يقول مرة واحدة لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين، ثم تقول المرأة بعد ذلك أربع مرات أشهد باللّه انه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا أو نفي الولد، ثم تقول مرة واحدة أن غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين، و لو لم يتمكنا من التلفظ بالعربية لقنهما الحاكم ترجمتها بغير العربية.

ثم ان الشارع جعل اللعان طريقا قاطعا للزوج فيما قد يتفق له من علمه بالحال و عدم تمكنه من إقامة الشهود العدول، و عدم قدرته على الإظهار خوفا من حد القذف و أما ما


يترتب عليه بعد تحققه بشروطه فهو أحكام أربعة.

الأول: انفساخ عقد النكاح و حصول الفرقة بينهما كالطلاق.

الثاني: حدوث الحرمة الأبدية بينهما فلا تحل له أبدا.

الثالث: سقوط حد القذف عن الزوج بلعانه، و سقوط حد الزنا عن الزوجة بلعانها، و لو اتفق انها أبت عن اللعان ثبت حد الزنا عليها، لان لعان الرجل بمنزلة بينته.

الرابع: انتفاء الولد عن الرجل إذا كان اللعان على نفيه، دون المرأة فهو لا ينتسب بالأب و لا بأرحامه، و لا توارث بينه و بينهم، و لا يترتب سائر آثار القرابة أيضا، و ينتسب بالأم و أرحامها و يترتب بينه و بينهم آثار الرحم، حتى أن الأخوة من الأبوين، أخوة أميون فهو كمن ولد من غير أب.

* لقط اللقطة*

لقط يلقط لقطا الشي‌ء في اللغة أخذه من الأرض بلا تعب، و لقط العلم من الكتب أخذه من هذا الكتاب و هذا الكتاب، و اللقطة بالضم و فتح القاف و سكونها هو الشي‌ء المتروك لا يعرف له مالك، و في المجمع: الالتقاط وجودك للشي‌ء على غير طلب، و يلتقطه بعض السيارة أي يجده من غير قصد، و في الحديث ذكر اللقطة هي بالتحريك المال الملقوط في الأصح الأغلب انتهى، و في المصباح: اللقطة وزان رطبة ما تجده من المال الضائع، و قال الأزهري: اللقطة بفتح القاف اسم الشي‌ء الذي تجده ملقى فتأخذه قال و هذا قول جميع أهل اللغة و حذاق النحويين انتهى.

و كيف كان فالظاهر أنه ليس للكلمة معنى اصطلاحي شرعي أو فقهي نعم هي عنوان كتاب في الفقه وقع فيه البحث عن أحكامها المترتبة عليها و فرعوا عليها فروعا يتضح بها حقيقتهما و أقسامها و جملة من أحكامها.

نظير أن اللقطة تنقسم إلى أقسام ثلاثة، فإن الملقوط إما إنسان أو حيوان أو غيرهما فان كان حيوانا في عمران أو في غير عمران إلاّ أنه قادر على حفظ نفسه، كالفرس و البقر لم‌


يجز أخذها، و ان كان حيوانا في غير عمران و لم يقدر على حفظ نفسه، أو كانت لقطة غير الحيوان، جاز أخذه و إيصاله إلى مالكه.

و أما لقطة الإنسان التي يسميها الأصحاب باللقيط و الملقوط و المنبوذ بمعنى المطروح إطلاقا للمتضادين بلحاظ حالين، فقد ذكروا انه إذا وجد الشخص صبيا لا كافل له و لا يستقل بنفسه قد طرحه أهله في شارع أو مسجد عجزا عن نفقته أو خوفا عن تهمته رضيعا كان أو أكبر بل أو مميزا جاز التقاطه أو استحب بل قد يجب، مع كونه أحق به من غيره إلى أن يبلغ، و ليس لأحد انتزاعه منه إلاّ من له حق الحضانة عليه شرعا كالأبوين و الأجداد و أوصيائهم، فيخرج الصبي بوجدانهم عن عنوان اللقيط بل ليس لهم الامتناع عن أخذه و تكفله.

و يشترط في الملتقط، البلوغ و العقل و الحرية و الإسلام ان كان اللقيط محكوما بالإسلام، و لقيط دار الإسلام محكوم بالإسلام و كذا لقيط دار الكفر إذا كان فيها مسلم يحتمل تولده منه و لا يحكم بكفره.

* لهو لعب لغو بطل اللهو و اللعب و اللغو و الباطل*

اللهو كل ما شغلك من هوى و طرب، و الشي‌ء يتلذذ به الإنسان فيلهيه، و في المجمع اللهو الباطل، و في المفردات اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه و يهمه، و يعبر عن كل ما به استمتاع باللهو.

و اللعب في اللغة مصدر من لعب الصبي. فعل فعلا بمقصد التنزه، أو فعلا لا يجدي عليه نفعا، و في المجمع: يقال لمن عمل عملا لا يجدي عليه نفعا أنت لاعب انتهى، و في المفردات:

لعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا يلعب لعبا انتهى، و قال الشيخ ره في المكاسب إن اللعب هو الحركة لا لغرض عقلائي. و اللغو ما لا يعتد به من الكلام قال أبو علي:

اللغو في اللغة ما لا يعتد به و اللغو الباطل انتهى. و الباطل الفاسد الذاهب خسرا و ضياعا، و في المفردات: الباطل نقيض الحق و هو ما لإثبات له عند الفحص عنه انتهى.


و كيف كان يظهر من اللغة و العرف تقارب معاني الألفاظ الأربعة و ان كان بينها فرق في الجملة، لكن الجميع يشترك في الدلالة على عدم النفع في الفعل و عدم الجدوى فيه لدين الفاعل أو دنياه سواء صدر من الصبي أو المجنون أو الكبير العاقل، و قد مثلوا للّهو بالسفر للصيد تنزها من غير حاجة إليه لتجارة أو ارتزاق، و بالرمي من قوس الجلاهق بلا غرض و باللعب بالحمام من غير رهان و بالرقص و التصفيق و الضرب بالطشت. بدل الدف، و كلما ما يشبه آلات اللهو مما ليس بآلة.

و الكلام في الفقه واقع في حكمه التكليفي فنسب إلى عدة تحريمة و إلى آخرين عدم التحريم، و يظهر من بعض انه يحرم إذا كان من بطر و شدة فرح، و المسألة محل إشكال و لم يتم ما ذكروه من أدلة القول بالحرمة، ثم انه لو اتفق وقوع العمل المنطبق عليه هذه العناوين مورد المعاملة فأخذ الفاعل أجرا في مقابله كانت المعاملة باطلة و الأجر حراما، لكونه أكلا للمال بالباطل و بهذا اللحاظ يذكر العناوين في باب المكاسب و تعد من محرماتها.

* لوط اللواط*

في المجمع: كل شي‌ء لصق بشي‌ء فقد لاط به يلوط لوطا، و أصل اللوط اللصوق، و لاط الرجل و لاوط إذا عمل عمل قوم لوط، و منه اللواط أعني وطء الدبر انتهى، و في المفردات: و قولهم تلوّط فلان إذا تعاطى فعل قوم لوط فمن طريق الاشتقاق فإنه اشتق من لفظ لوط الناهي عن ذلك لا من لفظ المتعاملين له انتهى، يعنى أن الموضوع أولا اسم جامد و معنى لاط أوجد ما نهى عنه لوط لا ما أوجده.

و أما معناه في الاصطلاح فقد عرّفه بعض الفقهاء بأنه وطء الذكر الآدمي بالإيقاب، و عرفه آخر بأنه إدخال الذكر في دبر الذكر و لو ببعض الحشفة، و قد يطلق على إتيان الذكر على نحو التفخيذ أي جعل الذكر بين فخذيه من خلف، أو من قدام، أو جعله بين أليتيه، و في المسالك أن إطلاق اللواط على هذا المعنى متجوز، و لو أطلق على الإيقاب و خصّ غيره باسم آخر و ان أوجب الحد المخصوص كان أوفق بالاصطلاح.

و كيف كان فقد وقع عنوان اللواط في الشريعة موضوعا لأحكام كثيرة و ذكره‌


الأصحاب في موارد من الفقه للتعرض لما رتب عليه من الأحكام.

فمنها: كونه في الشريعة من أكبر المحرمات و أفظعها و أشنعها.

و منها: كونه سببا لحدوث الجنابة على الفاعل و المفعول بإدخال الحشفة و ان كان موضوع الحد يتحقق بما دون ذلك، فموضوع الحد أعم من موضوع الجنابة، و الجنابة الحاصلة منه جنابة من الحرام فيترتب عليها حكمها الخاص من نجاسة عرقه أو مانعيته عن الصلاة و لو لم يكن نجسا.

و منها: سببيته لحرمة أم الموطوء و أخته و بنته على الواطئ تحريما مؤبدا مع سبقه على العقد، بالغا كان الموطوء أو غير بالغ دون العكس، فلا تحرم الطوائف الثلاث من الواطي على الموطوء، كما أنه لا يؤثر اللواط في الحرمة مطلقا إذا وقع بعد العقد.

و منها: سببيته لاستحقاق كليهما الحد مع اجتماع الشرائط، و قد ذكر الأصحاب في باب الحدود أنه لا يثبت اللواط إلاّ بإقرار الفاعل أو المفعول الواجدين لشرائط الإقرار أربع مرات أو بشهادة أربعة رجال عدول بالمعاينة.

و حد اللواط هو القتل إلاّ أنه يتخير الحاكم بين ضرب عنقه بالسيف، و إلقائه من شاهق كجبل و نحوه مشدود اليدين و الرجلين، و إحراقه بالنار، و رجمه، و يجوز الجمع بين إحدى العقوبات و الإحراق بعدها.

و اللواط بالمعنى الثاني أي التفخيذ أو الوضع بين الأليتين حده مائة جلدة من غير فرق بين المحصن و غيره.

و المجتمعين تحت إزار واحد إذا لم يكن بينهما رحم و لم تكن ضرورة يعزران بما يراه الحاكم و كذا يعزر من قبل غلاما أو امرأة أو صبية غير زوجته بشهوة.

* لوث اللوث*

اللوث في اللغة التلطخ يقال لاث ثيابه في التراب لطخها به و لوّث ثيابه في الطين لطخها به.

و في اصطلاح الفقهاء عبارة عن كل أمارة ظنية قامت عند الحاكم على صدق دعوى‌


المدعي لقتل أو قطع أو جرح، مع عدم وجود بينة له، لإيراثها التهمة و لطخ عرض المدعى عليه، و الامارة الظنية نظير الشاهد الواحد، و شهادة المرأة، و وجود القاتل عند المقتول و بيده سلاح، و وجود المقتول في دار القاتل، و إخبار الصبي المميز، و الكافر و الفاسق، إذا كانوا موثوقا بهم.

ثم أنه قد وقع البحث في الفقه عن اللوث من جهة كونه من شرائط تحقق القسامة، و ذلك فيما إذا وجد قتيل لم يعلم قاتله، و ادعى وليه أن القاتل فلان، و لم يكن له بينة على مدعاه، فإن كان هناك لوث تحقق موضوع القسامة، و هي خمسون يمينا في الجناية العمدية، و خمس و عشرون في الخطأية، يحلفها المدعي و يثبت بذلك القصاص أو الدية و تفصيل الكلام في ذلك في الجملة واقع تحت عنوان القسامة.

* موه الماء*

الماء في اللغة و العرف واضح من أن يعرف بغيره، و ليس له عند الشرع و المتشرعة و لا في اصطلاح الفقهاء حقيقة شرعية أو فقهية، و قد وقع عنوان الماء في الفقه موضوعا للبحث في موارد، فذكروا في باب الأنفال أنه ينقسم إلى مملوك للأشخاص و غير مملوك، و عدوا القسم الثاني الذي منه الأنهار الصغيرة، و الكبيرة، بل و البحيرات، و البحار الكبيرة، من الأنفال التي هي ملك للإمام بعنوان إمامته و ولايته، و ذكروا في كتاب الأحياء أنه يجوز لكل إنسان تملك غير المملوك من المياه بالحيازة و الأحياء، كما قد تكون هي متعلق الحق بوقوعه حريما للمحياة، و بحثوا في كتاب الأطعمة و الأشربة عن حاله، من حيث جواز شربه و الانتفاع في الأغذية منه، و قد ذكرنا ما يرتبط به تحت تلك العناوين.

و ذكروا في باب الطهارة أنه ينقسم بالتقسيم الأوّلي إلى مطلق و مضاف، و الأول نوع كلي حقيقي تحته أصناف مختلفة يشترك الجميع في الحقيقة النوعية، و يختلف بعضه فيما هو خارج عن حقيقته، كماء المطر و البحر و النهر و غيرها، و قسموا الماء المطلق إلى الأقسام التالية: 1-الجاري 2-النابع غير الجاري 3-المطر 4-البئر 5-الكر 6-القليل 7-ماء الحمام 8-الماء المستعمل في رفع الحدث 9-ماء الاستنجاء 10-الماء


المشكوك طهارته و نجاسته، و منشأ القسمة اختلاف الأحكام المترتبة عليها في الشريعة، و الحكم الكلي المشترك بين جميع أقسامه طهارته في نفسه، و انفعاله بملاقاة النجاسة مع التغير، و مطهريته من الحديث و الخبث، و جواز شربه، و التصرف فيه و غير ذلك.

* موه ضيف الماء المضاف*

أي الذي أضيف إلى غيره، اما لاستخراجه منه بالعصر و نحوه، أو لتركيبه معه بالخلط، و هو عنوان انتزاعي ينطبق على حقائق مختلفة، كماء الورد، و ماء التفاح، و ماء الرمان و غيرها، و ذكر الأصحاب أنه طاهر بنفسه غير مطهر من الخبث و الحدث، و يتنجس بملاقاة النجاسة قليلا كان أو كثيرا و لو ألف كر إلاّ في بعض الموارد.

* موه جري الماء الجاري*

عرفوه بالنابع السائل على وجه الأرض، سواء كان فوقها كالعيون الجارية على الأرض، أو تحتها كالقنوات و شبهها الجارية تحتها، و لا يبعد صدقه على الجاري المترشح عن الثلوج الكثيرة الموجودة في الأودية و الجبال و ان لم يبلغ الكر أو كان قبل بلوغه.

* موه نبع جري الماء النابع غير الجاري*

هو كالعيون الواقفة التي لها مادة و لأجلها لا تنقطع بنفسها بحر الشمس و عصف الريح و لا بالأخذ منه تدريجا، و حكمه حكم الجاري فلا ينجس بملاقاة النجس و إن لم يكن كرا ما لم يتغير.

* موه مطر ماء المطر*

و هو عنوان كلي أخذ في الشريعة موضوعا للطهارة و المطهرية، و هو أفضل أصناف المياه، و أطهرها في نفسه، و أنفعها للإنسان، و أكثرها بركة للخلق، و هو الأصل لمياه‌


الأرض، و المادة و المنبع للمياه البرية كلها، ما جرى منها على وجهها و ما سلكه اللّه ينابيع في بطنها و أساله في عروق داخلها و أجراه في شراشر وجودها، قال تعالى‌ (أَ فَرَأَيْتُمُ اَلْمََاءَ اَلَّذِي تَشْرَبُونَ (`أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ اَلْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ اَلْمُنْزِلُونَ) (الواقعة 68-69) و قال‌ (أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمََاءِ مََاءً فَسَلَكَهُ يَنََابِيعَ فِي اَلْأَرْضِ) (الزمر 21) و قال‌ (أَنْزَلَ مِنَ اَلسَّمََاءِ مََاءً فَسََالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهََا) (الرعد 17) . و كيف كان فهو حال تقاطره كالجاري حكما فلا ينجس ما لم يتغير، و ان كان قليلا إذا صدق عليه المطر سواء جرى على وجه الأرض أم لم يجر، فكل قطرة منه حال نزوله بمنزلة كر من الماء يطهر كلما وقع عليه و إن كان حوضا كبيرا فان كلما يراه المطر فقد طهر.

* موه بأر ماء البئر*

و البئر الحفرة العميقة في الأرض، يستقى منها الماء، و تسمى بالقليب و الجبّ و الركيّ، و الكلمة مأخوذة من بأر الشي‌ء و ابتأره خباه و أدخره، و في النهاية في الحديث أن رجلا آتاه اللّه مالا فلم يبتئر خيرا أي لم يقدم لنفسه و لم يدخر، و في المفردات: و هي في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مرّ عليها و يقال لها المغواة، و لم يثبت لها معنى شرعي أو متشرعي، نعم يشترط في صدق اسمها استعداد النبع و الحكم بالاعتصام أيضا دائر مداره وجودا و عدما.

و كيف كان فقد اختلفت في تنجس مائها بملاقاة النجس و لو لم يحصل التغير فيه آراء القدماء من أصحابنا و المتأخرين اختلافا كبيرا فكان جل القدماء لو لا كلهم يحكمون بنجاسته بمجرد ملاقاة النجاسة و لو كانت كبيرة واسعة غزيرة الماء، بل كاد أن يكون توافقهم في ذلك إجماعا، بل قد نقل الإجماع عليه في كلمات عدة من الفحول، بل عن السرائر نفي الخلاف عنه، مع التصريح منهم بأنه لا فرق بين قلة الماء و كثرته، نعم قد نقل الخلاف عن ابن أبي عقيل و الشيخ حسين الغضائري و مفيد الدين.

و استمر ذلك إلى برهة من زمن المتأخرين، ثم ظهرت المخالفة و ذهب إليه العلامة ثم‌


أكثر المتأخرين عنه، و انقلب الأمر في الفتيا حتى اشتهرت بعدم النجاسة بالملاقاة و إن كان قليلا ما لم يتغير بها، بحيث لا تجد اليوم أحدا يفتي بذلك على ما نعلم. و في الصحيح عن مولانا الرضا عليه السّلام ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلاّ أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه لأن له مادة.

* موه كرر الماء الكر*

الكر بالضم و الفتح في اللغة مكيال خاص قيل أنه أربعون إردبّا و الأردب بالكسر مكيال ضخم 24 صاعا و الصاع أربعة أمداد فالكر 960 منا، و في المجمع: الكر بالضم أحد أكرار الطعام و هو ستون قفيزا و القفيز ثمانية مكائيل، و المكول صاع و نصف فانتهى ضبطه إلى اثني عشر وسقا، و الوسق ستون صاعا، و في الشرع عبارة عن ألف و مائتي رطل بالعراقي انتهى، و في النهاية الكر بالبصرة ستة أوقار، و قال الأزهري الكر ستون قفيزا و القفيز ثمانية مكاكيك، و المكّوك صاع و نصف، فهو على الحساب اثني عشر وسقا و كل وسق ستون صاعا، و في القاموس: الكر بالضم مكيال و ستة أوقار حمار، و هو ستون قفيزا أو أربعون إردبّا انتهى.

و أما في اصطلاح الشرع و المتشرعة فهو الماء البالغ حدا خاصا عينه الشارع و سماه كرا و حكم باعتصامه عن النجس و عدم حمله النجاسة إذا بلغ ذلك الحد ما لم يتغير أحد أوصافه، و حيث أن الحد قسمان فالكر عند الشارع نوعان أيهما تحقق ترتب عليه الحكم، الأول بلوغ الماء في الوزن ألفا و مائتي رطل بالأرطال العراقية، و الثاني بلوغه في المساحة ثلاثا و أربعين شبرا إلاّ ثمن شبر.

و حيث أن بين الحدين عموما من وجه تحققا، لمكان اختلاف المياه خفة و ثقلا، فربما كان ثقيلا بطبعه يبلغ حد نصاب الوزن دون المساحة، و ربما كان خفيفا كذلك يبلغ نصاب المساحة دون الوزن، فمتى أحرز المكلف أحد الحدين في مورد فقد أحرز موضوع الحكم، فله ترتيب آثاره و إن لم يحرز الآخر كما في خفاء الأذان و الجدران في إحراز حد الترخص


لقصر الصلاة و ان أحرز الحدين معا في مورد فان توافقا مصداقا فلا إشكال، و ان تخالفا فمقتضى تعدد عنوان الكر عند الشارع جواز ترتب الحكم لكن الأحوط الاحتياط.

* موه قلل الماء القليل*

و هو في الاصطلاح غير الكر، الذي لا مادة له، و ليس بمطر، فالمشهور الذي كاد أن يبلغ الإجماع انه ينجس بملاقاة النجس، من غير فرق بين النجاسات حتى بمقدار رأس إبرة من الدم، كان مجتمعا في محل أو ظرف أو متفرقا متصلا بنحو الأنبوبة، و من غير فرق بين أن يكون واردا على النجاسة أو مورودا.

* موه حمم ماء الحمام*

المراد به في السنة أصحابنا، المستفاد من نصوص المقام هو الحياض الصغار التي كانت معمولة في عصر صدور الروايات بإيجاد منبع كبير مجتمع للماء الحار أو غيره، و إحداث حياض صغار حول جدرانه في جميع أطرافه أو بعضها متصلة بالمنبع، و كانت المنابع على قسمين أحدهما المنبع المرتفع مكانا من الحياض المنصب ماؤه عليها بنحو المزملة، و الثاني المنبع المتساوي سطحه مع الحياض المتصل ماؤه بها بالثقوب، و كيف كان المراد بماء الحمام مياه تلك الحياض حال اتصالها بما في المادة. و قد اختلفوا في الحكم باعتصامها فراجع الكتب المبسوطة.

* موه عمل رفع حدث الماء المستعمل في رفع الحدث*

وقع هذا العنوان مورد البحث و الاختلاف في الفقه و هو على قسمين، المستعمل في رفع الحدث الأصغر كماء الوضوء، و المستعمل في رفع الأكبر كالماء الذي اغتسل به الجنب و الحائض و النفساء، أما الأول فلا إشكال عندهم في كونه طاهرا بنفسه و مطهرا من الحديث و الخبث، و ادعوا عليه الإجماع بل ضرورة المذهب، و نظيره المستعمل في‌


الأغسال المندوبة. و أما الثاني فمع طهارة البدن و عدم تنجسه من جهة أخرى كما هو المفروض، فهو طاهر بنفسه بلا خلاف بل لعله ضروري، و مطهر من الخبث أيضا إجماعا و في كونه رافعا للحدث إشكال و اختلاف.

* موه عمل رفع خبث الماء المستعمل في رفع الخبث*

يسمى هذا الماء بالغسالة أيضا، و هو قسمان ما استعمل في الاستنجاء أي تطهير مخرج البول و الغائط، و ما استعمل في إزالة سائر النجاسات من البول و المني و الدم و الخمر و غيرها، أما الأول فالأظهر طهارته و رفعه للخبث، دون الحدث، و أما الثاني ففيه اختلاف راجع الكتب الفقهية.

* موه شكك الماء المشكوك فيه*

هنا عناوين ثلاثة باعتبار متعلق الشك، أحدها المشكوك طهارته و نجاسته، و ثانيها المشكوك إباحته و حرمته، و ثالثها المشكوك إطلاقه و إضافته، و العناوين كلها واقعة موردا للبحث في الفقه، بل قد وقع البحث عن الأولين في الأصول أيضا في الجملة و إن كانت المسألة فقهية.

أما العنوان الأول: ففصلوا فيه بين ما كانت الحالة السابقة فيه محرزة فيجري فيه الاستصحاب، و ما لم يكن محرزة فيحكم فيه بالطهارة الظاهرية، و هذا الحكم قاعدة كلية سارية في جميع موارد الشك في الطهارة، مقبولة عند الجل أو الكل مسماة بأصالة الطهارة و قاعدتها، و هي حكم ظاهري ثانوي مسوق في مورد الشك في الواقع في مقابل الطهارة الواقعية، فهنا قاعدتان حاكمتان بالطهارة إحداهما واقعية و هي قولك كل شي‌ء من الأعيان الخارجية محكوم بالطهارة الواقعية شرعا إلاّ ما نص الشارع بنجاسته واقعا، و الثانية كلما شك في طهارته من الأعيان الخارجية فهو محكوم بالطهارة الظاهرية شرعا حتى يعلم بنجاسته واقعا، و يتفرع على القاعدتين ان كل ماء طاهر واقعا إلاّ ما لاقته‌


النجاسة أو غيرت أحد أوصافه الثلاثة، و كل ماء شك في طهارته طاهر ظاهرا إلاّ ما علم بنجاسته و غاية الحكم في الأول زوال النجاسة بالوجدان، و في الثانية حدوث العلم بنجاسته، و عمدة البحث في القاعدة الأولى تقع عن موارد تخصيصها و يقع البحث تارة في باب النجاسات لترتب الأحكام الوضعية و أخرى في باب الأطعمة و الأشربة المحرمة لترتب الأحكام التكليفية و تذكر القاعدة الظاهرية في باب المياه و يذكر لها فروع.

و أما الثاني: و هو الماء المشكوك حليته و حرمته ففيه صور كثيرة، لأنه اما أن يكون للشك حالة سابقة أم لا، و على التقديرين اما أن يكون الشبهة حكمية أو موضوعية، فالموارد و الأصول الجارية فيها مختلفة و أحكام الكل واضحة، نعم قد يتوهم الحرمة فيما إذا شك في أصل حلية الماء في الشريعة من جهة أصالة الحظر في الأموال فإنه من أجزاء هذا العالم، و الكل ملك لغير المتصرف، و الأصل عدم جواز التصرف فيه عقلا و شرعا ما لم يحرز رضا المالك و هو اللّه تعالى، و عن آخرين القول بالحلية ما لم يعلم الحرمة لأن اللّه قد أباح لعبادة ما خلقه لهم إلاّ في موارد خاصة.

و أما الثالث: و هو الماء المشكوك إطلاقه و إضافته فمع عدم حالة سابقة لأحد العنوانين لا دليل عندهم يثبت إطلاقه كما لا دليل مثبت لإضافته، بل الشك في المقام يرجع إلى الشك في كونه ماء أو غير ماء و لا دليل و لا أصل يثبت أحدهما، فلا بد من الرجوع إلى الأصل الجاري فيما استعمل فيه فإن غسل به أو فيه متنجس جرى استصحاب بقاء نجاسته و إن توضأ أو اغتسل فيه أو به جرى أصالة بقاء الحدث كما أنه لو كان كرا و لاقاه النجس لم يحكم بنجاسته.

* مول المال*

مفهومه أوضح من أن يعرف بغيره، لكن قد عرفوه شرحا لاسمه و تبيانا لبعض آثاره كقولهم انه ما يرغب فيه العقلاء، أو أنه ما يبذل بإزائه شي‌ء أو مال، أو أنه كل ما يقتني و يملك، و نحو ذلك و في المجمع: المال في الأصل الملك من الذهب و الفضة، ثم أطلق على كل‌


ما يقتني و يملك من الأعيان، و سمي المال مالا لأنه مال بالناس عن طاعة اللّه انتهى.

و الظاهر عدم أخذ النسبة إلى الشخص أو الشي‌ء في مفهومه فيغاير الملك بمعنى المملوك، الذي يراد به المال المنسوب إلى شخص أو شي‌ء، لاقتضاء معناه الإضافة و السلطة فالمال أعم من الملك، أو أن بينهما عموما من وجه فإن ما يرغب فيه العقلاء من الأعيان الموجودة في الأرض و لم تصل إليه يد الإنسان مال غير ملك و ما لا قيمة له من أملاك الناس لخسته أو قلته ملك غير مال.

و كيف كان فاستعمال اللفظ في المعنيين في الفقه و إن كان كثيرا، إلاّ أن موضوع جل الأحكام الشرعية هو المعنى الأخص، أي المال المضاف المرادف للملك.

فقد كثر البحث عنه في الفقه و وقع موضوعا لأحكام كثيرة هامة كما أنه من أهم موارد البحث في علم الاقتصاد، و أنه مما تدور عليه حركة الحياة الإنسانية و هو قوام عيشهم و سبب حفظ نفوسهم و بقاء نسلهم.

و الأموال تنقسم عند الأصحاب بالانقسام الأولي إلى عامة و خاصة، و الثاني أموال الأشخاص و الأفراد المعنيين، و الأول ينقسم إلى قسمين، لأنه أما أن يكون للإمام الوالي على الناس بعنوان إمامته كالأنفال و الأخماس و نحوهما، أو يكون للمسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة و الوصايا و الأوقاف العامة المتعلقة بهم، و قد يسمى القسم الأول بيت مال الإمام و الثاني بيت مال المسلمين تسمية للظرف باسم المظروف و كلا القسمين تحت ولاية الوالي.

و من مهام ما رتب الشارع على المال أنه محترم مصون في الغاية، بحيث قد وقع في عداد الأنفس و الأعراض في الحرمة و وجوب الحفظ و حرمة التعدي و نحوها.

و أنه لا يجوز لمالك المال إتلافه من دون جهة مسوغة شرعية أو عقلية، و لا تصرفه فيه بما يعد إسرافا و تبذيرا، و المخالفة فيه يوجب كون الإنسان من إخوان الشياطين و لا يجوز إيتاؤه للسفهاء و المسرفين فإن اللّه قد جعله للناس قياما.

و أنّ استطاعة المكلف المالية أحد شرائط وجوب الحج و العمرة عليه، و وجوب إنفاقه‌


على عموديه و زوجته، و في بعض الكفارات الثابتة عليه.

و أن النفوس المحترمة إذا جنى عليها الإنسان قتلا أو طرفا في غير موارد القصاص، لا تتدارك في الشرع و عند العقلاء إلاّ بالمال، بل كل نقص أو ضرر وارد على النفوس، و الأموال، و المنافع، و الأعمال و غير ذلك، لا طريق إلى تداركها من غير جهة المال، فبه يتحقق جبران كل نقص، و به يكمل نقصان كل عيب.

ثم انه قد وقع البحث في الفقه عن الأموال التي ليست بملك و لا ينطبق عليها عنوانه، و هي التي سموها بالمباحات الأصلية، كالنبات و بعض الأشجار النابتة في الأرض الموات، و الحيوانات الوحشية في البراري و البحار، و الطيور كذلك، و ذكروا أن الجميع من الأموال التي لا ربّ لها إلاّ الربّ تعالى، و ليس ملكا لأحد حتى الإمام، و ان حكمها جواز الانتفاع بها و تملكها لكل أحد.

* ألف قلب المؤلفة قلوبهم*

ألفه يألفه في اللغة أنس به و أحبه فهو آلف أي أنيس، و الجمع ألاّف، و الّف الكتاب تأليفا جمعه، و ألّف الشي‌ء وصل بعضه ببعض، و ألّف بينهم أوقع الألفة، و المؤلفة الطائفة التي أوقع في قلوبهم الألفة، وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ في القرآن هم الذين يتحرى فيهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم اللّه تعالى بقوله‌ (وَ لََكِنَّ اَللََّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) .

و الكلمة قد استعملت في الفقه في باب الزكاة في أقوام رتب عليهم في الشرع كونهم أحد الأصناف الثمانية المستحقين للزكاة و هم طوائف:

الأولى: الكفار الذين يراد استمالتهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد و الدفاع، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يعطي الصدقات لعدة من أشراف العرب دفعا لاذاهم، أو طمعا في إسلامهم و إسلام أتباعهم.

الثانية: قوم وحّدوا اللّه تعالى و خلعوا عبادة غيره، و لم يدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كان رسول اللّه يتألفهم بالمال و العطاء حتى يحسن إسلامهم فجعل‌


لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا.

الثالثة: ضعفاء العقول من المسلمين أي ضعفاء الدين أصولا و فروعا، فيعطون من الزكاة لتقوية عقائدهم، أو لاستمالتهم إلى معاونة المسلمين في الجهاد و الدفاع، و القسمان الأولان من الكفار و الثالث من المسلمين غير أهل الولاية، و عليه فلا يشترط فيهم الإيمان كما يشترط في سائر أصناف المستحقين.

* برأ المبارأة*

برأه يبرئه من باب منع خلقه من العدم، و برأ يبرأ بروءا و براءة من باب علم من عيب أو دين تخلّص، و من المرض شفى، و بارأ شريكه فاصله و فارقه، و المبارأة المفارقة، و في الجواهر: المبارأة بالهمزة و تقلب ألفا لغة المفارقة يقال بارأ الرجل شريكه إذا فارقه و شرعا إزالة قيد النكاح بفدية منها مع كراهة من الجانبين انتهى، و الأصحاب قد ذكروا أن المبارأة صنف من الطلاق كالخلع يعتبر فيه جميع شروطه العامة، و يشترط فيه ما يشترط في الخلع من الفدية و الكراهة، و أن المبارأة تقع بلفظ الطلاق بأن يقول الزّوج بعد بذلها الفدية أنت طالق على ما بذلت و له أن يقارن ذلك بقوله و قد بارأتك لكن الفراق للفظة طالق و لا تقع بالمباراة فقط.

ثم أن هذا الصنف يمتاز عن الخلع بأمور ثلاثة مذكورة تحت عنوان الخلع فراجع.

* متع المتعة*

المتعة و المتاع و التمتع في اللغة مصادر بمعنى الانتفاع بالشي‌ء و التلذذ به، و بمعنى ما يتمتع و يتلذذ به، و قد كثر استعمال متعة الحج أو صارت اصطلاحا في حج النائي المقرون بالعمرة، لأن فيه انتفاع الناسك و تلذذه بالتخلل الواقع بينهما كما أنه قد كثر استعمال متعة الطلاق لما يبذل للمطلقة التي لم يفرض لها مهر و لم يدخل بها لانتفاعها بذلك المال.

و تستعمل المتعة بل صارت اصطلاحا في باب النكاح في النكاح الموقت بمهر معلوم‌


و أجل معلوم، لأن فيه التلذذ أو لأن الشارع شرعه لذلك، و يطلق للزوجة الموقتة أيضا المتعة، لأنها مما يتلذذ به و أنها مما استمتعتم بهن، و المتعة بمعنى العقد الموقت قد وقعت مورد الخلاف الشديد و البحث العريق المديد، بين الخاصة و العامة من حيث الحلية و الحرمة و الصحة و الفساد من صدر الإسلام إلى يومنا هذا، بحيث صارت الحلية و الصحة مما انفردت به الإمامية، و لعل الحرمة و البطلان مما انفردت به العامة، لكن الظاهر أن أصل تشريع هذا العقد مسلم بين الفريقين و الخلاف واقع في نسخه، و فيمن نسخه، و في الدليل على النسخ، و الكلام فيه خارج عن غرض الكتاب، فالبحث فيما يترتب عليه عندنا من أحكامه الخاصة، ليتضح به ماهيته الشرعية و أحكام المجعولة له من قبل الشارع.

فذكروا أن نكاح المتعة، و يسمى المنقطع أيضا، كالدائم في الحاجة إلى إيجاب و قبول لفظيين، و لا يكفي فيه مجرد الرضا القلبي، و لا المعاطاة بمعنى إنشاء مقصودهما بالفعل، من المصافحة بقصد ما تواطيا عليه أو اللمس أو التقبيل أو الجماع كذلك و لا الكتابة المنشأ بها المقصود.

و ينحصر ألفاظ الإيجاب هنا بالتمتيع و النكاح و الزواج، و لا يصح بغيرها، فتقول المرأة متعتك أو أنكحتك أو زوجتك نفسي في المدة المعلومة على المبلغ المعلوم فيقول هو قبلت أو رضيت أو نحوهما، أو يقول الزوج تمتعتك أو تزوجتك أو أنكحتك في هذه المدة بهذا المبلغ، فتقول هي متعتك أو زوجتك أو أنكحتك نفسي هكذا، و يكفي ما يرادف الألفاظ بكل لسان، و لا يجوز تمتع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه، و لا تمتع المسلم بغير الكتابية، و لا بالناصبية، و المرتدة، و بمجرد تمامية هذا العقد تملك هي المهر، و يستحق هو الاستمتاع.

و ذكروا أيضا أن من أركان هذا العقد المهر و الأجل، فلو اتفق الإخلال بالمهر عمدا أو سهوا بطل العقد، و لو أخلاّ بالأجل عمدا أو نسيانا انقلب إلى الدائم، و لو أراد الزيادة في المدة فسخ الزوج، ثم عقدا ثانيا، و لا طلاق هنا فتبين بانقضاء المدة و ببذلها، كما أنه لا توارث فيه إذا مات أحدهما في زمان العقد.


* مثل قوم المثلي و القيمي*

ليس للمثلي و لا للقيمي معنى شرعي و لا متشرعي، و المذكور في كلمات الأصحاب هو تعريف المعنى اللغوي ليترتب عليه ماله من الأحكام، و قد اختلفت تعاريفهم في المثلي فعرفوه تارة بأنه ما تماثلت أجزاؤه و تقاربت صفاته، و أخرى بأنه المتساوي الأجزاء و المنفعة المتقارب الصفات، و ثالثة كما عن العامة بأنه ما قدر بكيل أو وزن، و في المكاسب للعلامة الأنصاري أن المشهور هو ما يتساوى أجزاؤه من حيث القيمة بمعنى كون قيمة كل بعض بالنسبة إلى قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار.

و لا يخفى أن المراد معلوم و التعاريف كلها شرح للاسم تشير إلى ذلك المعنى، و عمدة الإشكال فيما ذكروه كون المعرّف فيها المركب الذي له أجزاء متساوية كالأدهان و الحبوب و نحوها مع أن المثلي هو الكلي الذي له أفراد متساوية في المالية، و المركب في هذه التعاريف فرد من الكلي المثلي و لا يختص به و لعلهم قد سامحوا في كلمة الاجزاء.

و كيف كان الأولى تعريف المثلي بأنه الكلي الذي يتساوى افراده من حيث القيمة و المالية مع تساويها في النوع و الصنف إذا كان النوع ذا أصناف مختلفة، و مع تساويها في الكيل و الوزن و المساحة إذا كان مما يعتبر بها. و الملاك عند العقلاء فيما ذكر ان كلما كان له مماثل في الأوصاف و الخصوصيات التي تختلف فيها الرغبات و تتفاوت بها القيم في الغالب فهو مثلي و كلما لم يكن كذلك فهو قيمي، و لا اعتبار بالنادر، و العلة في رجوع الأصحاب إلى العرف في ذلك انه لم يرد اللفظان في النصوص بل هو مقتضى فهم العرف من الاخبار الواردة في الضمان في جميع المقامات، و في باب القرض لكونه تمليكا بالضمان فان الضمان هو الخروج عن عهدة الشي‌ء بإعطاء البدل و البدل ما يكون بمنزلة الشي‌ء فإن أمكن حفظ الأوصاف و المالية وجب ذلك كما في المثليات، و إلاّ وجب حفظ المالية بإعطاء النقد الغالب إذ هو الذي يعطى عوضا من كل شي‌ء. هذا كله ما يرجع إلى ماهية العنوان و كلّي المعرف.

