الحمد لله، سقط المطر، و خفت الخطاب الأخلاقي
بقلم جمال عبدالله
خرجت علينا في الأسابيع الماضية عدة أصوات في الوسط الصحفي و السياسي تربط بين انحباس المطر و الإنحلال الأخلاقي في المجتمع الأردني وتدعي بأن غياب الأمطار ما هو إلا عقاب وابتلاء من الله. ربط غريب يستخف في عقول الأردنيين و يعود بنا إلى عصور بالية و كأننا شعب جاهل لا ينتمي إلى هذا الحداثة ولا يعي أي من العلوم الحديثة. كما أنها تغفل و بشكل صارخ بأن إشارتها إلى انتشار الشذوذ الجنسي و شرب الخمر كسبب لغضب الله وإنقطاع المطر يتعارض مع كمية الأمطار التي تسقط على البلاد الأوروبية التي تتسابق في إعطاء المثليين حق الزواج، و لم يكن يوما لديهم أية مشكلة مع الخمر.
يستغرب المواطن الأردني من توقيت هذه الحملات و هدفها، فهل وعت فجأة تلك الأصوات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين فجأة إلى التردي الأخلاقي – في نظرهم - ؟ أم هي حملة منظمة جاءت نتيجة لمقاطعتهم الإنتخابات النيابية وحاجاتهم للإعلان بأنهم مازالوا موجودون على الساحة؟ وهل خفت دورهم الإجتماعي و تورات عندهم حاجات المواطن الأردني الذي يعاني من صعوبات إقتصادية لتنحصر في ترهيب أخلاقي لا يؤدي إلا إلى مزيد من الظلم و الفرقة بين أبناء الشعب الأردني.
الاسبوع الماضي، إستضاف الملك عبدالله المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، نافانيثم بيلاي، و شدد على أن إحترام وحماية حقوق الإنسان هي أولوية للمملكة. و في الأسبوع الماضي إنطلق مهرجان الأفلام لحقوق الإنسان، كرامة. و كذلك في الأسبوع الماضي، أعلن المركز الوطني لحقوق الإنسان عن استراتيجيته القادمة و خطة عمله لينشر ثقافة حقوق الإنسان في المملكة و يعززها.
لكن، و للأسف، غابت عن كل تلك الدعوات لحماية الإنسان و صون كرامته فئة ليست قليلة من الشعب الأردني و هم المثليين، وكأنهم لا يتعرضون لكافة أنواع العنف والإضطهاد الإجتماعي في هذا البلد، و كأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يشر إلى الحقوق الجنسانية، وكأن حقوق المواطن الأردني في جسده لا تعد حقا أنسانيا.
سلطت الصحافة الضوء على العنف الإجتماعي في الآونة الأخيرة، وانطلقت الحملات المختلفة لمعالجة هذه الظاهرة الإجتماعية بدءا من المدارس والعنف ضد أطفالنا وانتهاء بالمنازل و العنف ضد نسائنا و بناتنا. للعنف أسباب مختلفة، و لكن من أهم ما هو منتشر في مجتمعنا العنف المبني على حكم أخلاقي، كالعنف الممارس ضد المرأة الأردنية لضبط جنسانيتها والعنف الممارس ضد مثليي ومثليات الجنس بسبب ميولهم الجنسية، وكذلك العنف ضد متحولي الجنس بسبب عدم توافق سلوكهم مع الدور الإجتماعي العام للرجل و المرأة.
قبل عدة أسابيع فجعت الولايات المتحدة لخبر انتحار عدة مراهقين من مثليي الجنس بسبب تعرضهم للتنمر في المدارس الأمريكية. وقتها، وجه الرئيس الأمريكي رسالة للشعب الأمريكي أعلن بها بأن إضطهاد و تعنيف الأطفال في المدارس لا يجوز بغض النظر عن ميولهم الجنسية.
و نحن هنا نقرأ خطابات في صحافتنا المحترمة تثير الرعب في قلوب المواطنين و تنشر بذور الكراهية و العنف تجاه فئة تعاني أصلا من ظلم واضطهاد اجتماعي. إن كان هنالك مراهقين في الولايات المتحدة ينتحرون بسبب اضطهادهم الجنسي، فيا ترى كم من المراهقين الأردنيين ينتحرون لنفس السبب؟
نحن لا ندعو إلى إنحلال جنسي أو أخلاقي، نحن هنا نحاول تسليط الضوء و معالجة الأمر بالطريقة التي نراها الأنسب لمختلف فئات المجتمع، وليس فقط من منظور أخلاقي يناسب أجندة عمل و طريقة تفكير فئة من الناس فيؤدي إلى عديد من المشاكل الإجتماعية الأخرى.
في الحقيقة فتاريخنا العربي الإسلامي يشير إلى كم كبير من التسامح والحريات الجنسية في العصر العباسي، ذلك العصر الذي يعد عصر قمة الحضارة و العلوم الإسلامية. أيامها لم يكن أبو نواس، و هو بالمناسبة يعد من أشهر و أهم الشعراء العرب، يخجل من إعلان حبه للرجال و تغزله فيهم بالعلن. لم نكن بعد نعاني من رهاب المثلية التي استقطبناها من الغرب في القرن الماضي و زرعناها في وعينا و ميراثنا الثقافي على أنها أصيلة، في وقت تقدمت العلوم النفسية في العالم لتحلل ماهية الميول الجنسية. نحن اليوم نرفض التقدم في علم النفس على أساس أنه غربي مع أن رهاب المثلية في الحقيقة هو المستورد من الغرب كما يبين الكاتب جوزف مسعد في كتابه التوثيقي “الرغبة في العرب“.
الأردن اليوم يتباهى بأنه دولة حديثة تتماشى مع دول العالم الأخرى و تحترم المواثيق الدولية و معاهدات حقوق الإنسان. وبينما مازال هنالك أشواط كبيرة أمامنا لقطعها من منظار حقوقي بما فيها حرية التعبير عن الرأي و حريات مدنية و إقتصادية عديدة، فإن خطابات أخلاقية كهذه لا تؤدي سوى إلي المزيد من الظلم لأفراد هذا المجتمع. و الظلم هنا يتقاطع و يتضاعف مع غياب الحريات، فمثلا المرأة الأردنية الفقيرة تتعرض لعنف وحكم أخلاقي أكثر من المرأة الأردنية الميسورة ماديا.
و في نهاية المقال، أتساءل، أيجب على المواطن الأردني أن يخاف من تنامي الأحكام الأخلاقية كلما تأخر المطر أو حصلت مشكلة إقتصادية أو بيئية؟ أندفع ثمن تأخر المطر من حرياتنا الشخصية و حقوقنا كإنسان؟
متى يتحول خطابنا الترهيبي إلى خطاب ينشر ثقافة التسامح، تقبل الإختلافات، و حب الآخر؟