الصفحة الرئيسية

 
الأحداث في صور
 ابحث | بحث متقدم 

القدس

القدس عبر التاريخ | جغرافية القدس | قرارات دولية | قضية القدس |فلاشات


القدس بين براثن الاحتلال وبؤر الاستيطان

عماد خضر **

تشكل مدينة القدس رمزية الصراع العربي الصهيوني ومحوره ومكونه الحضاري والسياسي في آن، واستمرار سياسة التهويد على أرض القدس وسكانها وأماكنها المقدسة منذ احتلال القسم الغربي من المدينة في حرب عام 1948، واستكمال احتلال القدس عام 1967، لا يجعل مجالا للشك في الإجماع اليهودي من في الموقف من القدس الذي يحمل مفردات:

  • مصادرة الأرض

  • بناء المستوطنات

  • تهجير الفلسطينيين من موطنهم في القدس

  • وإحلال المستوطنين اليهود مكان العرب

  • وإزالة معالمها العربية والإسلامية وإفقادها طابعها الديني والحضاري

وأصبح استرجاع القدس المحتلة، كما هو الحال مع أرض فلسطين، إلى بعدها الإسلامي كأمة عربية إسلامية مطلبا أساسيا؛ وهو ما يجعل من الحق الفلسطيني امتداد طبيعيا من الحق العربي والإسلامي.

استغلت سلطات الاحتلال الإسرائيلية التطورات التي تعيشها القضية الفلسطينية في ظل انتفاضة الأقصى منذ سبتمبر 2000م، وقامت بتوظيفها من أجل خلق واقع لا يمكن عكسه لتحويل بعض المستوطنات القريبة من القدس وداخل حدودها التنظيمية الحالية والتي خارجها إلى "أحياء يهودية"، وإحكام سيطرتها على المناطق الحيوية في القدس الشرقية لمنع تطورها وتهميش التجمعات الفلسطينية الطابع وتحويلها إلى جزر منفصلة عن بعضها البعض من جهة ومنفصلة عن امتدادها في الضفة الغربية من جهة أخرى، بعيدا عن أنظار المراقبين والإعلام. وسوف يحتوي هذا الموضوع على المحاور الآتية:

طرد السكان وانتهاك الحقوق للحصول على القدس

احتلت القوات الصهيونية قرابة 84% من مساحة القدس عام 1948 آنذاك إلى جانب أراض فلسطينية أخرى، وقامت بتدمير 43 قرية وبلدة مجاورة أو تحويلها إلى تجمعات يهودية وضم أراضيها إلى ما أسمته بالقدس الغربية حيث أعلنتها عاصمة لها وأخرجت التجمعات السكانية العربية. بعد احتلال إسرائيل شرقي القدس عام 1967 بدأت خطوات تهويد المدينة وسط إجماع إسرائيلي على هذه السياسة، ووضعت البرامج المختلفة لتحقيق ذلك. فقامت بهدم الحي الإسلامي المعروف بحارة الشرف في حي المغاربة عقب الاحتلال مباشرة وضمت أرضه إلى الساحة المقابلة لحائط البراق الذي استولت عليه ليكون مكانا يصلي فيه اليهود، وهدم مسجدي البراق والأفضلي و135 منزلاً وتهجير 6500 فلسطيني.

وتنامي الاستيطان اليهودي في البلدة القديمة في الفترة ما بين 1968 - 1979، فتم تغيير اسم حي المغاربة إلى الحي اليهودي وأتمت إسرائيل تفريغه من العرب بحلول عام 1980 وعملت هدما في حي باب السلسلة وحي الباشورة واستولت سلطات الاحتلال على ممتلكات الوقف الإسلامي ما بين هذا الحي وحارة الأرمن، وقامت بمحاولة إحراق المسجد الأقصى في أغسطس 1969، وهدمت بعض الآثار ذات الأهمية التاريخية، ناهيك عن مصادرة أراض ومعابد أثرية تاريخية موقوفة، وتحويل بعض المقابر وأماكن العبادة الإسلامية والمسيحية إلى معابد أو نوادٍ لليهود، في انتهاك حرمة الأماكن المقدسة والاعتداء عليها.

