الباحث الإيراني ناصر بوربيرار في حديث لـ (الزمان) يقلب التاريخ الإيراني رأساً علي عقب (1-2): تاريخ ايران كتبه يهود أعلوا شأن الاخمينيين كمحررين لهم ومدمرين لحصارة بين النهرين - حاوره: يوسف عزيزي
يُعد المفكر والباحث الفارسي الايراني ناصر بوربيرار استثناء في قاعدة المفكرين والباحثين الايرانيين حيث شذ عن الخطاب الفارسي المهيمن لمدة اكثر من قرن علي الساحة الفكرية والثقافية المعاصرة في ايران باطروحاته ونظرياته الجديدة حول تاريخ ايران. وقد عنون كتابه الاول بـ 12 قرنا من السكوت وهو يعني حكم الاخمينيين والاشكانيين والساسانيين الذي استمر 12 قرنا قبل الاسلام، حيث يصف هذه السلالات الثلاث بالغريبة عن محيطها الجغرافي وعن السكان الاصليين في نجد ايران حيث كانوا 15 شعبا ــ منهم العرب والعيلاميون- يعيشون حياة مسالمة وهم ذات حضارة عريقة حتي ان جاء اليهود، وفقا للتورات، بقورش الاخمني (القرن 7 ق. م) ونصبوه علي هذه الشعوب عنوة حيث دمر حضارتهم واستعبدهم وازالهم عن الوجود عن بكرة ابيهم. وهذا ما يستنتجه بوربيرار من لوحات ونقوش برسبوليس الصخرية.
ويقول ناصر: لم يبق من هذه السلالات الثلاث التي حكمت بالقوة والسيف والاستبداد علي الشعوب القاطنة في نجد ايران، لم يبق منها اي اثر حضاري هام يذكر قياسا باليونانيين والرومان وحتي العرب الجاهليين. ما عدا انها كانت تتقن استخدام الرمح الفارسي لمحو الشعوب التي سبقتها في نجد ايران وفتح اراضي الغير واغراق الشعوب الاخري ومنهم اليونانيون والمصريون والهنود ببحور من الدم. وينتقد بوربيرار المؤرخين القوميين الفرس ــ التابعين للمؤرخين وعلماء الاثار الغربيين ومعظمهم من اليهود ــ بانهم يبدأون التاريخ الايراني بالسلالة الاخمينية فيما يقول ان هذه السلالة ومؤسسها قورش (سيروس) وداريوس هم من عملاء اليهود وفقا لما جاء في التورات وانهم جاءوا متأخرين قياسا لشعوب عاشت قبلهم بالاف السنين. وقد قام علماء الاثار والمستشرقون اليهود بتهويل منزلتهم وسمعتهم خلافا لحقيقتهم في التاريخ.
ويشيد ناصر بوربيرار بحضارة بين النهرين ويعتبرها ام الحضارات في العالم ويتهم قورش الاخميني بتدمير هذه الحضارة وخاصة البابلية منها اثر تحريك اليهود. وقد واجه هذا الباحث والمفكر الفارسي الايراني وعلي الرغم من اقبال الناس علي كتابيه ــ 12 قرنا من الصمت و جسر علي الماضي ــ حيث تم طبعهما عدة مرات خلال بضعة أشهر، واجه مؤامرة صمت من قبل المفكرين القوميين الفرس في ايران. بل تلقي تهديدات مختلفة من القوميين الذين لا يستطيعون الرد عليه بالفكر والمنطق بل بالقوة والترهيب. وللتعرف علي آرائه وافكاره الجريئة اجرت (الزمان) الحوار التالي معه:
û نبذة عن حياتك؟
ــ مواليد عام 1940، درست الابتدائية في مدرسة اسلامية اسمها مدرسة الجعفرية بطهران حيث تعلمت الكثير من اصول اللغتين العربية والفارسية في هذه المدرسة. وقد تزامنت دراستي في الثانوية بانقلاب الشاه علي الزعيم الوطني محمد مصدق عام 1953، ولاسباب سياسية وعائلية لم اتمكن من دخول الجامعة حيث اعتبر نفسي صاحب حظ لعدم دخولي الجامعة في ايران بسبب المستوي المتواضع للثقافة والدراسة انذاك وحاليا، كما ان الدخول للجامعة وعدم دخولها لم يغير شيئا من نظرة الانسان بصورة عامة.