و أما المصاديق فهي تختلف باختلاف الأعيان الخارجية و اختلاف الأزمان و الأمكنة غاية الاختلاف بل أغلب ما يكون من المثليات في هذه الأعصار بل من أظهر مصاديقها


كان قيميا في السابق و كيف كان فيشمل المثلي أكثر الأعيان التي يحتاج إليها الناس من مصنوعات المكائن الحديثة، من الفرش و الأقمشة و الظروف و آلات الأبنية، و أثث البيوت و آلات القوة الكهربائية و الأنابيب للماء و غيره و الكتب المختلفة المطبوعة، و حيث انها تختلف في هذه العصور باختلاف مصانعها و موادّها الأصلية و ألوانها و كيفية صنعها و غير ذلك، فالحكم بالمثلية فيها مشروط باتحاد الأنواع و الأصناف و الخصوصيات الأخر الملحوظة فيها.

ثم ان الحكم المترتب في الشريعة على المثلي و القيمي هو ضمان الشخص المثلي بالمثل و القيمي بالقيمة في موارد الضمانات، كالمغصوبات و الأمانات المفرط فيها و في استقراض الأعيان و موارد الإتلاف و غيرها.

و هنا فروع ذكرها الأصحاب تتضح بها حقيقة العنوانين و بعض أحكامهما.

منها: انه بعد ما اشتغلت ذمة الشخص بالمثل و لم يوجد إلاّ بأكثر من ثمنه فذكروا انه ان كان ذلك لارتفاع القيمة السوقية للمثل فعلى الضامن مع مطالبة المالك شراء المثل و دفعه إلى الدائن، و إن كان لقلة وجوده إلاّ عند من يعطيه بأزيد مما يرغب فيه الناس بحيث يعد ضررا على الضامن انقلب إلى القيمة، ثم أن المشهور ان العبرة بقيمة المثل يوم الدفع، لأن المثل ثابت بنفسه في الذمة إلى ذلك الزمان و لا يسقط بتعذره كما لا يسقط الدين بتعذر أدائه، و التفصيل في الفقه.

و منها: انه بعد ما قلنا بكون القيمي مضمونا بالقيمة، فمقتضى الأصل و ان كان ضمانه بقيمة يوم التلف، إلاّ ان فيه وجوها الأول ضمانه بقيمته وقت تحقق الضمان، كحال القبض في المقبوض بالسوم و المقبوض بالعقد الفاسد، و حال الغصب في المغصوب، و حال الاستقراض في القرض و هكذا، لأنه اليوم الذي تشتغل ذمة الشخص بالمال و يقع على عهدته. و الثاني ضمانه بقيمته يوم التلف لانه قبل ذلك مضمون بعينه، و لا ينتقل إلى البدل إلاّ بالتلف. و الثالث ضمانه بقيمة يوم الأداء، لأن المال و ان كان قيميا لكنه ثابت عرفا على عهدة الضامن بنفسه، معتبر في وعاء ذمته بعينه، و حيث لم يمكن دفع ذلك خارجا ينقلب‌


في ذلك الحال إلى ما هو أقرب إليه من حيث المالية و هو القيمة و هذا غير بعيد.

و منها: انه لو عرض للمال في موارد الضمان ما جعله بحكم التالف، كصيرورته متعذر الوصول إليه كما لو سرق أو غرق أوضاع، سواء حصل بذلك الياس عن الوصول إليه أو احتمل الوصول، بل أو قطع به، لكنه بعد مدة يتضرر المالك بانتظاره، فقد حكموا فيه بالضمان كالتلف ان مثليا فبالمثل و ان قيميا فبالقيمة، يؤديهما الضامن للمالك، و سموا العوض هنا بدل الحيلولة، فذكروا انه يملكه المالك بالأخذ فله التصرف فيه كيف شاء و له منافعه و عوائده إلاّ انه ملك غير مستقر، فلو اتفق وصوله إلى المبدل بنفسه أو بواسطة الضامن رجع البدل إليه، و للمسألة فروع في الفقه فراجع المطولات.

* جبر المجبّرة-الجبرية*

جبره على الأمر و أجبره عليه في اللغة أكرهه و ألزمه بفعله، و الجبر: ضد القدرة و الطاقة، و الجبر تثبيت وقوع ما يقدره اللّه تعالى من القضاء و يحكم به، و في المجمع الجبريّة خلاف القدرية، و يسمون المجبّرة، إلى أن قال و المجبرة الذين قالوا ليس لنا صنع و نحن مجبّرون يحدث اللّه لنا الفعل عند الفعل، و إنما الأفعال منسوبة إلى الناس على المجاز لا على الحقيقة انتهى، و في المفردات: و سمّي الذين يدّعون أن اللّه تعالى يكره العباد على المعاصي في تعاريف المتكلمين مجبّرة و في قول المتقدمين جبرية انتهى.

هذا و ليعلم أولا أنه لا كلام في المقام في الجبر بمعنى عدم اختيارية جريان الحوادث التكوينية في العالم، الشاملة لحال الإنسان أيضا، و لا في الجبر فيما يصدر من الإنسان بغير إرادته كنفسه و جريان الدم في عروقه، و ما يصدر منه خطأ أو سهوا أو بإجبار الغير بغير إرادته و ما أشبه ذلك، بل الكلام في الأفعال التي يصدر من الإنسان عن إرادة معلولة لمقدماتها من التصور و التصديق و العزم، فهي التي ادعى الجبرية وقوعها من الإنسان على نحو الجبر، نظير الحركة الصادرة من نقش الإنسان و صورته في العلم، إذا حركه الريح، و الفاعل لها في الحقيقة هو اللّه تعالى، و هذه هي العقيدة المسماة بالجبر الواقعة في مقابل‌


التفويض، أي القول بأن أفعال العباد مفوضة إليهم مطلقا، بدون دخل من اللّه في ذلك، فموضوع البحث لكلا المذهبين أفعال العباد الاختيارية، فوقع الخلاف بين الأصحاب في حكمهم، من حيث الكفر في العقيدة، و النجاسة في البدن، فعن عدة منهم الحكم بكفرهم لاستلزام تلك العقيدة إبطال النبوّات و التكاليف و الثواب و العقاب، و لا إشكال في كفر من التزم بذلك و نجاسته و ترتب سائر أحكام الكفر عليه، و عن عدة آخرين عدمه لعدم التزامهم باللوازم المذكورة و لو للجهل بالملازمة فإطلاق الأدلة الدالة على إسلام المقر بالشهادتين فضلا عن هؤلاء محكم و لغير ذلك من الأدلة.

* جسم المجسّمة*

الجسم و المجسم بالفتح في اللغة كل ما له طول و عرض و عمق، و يقبل القسمة في الأبعاد الثلاثة، و الجسم بدن الحيوان، و جسّمه بالتشديد صيّره ذا جسم، فهو مجسّم بالفتح، و في المفردات: الجسم ما له طول و عرض و عمق، و لا تخرج أجزاء الجسم عن كونها أجساما و ان قطّع و جزّئ ما جزّئ قال تعالى‌ (وَ إِذََا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسََامُهُمْ) تنبيها أن لا وراء الأشباح معنى معتد به انتهى.

و كيف كان فالمجسمة اسم فاعل في اصطلاح الفقهاء طائفة من المسلمين قالوا بجسمية الربّ تعالى، و وقع البحث في الفقه عن حكمهم، فذهب عدة من الأصحاب إلى نجاستهم مطلقا لأنّ الجسمية تلازم الحدوث و الحيّز و الحاجة إلى المكان، و هذا ليس هو اللّه تعالى فهم منكرون له في الحقيقة، و قال آخرون بعدمها لأن القائل بالجسمية لا يلتزم بتلك اللوازم لجهله بالملازمة، أو لقوله بأنه تعالى جسم لا كالأجسام كما ورد أنه شي‌ء لا كالأشياء، كيف و قد قال صدر المتألهين في شرح الكافي أنه لا مانع من التزام أنه سبحانه جسم إلهي، فان للجسم أقساما فمنها جسم مادي و هو كالأجسام الخارجية المشتملة على المادة لا محالة، و منها جسم مثالي و هو الصورة الحاصلة للإنسان من الأجسام الخارجية، و هي جسم لا مادة له، و منها جسم عقلي و هو الكلي المتحقق في الذهن و هو أيضا مما لا


مادة له، و منها جسم إلهي و هو فوق الأجسام بأقسامها، و عدم حاجته إلى المادة أظهر و قد صرح بأن المقسم للأربعة هو الجسم الذي له أبعاد ثلاثة من العمق و الطول و العرض انتهى ملخصا (كا كتاب التوحيد ب 11 ح 8) .

و بالجملة الحكم بالنجاسة لا دليل عليه كيف و غير قليل من بسطاء المسلمين يعتقدون لقصور عقولهم أن اللّه جالس على عرشه أو على كرسيه، و لعلّهم اعتقدوا بذلك لقوله تعالى (اَلرَّحْمََنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى‌ََ) و قوله تعالى‌ (فَكََانَ قََابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‌ََ) أي من ربه و قوله (وَ جََاءَ رَبُّكَ وَ اَلْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) و للكلام محل آخر و قد خرجنا عن المقصود.

* مجس المجوس*

المجوس في اللغة أمة يعبدون النار أو الشمس، و مجّسه صيره مجوسيا و تمجّس صار مجوسا، و في المجمع: المجوس كصبور أمة من الناس كاليهود و عن الصادق عليه السّلام انهم ادعوا على آدم و شيث هبة اللّه أنهما أطلقا نكاح الأمهات و الأخوات و البنات و الخالات و العمات و المحرمات من النساء، و في الخبر أن المجوس لهم نبي فقتلوه و كتاب فحرقوه انتهى.

و نقل بعض الأصحاب أن المجوس قائلون بأن كلما كان في هذا العالم من الخيرات فهو من يزدان، و كلما كان فيه من الشرور فهو من أهرمن، و هو إبليس في شرعنا.

ثم أنه وقع الكلام في الفقه عن المجوس و عمدة الكلام فيهم وقوع الخلاف في عدهم من أهل الكتاب، فالمشهور عند أصحابنا أنهم من أهل الكتاب بمعنى ترتب أحكامهم عليهم، نظير أن الإمام يحاربهم بجهاد ابتدائي فيدعوهم إلى قبول الإسلام و يخيرهم بين ثلاث قبول الدين و بذل الجزية و الحرب فيشملهم بعد ذلك أحكام الذمة و ذلك لورود نصوص في الباب دلت على كونهم من أهل الكتاب.

و من الأحكام الحكم بطهارة أبدانهم و فضلاتها بناء على طهارة أهل الكتاب و منها جواز نكاح المسلم من نسائهم انقطاعا بل أو دواما، و منها الحكم بصحة عقودهم إذا تزوجوا بالمحارم لأن لكل قوم نكاحا و يترتب عليه حينئذ فروع ذكروها في الفقه نظير


انطباق عناوين مختلفة من الرحم على بعض أولادهم لا يمكن اجتماعها في غير المذهب، كانطباق الولد و الأخ على واحد، و الأم و الأخت كذلك، إلى غير ذلك، أعاذنا اللّه من شر الشيطان و شر النفس الأمارة و الجهل و الغواية.

* حرب المحاربة*

الحرب في اللغة سلب المال، و المقاتلة و المنازلة، و حاربه حرابا و محاربة قاتله، و في المجمع: أن الحرب بإسكان الراء واحدة الحروب و هي المقاتلة و المنازلة لفظها أنثى يقال قامت الحرب على ساق إذا اشتد الأمر انتهى.

و قد اشتهر استعمالها في النصوص و اصطلاح الأصحاب في معنى أخص من المعنى اللغوي بإضافة قيود و شروط، و رتب عليها بهذا المعنى في الشريعة أحكام خاصة، فالمحارب عند الفقهاء عبارة عن كل من جرد السلاح أو جهّزه لإخافة الناس، و إرادة الإفساد في الأرض، في بر أو بحر، ليلا أو نهارا، في مصر و غيره، ذكرا كان أو أنثى، قويا كان أو ضعيفا، من أهل الريبة أو غيره، و عن القواعد أنه يتحقق لو قصد أخذ البلاد، أو الحصون، أو أسر الناس و استعبادهم، أو سبي الذراري، أو القتل، أو أخذ المال قهرا مجاهرة، و ظاهره إرادة معنى أخص في الجملة. و كيف كان فقد ذكر الأصحاب أنه يعتبر في تحقق مفهومها الفقهي و ترتب الأحكام الشرعية عليها أمور:

منها: شهر السلاح بمعنى إخراجه و إظهاره للناس، و الظاهر أن المراد بالسلاح هنا مطلق ما يقابل به الإنسان عدوه في مقام البراز ابتداء أو دفاعا، فيشمل السيف و الرمح فضلا عن الأسلحة المتعارفة في اليوم، بل في الروضة صدقها بأخذ العصا و الحجارة و الأخذ بالقوة، و هذا غير بعيد إذا كان الشخص قويا يقدر على الضرب و الجرح و أخذ المال ببطشه و وكز يده، فإذا خرج كذلك بقصد الإخافة كان محاربا، بل لعله يشمل وسيلة الإحراق أيضا بأن كان عنده ما إذا أراد إحراق بيت أو دكة قدر عليه و يطلق على إعداده التجهيز حينئذ.


و منها: قصد الإخافة فإن الظاهر منهم اشتراطه في تحقق ماهيتها، و ليس المراد إخافة شخص أو أشخاص لعداوة بينهما مثلا، بل لإرادة مطلق السوء بالناس من القتل، و أخذ المال و نحوها، و يخرج عنه مستلب المال من يد صاحبه، و المنتهب إذا كان القصد الأخذ و الفرار.

و منها: انه لا فرق في المحارب بين الواحد و المتعدد، و الذكر و الأنثى، و أهل الريبة و غيره، و عن بعض اشتراط كونه من أهلها بمعنى أن لا يكون من المعروفين بالصلاح فيما بين الناس بحيث لو رآه الناس شاهر السلاح حملوه على الأعراض الصحيحة.

و منها: انه يظهر من الآية الشريفة اشتراط إرادة الفساد في الأرض، فهل هي شرط خارج أو ملاك للحرمة يدور الحكم مدارها، و ان تحقق في غير مورد المحاربة، كما إذا أراد إيجاد الفساد بإثارة الفتنة، و التسبيب إلى الاختلاف بين المسلمين، و ما يؤدي إلى تلف النفوس و الأموال، أو إيجاد الفساد في العقائد أو الأخلاق أو الأعمال بالخطابة و الكتابة و التدريس و ما أشبه ذلك؟ظاهر الآية الشريفة كما في الجواهر أن السعي في الفساد عنوان ينطبق على شهر السلاح قهرا و هو الملاك في حرمته، و لكنه ليس بحيث ينتزع عنه كبرى كلية يدور الحكم مدارها وجودا و عدما، و ليس نظير أن يقال جزاؤهم كذا لأنهم يسعون في الأرض فسادا.

ثم أن الفارق بين المحارب و الباغي ان الأول هو القاصد حرب الناس، و الثاني هو القاصد حرب الوالي، فالوجه في نسبتها هنا إلى اللّه و رسوله تعظيم أمر المسلمين و تكريمهم بجعل محاربتهم محاربة اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، أو أنه لما نهى اللّه تعالى عن إخافة المسلمين و تكفل الرسول بمقتضى إمامته لإيجاد الأمن بينهم، فالمحارب معهم محارب مع اللّه لخروجه عن طاعته و مع رسوله صلّى اللّه عليه و آله لسلب ما أوجده من الأمن في المجتمع.

ثم ان انهم ذكروا انه لا يثبت الحكم للصغير و المجنون و الطليع و هو المراقب للقوافل، و الردء و هو المعين، و لمحارب و ان شهر سيفه، و الحد الثابت للمحارب أربعة أقسام، القتل، و الصلب، و القطع من خلاف، و النفي مع تخيير الحاكم بينها مطلقا، و ان لم يقتل و ان كان الأولى له أن يختار الحد المناسب للجناية.


* حقل المحاقلة*

المحاقلة في اللغة من الحقل أي الزرع ما دام أخضر، و استعملت في النصوص في معان كثيرة، كاكتراء الأرض لزرع الحنطة، و المزارعة على نصيب معين، و بيع الزرع قبل إدراكه، و بيع الطعام في سنبله بالبرّ، و المستعمل في اصطلاح الفقهاء في كتبهم الفقهية هو المعنى الأخير فإنهم فسروها ببيع الزرع في سنبله، أو بيع كل ثمر في كمه، أو في خارج عنه إذا كان على الشجر، بجنس منه من ذلك الزرع أو من ذلك الشجر فيقول بعتك ثمر هذا البستان بوسق من ثمرته، و قد حكموا في الفقه ببطلان هذا البيع و عللوا ذلك بكونه غرريا من جهة الجهل بقدرة المشتري على الثمن و تمكنه من استفادته من الزرع أو الشجر و قد نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الغرر.

* حجر المحجور*

الحجر مثلث الحاء في اللغة المنع، يقال حجره من باب قتل منعه، و حجر عليه القاضي منعه من التصرف في ماله، و في المجمع: و حجر عليه حجرا من باب قتل منعه التصرف، و بعضهم قصّر المحجور على الممنوع من التصرف في ماله، فهو محجور عليه، و الفقهاء يحذفون الصلة تخفيفا لكثرة الاستعمال و يقولون محجور و هو شائع انتهى.

و الحجر في اصطلاح الفقهاء عبارة عن ممنوعية طوائف من الناس عن التصرف في أموالهم، و ذممهم، و عمن لهم الولاية عليه شأنا من أولادهم، و هو حكم وضعي اعتباري قابل للجعل و الإنشاء، مفتقر في تحققه إلى حاجر، و محجور عليه، و محجور عنه، و الأول هو الشارع أو الحاكم، و الثاني عدة معينة من الناس، و الثالث التصرف في المال و الذمة، و ينقسم الحجر إلى قسمين حجر أصلي مجعول من الشارع، و حجر عرضي مجعول من الحاكم، و الأول كحجر الصغير، و المجنون، و السفيه عن صغر، و العبد، و المريض، و الثاني كحجر السفيه و المجنون إذا عرض لهما السفه و الجنون بعد بلوغهما عاقلين رشيدين، و حجر المفلس.


أما الصغير فالبحث عنه و ان كثر في الفقه في موارد مختلفة تحت عناوين خاصة، كالبحث عن بلوغه و أسباب بلوغه، و البحث عن تعلق الحقوق الشرعية بأمواله و عدمه، و عن توجه الخطابات الإلزامية عليه و عدمه، و عن كون الواجبات في حقه مندوبات، و المحرمات مكروهات، و عن سقوط القصاص و الحدود الشرعية عنه، و عن تعلق الدية بماله أو بعاقلته، إلاّ أن لتلك الأبحاث عناوين خاصة كالبلوغ، و العبادة، و نحوهما، و البحث عنه تحت عنوان الحجر مختص بمنعه عن التصرفات.

و الأصحاب قد فرعوا في المقام فروعا يتضح بها المراد به و أقسامه و أحكامه، نظير ما ذكروا أنه لا ينفذ تصرفاته في أمواله ببيع و إجارة و هبة و صلح و إقراض و إيداع و إعارة و نحو ذلك و ان كان في كمال التمييز و الرشد، و كان التصرف في غاية الغبطة و الصلاح، و انه لا يجزي في صحتها إذن الوليّ فضلا عن إجازته على ما هو المشهور المنصور، و أنّه كما هو محجور عن التصرف في ماله فهو محجور بالنسبة لذمّته، فلا يصح اقتراضه، و لا بيعه سلفا، و لا شراؤه نسيئة في ذمته، و كذا هو محجور بالنسبة للتصرف في نفسه، كتزويجه، و طلاقه، و اجارة نفسه، و كونه عاملا في المضاربة و المزارعة و المساقاة.

و أنه يصح منه حيازة المباحات كالاحتطاب و الاحتشاش، و كونه عاملا في الجعالة فيملك الجعل مع العمل، بل و يملك أجرة المثل في الأعمال الجزئية، كحمل متاع من محلّ إلى آخر و نحوه.

و ان الشارع جعل له ما دام صغره، أولياء ذوي مراتب ناظرين إلى مصالحه و شؤونه، كأبيه، و جدّه لأبيه، و القيم المنصوب من قبلهما، و الحاكم الشرعي مع فقدهم، و انه ليس للأم، و لا للجد من قبلها، و لا للأخ الأكبر، و العم و الخال، و سائر الأقارب، ولاية عليه، و ان المجنون كالصبي في أكثر ما ذكر، ثم ان حجر السفيه و المريض و المفلس مذكور تحت تلك العناوين.


* حرم المحرم*

حرم الشي‌ء من باب ضرب منعه، و الحرام و المحرم المنع، و الممنوع، و بهذا الاعتبار أطلق الحرام على المحرمات الشرعية، و المحرم على من يحرم نكاحه، و في المجمع: المحرم بفتح الميم ذو الحرمة من القرابة يقال هو ذو محرم منها إذا لم يحل نكاحها، و المحرم ما حرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة تحريما مؤبدا انتهى. و في المفردات: الحرام الممنوع منه، إما بتسخير إلهي، و إما بمنع قهري و إما بمنع من جهة العقل أو من جهة الشرع أو من جهة من يرتسم أمره انتهى.

و كيف كان فقد استعمل المحرم في لسان الشرع و كلمات الفقهاء في عدة من النساء بالنسبة للرجال و عدة من الرجال بالنسبة للنساء فالأولى في تعريف المحرمية أن يقال: انها عنوان اعتباري ذو نسبتين، قابل للجعل و الإنشاء، و الشارع قد رتب عليها أحكاما عامة لجميع مصاديقها، و خاصة لبعضها، فمن الأول عدم وجوب تستر كل منهما عن الآخر فيما عدا العورة، و جواز نظر كل إلى ما عدا العورة من الآخر و المسّ كذلك، و جواز اجتماعهما في محل الخلوة، و نومهما تحت ستار واحد، و غسل كل الآخر بعد موته و ان لم يكونا مماثلين فيما إذا فقد المماثل، إلى غير ذلك، و من الثاني جواز استمتاع الرجل بالزوجة و ملك اليمين و المحللة و استمتاع المرأة بالزوج و السيد و المحلل له و لا رابع لهم، و ذلك لأن المستفاد من الأدلة حرمة تمتع كل إنسان من مماثله فضلا عن غيره بشهوة إلاّ ما استثني و هو ثلاث، ثم انّ هذا العنوان و ان لم نجد له دليلا دالا على إنشائه و جعله بالاستقلال في مورد لكن يستفاد من النصوص انه منتزع من الأحكام التكليفية في موارده كترخيص إبداء الزينة في آية الغض، و هي قوله تعالى‌ (وَ لاََ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاََّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبََائِهِنَّ أَوْ آبََاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنََائِهِنَّ أَوْ أَبْنََاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوََانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوََانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوََاتِهِنَّ أَوْ نِسََائِهِنَّ أَوْ مََا مَلَكَتْ أَيْمََانُهُنَّ أَوِ اَلتََّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي اَلْإِرْبَةِ مِنَ اَلرِّجََالِ أَوِ اَلطِّفْلِ اَلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى‌ََ عَوْرََاتِ اَلنِّسََاءِ) (النور 31) فقد أذن الشارع في إبداء المرأة زينتها عند اثنتي عشرة طائفة فدل على كونهم محارم لها و كونها محرما لهم. ـ


و نظير ذلك آية التحريم في سورة النساء (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ وَ بَنََاتُكُمْ وَ أَخَوََاتُكُمْ وَ عَمََّاتُكُمْ وَ خََالاََتُكُمْ وَ بَنََاتُ اَلْأَخِ وَ بَنََاتُ اَلْأُخْتِ وَ أُمَّهََاتُكُمُ اَللاََّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوََاتُكُمْ مِنَ اَلرَّضََاعَةِ وَ أُمَّهََاتُ نِسََائِكُمْ وَ رَبََائِبُكُمُ اَللاََّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسََائِكُمُ اَللاََّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاََ جُنََاحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلاََئِلُ أَبْنََائِكُمُ اَلَّذِينَ مِنْ أَصْلاََبِكُمْ) (النساء 23) فحرم الشارع للرجل نكاح اثنتي عشرة طائفة من النساء فينتزع من ذلك محرمّية كل منهن للرجل و محرميته لهن.

ثم انه هل يمكن انتزاع قاعدة كلية من كل من الآيتين دالة على المحارم في الإسلام:

أولاهما: كل شخص جاز للمرأة إبداء زينتها عنده فهو محرم لها كما انها محرم له.

و ثانيتهما: كل شخص حرم للرجل نكاحه فهو محرم له و هو من محارمه، وجهان أظهرهما عدمه، لأن الآيتين ليستا في مقام إعطاء القاعدة الكلية، و ان كانت القاعدة الأولى بنفسها تامة، و أما الثانية فهي غير تامة مطلقا، سواء أريد بها حرمة النكاح مطلقة أو مؤبدة أما الأول فينتقض بالمرأة المشتركة، و الأمة المزوجة على الحرة، و الذمية على المسلمة، و أخت الزوجة، و بنت الزوجة قبل الدخول بالأم، و بنت أخ الزوجة و بنت أختها مع عدم إذن العمة و الخالة، و الأمة بغير اذن سيدها، و الأمة بالنسبة لمن يقدر على تزويج الحرة و الجارية المشتركة بين اثنين أو أكثر. و أما الثاني فينتقض بالمرأة الملاعنة، و المزوجة ذات بعل، و المزوجة في عدة الغير، و حال الإحرام، و المطلقة تسعا عديا، و أم الموطوء و أخته و بنته، و غيرهن.

و من هنا يتوهم عدم دلالة آية التحريم على محرمية المذكورات فيها نعم الموارد الستة المشتركة بين الآيتين من المحارم قطعا، و هي الموارد التي تدل آية الغض على ترخيص الإبداء من طرف المرأة و آية التحريم على تحريم الزواج من طرف الرجل، و على هذا فيكون مورد افتراق آية الغض و هو خمسة من المحارم و مورد الافتراق آية التحريم و هو سبعة مما لا دليل على المحرمية فيه.

هذا و لكن الظاهر وضوح المحارم في الشريعة الإسلامية حكما و موضوعا و تعينها


مصداقا، فمحارم الرجل من مماثله و غيره، ثلاث و عشرون طائفة و محارم المرأة كذلك، اثنان و عشرون طائفة، و ذلك انهما يشتركان في عدد محارم النسب و الرضاع، فمحارمهما النسبية و الرضاعية أربعة عشر، و محرم الرجل من السبب الزوجة و أمها و بنتها و زوجة الأب و زوجة الابن و ملك اليمين و الأمة المحللة و المماثل و الصغيرة من النساء و أما المجنونة فليست محرما له، و محرم المرأة من السبب 1-الزوج 2-و أبوه 3-و ابنه 4-و ملك يمينها 5-و المحلل له 6-و نسائها 7-و الطفل 8-و التابع غير اولى الإربة و هو المجنون.

* مدن المدينة*

المدينة في اللغة مجتمع بيوت تزيد على بيوت القرية، و المدينة المصر الجامع، و الجمع مدن و مدائن، و التمدن التخلق بأخلاق أهل المدن و الانتقال من الهمجية إلى الانس و الايتلاف، و في المجمع: مدن الرجل بالمكان أقام به و المدينة فعيلة من مدن انتهى. و قد كثر استعمال المدينة في لسان المتشرعة و الفقهاء في مدينة الرسول، قيل و كانت تسمى يثرب و سميت مدينة بعد ما هاجر إليها النبي صلّى اللّه عليه و آله و هي حرم النبي الأعظم فبعد ما حرم اللّه تعالى مكّة لنفسه حرّم الرسول المدينة لنفسه فأجاز اللّه له ذلك، و فيها مسجده المحتضن قبره و بدنه الشريف، و قد حدّ حرم المدينة بما بين لابتيها و حرّتيها و اللاّبة و الحرة الأرض التي ألبستها الحجارة السوداء، فإنّ المدينة واقعة بينهما قال صلّى اللّه عليه و آله ان المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يعضد شجرها و هو بين ظل عائر إلى ظل و عير ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا و لا يؤكل ذلك.

و كيف كان فالمدينة لها حرمة الحرم النبوي و فضل ادابه المندوبة و هي أحد البلدين الذين يتخير المسافر فيهما بين قصر الصلاة و إتمامها و لعل الإتمام أفضل، و الحكم مختص بالصلاة دون الصوم، و هو من مخزون علم اللّه الذي لا يعلمه إلا هو، و مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله فيها أحد المسجدين الذين لا يجوز للجنب و الحائض و النفساء الاجتياز عنهما فضلا عن المكث و الكلام فيها تحت عنوان السفر و الجنب.


* ربط المرابطة*

المرابطة مفاعلة من رابط الأمر واظب عليه، و رابط الجيش لازم ثغور العدو، و المرابطة الجماعة التي رابطت، و الجمع مرابطات، و في المجمع: الربط على القلب تسديده و تقويته، و المرابطة حبس الرجل نفسه على تحصيل معالم الدين، و في النهاية: ان الرباط في الأصل الإقامة على جهاد العدو بالحرب و ارتباط الخيل و إعدادها انتهى.

و كيف كان فالمرابطة عند الفقهاء هي الإرصاد للعدو، و الإقامة في الثغر أو ما يقرب منها لحفظها من هجمة المشركين، أو أعداء المسلمين و حكومتهم، و لو كانوا مسلمين، و المراد بالثغر الحد المشترك بين دار الإسلام و دار الشرك، أو كل موضع يخاف منه على أرض الإسلام أو أهلها من هجوم الأعداء.

و ذكروا انه لا يشترط فيها وجود الإمام الظاهر، و تسلطه على الثغر، بل تتحقق موضوعا فيما لا سلطة للإمام على الملة و إن كان حيا، كأزمنة سلاطين الجور، أو كانت في زمن الغيبة و عدم وجود نائب الغيبة، أو عدم بسط يده كما تتحقق فيما إذا كان الإمام أو نائبه مبسوط اليد.

ثم أن الأصحاب ذكروا أن المرابطة مندوبة بالذات ليست بواجبة و لا مفتقرة إلى إذن الإمام نصّا و فتوى، لأن مفاد نصوص الباب هو مدح المرابطة، و لأنها ليست بقتال حتى تحتاج إلى الإذن ممن بيده أمر الحرب، و لو اتفق في مورد وقوع محاربة بين المرابطين و بين الأعداء، لقصدهم الهجوم أو لأمر آخر، فهي حينئذ من قبيل الدفاع الواجب على كل أحد من المسلمين، و ذكروا أيضا أن أقل المرابطة ثلاثة أيام و أكثرها أربعون يوما من حيث انتهاء ثواب المرابطة، فإذا جاز ذلك فهو جهاد أي يكون ثوابه ثواب المجاهدين مع بقاء موضوع المرابطة و ترتب حكمها.

* مرض المرض و المريض*

مفهومهما في اللغة و العرف واضح، و قد وقع المريض في الشريعة موضوعا لأحكام كثيرة من تكليف و وضع، بعضها مترتب على مطلق المريض، و بعضها على الذي مات في مرضه، و الأصحاب قد تعرضوا للبحث عنه و عن أحكامه في موارد من الفقه.


منها: ما ذكروه في أحكام الأموات، و ان المريض إذا ظهر له أمارات الموت وجبت عليه أمور و استحبت له أمور:

أما الأول: فيجب عليه التوبة من سيئاته، و هي من مهام ما يجب على الناس كلهم في جميع حالاتهم، و حقيقتها الندم قلبا و العزم على عدم العود إليها، و أداء حقوق اللّه تعالى المالية كالزكاة و الخمس و الكفارات و غيرها، و غير المالية كالصلاة و الأقارير الواجبة و نحوها، و أداء حقوق الناس الواجبة أو الإعلام بها، و ردّ الودائع و الأمانات، و الوصية بها و تعيين وظيفتهما مهما أمكن، و الوصية بما يجب عليه من الصلوات و الصيام و الحج إذا توقف تنجيزها على الوصية، و تعيين القيّم على أولاده و أموالهم إذا عدّ عدمه تضييعا لهم، و يندب له الوصية بثلث ماله في وجوه الخيرات، و ان يوصي بالخيرات لأرحامه، و الفقراء، و أن يتصدق لرجاء صحته، و انه يهيئ كفنه، و من أهم ذلك إيضاح أمر صغاره، و أمواله، و ما يتعلق بتجهيزه، و تقسيم أمواله و وصيته و كيفية العمل بها و غيره، هذا بالنسبة لوظائف نفسه و أما غيره فهو كثير أيضا مذكور تحت عنوان العيادة و ما يتعلق بالناس بالنسبة للمحتضر.

و منها: ما ذكروه في باب الحجر بالنسبة لتصرفاته المنجزة حال حياته و وصيته فيما زاد عن الثلث من أمواله، و أنه محجور فيه بحجر أصلي شرعي، و قد ذكروا هناك فروعا يتضح بها حال المريض، و حكم تصرفاته فيه، نظير أن المريض ان لم يتصل مرضه بموته فهو كالصحيح ينفذ جميع تصرفاته، إلاّ وصيته فيما زاد عن ثلث أمواله، و إذا اتّصل مرضه بموته فلا إشكال أيضا في نفوذ عقوده و إيقاعاته غير المحاباتية منه، و جواز انتفاعه بماله بالإنفاق على نفسه، و من يعوله و كل تصرف لا يعد سرفا و تبذيرا، و انه قد وقع الخلاف في أن تصرفاته المنجّزة حال حياته نظير الهبة و الوقف هل هي نافذة من أصل ماله أو من ثلثه فراجع عنوان المنجّز و المعلق.

و منها: ما ذكروه في باب الإرث من توقف صحة نكاح المريض-الذي تزوج في مرضه الذي مات فيه-على دخوله بها، فإن لم يتحقق انكشف بطلانه فلا مهر و لا ميراث، و ان تحقق انكشفت صحته و ترتب جميع آثارها، راجع في ذلك عنوان الجماع.


و منها: ما ذكروه في باب الطلاق من أنه يكره له طلاق امرأته، و له أن يتزوج و لو طلق صح طلاقه، و يرث هو من زوجته ما دامت في العدة الرجعية، و لا يرث منها في البائن، و ترثه هي مع استمرار مرضه في حين الطلاق إلى سنة كان الطلاق رجعيا أو بائنا إلاّ أن تتزوج بغيره، و لو طلق أربعا دائميات في مرضه و تزوج بأربع أخرى و دخل بهن ثم مات كان الربع أو الثمن بين الثمان فيقسمنه ثمانية أقسام.

و منها: ما وقع التسالم عليه من الأصحاب من كون المرض من العناوين الثانوية الرافعة للأحكام الأولية عند عروضه على موضوعاتها، بشرائطها وجوبا كانت أو حرمة، فوضوء المريض و غسله و صومه و قيامه في الصلاة و جهاده و حجه و نحوها غير واجب عليه، و تناول المسكر و المتنجس و نحوهما مع توقف البرء عليه جائز له أو واجب لأن ما أبيح للضرورة يكون واجبا.

* زبن المزابنة*

المزابنة في اللغة مشتقة من الزبن بمعنى الدفع يقال زبنه إذا دفعه و نحّاه و المزابنة المدافعة، و في المجمع: في الخبر نهى عن المزابنة و هي بيع الرطب في رؤوس النخيل بالتمر، و أصله من الزبن و هو الدفع كأنّ كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه بما يزداد منه و النهي عن ذلك لما فيه من الغبن و الجهالة انتهى.

و اللفظ مستعمل في النصوص و عند الفقهاء في بيع خاص من معناه اللغوي استعمالا كنائيا و هو ما أشار إليه في المجمع، لكون هذا البيع سببا لحصول الاختلاف و النزاع و المدافعة، و قد أشرنا إلى حاله في الجملة تحت عنوان البيع في القسم السابع.

* زرع خبر المزارعة-المخابرة*

زرع الأرض في اللغة طرح البذر فيها، و زرع اللّه البذر أو النبات أنبته، و زارع مزارعة طرح البذر في الأرض، و زارع فلانا عامله على الأرض ببعض ما يخرج منها


و يكون البذر من مالكها، و في المفردات الزرع الإنبات و حقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية قال‌ (أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ اَلزََّارِعُونَ) فنسب الحرث إليهم و نفى عنهم الزرع و نسبه إلى نفسه، و الزرع في الأصل مصدر و عبر به عن المزروع انتهى، و خبر يخبر من باب نصر الأرض شقّها للزراعة و خابره زارعه على نصيب معين و الخبرة النصيب و قال الشيخ قده: المخابرة و المزارعة اسمان لعقد واحد و هو استكراء الأرض ببعض ما يخرج منها انتهى.

و المزارعة في اصطلاح الفقهاء عقد معاوضي و معاملة خاصة بين شخصين أو أشخاص على الأرض بحصة معينة من حاصلها، و الركن الأصيل فيها الأرض، و الإيجاب من مالكها و القبول من العامل، و مفاد العقد تملك العامل منفعة الأرض على المالك، و تملك المالك العمل على العامل، فيقول مالك الأرض زارعتك أو سلمت إليك الأرض على أن تزرع على كذا أو يقول ازرع هذه الأرض على كذا فيقبل الآخر.

هذا ما عليه جل الأصحاب و لا يبعد أن يقال انها ليست عقدا معاوضيا بل هي معاهدة اشتراكية و حقيقتها التزام المالك بتسليط العامل على أرضه للزراعة فيها، و التزام العامل بالزرع، و على هذا فلا يملك أحدهما مالا على الآخر بل لكل منهما إلزام الآخر بما عهد عليه، و تصح إذا وقعت بين أكثر من اثنين، بأن تكون الأرض من واحد، و البذر من آخر، و الماء من ثالث، و وسائل الزرع و الحصاد من رابع، و عمل الزراعة و المحافظة على التنمية و الحفظ عن الحشرات و غيرها من خامس، و هكذا بل تصح لو كان المتكفل لكل من ذلك جماعة إذا كانت المزارعة واسعة الجوانب، و على هذا فيكفي في الإيجاب قول أحدهم تعاقدنا على هذا الأمر و قبول الباقين، أو قول الجميع تعاقدنا و لا بأس بتركب العقد من إيجاب و قبولين أو أكثر أو تركبه من إيجابات متعددة لشمول أوفوا بالعقود و المؤمنون عند شروطهم للجميع.

و هذا بخلاف ما يظهر من القوم من كون قوامها الأرض و العمل، فان في شمولها للمثال و نحوه إشكالا فيلزمهم جعل مالك الأرض مؤجرا و موجبا في العقد و الباقين مستأجرين‌


قابلين للإيجاب، أو جعلهم اجراء كذلك و لا داعي له.

ثم ان الأصحاب ذكروا انه يعتبر في صحة هذا العقد و نفوذه أمور:

أولها: الشرائط العامة لسائر العقود كالبلوغ و العقل و القصد و الاختيار و عدم الحجر لسفه منهما أو فلس من المالك و من يكون من قبله التصرف المالي.

ثانيها: كون النماء مشتركا بينهما فلو جعل الكل لواحد لم تكن مزارعة.