ومنذ عام 1979 تم تشكيل اتحاد ضم العديد من الجماعات الاستيطانية اليهودية بالقدس سمي "جمعية تجديد الاستيطان في مدينة القدس"، بهدف تنظيم استملاك العقارات في الأحياء الإسلامية المجاورة للحرم القدسي في قلب المناطق الفلسطينية. إلا أن احتلال مساكن الفلسطينيين في الأحياء الإسلامية وادعاء ملكيتها من قبل العديد من اليهود توج بقيام إريل شارون شخصيا باحتلال أحد المنازل الفلسطينية عام 1987 في الحي الإسلامي المجاور للحرم الشريف.

وسارت الممارسات الإسرائيلية وفق منظورين؛ الأول يحبذ الاستيطان داخل التجمعات العربية، والثاني يغلب الاعتبارات الأمنية بالإحاطة بهذه التجمعات بنقاط استيطانية.

وأمام السعي الاستيطاني اليهودي الحميم في المدينة، أخذ الصراع العربي الصهيوني يمثل في مشهد تهويد القدس وتغيير طبيعتها وتركيبتها السكانية والجغرافية من خلال تزايد بناء المستوطنات اليهودية في الجزء الشرقي من القدس وفي محيطها مع مزيد من مصادرة الأراضي الفلسطينية فيها، وخلخلة سكانية بتزايد أعداد المهاجرين اليهود إليها وتراجع نسبة الوجود العربي.

الخلل السكاني بسبب سياسة التهويد

تشير الإحصائيات والدراسات إلى وجود تقدم ملحوظ في درجة التهويد العمراني والسكاني في المدينة مما يشكل خطرا على الوجود العربي فيها، ونجحت إسرائيل في السيطرة الكاملة على 79% من أرض القدس الشرقية، حيث صادرت بشكل مباشر 33% من مساحتها، وجمدت 40% أخرى بني فيها 27 مستوطنة يهودية، لتصبح 73% من المدينة تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية الكاملة. كما صادرت 6% لشق طريق يربط المستوطنات، وبذلك يبقى 21% من شرقي القدس خارج إطار التهويد منها 10% يسكنها مناطق سكنية فلسطينية في المدينة، و7% غير منظمة ومعرضة للمصادرة، و4% يجري التفاوض بشأنها.

أجرت الحكومة الإسرائيلية في تموز/ يوليو 1967 تعدادا لإحصاء لسكان القدس،‏ حيث سجل 110 آلاف فلسطيني يقيمون في القدس الشرقية وضمن الحدود البلدية الجديدة و22 ألف‏ في المناطق التي ضمت لحدود بلدية القدس التي تصل مساحتها حاليا 123 كم2. وقد اعتبرت "إسرائيل" هؤلاء المقدسيين مقيمين دائمين في القدس حسب قانون دخول "إسرائيل" لعام ‏1952‏ ونظام دخول "إسرائيل" لعام ‏1974،‏ أما بالنسبة لأولئك الذين لم يشملهم الإحصاء السكاني لغيابهم عن سكناهم فقد اضطروا للتقدم بطلبات لوزارة الداخلية للعودة والإقامة ضمن نظام إسرائيلي‏،‏ يعرف باسم لم شمل العائلات‏.‏

