الصفحة الرئيسية:حول القرضاوي:مذكرات القرضاوي:
ابحث في موقع القرضاوي
الخميس 18 سبتمبر 2008
حول القرضاوي: مذكرات القرضاوي
الحلقة الثانية: مع التنظيم العالمي للإخوان

 
عبد الناصر مع الإخوان قبل أن ينقلب عليهم
كانت محنة الإخوان في مصر 1965م، التي بدأت بإعلان الرئيس عبد الناصر في شهر أغسطس من موسكو، بأنه اكتشف تنظيما للإخوان معاديا للثورة، وأنه سيضرب بيد من حديد، ولن يرحم ولن يلين!!

واقتيد عشرات الآلاف من الإخوان إلى المعتقلات والسجون في أيام معدودات حتى ضاقت السجون والمعتقلات بالأعداد الهائلة الذين جيء بهم من كل مدينة وقرية ... كانت هذه المحنة -على ما فيها من شدة وقسوة ووحشية- تحمل منحة في طيها، والعرب يقولون: رب ضارة نافعة. والصوفية يقولون: كل قدر معه لطف. ومن ظن انفكاك لطفه عن قدره، فذلك لقصور نظره. {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:100]، والله عز وجل يقول: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].

وكان من الخير الكثير الذي جاءت به هذه الشدة: أن أكثر الإخوان الذين يعيشون خارج مصر لأسباب شتى: قد جمعتهم المحنة من تفرق، وأحيت فيهم روح الأخوّة بعد همود، وأيقظت فيهم الغيرة على العمل الإسلامي بعد رقود.

وقد قال جمال الدين الأفغاني: بالضغط والتضييق تلتحم الأجزاء المبعثرة!

كان أول ما جمعهم: التفكير في معونة الأسر المنكوبة من إخوانهم، ثم انتقلوا من هذا الواجب المؤقت، إلى التفكير في إيجاد لون من الترابط الدائم، يجمع بين أبناء الدعوة من المصريين أولا، ثم من إخوانهم في البلاد العربية المختلفة.

وبدأ التفكير في إحياء المكتب التنفيذي القديم، الذي كان يمثل الدول العربية أو عددا منها؛ إذ إن حركة الإخوان ليست مجرد جماعة مصرية، بل هي حركة إسلامية عالمية، وإن كانت مصرية النشأة.

وبدأت لقاءات كان في أول الأمر يغلب عليها الجانب العلمي والبحثي في شؤون الدعوة وقضاياها الفكرية، ومعوقاتها العملية، كما تحدثت عن ذلك في لقاء إستانبول في صيف سنة 1968م.

ثم بدأ الأمر يأخذ شكلا تنظيميا، كما كان قبل ذلك. يُدعى من كل بلد واحد يمثل الدعوة فيها. وكنت أحضر ممثلا للإخوان في قطر، وكنا في أول الأمر مشغولين بوضع خطة للعمل المستقبلي، ليناقشها الأعضاء، فإذا أقروها، وضعت موضع التنفيذ.

بعض معتقلي 1965
وكلفني الإخوة أن أقوم بتقديم تصور عام لهذه الخطة، ومحاورها الأساسية وخطوطها العريضة، وأذكر أني قد عكفت على هذا الأمر، ووضعت تصورا لهذه الخطة، في الداخل والخارج: في المجال العلمي، وفي المجال التربوي، وفي المجال الاجتماعي، وفي المجال الاقتصادي، وفي المجال السياسي ... وقسمتها إلى مراحل كل مرحلة تسلم إلى ما بعدها. ومن خصائص هذه الخطة:

1.      أنها علمية تعتمد على الإحصاء والأرقام، لا على الإشاعات، ...

2.      وأنها واقعية، تتعامل مع الواقع كما هو، بلا تهوين ولا تهويل، و لا جريان مع الأحلام.

3.      وأنها مرنة، تستطيع أن تستبدل شيئا بشيء، ولا تقف جامدة عند تغير المواقف.

4.      وأنها متوازنة، تتبنى خط الوسطية والاعتدال في كل الأمور.

5.      وأنها استشرافية، تنظر إلى المستقبل وتوقعاته، وتعد له ما يناسبه.

سيد قطب كان واحدا من أبرز من اعتقلوا في محنة 1965
وقد عرضت هذه الخطة على المكتب أو المجلس، وأخذ يناقشها في جلسة من جلساته، أظنها كانت في المدينة المنورة، وأقرها المجتمعون بصفة عامة، بعد إدخال بعض التعديلات عليها، وطلب استكمال بعض أشياء، رئي أنها تتم البناء، ثم في الدورات التالية شغل المجتمعون بأمور إدارية أخرى، ونُسِيت الخطة، كما ينسى كثير من الأمور المهمة، التي يشرع فيها ثم لا تستكمل! ولا أدري ماذا حدث فيها بعد، ولم يكن عندي أي أصل غير المسودة التي قدمتها.

كان من أهم ما شغل المكتب أو المجلس في ذلك الوقت، هو إعداد لائحة أساسية عالمية، فإن لائحة الإخوان التي وضعت في عهد الإمام الشهيد البنا، وأدخلت عليها بعض التعديلات في عهد خليفته الأستاذ الهضيبي، كانت موضوعة للإخوان في مصر.

والآن نريد لائحة تلائم هذا الوضع الجديد، الذي يمثل معظم الدول العربية، التي توجد فيها جماعة للإخوان، مثل: الأردن وسوريا والعراق والسودان واليمن، وغيرها.

وكان السودان له تحفظ على عضويته في هذا المجلس أو المكتب؛ لأنه يرى أن هذا يقيد حركته وعمله السياسي، وذلك أن كل بلد له ظروفه الخاصة التي قد لا يشاركه الآخرون فيها، وتحتاج أحيانا إلى حرية التصرف السريع. والارتباط التنظيمي بمثل هذا المكتب قد يكون قيدا أحيانا على الحركة.

كما أن السودان لا يريد أن يورط إخوانه فيما قد يراه من سياسات ربما تروق له، ولا تروق لهم.

ولم يكن عند السودان مانع أن يحضر الاجتماعات، ويشارك فيها، بوصفه مراقبا لا عضوا. بل طلب ذلك بالفعل، ووافق المكتب على ذلك، وشارك معنا الإخوة في كل الاجتماعات التي تمت في هذه الفترة، وكان ممثلهم باستمرار الأخ الحبيب، والصديق الكريم يس عمر الإمام حفظه الله.

طالع في الحلقة القادمة:

هل يوجد نص لمبايعة الإمام مدى الحياة؟

حكم القسم على الالتزام بمنهج الإخوان

اجتماعات النواة الأولى للتنظيم العالمي

 

حول القرضاوي
تصويت
Powered by
Best experienced using

MS Internet Explorer 6