Tuesday, March 15, 2011

دفاعاً عن مازوشية الجيل الجديد

دفاعاً عن مازوشية الجيل الجديد

منى كريم

قد يربط الجميع ما يسمى بـ«الأمة العربية» وفقاً لحسابات سياسية معينة، ليكرر الجيل القديم -جيل الثورات والهزائم المتواصلة- اللعنات ذاتها ضد الرأسمالية التي قتلت أحلامهم، وربطتها بكل تأكيد بمفهوم الإمبريالية.. إنها الإمبريالية الرأسمالية بالنسبة إليهم، سيدة كل الأشرار.

ويبدو أن الجيل ذاته يتناسى أن الأمر ليس دائماً محصوراً بين لعبتي السياسة والاقتصاد، فكما باعوا هم الدول العربية القديمة بحكم أن حكامها اللطفاء البسطاء مدعومون من المستعمر، أو بمعنى آخر، باعوا الواقع الذي من الممكن تطويره من أجل آمال طفولاتهم اليسارية، كان من الحري بهم أن يفهموا بأن الفكر الجديد الذي حملوه، سيجيء بعده فكر آخر على الدرجة ذاتها من الاختلاف ولربما أكبر.

الإشكالية أن هذا الجيل الذي تفاخر باختلافه الشديد عن الأجيال التي سبقته، هو الأكثر عنفاً وقمعاً بحق الأجيال التي جاءت بعده، وهو الأكثر انتقاداً وتعصباً و«تكفيراً» لهذه الأجيال، والتكفير هنا يجيء بمعانٍ عدة، آخرها المعنى المباشر للمصطلح. ما حاول هذا الجيل أن يفعله، هو أن يقدم صورة مثالية عن نفسه، وأن يبني خطابه كله على المثاليات والملائكية المطلقة، من دون أن يعلم أنه يحرم ذاته من أبسط صفاته الإنسانية، ويحرم غيره أيضاً من الأمر عينه.

لذلك نجد أن هذا الجيل -وهو في الغالب جيل آبائنا- يحاول أن يخلق منا -نحن الجيل الجديد- نسخا أخرى تتشبه به وتدغدغ مشاعره، لينتهي هذا الجيل إلى حالين: حال التمثيل الكاذب، بمعنى أن يعيش حالة من الانفصام أمام ذاته وأمام الأب، أو أن يعيش حالة معارضة حادة وتصادم مع هذا الجيل، وفي كلتا الحالتين النتيجة غير إيجابية، بل ومشوهة لهذا الجيل ومحبطة لإمكانياته (من المهم الانتباه إلى أنني لم أستخدم كلمة آماله).

ملاحظة أخرى على هذا الجيل تتمثل بتشوه ذوات أفراده، فكان تشابههم في زمنهم، يمنحهم النشوة والقوة، إلا أن شذوذهم عن الأغلبية ممن حولهم حالاً يسبب لهم حالة من الذعر ليدخلوا هم أيضاً بحالة من الانفصام ليكونوا تمثيلاً لمثاليتهم أمام أبنائهم (من المهم الانتباه أيضاً إلى أن كلمتي الأبناء والآباء هي إشارات إلى الأجيال لا الرابط الأسري) والنقيض لهذه المثالية تماماً في باقي تفاصيل حياتهم.

الملاحظة الأخيرة هي بكل تأكيد العامل الكبير في أن نشاهد الكثير من التناقضات من الذين يطلقون على ذواتهم «يساريين»، تناقضات هي السبب الأول في رفض غيرهم لهم والنفور منهم، لأنهم بكل بساطة يخسرون صدقيتهم أمام الآخر مع الإصرار على الدفاع عن التناقض تحججاً بـ«سوء الفهم» لا أكثر! هذا الاضطراب بالشخصية لا يقف عند هذا الحد، بل يحول منهم -وهم المضادون للدكتاتورية ودعاة الحرية ونصرة الفقراء- بمجرد أن تسنح لهم الفرصة ليخلقوا بأنفسهم دكتاتوريتهم الصغيرة التي تملك كل صفات الدكتاتورية لتحارب الدكتاتورية الكبيرة بطريقة المعارضة المزيفة «التي لا تهش ولا تنش»، لكنها تعمل بشكل جيد على إرضاء غرورهم واستمرارية أمجادهم.

أمر هذا الجيل منته، لأن وقته بكل بساطة انتهى، فهم بحد ذاتهم لا يمثلون الخطر، إلا أن المساحة التي يعطونها لأنفسهم في حياة الجيل الجديد، هي التي تمثل الخطورة في المعادلة، مساحة تخنق هذا الجيل وتجعله يقلد «حماقات» جيل الآباء في سلبياته قبل إيجابياته. مع ذلك، مازال الجيل الجديد يحارب -بشكل سري- لإثبات وجوده، خصوصا في أفكاره وأسلوب حياته، لأنه جيل يتفاخر بمازوشيته، فهو لا يكترث بالآلام التي تخلقها أميركا، أو إسرائيل له، لأنه يحب تناسي السياسة، ويحب أن يقدم الأفلام والأغاني الأميركية على سياستها حين يتحدث عن أميركا. إنه الجيل الذي لا يكترث إن كان غاندي قد انتصر على الإنجليز بالمقاطعة، لأن طعم قهوة ستاربكس صباحاً أفضل بكثير من تدمير خلايا المخ بالتفكير بـ«مؤامرات الأمم».. بكل بساطة، هو جيل التجربة لا التنظير الذي ينتصر باللامبالاة وممارسة الحياة.

- أوان

0 comments:

Post a Comment