وتتعمد إسرائيل إلى إخفاء حقيقة النمو السكاني الفلسطيني في القدس والذي ارتفع إلى ‏4%‏ عام ‏1999‏ في حين يسجل النمو السكاني اليهودي أقل من 1.5% وتذكر أعدادًا أقل بكثير من الحجم الفعلي للفلسطينيين، وحسب كتاب الإحصاء السنوي الإسرائيلي للقدس عام 2002 ذكر أن عدد السكان العرب يقارب‏ 208700 مقدسي بما يشكل ما نسبته ‏31.7%‏ من المجموع العام لسكان المدينة‏. فيما تبين الإحصاءات الفلسطينية نسبا مغايرة، حيث تشير إلى أن حوالي ثلث الفلسطينيين الذين يحملون بطاقات هوية مقدسية يقيمون خارج حدود البلدية في مدن الضفة الغربية المجاورة، ويقدر مركز الإحصاء الفلسطيني المركزي في عام ‏2001 أن نحو‏ 238561 فلسطينيا يعيشون في القدس الشرقية، في حين أن هناك ‏ 373713 فلسطينيا يعيشون في منطقة محافظة القدس في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية‏. كما توقعت دائرة الإحصاء الفلسطينية أن يصل عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى نحو نصف مليون نسمة بحلول عام 2010.

تشكل زيادة عدد المستوطنين اليهود داخل القدس وحولها جزءًا أساسيًا من الإستراتيجية الإسرائيلية لضمان سيطرتها المستمرة. وقد شجعت الحكومة الإسرائيلية المستوطنين اليهود على الانتقال والإقامة في القدس الشرقية من خلال الحوافز الحكومية ومنحتهم تسهيلات في شراء الوحدات السكنية والإعفاءات من الضرائب وتصنيف أحيائهم ضمن الأحياء المتطورة مدنيا، وأقدمت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في 12 أغسطس 2003 على زيادة حجم قرض الإسكان للإسرائيليين الذين يقدمون على شراء شقة استيطانية في أحياء القدس الشرقية، وهكذا ففي الوقت الذي تقام آلاف الوحدات السكنية اليهودية تتقلص المناطق العربية وبينما تشق الشوارع الإسرائيلية الجديدة لربط المستوطنات بعضها ببعض، تقسم هذه الشوارع المناطق والقرى العربية وتعزلها بعضها عن بعض.

وأخذت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون القدس على عاتقها الحفاظ على نسبة اليهود بالمدينة بشقيها بين 75% - 80%، وأمام ذلك تحققت أغلبية إسرائيلية في شرقي المدينة عام 1993لأول مرة منذ احتلالها. وقدر الإحصائيات الفلسطينية عدد المستوطنين عام 2002 في منطقة محافظة القدس بنحو 229256 مستوطنا.

وتعمد السلطات الإسرائيلية إلى إقامة أحياء استيطانية صغيرة داخل الأحياء الفلسطينية مثل رأس العامود وسلوان وإسكانها بالمستوطنين اليهود، علاوة على فصل التجمعات والأحياء السكانية الفلسطينية في القدس الشرقية عن مركز المدينة والبلدة القديمة بواسطة حواجز عسكرية. وبدأت لجان التنظيم والبناء اليهودية في إحياء عشرات المشاريع التي تم تأجيلها سابقا أو لم يوافق عليها، وتمت الموافقة مثلا على بناء سوق تجارية ملاصقة لسور القدس وإقامة قرية سياحية في المساحة الواقعة ما بين حي واد الجوز وحي الصوانه، وكذلك سيتم السماح لشركات المقاولات اليهودية بالبدء في تنفيذ مشاريع إسكان في أحياء جبل المكبر, وصور باهر، وسلوان، والطور والعيسوية، والشيخ جراح على أراضي حكومية تمت مصادرتها بالقوة.