ثالثها: كون النماء مشاعا فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع من الحاصل، أو بحاصل محل خاص، أو زمان خاص بطلت، للغرر في ذلك لأنّه قد ينمو أحدهما و يهلك الآخر.

رابعها: تعيين الحصة بالكسر، كالنصف و الثلث فلو جعلا أحسن الحاصل لأحدهما و اردأه للآخر بطلت.

خامسها: تعيين المدة للمزارعة بالأشهر و السنين فلو أطلقا و لم يكن تعين من العرف أيضا بطلت.

سادسها: تعين المزروع من الحنطة و الشعير و نحوهما أو الإحالة إلى تخيير الزراع أو المالك.

سابعها: تعيين الأرض و مقدارها.

ثامنها: تعيين كون البذر و سائر المصارف على أيهما إذا لم يكن هناك تعين عرفي.

* زلف شعر جمع المزدلفة و المشعر و الجمع*

الزلف بالفتح في اللغة القرب، و زلف من باب نصر تقرّب، و الزلفى بالضم القربى و المنزلة، و الازدلاف الاجتماع، و المزدلفة موضع الاجتماع، و المزدلفة أحد مشاعر الحج بين منى و عرفات يفيض الحاج من عرفات إليها ليلة النحر فيصلي فيها المغرب و العشاء قصرا و جمعا، و بعدها عن مكة المكرمة حوالي عشر كيلو مترات و أولها من طرف مكة وادي محسر، و هي داخل الحرم و آخرها انقضاء المأزمين، و إذا جئت من عرفات إلى منى، فأنت تصير بين جبلين و هما المأزمان، فإذا جاوزتهما و خرجت إلى الفضاء فذاك‌


أول المزدلفة، و طولها من منى إلى عرفات ثلاثة أميال، و تسمى المشعر الحرام و الجمع أيضا، و منه يؤخذ الجمار التي يرجم بها الجمرات، و سميت مزدلفة و جمعا لاجتماع الناس و ازدلافهم فيها، و مشعرا لأنها محل عينه اللّه تعالى للعبادة فيه.

ثم انه قد كثر استعمال الألفاظ المذكورة في النصوص و الفقه و كادت أن تكون مصطلحا فقهيا في الموضع المزبور، و رتب عليها أحكام في الشريعة، أهمها وجوب الإفاضة إليها امتثالا لقوله تعالى‌ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفََاضَ اَلنََّاسُ) و الكون فيها ليلة العيد، و وجوب الوقوف فيها من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع الشمس، و هذا الوقوف من أعظم أفعال الحج و أركانه، بل الظاهر انه ليس في الحج ركن أعظم منه و أهم، و في الخبر أن من أدرك المشعر أدرك الحج، و ان الوقوف بعرفة سنّة و بالمشعر فريضة، و انقسام هذا الوقوف إلى اختياري و اضطراري و سائر ما يترتب عليه قد ذكر تحت عنوان الوقوف فراجع.

* سقي المساقاة*

هنا أمور: الأول سقى الرجل و أسقاه في اللغة أعطاه ماء ليشربه، و ساقاه و تساقيا سقى كل واحد صاحبه، و ساقاه في أرضه استعمله فيها ليقوم بإصلاحها على أن يكون له نصيب من غلتها، و منه شركة المساقاة، و في المجمع: و المساقاة مفاعلة من السقي و شرعا معاملة على الأصول بحصة من ثمرتها انتهى.

و الظاهر انه لم يثبت لها حقيقة شرعية في المعنى المعروف عند الفقهاء، و ما أشير إليه في بعض كتب اللغة قابل الانطباق على المزارعة، بل ادعى أن تسمية هذه المعاملة بالمساقاة اصطلاح جديد حدث بعد زمان الصحابة و التابعين، و لم يذكرها أحد من اللغويين و لا وجدت في استعمالات العرب، و كيف كان فاستعمال المفاعلة من السقي المشعر بكون السقي منسوبا إليهما، من جهة جعل المالك الأصول تحت يد العامل و سقي العامل لها و هذا معنى ساقيتك الأرض أو الشجر.

ثم أن المراد بالسقي هنا كل عمل يكون سببا لإيصال الأصول إلى فعلية النفع، فالمراد


بالسقي الذي هو فعل العامل بالأصالة و ينسب إليهما، أعداد المقدمات الموصلة إلى الاستثمار، و على هذا فالمساقاة العقدية عند الفقهاء عبارة عن تسليط المالك العامل على الأصول الثابتة ليربّيها و يوصلها إلى مرتبة فعلية الأثمار بحصة من حاصلها، و هذا عقد أشبه بالإجارة إلاّ أن بينهما فرقا في العمل، و الأجرة، و اغتفار الجهالة فيهما هنا، و ما ذكره في الشرائع من انها معاملة على أصول ثابتة بحصة من ثمرتها قابل الانطباق على ما ذكرنا، و ان يراد به إيجاد إضافة بين العامل و الأصول أو بين المالك و العامل و الأولى ما ذكرنا.

ثم أن مقتضى كونها معاملة كون أحد العوضين العمل و الآخر الثمر و لازم صحة العقد تملك المالك العمل بمجرد العقد و العامل الثمر كذلك، و اغتفار عدم وجوده كلا أو بعضا حال العقد نظير نفس العمل، و لعله لا بأس بالقول بذلك في المقام فإنه لا يقاس بباب المزارعة التي اخترنا كونها من قبيل الشركة.

ثم انهم ذكروا للمساقاة شروطا بعضها عام و بعضها خاص لا يتعداها إلى غيرها.

أولها: الإيجاب و القبول و يكفي فيها كل لفظ دال على المطلوب بكل لسان، كان حقيقة أو مجازا مع القرينة مع صدق الإيجاب و القبول اللفظيين، كما أنه تكفي المعاطاة فيها.

ثانيها: البلوغ و العقل و الاختيار.

ثالثها: عدم الحجر لسفه منهما أو فلس من المالك.

رابعها: تسلط المالك على الأصول شرعا بتملك العين أو المنفعة أو بالوكالة أو بالولاية.

خامسها: كونها معلومة معينة عندهما.

سادسها: تعيين مدة وافية لاستيفاء الغرض بالأشهر و السنين، أو تعيين اللقط و اللقطات إذا كان الغرض ذلك.

سابعها: أن يقع العقد قبل ظهور الثمر أو بعده بحيث يبقى للعمل فيه مجال و مالية، فلا تصح بعد إيناع الثمر و بلوغ أو ان الاقتطاف.

ثامنها: أن تكون الحصتان كسرا مشاعا من الثمر فلا تصح بتعيينها في شجر أو لقط.


تاسعها: تعيين ما على العامل من العمل بل و ما على المالك أيضا مع اللزوم.

ثم أن المساقاة من العقود اللازمة، و المراد بالشجر فيها مطلق الأصول الثابتة القابلة لاقتطاف الثمر منها، فالمراد بالثمر مطلق ما يكون نتاجا لها، من ورق، أو قشر، أو صمغ، أو ثمر، إلى غير ذلك مما يطلب من مطولات الفقه.

* سجد المسجد*

المسجد في اللغة و الأدب مصدر و اسم لزمان السجدة و مكانها، و يعم الأخير مكانها من الأرض و مكانها من بدن الساجد، و هو سبعة و الكل محتمل في قوله تعالى‌ (وَ أَنَّ اَلْمَسََاجِدَ لِلََّهِ) أي نفس السجدة، و أوقاتها و هي أوقات الصلوات، و أمكنتها و هي المساجد، و أعضاء الساجدين، كلها للّه تشريعا أو تكوينا، و في المفردات: و المسجد موضع الصلاة اعتبارا بالسجود و قوله و ان المساجد للّه، قيل عنى به الأرض إذ جعلت الأرض كلها مسجدا و طهورا، و قيل المساجد مواضع السجود الجبهة و الأنف و اليدان و الركبتان و الرجلان انتهى.

و المسجد في اصطلاح الشرع و المتشرعة هو المكان المعد للصلاة و العبادة، و حقيقة المسجدية عنوان اعتباري قابل للجعل باللفظ و غيره، اخترعه الشارع أو أمضاه، و رتب عليه أحكاما كثيرة هامة، و كيفية إحداثه و إيجاده هي إنشاء المسجدية للأرض المملوكة قولا، أو البناء فيها بقصد المسجدية، أو إحياء الأرض بقصدها، فتخرج بذلك عن الملكية الشخصية أو الإباحة الأصلية، و تدخل تحت عنوان المسجد، فإذا أراد جعل الملك الخاص من البيت و نحوه مسجدا قال جعلته مسجدا، و إذا بنى محلا بقصد المسجدية أو أحيا أرضا كذلك و رخص لأحد في الصلاة فيه فصلى فيه كان مسجدا، و الظاهر اشتراط قصد القربة في إنشاء المسجدية بالقول أو الفعل، كعتق الرقبة في الكفارة، و يجوز تخريبه بعد تحققه إذا آل إلى الخراب أو مع حاجة الناس إلى التوسعة، و لو خرب لم تخرج العرصة عن المسجدية و لا يجوز تملكها. ـ


ثم ان ذلك يغاير وقف محل للصلاة أو للعبادة فيه فإنه لا يكون بذلك مسجدا و ان صار محررا يترتب عليه جواز التصرف في سبيل الغرض، فيجوز دخول الجنب و الحائض فيه، فإن المسجدية عنوان خاص و أكثر الأحكام مترتب عليه.

ثم انهم ذكروا في المقام ان مشاهد الأئمة المعصومين بحكم المساجد، و هي بيوت يستوي العاكف فيها و الباد، و المجاور لها من العباد، و المرتحل إليها من البلاد، فإنها بيوت أَذِنَ اَللََّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ ، ألا ترى انه يُسَبِّحُ لَهُ فِيهََا بِالْغُدُوِّ وَ اَلْآصََالِ `رِجََالٌ لاََ تُلْهِيهِمْ تِجََارَةٌ وَ لاََ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللََّهِ و عن الصلاة، إلاّ أن يمنع عنها مانع، و الظاهر ان للزيارة و صلاتها و الدعاء فيها رجحانا بالنسبة لسائر العبادات في مقام التزاحم.

* سكر المسكر*

السكر بالضم في اللغة ضد الصحو، و هو حالة تعترض بين المرء و عقله، و السكران خلاف الصاحي، و الفعل سكر يسكر سكرا بالتحريك، و المسكر بالضم ما أسكر و أزال العقل، و في المفردات: السكر حالة تعرض بين المرء و عقله و أكثر ما يستعمل ذلك في الشراب، و قد يعتري من الغضب و العشق، و منه سكرات الموت قال تعالى‌ (وَ جََاءَتْ سَكْرَةُ اَلْمَوْتِ) انتهى، و في الجواهر انه الذي يرجع فيه إلى العرف كغيره من الألفاظ، و ان قيل هو ما يحصل معه اختلاف الكلام المنظوم، و ظهور السر المكتوم، أو ما يغير العقل و يحصل معه سرور و قوة في النفس في غالب المتناولين، أما ما يغير العقل لا غير، فهو المرقد ان حصل معه تغيب الحواس الخمس، و إلاّ فهو المفسد للعقل كما في البنج و الشوكران، و لكن التحقيق ما عرفته فإنه الفارق بينه و بين المرقد و المخدر و نحوهما مما لا يعد مسكرا عرفا (ج 41 ص 449) .

و كيف كان فالظاهر انه ليس له معنى اصطلاحي بل الموضوع في الفقه أيضا هو المسكر بمفهومه اللغوي و العرفي.

و قد رتب عليه في الشريعة أحكام كثيرة هامة، و وقع البحث في الفقه عن حرمته‌


الشديدة في باب الأشربة المحرمة، و عن طهارته و نجاسته في باب الطهارة، و عن حرمة بيعه و المعاملة به في المكاسب المحرمة، و ذكروا في باب الحدود انه يجب الحد على من تناوله إذا كان بالغا عاقلا مختارا غير مضطر عالما بالحكم و الموضوع، قليلا كان المتناول أم كثيرا، من غير فرق في المسكر بين أنواعه، و لا في استعماله بين كيفياته من الشرب و الأكل و التزريق و التدخين و غير ذلك.

و لا يثبت الموضوع إلاّ بالبينة العادلة، و الإقرار مرتين مع اجتماع شروطه، فيحد حينئذ ثمانين جلدة، إلاّ أن يستحل شربه و حصل شرائط الارتداد فيقتل.

* شرك نفع عمم المشتركات-المنافع العامة*

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف واضح، و قد وقع البحث عنها في الفقه في كتاب إحياء الموات، و كان ينبغي أن تكون كتابا مستقلا في عداد سائر الكتب الفقهية، و الظاهر من كلماتهم انه ليس المراد بها كل أرض أو محل أو عين قابلة لانتفاع الناس بها و لم يختص بشخص خاص و لم تكن ملكا لفرد أو أفراد معيّنين، و إلاّ لشملت الأنفال أيضا.

فالمراد بها كما يظهر منهم عدة أمكنة تحت عناوين خاصة. نظير الطرق، و الشوارع، و المساجد، و المدارس، و الرباطات، و الأوقاف العامة، كالدور الموقوفة لسكنى المسلمين مثلا، و الظاهر شمولها للبساتين المحدثة للتنزه و الأمكنة المتخذة للعب الشبّان و الأطفال، و الميادين المعدة للسبق و الرماية، و الحياض و البركات لتعليم السباحة و تعلمها، و ما أشبه ذلك من الأعيان الصالحة لانتفاع العموم.

ثم ان الظاهر ان الطرق و الشوارع أموال معتقة بالذات أو بالعرض، و أعيان فكت رقابها عن الملكية، فليست متعلقة لأحد، و سبب حدوثها يكون تارة بكثرة تردد الناس رجالا أو ركبانا في الأرض الموات حتى تصير شارعا، و آخرى بجعل إنسان ملكه شارعا و تسبيله لذلك الغرض و قد سلك فيه بإذنه بعض الناس، و ثالثة بإحياء جماعة أرضا ميتة واسعة و جعلها دورا و أبنية و إبقاء طرق و شوارع فيها لترددهم، و للموضوع أحكام‌


و فروغ ذكروها في كتاب المشتركات فراجع.

و أما المساجد فهي متعلقة بجميع المسلمين و محال لعباداتهم، و انتفاعاتهم التي لا تخالف عنوانها، و المسلمون فيها شرع سواء و المسجدية عنوان اعتباري قابل للإنشاء و مشاهد الأئمة المعصومين بحكم المساجد و قد أشرنا إلى حكم المحلين إجمالا تحت عنوان المسجد.

و اما المدارس: و هي الأمكنة المعدة لتحصيل العلم، سواء أوقفها مالك المحل لهذا الغرض، أو بنيت في ملك موات لأجله، أو كانت من الوصايا العامة لذلك، أو بناها لأجله أرباب الزكاة من سهم سبيل اللّه، أو أحدثها الحاكم من ذلك السهم لذلك الغرض، أو بناها ولي المسلمين من الخمس لذلك، و سواء كان إحداثها لتحصيل علوم الدين بصنوفها المختلفة، أو علوم الدنيا كالمدارس و الجوامع المعدة لتحصيل تلك الفنون، أو كانت أمكنة معدة لنومهم و الاستراحة فيها في غير أوقات اشتغالهم، فاللازم في جميع هذه الأمكنة مراعاة غرض الباعث على أحداثها و وقفها و الجري على وفقها، فان الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

تنبيه: ذكروا من جملة المشتركات المياه، و أرادوا بها التي لم يتملكه أحد، من الأنهار الصغار و الكبار كالفرات و دجلة و الكارون و الأرس و غيرها، فالجميع مخلوقة للعباد و هم فيها شرع سواء، و من حاز منها شيئا ملكه بأي نحو كانت الحيازة، و أيّ إنسان كان المحيز، لكن ليعلم أن ما ذكروه من الأنفال، و قد عرفت في بحثها أن حكمها الإباحة ما لم يكن الحجة ظاهرة مبسوطة اليد، و إلاّ فاللازم الاستيذان منه و الكلام فيها في الأنفال.

* شعر المشعر*

المشعر في اللغة موضع الشعور و العلم، من شعر يشعر بالشي‌ء من باب قتل علمه و تفطن به، و يسمى كل مواضع النسك مشعرا أيضا.

و المشعر قد استعمل في الكتاب الكريم مرة واحدة و أريد به موضع خاص من مشاعر الحج، و كثر استعماله في ذلك في السنة، بل و قد صار عند الفقهاء اصطلاحا خاصا فيه،


و هو عبارة عن مقدار محدود من المسيل و الوادي الذي يمتد من عرفات إلى مكة المعظمة، طوله يقرب من أربع كيلو مترات و نصف، و هو واقع بين عرفات و منى، وحده من طرف منى وادي محسر و من طرف عرفات المأزمان، و يطلق عليه المزدلفة و جمع أيضا.

ثم أن المشعر من أعظم شعائر اللّه كالصفا و المروة، و قد عينه تعالى مكانا لعبادته، و أوجب الوقوف فيه مقدارا من ليلة العيد و فيما بين الطلوعين منه، و جعل ذلك من أقوى أركان الحج بل ليس في أجزائه الأربعة عشر ركن أقوى منه، و ذكر الأصحاب أن لوقوف المشعر ثلاثة أوقات، وقتا اختياريا و هو ما بين الطلوعين من يوم النحر، و وقتين اضطراريين، أحدهما ليلة العيد لمن له عذر، و الثاني من طلوع الشمس إلى الزوال من يوم العيد كذلك، و التفصيل في ذلك تحت عنوان الوقوف.

* شهد شرف المشهد-المشاهد المشرفة*

المشهد في اللغة اسم زمان و مكان من شهد يشهد المجلس أي حضره، و شهد الشي‌ء عاينه، و شهد على كذا أخبر به خبرا عن علم.

و قد كثر استعمال الكلمة في حرم المعصومين عليه السّلام و بيوتهم المقدسة الحاوية للقبور الشريفة، كحرم الرسول صلّى اللّه عليه و آله في المدينة، و حرم علي عليه السّلام في الكوفة، و حرم سائر الأئمة عليهم السّلام في البلاد المختلفة، و لم يثبت للكلمة اصطلاح خاص و لا حقيقة شرعية أو متشرعية في تلك الأماكن المتبركة، لكنها قد استعمل فيها كثيرا و رتب عليها أحكام عامة أو خاصة في الشريعة، و لذلك قد وقع البحث عن حكمها في الفقه.

فمما ذكروه فيه انّ حكمها حكم المساجد، أو المسجدين في حرمتها و وجوب تعظيمها و تكريمها، لأنها من شعائر اللّه تعالى و بيوته المنسوبة إليه، و لا إشكال في كونها من بيوت أَذِنَ اَللََّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اِسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهََا بِالْغُدُوِّ وَ اَلْآصََالِ `رِجََالٌ لاََ تُلْهِيهِمْ تِجََارَةٌ وَ لاََ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اَللََّهِ ، فيجب على عامة المسلمين و خاصة أهل الولاية كفاية، الارتحال إليها لزيارتها، و لو على حد يخرجها عن كونها منسيّة متروكة، و خاصة زيارة مشهد النبي‌


الأعظم صلّى اللّه عليه و آله لحجاج البيت العتيق و معتمريه، قال في العروة الوثقى: يستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليه السّلام و هي البيوت التي أمر اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه، بل هي أفضل من المساجد، بل قد ورد في الخبر أن الصلاة عند علي عليه السّلام بمائتي ألف صلاة، و كذا يستحب في روضات الأنبياء و مقابر الأولياء و الصلحاء و العلماء و العباد بل في بيوت الأحياء منهم.

و منها: حرمة تنجيسها إما لكونها هتكا لها، لحرمتها و إضافتها التشريفية إلى أولياء اللّه تعالى و أحب عباده إليه، أو لكونها بجميع ما فيها من أرضها و فرشها و الآلات المودعة فيها، قد وقفت عليها و سبّلت منافعها، فهي أما ملك للمعصوم المودع فيها، أو ملك لجميع المسلمين الراحلين إليها و الزائرين لها، و على أيّ فقد لوحظ في وقفها حرمتها و نظافتها و طهارتها، و التصرف في الوقوف يجب أن يكون على حسب ما يوقفها أهلها فيحرم تنجيسها لهذه الجهة.

و منها: ما ذكره البعض من وجوب تطهيرها إذا اتفق تنجسها بشي‌ء من النجاسات و هذا لا إشكال فيه إذا كان البقاء هتكا لحرمتها و لقوله عليه السّلام: ان بيوتنا في الأرض مساجد، و أما في غير الفرض فالحكم بوجوب التطهير مشكل لعدم تمامية دليله.

و منها: حرمة مكث الجنب و الحائض و النفساء فيها، لما ذكروه من أن لها حرمة المسجدية و زيادة، و لما ورد من المنع من دخول الجنب بيوت الأنبياء و الأئمة (ع) ، و لان حرمتهم أمواتا كحرمتهم أحياء مع ورود النص على المنع عن الورود مع حياتهم، بل و دلالة النصوص على حرمة أصل الدخول فيها فيكون حكمها حكم المسجدين على اختلاف في المسألة.

تنبيهان: الأول: هل المراد بالمشاهد خصوص حرم النبي صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة من أهله (ع) أو تشمل مشهد الأنبياء المعصومين ايضا كحرم إبراهيم الخليل و غيره من الأنبياء في القدس، و قبر آدم و نوح في حرم علي عليه السّلام، أو تشمل مشاهد غير المعصومين أيضا، كحرم السيد عبد العظيم (ع) بالري و فاطمة المعصومة (ع) بقم و السيد محمد في العراق، و السيد أحمد شاهچراغ في شيراز و سلمان و أبي ذر و غيرهم من العلماء و الشهداء و الأولياء


و العبّاد وجهان، أوجهها الاختصاص بالمعصوم. نعم لهؤلاء أيضا عند الله شأنا من الشأن و المقام الكريم و الجاه العظيم فينبغي مراعاتها.

الثاني: يستفاد من بعض شمول مورد البحث موضوعا أو حكما للمشاعر العظام، كعرفات و المشعر و منى و غيرها، مما عين من جانب الشرع للعبادة و حرم تملكها و التصرف فيها بما يزاحم الناسكين، لكن الظاهر خروجها عن العنوان و عدم جريان أغلب الأحكام المذكورة فيها و ان كان لها أحكام خاصة ذكرناها تحت عناوينها.

* صهر المصاهرة*

الصهر بالفتح و الكسر مصدر يقال صهر الشي‌ء قرّبه و أدناه، و الصهر القرابة، و المصاهرة في اللغة و الشرع عبارة عن العلقة الخاصة المنشعبة عن علقة الزوجية، و هي تنقسم إلى علقة بين الزوج و الأرحام النسبيّة للزوجة، و علقة بين الزوجة و أرحام الزوج كذلك، قال اللّه تعالى‌ (وَ هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ مِنَ اَلْمََاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً) أي جعل مجتمعهم ذا نسب و صهر، فإن عمدة الروابط الموجودة بينهم عبارة عن رابطة النسب و المصاهرة، و الرضاع قليل الوجود صعب التحقق، و لا يمكن أن يكون مبنى روابط المجتمع: الإنساني، و الرابطة الحاصلة بالنسب لا تجمع إلاّ أعضاء نفس الطائفة، و الأمر الذي يكون سببا لاتصال طائفة بأخرى ليس إلاّ المصاهرة، فالنسب سبب لاتصال الأجزاء بالأجزاء، و المصاهرة سبب لاتصال الكل بالكل، فالبشر المخلوق من الماء ذو نسب و صهر، و الظاهر أن المصاهرة لا تتحقق إلاّ بالعقد الصحيح بين الرجل و المرأة، و ما قد يحصل أحيانا بالوطء المحلل أو بالوطء المحرم أيضا لا حق بها حكما لا موضوعا، نعم قد يكون الوطء شرطا لحصول بعض أقسامها أو ترتب شي‌ء من أحكامها كما في الحاصلة بين الرجل و بنت زوجته.

ثم انه يترتب على المصاهرة أحكام في الشريعة الإسلامية كجواز النظر، و حلّية إبداء الزينة، و حرمة الزواج، و التوارث، و جواز التغسيل، و نحو ذلك و قد فرع الأصحاب‌


على العنوان فروعا توضح حالها و حكمها، نظير أنه تحرم على الرجل بسببها حرمات سبع، بعضها دائم و بعضها موقت و بعضها مشروط، فتحرم أم الزوجة و بنتها على الرجل، و يحرم أبو الزوج و ابنه على المرأة، و تحرم عليه أخت الزوجة موقتا، و بنت أخيها و بنت أختها مقيدا، و لا فرق فيما ذكر بين كون العقد دائما أو موقتا، و لا بين كون طرفي العقد صغيرين أو كبيرين أو مختلفين، و تحرم بنت الزوجة قبل الدخول بالأم و أختها جمعا، و لا فرق في بنت الزوجة بين المتولدة قبل زواجها معه أو بعد افتراقها عنه، و لا إشكال في ترتب الحرمات السبع على النكاح الصحيح، و أما وطء الشبهة و الزنا ففي ترتبها مطلقا أو عدمه مطلقا أو ترتبه على الأول مطلقا و أما الثاني فيفصل بين حرمة المزني بها على أب الزاني و ابنه فيحكم بها، و حرمة أم المزني بها و بنتها على الزاني فلا يحكم بالحرمة وجوه لا يبعد رجحان الأخير.

* ضرب قرض المضاربة-القراض*

الضرب في الأرض في اللغة السير فيها، يقال ضرب في الأرض أي سافر، و هيئة المفاعلة قد تكون بمعنى السعي و الإنهاء نحو كاتبت زيدا أي سعيت في الكتابة أو أنهيتها إليه، فيكون ضارب في الأرض بمعنى سافر فيها، و المضاربة المسافرة، و قد تكون لكون المادة بين اثنين فالمضاربة المشاركة في السفر و لعل بهذا المعنى أطلقت على عقد المضاربة لكون المالك سببا له و العامل مباشرا.

و القراض من القرض و هو القطع، و إطلاقه على هذا العقد لقطع المالك حصة من ماله و دفعها إلى العامل ليتجر بها، و المفاعلة لكون العامل سببا و المالك مباشرا على عكس المضاربة، و ان شئت فقل قد لو حظ في الإطلاق الأول الفعل و في الثاني المال.

و كيف كان فالمضاربة في اصطلاح الفقهاء عقد خاص من العقود الجائزة، مركب من إيجاب من صاحب المال، و قبول من العامل، و الأولى في بيان حقيقته أن يقال انه عبارة عن تسليط صاحب المال غيره على ماله ليتجر به و يربحا، و قد يقال انها توكيل صاحب‌


المال غيره ليتجر به، لكن الإنصاف انها ليست توكيلا في اعتبار العقلاء بل هي أشبه بالشركة فإنها من شركة المال و العمل رجاء للنتيجة الحاصلة منهما و هي الربح، و ذكروا هنا أمورا توضح حقيقة هذا العقد و شيئا من أحكامه، نظير انه يشترط في المتعاقدين شرائط العقود العامة، و في خصوص ربّ المال عدم الحرج لسفه أو فلس، و في العامل القدرة على التجارة، و في رأس المال أن يكون عينا فلا تصح بالمنفعة و الدين و الحق، إلاّ بعد انضاضها، و ان يكون نقدا متعارفا ذهبا أو فضة أو فلوسا أو ورقا نقديا، و ان يكون معلوم القدر و في الربح أن يكون مشاعا بينهما، مقدرا حصة كل منهما بأحد الكسور كالنصف و الثلث، فلو جعلا شيئا منه لغيرهما أو عشرة دراهم لواحد مثلا و الباقي للآخر بطلت.

و أن يكون الاسترباح بالتجارة فلو دفع إلى شخص نقدا ليصرفه في الزراعة، أو يجعله في اتخاذ الأنعام، أو يصرفه في حرفة الخياطة، أو إحداث بعض المكائن، و يكون الفائدة بينهما، لم يكن مضاربة بل هو عقد آخر محكوم بالصحة للعمومات و له شروطه و أحكامه.

* طهر المطهر*

هو في اللغة معلوم و يكثر استعماله في باب الطهارة في الفقه، في خصوص الماء و التراب، بلحاظ مطهريتهما من الحدث، كما قد يستعمل في الأعم منهما و من كل شي‌ء يورث طهارة الأعيان الخارجية من الخبث، و هو بهذا اللحاظ عنوان كلي له مصاديق كثيرة ربما تنتهي إلى ثمانية عشر و إليك إجمالها قضاء لحق إطلاقه.

فالأول: الماء و هو المصداق الأكبر، و المطهر الأعظم، من أقسام المطهرات، لكون مطهرية غيره مختصة ببعض النجاسات بخلافه، فإنه مطهر لكل متنجس قابل للتطهير حتى نفسه إذا تنجس، و لذلك ورد، الماء يطهر و لا يطهر، أي يطهر غيره و لا يطهر بغيره، و لأن غير الماء لا يطهر إلاّ المتنجس، و الماء قد يطهر بعض الأعيان النجسة كميت الإنسان يطهر بالأغسال الثلاثة، و ذكر الأصحاب لمطهرية الماء شروطا نظير 1-زوال العين و الأثر


من المغسول 2-عدم تغير الماء في أثناء الاستعمال 3-طهارة الماء المغسول به و لو ظاهرا 4-إطلاقه 5-تعدد الغسل في بعض النجاسات كالبول و الولوغ و في بعض المتنجسات كالظروف 6-العصر فيما يقبله من المتنجسات كالثوب و نحوه، 7-و ورود الماء على المتنجس دون العكس 8-انفصال الغسالة عن المحل في الغسل بالماء القليل إلى غير ذلك راجع عنوان الماء أيضا.

الثاني: الأرض و هي تطهر بعض المتنجسات كباطن القدم و النعل بالمشي عليها أو المسح بها، بشروط خاصة ذكروها في الفقه.

الثالث: الشمس فإنها مطهرة لبعض الأشياء بإشراقها عليه، فإذا أشرقت على الأرض النجسة طهرتها، و تطهر كلما لا ينقل من الأبنية و الحيطان و ما يتصل بها من الأبواب و الأخشاب و الأوتاد، و تطهر الأشجار و أوراقها و أثمارها و النبات و الخضروات كل ذلك إذا كانت متنجسة رطبة و جففتها بإشراقها عليها بلا واسطة.

الرابع: الاستحالة بمعنى تبدل صورة الشي‌ء النوعية إلى أخرى، فيطهر بذلك كالخشبة المتنجسة تكون رمادا، و الماء المتنجس تكون بخارا. و غير ذلك من الأمثلة، و ذكرنا للاستحالة تفسيرا إجماليا تحت عنوانها المستقل فراجع.

الخامس: الانقلاب، يراد به في المقام تحول الخمر خلا بنفسه أو بعلاج، كإلقاء الخل أو الملح فيه، بشرط عدم وصول نجاسة أخرى إليه، و هذا غير الاستحالة لتبدل الحقيقة النوعية فيها دون هذا، و لذا اختص بموضوع خاص و كان الحكم فيه تعبديا.

السادس: ذهاب الثلثين عن العصير العنبي بعد غليانه، و هذا مبني على القول بنجاسته بالغليان فيطهر بذهاب ثلثيه به، و ليعلم أن نجاسة العصير تشترك مع حرمته في حدوثهما بالغليان و زوالهما بذهاب الثلثين، و سببيته الأمرين أعني الغليان و الذهاب قطعية في مسألة الحرمة و الحلية و مورد للاختلاف في مسألة النجاسة و الطهارة فلا حظ المسألة تحت عنوان ذهاب الثلثين المسوق عمدة لبيان الحكم التكليفي.

السابع: الانتقال كانتقال دم الإنسان أو غيره مما له نفس سائلة، إلى جوف ما لا نفس له كالبق و القمل و البرغوث و نحوها، و كانتقال البول و الماء النجس إلى عروق النبات‌


و الشجر و الثمر، بشرط أن يستند فعلا إلى المنتقل إليه، و الظاهر أن الحكم في المقام مما لا خلاف فيه بين الأصحاب أو هو إجماع كما ادعاه غير واحد، مضافا إلى أن الاستناد إلى المنتقل إليه يمنع من جريان الاستصحاب في العين المنتقلة.

الثامن: الإسلام فإنه مطهر لبدن الكافر و لعل بعض ما له ربط بالمسألة مذكور تحت عنوان الإسلام.

التاسع: التبعية في موارد خاصة ثبتت بالنص، أحدها تبعية فضلات بدن الكافر المتصلة به إذا أسلم، فإنها تطهر بطهارة بدنه تبعا كبصاقه، و عرقه، و نخامته، و الوسخ على جسمه، بل النجاسة العرضية التي زالت عينها من جسمه. ثانيها تبعية ولد الكافر له فيما إذا أسلم قبل تمييز الولد أو قبل بلوغه إذا لم يظهر الولد الكفر بنفسه قبله أو لم يظهر الإسلام كذلك، و إلاّ فالظاهر خروجه عن التبعية. ثالثها تبعية الأسير للمسلم الذي أسره إذا كان غير بالغ و لم يكن معه وليه، على خلاف في المسألة، رابعها تبعية ظرف الخمر له إذا انقلب خلا، خامسها تبعية آلات غسل الميت من مكان غسله و الثوب الذي عليه و يد الغاسل فإنها يطهر تبعا دلت عليها أدلة نفس الغسل، سادسها تبعية يد الغاسل و آلات الغسل في تطهير النجاسات فتطهير بطهارة المغسول تبعا.

العاشر: زوال عين النجاسة عن بدن الحيوان الطاهر غير الإنسان بأي وجه كان، فيطهر محلها كزوال العذرة عن منقار الدجاج و الدم عن ظهر الدابة، و عن بدن ولد الحيوان إذا كان متلوثا بالنجس، و كذا زوال النجاسة عن بواطن الإنسان كفمه و أنفه و اذنه، فإذا أكل نجسا طهر فمه ببلعه إذا قلنا بتنجس الباطن.

الحادي عشر: استبراء الحيوان الجلال، أي المعتاد بأكل عذرة الإنسان، فإذا منع عن ذلك فاعتاد بالعلف الطاهر حتى زال الاسم طهر بوله و ورثه، و هذا في الحقيقة سبب لزوال حرمة الأكل عن الحيوان و عروض حليته ثم يترتب عليه حكم الطهارة.

الثاني عشر: حجر الاستنجاء و غير الحجر مما يقلع النجاسة عن مخرج الغائط فإنه مطهر للمحل. ـ


الثالث عشر: خروج الدم المتعارف من الذبيحة، فإنه مطهر لما يبقى في الجوف من الدم.

الرابع عشر: غيبة المسلم فإنها مطهرة لبدنه و لباسه و فرشه و غيرها، مما بيده بعد حضوره و استعماله فيما يشترط فيه الطهارة، بشرط علمه بالنجاسة، و احتمال انه طهره، و هذا مطهر إثباتا لا ثبوتا.

* عطو المعاطاة*

المعاطاة في اللغة مفاعلة من عاطى الرجل الشي‌ء ناوله إياه، فالمعاطاة امّا بمعنى السعي في الإعطاء، أو التعاطي من الطرفين، و في المجمع و بيع المعاطاة: هو إعطاء كل من المتبايعين ما يريده من المال عوضا عما يأخذه من الآخر من غير عقد انتهى.

و قد كثر استعمال الكلمة في الفقه و ألسنة الفقهاء في إنشاء عنوان عقدي أو إيقاعي بالفعل، في مقابل إنشائه بالقول و الإشارة و الكتابة و نحوها، و هي تجري في أكثر العقود، سواء كان العقد تمليكا من الطرفين كالبيع و شبهه، أو من طرف واحد كالهبة و نحوها، أو غير تمليك كالعارية، و على هذا فتحقق المعاملة مطلقا بالإعطاء من أحد الطرفين و الأخذ من الآخر فإذا ناول البائع المبيع بقصد تمليكه عوضا عن الثمن المعلوم، و أخذه المشتري بذلك القصد، فقد تمت المعاملة و حصل النقل و الانتقال، و يكون إعطاء الثمن و أخذه بعد ذلك وفاء للالتزام، و كذا لو أعطى المشتري الثمن بقصد تملك المبيع و أخذه البائع تم العقد أيضا، و كان إعطاء المبيع بعد ذلك وفاء للالتزام، و هذا كما أن بذل المال بقصد الهبة و أخذه كذلك سبب لتمام عقد الهبة، و على هذا فإطلاق المعاطاة إما لإرادة الإنهاء من الهيئة و السعي في الإيصال، كما هو أحد معاني باب المفاعلة أو المعنى الشائع لها، أو من جهة حصول الملكية بالعطاء الخارجي دون القول.

ثم انه لا إشكال عند أكثر الأصحاب في جريان المعاطاة في البيع، و أما جريانه في غيره من العقود المعاملية و غير المعاملية، أو في الإيقاعات ففيه خلاف أظهره الجريان، إلاّ ما دل الدليل على عدمه، فلو أعطاه مفتاح الدار بعد المقاولة بقصد إيجارها سنة فتناوله‌


المستأجر، تمت الإجارة، و كذا لو ناوله الثوب بقصد الخياطة و أخذه الأجير، أو بذل الدراهم بقصد الإقراض، أو بقصد القراض، أو خلّى بينه و بين الأرض المعدة للزراعة، أو بينه و بين البستان للمساقاة، أو أعطى الأرض للفقراء بقصد الوقف، أو سلم الأرض أو الدار للصلاة فيها بقصد المسجدية، أو بذله العين بقصد كونها رهنا، و كذا غيرها، فإن إنشاء عناوين تلك العقود بهذه الأفعال محقق لها.

نعم لا تصح المعاطاة في النكاح على ما يظهر من كلماتهم، فلو قصد الزواج الدائم مثلا و تراضيا أو عينا المهر و الأجر في العقد الموقت، ثم تصافحا أو تعانقا بقصد الإنشاء أو دخلت بيتها لتعيش معه بقصد إنشاء المقصود فقبلها و أجلسها في مكان، لم تتحقق الزوجية، و كذا لو ألقى الستر على رأس امرأته أو وضع مهرها في كفها أو أخرجها من بيته الذي هي فيه بقصد طلاقها لا يتحقق الإنشاء بها و إن كان جميع شرائط الطلاق حاصلا و هذا معاطاة في الإيقاع. ثم أن الأصحاب قد اختلفوا في بيع المعاطاة و الأثر الإنشائي الحاصل بها على أقوال:

الأول: انها لا تفيد إلاّ إباحة تصرف كل منهما فيما انتقل إليه، و لا تحصل الملكية إلاّ بعد تلف المال عند أحدهما، أو انتقاله عنه إلى غيره ببيع و نحوه، فيحصل الملكية لهما قبل ذلك آنا ما.

الثاني: انها بيع حقيقي تام مؤثر في الملكية المستقرة للطرفين في كل مورد يكون العقد اللفظي مؤثرا.

الثالث: انها بيع حقيقي مؤثر للملكيّة المتزلزلة إلى أن يستقر بأحد أسباب الاستقرار من التلف و الانتقال و نحوهما و التفصيل في الفقه.

