|
تأملات في عوالم الإنترنت
هبة رءوف عزت
عالم الإنترنت مجال جديد، بدأ استخدامه على مستوى واسع في الأعوام الأخيرة، تتلاقى فيه الثقافات - بخيرها وشرها- ويجد كل من يريد مساحة للتعبير عن ذاته وهويته متسعًا دون رقابة أو قيد، بيد أن طبيعة هذه الأداة الاتصالية التي تتسع فيها مساحة المتخيل Virtual في مقابل الحقيقي Real أضحت تفتح مجالات غير مرتقبة أو متوقعة يومًا بعد يوم، وبدلاً من الحديث المبهر عن آفاقها في تحقيق الترابط بين الناس، أو الخطاب المقابل الذي يفزع من استقلالها من جانب أهل الإباحية، فإن الإنترنت الذي نستكشف عوالمه وآفاقه يومًا بعد يوم، يفرض علينا الإجابة عن أسئلة جديدة وتحديات وإشكاليات غير مسبوقة. إن الإنترنت رغم أنه يقرب المسافات إلا أنه يلغي الصلة الإنسانية المباشرة، ويفتح الباب أمام الكذب والتنكر والتخفي فيرسل لك من يزعم أنه "سعاد" ثم تكتشف بعد فترة أنه "رامي"، ويمارس الناس عليه تخيلات مريضة في المواقع الجنسية لا يستطيعون ممارستها في حياتهم المعاشة داخل مجتمعاتهم.
وإذا كان البعض يرى أن هذا يزيد من مساحات الحرية المتاحة أمام الإنسان في التفكير والتعبير عن مكونات نفسه، وما يدور في داخله دون أن يتربص به أحد، فإن التحدي الحقيقي في المقابل هو: إلى أين يصل الإنسان إذا تعددت شخصياته وتفاوتت مستويات ذاته الحقيقية والمصطنعة، ولم يكن بينه وبين الناس علاقة إنسانية حقيقية بل علاقة شديدة القرب ولكنها شديدة التباعد.
هل نصل إلى الفصام و"الشيزوفرينيا" كما يسمونها، بأشكال جديدة؟ هل نصل إلى الجنون؟ إن حب الاستكشاف والتجربة والفضول في مساحات غير مطروقة ينذر بإعادة تعريف الإنسان وتشكيل جوهره، ونحن أحوج ما نكون في هذا العصر قبل أي وقت مضى إلى ثوابت نستند إليها ونتكئ عليها ونستعصم بها، إن التنكر وادعاء هوية غير حقيقية ليس لعبة إنه كذب، ومشاهدة مواقع الجنس ليس مشاهدة صورة أنه نوع جديد من الزنا، والتكفير على شبكة الإنترنت للرأي المخالف ليس حملات دعائية تنافسية مقبولة بين المواقع، إنه طعن في العقيدة واتهام للناس في دينهم.
إن عالم الإنترنت يمكنه أن يأخذنا إلى آفاق المستحيل، بيد أن عالم المستحيل يظل عالمًا له حرامه وحلاله وصدقه وكذبه وحقيقته وأدوات زيفه وتلبيسه - والله هو العاصم من الفتن التي تتكشف يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة
حواء وآدم
|
|
|
|