وعلى سبيل المثال، استولى مستوطنون يهود مدعومون بقوات كبيرة من جيش الاحتلال، في نهاية مارس الماضي 2004م على مبنيين سكنيين مكونين من 13 شقة سكنية، في حارة مراغة في حي سلوان، جنوب الحرم القدسي الشريف. ولم تنج المقابر الإسلامية من الاعتداءات الإسرائيلية، فإمعانا في اعتداءاتها المتواصلة على مقبرة "مأمن الله" الإسلامية أعلنت في سبتمبر 2002 عن نيتها إقامة مبنى للمحاكم الإسرائيلية في منطقة المقبرة، وحسب ميرون بنفنسي يقول: "إن هدم المقابر الإسلامية لم ينبع من ضغوط احتياجات التنمية والمصلحة العامة، وإنما بهدف مقصده عملية تطهير عرقي للموتى؛ لأن وجود المقابر تلك دليل على ملكية الأقصى".

تظهر أكثر أشكال السياسة الإسرائيلية تطرفا في رفض وزارة الداخلية وبلدية القدس الاعتراف بسكان قرية خلة النعمان كسكان مقيمين في القدس، والقرية تقع في الطرف الجنوب شرقي القدس وضمن حدود بلدية القدس، ويسكنها حوالي مائتي مواطن، وهي مهددة بتهجير سكانها أو اعتقالهم بحجة "المكوث غير القانوني في إسرائيل"، حيث تعتبرهم السلطات الإسرائيلية "مقيمين غير قانونيين" في بيوتهم وفي مسقط رأسهم، ومن شأن الجدار الأمني الذي تبنيه إسرائيل على بعد كيلومتر من القرية فصلها عن باقي قرى وبلدان الضفة الغربية

إن المستوطنات والشوارع التي ستخدم الزيادة الهائلة في عدد المستوطنين تحتاج إلى مساحات من الأراضي، ونتيجة ذلك يجري بصورة مبرمجة تقليص المساحة التي يعيش الفلسطينيون فيها، وذلك من خلال إصدار قوانين التخطيط والخرائط الهيكلية وفرض القيود على رخص البناء، ومصادرة الأراضي، ففي المناطق العربية يمنع تشييد مبنى يتعدى عدد طوابقه ثلاثة كحد أقصى، في حين أن عدد طبقات المباني في المناطق اليهودية يصل إلى ثمانية طوابق.

لذلك، ونتيجة الزيادة السكانية الفلسطينية وأمام رفض إسرائيل إصدار رخص بناء قد تعزز مواطئ القدم الفلسطيني في القدس، يجبر الفلسطينيون على مغادرة الأحياء العربية المركزية والتوجه إلى أحياء خارج حدود بلدية القدس أو إلى مناطق الضفة الغربية القريبة من القدس حيث قوانين التخطيط والبناء أقل صرامة، وأسعار الأراضي رخيصة، مقارنة بما هو موجود ضمن حدود بلدية القدس. ففي حين ترتفع نسبة الفلسطينيين إلى المجموع العام للسكان داخل حدود البلدية للقدس الغربية والشرقية، تنخفض نسبة الوحدات السكنية المبنية لهم، حيث تم بناء 12% من مجموع الوحدات السكنية التي أقيمت في معظمها بمبادرات خاصة (شخصية لا حكومية) خلال فترة 1967-1995، مقابل 88% لليهود في القطاع اليهودي. وتشير المصادر الفلسطينية في هذا الشأن إلى أن بلدية القدس تمنح تصريح بناء واحدًا لكل 6 أشخاص في القدس الغربية، في حين تمنح هذا التصريح لكل 42 شخصا في القدس الشرقية؛ ما أدى إلى بناء آلاف المنازل الفلسطينية دون تصاريح؛ الأمر الذي يجعلها معرضة للهدم في أي لحظة، حيث يسكن معظمهم في منازل مكتظة، علاوة على إحلال اليهود محل العرب الذين هدّمت منازلهم بحجة البناء دون تصريح والتي هدمت أكثر من ألفي منزل منذ عام 1967.