* عون أثم المعاونة على الإثم*

المعاونة و الإعانة مصدران متقاربا المفهوم في اللغة و العرف، يقال أعانه و عاونه على أمر ساعده عليه، و تعاون القوم عاون بعضهم بعضا.

ثم انه قد وقع العنوان مورد البحث في الفقه فيما إذا لو حظ مضافا إلى الإثم و العدوان،


و ظاهرهم ان المراد الإعانة على الإثم الصادر من الغير، و ان أمكن شمولها للإعانة على إثم نفس الشخص أيضا.

و كيف كان فقد ذكروا حرمة الإعانة على الإثم و العدوان، أي الظلم للنفس و الظلم للغير، و انه قد انعقد على ذلك إجماع العلماء كافة، و ان الآية الشريفة (وَ لاََ تَعََاوَنُوا عَلَى اَلْإِثْمِ وَ اَلْعُدْوََانِ) تدل على حرمة المعاونة على كل ما يعد إثما و عدوانا، و انه قد استفاضت على ذلك الروايات، فصارت قاعدة كلية استدل بها الفقهاء في موارد كثيرة على أحكام عديدة، لكن القاعدة المشار إليها أعني كون كل معاونة على الإثم محرمة في الشريعة مورد اختلاف بين الأصحاب موضوعا و حكما.

أما الموضوع فقد اختلفوا في شرطية القصد في تحققه و توضيحه انه يعتبر في تحقق مفهوم المعاونة أمور: المعاون، و المعاون له، و المعاون عليه و هو الإثم المفروض الصدور، و المعاونة و هي فعل المعاون، و ذكروا ان دخل فعله في الإثم الصادر على أنحاء و مورد الكلام كونه على نحو الشرط أو عدم المانع فاتفقوا على الحرمة فيما إذا تحققا منه بقصد وقوع الإثم من الآثم، لصدق المعاونة حينئذ قطعا و اختلفوا فيما إذا لم يقصد ذلك فذهب عدة إلى صدق الإعانة علمه المعين بالدخل، و آخرون إلى عدم صدقها بدونه و ان علم بالتأثير، و فصل ثالث كالأردبيلي (ره) بإضافة قيد في المسألة قال: الظاهر ان المراد الإعانة على المعاصي مع القصد، أو على الوجه الذي يقال عرفا انه كذلك انتهى. و مثلوا للمقام بأمثلة منها ما ذكره مشترط القصد من انه لا يقال للبائعين و المشترين من التاجر انهم معاونوه على التجارة إلاّ إذا باعوا أو اشتروا لترغيبه في التجارة.

و منها: ما مثل به الأردبيلي في مورد حكم العرف و هو ان طلب الظالم العصا من شخص ليضرب المظلوم فيعطيه، أو يطلب القلم لكتابة ظلم فيعطيه.

و منها: بيع العنب ممن يعمله خمرا و الخشب ممن يصنعه صنما و التاجر يتجر مع علمه بأخذ العشار عشرا و الحاجّ مع علمه بأخذ الظالم منه مالا و غير ذلك.

و أما الحكم فقد وقع الاختلاف منهم في حرمة المعاونة على الإثم مطلقا، فمنهم من قال باختصاصها بالتعاون على الإثم، أخذا بظاهر الآية الشريفة، و بما إذا كانت إعانة على‌


ظلم الظالم للنصوص، فلا دليل على حرمة المعاونة على الإثم بمعنى المعصية و ظلم الإنسان نفسه، و منهم من قال بحرمة الجميع لعموم الدليل.

تنبيه: لا يبعد القول بالحرمة مطلقا حتى في معاونة فرد على إثم فرد آخر بدون قصد ذلك في غير صورة الجهل بالترتب، و ذلك لتمامية الحجة عليها صغرى و كبرى.

أما الأول: فلصدق المعاونة لغة و عرفا على كل عمل له دخل و تأثير في تحقق الإثم في الخارج من الإنسان المختار بلا دخل لقصد المعين و علمه و جهله، فعليك بملاحظة صور الدخل و التأثير فإنه يكون تارة على نحو العلة التامة، كإكراه زيد عمرا على شرب الخمر، فإن المؤثر فيه إرادة المكره بالكسر كإرادة الإنسان لفعل نفسه، و ارادة المكره بالفتح بمنزلة الآلة، و أخرى بنحو السبب الأقوى كإعطاء الخمر للجاهل و شربه، فان السبب هنا أقوى من إرادة الجاهل، و لذا يستقر الضمان في موارد الأموال على السبب أو يضمن هو ابتداء، و ثالثة بنحو السبب الأضعف كما إذا حرّضه على شرب الخمر و أغواه حتى شربه فارادة العاصي هنا أقوى من الآمر، و رابعة بنحو إيجاد الشرط كبيع العنب ممن يعمل خمرا، و خامسة بنحو عدم المانع كسكوته عن النهي عن الإثم فيرتكبه الآخر، و لا إشكال في كون الدخل في الجميع دخلا تكوينيا، و لا في ترتب الحكم على العنوان التكويني كما ستعرف، و لا في ان الأمور التكوينية لا تتغير بالقصد و العلم و الجهل، و ان كان لبعضها دخلا في الحكم ثبوتا أو نفيا.

و أما الثاني: أعني الكبرى و هي ان كل ما كان إعانة فهي محرمة شرعا، فالظاهر دلالة الآية الشريفة عليها فان اللّه تعالى حرم على الناس التعاون على كل اثم و عدوان، كما حرم ارتكاب كل فرد لذلك، و التعاون يكون تارة بالاشتراك في إيجاد نفس الإثم كالاجتماع على قتل نفس محترمة، أو بناء بيت للفساد، أو محاربة اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله، و أخرى يكون بإيجاد بعض الأفراد لمقتضى الإثم و بعضهم شرطه أو عدم المانع عنه، فهذا أيضا تعاون على الإثم و ذلك لان الألف و اللام في كلمة الإثم ليست بدلا عن المضاف إليه ليكون المعنى لا تعاونوا على إثم أحد و يخرج المعان له عن متعلق الخطاب و تخرج صورة وحدة المعين عن‌


الآية بل المراد بها الجنس، فالنهي متعلق بجنس الإثم، و يتحقق التعاون في فرض وحدة المعين أيضا، فالآية الشريفة دالة على المطلوب.

ثم ان الأصحاب استشكلوا على القاعدة بجريان السيرة على عدم الاعتناء بها في موارد ثبوته، فإن أهل التجارة و الحرف كالخباز و الخياط و غيرهم يبيعون أمتعتهم من الفساق و الفجار مع علمهم بدخل ذلك في معصيتهم و موارد هذا النقض كثيرة، لكن فيه أولا ان الإشكال غير وارد على من يشترط القصد في الإعانة و ثانيا انهم كما يعلمون بتحقق العصيان من المشترين مثلا، يعلمون بصدور الواجبات عنهم أيضا فالمعاملة كما ان لها دخلا في الحرام كذلك لها دخل في الواجب فهي واجدة لجهتين متعارضتين فتكون موردا للتخيير فلا حرمة، و ثالثا ان المعاملات في الاجتماع واجبة كفاية لدخلها في حفظ النظام الواجب فيدور الأمر بين رعاية حال الإثم لئلا يقع في الخارج و لو انجر الى الخلل في النظام الهرج و المرج، و بين حفظ النظام و ان ادى الى وقوع شي‌ء من الإثم، و الثاني متعين، و منه يظهر حال التاجر الذي يلازم تجارته وقوع العشّار في الإثم لأخذه العشر و كذا حال الحاج الذي يؤخذ منه المال ظلما فان تعطيل الحكم المؤكد الإلهي رعاية لحال الظالم ترجيح للمرجوح.

ثم انه لو قلنا بالحرمة مطلقا كما عرفت لزم القول بكون ما دل على جواز بيع العنب ممن يعمل خمرا حتى مع العلم تخصيصا في عموم، الحكم و التفصيل في الفقه.

* عدن المعدن*

المعدن اسم مكان من عدن يعدن بالمكان من باب ضرب و قتل أقام فيه، و له إطلاقان مشهوران أحدهما عند أهل اللغة و الآخر عند الفقهاء.

أما الأول: فهو عبارة عن المعنى الموافق لهيئة الكلمة أي محل الشي‌ء، ففي القاموس:

المعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب و نحوه لإقامة أهله فيه دائما، أو لإنبات اللّه تعالى إياه فيه، و مكان كل شي‌ء فيه أصله انتهى، و في الصحاح: مركز كل شي‌ء معدنه انتهى،


و في النهاية: المعادن التي يستخرج منها جواهر الأرض كالذهب و الفضة و النحاس و غيرها واحدها المعدن، و العدن الإقامة و المعدن مركز كل شي‌ء انتهى، و لا يخفى أن مقتضى التعليل في القاموس بإقامة الناس كون المعدن الأرض التي يسكنها المستخرجون لا محل الجواهر، فهنا معدنان معدن الناس و معدن الجواهر ففي الإطلاق مسامحة.

و أما الثاني: فظاهر الفقهاء أو صريحهم أن المراد بالمعدن الحالّ لا المحل، فإنهم عرّفوه بما استخرج من الأرض، ففي المسالك: المعادن جمع معدن بكسر الدال و هو هنا كلما استخرج من الأرض مما كان منها بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها و منها الملح و الجص انتهى، و في الروضة: المعدن بكسر الدال هو ما استخرج من الأرض مما كانت أصله، ثم اشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع به كالملح و الجص انتهى.

و لعل السر في هذا الاختلاف كما قيل أن الغرض في الفقه لا يتعلق إلاّ بما تعلق به الحكم الشرعي، و هو الحالّ دون المحل، فأطلقوا المعدن و أرادوا الحالّ تسمية له باسم المحل ليوافق غرض البحث، هذا و أما النصوص فقد أطلق المعدن في بعضها على المحل و في بعضها على الحال، و كيف كان يمكن أن يقال أن المعدن في اصطلاح الفقهاء هو الأعيان الموجودة في الأرض، في بطنها أو ظاهرها، الخارجة عن اسم الأرض، لخصوصية حاصلة فيها إفادتها زيادة في الرغبة و القيمة.

ثم انه وقع البحث في الفقه عن المعدن و رتب عليه في الشرع أحكام كثيرة و وقع الكلام فيه في موارد مختلفة في كل عن حكم خاص.

فمنها: البحث عن ملكيته بالأصالة، و أنه من هو مالكه الأصلي في اعتبار الشرع، و مورد البحث عنه بهذا اللحاظ باب الأنفال فذكروا فيه أن المعدن قسم من الأنفال، و الأنفال كلها للّه و رسوله ثم بينوا حكم المعدن و مصاديقه فراجع عنوان الأنفال.

و منها: البحث عن جواز التصرف فيه لعامة الناس و صحة تملكهم له بالحيازة و الأحياء، بحيث ينتقل إلى ملكهم فيتصرفوا فيه تصرف الملاك في أملاكهم، و البحث عن هذا واقع في كتاب احياء الموات، فذكروا انه يجوز لكل أحد التصرف في المعادن التي لم‌


يسبق إليها يد محكومة بالصحة، و يجوز تملكها، ثم تعرضوا لأقسامها و شرائط إحيائها و حيازتها و بيان حريمها و غير ذلك، فراجع عنوان الإحياء.

و منها: البحث عن تعلق حق الإمام به بعد الإحياء و التملك، فإنه لما أباح الشارع حيازته و تملكه أوجب إخراج كسر معين منه إلى الإمام، و هذا الحكم يكون بالطبع متأخرا عن الحكمين السابقين، فإنه لما استفيد من الأدلة تحليل الأنفال تحقق بالاحياء موضوع الغنيمة و شمله أدلة الخمس، و البحث عن هذا واقع في باب الخمس.

ثم أن الأصحاب قد قسموا المعادن إلى ظاهرة و باطنة، و الأولى ما لا يحتاج الوصول إلى جوهرها إلى السعي و المؤنة و لا تفتقر إلى الإظهار، لكونها ظاهرة بنفسه كالملح و الكبريت و الموميا و الأحجار الكريمة و نحوها، فلا يجري فيها الإحياء و التحجير، و الثانية هي التي يحتاج الوصول إلى جوهرها إلى العمل و صرف المؤنة، فالشارع للوصول إلى جوهرها محجّر، و الواصل إليه محيي، فراجع باب الإحياء. و لا يخفى عليك ان عد الأقسام المذكورة من المعادن الظاهرة لعله كان بالنسبة إلى أعصارهم، و إلاّ فقد يكون الجميع من الباطنة فالميزان في تشخيص أحد الصنفين و ترتيب حكمه صدق تعريفه، و قد عد الأصحاب من المعادن الأمور التالية:

الذهب، الفضة، الرصاص، الصفر، الحديد، الياقوت، الزبرجد، الفيروزج، العقيق، الزيبق، الكبريت، النفط، القير، السبخ، الزاج، الزرنيخ، الكحل، الملح، الجص، النورة، طين الغسل، حجر الرحا، حجر المرمر، الفحم الحجري، و غيرها.

* غرس المغارسة*

الغرس في اللغة إثبات الشجر في الأرض، و غرست الشجر أغرسه غرسا من باب ضرب أثبته، و الغراس وقت الغرس كالحصاد و القطاف، و هذا القسم من مشتقات الكلمة غير مذكور في أغلب كتب اللغة، و قد جرى في الفقه في كتاب المساقاة ذكر المغارسة، و أرادوا بها الشركة في الغرس بكيفية خاصة، و فسروها بأنها عبارة عن دفع‌


الإنسان أرضا إلى غيره ليغرس فيها الشجر، و الظاهر أن المعمول بين المغارسين العوام جعل الأرض في اختيار الغارس بانين على بقاء المغروس بيده و كون غرسه و تربيته على عهدته و حصول الشركة بينهما بذلك في الغرس و الأرض و الأصحاب قد حكموا ببطلانها فإن الأصل عدم انتقال كل من الغرس و الأرض من مالكه إلى الآخر، و استحقاق كل من صاحب الأرض و العمل الأجرة على الآخر.

بل عن بعض دعوى الإجماع على البطلان مع أن المسألة لم تكن مذكورة بين أكثر القدماء، و يمكن الحكم بصحة المغارسة بجعلها عقدا مستقلا و قسما من أقسام الشركة، فيتعاقدان على أن يكون الأرض من أحدهما و الأشجار من الآخر و العمل من أحدهما أو منهما، و يكونا شريكين في الجميع، بالتساوي أو بالتفاضل بعد الغرس أو بعد الأخذ في النمو، على ما توافقا عليه فيشمله عموم وجوب الوفاء بالعقد و الشرط، و لعله لذلك استشكل المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية في البطلان و يمكن الحكم بصحتها على النحو المذكور بعنوان المصالحة.

و يمكن إدخالها تحت عنوان الإجارة فيؤجر المالك نصف الأرض المشاع لمالك الغرس إلى مدة و يتملك نصف الغرس المشاع منه اجرة و يشترط عليه غرس نصيبه ايضا فيها و تربيته الى تلك المدة. و يمكن أن تجعل الأرض نصفها من مالك الأصول بنصف الغرس و يشترط عليه غرس نصيبه من الأصول أيضا، لكن ما عدا الأول خارج عما هو المتداول بين الناس في بعض البلدان غير مقصود لهم، و الصالح للانطباق عليه هو الأول.

* فطر المفطر*

فطر الشي‌ء فطر في اللغة شقه و فطر الأمر اخترعه و أنشأه و فطر الصائم فطرا و فطورا أكل أو شرب و أفطر الصائم أكل أو شرب و أفطر حان له ان يفطر، و فطّر الصائم جعله يفطر، و الفطرة كيفية الموجودة في بدو خلقته و صفة الإنسان الطبيعية، و الفطرة السنة و في المجمع: فاطر السماوات أي خالقها و مبتدعها و مخترعها من فطره يفطره بالضم أي خلقه‌


و انفطرت السماء انشقت و الفطور الصدوع و الشقوق انتهى.

ثم انه قد كثر إطلاق عنوان المفطر في اصطلاح الفقهاء على عدة أفعال خاصة أخذ تركها قيد لطبيعة الصوم و جعل فعلها محرما تكليفا في الواجب منه، مانعا وضعا عن انعقاده مطلقا، فتلك الأفعال في الصيام الواجبة موضوع لترتب آثار خمسة الحرمة و السببية للبطلان و وجوب القضاء و استحقاق مرتكبها الحد و اشتغال ذمته بالكفارة، و في الصيام المندوبة موضوع للكراهية و المبطلية فإذا أكل الصائم في نهار رمضان عمدا عصى و أبطل و قضى و كفر و حدّ أو عزر.

و ذكروا ان تلك الأفعال عشرة:

الأول و الثاني: الأكل و الشرب مهما كان المأكول و المشروب فان الآثار مترتبة على عنوان الأكل و الشرب دون متعلقهما و لذلك لا فرق بين القليل و الكثير، فلا يضر مجرد وصول الشي‌ء إلى الجوف كما إذا صب دواء في جرحه فوصل الى معدته، و يشكل الأمر في تلقيح الأغذية أو الأدوية في العضلة و العروق مع الوصول الى الجوف فالأحوط الترك.

الثالث: الجماع المحقق بإدخال الحشفة أو مقدارها من الكبير و الصغير و الحي و الميت في القبل و الدبر مع الانزال و بدونه و به يصدق الجماع أيضا في الموطوء ذكرا كان أو أنثى. و لا يبطل ما وقع بالإجبار و يبطل ما كان بالإكراه.

الرابع: الاستمناء و هو إنزال المني متعمدا بغير الجماع بأي وسيلة كان بملامسة أو قبلة أو تفخيذ أو نظر أو تكلم أو تصور جماع أو ما أشبه ذلك إذا قصد الانزال بذلك و لو لم يكن قاصدا له فسبقه المني من دون ارتكاب ما يقتضيه فلا شي‌ء عليه.

الخامس: تعمد الكذب على اللّه تعالى أو على رسوله صلّى اللّه عليه و آله أو على أحد الأئمة عليهم السّلام سواء كان في أمور الدنيا أو الدين و كان في الأحكام أو الموضوعات و لا يبطل ما كان عليه نحو الحكاية عن الغير.

السادس: إيصال الغبار الغليظ أو الدخان الغليظ الى الحلق مختارا، كان من الحلال كالدقيق أو الحرام كالتراب، و لا بأس بما يدخل فيه غفلة أو نسيانا أو قهرا.


السابع: رمس تمام الرأس أعني ما فوق الرقبة في الماء سواء أ كان مع البدن أو بدونه.

الثامن: البقاء على الجنابة عمدا الى الفجر الصادق في صوم رمضان أو قضائه و لا يبطل البقاء من غير عمد و لا البقاء في الصيام الواجبة غيرهما و لا في المندوبة.

التاسع: الحقنة بالمائع و لو مع الاضطرار إليها لمرض و نحوه فيحتقن و يقضي صومه و لا بأس بالجامد.

العاشر: تعمد القي‌ء و ان كان للضرورة فيقي‌ء و يقضي صومه و لا بأس بما كان سهوا أو من غير اختيار.

تنبيه: ذكر الأصحاب ان الأمور المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة توجب البطلان إذا وقعت عن عمد أي مع العلم بكونه صائما فلو ارتكب مع الغفلة عن الصوم أو نسيانه لا يبطل و السرّ في ذلك أن حقيقة الصوم هي العزم الفعلي أو الارتكازي على تلك التروك في جميع انات اليوم فالعزم على ارتكاب بعضها و لو في بعض الآنات يخالف العزم المذكور فلا صوم حينئذ و على هذا فارتكابها العمدي يكشف عن بطلانه بمجرد العزم قبل تحقق العمل في الخارج فالمبطل في الحقيقة هو العزم و المفطرات كاشفات.

* فوض المفوّضة*

فوّض إليه الأمر تفويضا في اللغة صيره إليه و جعله بيده، و الكلمة معتلة العين واوية و ليس لها مجرد، و في المجمع: و المفوّضة قوم قالوا ان اللّه خلق محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و فوض إليه خلق الدنيا فهو الخلاّق لما فيها، و قيل فوض ذلك إلى علي عليه السّلام و ممن قال بالتفويض المعتزلة بمعنى أن اللّه تعالى فوض أفعال العباد إليهم انتهى.

و كيف كان فقد وقع البحث في الفقه عن التفويض و المفوضة، و الظاهر ان موضوع البحث هو القول بالتفويض في الأفعال الصادرة من العبد بإرادته و اختياره، في مقابل الجبر الذي هو القول بصدور الأفعال من اللّه تعالى على نحو يكون نسبتها إلى العبد كنسبة الحركة إلى الصورة في الثوب الذي تحركه الرياح، و القائل بالتفويض يعتقد بصدورها عن


العبد بحيث لا دخل للرب تعالى فيها، و سلب اختيار المبدئ عنها، و هذا غير القول بالتفويض بمعنى كون خلق العالم مفوضا بمحمد صلّى اللّه عليه و آله أو علي عليه السّلام فإنه لا إشكال في كونه كفرا مخالفا لضرورة المذهب و الدين.

و بالجملة قد اختلف أقوال الأصحاب في ذلك فحكم عدة منهم بكونه كفرا، مستلزما لترتب أحكام الكافر على المعتقد به، من نجاسة البدن و غيرها لأن ذلك إشراك باللّه إذ يصدق حينئذ ان هنا موجودا قادرا على بعض الحوادث في مقابل الرب تعالى، و قال آخرون بعدم الكفر لعدم التزام القائل بالتفويض بذلك لجهله بالملازمة، كما ذكرنا تحت عنوان المجبرة، و من هنا يعلم أن قوله لا جبر و لا تفويض معناه سلب الإجبار عن أفعال العبد و إثبات الاختيار له مع عدم سلب القدرة عن اللّه تعالى، و يكون معنى الأمر بين الأمرين أن العبد مختار باختيار تام في أفعاله مع بقاء قدرة الله ايضا لكون جميع المقدمات محفوفة بإرادته و لو أراد سلب القدرة عن العبد سلبها، فللفعل إسنادين إسناد إلى اللّه تعالى و هو إسناد الإفاضة و الإقدار، دون إسناد الفعل إلى فاعله و إسناد إلى الفاعل إسناد العمل إلى عامله.

* قوم المقام*

المقام في اللغة موضع قدم القائم، و قد كثر استعماله في الكتاب و السنة بحيث قد صار مصطلحا شرعيا و فقهيا و لو في باب الحج، في حجر خاص واقع في الجنب الشرقي من الكعبة المكرمة، و هو حجر مربع مستطيل، محدود من ناحية الارتفاع بما يقرب من ذراع، و من طرف طوله و عرضه بما يقرب من نصف ذراع، له قداسة و كرامة، منزل من السماء مع الحجر الأسود، و كانا في بدو نزولهما جوهرين أبيضين منورين، تغير لونهما بعد مدة للمس أيدي العصاة من البشر، و هو الحجر الذي وقف عليه إبراهيم الخليل عليه السّلام لبناء البيت و للأذان بالحج فأثّر قدماه في وجهه الأعلى بمقدار سبع أصابع منضمات، و لا يخفى عليك أن مقتضى كونه وسيلة للبناء كبعض وسائل البناء في عصرنا، حصول الارتفاع‌


و الاستطالة له كلّما ارتفعت جدران البيت بحيث يقدر الخليل من وضع الطين و الأحجار على أعلى الجدران، و كذا حصول الارتفاع له أكثر من ذلك إذا أراد الأذان، و قد ورد أنه لما أمر إبراهيم بالنداء وقف على المقام فتطاول المقام حتى كان كأطول جبل على ظهر الأرض فنادى هلموا.

و كيف كان فقد ذكر الأصحاب ان من أحكامه انه يجب أن يكون الطواف فيما بينه و بين الكعبة بحيث يقع خارجا عن المطاف، فلو ادخله فيه فطاف خارجه بطل الطواف.

و منها: انه يجب أن يصلي ركعتا الطواف خارجه، فلو أدخله في الصلاة بأن صلى بينه و بين الكعبة بطلت صلاته، فالطواف و صلاته متقابلان من حيث شرطية المحل، فيشترط في الأول كونه أقرب إلى الكعبة من المقام، و في الثاني كونه أبعد من الكعبة و يقع خلفه.

ثم ان في جعل المقام ملاكا بالنسبة لحكم الطواف مسامحة، فإن المطاف له حد معين في الشريعة من حيث قربه إلى الكعبة و بعده، فإنه يجب أن يقع الطواف في مقدار ستة و عشرين ذراعا و نصف، من أساس البيت الشريف في جميع الأطراف و لذلك يتضيق في ناحية الحجر، و يبقى مقدار ستة أذرع و نصف تقريبا، و على هذا فلو وضع المقام في مقدار المسافة كما هو الآن كذلك أو أبعد من ذلك وقع الطواف قهرا داخل المقام و لو وضع قرب الكعبة أو ألصق بها وجب كون الطواف خارجه كصلاته.

ثم أن في موضع المقام الواقعي خلافا فإنه يستفاد من بعض النصوص كون موضعه في زمان إبراهيم الخليل عليه السّلام المكان الذي هو فيه اليوم، ثم ألصقه أهل الجاهلية بالبيت خوفا من السيول و استمر ذلك إلى عهده النبي صلّى اللّه عليه و آله و الخليفة الأول ثم رده الخليفة الثاني إلى مكانه الآن، و يستفاد من صحيح زرارة أن موضع المقام الذي وضعه إبراهيم الخليل عليه السّلام فيه، عند جدار الكعبة ثم حوله أهل الجاهلية إلى محله الآن لكونه مانعا من الطائفين لمكان الركعتين عنده، ثم حوله النبي عليه السّلام إلى موضعه الأولى، ثم حوله الخليفة الثاني إلى مكانه الذي هو فيه اليوم.

و كلا الوجهين غير خال عن الخدشة إلاّ أنه لا يخل بالحكم المتعلق به في الشريعة و هو


لزوم كون الصلاة خلفه أينما كان من المسجد مع أن الأئمة عليهم السّلام قد امضوا الوضع الفعلي مضافا إلى وقوع الصلاة خلفه على أي تقدير.

تنبيه: قد وقع التصريح في الآية الشريفة بأن المقام من مصاديق الآيات البينات، و ذلك لأنه مع كونه حجرا صلدا قد أثر فيه قدما إبراهيم و لا يقدر أحد أن يجعل الحجر كالطين إلاّ اللّه تعالى، و لعل من ذلك أيضا ما ذكرنا من ارتفاعه بارتفاع جدران الكعبة عند بنائها و بأزيد من جبال الدنيا عند الأذان عليه.

* مكن كون المكان*

المكان في اللغة موضع كون الشي‌ء و حصوله، يذكر و يؤنث و جمعه أمكنة، و هو عند العرف المحل الذي يستقر عليه الشي‌ء كموضع قيام الإنسان، و يراد به عند الفقهاء ما يعم ذلك و الفضاء الذي يشغله جسم الإنسان و يتصرف فيه بأفعاله و هذا في الجملة موافق لمعناه الكلامي و هو الفراغ المتوهم.

و كيف كان فالبحث عن المكان قد وقع في الفقه في مقام شرطيته للصلاة من جهات كثيرة لعلها تبلغ تسعا و ذكرناها تحت عنوان الصلاة و في شرائطها، و ذكروا هناك أن من شروط الصلاة إباحة مكانها فلو كان مغصوبا عينا أو منفعة أو حقا بطلت.

تنبيه: عمدة دليل المشهور القائلين بالبطلان أن الحركات الصلاتية و أكوانها بأسرها تصرف في ملك الغير، و هو محرم مبغوض مبعد عن اللّه تعالى، فيستحيل أن يصير عبادة مقربة منه تعالى، لكنه قد يخدش في ذلك بأن الصلاة تتركب عن التكبير و القراءة و الذكر و عن القيام و الركوع و السجود و الثلاثة الأول ألفاظ و البواقي هيئات خاصة، و لا يتحد شي‌ء منها مع التصرف المحرم، اللهم إلاّ أن يقال أن السجدة وضع المساجد على الأرض و هو فعل يتحد مع التصرف. فتأمل.


* مكك بكك كرم برك مكّة و بكّة-المكرمة المباركة*

الملك في اللغة النقص و الهلاك، و سمي البلد الحرام مكة لأنها تنقص ذنوب من دخلها و تزيلها، أو أنها تمك من قصدها بالظلم، أي تهلكه كأصحاب الفيل، و تسمى بكة أيضا و البك الازدحام لأن الناس يزدحمون فيها و قيل بكة موضع البيت و مكة سائر البلد، و يستفاد من النصوص و كتب اللغة ان لهذا البلد الشريف، الأسماء الكثيرة التالية:

الصلاح، و العرش، على وزن بدر البيت الذي يستظل فيه، و القادس أي الطاهر، و المقدسة، و النساسة، و إلباسه أي الحاطمة بحرها، و البيت العتيق، و أم رحم أي الرحمة، و أم القرى، و الحاطمة، و الرأس، و كوئى أي كثير الخير و الخصب.

ثم انه قد رتب على مكة شرفها اللّه تعالى أحكام في الشريعة. منها تخيير المسافر فيها في صلواته الرباعية بين القصر و الإتمام، و قد ذكر الأصحاب هذا التخيير للمسافر في أربعة أماكن، بلد مكة المكرمة، و المدينة الطيبة، و مسجد الكوفة، و الحائر الحسيني عليه السّلام، بل ذكروا ان الإتمام فيها هو الأفضل إلاّ أن القصر هو الأحوط، و ربما قيل باختصاص التخيير بخصوص المسجدين دون البلدين، و الحكم المذكور مختص بالصلاة فلا تخيير للمسافر في صومه الواجب أو المندوب بل عليه الإفطار، و التخيير المزبور استمراري فله في كل من صلواته القصر و الإتمام، بل يجوز له إذا قصد في أول صلاته الإتمام أن يعدل إلى القصر في الأثناء، كما أن له أن لا ينوي من أول الأمر أحد العنوانين فيختار بعد التشهد الأول.

تنبيه: في نصوص الباب ان من مخزون علم اللّه تعالى الإتمام في أربعة مواطن: حرم اللّه و حرم رسوله صلّى اللّه عليه و آله و حرم أمير المؤمنين عليه السّلام و حرم الحسين عليه السّلام، و ان الإتمام في الحرمين من الأمر المذخور.

و منها: كون البلد الحرام أي مكة ميقاتا لمن حج تمتعا، فإنه إذا أحل الناسك من إحرام العمرة المتمتع بها، ليس له أن يخرج من مكة إلاّ أن يحرم منها للحج فهي ميقات لهم، و هي ميقات أيضا لأهل مكة في فريضتهم من افراد أو قران.

و منها: ان المحرم بإحرام العمرة من المواقيت، يقطع التلبية إذا شاهد بيوت مكة المكرمة.


و منها: ان الافاقي إذا صار مقيما في مكة و لم يكن مستطيعا من قبل انقلب فرضه إلى فرض المكي بعد الدخول في السنة الثالثة بشرط كون الإقامة بقصد المجاورة و أما لو كان بقصد التوطن فيها فينقلب بعد قصده من الأول.

* ملك الملك و الملكية*

الملك بتثليث الميم و الملكة بالفتح و الضم، و الملكية بالكسر، و المملكة، في اللغة مصادر من ملك يملك من باب ضرب بمعنى الاحتواء على الشي‌ء و التسلط و الاستيلاء عليه يقال ملك الشي‌ء استولى عليه و تسلط.

و قد كثر استعمال الملك بالكسر في العرف العام في المملوك من الأشياء و الأموال، و الفاعل مالك، و الملك بالضم في نفس الاستيلاء و صاحبه ملك و مالك.

و الملك و نظيره الملكية في مصطلح الفقهاء أمر اعتباري قابل للإنشاء باللفظ و غيره، و مقتضى التأمل في كلماتهم لحاظ الاعتبار على وجوه:

الأول: اعتبار التسلط و الاستيلاء تنزيلا له منزلة القدرة التكوينية على الشي‌ء و التصرف فيه، تقول ملكت الفرس و ملّكتك الفرس و جواز التصرف الخارجي من شؤون هذا الأمر الاعتباري.

الثاني: اعتبار النسبة و الارتباط بين المالك و المملوك و جعل الملك من مقولة الإضافة المتكررة كالأبوة و الزوجية. في وعاء الاعتبار في مقابل الإضافة المتأصلة الثالث: اعتبار الاحتواء الجدة و الإحاطة على الشي‌ء بجعله شبه مقولة المتأصلة التي هي إحاطة جسم بجسم، بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط، بدعوى كون المالك هنا كأنه محيط بماله ينتقل بانتقاله.

و الظاهر ان الاعتبار أمر واسع الأكناف لا مشاحة في فرضه، و الذي يظهر منهم في أبواب الفقه استعمال الملك و الملكية بأحد الاعتبارين الأولين بل ظاهر استعمال الملك بالضم في الكتاب الكريم هو الاعتبار الأول.


و كيف كان فمن مصاديق المعنى الأول الفقهية التي وقع عنها البحث في الفقه و رتبوا عليها الأحكام، ملك الوالي على الرعية، و الحاكم على من يريد إجراء الحد عليه، و على الممتنع من تأدية حقوق الغير، و القاضي على من يريد استيفاء الحقوق عنه، و أولياء الصغار و المجانين و القاصرين، و أولياء الدم إذا أرادوا استيفاء القصاص نفسا و طرفا، و ولي المسلمين بالنسبة للأموال العامة، كالأرض المفتوحة عنوة و الأخماس و ما أشبه ذلك، و الدائن و صاحب الحق على من عليه الدين و من عليه الحق، فإن ظاهر الأصحاب أن لهم الملك في هذه الموارد بمعنى التسلط و الاستيلاء على اختلاف متعلقاته.

و من موارد الإضافة حكمهم بملك القصّر و الغيّب حتى الجنين و الرضيع، للأموال الحاصلة لهم من الإرث مثلا، و ملك غير المميز و المجنون و المحجور و المفلس و العبد و المريض فيما زاد على الثلث، للأموال المنسوبة إليهم، بل و ملك الحيوان و الجهات للأموال، كالمسجد، و المدرسة، و الأمكنة المتبركة، لما وقف عليها، و كذا ملك الجهات للأموال التي وقفت عليها أو أوصيت أو نذرت لها، فان ظاهرهم تحقق الملكية في هذه الموارد و لم يريدوا بها إلاّ الإضافة الخاصة الاعتبارية.

لكن الملك بهذا المعنى يستلزم الملك بالمعنى الأول لصاحبه فان السلطة و التمكن من التصرف من لوازم الإضافة و من شؤونها إلاّ ان السلطة المسببة عنها قد تلاحظ بالنسبة لنفس طرف الإضافة أي المالك فيما إذا كان واجدا لشرائطها، و قد تعتبر بالنسبة للأولياء إذا كان قاصرا كما في أموال اليتامى و المجانين، بل و الأموال العامة أيضا.

ثم انه يظهر من الأصحاب في أبواب الفقه المختلفة جعلهم الملكية على أقسام و قسمتهم ذلك بتقسيمات:

منها: تقسيمها إلى ملكية فعلية و شأنية، و الثاني في موارد تحقق المقتضى مع عدم الشرط أو وجود المانع، كأموال المريض المحتضر بالنسبة لورثته، و حصة الحمل من الأموال قبل الولادة، و ملك العامل للجعل في باب الجعالة قبل العمل، و الزوجة لتمام المهر قبل الدخول، و غير ذلك من الموارد.


و منها: تقسيمها إلى اختيارية و قهرية، و الثاني كملك الوارث تركة الميت بعد موته، و ملك الموصى له إذا اطلع على الوصية بعد موت الموصى على اختلاف فيه، و ملك المجني عليه خطأ دية الجنايات الواردة عليه، و ملك البطون اللاحقة الوقف الخاص بعد قبض البطن الأول. و يمكن أن يعد من هذا القبيل ملك الإنسان فوائد أملاكه و منافعها المنفصلة و غيرها، و هذا يتصور في الأملاك العامة أيضا كملك الفقير منافع الأعيان الموقوفة و الموصى له، و ملك الإمام خمس الأرباح الحاصلة للناس، و كذا ملك قبيله أيضا لو قلنا بملكهم.

و منها: تقسيمها إلى دائمة و موقتة و الثاني ملك البطون المتسلسة للأعيان الموقوفة أيام حياتهم و ملكهم وقف المنقطع الآخر و غيرها.

و منها: تقسيمها إلى مستقرة و متزلزلة و الثاني كملك كل من البائع و المشتري المبيع و الثمن أيام الخيار و ملك الزوجة تمام المهر قبل الدخول.

* مني المَنِيّ*

-بالفتح فالكسر أمنى الماء أمناء في اللغة أراقه و أمنى الحاج أتى منى، و في المجمع: أفرأيتم ما تمنون أي تدفقون في الأرحام من المني، و هو الماء الغليظ الذي يكون منه الولد، و في المفردات المني التقدير يقال منى لك الماني أي قدّر لك المقدّر و منه المني للذي قدر به الحيوانات، قال تعالى‌ (أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى‌ََ) من نطفة إذا تمنى أي تقدر بالعزة الإلهية ما لم يكن منه انتهى، فالمني أما بمعنى المهراق أو بمعنى المقدر، و نقل عن المصباح للفيومي تفسير المني بماء الرجل، و عن القاموس تفسيره بماء الرجل و المرأة، فتوهم منها اختصاصه بمائة أو بمائها، و هو فاسد فإنه في اللغة أعم هذا بحسب اللغة.

و أما الاصطلاح فالظاهر انه لم يثبت له حقيقة شرعية و لا متشرعية، لكنه بمعنى ماء الرجل أو المرأة وقع في الفقه مورد البحث في عدة أبواب:

منها: في باب النجاسات فقد عدّوه من الأعيان النجسة و رتبوا عليه أحكامها، إلاّ


أنهم اختلفوا في أن الموضوع لها مني الإنسان أو كل حيوان له دم سائل، حراما كان أو حلالا بريا أو بحريا، و ظاهر المشهور الأخير، بل حكى عليه الإجماع كثير من القدماء و المتأخرين، و اما المني مما لا دم له سائل فظاهرهم خروجه عن مورد البحث في باب النجاسات و انصراف النصوص عنه فهو محكوم بالطهارة.

و منها: في باب المكاسب المحرمة فاختلفوا في جواز التكسب به بالبيع و نحوه، فعن بعض عدم ذلك لعدم ماليته، لأنه نجس، أو لنجاسته و النجس لا يكتسب به، أو لجهالته و بيع المجهول غرري، أو لعدم القدرة على تسليمه، و المحققون على جوازه لوجود المالية له قطعا و النجاسة لا تمنع عن التكسب، مع انه ليس بنجس ما لم يخرج إلى الخارج، و الجهالة قادحة فيما يعتبر بكيل و وزن و نحوهما، و القدرة على التسليم حاصلة بإمكان الإنزاء.