û يبدو انك قبل الثورة كنت عضوا في حزب تودة الشيوعي؟
ــ بدأت نشاطي السياسي منذ عام 1961 باشكال مختلفة اهمها تعاوني مع هوشنج تيزابي (احد زعماء حزب تودة والذي اعدمه الشاه) الذي تعرفت عليه والحزب عام 1973. فقد كنا نصدر انذاك صحيفة الي الحزب بصورة سرية. وحزب تودة هو الوحيد الذي كان يمثل الفكر اليساري في ايران في تلك الفترة. لكن عقب قيام الثورة في عام 1979 وبعد احتكاكي مع كوادر وزعماء حزب تودة اتضح لي انهم مجموعة غير وطنية تحاول تطبيق واجبات دولية، فبناء عليه تركت الحزب عام 1980 وبدأت أنقدهم كما تعلم.
û لماذا اعتقلت بعد الثورة؟
ــ للموضوع تفاصيل لكنني الخص واقول ان اعتقالي قد تم بفعل مؤامرة جماعة حزب تودة حيث كانوا يتصورون ان أمري سينتهي في السجن في الايام الاولي للاعتقال لكنني احبطت مخططاتهم بذكائي وتكتيكاتي الخاصة. وقد عانيت خلال فترة اعتقالي في السجن التي استمرت لأكثر من 5 سنوات (1982 ــ 1987) من هؤلاء ما عانيت ومنها محاولة طبيب القاووش واسمه فريبرز بقائي، اذ حاول القضاء علي حياتي بتزريق ابرة قاتلة، وللموضوع ملف موجود في سجن ايفين بطهران.

أدلة علمية وتاريخية
û فقد تحدثت في كتابيك الاخيرين عن حضارة عظيمة في ايران وبين النهرين قبل سلالة الاخمينيين وتعتبر هؤلاء ــ أي الاخمينيين ــ قوما مهاجرين جاءوا من اسيا الوسطي والقوقاز الي نجد ايران حيث اصبح زعيمهم قورش قائدا للفرس بفعل الدعم اليهودي له، بل الاكثر من ذلك تقول ان السلالات الاخمينية والاشكانية والساسانية هم غرباء علي الايرانيين وتؤكد انهم لم يتمتعوا لا بثقافة ولا بفن ولا باقتصاد ولا بسياسة. كما تحدثت عن طبيعتهم العسكرية المحضة واستخدامهم لـ الرمح الفارسي للقضاء علي السكان الاصليين في نجد ايران والفتوحات الدموية في اراضي الغير. ما هي الادلة العلمية والتاريخية التي تقدمها لهذا الامر؟
ــ فأي ادلة وادوات او ما يصفونه باليقينيات التي يستخدمها المدعون بان قورش هو مؤسس حقوق الانسان في العالم لم استخدمها انا في مشروعي الجديد بالنسبة للتاريخ الايراني؟ فهذه كلها نظريات تطرح علي اساس الخلفيات الممكنة. وقد شرحت في الكتاب انه لا يوجد ــ لا من المنظور الجغرافي ولا التاريخي ــ قوم عرفوا في ما بعد بالاخمينيين حيث لا نجد منهم أي سابقة تاريخية لا في ايران ولا في بين النهرين، وهذه الحيرة تنتاب كافة المؤرخين ان نشوء قورش (كوروش بالفارسية) كان نشوءا مفاجئا وقد تم بين ليلة وضحاها. فالمصدر القديم الوحيد حول قورش الذي يذكر اسمه بصراحة هو التورات حيث نري في هذا الكتاب اولي سمات ظهور قورش وفي ما عدا ذلك لا توجد اية وثيقة حول هذا الشخص. كما لا توجد لدي الذين يدافعون عن اطروحة قورش المدافع عن حقوق الانسان أي وثيقة لكنهم يستندون الي التورات فقط.
