[an error occurred while processing this directive]
أرسل لصديق

في الموقع أيضًا:

دليل المواقع العلمية   -     استشارات تقنية    -    ساحة الحوار   -    فاعليات   -    عيادات صحية  

الفضاء والطيران | تكنولوجيا المعلومات والاتصالات | علوم البيئة | علوم عامة| تكنولوجيا | الصحة والطب البديل| مؤسسات وعلماء | هندسة وراثية| العلم والإيمان


"ويكيبيديا" موسوعة لصنع المعرفة بحرية

29/05/2005

وليد الشوبكي**

ربما تكون تقنية المدونات (blogs) التي بزغت بقوة خلال الحرب الأخيرة على العراق قد مثلت بداية النهاية لعصر الإعلام الذي اعتدنا عليه؛ فلم تعد وسائل الإعلام الكبرى من صحف وقنوات تليفزيون وغيرها هي الوسيلة الوحيدة لتلقي المحتوى الإعلامي. تمنح شبكة الإنترنت الفرد العادي فرصة غير مسبوقة للمشاركة التطوعية في صنع المعرفة والإعلام، بعد أن كانا حكرا على المؤسسات الكبرى.. "ويكيبيديا" مثال باهر النجاح على ذلك الاتجاه.

خلال الحرب كانت المدونات التي يكتبها أفراد -من داخل العراق غالبا- وينشرونها بحرية بمثابة مرصاد كبير يتحقق من مصداقية ذلك المحتوى. الآن، ثمة تقنية أخرى لا تقل أهمية ويُتوقع أن تكون لها آثار بعيدة. تلك التقنية نظام مستحدث في إنتاج ونشر صفحات الإنترنت يسمى "ويكي" (Wiki) – وهي كلمة تعني "بسرعة" في لغة أهل جزيرة هاواي الأمريكية– ويسمح لزوار المواقع العاملة بذلك النظام أن يضيفوا أو يعدلوا أو يكتبوا ما يريدون، وينشروا ذلك بصورة لحظية على الإنترنت. وبفضل هذه التقنية ظهرت للوجود "ويكيبيديا.. الموسوعة الحرة".

ويكيبيديا دائرة معارف أو موسوعة إلكترونية تشبه دائرة المعارف البريطانية الشهيرة. ولكنْ ثمة أوجه عدة للاختلاف بين الموسوعتين. فويكيبيديا متاحة مجانا على الإنترنت، بينما يصل سعر دائرة المعارف البريطانية لحوالي 1100 دولار أمريكي. ويتعاون في إعداد مواد ويكيبيديا ما يزيد على 16 ألف متطوع من أنحاء العالم. كما يقدر عدد موادها أو مقالاتها بما يزيد على 1.5 مليون مادة بـ195 لغة مختلفة (العربية إحداها، إضافة إلى الكثير من اللغات الأقل انتشارا المتواجدة في إفريقيا وآسيا).

تحظى النسخة الإنجليزية من الموسوعة بنصيب كبير (533 ألف مقال)، وهو محتوى يفوق كثيرا النسخة الإنجليزية لدائرة المعارف البريطانية (80 ألف مقال) وموسوعة "إنكارتا" الإلكترونية التي طورتها مايكروسوفت (4500 مقال). وتأتي اللغة الألمانية في المرتبة الثانية (حوالي 200 ألف مقال)، ثم الفرنسية واليابانية، وكل منهما حوالي 100 ألف مقال. أما النسخة العربية والتي دُشنت في نهايات 2003 فلا تزال في بداياتها، وبها ما يزيد قليلا على 2700 مقال.

وتجدر الإشارة إلى أن أول من اقترح على القائمين على الموسوعة تدشين نطاق للنسخة العربية هو الأكاديمي المصري الدكتور طارق قابيل، وكانس ذلك عام 2001 حين كان يدرس لنيل درجة الدكتوراة في الوراثة الجزيئية بإحدى الجامعات الأمريكية. وقد رصد حينها في مقال لصفحة العلوم والتكنولوجيا بشبكة "إسلام أون لاين.نت" بدايات الموسوعة.