و منها: في باب الديات فذكروا هناك أن النطفة التي هي المني، إذا انصبت في الرحم و انعقدت و وقعت في مسير الحياة الإنسانية، تكون ديتها ما دامت نطفة عشرين دينارا ثم ذكروا دية المراتب التالية كان ذلك عن حلال أو حرام و أفتوا فيها بما ورد في الصحيح عن علي عليه السّلام قال: جعل دية الجنين مائة دينار و جعل منيّ الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة أجزاء فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة دينار، و ذلك ان اللّه تعالى خلق الإنسان من سلالة و هي النطفة فهذا جزء، ثم علقة فهو جزآن، ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء، ثم عظما فهو أربعة أجزاء، ثم يكسى لحما فحينئذ تم جنينا فكملت له خمسة أجزاء مائة دينار، و المائة دينار خمسة أجزاء للنطفة خمس المائة عشرين دينارا، و للعلقة خمسي المائة أربعين دينارا، و للمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين دينارا، و للعظم أربعة أخماس الدية ثمانين دينارا، فإذا كسي اللحم كانت له مائة دينار كاملة، فإذا أنشأ فيه خلقا آخر و هو الروح فهو حينئذ نفس، ألف دينار دية كاملة ان كان ذكرا و ان كان أنثى فخمسمائة دينار (الوسائل أبواب ديات الأعضاء، ب 19، ح 1) .

ثم انهم ذكروا انه يترتب على النطفة ما دامت كذلك حكم واحد و هو وجوب الدية لصاحبها، و على المراتب بعدها حكمان الدية و انقضاء عدة المرأة التي ألقتها لو كانت معتدة و كان عن وطء محلل.


* ولي الموالاة*

مفهوم الكلمة في اللغة و العرف واضح، الا انّها وقعت بحقيقتها اللغوية مضافة الى بعض أمور خاصّة عنوانا اصطلاحيا في الفقه و موضوعا للبحث في موارد و متعلقا لاحكام شرعية من تكليف أو وضع.

فمنها موالاة الوضوء و التيمم، اى التتابع في أفعالهما، فذكروا أن الموالاة في الوضوء، عبارة عن أحد أمرين أولهما التتابع العرفي في أفعاله و ان جف العضو السابق عند الاشتغال باللاحق أو جميع الأعضاء السابقة عليه، و ثانيهما عدم جفاف العضو السابق على الذي يشرع فيه أو عدم جفاف جميعها و ان لم يحصل التتابع في الأفعال، و على هذا فانتفاء الموالاة يحصل بفوات التتابع و حصول جفاف الأعضاء السابقة على الذي يشرع فيه لقوله: اتبع وضوءك بعضه ببعض.

* ولي صلو موالاة الصلاة*

و منها الموالاة في الصلاة، و هي تلاحظ تارة في القراءة و الذكر بين حروف الكلمات بعضها مع بعض، و أخرى بين كلمات الآيات، و ثالثة بين آيات السور، و رابعة بين أفعال الصلاة بعضها مع بعض، و الظاهر من كلماتهم انه لا إشكال في وجوب جميع ذلك بل في الجواهر لا أجد خلافا في ذلك بين أساطين المتأخرين.

* ولي صوم موالاة الصيام*

و منها الموالاة في صوم ثلاثة أيام من العشرة بدل هدي التمتع، فذكروا انه إذا لم يتمكن المتمتع بالحج عن الهدي، وجب عليه أن يصوم بدله عشرة أيام، ثلاثة في الحج أي حال هذا السفر، و سبعة إذا رجع إلى أهله، و تجب الموالاة في الثلاثة، و ان يأتي بها بعد الإحرام بعمرة التمتع و قبل تمام ذي الحجة، لقوله تعالى‌ ثَلاََثَةِ أَيََّامٍ فِي اَلْحَجِّ ، و ان يصوم مع الإمكان ما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، و لو لم يقدر عليه صام يوم التروية و يوم عرفة


و آخر اليوم الثالث إلى ما بعد النفر، و لو فاته يوم التروية لزمه تأخير الثلاثة إلى العود إلى مكة ليصومها متتابعة و لو خالف ذلك بطلت و وجب الاستيناف كذلك.

* ولي صوم كفر موالاة صيام الكفارة*

و منها الموالاة في صيام الكفارات، و هي عقوبة خاصة عبادية مجعولة من قبل الشارع و مؤاخذة تطهيرية دنيوية على الذنوب الصادرة من المكلف غالبا، و لها أقسام و صنوف، و ليس فيها في غير كفارات الإحرام كفارة لم يكن فيها صوم، فهو من أركان الكفارات واجب فيها أياما أو شهورا تعيينا أو تخييرا متقدما في الترتيب أو متأخرا، فإن الصيام واجب ثلاثة أيام في ثمانية أقسام من الكفارات، و تسعة أيام في قسمين، و ثمانية عشر يوما في قسمين، و شهرين في تسعة أقسام، و الظاهر من كلماتهم أن الموالاة و التتابع واجبة في جميع أقسامه، بلا خلاف في أكثرها كالشهرين المتصفين في الكتاب و السنة بالتتابع، و مع اختلاف في بعضها كصيام ثمانية عشر بدل الشهرين، و بعض موارد الثلاثة كالثلاثة في قضاء شهر رمضان، و تفصيل الكلام تحت عنوان الكفارة، و ذكرنا منه هنا شيئا بتناسب حكم الموالاة. و يكفي في حصول التتابع في الشهرين صوم الشهر الأول و يوم من الشهر الثاني.

* ولي عقد موالاة العقود*

و منها الموالاة في العقود، أي بين إيجابها و قبولها، فذكرها عدة من الأصحاب من شروط العقد و انه يبطل العقد بتركها فيه فجعلوها شرطا في العقود كاشتراطها فيما بين الاستثناء و المستثنى منه، و فيما بين كلمات القراءة و الذكر و التشهد، و في تعريف الضالة سنة و نحو ذلك، و ذكروا في تقريب شرطيتها ان كل أمر متدرج الوجود له صورة اتصالية في العرف أو الشرع، فإذا ترتب حكم على عنوانه فلا بد من حفظ صورته الاتصالية، فالعقد المركب من إيجاب و قبول و إن كان كل من طرفيه قائما بأحد المتعاقدين، إلاّ أنه بمنزلة كلام


واحد مرتبط بعضها ببعض فالارتباط المزبور و هو الموالاة شرط في تحقق الموضوع المترتب عليه الأثر، و انضباط ذلك بالعرف و هي في كل شي‌ء بحسبه، كالموالاة في حروف الكلمة و كلمات الآية مثلا، و قد ذكرنا شيئا من ذلك في موالاة الصلاة.

* ولي حيض موالاة الحيض*

و منها ما ذكروه في دم الحيض في الأيام الثلاثة، فإن المشهور على اشتراط التوالي فيها، فلو رأت الثلاثة في ضمن ستة أيام أو عشرة لا يكون حيضا، فاللازم اتصال الأيام الثلاثة و عدم الفصل بينها بيوم فضلا عن الأيام، بل قد ذكروا اعتبار استمرار الدم و تواليه في الأيام الثلاثة نفسها، و وجوده و لو في فضاء الفرج، و كيف كان فالليالي المتوسطة داخلة في الأيام، فيعتبر استمرار الدم فيها بخلاف ليلة اليوم الأول و ليلة اليوم الرابع فلو رأت الدم في أول نهار اليوم الأول إلى آخر نهار اليوم الثالث كفى نعم لو رأت في ظهر اليوم الأول دخلت الليالي الثلاث كما في نظائر المقام.

* موت الموت و الميّت*

مفهوم الموت في اللغة و العرف واضح، و هو خروج الروح عن جسد الحي، و قد كثر استعماله في الحيوان دون مطلق النابت، و قد يطلق على الموت الطبيعي الموت الأبيض، و على القتل الموت الأحمر، و على الموت خنقا الموت الأسود، و قد يقسم الموت إلى أنواع:

زوال القوة النامية عن الإنسان و الحيوان و النبات، و زوال القوة العاقلة عن الإنسان و هو الجهل، و زوال الإحساس عنه في الجملة و هو النوم فإنه موت خفيف و الموت نوم ثقيل كقوله تعالى‌ (وَ هُوَ اَلَّذِي يَتَوَفََّاكُمْ بِاللَّيْلِ) ، و يطلق الموت أيضا على مقتضياته و أسبابه كقوله تعالى‌ (وَ يَأْتِيهِ اَلْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكََانٍ وَ مََا هُوَ بِمَيِّتٍ) .

و كيف كان فالكلام هنا في حكم موت الإنسان و ميته، و أما موت الحيوان غير الإنسان فهو مذكور تحت عنوان الميتة و المذكى، فنقول قد ذكروا في المقام أمورا:

الأول: في حكم الإنسان بالإضافة إلى موت نفسه بمعنى ما يجب عليه إذا أحسّ من‌


نفسه قرب الموت و ظهرت له أماراته من مرض أو جهة أخرى، فيتأكد حينئذ في حقه التوبة، و يجب عليه أداء حقوق الناس الواجبة، ورد الودائع التي عنده أو الوصية بالرد مع عدم إمكانه، و الوصية بواجباته التي لا تقبل النيابة حال الحياة، كصلواته و صيامه و حجه إذا كان له مال، و إعلام الولي بما عليه من الصلاة و الصيام الفائتة منه لعذر، و نصبه القيم لأطفاله إذا عد تركه تضييعا لهم.

الثاني: في وظيفة غيره بالنسبة إليه حال مرضه فيستحب لهم عيادته استحبابا مؤكدا إلى غير ذلك.

الثالث: في حكم غيره بالإضافة إلى حال موته فأوجب بعض توجيهه إلى القبلة على نحو لو جلس كان مستقبلا، و لا فرق فيه بين الرجل و المرأة و الكبير و الصغير إذا كان مسلما.

الرابع: فيما يجب على غيره بالنسبة لما بعد موته و هو أمور خمسة، تغسيله، و تخيطه، و تكفينه، و الصلاة عليه، و دفنه، و يسمى الجميع تجهيز الميت و هو واجب كفاية على كل مكلف اطلع على موته و تمكن من الإتيان به.

أما التغسيل: فقد ذكروا انه يجب تغسيل كل ميت مسلم من أي فرق المسلمين كان بطريق مذهب الإمامية، و لا يجوز تغسيل الكافر و لا سائر تجهيزاته، من غير فرق بين فرق الكفار، حتى المرتد و المحكوم بكفره من منتحلي الإسلام، و لا فرق في وجوب التغسيل بين الصغير و الكبير حتى السقط إذا تم له أربعة أشهر كما يجب تكفينه و دفنه، و إذا كان له أقل من ذلك يلف في خرقة و يدفن. و قد ذكرنا هذا الغسل و كميته تحت عنوان غسل الميت.

* موت حنط الميت-تحنيطه*

الحنوط بالفتح لغة الطيب الذي يستعمل في الميت لحفظه عن البلى، و الحنوط بالضم مصدر بمعنى اقتراب حصاد الزرع، و في المنجد: الحنوط بالفتح كل طيب يمنع الفساد و تحشى به جسد الميت بعد تجويفه فتحفظ من البلى طويلا، و في المجمع: الحنوط كرسول‌


و الحناط ككتاب طيب يوضع للميت خاصة، و في النهاية: الحنوط و الحناط واحد و هو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى و أجسامهم خاصة انتهى.

و قد كثر استعمال الحنوط بالفتح في النصوص و الفتاوى في الكافور خاصة، و ذكروه في أحكام الميت، و أنّ من جملة تجهيزه تحنيطه بالكافور، و انه يجب ذلك وجوبا توصليا، و في الجواهر ان وجوبه مشهور بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن سلار بل ادعى عليه الإجماع عدة من القدماء (ج 4، ص 175) .

ثم انهم ذكروا انه يجب مسحه أو وضعه على المساجد السبعة و هي الجبهة و اليدان و الركبتان و إبهاما الرجلين، و يشترط أن يكون ذلك بعد الغسل أو التيمم، و أن يكون طاهرا مباحا جديدا مسحوقا غير زائل الرائحة، و لا فرق في وجوبه بين الصغير و الكبير و الأنثى و الذكر إلاّ المحرم فإنه لا يجوز تحنيطه، و انه يكفي فيه المسمى.

* موت كفن الميت-تكفينه*

كفن الشي‌ء كفنا و كفنه تكفينا في اللغة غطاه و واراه، و الكفن بفتحتين ما يغطى به الشي‌ء، و تكفين الميت إلباسه الكفن و تغطيته به، و هو ما يلبس به من الأثواب، و قد كثر استعمال الكفن في النصوص و الفتاوى في الأثواب الخاصة التي شرعت في الإسلام لباسا للميت في قبره و برزخه و قيامته، بحيث لا يتبادر منه إلاّ ذلك، و وقع البحث في الفقه في معنى الكفن و اجزائه و في بيان شرائطه، فقالوا انه يجب تكفين المسلم على كل من اطلع على موته و قدر عليه، وجوبا توصليا كفائيا، نظير تحنيطه و دفنه، بل أصل تكفين الموتى مما جرت عليه السيرة البشرية، و أمضاها الشرائع السماوية، و ليس ذلك حكما تعبديا تأسيسيا مخترعا في الإسلام، نعم الخصوصية المعتبرة فيه لعلها أمور تعبدية تختص بشرع الإسلام، و متعلق الوجوب نفس عمل التكفين لا بذل عين الكفن فإنه يؤخذ من مال الميت، أو من بيت المال، و ذكروا ان الكفن الشرعي عبارة عن ثلاثة قطع، الأولى المئزر، و القدر الواجب منه أن يكون من السرة إلى الركبة، و الأفضل أن يكون من الصدر


إلى القدم، الثانية القميص و الواجب منه أن يكون من المنكبين إلى نصف الساق من قدامه و خلفه، الثالثة الإزار و الواجب منه ان يغطي تمام البدن بحيث يوضع أحد جانبيه على الآخر في العرض، و يتصل بعضه ببعض في طرف الرأس و القدم. و يشترط أن لا يكون مغصوبا حتى عند الاضطرار فيدفن عريانا إذا انحصر فيه.

* موت صلو الميت-الصلاة عليه*

ذكر الأصحاب انه تجب صلاة الميت على كل مسلم من أي فرقهم كان، عادلا أو فاسقا، حتى المرتكب للكبائر و القاتل نفسه، و على أطفالهم إذا بلغوا ست سنين و لا تجب على من لم يبلغ ذلك، و على من وجد في بلاد المسلمين ميتا، و محلها بعد الغسل و التكفين و التحنيط و قبل الدفن، و لو لم يصل عليه وجبت على قبره، و ذكروا أيضا ان تجهيزات الميت الخمس واجبات مستقلة مترتبة غير مرتبطة فسقوط البعض، لا يخل بثبوت البقية، فلو لم يقدر إلاّ على التكفين كفنه و تركه، و الكلام في كيفية الصلاة مذكور تحت عنوانها.

* موت دفن الميت-دفنه*

الدفن في اللغة تغطية الشي‌ء و مواراته، و دفن الميت وارى جسده، و هو قد استعمل في لسان الشرع و الفقهاء في تغطية خاصة، و هي مواراة الميت في الأرض مستقبل القبلة على جانبه الأيمن، بحيث يؤمن على جسده من السباع و من إيذاء رائحته الناس، و هو واجب توصلي بلا خلاف فيه بين المسلمين، بل هو مما يقتضيه طبع الإنسان و عليه جرت سيرة العقلاء و قوله تعالى‌ (يََا وَيْلَتى‌ََ أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هََذَا اَلْغُرََابِ فَأُوََارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) يشير إلى كون ذلك مقتضى طبع الحيوان أيضا و غفلة ابن آدم عنه لدهشته أو لعدم ما يثير الدفين من فطرته.


* موت الميتة*

الميتة بالفتح هي الحيوان الذي مات حتف أنفه أو على حالة غير شرعية، جمعها ميتات و الميتة بالكسر حالة الموت و هيئته يقال مات ميتة صالحه أو مات ميتة سوء، قال في المجمع: و الميتة بالكسر للحال و الهيئة، و منه مات ميتة حسنة و ميتة السوء و مات ميتة جاهلية أي كموت أهل الجاهلية و ميتة بالفتح من الحيوان و جمعها ميتات و أصله ميّتة بالتشديد، قيل و التزم التشديد في ميتة الأناسي و التخفيف في غير الناس فرقا بينهما و الميتون بالتشديد يختص بذكور العقلاء و الميتات لأناثهم و بالتخفيف للحيوان انتهى، و في العروة الوثقى أن المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح على غير الوجه الشرعي.

أقول: الميتة تستعمل في اصطلاح الفقه في مقابل المذكى، و تقابلها إما بالتضاد بدعوى كونهما و صفين وجوديين عارضين على ما خرج روحه، فالأول هو الحيوان الذي خرج روحه بوجه غير شرعي، و الثاني هو الذي خرج روحه بوجه شرعي، و أما بالملكة و عدمها فالمذكى ما خرج روحه بوجه شرعي و الميتة ما خرج روحه لا بوجه شرعي.

و كيف كان فقد رتب عليها في الشرع أحكام كثيرة تكليفية و وضعية، كحرمة أكلها، و حرمة بيعها، و التكسب و الانتفاع بها، و نجاستها، و منجسيتها.

أما الأكل فيظهر منهم انه لا إشكال و لا خلاف في حرمته، بل هي إجماع من الفريقين، بل في الجملة من ضروريات الدين، و دلت عليها الكتاب و النصوص المتواترة، و لا فرق في الحرمة بين ميتة الحيوان الأهلية و الوحشية، و البرية، و البحرية، و المحلل لحمه و محرّمه، و لا بين ما له دم سائل و ما ليس كذلك، كما لا فرق بين لحمها و دمها و شحمها و عروقها و جلدها، و لا بين أجزائها التي تحلها الحياة و ما لا تحل، مما يمكن أكله كالعظم و الغضروف و نحوهما، و قد استثنى من أجزائها الإنفحة من مأكول اللحم، و هي ما يستخرج من بطن الجدي الميتة قبل أن يطعم، و قد تعرف بالمجبنة، لأنها تجعل في اللبن لأجل التجبين، و أما البيع فالمشهور فيما بينهم عدم جواز بيعها، و أما النجاسة فذكروا انه لا


إشكال عندنا في نجاسة الميتة و عدم قابليتها للتطهير حتى بالدبغ، و يستثني من أجزائها أمور يحكم بطهارتها، و هي الصوف، و الشعر، و الوبر، و الريش، و العظم، و الظلف، و السن، و القرن، و في نجاسة السقط قبل ولوج الروح إشكال.

* مهر صدق المهر-الصداق*

المهر بالفتح في اللغة الصداق، يقال مهر المرأة جعل لها مهرا، و هو كل ما يجعل للمرأة من المال تنتفع به، و الجمع مهور، و في المجمع: المهر بالفتح صداق المرأة و الجمع مهور مثل فحل و فحول و مهر السنة ما أصدقه النبي صلّى اللّه عليه و آله لأزواجه و هو خمسمائة درهم قيمتها خمسون دينارا انتهى و ليس للمهر و ما يرادفه مصطلح خاص شرعي أو فقهي، الا انّ له في إطلاقاته أسماء كثيرة، كالصداق و الصدقة بالفتح ثم الضم، و النحلة بالكسر، و الأجر، و الفريضة، و قد ورد بهذه الأربعة القران و العليقة و العقر بالضم و الحباء بالكسر و الطول، لكن المهر و الصداق أكثر استعمالا في هذا الباب.

و الأولى تعريف المهر بأنه مال مقابل لتملك بضع المرأة أو استيفاؤه منها بغير زنا، هذا معناه المصطلح عليه في اللغة و الفقه، و أما العلة في جريان السيرة عليه عند العقلاء و جعله و إمضائه في الشريعة، فلشموله لمصالح و ملاكات، كلحاظ كونه تعظيما و توقيرا لها، و كونه مالا لها تنتفع به عند حاجتها، و لحسن السمعة عند أهلها، و خروجها عن شبهة رقيتها للرجال، و نحو ذلك، و تملك البضع في التعريف، يكون في العقود، و الاستيفاء في موارد وطئها اشتباها.

ثم أن الأصحاب قد ذكروا في بيان حقيقته انّ كلما يملكه المسلم يصح جعله مهرا، عينا كان، أو دينا، أو منفعة، أو عملا، أو حقا ماليا قابلا للانتقال أو الإسقاط، و مقداره ما تراضى عليه الطرفان، قليلا أو كثيرا، إلاّ أنه لا بد من تعينه و لو بنحو المشاهدة، و ذكره ليس شرطا في صحة العقد الدائم، فلو تركاه أو صرّحا بعدمه، أو ظهر مستحقا للغير، أو غير متمول، صحّ العقد فتكون مفوضة البضع و حينئذ فإن دخل بها وجب عليه مهر مثلها و إذا طلقها قبل الدخول لزمه المتعة.


* وقت الميقات و الوقت*

الميقات في اللغة الوقت المضروب للشي‌ء، و الموعد الذي جعل له وقت، و قد يستعار للموضع الذي جعل وقتا للاجتماع فيه و الجمع مواقيت، و في المجمع الميقات هو الوقت المحدود للفعل و أستعير للمكان و منه مواقيت الحج لمواضع الإحرام و الوقت مثل الميقات انتهى.

و كيف كان فقد اشتهر استعمال الميقات في النصوص و كلمات الأصحاب لا سيما في كتاب الحج في خصوص مواقيت الحج و العمرة، بحيث صار اصطلاحا فيها في الشرع و عند المتشرعة، و المراد المواضع المعينة المحدودة التي وضعها الرسول صلّى اللّه عليه و آله و عينها لإيقاع الإحرام منها، و تنقسم عند الأصحاب إلى قسمين مواقيت العمرة و مواقيت الحج، أما الأول فهو على أقسام: الأول ذو الحليفة و هو ميقات أهل المدينة و من يمرّ على طريقهم، الثاني العقيق و هو ميقات أهل نجد و العراق و من يمرّ عليه من غيرهم و هو واد كبير أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق، الثالث الجحفة و هي لأهل الشام و مصر و المغرب و من يمرّ عليها من غيرهم، الرابع يلملم و هو لأهل يمن و من يمر عليه، الخامس قرن المنازل و هو لأهل الطائف و من يمر عليه، السادس المحاذاة و هو ميقات من لم يمرّ على أحد المواقيت و المراد بها أن يصل الناسك في طريق مكّة إلى موضع يكون الميقات على يمينه أو يساره بخط مستقيم بحيث لو جاوز منه تمايل الميقات إلى الخلف، و تكفي المحاذاة العرفية، و الظاهر كفاية المحاذاة من فوق أيضا لمن ركب الطائرة لو أمكنه حفظها، السابع أدنى الحل و هو ميقات العمرة المفردة ممن كان بمكة و حواليها، سواء كانت بعد حج القران أو الافراد أم لا، و أفضل مواضعه الحديبية، و الجعرانة، و التنعيم، الذي هو أقربهما إلى مكة.

و أما مواقيت الحج، فالأول منها مكة المكرّمة، و هي ميقات لحج التمتع، الثاني دويرة الأهل أي المنزل و هي ميقات لأهل مكة، و كل من كان منزله دون الميقات إلى مكة، و لمن جاور مكة بمقدار انتقل فرضه إلى فرض أهل مكة، و الظاهر أن إحرامهم منها رخصة و إلاّ فلهم الإحرام من أحد مواقيت العمرة أيضا.


* نصب النصب-الناصب*

نصب الشي‌ء في اللغة رفعه و اقامه، و نصب لفلان نصبا عاداه عداوة، و في المجمع:

و النصب المعاداة يقال نصبت لفلان نصبا إذا عاديته و منه الناصب و هو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت أو لمواليهم لأجل متابعتهم لهم، و في القاموس: النواصب و الناصبة و أهل النصب المتدينون ببغض علي لأنهم نصبوا له أي اعادوه انتهى.

ثم ان النصب و الناصب قد كثر استعمالهما في موارد من الفقه في المسلم المعادي لأهل البيت عليهم السّلام، سواء أظهر ذلك بلسانه أو أعلن السبّ لهم، أو علم من أقواله و أفعاله، و سواء عادى جميعهم أو بعضهم، أو عادى الشيعة التابعين لهم لأتباعهم، فالنصب أمر قلبي و هو إضمار العداوة و البغضاء لمن أوجب اللّه المودة لهم في كتابه، و الناصب هو المعادي المضمر للعداوة و قد حكموا باستلزام ذلك كفر الناصب و ترتب جميع أحكام الكفر عليه، و الظاهر انه لا خلاف بينهم في ذلك بل ادعى عليه الإجماع، و علي هذا فإن كان ذلك منه في بدء توجه خطابات الأصول إليه كان كالكافر بالأصالة، و ان حصل بعد إيمانه كان مرتدا فطريا أو مليا، و علي أي تقدير يترتب عليه نجاسة بدنه، و فضلاته، و نجاسة أولاده بتبعه، و حرمة تزويجه المسلمة، و حرمانه من إرث المسلم، و غير ذلك.

تنبيه: استدلوا على حكم الناصب بنصوص منها الموثق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

إياك أن تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا أهل البيت فهو شرهم فان اللّه لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و ان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه (الوسائل الماء المضاف، ب 11) .

* نفل النافلة*

النفل بالسكون في اللغة الإعطاء، من نفله ينفله من باب نصر أعطاه من غير طلب ثواب، و النفل ساكنا و متحركا و النافلة الزيادة و العطية، و ما تفعله مما لم يجب عليك، و الجمع نفال و أنفال و نوافل، و في مجمع البحرين: النفل بالتحريك الزيادة، و الأنفال ما زاد اللّه هذه الأمة في الحلال مما كان محرما على من كان قبلهم، و بهذا سميت النافلة من الصلاة


لأنها زيادة على الفرض، و يقال لولد الولد نافلة لأنه زيادة على الولد قال تعالى‌ (وَ وَهَبْنََا لَهُ إِسْحََاقَ وَ يَعْقُوبَ نََافِلَةً) و النوافل جميع الأعمال غير الواجبة مما يعمل لوجه اللّه انتهى.

و أما في الاصطلاح فقد كثر استعمال النافلة في خصوص الصلوات المستحبة، و هو إطلاق شائع له عند المتشرعة و لا سيما في عرف الفقهاء و هي على أقسام كثيرة: الأول النوافل اليومية و تسمى الرواتب أيضا، الثاني غيرها مما لا يخص وقتا بعينه، و هو كثير جدا بل لا حصر له بناء على قوله الصلاة خير موضوع، و عن بيان الشهيد أن النوافل اما مختصة بوقت أو لا و كلاهما لا ينحصر، الثالث ما يختص بوقت و هو أيضا كثير. ثم ان أفضل النوافل، الرواتب اليومية أعني ما شرع إتيانه في كل يوم و ليلة في ساعات خاصة ينتسب بعضها إلى الوقت و بعضها إلى الفرائض اليومية و هذه الطائفة أوكد النوافل المشروعة و أهمها و أفضلها، بحيث قد عبر عنها في بعض النصوص بأنها واجبة، فتتلوا الفرائض في التأكد، و هي في غير يوم الجمعة ضعف الفرائض أربع و ثلاثون ركعة، منقسمة إلى ساعات الليل و النهار منسوبة إلى الفرائض، فمنها ثمان ركعات نافلة الظهر قبلها و ثمان ركعات نافلة العصر قبلها، و أربع ركعات نافلة المغرب بعدها، و ركعتان من جلوس نافلة العشاء بعدها، و ركعتان نافلة الفجر قبلها، و إحدى عشرة ركعة صلاة الليل في أواخره تسمى ثمان ركعات منها بصلاة الليل، و ركعتان بالشفع، و الركعة الأخيرة بتكبيرة و تسليمة بالوتر، و قد تسمى مجموع الثلاثة الأخيرة بالوتر أيضا كما تسمى المجموع أيضا بالوتر.

و أما في يوم الجمعة، فيزاد على نوافل الظهر و العصر أربع ركعات أخر، فتصير عشرين ركعة يؤتى بها بعنوان نوافل يوم الجمعة، فيكون عدد النوافل اليومية و فرائضها في غير يوم الجمعة إحدى و خمسين ركعة، و تسقط في السفر نوافل المقصورة منها سبع عشرة ركعة، و يبقى الباقي، على اختلاف في سقوط الوتيرة.

و أما غير الرواتب من الصلوات فكثيرة جدا يصعب إحصاؤها كصلاة الغفيلة، و الاستسقاء، و صلاة جعفر عليه السّلام و غيرها، فاطلبها من الكتب الفقهية، و كتب الأدعية، و الكتب الروائية.


* نبش النبش*

نبش الشي‌ء المستور ينبشه من باب نصر في اللغة أبرزه، و نبش الكنز كشفه و أخرجه، و نبش السر أفشاه و نبش القبر كشف عن ميته، و ليس للكلمة معنى اصطلاحي خاص.

و عنوان النبش واقع في الشرع موضوعا للحكم و في الفقه موردا للبحث، فذهبوا إلى حرمة نبش قبر المؤمن، بحيث يظهر جسده، صغيرا كان أو كبيرا عاقلا أو مجنونا، إلاّ مع العلم باندراس ميته بحيث صار ترابا، إلاّ في العلماء و الشهداء و أولاد الأئمة عليهم السّلام فإنه لا يجوز مطلقا.

ثم انهم استثنوا من حرمة النبش موارد منها ما إذا دفن الميت في مكان مغصوب، أو دفن معه مال مغصوب، أو دفن بلا غسل أو بغسل باطل، أو بدون كفن، أو مع فقد شرائط كفنه، أو توقف إثبات حق على رؤيته، أو إذا دفن في مقابر الكفار، أو لنقله إلى المشاهد المشرفة مع وصيته بذلك، أو بدونها، أو إذا دفن في غير محل وصيته، بل قد يدعى جواز النبش في كل مورد كان فيه رجحان شرعي لعدم دليل على حرمة النبش إلاّ الإجماع، و هو دليل لبي لكن فيه إشكال فإن دليل وجوب الدفن دليل على حرمة النبش.

* نجس النجس*

النجس بفتح العين و كسرها مصدر بمعنى القذارة و ضد الطهارة، و كذا النجاسة، و وصف بمعنى ذي القذارة، و في المفردات النجاسة القذارة، و ذلك ضربان ضرب يدرك بالحاسة و ضرب يدرك بالبصيرة و الثاني وصف اللّه به المشركين قال‌ (إِنَّمَا اَلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) انتهى، و في المجمع أيضا و في الآية دلالة على أن المشركين أنجاس نجاسة عينية لا حكمية و هو مذهب أصحابنا، و خالف في ذلك باقي الفقهاء و قالوا معنى كونهم نجسا انهم لا يغتسلون من الجنابة و لا يجتنبون النجاسات أو كناية عن خبث اعتقادهم انتهى، و بالجملة يظهر من كلماتهم في اللغة أن مادة الكلمة موضوعة للقذارة و ضد الطهارة بمعناها الأعم الشامل للحسية و المعنوية. ـ


و كيف كان فالنجس في اصطلاح الشرع و الفقه عبارة عن أعيان خاصة محكومة عليها بالنجاسة، قد رتب عليها في الشريعة الإسلامية أحكام خاصة من تكليف و وضع، كوجوب الاجتناب عنها و المنع عن استعمالها في موارد كما سيأتي.

قال في مصباح الفقيه للمحقق الهمداني: أما النجاسة فهي لغة القذارة و في عرف الشارع و المتشرعة قذارة خاصة مجهولة الكنه لدينا اقتضت وجوب هجرها في أمور مخصوصة فكل جسم خلا عن تلك القذارة فهو طاهر نظيف شرعا و هل هي صفة متأصلة مقتضية لإيجاب الهجر عنها أو أنها منتزعة من حكم الشارع بالهجر عن تلك الأمور لمصلحة رآها الشارع وجهان بل قولان أشبهها بظواهر الأدلة الأول انتهى. (الطهارة القسم الأخير ص 1) .

و هنا أمور:

الأول: ان النجاسات المذكورة في الشريعة الإسلامية على أصناف:

منها: ما هو قذر بالطبع ظاهر القذارة بحيث يتنفر عنه طبع الإنسان و ان لم يرد نهي عنه، و هو الذي حكم بقذارتها العامة بطبعهم كالغائط و البول و لحم الكلب و المني و ما أشبه ذلك.

و منها: ما فيه مضار للجسم تكوينا مورثة لحصول الأمراض في البدن و اختلال في النفس و ان لم يدركها العامة بحسب طبعهم، بل قد يميلون إلى أكله أو شربه لو لم يكونوا متعبدين بالشريعة، و يستفاد ذلك من النصوص و من تصريحات أهل الفن من الأطباء و غيرهم، نظير الدم و الميتة بموت حتف الأنف، و المنخنقة، و الموقوذة، و المتردية، و النطيحة و ما أشبهها، و نظير لحم الخنزير، و الخمر، و كل مسكر مائع، و الفقاع على اختلاف في بعضها.

و منها: ما علم عدم كون إيجاب الاجتناب عنه لتلك الجهات، بل لوجود مفاسد اعتقادية أو أخلاقية أو سياسية في القرب إليه و استعماله اقتضت حكم الشارع بقذارتها و تنزيلها منزلة أحد القسمين السابقين، نظير نجاسة الكافر من المشرك و غيره، و نجاسة بعض أقسام الميتة كالمذبوح إلى غير القبلة، أو مع عدم ذكر اسم اللّه عليه عمدا أو ما ذبح لصنم، أو وثن، أو ذكر اسم غير اللّه عليه.


و منها: ما فيه جهتان أو أكثر من جهات الحكم بالنجاسة كبعض ما ذكرنا على ما يستفاد من النصوص فراجع أبواب الأطعمة و الأشربة المحرمة.

الثاني: انه لا إشكال في أن الشارع حكم بالنجاسة في الجميع و رتب عليها أحكاما، من وجوب الاجتناب و حرمة الاستعمال، و المانعية عن الصلاة و الطواف، لكن يقع الكلام في أن المجعول ابتداء هو الوضع أي النجاسة، ثم رتب عليها سائر الأحكام ترتب الحكم على موضوعه، كما قد تجعل الملكية أو الزوجية فيترتب عليها سائر أحكامها، أو هو نفس الأحكام المترتبة على النجس، و النجاسة منتزعة عنها، أو أنه يفصل بين تلك الأقسام في الجعل و الإنشاء وجوه، أظهرها الأخير و عليه فالنجس في الشريعة على قسمين نجس تكويني بحيث يكون صفة النجاسة فيه أمرا متأصلا غير مجعول، و النص الوارد فيه اخبار عن حقيقتها و كاشف عنه، و نجس تعبدي تشريعي و النجاسة فيه صفة اعتبارية جعلها الشارع و أنشأها، و النص الوارد محمول على إنشائه و جعله، و على أي فالنجاسة أمر توقيفي يتوقف على حكم الشارع كانت من الحقائق أو الاعتباريات، فإنه ليس كلما يتنفر عنه الطبع أو المضر للجسم أو ما فيه مفسدة اعتقادية أو غيرها محكوما بالنجاسة.

الثالث: ذكر الفقهاء في كتبهم الفقهية لعنوان النجس مصاديق، ثبتت في الشريعة الإسلامية بالنصوص و الأدلة، هي موضوع الأحكام العامة و الخاصة و هي عبارة عن الأمور التالية:

1-البول من كل حيوان غير مأكول اللحم له دم سائل.

2-الغائط كذلك.

3-المني من كل حيوان له دم سائل كان محلل اللحم أو محرّمة.

4-الميتة من كل ذي نفس سائلة حلال اللحم أو حرامه.

5-الدم من كل حيوان له نفس سائلة حلال اللحم أو حرامه.

6-الكلب البري بأقسامه.

7-الخنزير البري.


8-الكافر بأقسامه على اختلاف في أهل الكتاب.

9-الخمر و كل مسكر مائع بالأصالة.

10-الفقاع.

11-عرق الجنب من الحرام على اختلاف فيه.

12-عرق الإبل الجلالة أو كل حيوان جلال.

الرابع: قد رتب في الشريعة الإسلامية على النجس بعنوانه الكلي أحكام من تكليف أو وضع.

أولها: مانعية استصحاب نفسه أو ما أصابه مع الرطوبة عن الصلاة، واجبة أو مندوبة، و عن توابعها، من صلاة الاحتياط، و قضاء التشهد، و السجدة المنسيين، كان في بدن المصلي أو ثوبه عدا ما استثني.

ثانيها: مانعية نجاسة موضع السجدة عن الصلاة و سجودها، دون المواضع الستة الأخر.

ثالثها: حرمة إيصاله إلى المسجد بمعنى تنجيسه به.

رابعها: وجوب إزالته عن المسجد سواء نجسه هو أو غيره، من غير فرق بين داخل المسجد و خارجه، و سقفه، و سطحه، و الطرف الداخل من جدرانه.

خامسها: حرمة تنجيس المشاهد المشرفة به، و وجوب إزالته عنها، مطلقا على الأحوط.

سادسها: حرمة تنجيس المصحف به، و وجوب إزالته عنه، إذا استلزم ذلك هتكا له.

سابعها: حرمة تنجيس التربة الحسينية به بل و تربة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام المأخوذة من قبورهم و وجوب تطهيرها مطلقا.

ثامنها: وجوب الاجتناب عنه، و إزالته عن المأكول و المشروب و عن ظروفهما إذا استلزمت تنجس الغذاء.

تاسعها: حرمة الانتفاعات بها على ما اختاره الأكثر.


* نجش النجش*

النجش بفتحتين في اللغة من نجش ينجش من باب قتل، و معناه أن يمدح شخص السلعة في البيع لينفقها و يروجها مع مواطاة بينه و بين البائع أو لا معها أو يزيد في قيمتها و هو لا يريد شراءها ليرغب غيره فيها، بشرط المواطاة مع البائع أو لا، و الفاعل ناجش، و البائع منجوش له، و المشتري منجوش عليه، لا فرق بين كون التواطي مع البائع على ذلك بأجرة أو بغير أجرة.

و ليس اللفظ اصطلاح خاص في الفقه، لكنه قد وقع مورد البحث فيه، فذكروا انه حرام للنص الخاص، بل قالوا انه يدل على قبحه عند العقل لانه غش و تلبيس و إضرار، و ظاهر بعضهم الحرمة و لو مع عدم المواطاة مع البائع، و لا دليل عليه في الفرض، بل الحكم بالحرمة في المسألة من أصلها مورد تأمل، و ليس كل غش و تلبيس و إضرار محرما و التفصيل في الفقه.