وتعمل إسرائيل على حرمان الفلسطينيين من تصاريح الإقامة من الأشخاص الذين لم يعيشوا في المدينة لـ7 سنوات متتالية، وكشف المقدسيون عن مخطط إسرائيلي تستعد الحكومة لتنفيذه مع بداية عام 2005 فور إتمام بناء الجدار العازل، ويكمن في تنفيذ ترحيل جماعي لكل مقدسي لا يحمل تصريح إقامة، وتنفيذ حملة إجبارية على كل من يحمل التصريح لإصدار جوازات سفر إسرائيلية بدل وثيقة السفر التي يحملونها حاليا وأي فلسطيني لا يريد أو لا يوافق ستسحب منه الهوية وبالتالي لا مجال لوجوده داخل حدود بلدية القدس.

إلى جانب اتباع سياسة سحب الهويات التي أدت إلى فقد مئات الأسر لحقها في الإقامة بمدينتهم‏، بدعوى أنهم يقيمون خارج الحدود البلدية أي في أحياء وضواح يصنفها أنها تابعة للضفة الغربية رغم وقوعها ضمن حدود أمانة القدس قبل الاحتلال الصهيوني لها في عام ‏1967‏م‏.‏

كما ترفض دولة الاحتلال تسجيل المواليد في الفترة الأخيرة في بطاقة الوالدين المقدسيين، بالإضافة إلى تغير أماكن الولادة المسجلة في بطاقات المواطنين حاليا لكثير من الأطفال إلى أماكن في الضفة الغربية وقطاع غزة. تعطيل معاملات لم شمل الأسر المقدسية‏، والتي يكون فيها أحد الزوجين مقدسيا، والآخر من مناطق الضفة الغربية وغزة‏، أو من الدول العربية.

كما اتبعت أسلوب الضغط الاقتصادي لترحيل السكان، والتي دفعت وتدفع أعدادا متزايدة من المقدسيين لمغادرة القدس طلبا للرزق، إلى جانب فرض ضرائب باهظة على المقدسيين وخصوصا ضريبة المسقفات وهي ضريبة إسرائيلية تفرض على المحال التجارية والمساكن في غربي المدينة حيث الأغلبية اليهودية التي تتمتع بالامتيازات الخدمية والإعفاءات الضريبية‏، دون مراعاة للفروق الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية‏.‏

وأغلق أكثر من 250 تاجرا مقدسيا في البلدة القديمة محالهم التجارية. وفي جميع الأحوال يتعرض بعضهم لوسائل اضطهاد مثل الملاحقة‏، والبعض الآخر إلى الحجز على حسابه المصرفي أو على ممتلكاته والتي تنتهي بالمصادرة، ‏، إضافة إلى الاعتقال ثم إجراء محاكمات جائرة انتهت ببعضهم إلى سجون الاحتلال كل ذلك بذريعة تسديد الديون المستحقة إذا علمنا أن ما لا يقل عن 80% من المقدسيين مدينون للمؤسسات الحكومة الإسرائيلية، وتشير بعض التقارير إلى وجود مبادلة باهظة الثمن تكمن في الإبعاد عن حدود بلدية القدس مقابل شطب الديون.

وإلى جانب انعدام فرص العمل وانتشار البطالة وتسهيل ترويج المخدرات وإفساد المجتمع، أصبح أهل القدس لا يمتلكون سوى انتظار المجهول القادم لكنهم يتوقعون المزيد من إجراءات التهويد التي تعد الأسوأ في تاريخ احتلال مدينتهم.

المستوطنات تبتلع القدس

تتبع إسرائيل سياسية دمج المناطق اليهودية والمستوطنات المجاورة للقدس الشرقية إلى مناطق النفوذ الإسرائيلية، ويشمل ذلك المراكز القائمة على شكل نقاط استيطانية في تل جفعوت، معالية أدوميم، أفرات وغوش عتصيون. وتتمتع هذه التجمعات الاستيطانية بوضع إستراتيجي بالسيطرة على طريقي القدس/الأردن والقدس/رام الله، حيث إن الترسيم الجديد للجدار الفاصل سيضم مستوطنات مثل معاليه أدوميم وغوش عتصيون ضمن منطقة القدس تحت السيطرة الإسرائيلية.