في الواقع هناك قراءتان للتورات في هذا المجال. فالتورات يعتبر قورش نبيا ويقول انه وقومه كانوا يقطنون الشمال (للبحر الاسود). فانا علي هذا الاساس توصلت الي نظرية تقول ان ظروف اليهود الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عند ظهور قورش كانت بصورة يحتاج من خلالها اليهود الي منقذ في بين النهرين حيث قد دمر بخت النصر الحضارة اليهودية 20 عاما قبل ظهور قورش وقام بتهجيرهم الي ايران وافغانستان والصين وسبي معظمهم وساقهم مع ثرواتهم الي بابل. فاليهود كانوا يبحثون عن منقذ لهم ليدمر بلاد بابل وليحرر اسراهم وليدمر حضارة بين النهرين التي كانت دائما عامل ازعاج لليهود وليعيد الحياة لليهود في اورشليم. وهذا كله مذكور في التورات حيث يؤكد في الكتاب وبصراحة بانني انتقيت قورش من اجل اهدافنا ليدمر بابل، ويقول اننا جلبنا قورش من شمال البحر الاسود من منطقة اشكناز حيث كان له جيران هناك هم المنديون و الغوتيون . فالغوت هم اجداد الالمان والمنديون هم قوم يقطنون ما وراء جبال القوقاز حيث وثائقهم مطبوعة في كتبي. فنحن لا نري لا من قورش ولا من قبيلته الاخمينية قبل ان يصبح امبراطورا لم نر لهم حتي حدوة فرس في ايران حيث انني ادحض ما يقال عن احتلاله لمناطق الميديين والشوش وعيلام قبل ظهوره في بين النهرين. فلا يمكن لامبراطور مثل قورش ان يغزو بلاد الاسور وبابل دون اي سجل مادي او ذهني او عقلي في نجد ايران حيث لا نري لهؤلاء الاخمينيون قبل ان يصبح قورش ملكا، لا نري لهم لا آنية ولا قبر ولا شربة ولا مهد

الاخمينيون
في ايران. فتحليلنا هذا لا يتطابق مع الخطاب الرسمي السائد، فعلينا ان نعرف من هم الاخمينيون؟ ومن اين جاءوا ومن هم الذين ساندوهم ليصبحوا أصحاب قوة يتمكنون من خلالها تدمير بابل؟ ويقول التورات بشكل جلي: انني أخطط لك يا بابل حيث تفاوضت مع ناس وعبئتهم وهم اناس برابرة جدا وسفاحون لايرحمون احدا ولا تخطئ سيوفهم ورماحهم، فينغصون عليك عاجلا وسيدمرون اسوارك ومزارعك ويقتلون شبابك حيث تنتهي بابل كبلاد عامرة والي الأبد.
فهذه هي السمات الصحيحة لمتابعة امر قورش والاخمينيين في بين النهرين.

غياب حضاري
û ولاثبات غياب الحضارة في عهود الاخمينيين والاشكانيين والساسانيين (12 قرنا قبل الاسلام) فهل قارنتهم بالحضارات الاخري كاليونانية واليمنية والهندية؟
ــ فقد قمت بمقارنة الحضارة السائدة في بين النهرين وايران قبل قورش حيث كانتا مركزين معروفين للفكر والفن في العالم. فاي شيء يعرفه البشر حاليا توجد اسسه في بين النهرين وايران القديمة، فالسومريون والاسوريون والعيلاميون والماديون والشعوب التي كانت تقطن جنوب بحر قزوين، كل هؤلاء ارسوا اسس الحضارة الانسانية. وفي بين النهرين تم اختراع اولي انظمة الري واولي الابجديات. كما صنع الناس في بين النهرين اولي المراكب البحرية واولي العربات وصاغوا اولي القوانين حيث نجد كتاب القانون منذ 5200 عام. فقد كانت هذه البلاد مقتدرة تعلمت منها الحضارة العالمية الكثير. فقد كان الوضع هكذا حتي ان نشأ قورش حيث نري عقب ذلك صمتا يسود بين النهرين وايران، اذ لا نري في هذه الفترة (تمتد لـ12 قرنا) وحتي نشوء الاسلام لا كتابا ولا انسانا حكيما علي مستوي عالمي. اي ان قورش يدمر الانجازات التي انجزها البشر خلال الوف السنين في بين النهرين وايران، ويغرس مكانها الرماح والسيوف، فقد يستولي الظلام بمجيء قورش علي ايران وبين النهرين.