* نحر النحر*

النحر في اللغة أعلى الصدر، يقال نحر البهيمة أصاب نحرها و ذبحها من نحرها، و في المجمع: النحور جمع نحر و هو موضع القلادة من الصدر، و المنحر الموضع الذي ينحر فيه الهدي و غيره، و يوم النحر هو اليوم العاشر من ذي الحجة انتهى، و كيف كان فقد كثر استعمال النحر في الفقه في خصوص نحر الإبل، و وقع البحث عنه في باب الذباحة، فذكروا أن تذكية الحيوان على أقسام، منها الذبح في العنق، و الأخذ من الماء حيا، و الصيد بالآلة الحيوانية و الجمادية، و الحيازة في وعاء و نحوه، و منها النحر و هو مختص بتذكية نوع الإبل، و المراد به حينئذ طعنها في ثغرة النحر و هي المحل المنخفض بين أعلى الصدر و أصل العنق، فلو ذبحها كسائر الحيوانات لم تحل و صارت ميتة، فإن كل منحور مذبوح حرام، و كل مذبوح منحور حرام، أي كل حيوان فيه اقتضاء أحد العنوانين إذا تحقق فيه فعلية الآخر حرم.


و ذكروا هنا انه ينبغي أن ينحر الإبل قائمة و قد ربطت يداها بين الخف و الركبة، فيقوم الناحر على جانب يده اليمنى، و يقول باسم اللّه و يطعن في لبّتها و ذلك لقوله تعالى‌ (فَاذْكُرُوا اِسْمَ اَللََّهِ عَلَيْهََا صَوََافَّ فَإِذََا وَجَبَتْ جُنُوبُهََا فَكُلُوا مِنْهََا) .

* نذر النذر*

النذر في اللغة الوعد بخير أو شر، و العهد، و إيجاب الشي‌ء على النفس من فعل أو ترك، و في المجمع: فالنذر لغة الوعد، و شرعا التزام المكلف بفعل أو ترك متقربا، كان يقول إن عافاني اللّه فللّه عليّ صدقة أو صوم، مما يعد طاعة، و الماضي مفتوح العين و يجوز في مضارعة الكسر و الضم انتهى، و في النهاية: نذرت أنذر إذا أوجبت على نفسك شيئا تبرعا من عبادة أو صدقة انتهى، و في القاموس: و النذر ما كان وعدا على شرط، كعليّ إن شفى اللّه مريضي كذا نذر و علي أن أتصدق بدينار ليس بنذر انتهى.

و ما صرح به في القاموس من كون النذر هو المعلق على أمر و إلاّ فليس بنذر، يظهر من بعض الأصحاب أيضا مدعيا أن العرب لا تعرف من النذر إلاّ ما كان معلقا، و هو ليس بسديد فقد ثبت من اللغة و كلمات الفقهاء خلاف ذلك.

و كيف كان النذر في مصطلح الفقهاء عبارة عن إيجاب المكلف على نفسه فعلا أو تركا مع انتسابه إلى اللّه تعالى، فهو أمر اعتباري قابل للإنشاء و الجعل، فيكون من الإيقاعات، و هذا مطابق لبعض المعاني اللغوية زيد عليه في الشريعة شروط و رتب عليه أحكام من تكليف و وضع، فقد ذكر الأصحاب انه يشرط في الناذر البلوغ، و العقل، و الاختيار، و القصد، و عدم الحجر في متعلقة ان كان مالا، و انّ النذر لا ينعقد بمجرد النية، بل اللازم التلفظ بصيغته، و انّ كلمة اللام تدل على ثبوت المنذور في الذمة حقا أو ملكا للّه تعالى، و انه يشترط في متعلق النذر أن يكون راجحا.

ثم أنهم قسموا النذر على أقسام فإنه أما نذر تبرع، أو نذر برّ، أو نذر زجر، و الأول ما لا تعليق فيه كان يقول الشخص للّه عليّ أن أصلي نوافلي أو أصوم غدا، و الثاني ما علق‌


على أمر من جلب نعمة أو دفع بلية، و يكون المنذور شكرا له، كان يقول ان رزقت ولدا فعلي كذا، أو يقول ان شفى اللّه مرضي فعليّ كذا و الثالث ما علق على فعل حرام أو مكروه زجرا للنفس عنهما كان يقول ان كذبت في مقالي فعليّ كذا أو علق على ترك واجب أو مندوب كذلك.

* نسب قرب رحم النسب و القرابة و الرحم*

النسب في اللغة القرابة، و هي ارتباط خاص حاصل من الولادة قريبا أو بعيدا، و ناسب الرجل شاركه في النسب، و انتسب إليه اعتزى، و النسيب القريب، و في المفردات: النسب و النسبة اشتراك من جهة أحد الأبوين، و ذلك ضربان نسب بالطول كالاشتراك من الآباء و الأبناء، و نسب بالعرض كالنسبة بين بني الأخوة و بني الأعمام، قال و جعله نسبا و صهرا، و قيل فلان نسيب فلان أي قريبة انتهى، و يقرب من النسب في المعنى القرابة و الرحم و ان كان بينهما تغاير في الجملة، هذا و تعريف النسب في اللغة و الفقه على نحو كلي جامع مانع، هو انه عبارة عن أصول الإنسان و فروعه، و فروع أصوله، و الأول عبارة عن الأب و الأم و الأجداد و الجدات إلى ما علوا، لأب كانوا أو لأم، و الثاني عبارة عن الأولاد و أولادهم إلى ما نزلوا، و الثالث عبارة عن فروع كل أصل إلى ما نزلوا، فيشمل الاخوة و الأخوات و أولادهم و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و أولادهم.

ثم انه على هذا ليس للنسب اصطلاح خاص شرعي أو متشرعي، إلاّ أنه قد وقع في الشريعة موضوعا لأحكام كثيرة ذكرها الأصحاب في أبواب الفقه المختلفة، و قد تعرضوا في باب الإرث و النكاح لفروع يتبين بها أقسامه و أحكام الأقسام.

فمنها ما ذكروه في باب الإرث من أن حكم التوارث مرتب على كل من له انتساب للإنسان قريبا كان أو بعيدا، و قد قسم الأنساب في الشريعة إلى مراتب و طبقات، و شرع استحقاق الإرث على وفقها، فذكروا أن الأنساب في باب الميراث تنقسم إلى ثلاث مراتب، الأولى الأبوان و الأولاد، و مع وجودهم لا يرث المرتبة اللاحقة، و كل نسل من‌


أولاد طبقة مقدمة على الطبقة اللاحقة و هكذا، الثانية الأخوة و الأجداد فهم يرثون مقدما على من بعدهم من الأرحام، و أولاد الاخوة طبقات يرثون على الترتيب، و للأجداد أيضا طبقات يرثون على الترتيب، الثالثة الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و أولادهم طبقات بعضها بعد بعض.

و منها ما ذكروه في باب النكاح من تقسيم الأنساب إلى قسمين محارم و غيرهم، بملاك ترتيب آثار النظر، و إبداء الزينة، و حرمة الزواج. و غيرها، و ضابط المحارم أنهم عبارة عن أصول الإنسان و فروعه و فروع أول أصوله و أول فرع من كل أصل بعد الأصل الأول، فالأول عبارة عن الأب و الأم و الأجداد و الجدات إلى ما علوا، فالنسوة منهم محارم للذكر صاحب النسب، و الرجال محارم للأنثى كذلك.

و الثاني عبارة عن أولاد الرجل و المرأة، فإنهم محارم لهما إلى ما نزلوا، و الثالث عبارة عن الأخوة و الأخوات و أولادهم ذكورا و اناثا، و هم أولاد الأصل الأول الذي هو الأب و الأم و الكل محارم للإنسان، و الرابع عبارة عن الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات بلا واسطة كفروع الأصل الثاني فإنهم الأعمام و الأخوال لنفس الشخص أو مع الواسطة و هم أعمام الأب و الأم و أخوالهما و أعمام الأجداد و الجدات إلى ما علوا فالكل محارم للإنسان يترتب عليهم آثارها.

و منها ما ذكروه، من أن الأحكام المترتبة على المحارم كثيرة كجواز النظر من الطرفين و إبداء الزينة لها و حرمة الزواج، و تشديد الحد في الزنا، و التوارث في الجملة، و وجوب الإنفاق كذلك، و وجوب صلة الرحم و استحبابها، و هكذا، و التفصيل بالنسبة لحرمة الزواج للنسب واقع في عنوان النكاح.

و منها ما ذكروه من أن النسب قسمان شرعي و طبيعي و الأول ما كان بوطء حلال بنكاح أو ملك يمين أو نحوهما، و الثاني ما حصل بالزنا و السفاح، حيث و قد رتب في الشريعة آثار كثيرة على النسب في الجملة كالتوارث، و حرمة التزويج، و انعتاق العمودين بالتملك، و جواز النظر، و إبدائها الزينة، و وجوب الإنفاق، و جواز التغسيل‌


بعد الموت، و عدم قبول شهادة الولد على والده، و عدم اقتصاصه منه، و عدم حبسه لأجل دينه و نحو ذلك، فلا إشكال في ترتب جميعها على النسب الشرعي مع تحقق شرائطها، و أما غير الشرعي ففي ترتبها عليه مطلقا، أو عدمه مطلقا، أو التفصيل بين التوارث بعدم الترتب، و غيره بالترتب، وجوه لا تبعد صحة الأخير.

* نشز شقق النّشوز-الشقاق*

النشوز في اللغة الارتفاع و الامتناع، يقال نشز عن مكانه كان قاعدا فقام، و نشزت المرأة بزوجها أو منه أو عليه استعصت عليه و أبغضته، فهي ناشز و ناشزة، و في المجمع:

نشزت المرأة تنشز نشوزا استعصت زوجها و أبغضته، و نشز بعلها عليها إذا ضربها و جفاها انتهى، و قال تعالى‌ (وَ اَللاََّتِي تَخََافُونَ نُشُوزَهُنَّ) و قال‌ (وَ إِنِ اِمْرَأَةٌ خََافَتْ مِنْ بَعْلِهََا نُشُوزاً أَوْ إِعْرََاضاً) .

و الكلمة قد استعملت في باب النكاح في خصوص خروج كل من الزوجين عن الوظيفة التي للآخر عليه، فنشوز الزوجة خروجها عما يجب عليها من حقه، و نشوز الرجل خروجه عما يجب عليه من حقها، و الشقاق يستعمل في خروجهما معا كما سيأتي، و ذكر الأصحاب في توضيح حقيقة النشوز و بيان بعض مصاديقه ان النشوز في الزوجة عبارة عن عدم التمكين من نفسها و عدم إزالة المنفرات المضادة للتمتع و الالتذاذ بها، و خروجها عن بيته بدون إذنه، و غير ذلك، مما هو واجب عليها، و لا يتحقق بترك ما لا يجب عليها من خدمات البيت و نحوها، فإذا ظهرت منها أماراته، كتغير عادتها و التكلم بكلام خشن، و تقطب وجهها، بعد ان لم تكن كذلك، فعلى الزوج أن يعظها فان لم تسمع و تحقق الرجوع عن طاعته، هجرها في المضجع بان يعتزل عن فراشها، أو يحول وجهه عنها، فإن أصرت مع ذلك ضربها بما يؤمل معه رجوعها، قال تعالى‌ (فَعِظُوهُنَّ وَ اُهْجُرُوهُنَّ فِي اَلْمَضََاجِعِ وَ اِضْرِبُوهُنَّ) .

و أنّ النشوز في الزوج عبارة عن تعدّيه عليها، و عدم القيام بحقوقها الواجبة، و منع‌


القسم و النفقة و نحوها، فإذا أظهر ذلك كان لها المطالبة بها و وعظها إياه، فان لم يؤثر رفعت أمرها إلى الحاكم فيلزمه بها، و ليس لها هجره و لا ضربه، و إذا اطلع الحاكم على نشوزه نهاه عن ذلك فان لم ينفع عزّره و له أيضا الإنفاق من ماله عليها مع امتناعه و لو ببيع عقاره.

و امّا الشقاق فهو في اللغة المخالفة و المعاداة و وقوع كل في شق، أي في طرف غير طرف الآخر، فهو يحصل بنشوز كل من الزوجين على الآخر، و قد وقع هذا العنوان في الشريعة موضوعا للحكم، و ذكر الأصحاب انه لو خيف الشقاق و الفراق بينهما و انجر أمرهما إلى الحاكم، بعث حكمين حكما من جانبه و حكما من جانبها للإصلاح بما رأياه صلاحا من الجمع أو التفريق، فيبحثان عن أمرهما فكلما استقر عليه رأيهما و حكما به نفذ في حقهما، كما لو اشترطا على الزوج أن يسكنها في المنزل أو البلد الفلاني، أو لا يسكن معها أمه أو أخته، أو شرطا عليها أن يؤجله في مهرها مثلا، و لا ينفذ ما إذا كان حكمهما غير سائغ كخروجها من بيته متى شاءت بدون اذنه، و لو اجتمع رأي الحكمين على الطلاق، لا يكون لهما ذلك إلاّ إذا شرطا ذلك عليه من أول الأمر، و الأحوط أن يكون الحكمان من أهلهما و مع عدم الإمكان من غيرهم، قال تعالى‌ (وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقََاقَ بَيْنِهِمََا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهََا إِنْ يُرِيدََا إِصْلاََحاً يُوَفِّقِ اَللََّهُ بَيْنَهُمََا) (النساء: 35) و المخاطب في الآية الحكام، و البعث يكون ولاية و تحكيما من جانب الوالي لا وكالة من جانبهما.

* نصب النصاب*

النصاب في اللغة لمعان منها الأصل و المرجع، و أول كل شي‌ء، و يقال نصب الشي‌ء رفعه و أقامه، و نصب الشجرة غرسها، و في المجمع: النصاب من المال القدر الذي تجب فيه الزكاة إذا بلغه كمائتي درهم و خمس من الإبل انتهى، و يكثر إطلاق النصاب في اصطلاح الفقهاء على المقادير التي جعلت حدا لموضوع الزكوات و الأخماس و غيرهما، كأعداد الأنعام، و أوزان الغلات و النقدين، و حدود قيم المعدن و الكنز و الغوص، و نصاب الزوجات الدائميات، فنصاب كل من الأنعام الثلاثة أي الإبل و البقر و الغنم، عدد خاص‌


يتعلق بها الزكاة إذا بلغه، و هو شرط لوجوبها مأخوذ قيدا في متعلقة، و نصاب كل من الغلات الأربع: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و النقدين، حدّ خاصّ من الوزن، و شرط لتعلق وجوب الزكاة به، و نصاب كل من المعدن و الكنز و الغوص في باب الخمس، حد خاص من القيمة هو نصابه.

فذكروا في نصاب الأنعام و فيما يتعلق به من مقدار هذه الضريبة الإسلامية، أن في الإبل اثني عشر نصابا الأول الخمس من الإبل، و فيها شاة، الثاني العشر، و فيها شاتان، الثالث خمسة عشر، و فيها ثلاث شياه، الرابع العشرون، و فيها أربع شياه، الخامس خمس و عشرون، و فيها خمس شياه، السادس ست و عشرون، و فيها بنت مخاض و هي الداخلة في السنة الثانية، السابع ست و ثلاثون، و فيها بنت لبون و هي الداخلة في السنة الثالثة، الثامن ست و أربعون، و فيها حقة و هي الداخلة في السنة الرابعة، التاسع إحدى و ستون، و فيها جذعة و هي التي دخلت في السنة الخامسة، العاشر ست و سبعون، و فيها بنتا لبون، الحادي عشر إحدى و تسعون، و فيها حقتان، الثاني عشر مائة و إحدى و عشرون، و فيها في كل خمسين حقه و في كل أربعين بنت لبون، بمعنى أنه يجوز أن يحسب أربعين أربعين، و في كل واحد منها بنت لبون، أو خمسين خمسين و في كل واحد منها حقة.

و في البقر نصابان، الأول ثلاثون و فيها تبيع أو تبيعة، و هو ما دخل في السنة الثانية، الثاني أربعون و فيها مسنة، و هي الداخلة في السنة الثالثة، و فيما زاد يتخير بين عد ثلاثين ثلاثين و يعطي تبيعا أو تبيعة، و أربعين أربعين و يعطي مسنة.

و في الغنم خمسة نصب، الأول أربعون، و فيها شاة، الثاني مائة و إحدى و عشرون، و فيها شاتان، الثالث مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه، الرابع ثلاثمائة و واحدة، و فيها أربع شياه، الخامس أربعمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة و ما بين النصابين أو النصب في الجميع عفو، لا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق و التفصيل في الفقه.

و ذكروا في نصاب النقدين ان في الذهب نصابين، الأول عشرون دينارا شرعيا تساوي خمسة عشر مثقالا صيرفيا، و الواجب فيه نصف دينار شرعي أو ربع مثقال


صيرفي و ثمنه، الثاني أربعة دنانير تساوي ثلاثة مثاقيل صيرفية، و فيه ربع العشر أي واحد من أربعين جزء، و في الفضة أيضا نصابان الأول مائتا درهم، و فيها خمسة دراهم و الثاني أربعون درهما و فيها درهم، فيكون النصاب الأول مائة و خمسة مثاقيل صيرفية و الثاني أحد و عشرون مثقالا، و ليس فيهما قبل النصاب الأول و بين النصابين شي‌ء.

و ذكروا في الغلات الأربع ان النصاب في كل واحدة منها مائتان و ثمانية و ثمانون منا تبريزيا إلاّ 45 مثقالا صيرفيا تساوي 207-847 كيلو غراما و فيها العشر، فيما سقي لا بعلاج، أو نصفه فيما سقي بعلاج، و التفصيل تحت عنوان الزكاة.

و أما النصاب في موضوع الخمس، فقد ذكروا في المعادن و الكنز أن نصابها بلوغها مقدار عشرين دينارا شرعيا عينا أو قيمة، تساوي خمسة عشر مثقالا صيرفيا.

و إذا بلغ المعدن المستخرج ذلك الحد وجب إخراج خمسه، و إلاّ فلا، و في الغوص الذي هو إخراج الجواهر غير الحيوان من البحر، ان نصابه دينار شرعي فصاعدا يساوي أربعة أخماس الصيرفي.

* نظر النظر*

نظر الشي‌ء و نظر إلى الشي‌ء في اللغة أبصره و تأمله بعينه، و نظر في الأمر تدبره و تفكر فيه، و نظر الشي‌ء انتظره، و في المجمع: و النظر يقع على الأجسام و المعاني، فما كان بالإبصار فهو للأجسام و ما كان بالبصائر فهو للمعاني انتهى، و في المفردات: النظر تقليب البصر و البصيرة لإدراك الشي‌ء و رؤيته، و قد يراد به التأمل و الفحص، و قد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص انتهى.

و كيف كان فاللفظ قد استعمل في الفقه في تأمل العين و هو المعنى الذي يكثر استعماله في العرف، كما انه بهذا المعنى كثر وقوعه موضوعا للأحكام الفرعية.

نظير ما ذكروا انه يجوز نظر كل من الرجل و المرأة إلى جسد مماثله ما عدا العورة منه بدون شهوة و تلذذ، و انه يحرم ذلك بشهوة في غير الزوجين، و انه يحرم نظر كل من الرجل و المرأة إلى عورة مماثله بشهوة أو غيرها عدا الزوجين، و انه يجوز النظر إلى النساء أهل‌


الذمة بل مطلق الكفار حتى فيما عدا الوجه و الكفين في المقدار الذي جرت عادتهن على كشفه، و إذا نهين عن ابدائه لا ينتهين، مع عدم التلذذ و الريبة، أي خوف الوقوع في الحرام، و انه يجوز كل نظر كل من الرجل و المرأة إلى المحارم من أقرباؤه بدون شهوة، و هم الذين يحرم نكاحهم من جهة النسب و الرضاع و المصاهرة.

و انه قد استثني من موارد حرمة النظر، المملوك و المملوكة و الصغير و الصغيرة و المتعددة رجعية، و مقام المعالجة، و مطلق مقام الضرورة، و معارضة الحرام لما هو أهم منها، كما في إنقاذ الغريق و إطفاء الحريق، و مقام الشهادة تحملا و أداء، و من يريد تزويجها من المرأة، و من تريد تزويجه من الرجل، و يحرم أيضا للمحرم النظر إلى المرآة، و يحرم لكل أحد النظر إلى دار الغير. و التطلع إلى مواضع عورته، إلى غير ذلك.

* نفس النفاس*

النفاس في اللغة الولادة و نفست المرأة غلاما من باب عدم ولدته، و النفاس دم الولادة و الولد منفوس و النفسا و النفساء المرأة إذا ولدت، و في المجمع: النفاس بالكسر ولادة المرأة، إذا وضعت فهي نفساء و جمع النفساء نفاس انتهى.

و النفاس في اصطلاح الفقهاء، دم يخرج مع ظهور أول جزء من الولد قبل انقضاء عشرة أيام من حين الولادة، كان الولد تام الخلقة أو لا، بل و لو كان مضغة أو علقة، إذا علم بكونها مبدأ نشوء إنسان، فالدم الخارج قبل ظهور الولد ليس بنفاس، كما أنه لو خرج الولد و لم تخرج معه دم فلا نفاس لها. ثم أنهم ذكروا انه ليس لأقل النفاس حد، بل يمكن أن يكون مقدار لحظة و أكثرها عشرة أيام.

و النفساء كالحائض في وجوب الغسل عليها بعد انقطاع دمها، و وجوب قضائها الصوم دون الصلاة، و عدم جواز وطئها و طلاقها حال النفاس، و حرمة مسّها كتابة القرآن و أسماء اللّه تعالى، و قراءتها آيات السجدة أو سورها، و دخولها المساجد و المكث فيها و هكذا.


* نفق النفاق-المنافق*

نفق الفأر ينفق من باب قتل دخل في جحرة و خرج من جحرة فهو ضد، و نافق في دينه ستر كفره بقلبه و أظهر ايمانه بلسانه فهو منافق، و في المفردات: النفق الطريق النافذ و السرب في الأرض النافذ فيه و منه النفاق و هو الدخول في الشرع من باب و الخروج عنه من باب، و على ذلك نبّه بقوله‌ (إِنَّ اَلْمُنََافِقِينَ هُمُ اَلْفََاسِقُونَ) أي الخارجون من الشرع انتهى.

و في النهاية: النفاق و ما تصرف منه اسما و فعلا اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، و هو الذي يستر كفره و يظهر إيمانه، و ان كان أصله في اللغة معروفا، يقال نافق ينافق منافقة و نفاقا، و هو مأخوذ من النافقاء أحد حجرة اليربوع إذا طلب من واحد هرب إلى الآخر و خرج منه انتهى.

و كيف كان النفاق إظهار شي‌ء و إضمار خلافه، و قد كثر استعمال النفاق أعني خصوص باب المفاعلة من هذه المادة و مشتقاته، في هذه المعنى في الكتاب و السنة بحيث صار مصطلحا شرعيا متشرعيا فقهيا و رتب عليه أيضا في الشريعة أحكام كثيرة في موارد من الفقه، إلاّ ان الأصحاب لم يضعوا له بابا مستقلا في الفقه ليبحثوا عنه موضوعا و حكما مع كونه جديرا بهذا المعنى.

ثم ان النفاق قد يكون في الدين بإظهار الإسلام و إضمار الكفر، و بد يكون في غيره من أمور الدنيا من الأعمال و الشؤون الفردية و الاجتماعية، فيظهر الرجل شيئا منها و هو على خلافه، و على الأول، فمع تبين الموضوع لأحد و علمه بان الشخص الفلاني كذلك فهل يجب عليه ان يحكم بكفره و يرتب اثاره بمقتضى باطنه، و ان هو أقر بالإسلام ظاهرا أو يحكم بإسلامه وفق إقراره و يرتب آثار الإسلام أو يجب عليه ان يفصل بين الآثار فيرتب ما يقتضيه ضرورة العشرة في الظاهر دون غيره وجوه، أوسطها الأوسط، يدل عليه أوّلا ما ثبت من عمل النبي (ص) و كيفية عشرته مع أصحابه و أمته و ترتيب آثار المسلم على الجميع مع علمه بوجود المنافق فيهم بل و علمه بالمنافق منهم.

و ثانيا-إطلاق ما دل من النصوص على قبول الإسلام ممن أقر بالشهادتين من غير


اشتراط الفحص عن باطنه بل و مع الشك فيه أو العلم بعدم اعتقاده باطنا، و ثالثا-جريان سيرته (ص) و سيرة خلفائه على ذلك و ترتيب آثار الإسلام، و لعل من مصاديقه ما لو علم بعروض الشك لأحد في دينه مع عدم اقدامه على تحصيل اليقين أو علم بارتداده باطنا مع خفائه أمره و إقراره بالشهادة ظاهرا.

ثم انه قد نزل في الكتاب الكريم أحكام متعلقة بالنفاق و ذموم و وعيدات متوجهة إلى المنافق تكشف عن كفرهم في الواقع، بل و كون النفاق أقبح من الكفر و عذاب المنافق في الآخرة أشد من عذاب الكافر، و قد وقع التعرض فيه أيضا لأمور من أقوالهم و أعمالهم و سوء عشرتهم مع المسلمين، كقولهم عند دعوتهم إلى غزوة أحد (لَوْ نَعْلَمُ قِتََالاً لاَتَّبَعْنََاكُمْ) و قوله تعالى‌ (يَقُولُونَ بِأَفْوََاهِهِمْ مََا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) و قولهم في المقتولين بأحد (لَوْ أَطََاعُونََا مََا قُتِلُوا) و مراسلتهم مع كفار خيبر (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ . وَ إِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) و استمرارهم على النفاق و لم يطلع عليهم النبي (ص) و قد علم اللّه بهم، و كونهم من الأمرين بالمنكر و الناهي عن المعروف و قولهم في حق غزاة بدر (غَرَّ هََؤُلاََءِ دِينُهُمْ) و كونهم خائفين دائما من ان تنزل سورة تنبئهم بما قلوبهم، و شهادتهم برسالة النبي (ص) مع شهادة اللّه تعالى بكونهم كاذبين، و قولهم‌ (لاََ تُنْفِقُوا عَلى‌ََ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اَللََّهِ حَتََّى يَنْفَضُّوا) و قولهم في بعض غزوات النبي‌ (لَئِنْ رَجَعْنََا إِلَى اَلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ اَلْأَعَزُّ مِنْهَا اَلْأَذَلَّ) مريدين من الأعز أنفسهم و من الا ذلّ النبي (ص) و أصحابه، و غير ذلك مما ذكر في الكتاب الكريم الثابت في حق كل منافق في كل عصر و مصر.

* نفق النّفقة*

النفقة في اللغة اسم من الإنفاق، و النفقة ما تنفقه من الأموال، و نفق الشي‌ء نفد و قلّ، فالإنفاق الإنفاذ و الإفناء، و قد استعمل الإنفاق في الغالب في الإزالة، فالإنفاق إزالة النفاد و القلة، و في المفردات: و النفقة اسم لما ينفق قال تعالى‌ وَ مََا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ ، و قال‌ وَ لاََ يُنْفِقُونَ نَفَقَةً انتهى، و النفقة مستعملة في الفقه في باب النكاح فيما يجب إنفاقه أو يستحب،


بل هي حقيقة متشرعية فيه في هذا الباب أو مطلقا، هذا بالنسبة لبيان المفهوم من الكلمة- و أما الحكم فليعلم أولا أن الإنفاق على الأولاد بالمعنى الأعم من إرضاعهم، و على الأرحام و الزوجات، مما يقتضيه طبع الإنسان بل الحيوان في الجملة، و به استقام أمر مجتمعهم، و استقر عيشهم، و استمر نظام حياتهم، و ليس ذلك مما اخترعه الشارع و تعبد به الناس تأسيسا، بل قد أمضى ما جرت عليه سيرة العقلاء، و تصرف في بعض خصوصياته كيفا أو كمّا، و منع من بعض ما لم يكن صلاحا في نظامهم، و قد ذكر الأصحاب في إيضاح حال الإنفاق و بيان أقسامه و أحكامه في الشريعة، أنه على قسمين الإنفاق على الزوجة و الإنفاق على العمودين الآباء و الأولاد.

* نفق زوج نفقة الزوجة*

أما الأول فقالوا أن ثبوت نفقة إنسان على آخر يكون بأسباب ثلاثة، الزوجية و القرابة و الملك، و الأول مشروط بشروط، أحدها أن تكون الزوجة دائمة، ثانيها أن تكون مطيعة له فيما يجب عليها، ثالثها أن يكون كل منهما قابلا للاستمتاع من الآخر بأن يكونا مراهقين أو كبيرين أو بالاختلاف، و حينئذ فتملك عليه نفقة كل يوم في صبيحة ذلك اليوم، و تسقط النفقة بعدم تمكينها منه لا لعذر، و العذر نظير الحيض، و النفاس، و الإحرام، و المرض، و السفر بإذنه، أو السفر الواجب، و تثبت لذات العدة الرجعية ما دامت في عدتها حائلا كانت أو حاملا.

* نفق رحم نفقة الأرحام*

و أما الثاني فقد ذكروا انه يجب على كل مكلف الإنفاق على عموديه الأبوين و آبائهما و أمهاتهما و إن علوا، و أولادهم و ان نزلوا، ذكورا كانوا أو إناثا، صغارا أو كبارا، و لا يجب على غير العمودين من الأرحام، و يشترط فقرهم فعلا، فلا يجب على القادر و لو في أيام أو شهور، و ان كان فقيرا شرعا غير مالك لقوت سنته، و يشترط في‌


وجوب الإنفاق عليهم، زيادتها على نفقة نفسه و زوجته فلها مراتب فإنه لو حصل عنده مقدار كفاية نفسه من القوت و اللباس و غيرهما، اقتصر على نفسه، و لو فضل كان لزوجته، و لو فضل كان للعمودين، و المراد بالمقدار الواجب قوت يوم و ليلة.

* نقد النقد و النقدان*

النقد قد يستعمل في اللغة مصدرا بمعنى تميز الشي‌ء عن غيره، يقال نقد الدراهم ميّزها، و نقد الكلام أظهر ما به من العيوب و المحاسن، و قد يستعمل في أعيان خارجية خاصة اعتبر العقلاء لها مالية استقلالية، في حدود معينة و مراتب مختلفة، فجعلوها ميزانا و ملاكا لتعيين مالية سائر الأعيان و الأموال، و سمّوها نقودا، و تختلف جواهرها باختلاف الأعصار، و الأمصار و الممالك و الأقطار، و قد كانت في عصر صدور الروايات منحصرة في الذهب و الفضة و الفلوس السود، و كان ينصرف إطلاقها آنئذ إليها مع غلبة الفضة في التداول و الرواج، فان بها كان تحدّ قيم الأشياء في الغالب، بل و مالية نفس الذهب أيضا، و قد كثر استعمال النقد في الأعصار المتأخرة في القراطيس و الأوراق المتداولة بين الأمم كلهم في جميع ممالك الأرض و دولهم على اختلاف كثير في أقسامها و خصوصياتها، و ان لم يسقط بذلك الذهب و الفضة المسكوكين عن التداول في الجملة فضلا عن المالية.

ثم انه قد ذكر النقد في النصوص و كذا الدرهم و الدينار، و رتب عليها آثار، و ذكرها الأصحاب في الفقه و تعرضوا لحالها و أحكامها في خلال الفقه في مختلف الموارد، نظير تعيين قيم الأعيان الخارجية في مقام المعاملات، و أداء الحقوق الشرعية، و تعيين أجرة المثل للأعمال و المنافع إذا احتج إليها، و مهر المثل للبضع، و قيم التالف في القيميات و المتعذّر في المثليات، و القيمة التخييرية في دية النفوس و الأعضاء و المنافع و أروش الجنايات، و قيمة بدل الهدي في الحج و غير ذلك من الموارد.


* نكح النكاح*

النكاح و النكح مصدران للثلاثي بمعنى الوطء، يقال نكح نكاحا و نكحا وطء، و النكاح الاختلاط يقال نكح المطر الأرض اختلط بثراها، و النكاح الانضمام يقال تناكحت الأشجار انضم بعضها إلى بعض، و النكاح أيضا التزويج أي العقد يقال نكح المرأة تزوجها و عقد عليها، قال في المفردات: أصل النكاح للعقد ثم أستعير للجماع و محال أن يكون في الأصل للجماع ثم أستعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه.

و يقرب منه كلمة الزواج فإنه يطلق في اللغة على العقد فيقال زوّجه امرأة، و يقال زوج الشي‌ء بالشي‌ء قرنه به، زاوجه خالطه و قارنه، و تزوجه النوم خالطه.

و الظاهر مما ذكر أن النكاح في اللغة على معان منها التزويج بمعنى العقد أي إيجاد العلقة الاعتبارية و حيث أن الاعتباريات في الغالب عبارة عن فرض أمور متأصلة، موجودة في وعاء الاعتبار، فيمكن أن يكون كل من الخلط و المقارنة و الانضمام الاعتباريات منشأ بالعقد أيضا، فالموجب في هذا العقد يمكن أن ينشأ العلقة الخاصة المعروفة عند العرف، و ان ينشأ اختلاط الزوج و الزوجة في العيش و شؤونه، و كذا قرانه بها أو انضمامه إليها فيه، لكن المشهور المتداول هو الأول منها.

فالأولى أن نقول ان النكاح و الزواج في مصطلح الشرع و الفقه عبارة عن علقة خاصة اعتبارية قابلة للجعل و الإنشاء بلفظ و شبهه، و قد ذكروا في إيضاح حقيقته و بيان آثاره و أحكامه أمورا هامة نشير إلى ما يناسب وضع الكتاب و أهداف البحث.

الأول: ذكروا أن النكاح راجح بذاته و مقتضى طبعه، مع ملاحظة الغرض في خلقة الإنسان، فإن اللّه قد شاء بمشية بالغة و أراد بإرادة نافذة بقاء نسل الإنسان إلى فناء الدنيا، و لا يتحقق ذلك إلاّ بالزواج و التناسل فهو واجب عقلي كما أنه واجب شرعي كفائي على المجتمع البشري، و حصول الغرض في الخارج قطعا بالمقدار المعلوم يغني عن تحفظ كل فرد و رعايته له، و قد ورد حثوث تامة في نصوص خاصة و عامة، على لزوم الاهتمام بأمر


الزواج لكل بالغ عاقل، لمصالح كثيرة فردية و اجتماعية في ذلك، و مفاسد كبيرة غير محصورة في ترك ذلك، و لذلك قد روعي فيه بعض التسهيلات المعجبة، كجواز تزوج الولي الصغير و الصغيرة من حين تولدهما من مماثل في السن و غير مماثل، لمصالح في ذلك لعل منها أن يمنعها ذلك عن الوقوع في العصيان في أوائل بلوغهما و قبل الزواج منهما.

و تشريع عقد الانقطاع، و إباحة نكاح المجهول حالها إذا أخبرت بعدم البعل لها بل و جواز التزويج مع رضاها به من غير سؤال و غير ذلك.

الثاني: ان عقده مؤكدة بالنسبة إلى سائر العقود، رعاية لأهميته حيث لا تجري المعاطاة فيه على ما هو المتفق عليه، و يشترط فيه شروط خاصة، و لا يجري فيه الفسخ و أغلب الخيارات الجارية في غيره إلاّ نادرا و لا تجري فيه الإقالة.

الثالث: ذكر الأصحاب انه يحرم النكاح و الزواج بين الرجل و المرأة لأسباب خاصة، يوجب بعضها الحرمة الدائمة و بعضها الحرمة المؤقتة، أو المشروطة، و هي عبارة عن النسب، و الرضاع، و المصاهرة، و الوطء، و تزويج المعدة، و ذات البعل، و استيفاء العدد، و التطليق تسعة عدّية، و التزويج حال الإحرام، و اللعان بين الزوجين، و الكفر، فنقول في توضيحها إجمالا:

1-أمّا النسب فهو سبب لحرمة طوائف من النساء على الرجال حرمة دائمية و لحرمة طوائف من الرجال على النساء كذلك فيحرم على الرجل سبعة أصناف من النساء و هن:

أمهاته، و بناته، و أخواته، و عماته، و خالاته، و بنات أخيه، و بنات أخته، و يحرم على المرأة أيضا سبعة أصناف من الرجال و هم: آباؤها، و أبناؤها، و إخوانها، و أعمامها، و أخوالها، و أبناء أخيها، و أبناء أختها، و قد دلت آية التحريم المباركة على المحرّمات مطابقة و على المحرّمين التزاما قال تعالى‌ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهََاتُكُمْ وَ بَنََاتُكُمْ وَ أَخَوََاتُكُمْ وَ عَمََّاتُكُمْ وَ خََالاََتُكُمْ وَ بَنََاتُ اَلْأَخِ وَ بَنََاتُ اَلْأُخْتِ) (النساء، 23) و التفصيل تحت عنوان النسب.

2-و أما الرضاع فكل رجل تحقق بينه و بين امرأة أحد العناوين السبعة المذكورة بواسطة الرضاع حرمت عليه، لكون الرضاع لحمة كلحمة النسب، كما أن كل امرأة تحقق‌


بينها و بين رجل أحد تلك العناوين حرم عليها، و التفصيل تحت عنوان الرضاع.

3-و أما المصاهرة فهي العلقة الحاصلة بين كل من الزوج و الزوجة و أقرباء الأخر، فإنه بمجرد وقوع العقد الصحيح بينهما يحرم عليه من أرحامها طوائف، كأم الزوجة، و بنتها، و أختها، و بنت أخيها، و بنت أختها، و تحرم الزوجة على أب الزوج و ابنه و هكذا و التفصيل تحت عنوان المصاهرة.

4-و أما الوطء قبلا أو دبرا فالمراد به قسم خاص حرّمه اللّه تعالى و رتب عليه حرمة طوائف من النساء، فمنه وطء ذات البعل الدائمة أو المنقطعة حراما عالما بكونها ذات بعل أو جاهلا، و منه وطء المرأة المعتدة الرجعية حراما، فتحرم الموطوءة على الواطي مؤبدا منه وطء الغلام فإنه يحرم بذلك على الواطي أم الغلام و بنته و أخته.

5-و أما النكاح فإنهم ذكروا انه إذا عقد الرجل على المرأة في عدة الغير أو عقد على زوجة الغير عالمين بالحكم و الموضوع حرمت عليه أبدا و ان لم يدخل بها، و كذا إذا كانا جاهلين بهما أو بأحدهما مع الدخول.

6-و أما استيفاء العدد فهو في تزويج الرجل أربع نسوة دائميات، فإنه يتم بها النصاب و يحرم الخامسة و ما زاد دواما و لا نصاب و لا عدد في المنقطعات.

7-و أما التطليقات المحرمة فهي تطليق الرجل زوجته تسعا عدّية، فإنها تحرم عليه بعد ذلك أبدا و التفصيل تحت عنوان العدة أو الطلاق.

8-و أما التزويج حال الإحرام، فإذا عقد الرجل المحرم لنفسه حال إحرامه، حرمت المعقودة عليه أبدا كانت المرأة أيضا محرمة، أو محلة و إذا عقد عليها حال إحرامها حرمت عليه أبدا كان هو أيضا محرما أم لا.

9-و أما اللعان بين الزوجين فإنه سبب لحرمة الزوجة على الزوج دائما، و الحكم مذكور في باب اللعان.