التغيير.. حق لكل زائر

ويكيبيديا هي أحد مشروعات مؤسسة "ويكيميديا" غير الهادفة للربح والتي أسسها عام 2001 جيمي ويلز الذي كان يعمل سابقا خبيرا بالبورصة. وتستمد هذه الموسوعة جذورها من مشروع موسوعة "نوبيديا" الذي دشنه كل من جيمي ويلز ولاري سانجر عام 2000، ولكنه أخفق نتيجة الأسلوب المعقد في تطويرها والذي اعتمد على محررين محترفين لمراجعة مواد الموسوعة. ثم ظهرت ويكيبيديا معتمدة على نظام "ويكي" الذي يمكّن كل زائر للموقع من تعديل أو الإضافة للصفحة التي يطلع عليها، أو أن يكتب مقالا جديدا تماما في المجال الذي يرغب.

وترتبط مواد "ويكيبيديا" ببعضها بوصلات (hyperlinks) بصورة خلاقة، تعطي القارئ تجربة ثرية ومتشعبة حول المادة التي يطلع عليها. فعند البحث عن كلمة "إسلام" مثلا على النسخة الإنجليزية، ستجد تعريفا وافيا بالإسلام، إضافة إلى عدد كبير من الوصلات المدمجة في نص المادة والتي تقودك لصفحات في الموسوعة عن "الله" (سبحانه وتعالى)، ونبي الإسلام "محمد" (صلى الله عليه وسلم) وأركان الإسلام ومكة والمدينة والخلافة الإسلامية والملائكة والجن والسنة والشيعة وغيرها من الأمور المرتبطة بالموضوع.

يقول ويلز: "إن ويكيبيديا هي بالأساس مجهود غايته إنتاج وتوزيع موسوعة حرة بأعلى درجة ممكنة من الجودة لكل فرد على سطح هذا الكوكب، وبلغته الأم"، حسبما ورد على موقع الموسوعة.

ويقدر عدد الزيارات اليومية لصفحات "ويكيبيديا" يوميا بحوالي 60 مليون زيارة للنسخ المختلفة من الموسوعة. وحول أسباب ذلك النجاح أوردت مجلة "وايرد" أن ذلك لا يعود إلى المشاركة التطوعية لعدد كبير من الأفراد من جهات الأرض الأربع فحسب، وإنما يعود كذلك لعاملين محوريين: أولا، التزام الجميع برؤية متعادلة تجاه شتى الأمور، وبخاصة تلك التي تثير الجدل كالإجهاض أو الاحتباس الحراري على سطح الكوكب. وثانيا، النوايا الحسنة؛ فأغلب المشاركين في تحرير أو إضافة أي مادة للموسوعة يبغون التعاون والإضافة، وليس إلحاق الضرر. ومن الطريف أن واحدا فحسب من المتطوعين، وهو مبرمج أمريكي يُدعى ديرك رامسي، قد شارك في الموسوعة بما يزيد على 40 ألف مقال. ويعد بذلك أغزر المشاركين إنتاجا.

وكما يؤكد ويلز فإن المقصود بكون ويكيبيديا "Free Encyclopedia" هو موسوعة حرة؛ أكثر مما يعني موسوعة مجانية. فالحرية في الاطلاع على مواد الموسوعة وتعديلها والإضافة عليها هي الفكرة المركزية. وذلك تأثر ظاهر بأفكار "ريتشارد ستولمان"؛ رائد اتجاه المصدر المفتوح الذي ذاع في أوساط المبرمجين، حيث تتاح شيفرة البرامج بحرية للجميع للاطلاع عليها ودراستها وتعديلها وتحسينها كل حسب هواه، طالما أنه سيحفظ نفس الحقوق للآخرين. الأكثر من ذلك، أن كل مواد الموسوعة متاحة مجانا وفقا لرخصة "الملكية العامة" (GPL) التي صممها ستولمان أساسا للتطبيق في مجال البرمجيات. وتسمح هذه الرخصة لأي فرد بحرية الاطلاع على مواد الموسوعة مجانا والتعديل والإضافة طالما أن ذلك لن يحول دون حق الآخرين في الاستفادة من هذه الإضافات، وأنه لن يدمجها في أي منتج تجاري.

الحرية.. سلاح ذو حدين

وتمثل أوجه القوة في ويكيبيديا أوجها للضعف في ذات الوقت. فالمشاركات التطوعية للأفراد لكتابة مقالات حول موضوعات متخصصة ربما تؤدي إلى مستوى متدن في جودة وتوثيق بعض المواد بصورة قد تزهّد الباحثين الجادين في الاعتماد عليها. وكذلك فإن إتاحة التعديل والإضافة للجميع دون تمييز أدت أحيانا إلى ظهور ممارسات غير مسئولة من بعض الأفراد الذين شوهوا بعض المواد على الموسوعة، أو أفقدوها حياديتها لصالح مذهبهم أو اعتقادهم الخاص.

ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك ما حدث للمواد والمقالات المتعلقة بكل من المرشحين الديمقراطي والجمهوري خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بالولايات المتحدة. فقد تعرضت المقالات عن كلا المرشحين لتعديل وتغيير -وأحيانا تشويه أو حذف– بصورة متكررة؛ ما اضطر القائمين على الموقع إلى "تجميد" كل المقالات المتعلقة بشخصي المرشحين إلى انتهاء الانتخابات.

إن لم تكن متقنة.. فليست سيئة

ورغم الأخطاء الناتجة عن عدم الدقة أو عدم التخصص في المقالات والمواد المنشورة على ويكيبيديا، فقد أثبتت السنون أن "ويكيبيديا" كنظام لإنتاج المعرفة قادر على الإصلاح الذاتي وإعادة التوجيه إلى المسار الصحيح.

ففي دراسة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وشركة (IBM) أوردتها دورية ذي نيو أتلانتس، قال باحثون إنه في المتوسط يتم تصحيح الأخطاء في اللغة أو المعلومات الواردة بالمواد خلال 5 دقائق من ظهورها. أما حالات محو أو تشويه المواد فتتم معالجتها خلال 1.7 – 2.8 دقائق، كما ذكرت مجلة "وايرد".

وقد طورت إدارة الموسوعة برمجيات وخواصّ تمكن المشاركين أنفسهم من صد أو تخفيف آثار ما يقوم به المخربون. فثمة برنامج يمنع الحذف الكامل لأي مقال على الموسوعة يسمى (deletion bot) وتشرف عليه إحدى المتطوعات من بريطانيا. وهناك خاصية "Watch-list" (أو قائمة رصد) التي تتيح لكل مستخدم أن يرصد أي تغيير أو إضافة تتم على واحدة أو أكثر من مقالات أو مواد بالموسوعة.

وأهمية هذه الخاصية أنها تمكن المشاركين من الحفاظ على جودة وحيادية مواد الموسوعة، خاصة المواد المتعلقة بالأديان. وقد ذكرت مجلة "وايرد" أن مواد ويكيبيديا "إن لم تكن متقنة وتامة، فإنها ليست سيئة. وثمة عشرات الآلاف من مواد الموسوعة تفوق نظيراتها في كل من دائرة المعارف البريطانية ودائرة معارف "إنكارتا".

وثمة مشروعات مستحدثة إلى جانب الموسوعة، كلها تعتمد على المشاركة التطوعية من عدد كبير من المستخدمين. من أمثلة ذلك "ويكشناري" (قاموس)، "ويكينيوز" (مواد إخبارية) و"ويكيبوكس" (كتب). وقد بدأ مشروع كتب "ويكي" في يوليو 2003 لإنتاج كتب مجانية يقوم على تأليفها عدد كبير من الأشخاص المهتمين بمجال معين.

ويعتزم أستاذ القانون لورانس لِسِج استخدام أسلوب الويكي في تأليف الجزء الثاني من كتابه "الشيفرة وقوانين أخرى للفضاء الإلكتروني" الذي طرحه عام 1999. ويبغي المؤلف من خلال هذه التجربة الفريدة أن يقدم منظورا فسيفسائيا، متعدد الرؤى، لما حدث من تبادل التأثير والتأثر بين القوانين وتكنولوجيات الإنترنت منذ عام 1999. وسيعد لِسِج الكتاب للنشر، وستطرحه دار نشر "بيسِك بوكس" بنهاية العام الجاري.

اقرأ أيضًا:


**  كاتب مهتم بالشئون العلمية، يكتب في العديد من المجلات، كاتب بصفحة العلوم والتكنولوجيا بموقع "الجزيرة.نت"، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني الخاص بالصفحة: oloom@islamonline.net 


الفضاء والطيران | تكنولوجيا المعلومات والاتصالات | علوم البيئة | علوم عامة | تكنولوجيا | الصحة والطب البديل | مؤسسات وعلماء | هندسة وراثية | العلم والإيمان

علوم وتكنولوجيا