û وماذا تقول عن حكم بزرجمهر الحكيم وموسيقي باربد و نكيسا في عهد ملوك الساسانيين؟
ــ هذه كلها اساطير شاهنامة الفردوسي. فعندما نتحدث عن القضايا التاريخية عليك ان تقدم وثائق تاريخية بشأنها. فيوجد لدينا نحن في ايران عدد من النقوش علي الصخور من عهد الاخمينيين والساسانيين، فلا تتحدث هذه النقوش عن اية ثقافة او حضارة او فكر وحتي عن دين. لا يوجد في هذه النقوش اي كلام عن زرادشت وكتابه افيستا . فلم تتحدث هذه النقوش عن الشؤون الثقافية حيث كلها ومن دون استثناء اما تتحدث عن قضايا شخصية واما قضايا عسكرية. فاهم هذه النقوش الصخرية هي بيستون في مدينة كرمنشاه (غرب) وهي تشبه بيان عسكري صادر عن شخص انقلابي اسمه داريوس حيث يتحدث عن اعماله هنا وهناك. لهذا علي الذين يدعون بوجود زرادشت وكتابي افيستا و زند عليهم ان يقدموا وثائق تاريخية تثبت هذا الامر. فهؤلاء الذين يدعون بوجود اديان او حكمة في ايران القديمة أو أي شيء ثقافي او حضاري قبل نشوء الاسلام لم يقدموا اية وثيقة ولا اية نقوش صخرية ولا حتي مسكوكة نقدية حيث من دون هذه الوثائق يتحول الكلام في هذا المجال الي أساطير، اذ يمكن لنا ان نتقبلها كاساطير ليس الا.
û فعليه انت تقول ان شخصية زرادشت وكتبه افيستا و غاتها هي مخلوقة اذهان الفرس بعد الاسلام؟
ــ نعم كل هذه الامور خلقت بعد الاسلام ومن اجل مواجهة العرب والاسلام، وقد اسهبت في كتابي الثالث في هذا المضمار(الكتاب قيد الطبع).

الفئة الحاكمة
û وماذا تقول عن الـ كاست cast أي الفئة الحاكمة ابان حكم الساسانيين وخاصة في اواخره حيث يقع رجال الدين الزرادشت اي الموغ ضمن هذه الفئة، اذ كان يشكل هؤلاء والاكاسرة فئة حاكمة ممتازة كما يذكر لنا المؤرخون الرسميون؟
ــ فالمصدر الوحيد لهذا الكلام هو الشاهنامة التي تم انشادها في القرن الرابع الهجري. عليك ان تقدم وثائق تاريخية في هذا المجال. في الحقيقة ان المصدر الوحيد الذي يتحدث عن الدين في عهد الساسانيين هو نقوش صخرة كتير في كعبة زرادشت في محافظة فارس (جنوب). ويتكلم شخص في هذه النقوش بصراحة ويقدم نفسه بعنوان مؤبد المؤبدين أي كبير رجال الدين في المنطقة. فلا أنا ولا غيري كتبنا ذلك الكلام. يتحدث كبير رجال الدين الذي عاش نحو 200 وثمة عام قبل نشوء الاسلام، يتحدث عن دين مؤسس علي عبادة الماشية ويصفه بدين بهرام ولا يذكر دينا باسم دين زرادشت ولا كتابا باسم افيستا. فاذا كان في الحقيقة دين باسم دين الزرادشتية ونبي باسم زرادشت وكتاب باسم افيستا فأي مكان أهم من نقوش صخرة كتير التي كتبت من قبل اكبر رجال الدين انئذ.
û فماذا كان دين الساسانيين؟ وانا لم اعود الي الوراء في التاريخ اكثر من عهدهم.
ــ فقد كان الدين في ايران متعدد الالهات وارباب الانواع، اي انه دين بدوي (primitive)، فهو دين اقليمي وتقليدي وخاص للسكان المحليين. وقد كانت ثمة عبادات واديان سائدة انذاك لكن لم يكن أي منها عاما في كل البلاد أبدا. حتي اننا لم نر اثرا من دين واحد في بلاط الاكاسرة في ايران، فهناك نوع من الاشادة والمدح وليس العبادة، الاشادة بالماء والنار والماشية، فهذا هو الشيء الذي يشير اليه كتير .
û ويقدس الزرادشتيون النار حتي يومنا هذا!
ــ لا بأس ان يقوم الزرادشتيون بكتابة شيء عن تاريخ دينهم حيث لم يفعلوا مثل هذا الشيء حتي الان. ولايجب ان يستند هذا التاريخ الي الاساطير والتخييل بل ينبغي ان يستند الي الامارات المادية والموضوعية والتاريخية التي يمكن الرجوع اليها. عندما لا تجد (قبل الاسلام) لا في بين النهرين ولا ايران ولا الشرق الاوسط ولا اي مكان اسما من الزرادشت فاين هذا الدين واين امتداداته؟ فلو كان هذا الدين سائدا قبل الاسلام كان ينبغي ان يذكر في مكان ما.

YOAZ