10-و أما الكفر فيحرم على الرجل المسلم نكاح الكافرة غير الكتابية، و على المرأة المسلمة نكاح الكافر مطلقا كتابيا أو غيره، و التفصيل تحت عنوان الكفر.


* نمم النميمة*

النميمة في اللغة كما في القاموس التحريش و الإغراء، و رفع الحديث إشاعة له و إفسادا، و في المجمع مشاء بنميم أي قتات نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية و الإفساد.

و قد وقعت النميمة موضوعا للحكم في الشريعة و ذكرها الأصحاب في الفقه، فعرفها العلامة الأنصاري بأنها نقل قول الغير إلى المقول فيه، كان يقول تكلم فلان فيك بكذا و كذا، من نم الحديث أي سعى به لإيقاع فتنة أو وحشة انتهى و ذكروا انها من الكبائر، و انها محرمة بالأدلة الأربعة، و النمام قاطع لما أمر اللّه به أن يوصل و مفسد و الفتنة أكبر من القتل.

هذا و ظاهرهم اختصاص النميمة بنقل كلام من شخص إلى آخر للإفساد بينهما، و لكن الظاهر أن ذلك من باب التمثيل و إلاّ فالنميمة أعم من ذلك، بل تشمل نقل فعل أو اعتقاد من شخص بالنسبة لشخص آخر يورث قلة محبة المنقول إليه للمنقول عنه أو زوالها أو حصول تنفره عنه أو تولد عداوة بينهما من غير فرق بين كيفية النقل، و كونه قولا أو كتابة أو رمزا أو إيماء أو غير ذلك، و هذا هو الملاك في تحريم النميمة و أما كون المنقول مما يكرهه المنقول عنه، أو كان فيه كشف السر و هتك الستر، أو كان مما ليس فيه، فهي مما يوجب انطباق عنوان الغيبة و الهتك و البهتان على المورد، و الكل خارج عن العنوان المبحوث عنه، ثم ان هذا قد يكون بالنسبة لشخصين و قد يكون بالنسبة لأشخاص أو طائفة و قبيلة فللنميمة مراتب مختلفة لم يفصلوها في الفقه و شمول الحرمة لجميع المراتب محل إشكال.

* نوي النية*

هي في اللغة بمعنى القصد يقال نوى الشي‌ء قصده و عزم عليه، و في المجمع النية هي القصد و العزم على الفعل، اسم من نويت نية و نوأة أي قصدت و عزمت انتهى، و هذه هي المراد بالداعي المذكور في كلمات الأصحاب يريدون به العزم و الإرادة المحركة نحو العمل، ـ


و أما الإخطار بالبال المذكور في كلمات البعض فهو من مقدمات النية و الإرادة، و ما ستسمعه من اشتراطها في العمل لا يراد به أصل وجودها و صدور العمل بالإرادة، فإنه مما لا بد منه في كل عمل إرادي، بل المراد كون العلة الغائية في العمل التقرب و امتثال الأمر.

ثم ان هنا أمورا يتضح بها حال النية و أحكامها:

الأول: ان عمدة البحث عن النية في الفقه قد وقعت من جهة كونها مأخوذة في العبادة بالمعنى الأخص جزءا أو شرطا، و الظاهر أنه لا إشكال بل و لا خلاف في كونها مأخوذة فيها على نحو الركنية بحيث تبطل العبادة بتركها عمدا أو سهوا، و في الجواهر انه كذلك إجماعا منا محصلا و منقولا مستفيضا أو متواترا بل من العلماء كافة بل عن بعض انه لم يقل أحد بأنها ليست بركن انتهى، نعم قد يقع الخلاف في كيفية الأخذ و أنها على نحو الجزئية أو غيرها.

الثاني: انه قد يبحث في الفقه عن النية من جهة كونها محققة لعبادية العمل غير العبادي الصالح لكونه عبادة إذا أتى بها بقصد التقرب، فتكون سببا لاستحقاق الفاعل الأجر و المثوبة له و ان لم يكن كذلك بطبعه، و يتصور ذلك في الواجبات و المندوبات التوصلية، بل و المباحات بالذات القابلة لانطباق العناوين الراجحة عليها، فتكون عبادة بالقصد و التقرب و هذه من العبادة بالمعنى الأعم.

الثالث: انهم ذكروا ان الغاية الملحوظ في النية و المحققة لعبادية العمل أمور، أحدها قصد امتثال أمر اللّه تعالى أي المثول و القيام و الشخوص بين يدي المعبود، ثانيها قصد التقرب إلى المعبود، ثالثها قصد الشكر لنعمه تعالى، رابعها قصد تحقق المصالح الكامنة في المأمور به التي هي السبب الغائي لأمره، خامسها قصد تحصيل رضاه تعالى، سادسها إتيانه حبا للمعبود تعالى، سابعها إتيانه لكونه أهلا للعبادة، ثامنها قصد ثوابه الأخروي، تاسعها قصد الفرار من العقاب الأخروي، عاشرها قصد المثوبات الدنيوية، حادي عشرها قصد الفرار من العقوبات الدنيوية إلى غير ذلك، و ذكروا أنها مختلفة في مراحل كمال العبادة و أن أعلاها قصد امتثال أمره تعالى لأنه أهل للعبادة و الطاعة لكن في‌


الرواية أن أعلاها الإتيان بها حبا للّه تعالى. راجع عنوان العبادة أيضا.

الرابع: لا إشكال عند الأصحاب في اشتراط الخلوص في نية العبادات و كونه شرطا في الطاعة، و معناه عدم دخل قصود أخر غير اللّه تعالى في العمل العبادي استقلالا أو انضماما، و الضمائم على أقسام، أحدها الرياء و هو إيجاد العمل لإرادة الناس و هو سبب لبطلان العمل بل و صيرورته من المحرمات و التفصيل تحت عنوان الرياء، و ثانيها انضمام غير الرياء من الضمائم المحرمة و هذا ان اتحد مع العمل أبطله على اختلاف في ذلك كما إذا أتى به لوجوبه و لإيذاء مؤمن أو للفرار عن مولاه و ان لم يتحد كما إذا طاف لوجوب الطواف و للنظر إلى الأجنبية مثلا لم تبطل العبادة، ثالثها الضمائم المحللة مكروهة أو مباحة كالإجهار في قراءة الصلاة لوجوبها و لإيقاظ الغير، و حينئذ فإن كانت تبعا و داعي القربة مستقلا صح العمل، و ان انعكس أو كان كلا الداعيين مؤثرين بالانضمام بطل و إن كانا مؤثرين بالاستقلال ففيه إشكال.

الخامس: ذكروا في النية أبحاثا هامة يبتلى بها المكلف في جميع أبواب العبادة، عمدتها في باب الوضوء و الصلاة نظير انّه تجب استدامتها إلى آخر العبادة و لو حكما، بأن تبقى حقيقة القصد في خزانة الخيال، و تكون الحركة مسببة عنها و ان عرض خطورات مختلفة بحيث لو سئل عن المقصد لأجاب، في مقابل ما لو سئل عنه بقي متحيرا فإنها حينئذ غير باقية، و أنّه هل يجب تعيين مراتب الأمر مع التعدد كالوجوب و الندب، و انّه يجب تعيين المنوي تفصيلا أو إجمالا مع التعدد كالظهر و العصر و الأداء و القضاء و القصر و الإتمام و أنّه لو نوى القطع أو القاطع هل يبطل العمل بمجرد ذلك أو لا يبطل إذا رجع قبل الإتيان بالمنافي، و أنّه لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى إلاّ في موارد خاصة كالظهرين و العشاءين إذا أخطأ عند الشروع، فإنه يعدل من اللاحقة إلى السابقة دون العكس، و لا فرق بين كون المترتبين ادائيين أو قضائيين، و كالعدول من الحاضرة إلى القضاء، و من الفريضة إلى النافلة في الجملة و من الجماعة إلى الانفراد كذلك و من القصر إلى التمام و بالعكس فيما إذا تبدل قصد المصلي في الإقامة و السفر و غير ذلك.


* وهب نحل عطو الهبة-النحلة-العطية*

الهبة في اللغة تمليك الشي‌ء بلا عوض يقال وهب المال فلانا و لفلان إذا أعطاه بدون عوض، و الهبة أيضا الشي‌ء الموهوب، و هي غير الصدقة، و في المفردات: الهبة أن تجعل ملكك لغيرك بلا عوض انتهى، و في النهاية: هي العطية الخالية من الأعواض و الأغراض فإذا كثرت سمّي صاحبها الوهّاب انتهى.

و في اصطلاح الفقهاء عبارة عن إنشاء تمليك عين بلا عوض بقول أو فعل، فهي موافقة للمعنى اللغوي و لا ينتقض بالهبة المعوّضة فإنّ العوض فيها ليس للعين بل لنفس الهبة، فهي هبة بلا عوض في مقابل هبة مثلها.

ثم أن الأصحاب ذكروا أنه يشترط في تحقق ماهيتها أمور: إنشاء التمليك، و الواهب، و المتهب، و الموهوب، فيفتقر الهبة إلى الإيجاب من الواهب و القبول من المتهب، و يقعان بكل لفظ دال على المقصود و كل فعل كذلك، نظير تسليم العين بقصد التمليك المجاني و تسلمها كذلك، و يشترط في كل من الواهب و الموهوب له البلوغ، و العقل، و القصد، و الاختيار، و يكفي حصول ذلك في وليهما أيضا و في الواهب عدم حجره لسفه أو فلس، و في الموهوب له صلاحية التملك فلا تصح هبة المصحف للكافر، و في العقد القبض و الإقباض، و الهبة عقد جائز فللواهب الرجوع فيها إلاّ في موارد: إذا كانت لرحم، و إذا تلفت العين عند المتهب، و إذا كانت معوضة، و إذا قصد بها القربة.

* هجو أمن هجاء المؤمن*

الهجاء بالكسر ممدودا في اللغة مصدر من هجا يهجو هجوا و هجاء عدّد معايبه و وقع فيه و شتمه، فهو هاج و ذاك مهجوّ، و عن عدة من كتب اللغة انه خلاف المدح فيعم ذكر ما فيه من المعايب و ما ليس فيه.

و ليس له اصطلاح خاص في الفقه و عن جامع المقاصد تخصيصه بذكر ما فيه بالشعر و هو غير سديد، و كيف كان فقد رتب عليه الحكم في الشريعة و وقع البحث عنه في الفقه، فذكروا أن هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة لأنه همز و لمز و أكل لحم و تعيير و إذاعة سر،


و أنه لا فرق في المؤمن المهجوّ بين الفاسق و غيره، و قد استثنوا من ذلك هجاء الفاسق المتجاهر بالفسق، أو المبدع في الدين، و هجاء غير المؤمن و غير المسلم بشرط أن لا يكون بهتانا فراجع المبسوطات.

* هدي ذبح نحر الهدي-الذبح-النحر*

الهدي في اللغة مصدر بمعنى الهداية، و الهدي الطريقة، و الهدي أيضا ما أهدي إلى الحرم من النعم، و في المجمع: الهدي و الهديّ على فعيل لغتان و هو ما يهدى إلى بيت اللّه الحرام من بدنة أو غيرها الواحدة هدية و هديّة، و الهدى المصطلح في الفقه أو الذي يغلب استعماله فيه هو الحيوان الذي يجعل نحره أو ذبحه جزءا من حج أو مقرونا بإحرام حج أو عمرة. و ذكروا له شروطا نظير انه يشترط أن يكون إحدى النعم الثلاث الإبل و البقر و الغنم، و أن يشتمل على الأمور التالية:

الأول: السن فيعتبر في الإبل الدخول في السنة السادسة و في البقر و المعز في السنة الثالثة، و في الضأن في الثانية.

الثاني: الصحة و السلامة من المرض و العيب.

الثالث: أن يكون تام الأجزاء فلا يكفي الخصي و لا مقطوع الذنب و الأذن و مكسور القرن الداخل و واضح العرج و العمى.

* هلل الهلال*

الهلال في اللغة غرة القمر و يسمى هلالا لليلتين من أول الشهر أو إلى ثلاث، أو إلى سبع، و لليلتين من آخر الشهر أي ليلة ست و عشرين و سبع و عشرين، و في غير ذلك هو القمر، و في المجمع: إنما سمي هلالا لأن الناس يرفعون أصواتهم بالاخبار عنه، من الإهلال الذي هو رفع الصوت انتهى، و في المفردات: الإهلال رفع الصوت عند رؤية الهلال ثم استعمل لكل صوت انتهى.


أقول الظاهر أن الموضوع الأول للكلمة الهلال الذي هو اسم جامد، و لذا ليس للكلمة فعل ثلاثي، و هو مبدأ المشتقات حينئذ كالإهلال و الاستهلال و قد أرادوا بهما رفع الصوت بالهلال لا الإيجاد، ثم أستعير لكل رفع الصوت كالإهلال للحج و استهلال الصبي، و كيف كان فالهلال قد وقع في الشريعة متعلقا للأحكام الشرعية و موردا للبحث عنه في الفقه، قال تعالى‌ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوََاقِيتُ لِلنََّاسِ وَ اَلْحَجِّ) ، فيه يوقت و يؤرخ كل حادثة احتاجت إلى التوقيت و التأريخ، كالمواليد، و الوفيات، و الديون، و العقود، و الإيقاعات و غير ذلك، و هذا هو التوقيت بالشهور القمرية و هو الذي كان مشهورا متعارفا في صدر الإسلام، بل لم يكن عند العرب انئذ غيره، بل و لعل الأمر كان كذلك عند غيرهم أيضا لكون الهلال أو القمر هو القابل لرؤية العوام، و الصالح لتوقيتهم، و قد مر ما يناسب ذلك تحت عنوان الشهر و اليوم و غيرهما.

* هكل عبد هياكل العبادة*

الهيكل في اللغة الشجر الطويل العظيم، و البناء الكبير المرتفع، و الحيوان الضخم الكبير الجثة، و كل صورة و شخص و تمثال، و الجمع هياكل.

و ذكر الأصحاب في الفقه تحريم كل هيكل صنع للعبادة له، كان من الذهب أو الفضة أو الشجر أو غيرها، و كانت العبادة على نحو الاعتقادية بربوبيته، أو كونه مقربا إلى اللّه تعالى، أو كونه واسطة في الرزق، أو كونه دخيلا في قضاء حوائج الإنسان، أو في دفع الشرور عنه و ما أشبه ذلك، فقالوا إنّ جعله، و اختراعه، و حفظه، و بيعه، و أخذ ثمنه، و أخذ الأجرة على شي‌ء من ذلك حرام محرم، فإنه مما يجي‌ء منه الفساد محضا و كلما كان كذلك فقد دل النص على أنه حرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه و جميع التقلب فيه من وجوه الحركات، و مثلوا له بالأصنام و الصلبان، و الظاهر أن ذلك لم يكن فيه ريب في بدو ظهور الإسلام حكما و موضوعا و أما في عصرنا هذا فمتى علم بتحقق ذلك بأي وجه، كان حراما أيضا.


* ودع الوديعة*

الوديعة في اللغة صفة من ودع الشي‌ء يدعه إذا تركه، فالعين وديعة أي مودوعة متروكة، و في المجمع: و الوديعة واحد الودائع فعلية بمعنى مفعولة، و هي استنابة في الحفظ، و استودعته وديعة استحفظته إياه.

و هي في اصطلاح الفقه عبارة عن إنشاء استنابة في الحفظ و قبولها، فهي عقد يحتاج إلى إيجاب و قبول، و الموجب المالك و القابل الودعي، و مورد العقد الوديعة و يؤدى بكل لفظ أفاد المقصود عند العرف.

ثم انهم ذكروا انها من العقود الجائزة من الطرفين، فللمالك استرداد ماله متى شاء و للمستودع ردّه كذلك، و يعتبر في المودع و المستودع شرائط العقد من البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر في المودع، و يجب بعد العقد حفظ الوديعة بما جرت العادة بحفظها، و لو فسخ الودعي العقد من عند نفسه خرجت الوديعة عن الأمانة المالكية و صارت عنده أمانة شرعية و وجب ردّها فورا. ثم أن الوديعة أمانة و الأمانة على قسمين مالكية و شرعية ذكرناهما تحت عنوان الأمانة.

* وصي الوصية*

الوصية مصدر أوصى يوصي و وصّى يوصي، فهي مرادف للإيصاء و التوصية و معناها العهد الذي يعبر عنه بالفارسية بـ (سفارش) ، و كل من أوصى و وصّى يتعدى إلى الشخص المعهود إليه بنفسه و بإلى، و إلى مورد العهد بالباء، يقال أوصى زيد ولده أو إلى ولده بكذا، قال تعالى‌ (وَ وَصََّى بِهََا إِبْرََاهِيمُ بَنِيهِ) (البقرة: 132) (وَ أَوْصََانِي بِالصَّلاََةِ وَ اَلزَّكََاةِ) (مريم: 31) و كثيرا ما يستعمل متعديا باللام و يراد به إعطاء المال له يقال أوصى لفلان بكذا أي جعله له بعد موته.

و كيف كان فالوصية في اصطلاح الأصحاب معنى إنشائي ينشئه الشخص حال حياته متعلقا بأمور بعد مماته، و لذلك يقال إن الوصية من الإنشاءات المعلقة، أو إنها تصرف فيما


بعد الموت فلا بد لها من لفظ كأوصيت أو وصّيت أو عهدت أو ما أشبه ذلك.

و الأصحاب قد قسموها باعتبار المتعلق إلى تمليكية و عهدية و تحريرية، فإنه ان أوصى بإعطاء مال أو حق لأحد كانت تمليكية و ان أوصى بتصرف في ماله أو بأمر يتعلق بأولاده أو بتجهيزه كانت عهدية، و ان أوصى بعتق عبده أو جعل ملكه مسجدا أو مدرسة مثلا كانت تحريرية.

ثم أنه وقع الاختلاف في كلماتهم في كونها عقدا مطلقا أو إيقاعا كذلك أو كونها عقدا تارة و إيقاعا أخرى، و الظاهر أنه إيقاع في العهدية و التحريرية بل و في التمليكية أيضا كما ستعرف، و يظهر منهم أن المسألة على صور: فإنه اما أن يكون الوصية عقدا و يكون القبول جزءا منه، أو يكون إيقاعا و القبول شرطا في تأثيره، و على التقديرين فاما أن يكون تأثير القبول على نحو الكشف عن تحقق المفاد بالموت، أو النقل بمعنى حصوله من حينه، أو تكون الوصية إيقاعا مؤثرا في الملكية المتزلزلة و القبول شرطا لاستقرارها، أو تكون مؤثرة في الملكية المستقرة و لا أثر للقبول، أو ان الرد سبب للإبطال فالصور ست أو سبع، و بعضها قول للأصحاب و قد يدعى أن المشهور هو جزئية القبول على الكشف، فالوصية من العقود و لا يبعد رجحان الأخير لصدق الوصية بعد الإنشاء و موت الموصي، فتشملها حرمة التبديل، و استلزامه الملك غير الاختياري غير مانع، لإمكانه ثبوتا و دلالة الدليل عليه إثباتا.

و لا يعتبر فيها لفظ خاص فيكفي في التمليكية أعطوا لفلان كذا، و في العهدية افعلوا بعدي كذا و للوصية التمليكية أركان ثلاثة الموصي و الموصى به و الموصى له، و العهدية ان لم يعين من ينفذها قامت بالوصي و الموصى به، و ان عين قامت بهما و الموصى إليه. و يعتبر في الموصي البلوغ، و العقل، و الاختيار، و الرشد، و ان لا يكون قاتل نفسه متعمدا، و إلاّ لم تصح وصيته في أمواله، و الوصية ان كانت بواجب مالي كالديون الخلقية و الخالقية، يخرج من أصل المال و ان استوعبت التركة، بل يجب ذلك و ان لم يوص، و مثله الواجب المالي و البدني كالحج الواجب و لو بالنذر، و ان كانت تمليكية أو عهدية تبرعيّة نفذت في مقدار


الثلث و الزائد يتوقف على إجازة الورثة. و المراد الثلث حين الموت لا حين الوصية، و يلاحظ الثلث بعد إخراج مؤنة التجهيز، و أداء الديون، فهي في المرتبة الثالثة و بعدها الإرث.

* وضأ الوضوء*

الوضوء في اللغة اسم مصدر بمعنى النظافة، من وضوء من باب شرف صار نظيفا حسنا، و توضأ بالماء تنظف و اغتسل، و الوضوء بالفتح ما يتوضأ به، و في النهاية: قد تكرر في الحديث ذكر الوضوء و الوضوء فالوضوء بالفتح الماء الذي يتوضأ به كالفطور و السحور، و الوضوء بالضم التوضؤ و الفعل نفسه و قد أثبت سيبويه الوضوء و الطهور و الوقود بالفتح في المصادر فهي تقع على الاسم و المصدر، و أصل الكلمة من الوضاءة و هي الحسن و وضوء الصلاة معروف انتهى.

أقول يعرف من ذلك كله ان إطلاق الوضوء على الفعل الخاص لكونه سببا للنظافة و الحسن في الظاهر و للنضارة و الطهارة من ظلمة الذنوب في الباطن.

و أما معناه المصطلح عليه في الفقه و الذي صارت الكلمة فيه حقيقة شرعية و متشرعية، فهو أنه عبادة خاصة متوقفة على النية اخترعها الشارع و جعلها شطرا من الدين و جزءا من العبادات، لها جهة نظافة ظاهرية و طهارة باطنية، و هي محبوبة في نفسها و مطلوبة لغيرها. و في الحديث إنما أمر اللّه به ليكون العبد ذاهب الكسل و النعاس، نقيا من الأدناس، طاهرا عند مناجاة ربه، زكي الفؤاد للقيام بين يديه، و هو طهور و لا صلاة إلاّ بطهور، و هو افتتاح للصلاة، و قد أوضحوا ماهيته الشرعية و مفهومه الاصطلاحي بذكر أجزائه و شرائطه و موانعه و نواقضه و غاياته، فهنا جهات من الكلام.

الأولى: في بيان أجزاء الوضوء فنقول انه عندنا مركب من ثلاث غسلات و ثلاث مسحات، و عبر عنه أيضا في النصوص بأنه غسلتان و مسحتان، و هو عند مخالفينا ثلاث غسلات و مسحة و غسلتان، و لم يعبر في الكتاب الكريم عنه باسمه المعروف بل بشرح أجزائه قال تعالى: (يََا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِذََا قُمْتُمْ إِلَى اَلصَّلاََةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى‌


558

اَلْمَرََافِقِ وَ اِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ) (المائدة 6) ، و حمل الآية المباركة على بيان ما عندنا من حقيقته أظهر لفظا و أنسب معنى مما ذكره العامة، و مرجع الفرق بين المسلكين بالنظر إلى ظاهر الآية الشريفة، إلى عطف الأرجل إلى الوجوه أو إلى محل الرؤوس، و أما بالنظر إلى الأدلة الخارجية فالمسألة واضحة المفاد قاطعة الدليل، و قد فصلوا في الفقه أحكام كل من الغسلات و المستحبات بعد التحقيق في أطرافها، و فرعوا على ذلك فروعا ترجع إلى إتيانها صحيحة تامة عند الشارع مطابقة لأمره، كوجوب كون الغسل من الأعلى، و إحاطته بجميع الأعضاء، و غسل اليدين من المرفق إلى أطراف الأصابع و عدم العكس، و وجوب رفع المانع من محل الغسل و المسح، و عدم المسح على القناع و الجورب و نحوهما إلاّ لتقية.

الجهة الثانية: فيما ذكروه من شرائطه، و هي الأمور الدخيلة في تأثير الإجزاء فيما هو ملاك الطلب و مناط الأمر من المصالح الكامنة في الأفعال، و هي كثيرة أحدها إطلاق الماء و عدم إضافته، ثانيها طهارته و عدم نجاسته، ثالثها إباحة الماء، و الظرف، و المكان بمعنى الفضاء الذي تقع فيه أفعال الوضوء، و مصب الماء على اختلاف في غير الأول، رابعها سعة الوقت للوضوء و الصلاة و إلاّ انتقل إلى التيمم، خامسها الإتيان بالأفعال مباشرة مع القدرة، سادسها الترتيب بين الأفعال بتقديم الغسلات على المسحات، و تقديم غسلة الوجه على اليدين و غسلة يمناهما على يسراهما، و تقديم مسحة الرأس على الرجلين، و عدم تقديم مسحة يسراهما على يمناهما، و أشرنا إلى شي‌ء من ذلك تحت عنوان الترتيب فراجع، سابعها الموالاة بين الأفعال بمعنى حصول التتابع العرفي بينها و ان جف السابق من أعضاء الغسل قبل الشروع في اللاحق، أو عدم حصول الجفاف في أعضاء الغسل و ان لم يحصل التتابع، ثامنها النية أي القصد إلى الفعل بداعي التقرب إلى اللّه أو إحدى الجهات المصححة لعبادية العمل.

الجهة الثالثة: فيما ذكروه من موانعه التي تجب إزالتها و هي التي تمنع تأثير الأجزاء في ملاكاتها الموجبة لتعلق الطلب بها و هي أيضا أمور: أولها وجود المانع عن وصول الماء أو الرطوبة إلى أعضاء الغسل و المسح، ثانيها غصبية الماء و الظرف و الفضاء الذي يقع فيه‌


الوضوء و مصب الماء على اختلاف في غير الأول، ثالثها كون الظرف من الذهب أو الفضة إذا كان يتوضأ برمس الأعضاء فيه أو يصب به الماء على أعضائه، رابعها عدم كون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث كماء الاستنجاء و لو كان طاهرا و أما المستعمل في الحدث الأكبر ففيه اختلاف، خامسها عدم وجود مرض أو خوف عطش في المتوضي أو في غيره بحيث لو توضأ حصل التضرر.

الجهة الرابعة: فيما ذكروه من نواقضه، و هي الأمور التي تكون مزيلة للطهارة و لآثارها فتزول و تنتفي بمجرد حدوثها، و هي في الحقيقة نواقض بالقوة و فعليتها تتوقف على مصادفتها الطهارة الفعلية و هي أمور، الأول خروج البول من المخرج المتعارف طبعا أو عرضا، الثاني خروج الغائط كذلك، الثالث خروج الريح من مخرج الغائط إذا كان من الأمعاء، الرابع النوم الغالب على القلب و السمع، الخامس كل ما أزال العقل مثل الإغماء و السكر و الجنون، السادس خروج دم الاستحاضة القليلة، السابع الجنابة، الثامن خروج البلل المشتبه ممن اغتسل من الجنابة بالإنزال، التاسع مس الميت الإنساني بعد البرد و قبل الغسل، العاشر خروج دم الحيض من المرأة، الحادي عشر خروج دم النفاس منها، الثاني عشر خروج دم الاستحاضة المتوسطة و الكثيرة.

ثم انه قد يطلق عليها اسم السبب و الموجب و فيه مسامحة فإنه لا تأثير لها إلاّ في بطلان الطهارة السابقة، و أما وجوبها بعدها فليس مسببا عنها، بل عن الغايات التي أوجبت طلبها، نعم الستة الأخيرة سبب و موجب للغسل و هو أمر آخر.

تنبيه: فرعوا على ذكر النواقض انه إذا شك المتطهر في طرو بعضها بنى على عدمه استصحابا، و أنّ خروج الدم و غيره من الرطوبات من المخرجين لا يكون ناقضا، و أنّ هنا رطوبات ثلاث تشبه البول و المني و تخرج من مخرجها أحدها ما يخرج بعد الملاعبة و يسمى مذيا، و ثانيها ما يخرج بعد خروج المني و يسمى وذيا، و ثالثها ما يخرج بعد خروج البول و يسمى وديا و كلها طاهر غير ناقض، إلى غير ذلك.

الجهة الخامسة: فيما ذكروه من غاياته و المراد بها هنا ما للوضوء نوع دخل فيه تعبدا، و هي أقسام. ـ


الأول: ما يكون الوضوء سببا لحدوثه و تحققه كالكون على الطهارة.

الثاني: ما يكون شرطا لصحته كالصلوات الواجبة عدا صلاة الميت، و الصلوات المندوبة، و الطواف الواجب، أعني ما يكون جزءا من حج أو عمرة مطلقا.

الثالث: ما يكون رافعا لحرمته، كمس كتابة المصحف الشريف.

الرابع: ما يكون رافعا لكراهته، كأكل الجنب و شربه و نومه و جماعة و تغسيله الميت و ذكر الحائض في مصلاها مقدار الصلاة، و الوضوء في هذا القسم مطلوب حال الحدث الأكبر.

الخامس: ما يكون سببا لكماله كالطواف المندوب و هو ما لا يكون جزءا من عمرة أو حج، و الإتيان بمناسك الحج عدا صلاة الطواف و الطواف الواجب، و دخول المساجد، و دخول المشاهد المشرفة، و صلاة الأموات، و زيارة أهل القبور، و قراءة القرآن أو كتابته، أو لمس حواشيه أو حمله، و الدعاء و طلب الحاجة، و زيارة الأئمة عليهم السّلام و لو من بعيد، و سجدة الشكر و التلاوة، و الأذان و الإقامة، و دخول الزوج على الزوجة ليلة الزفاف بالنسبة لكل منهما، و ورود المسافر على أهله.

السادس: ما دل الدليل على استحباب الوضوء لأجله فكان غاية تعبدية كالتهيّؤ للصلاة في وقتها فيؤتى به قريبا من الوقت، و النوم، و مقاربة الحامل، و جلوس القاضي في مجلس القضاء.

ثم إنّ هنا مسائل:

إحداها: انه لا إشكال في كون الوضوء رافعا للحدث في القسم الأول و عدم كونه رافعا له في القسم الرابع، و معنى كونه رافعا أو شرطا أحد وجهين امّا القول بان المطلوب في الحقيقة طهارة النفس الحاصلة بالوضوء فهو مقدمة محصلة لها، أو كون المطلوب نفس الوضوء و عنوان تقدمه على الغايات.

ثانيتها: انه لو قلنا باستحباب الوضوء بنفسه و لو لم يقصد غاية فهو بطبعه الأولى مندوب غير واجب، و اما بناء على عدم ذلك و كون مطلوبيته للغايات يكون تابعا لها مقدمة، فان وجبت وجب و ان استحبت استحب.


ثالثتها: انه يباح بالوضوء الذي يؤتى به بقصد إحدى الغايات غير الرابعة منها، جميعها كما يباح الجميع إذا قصد الجميع، و اما الرابعة فلا يباح بوضوئها شي‌ء من غايات غيرها، و اما إباحة سائر ما يشاركها في الغاية ففيه إشكال لا سيما إذا لم يقصد الجميع.

رابعتها: انه لو اجتمعت الغايات الواجبة و المندوبة كان الوضوء واجبا مؤكدا لا واجبا و مندوبا لاستحالة اجتماع المثلين فيجوز قصد الإيجاب، أو المرتبة الخاصة التي أورثها الاستحباب، و قصد الملاك و سائر ما يصح به عبادية العبادة فتأمل.

* وطن الوطن*

وطن يطن وطنا بالمكان من باب ضرب، و أوطن يوطن في اللغة، أقام به، و وطن و توطن و استوطن البلد اتخذه وطنا، و الوطن بالتحريك و الموطن منزل إقامة الإنسان ولد فيه أو لم يولد، و في المجمع و الوطن بالتحريك مكان الإنسان و محله و وطنت الأرض و وطنتها بالتشديد و استوطنتها أي اتخذتها وطنا.

و كيف كان فالظاهر عدم ثبوت اصطلاح خاص للشرع و لا للمتشرعة في الوطن، بل المراد به في النصوص هو المعنى اللغوي، و اختلاف الأصحاب في بيان معناه راجع إلى الفحص عما يمكن أن يكون قيدا تعبديا للموضوع أو شرطا للحكم، و أقرب ما يمكن أن يقال في تعريفه حينئذ انه المكان الذي اتخذه الشخص مقرا لنفسه و مسكنا دائما أو من غير توقيت بوقت، و الظاهر ان هذا هو الموضوع لما رتب على الوطن من الأحكام.

ثم أنهم قد قسموا الوطن إلى أقسام:

الأول: الوطن الأصلي و هو مسكن كل إنسان لأبيه و أمه و مسقط رأسه.

الثاني: الوطن المستجد و هو الذي اتخذه الشخص وطنا لنفسه ابتداء، و بنى على الإقامة فيه دائما و من غير توقيت، و لا يعتبر فيهما وجود ملك للشخص صالح لأن يسكن فيه أو غير صالح، كما لا يعتبر إقامة ستة أشهر في المستجد بل يكفي البقاء بعد القصد بمقدار يزول عنه حالة السفر و لا يصدق عليه عنوان المسافر.

الثالث: الوطن الشرعي و هو على ما ذكروه، الوطن المستجد الذي كان له فيه ملك‌


قابل للسكنى و قد سكن فيه بقصد التوطن ستة أشهر أو أزيد ثم تركه و أعرض عنه فإنه حينئذ يبقى وطنا له بعد الإعراض أيضا، و يسمى بالوطن الشرعي فكلما ورد إليه في أيام حياته لزمه إتمام الصلاة و الصوم.

ثم انه يتفرع على موضوع الوطن انه يمكن أن يكون للشخص أوطان كثيرة منتزعة من قصد البقاء و السكونة في أمكنة متعددة في كل منها مدة من السنة مع دوام التجزئة أو عدم توقيتها، كأن أراد أن يسكن مدة عمره أو في وقت غير محدود في ثلاثة بلدان في كل بلد أربعة أشهر أو في أربعة بلدان في كل بلد ثلاثة أشهر أو في اثني عشر بلدا في كل منها شهرا فيتحقق حينئذ له أوطان متعددة.

هذا كله في أقسام الموضوع و أما الحكم فقد ذكروا انه رتب على الوطن أحكام كثيرة، نظير أنه يجب على المكلف إتمام الصلاة و الصوم فيه، و انّه لو مر عليه المسافر في أثناء سفره انقطع سفره موضوعا و صار حاضرا و ترتب عليه حكمه، و أنّه يجوز عليه الإتيان فيه بالصيام المندوبة كلها بدون النذر، و ان من سافر منه يشرع في السفر من آخر جدرانه و أنّ لزوم القصر في الصلاة و الصوم يثبت من موضع خفاء أذانه و جدرانه حين الأخذ في السفر، و لزوم الإتمام و الصوم يثبت من ذلك الموضع حين الرجوع منه، إلى غير ذلك من الأحكام المذكورة في المطولات.

* وقت الوقت*

قد يستعمل الوقت في اللغة مصدرا بمعنى التوقيت و جعل الوقت لشي‌ء، يقال وقت يقت وقتا، و وقّت يوقّت توقيتا الأمر جعل له وقتا، و قد يستعمل بمعنى مطلق الزمان، و بمعنى المقدار المحدود منه، و الميقات هو الوقت، و الموعد المجعول للفعل، و المكان المعين له، و في المجمع: الوقت مقدار من الزمان مفروض لأمر، و كل شي‌ء قدرت له حينا فقد وقّته توقيتا.

و ليعلم مقدمة ان أصل الزمان و خصوصياته عند العرف و الشرع و أهل الفقه و أهل معرفة الجوّ و الهيئة، منتزع من حركة الأرض و القمر بنحو خاص فإن حركة الأرض‌


الوضعية مع لحاظ مقابلتها للشمس تنزع منها الأيام و الليالي، و من تكررها ثلثمائة و خمسا و ستين مرة تنتزع منه السنة الشمسية و هي التي تنقسم إلى الفصول الأربعة، و الفصول تنشأ من كيفية حركة الأرض الانتقالية حول الشمس، مع لحاظ وجود انحراف في قطبيها، و دوران القمر حول الأرض كل شهر مرة ينتزع منه الشهور القمرية، و يتولد من ذلك السنة القمرية، و على هذا فلو أعدم اللّه القمر بطلت السنة القمرية بشهورها، و بقيت الشمسية بفصولها و شهورها، كما أنه لو أعدم الأرض مثلا، بطلت السنتان فالزمان الموجود منوط بالشمس مع الأرض و قمرها.

و كيف كان فالوقت قد أخذ في الشريعة دخيلا في عدة كثيرة من الأحكام و موضوعاتها بنحو السببية و الشرطية و القيدية، و لأجل ذلك وقع عنه البحث في موارد من أبواب الفقه، كباب الصلاة، و الصوم، و الاعتكاف، و الحج، و الزكاة، و الخمس، و البيع و نحوه من العقود، أما الصلاة فالتي لو حظ فيها الوقت بالأصالة هي الفرائض اليومية، و أما غيرها فلا وقت معين لأغلبها إلاّ حين تحقق أسبابها، كالشروع في الطواف، و موت الوالدين، و عقد الاستيجار للعبادة، و نذر الصلاة و نحوها، نعم الوقت ملحوظ في الجملة في صلاة الآيات كما ستعرف كما أنه ملحوظ بالأصالة في الرواتب اليومية، و أنواع كثيرة من النوافل الزمانية.

و حينئذ نقول أما الفرائض اليومية فدخول الوقت فيها سبب لوجوبها، و مجموع الوقت المجعول لها قيد للواجب نفسه، فما لم يدخل الوقت لم يجب و لو دخل و لم يأت به فوّته بفوات قيده، و القضاء واجب آخر، و لو فرضنا أن القضاء بقاء للمطلوب الأول، فهناك مطلوبان أحدهما التقيد بالوقت قد فات بفواته، و الآخر نفس المقيد و هو باق.

فوقت الصبح ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، و وقت الظهرين ما بين زوال الشمس و المغرب، مع اختصاص الظهر من أوله بمقدار أدائها و العصر من آخره كذلك، و وقت المغرب و العشاء ما بين المغرب و نصف الليل، و يختص المغرب من أوله بمقدار أدائها و العشاء من آخره كذلك بالنسبة للمختار، و أما المضطر فآخر وقت المغربين‌


طلوع الفجر الصادق، و يختص آخره بالعشاء بمقدار أدائها دون أوله أعني نصف الليل، و في وقت الجمعة اختلاف ذكرناه.

ثم أن الأصحاب قد قسموا الوقت من كل فريضة إلى قسمين، وقت فضيلة و اجزاء، و استفادوا من النصوص أن المصلي يستحق أجر أصل الطبيعة إذا أتى بها في وقت الاجزاء، و زيادة عليه إذا أتى بها في وقت الفضيلة، و على هذا فوقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر إلى حدوث الحمرة المشرقية، و وقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظل الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص، و وقت فضيلة العصر من المثل إلى المثلين على اختلاف فيه و وقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق أعني الحمرة المغربية، و وقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل، فلها وقتا اجزاء قبل الشفق و بعد الثلث.