وتضم مستوطنات معاليه أدوميم حوالي 30 ألف مستوطن، وقد صادقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 600 وحدة سكنية قادرة على استيعاب 2000 مستوطن جديد، فيما تضم غوش عتصيون نحو 15 مستوطنة في منقطة بيت لحم جنوب الضفة الغربية بـ 12 ألف مستوطن.

ومن أخطر مراحل التهويد هي رسم حدود المدينة في إطار ما يسمى حدود القدس الكبرى، وتشمل أراضي تبلغ مساحتها 840 كلم2 أو ما يعادل 15% من مساحة الضفة الغربية، وهدفها النهائي إلى جانب فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها عدم إيجاد تواصل مع القدس، مقابل تثبيت التواصل الإقليمي والجغرافي بين المستوطنات الواقعة في الضفة الغربية وخارج الحدود الإدارية لما يسمى بلدية القدس، بالإضافة إلى إقامة شبكة من الطرق تصل بين هذه المستوطنات وهكذا، فإن خريطة الحكومة الإسرائيلية للاستيطان في منطقة القدس الكبرى أصبحت أمرا واقعا، ومهما كان الحل السياسي النهائي فإن ما يسمى بالقدس الكبرى ستحتفظ بموضعها الخاص.

اتفاقات السلام.. أين القدس؟!

وفشلت المحاولات المستمرة للتوصل إلى حل سياسي حول القدس سواء على صعيد القرارات الدولية أو مشاريع وطروحات الجانبين، وبقبول الجانب العربي والفلسطيني تأجيل موضوع القدس في المفاوضات ابتداء من اتفاقية أوسلو 1993 وانتهاء بخريطة الطريق مرورا بعدة اتفاقيات مرحلية أعوام 1994 و1995 و1996 ومباحثات كامب ديفيد عام 2000، تم تقديم التنازل ضمنيا عن الحق والسيادة المطلقة للفلسطينيين على مدينة القدس بشقيها. حيث لم ينص أي منها على إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه للمسائل المؤجلة وفي مقدمتها القدس؛ وهو ما وفر لليهود الفرصة الزمنية الكافية لمواصلة إجراءات التهويد الذي أصبح أكثر شرعية وفرض واقعا جغرافيا وسياسيا وسكانيا سبب تآكلا في ثوابت المطالب العربية الفلسطينية.

تجمع مختلف الأطياف السياسية الإسرائيلية على الحق اليهودي في القدس بصفتها عاصمة إسرائيل والشعب اليهودي، وتتعاطى إسرائيل مع مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات والتحكم الكامل في المصالح الدينية والسياسية لسكان القدس والشعب الفلسطيني بشكل عام كأمر شرعي يجب حمايته وتدعيمه في سياساتها الرسمية.

ويحاول اليهود حصر حقوق المسلمين والمسيحيين في الأماكن الدينية (الحرم القدسي - كنيسة القيامة)، ولذلك اتجهت المقترحات الإسرائيلية للتفاوض حول مستقبل المدينة نحو تقديم الحل الديني/ الوظيفي الذي يقدم حلا رمزيا للصراع بعيدا عن أي مطالب سياسية، وذلك حتى تبقى السيادة والأمن إسرائيليين في المدينة. ويدعم التصرفات الإسرائيلية ما تلقاه من مساندة ثابتة ومتصاعدة من الإدارة الأمريكية الحالية التي اعتبرت أن الاستيطان هو نمو طبيعي للمستعمرات وأعطت إريل شارون في إبريل الماضي ما يشبه وعد بلفور جديدا في إضفاء الشرعية على ممارساتها في القدس، والاعتراف بالطابع اليهودي لدولة الاحتلال.

الجدار الإسرائيلي يخنق القدس

هذا ولا يمكن فصل النشاط الاستيطاني عن جدار الفصل في شقه المتعلق بالقدس الذي يهدف إلى إلحاق المزيد من السيطرة على القدس العربية وتسريع حركة المستوطنين وتشجيعهم على السكن في المستوطنات ضمن منطقة القدس، حيث سيكون تأثير الجدار الفاصل في القدس هو الأشد والأكثر أهمية.

وقد زادت إسرائيل خلال شهر آب/ أغسطس 2003 من مصادرة أراض فلسطينية في ضواحي القدس الشرقية لبناء الجدار حول المدينة. وطرحت السلطات الإسرائيلية المحتلة مشروع إنشاء مقطع لجدار الفصل العنصري خاصة بمدينة القدس والمناطق المحيطة بها يعرف باسم "غلاف/ حاضن القدس"، ويتضمن إقامة مجموعة من الأحزمة الأمنية والسكانية لفصل شرقي القدس بشكل تام عن الضفة الغربية ليتسنى السيطرة على حركة الفلسطينيين من وإلى المدينة والتحكم في نموها بما يخدم مستقبل اليهود فيها، كما سيجري دفع غالبية من السكان الفلسطينيين باتجاه الشرق، بما سيؤدي إلى تغييرات ديمغرافية وأخرى جوهرية على مستوى الحياة وعلاقة الإنسان الفلسطيني بأرضه المحيطة والأمر الذي لا يمكن تقدير مدى خطورته.

وقد صادقت الحكومة الإسرائيلية على المخطط حول القدس الذي يبلغ طول أسواره نحو 50 كم قبل 9 أشهر، حيث يمتد كعائق متواصل في منطقة القدس في الطرفين الشمالي والجنوبي للمدينة، ويرمي إلى ربط المستوطنات المقامة خارج حدود ما يسمى "بلدية القدس" بالأحياء الاستيطانية داخل حدود المدينة لتكون ضمن الجسم الجغرافي للقدس من جهة، وربط هذا الحزام الاستيطاني اليهودي بالعمق اليهودي في القدس الغربية من خلال شبكة من الطرق والإنفاق من جهة أخرى حتى يحصل التواصل الجغرافي المباشر مع إسرائيل.

والملاحظ أن جدار الفصل الخاص بالقدس يحاول ضم مجموعة من المستوطنات مع أكبر عدد من المستوطنين في الوقت نفسه تجنب التجمعات السكانية العربية مع أقل عدد من الفلسطينيين في منطقة مثل غوش عتسيون وعوفاريم وجفعات زئيف في محيط القدس، وتغليف مستوطنات معاليه أدوميم ومستوطنات جبعون. فعند إنجاز بنائه، سيتم ضم نحو 12 مستوطنة في شرقي القدس عدد مستوطنيها 176 ألف مستوطن وتعادل نسبتهم إلى مجموع المستوطنين نحو 44%، إلى جانب 27 مستوطنة أخرى في محيط القدس، وابتلاع الجدار أكثر من 90% من مساحة القدس الشرقية الموسعة بعد سنة 1967 (70كم2) لتدمج في إسرائيل لاحقا.

يمر الجدار في أجزاء كثيرة منه قرب التجمعات الفلسطينية الطابع، ويحيط ببعض القرى والبلدات فلسطينية من ثلاث جهات، وسيفاقم الجدار الفاصل من صعوبات حصولهم على الخدمات البلدية الضرورية والتعليم فضلا عن مصادرة الأراضي بما يضع الفلسطينيين في شبه معسكرات اعتقال. وتصل مساحة المناطق المتضررة من الجدار الفاصل في شرقي القدس المحصورة ما بين الحدود البلدية والخط الأخضر فقط إلى 70 ألف دونم أي ما نسبته 1.2% من مجموع مساحة الضفة الغربية.

الجدار يمزق القدس

سيعمد جدار الفصل العنصري في القدس إلى سلخ أحياء عربية بكاملها عن القدس وأراضي الضفة الغربية وتقطيع أوصالها، وسيعزل حوالي 225 ألف فلسطيني من سكان القدس الشرقية داخل الحدود الإدارية لبلدية القدس عن الضفة الغربية، ويتضرر معها عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في البلدات والقرى الواقعة في محيط المدينة، حيث يصل عدد القرى الفلسطينية المتضررة من جراء إقامة الجدار في شرقي القدس إلى 23 قرية وبلدية.

كما سيجد نحو 55 ألف فلسطيني أنفسهم داخل الجانب الإسرائيلي من الجدار ومقطوعين عن الضفة الغربية بالكامل، ليتم إضافتهم إلى فلسطيني القدس الشرقية، ولا سيما في مجموع قرى تضم: بير نبالا، وبيت حنينا، والجيب، وقلندية، والرام، وحزمة، وعناتا، وجديرة، ومخيم شعفاط،. وستكون هذه القرى منقطعة الصلة بالقدس الشرقية، وأيضا عن أراضيها في الضفة الغربية، علاوة عن امتداد ضواحيها الشرقية كأبوديس، والعيزرية، والشيخ سعد، والسواحرة، التي سوف تُضَم إلى تجمعات فلسطينية أكبر. وعلى هذا النحو سوف يقتطع حوالي 100 ألف فلسطيني من نسيج القدس وبعضهم الآخر خارجه، مع اشتمال الفئة الأخيرة على نحو 15 ألف من حاملي هويات القدس المقيمين بكفر عقاب وقلندية. والإغلاق المحكم حول الضواحي المحتجزة في الجانب الإسرائيلي من جدار القدس الفرعي تجعل أراضيها البعيدة فريسة سهلة لمستوطنات مثل غفعات زئيف وتجمع معاليه أدوميم. بالمقابل فإن المئات من سكان قرية تسور بحر التي تعتبر ضاحية من ضواحي القدس الشرقية ويحمل سكانها هويات القدس المقيمين، سيجدون أنفسهم على الجانب الفلسطيني من الجدار. كما تم تخطيط جدار الفصل في قرية الشيخ سعد الواقعة في القدس الشرقية حيث سيفصلها عن شرقي القدس وعن باقي أراضي الضفة الغربية. وبإغلاقه مخرجها الوحيد الذي يؤدي إلى حي جبل المكبر الواقع شرقي القدس في سبتمبر/ أيلول عام 2002 بحاجز وكتل إسمنتية اضطر معظم سكانها إلى الخروج منها مشيا على الأقدام للحصول على تصاريح من إدارة الاحتلال التي تقابل معظم الطلبات بالرفض. ويبدو أن إقامة الجدار ستجبر باقي السكان على الاختيار بين العيش داخل منطقة معزولة والنزوح خارجها حيث اضطر أكثر من 25% من ساكنيها إلى مغادرتها.

لقد أصبح تجميد الوضع الاستيطاني القائم الآن لا ينطوي على ميزة سياسية ذلك أن الخطوات السريعة للاستيطان في القدس بعد إقامة ما يكفي من البنية التحتية أصبح يتعلق بالتوسع الداخلي للمستوطنة وإقامة نقاط اتصال فيما بينها. ومن الصعب تجاهل حقيقة الواقع على الأرض، خاصة أن إسرائيل تماس السلطة الفعلية منذ عام 1967، واستخدمت المستوطنات كوسيلة بيدها لرسم معالم جديدة لمدينة عمل فيها تشريحا وتحجيما لأحيائها العربية.


** باحث أردني

الأخبار
شؤون سياسية
صفحات وملفات خاصة
ساحة الحوار
حوارات حية
بنك الفتاوى
اسألوا أهل الذكر
استشارات دعوية
استشارات الزكاة
حدث في العام الهجري

من نحن | اتصل بنا | أعلن معنا | ادعم إسلام أون لاين | خارطة الموقع