و ذكروا أيضا في بيان ما يعرف به أوقات الفرائض، أنه يعرف الزوال بحدوث ظل الشاخص المنصوب معتدلا بعد انعدامه أو بعد انتهاء نقصانه، و يعرف أيضا بنحو التقريب بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن واجه نقطة الجنوب، و بالدائرة الهندية، و هي أضبط، و يعرف المغرب بذهاب الحمرة المشرقية عن جهة المشرق، و يعرف نصف الليل بانحدار النجوم الطالعة أول الليل عن دائرة نصف النهار إلى طرف المغرب، و يعرف طلوع الفجر بانتشار البياض في الأفق بعد كونه متصاعدا في السماء.

هذا في الفرائض، و أما الرواتب اليومية، فوقت نافلة الصبح بين الفجر الأول و طلوع الحمرة المشرقية.

و إذا أتيت بها مع صلاة الليل فمن أول وقت صلاة الليل الى طلوع الحمرة، و وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع و العصر إلى الذراعين، أعني سبعي ظل الشاخص و أربعة أسباعه، و قيل إلى آخر وقت اجزاء الفريضتين، و أما نوافل الظهرين من يوم الجمعة فتزاد عليها أربع ركعات و يؤتى بمجموع العشرين بقصد يوم الجمعة، و وقتها من أول اليوم إلى الزوال أو إلى مقدار مما بعد الفريضة، و وقت نافلة الليل ما بين‌


نصفه إلى الفجر الثاني و الأفضل الثلث الأخير و أفضل منه القريب من الفجر.

و أما صلاة الآيات فالوقت في الكسوفين نظير الوقت في اليومية فبالشروع في الأخذ بالانكساف أو الانجلاء يتوجه الوجوب و مجموع وقت الكسوفين قيد للواجب، و أما غيرهما من أسباب هذه الصلاة، من الحوادث غير القارة كالزلزلة و نحوها فلا دخل للزمان فيها، لا حكما و لا موضوعا، و نظيرتها صلاة الطواف، و صلاة الأبوين على الولد الأكبر، و أما الملتزم فهو تابع لكيفية الالتزام فقد يجعل للزمان دخل في العمل و قد لا يجعل.

و أما الوقت الملحوظ في الصوم، فهو قسمان أحدهما عنوان اليوم و هو داخل في ماهية الصوم، فإنه عبارة عن الإمساك في النهار فكأنه فصل مميز له تنتفي حقيقته بانتفائه، و ثانيهما غيره من الأزمنة كالأسبوع و الشهر و السنة فيمكن أن يكون شرطا لوجوبه و قيدا لموضوعه كشهر رمضان فان دخوله شرط للوجوب و مجموعه قيد للواجب، و كما إذا نذر صوم يوم من رجب أو شعبان مثلا فيكون الشهر قيدا للواجب.

و أما الوقت الملحوظ في العمرة و الحج فالأشهر الثلاثة و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة لها دخل فيهما، بمعنى كونها قيد المطلوبية مجموع أعمال تتركب منها العمرة و الحج، فهي مشروط بوقوعها في تلك الشهور، و ان كان لبعض أجزائها أيضا دخل آخر في بعض تلك الأعمال، كالوقوفين و أعمال منى فإنها مشروطة بجزء خاص من تلك الشهور كما أنها مشروط بمكان خاص من تلك المشاعر.

و يتفرع عليه أن للناسك أن يجعل نسكه مستوعبا للأشهر الثلاثة، كالذي ليس عليه إلاّ حج الافراد أو القران، فيحرم له في أول شوال و يتم صلاة طواف النساء في آخر ذي الحجة، فقد كان محرما عن جميع محرمات الإحرام إلى يوم العيد و عن بعضها إلى آخر السنة، أو يكون كالفرض مع الإحلال لحظة في أواسط الشهور، كالمتمتع بالعمرة أول شوال إذا أحل مقدار من الوقت، ثم أحرم للحج إلى آخر ذي الحجة، و له أن يوقع جميع النسك في ثلاثة أيام، من تاسع ذي الحجة إلى الثاني عشر منه، هذا كله مع الاختيار و إلاّ فيمكن أن تقع في أقل من ذلك.


و قد لوحظ الوقت في بعض أبواب الفقه ركنا مقوما لعمل، كالملحوظ في العقد الانقطاعي، فان حقيقته عبارة عن إنشاء الزوجية في أجل معين في مقابل أجر معين، بحيث لو أخلا بأحدهما لم يتحقق العقد الموقت، و نظير ذلك لحاظه في باب الإجارة فإنها تسليط على العين أو تمليك للمنفعة في مقابل أجرة معلومة في وقت معين، و عدم ذكر الوقت مبطل لها.

و لو حظ أيضا بالنسبة للاعتداد بالأشهر، في باب الطلاق كعدة المتوفى عنها زوجها و غيرها، و في تسليم الجاني دية الجناية العمدية و الخطائية، فإنها تتأدى في سنة أو سنتين أو ثلاث سنين، و في باب المزارعة و المساقاة فإنهما موقتتان، و في بعض أقسام الكفارات، كالثلاثة أيام و العشرة و الشهرين و نحوهما، و في تعريف الضالة سنة، و في القسم بين الأزواج، و في حق المواقعة في أربعة أشهر، و في استتابة المرتد الملي و المرأة المرتدة مطلقا.

و قد يكون لحاظ الوقت مخلا بالصحة في بعض الأبواب، كالتوقيت في الوقف فلو قال وقفت الدار للعلماء سنة بطل، و في النكاح الدائم إلى غير ذلك.

و قد أشرنا إلى أن الوقت سبب أو شرط في النوافل الرواتب فدخول أوقاتها سبب لتوجه خطاباتها الندبية، و نفس الأوقات قيد للمأمور به، و كذا النوافل الواردة في أوقات محدودة كنوافل شهر رمضان، و ما ورد في سائر الشهور، و في بعض الأعياد و الأيام المتبركة و نحوها. و للوقت دخل أيضا في الأغسال الزمانية كغسل الجمعة و الأعياد و أيام شهر رمضان و لياليها و سائر الأيام المتبركة أو الخاصة التي ورد استحباب الغسل فيها.

* وقف الوقف*

الوقف في اللغة دوام القيام، يقال وقف يقف وقفا و وقوفا دام قائما، و وقف الدابة و أوقفها جعلها تقف، و يقال وقف على الأمر فهمه و اطلع عليه، و في المجمع قد تكرر ذكر الوقف في الحديث و هو تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة انتهى.

و هو في اصطلاح الفقهاء كما عرفه الأكثر تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة أو تحبيس‌


الأصل و تسبيل الثمرة، و قد يعرّف بأنه الصدقة الجارية، و الظاهر أن حقيقته عبارة عن إنشاء إيقاف العين عن النقل و الانتقال بعد إخراجها عن الملكية إيقافا اعتباريا، و تمليك المنفعة للأشخاص أو العناوين أو الجهات، فإذا قال وقفت الدار لأولادي أو للفقراء، أو وقفت الأرض للصلاة أو للعبادة، أو جعلتها مدرسة، فمعناه أخرجتها عن ملكي و حبستها عن المبادلات و الانتقالات، و جعلت المنفعة في سبيل تلك الأمور.

و ينقسم الوقف باعتبار الموقوف عليه إلى أقسام ثلاثة أو أربعة، لأنه اما أن يكون شخصا أو أشخاصا كالأولاد و الأرحام، أو يكون عنوانا عامّا كالعالم و الفقير، أو يكون جهة من الجهات كتبليغ الدين و إقامة التعزية للمعصوم عليه السّلام و غيره، و تزويج العزاب، و لعله من هذا القبيل وقف المعابد، و المصليات، و المدارس، و القناطر، و المقابر، و التكايا. و نحوها، فإنها وقف للعبادة و الصلاة و المرور و دفن الأموات و إقامة التعزية، و أما المساجد فسيأتي أنها عناوين اعتبارية خاصة لا بد من قصدها في وقفها، و الوقف للعبادة أو الصلاة لا يجعله مسجدا يترتب عليه آثاره.

و هل تكون العين بعد خروجها عن الملك محررة غير داخل في ملك أحد مطلقا، أو تدخل في ملك الموقوف عليهم مطلقا، أو يفصل بين الوقف على الجهات فتكون محررة، و الوقف على الأشخاص كالأولاد و العناوين كالفقراء و العلماء فتدخل في ملكهم وجوه أقربها الأول ثم الأخير.

ثم انه يتوقف تحقق الوقف و تماميته على أمور: الصيغة و الواقف و الموقوف عليه و العين الموقوفة، و قد ذكروا في تبيين هذه الأمور و شرائطها المقررة فروعا.

منها: أنّه هل الوقف من العقود فيعتبر فيه الإيجاب و القبول مطلقا، أو هو من الإيقاعات مطلقا، فيكفي فيه إنشاء واحد من قبل الواقف، أو يفصل بين الوقف التحريري بالقول بكونه إيقاعا، و التمليكي بالقول بكونه عقدا وجوه أو أقوال أوسطها الوسط ثم الأخير، و القبول مع فرض اللزوم من الحاكم أو من البطن الموجود.

و منها: أنه يكفي في صيغته مطلق ما دل على المقصود و لو بالقرينة بأي لغة كانت كقوله‌


وقفته أو حبسته أو سبّلت منافعه أو تصدقت به صدقة مؤبدة لاتباع و لا توهب و يشترط فيه التنجيز.

و منها: أنّه يعتبر في وقف المسجد قصد عنوان المسجدية فإنه أمر اعتباري قابل للإنشاء و الجعل، موضوع لأحكام خاصة لا تترتب على عنوان المصلّى و المعبد و ما أشبه ذلك، فيكفي أن يقول جعلته مسجدا و الأحوط أن يقول وقفته مسجدا و لا يشترط قصد القربة في الوقف.

و منها: أنّه تكفي المعاطاة في الوقف التحريري إذا أحدث البناء بقصد الوقف و جعلها في معرض الاستفادة، كما إذا بنى المسجد و المدرسة و الرباط بقصد تحقق هذه العناوين و تصرف فيها أحد بإذنه، أو سلّم أرضا لكونها مقبرة و دفن فيها إنسان بإذنه، و أما لو أراد وقف البناء الموجود، على تلك الجهات فالأحوط إجراء العقد و الإقباض.

و منها: أنّه يشترط في صحته القبض، و يكفي قبض الموجودين في الوقف على الطبقات، و قبض الحاكم في الوقف على الجهات العامة و على العناوين، و لا يبعد كفاية قبض بعض أفراد العناوين أيضا، كقبض فقير أو عالم ما وقف على عنوانهما، و يكفي قبض المتولي أيضا لو جعل له متوليا و لو نفسه، و لو مات الواقف قبل الإقباض بطل الوقف، و يشترط في الواقف شرائط العقد العامة، و عدم الحجر لسفه أو فلس، و لا يعتبر فيه الإسلام، فيصح وقف الكافر فيما يصح من المسلم، و فيما يصح على مذهبه إقرارا له عليه، و يشترط في الموقوف أن يكون عينا قابلة للبقاء مدة، و الانتفاع بها منفعة محللة.

* وقف حجج الوقوف في الحج*

الوقوف في اللغة مصدر من وقف يقف وقفا و وقوفا أي دام قائما، و أوقفه جعله يقف، و قد كثر استعمال الكلمة في الفقه في باب الحج في مطلق كون الحاج و حصوله في محل خاص في وقت معين بنية التقرب، و هو كونه في عرفات من زوال اليوم التاسع من ذي الحجة إلى غروبه، و يسمى بوقوف عرفات، و كونه في المشعر فيما بين الطلوعين من يوم النحر،


و يسمى بوقوف المشعر، كيفما كان الوقوف أي من غير فرق بين كونه قائما أو قاعدا أو ماشيا أو راكبا، و هذا اصطلاح خاص للكلمة في هذا الباب.

و لذلك قد ذكروا أن كلا من الوقوفين عمل عبادي جعله الشارع جزءا للحج، و ينقسم بالنسبة إلى أجزاء زمانه المحدود إلى واجب ركني و غير ركني، فأصل حصوله في المكان الخاص بمقدار يصدق معه الكون فيه ركن في الشريعة، و ما زاد على ذلك واجب غير ركني، فلو ترك أصل الكون فيه عمدا بطل حجه، و لو توقف بمقدار صدق المسمى و ترك الزائد صح حجه و أثم في تركه.

ثم إن الأصحاب ذكروا أن أقسام الوقوف خمسة، و ذلك لأن كلا من الوقوفين له قسم اختياري و قسم اضطراري، فالاختياري للعرفات من زوال اليوم التاسع إلى الغروب، و الاضطراري لها هو الكون فيها مقدارا من ليلة النحر لمن لم يتمكن من اختياريها.

و الاختياري للمشعر ما مرّ من الوقوف فيه بين الطلوعين من يوم العيد، و له وقوفان اضطراريّان لمن لم يتمكن من اختياريّة، أحدهما الوقوف في المشعر ليلة العيد، و الثاني الوقوف فيه من طلوع الشمس إلى الزوال من يوم العيد، و على هذا يتحصل من ملاحظة إدراك الوقوف بأقسامها الخمسة منفردا و ثنائيا عمدا أو جهلا أو نسيانا، صور كثيرة تبلغ ثلاثين صورة، يختلف أحكامها و حكم الحج الذي يكون الوقوف جزءا منه.

و توضيح ما ذكروه هنا إجمالا، أن الناسك قد يأتي بأحد الوقوفات الخمسة و يترك البقية أو يأتي باثنين منها، فصور الانفراد إما أن يكون عن عمد أو جهل أو نسيان، لا إشكال في بطلان الحج في العمد لتركه الركن عمدا، و أما صور الانفراد عن جهل أو نسيان و هي عشر، فإن كان الواحد المأتي به الاضطراري فقط و هي ست صور بطل أيضا، و إن كان أحد الاختياريين و هي أربع صور فالظاهر الصحة في الجميع، و إن فصل بعض بين درك اختياري المشعر فقط، بالقول بالصحة و اختياري عرفة فقط، بالقول بالبطلان.

و أما صور الإتيان بها ثنائيا و هي عشرة فهي أيضا إما أن تكون عن عمد أو جهل أو نسيان، لا إشكال في خروج خمس منها عن مورد الكلام و هي إدراك اختياريين منها


لصحته قطعا، و اجتماع كل من الاختياريين مع الاضطراري منه، أو اضطرارية مع اضطرارية الآخر لأنها ترجع إلى الإتيان بواحد، و أما الصور الخمس الباقية، و هي اجتماع اختياري عرفة مع كل من اضطراري المشعر، و اجتماع اضطراري عرفة مع كل من اختياري المشعر، و الاضطراريين منه، فان كان عن عمد فلا إشكال في البطلان أيضا، و ان كان عن جهل أو نسيان فمحل إشكال، فتحصل أن محل الكلام من الجميع هي هذه الصور الخمس فراجع المطولات في ذلك.

* وكل نوب الوكالة و النيابة*

الوكالة فتحا و كسرا في اللغة اسم من التوكيل بمعنى تفويض الأمر إلى الغير و تسليمه له، و وكل يكل و أوكل يوكل و وكّل يوكّل، بمعنى الإيكال و التفويض، و في المفردات:

التوكيل أن تعتمد على غيرك و تجعله نائبا عنك، و الوكيل فعيل بمعنى المفعول انتهى، ثم إن الوكالة في اصطلاح الفقهاء عبارة عن الاستنابة في التصرف بالذات فهي أمر اعتباري قابل للجعل و الإنشاء بالقول و الفعل، كسائر العقود و الإيقاعات، فحقيقة الوكالة تنزيل شخص منزلة آخر، و يترتب عليه تنزيل العمل الصادر منه منزلة عمله، و التقييد بالذات لبيان كون المنشأ بالأصالة فيها هو التنزيل فتخرج المضاربة و المزارعة و نحوهما. من العقود التي فيها تنزيل ضمني فإن المنشأ أمر آخر و التنزيل المذكور تبعي.

ثم إن الأصحاب ذكروا في تبيين حقيقة الوكالة و إيضاح أحكامها، انه يشترط فيها العقد بكل لفظ دالّ على المقصود، بل قد قالوا بالتوسعة فيها بما لم يتسعوا في غيرها، فتكفي فيها الكتابة، و لا يضر الفصل بين الإيجاب و القبول، و يعتبر في الطرفين فيها شرائط العقد العامة، و كون الموكّل متمكنا مما و كلّ فيه غير محرّم عليه بالذات و لا محجورا عليه بالعرض إلا في موارد نادرة و عدم كونه من واجباته البدنية كصلاته و صومه، و يجوز للشخص التوكيل في واجباته المالية، كخمسة و زكاته و كفاراته إخراجا و إيصالا، و يجوز له‌


التوكيل في إنشاء العقود و فسخها، و في الإيقاعات، و في إحياء الموات، و حيازة المباحات و غيرها.

تنبيه: قد يشتبه الفرق في المقام بين الوكالة و النيابة مع انهما حقيقتان مختلفتان، و الأولى من مراحل الإنشاء، و الثانية من مراحل العمل، فإنها عبارة عن القيام مقام الغير في العمل، يقال ناب عن زيد في أمر، قام مقامه، فالوكالة إنشاء تنزيلي و النيابة عمل تنزيلي و هو ان كان بعد إنشاء الوكالة أو إنشاء الاستيجار من الغير مثلا و بقصد الجري على وفقه كان نيابة عقدية و ان كان ابتدائيا كان نيابة تبرعية.

* ولد الولادة و الولد*

مفهوم الولادة و الولد في اللغة معلوم، و الظاهر أن للولادة في اللغة إطلاقين عام و خاص، و الأول مطلق حدوث شي‌ء عن شي‌ء و خروجه منه، كان في الحيوان أو الجماد، يقال ولدت الأرض النبات أي أخرجته، و نظيره تولد المطر عن السحاب، و الثمر عن الشجر، و الثاني خصوص خروج الحيوان عن الحيوان و تولده منه، يقال ولدت الأنثى أي وضعت حملها، فهي والد و والدة، و في المفردات: الولد المولود يقال للواحد و الجمع و الصغير و الكبير، و تولد الشي‌ء عن الشي‌ء حصوله عنه بسبب من الأسباب انتهى، هذا و تستعمل الولادة و الولد في الفقه غالبا و لا سيما في باب النكاح في خصوص تولد الإنسان من الإنسان و هو موضوع لأحكام في الشريعة من تكليف و وضع، و للأصحاب هنا أبحاث ترجع إلى بيان حال الولادة و الولد، و شرائط انتسابه شرعا إلى الوالد. فذكروا أن لحوق الولد الذي ولدته المرأة بالرجل المعين مشروط بالشروط التالية:

الأول: دخوله بها مع الإنزال أو الإنزال في فرجها و حواليه أو إدخاله منيّه في فرجها بأي وجه ممكن.

الثاني: مضي ستة أشهر أو أكثر من حين الوطء إلى حين الولادة.

الثالث: عدم تجاوزه عن أقصى الحمل، و هو تسعة أشهر على المشهور، أو سنة


كاملة كما لا يبعد، و مع فقدها كلا أو بعضا لم يلحق الولد به بل يجب عليه نفيه عن نفسه، و مع اجتماعه يلحق به، و لا يجوز نفيه عن نفسه و ان شك فيه، و لا فرق في ذلك بين الوطء المحلل و المحرم.

ثم أن الأحكام المترتبة على الولد كثيرة تعرضوا له في موارد من الفقه، نظير تعيين مدة حمله، و مدة رضاعه، و من يجب عليه إرضاعه، و من يستحق حق حضانته، و من تجب عليه نفقته، و من يستحق النفقة عليه من أرحامه، و من هو وليه إلى أوان بلوغه و رشده، و من يشترط رضاه في زواجه و لو بعد بلوغه، و من يجوز أن يقتص منه، و من ليس للولد الاقتصاص منه، و من يكون له ولاية تجهيزه بعد موته، و غير ذلك من أحكامه فليرجع في كل واحد منها إلى عنوان المناسب له.

* ولي حكم الولاية و الحكومة*

الولاية في اللغة مصدر بمعنى القيام بأمر شي‌ء و التسلط عليه، من ولي الشي‌ء يليه ولاية بالكسر و الفتح، إذا قام به و ولي أمره، و ولي البلد تسلط عليه، و ولّى فلانا الأمر جعله واليا عليه، و الولاية أيضا البلاد التي يتسلط عليها السلطان، و في النهاية في أسماء اللّه تعالى الوليّ و هو الناصر، و قيل المتولي لأمور العالم و الخلائق القائم بها، و من أسمائه عز و جل الوالي و هو مالك الأشياء جمعيها المتصرف فيها، و كأنّ الولاية تشعر بالتدبير و القدرة و الفعل، و ما لم يجتمع ذلك فيها لم يطلق عليها اسم الوالي انتهى، و في المفردات:

الولاية و الولاية نحو الدلالة و الدلالة تولي الأمر، و الولي و المولى يستعملان في ذلك انتهى، و الحكومة تستعمل بمعنى القضاء و فصل الأمور، و بمعنى أرباب السياسة و الحكم.

هذا و ليس للولاية اصطلاح خاص في الشرع و الفقه، و قد كثر استعمالها في النصوص و كلمات الأصحاب بمعنى الولاية على الشي‌ء أو على الشخص و القائم بأمره و المتسلط المتصرف فيه، و قد وقعت في الشريعة موضوعا لأحكام كثيرة هامة حسب اختلاف مواردها.


و تنقسم الولاية بالقسمة الأولية إلى نوعين تكوينية حقيقية، و إنشائية اعتبارية، و الأول على أصناف:

أحدها: ولاية اللّه تعالى على جميع الموجودات فبتلك الولاية أنشأها و خلقها و بها حفظها و أدام بقاءها و بها تصرف فيها و دبّر أمرها و بها ينفيها إذا شاء فناءها فله الخلق و الأمر.

ثانيها: ولاية الملائكة على عالم التكوين على اختلاف مقاماتهم و شؤونهم فانّ بهم ملأ اللّه السموات و الأرض، و جعلهم مدبرات أمرها و مقسماته، فتدبير أمور العالم جار بأيديهم و لا فرق بين اللّه تعالى و بينهم إلاّ أنّهم عباده و خلقه بدئهم منه و عودهم إليه، و إن شئت فقل إنهم أعضاد و أشهاد و مناة و أذواد و حفظة و روّاد، و هذه من أقوى الولايات التكوينية.

ثالثها: ولاية النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و الأئمة عليهم السّلام التكوينية على العالم و اجزائه في الجملة لقوله: و ذلك كل شي‌ء لكم، و غيره من النصوص الكثيرة، بل و هذه الولاية كانت ثابتة للأنبياء أيضا في بعض مراتبها كقوله تعالى‌ (ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) و قوله‌ (فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً) و قوله‌ (خُذْهََا وَ لاََ تَخَفْ سَنُعِيدُهََا سِيرَتَهَا اَلْأُولى‌ََ) .

رابعها: ولاية الإنسان على نفسه التكوينية بل ولاية كل أنواع الحيوانات على أنفسها بمعنى ولاية روحه على جسمه و أعضاء بدنه يتصرف فيها بجميع أنواع التصرف وفق مشيته و إرادته، و هذه الأقسام خارجة عن البحث وقعت استطرادا.

و النوع الثاني أيضا على أقسام:

أولها: ولاية النبي الأعظم على أحكام الشريعة في الجملة، فإن اللّه قد فوض أمر مجموع قواعد الدين و قوانينه التي أنزلها من السماء إليه، و جعل له الولاية عليها ليزيد فيها و ينقص حسب ما رآه صلاحا للأمة، من حيث مجتمعهم و من حيث الأزمنة و الأمكنة التي يعيشون فيها، و قد عمل صلّى اللّه عليه و آله على وفق هذه الولاية و تصرف في الأحكام في موارد كثيرة يجدها الباحث الفاحص، و الظاهر ثبوت هذه الولاية للأئمة المعصومين عليهم السّلام‌


المنصوبين من قبل اللّه تعالى لإدارة أمور الأمة، و هذه في الحقيقة من لوازم ولاية الحاكم على المجتمع لتغير مقتضيات الأحكام بتغيير حالات المجامع و أزمنتهم و أمكنتهم.

ثانيها: ولاية النبي الأعظم و الأئمة عليهم السّلام على نفوس الأمة و أموالهم، و الظاهر ثبوتها للأنبياء الماضين أيضا بالنسبة لأممهم.

ثالثها: ولاية المنصوبين من قبل المعصوم، بنصب خاص أو عام على الأمة نفوسهم و أموالهم، فإنها ولاية إنشائية تشريعية جعلها من بيده أمر هذه الولاية.

ثم إن الأحكام المترتبة على هذا القسم من الولاية الثابتة للمعصوم و المنصوب من قبله كثيرة جدا، بل تحوي جميع شؤون إدارة الأمة الإسلامية أو أعم منها، ذكرها الأصحاب في الفقه و ألّفوا في ذلك كتبا كثيرة ممتعة شكر اللّه مساعيهم الجميلة.

رابعها: ولاية القضاة المنصوبين من ناحية ولي الأمر و حاكم الأمة، فإن لهم الولاية على المتحاكمين و غيرهم بما يستلزمه ولاية الحكم و إتمام القضاء، فلهم الإجبار، و أخذ الحق، و المال، و الاسجان، و الضرب متى اقتضته القضاوة.

خامسها: ولاية أمراء الجيوش و رؤساء العساكر، على اختلاف طبقاتهم و تعدد مراتبهم كل بالنسبة إلى من يليه و يكون تحت نظره و سلطانه و تربيته، فان ذلك ولاية مجعولة منشعبة متفرعة عن ولاية نفس الحاكم على الأمة و على الجنود.

سادسها: ولاية الأب و الجد على الصغار من أولادهما و المجانين في حال صغرهم و جنوبهم، ولاية على نفوسهم بتربيتهم و إجبارهم على ما هو صلاحهم، و على أموالهم بالتصرف فيها حسب اقتضاء المصلحة.

سابعها: ولاية الأم على أولادها فيما يتعلق بشؤون الحضانة المجعولة في حقها.

ثامنها: ولاية الأب و الجد للأب على البكر البالغة الرشيدة في تزويجها الأول على اختلاف في ذلك أحوطه ذلك.

تاسعها: ولاية كل بالغ عاقل عارف بالمعروف و المنكر من الدين، على غيره من كل مماثل له في خصوص أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر في مرتبتهما الأولى أو الثانية و التفصيل مذكور تحت عنوان الأمر النهي.


عاشرها: ولاية المولى على عبده.

حادي عشرها: ولاية الجائر على الناس و ولاية ولاته، و ما ذكرنا من الولاية غير هذا القسم كانت شرعية ممضاة من قبل الشرع و هذا القسم ولاية مغصوبة من أهلها من نبي صلّى اللّه عليه و آله أو وصي عليه السّلام أو منصوب من قبلهما، و هذه أيضا من أقدم أقسام الولاية، بل تقارن أوائل أزمنة تشريع الولاية الشرعية، لعدم خلو القرون و الدهور عمن غصب الولاية عن أهلها و تقمص بها، و هو يعلم أن محل أهلها منها محل القطب من الرحى، و كثيرا ما وقع البحث في الفقه عن هذه الولاية و أحكامها الكثيرة المترتبة عليها نظير انّ غصب الولاية الحقة من أهلها و التصدي بها من المحرمات المؤكدة و الموبقات و العظيمة، و قد دلت عليها الأدلة الأربعة، و كذا ولاية ولاته فعملهم و كسبهم حرام محرم، معذب فاعله على قليل من فعله و كثيره، لأنها معصية كبيرة، و فيها دروس الحق كله، و احياء الباطل كله، و إظهار الظلم و الجور، و إبطال الكتب، و انهدام المساجد و المدارس، و تبديل سنة اللّه و شرائعه.

ثم إنهم ذكروا أن المبحوث عنه في هذه الولاية و الموضوع للحرمة هو نفس التصدي لهذا المنصب و التلبس به المتحقق بقبولها من الجائر، و الاشتغال بما يحكى عنها عرفا، مع قطع النظر عن المعصية العملية المترتبة عليها من ظلم الناس و قتلهم و أخذ أموالهم.

و ذكروا انه قد استثني من حرمة التصدي لها موردان:

أحدهما: تمكن المتصدي لها، من القيام بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اجراء القسط بين الناس و فتح الباب عليهم و إحقاق حقهم و قضاء حوائجهم، فهي نظير الكذب للإصلاح بين الناس، فخروج الفرض ليس من باب التخصيص بل من باب التزاحم و مزاحمة قبحها مع رجحان الأمور المذكورة فللمكلف ترجيح الأهم.

ثانيها: الإكراه عليها من قبل الجائر و توعيده بما يوجب الإضرار مع المخالفة، و حينئذ كما يسوغ نفس الولاية يسوغ ما يترتب عليها عدا إراقة الدماء، و الأولى هنا أيضا ملاحظة الأقل مفسدة من التصدي بها و ما يترتب على تركها.


* يتم اليتيم*

اليتيم في اللغة صفة مشبهة و هو من الإنسان من فقد أباه و لم يبلغ مبلغ الرجال، و من البهائم الذي فقد أمه، مشتق من يتم ييتم من أبيه صار منفصلا عنه، و يجمع على أيتام و يتامى، و قد يطلق على كل شي‌ء منفرد ثمين يقال درة يتيمة.

ثم انه ليس للفظ مصطلح خاص في الشريعة، و قد كثر استعماله في معناه اللغوي في الكتاب و السنة و رتب عليه أحكام، و وقع البحث عنه في الفقه في موارد، لكن ينبغي ان يعلم ان اليتيم عنوان أخص من الصغير و غير البالغ، و ما نذكره في المقام أحكام تتعلق بهذا العنوان، و اماما يتعلق به من الأحكام بعنوان صغره فقد ذكر تحت عنوان الصغير أو البلوغ.

فمنها-البحث عن تعيين الولي له إذا مات أبوه، بمعنى من يتولى أمر حفظه، و ما يلازم حفظه من التربية و نحوها، و حفظ أمواله إذا كانا في معرض الخطر و التلف، فذكروا ان له أولياء في الشريعة مترتبين في الولاية الأول جده من أبيه إذا كان حيا، الثاني القيم المنصوب من ناحية الأب أو الجد له. الثالث-الحاكم المتولي لأمور المسلمين، الرابع-عدول المؤمنين، الخامس-فساقهم الموثوق بهم بالنسبة لأمره. فلكل منهم تولي أمره و أمر أمواله مع عدم من قبلهم من المراتب و هو داخل في الأمور الحسبية في غير الأول.

و منها استحباب إخراج الزكاة من أمواله إذا اجتمعت شرائطها عدا الصغر و اليتم، و المسألة مورد اختلاف فإنه قد استحبه بعض و حرمه آخرون لكونه تصرفا اتلافيا في ماله و قد قال تعالى‌ (وَ لاََ تَقْرَبُوا مََالَ اَلْيَتِيمِ إِلاََّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) * .

و منها تعلق حق الخمس بأمواله التي تكون مورد هذا الحق مع بلوغه فذكروا انه يتعلق الخمس بها إذا حصلها بنفسه أو حصلها وليه من الكنز و الغوص و المعدن و الحلال المختلط بالحرام و الأرض المشتراة له من مسلم، لكن المسألة خلافية عندنا.

و منها جواز تزويج امرأة له حال صغره أو تزويجها من ذكر حال صغرها، فإنهم ذكروا انه لا إشكال في ذلك مع اقتضاء المصلحة إذا كان ذلك من الجد للأب فإنه له عليه الولاية التامة، و هو غير جائز من غير الولي، و في جوازه من الوصي و الحاكم و عدول المؤمنين فيما إذا رأوه مصلحة له إشكال فراجع الفقه.


* يمن اليمين*

اليمين في اللغة ضد اليسار، و الجارحة الخاصة، و القوة و القدرة، و القسم، و هي بالمعنى الأخير ترادف الحلف و الإيلاء و هي بهذا المعنى مورد البحث في الفقه، و الظاهر انه ليس لها مصطلح شرعي بل قد كثر استعمال اللفظ في هذا المعنى و رتب الحكم في الشريعة أيضا عليه على اختلاف المسألة أقسامه فموضوع الأحكام قسم من المعنى اللغوي. فاليمين في كلمات الفقهاء على أقسام أربعة:

الأول: يمين اللغو أو غير المؤاخذ عليها، و هي الحلف لا مع قصد جدي، نظير قول المتكلم لا و اللّه و بلي و اللّه فيما يكثر استعماله بين الناس من غير عقد القلب عليه و منها أيضا ما يسبق اللسان به من غير تعمد، و منها الحلف على نحو الجدّ مع عدم اجتماع شرائط اللزوم و هذا القسم لا أثر له في الشريعة من حرمة أو كفارة.

الثاني: ما يقع تأكيدا و تحقيقا للأخبار بوقوع شي‌ء في الماضي أو الحال أو في الاستقبال مع مطابقته للواقع و هذا القسم أيضا لا أثر له إلزاميا.

الثالث: يمين الغموس و هي الحلف على الأخبار كذبا عن عمد، و منه الحلف كاذبا عند الحاكم لأخذ مال الغير أو إبطال حقه و هذا القسم محرم بالإجماع و الضرورة و العقل و لذلك سمي غموسا لغمسه الحالف في الإثم أو في النار و لا أثر له غير ذلك.

الرابع: يمين المناشدة و هي ما يقرن به الطلب و السؤال فيقصد به حثّ المسؤول على إنجاح المطلوب كقول السائل أسألك باللّه أن تفعل كذا و لا أثر لها أيضا و لا يجب على المطلوب منه ترتب الأثر عليها بل يندب ذلك.

الخامس: يمين العقد و هي ما يقع تأكيدا لتنجيز ما قصده من فعل أو ترك في المستقبل، كقوله: و اللّه لأصومن غدا و هذا القسم هو الذي جعلوه في مقابل النذر و العهد، و حقيقته إنشاء التأكيد و التنجيز لما أراد فعله أو تركه فيما يأتي فهو من الإيقاعات، و قد عقد الفقهاء له كتابا في مقابل أخويه، و ذكروا في بيان قاله فروعا كثيرة ترجع إلى بيان قال الحلف و الحالف و المحلوف عليه، و الآثار الشرعية المترتبة عليها. نظير انه لا تنعقد اليمين إلاّ


باللفظ لا بالإشارة و لا بالكتابة و لا يعتبر فيها العربية بل تنعقد بكل لفظ أدى المقصود.

و انه لا تنعقد إلاّ إذا كان القسم به هو اللّه تعالى إما بذكر اسمه العلي كلفظة اللّه و ما يلحق به كالرحمن، أو بذكر أوصافه المختصة به كمقلب القلوب و الأبصار و من خلق الحبة و برأ النسمة، أو ببعض الأوصاف و الأفعال التي تغلب استعمالها في اللّه كالرب و الخالق و الرازق و الرحيم. و انه لا ينعقد الحلف بغير اللّه تعالى كالنبي و الإمام و القرآن و الكعبة و نحوها و لا بالبراءة منه تعالى، أو من دينه و لا بالطلاق و العتاق و صدقة المال.

و أنه يعتبر في الحالف البلوغ و العقل و الاختيار و عدم الحجر في المال في النذر المالي، و انه إذا تمت و انعقدت وجب الوفاء بها و حرمت مخالفتها و وجبت الكفارة بحنثها و ان كفارتها عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، و مع عدم القدرة فصيام ثلاثة أيام.

* يوم ليل اليوم و الليل*

مفهوم اليوم في اللغة واضح و حقيقته أمر منتزع من حركة الأرض و دورانها حول نفسها من المغرب إلى المشرق مع لحاظ تقابلها للشمس، و هو أمر نسبي إضافي بالنسبة إلى كل جزء جزء من وجه الأرض، فأول اليوم لساكن كل قطعة ظهور ضوء الشمس له و وسطه وصولها إلى دائرة نصف النهار بالنسبة له و آخره غيبوبتها عنه فلكل قطعة من وجه الأرض يوم و لكل يوم ابتداء و انتصاف و انتهاء، و منه يعلم معنى الليل، و انه نسبي بالإضافة إلى كل قطعة من الأرض و انه منتزع من حركة الأرض و ان أوله استتار القرص عن ساكن كل قطعة و انتصافه ما بين الغروب و طلوع الفجر أو طلوع الشمس على اختلاف في ذلك مذكور تحت عنوان الانتصاف.

ثم انه قد وقع البحث عن اليوم و الليل في الفقه من جهات ترجع بعضها إلى تعيين الموضوع و إيضاح حقيقته و بعضها إلى الأحكام التكليفية و الوضعية المتعلقة به.

منها: ما وقع الكلام في مبدأ اليوم و انه هل هو طلوع الفجر الثاني أو طلوع الشمس من ذلك اليوم و المشهور الذي كاد ان يكون اتفاقا الأول و ذهب بعض إلى الثاني و تظهر ثمرة البحث في الصلاة و الصوم و غيرهما من موارد كثيرة.


و منها: كون اليوم وقتا محدودا مفروضا للفرائض اليومية، كصلاة الصبح و الظهر و العصر و الجمعة و زمانا معينا مجعولا لنوافلها أو نوافل نفس اليوم، و كذلك الليل فإنه وقت محدود لما هو ليلية من الفرائض كالمغرب و العشاء الآخرة و وقت لنوافلها و صلاة الليل.

و منها: كون اليوم شرطا ركنيا لماهية الصوم و تحقق حقيقته واجبا كان أو مندوبا، و هو من أعظم العبادات و من دعائم الدين، فان الصوم عبارة عن الإمساك في النهار كالصلاة المقيدة بالطهارة عن الحدث.

و منها: كون اليوم موضوعا لتشريع عبادات مندوبة من صلاة و صيام و دعاء و إنفاق في سبيل الخير مترتبة عليه بعنوان اليوم مطلقا أو مع قيد أو وصف، كصلاة كل يوم و أيام شهر رمضان و صلاة يوم الغدير و يوم عاشوراء و أول يوم من كل شهر و يوم المباهلة و يوم النيروز و أيام الأسبوع و أول محرم و عاشره و يوم عرفة و غير ذلك، و كذلك الكلام في الليل فإنه موضوع لتشريع عبادات خاصة من صلاة و دعاء و نحوهما كصلاة ليالي البيض من رجب، و ليالي شهر رمضان، و ليلة الفطر، و ليلة الرغائب من الرجب، و كل ليلة منه، و ليالي شعبان، و ليلة النصف منه، و ليلة المبعث، و أول ليلة من كل شهر، و ليالي الأسبوع و ليال عشر من ذي الحجة، و غيرها و تفصيل الصلوات في اليوم و الليلة مذكور تحت عنوان النافلة فراجع.

تم ما وفقنا اللّه تعالى من جمع مصطلحات الفقه و أسماء موضوعاته و تنظيمه و شرحه فله المنّ على ما علم و له الشكر على ما الهم و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

في 5 ربيع الثاني من سنة 1419 هـ. ق و يطابق 7-5-1377 هـ. ش و انا العبد علي المشكيني‌

اسم الکتاب : مصطلحات الفقه المؤلف : المشكيني، الشيخ علي    الجزء : 1  صفحة : 558
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست