منتدى موقع التاريخ

حرب 5 يونيو 1967م

الحلقة الأولى

بقلم: مصطفى محمد الطحان

soutahhan@hotmail.com

 

تسلسل الأحداث

في العاشر من أيار (مايو) 1967م هدد الجنرال رابين رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بأن قواته – إذا استمر نشاط الفدائيين – مستعدة لدخول دمشق، وهدم النظام القائم فيها(1).

وفي الرابع عشر من أيار (مايو) قال ليفي اشكول رئيس وزراء إسرائيل: إن إسرائيل لن تستطيع أن تتسامح في حوادث التسلل. وإنها تدرس اتخاذ إجراءات رادعة.

في السادس عشر من أيار (مايو) أبرق رئيس الأركان المصري، إلى قائد القوات الدولية، يطلب انسحاب تلك القوات من مراكز المراقبة على الحدود.

في اليوم نفسه استدعى يوثانت (الأمين العام للأمم المتحدة) المندوب المصري الدائم في هيئة الأمم المتحدة، وأعلمه أن الانسحاب الجزئي للقوات الدولية غير مقبول، فهي إما أن تنسحب برمتها ومن كافة المواقع أو أن تبقى تلك القوات حيث هي.

في السابع عشر من أيار (مايو) قامت القوات المصرية باحتلال مواقع القوات اليوغسلافية.

في الثامن عشر من أيار (مايو) طلبت مصر رسمياً من يوثانت ضرورة سحب القوات الدولية من أراضيها ومن قطاع غزة في أٍسرع وقت ممكن.

في التاسع عشر من أيار أصدر يوثانت أمراً للقوات الدولية بالانسحاب.

في 15 أيار (مايو) أعلنت إسرائيل التعبئة الجزئية، وأعلنت مصر التعبئة العامة.

في 22 أيار (مايو) أقفلت مصر مضائق تيران. وأعلن عبد الناصر أنه إذا أرادت إسرائيل الحرب فلتتفضل.

في 23 أيار (مايو) أعلن أشكول في الكنيست أن منع الملاحة في المضائق يعتبر عملاً عسكرياً. وفي مساء اليوم نفسه أعلن جونسون الرئيس الأمريكي أن إقفال المضائق يعتبر عملاً غير قانوني.

في 24 أيار (مايو) أعلنت كل من أمريكا وبريطانيا، ضرورة فتح مضائق العقبة للملاحة الدولية، ولو أدى ذلك لاستعمال القوة.

وفي 26 أيار (مايو) اجتمع أبا ايبان وزير خارجية إسرائيل مع الرئيس الأمريكي وأعلن بعد اللقاء أن انسحاب إسرائيل من شرم الشيخ بعد حرب السويس عام 1956 كان مشروطاً بتأمين حرية الملاحة.

وفي 26 أيار (مايو) أعلن جمال عبد الناصر: إذا قامت إسرائيل بعمل عدواني ضد أية دولة عربية فإن حربنا معها ستكون شاملة هدفنا تطهير الوطن المحتل. واتهم الولايات المتحدة بأنها العدو الأكبر وأن بريطانيا تبع ذليل لها.

في هذه الأثناء طالب الرئيس الأمريكي عبد الناصر بضبط النفس وعدم المبادرة بالعدوان. وفي الساعة الثالثة والنصف من صباح اليوم التالي حمل السفير السوفياتي في القاهرة رسالة مماثلة من كوسسيغين رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي إلى الرئيس المصري.

أما يوثانت الذي زار القاهرة فقد أعلن أن مصر لن تكون البادئة بالعدوان وأنها ترغب في إعادة لجنة الهدنة المشتركة التي كانت قائمة قبل عدوان السويس.

في 30 أيار (مايو).. وصل الملك حسين فجأة إلى القاهرة ووقع مع مصر معاهدة دفاع مشترك.

في 1 حزيران (يونيو) أعلنت إسرائيل التعبئة العامة، وانضم موشي ديان إلى الوزارة الإسرائيلية كوزير للدفاع.

في 4 حزيران (يونيو) أكد السفير العراقي للحكومة الأردنية أن معلومات مؤكدة وصلت إلى الاستخبارات العسكرية العراقية تؤكد أن إسرائيل ستشن هجومها يوم 5 حزيران (يونيو).

ولقد أبلغ الملك حسين ذلك للرئيس عبد الناصر في اليوم نفسه(2).

يوم 5 حزيران (يونيو) 1967م بدأ الهجوم الإسرائيلي على الجبهة المصرية.

تفسير الأحداث

حتى نفهم الأحداث التي تسارعت خلال النصف الأول من عام 1967م، وأدت بالتالي إلى حرب مدمرة  للجيوش العربية في مصر وسوريا والأردن، واحتلت إسرائيل بموجبها كامل سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان.. لابد لنا من العودة قليلاً إلى الوراء..

أولاً-  في أعقاب حرب السويس أو العدوان الثلاثي الذي وقع على مصر، والذي اضطرت فيها إسرائيل – أمام ضغط الإنذار الأمريكي – للانسحاب من سيناء التي احتلتها، فإنها لم تخرج بدون مكاسب.. هذه المكاسب كانت تتجلى في مرابطة قوات دولية على الأرض المصرية وفتح مضائق العقبة للملاحة الإسرائيلية.

لقد كان وجود القوات الدولية على أرض سيناء، وفتح الممرات المائية أمام إسرائيل(3) والضمانات السرية التي أعطيت للأمريكان بتجميد الصراع مع إسرائيل لمدة عشر سنوات(4) والقمح الأمريكي الذي يتدفق على مصر باسم السلام وصداقة الشعوب، مما يحرج زعامة عبد الناصر قائد الثورة المصرية والجماهير العربية. كان عبد الناصر يتحين الفرصة لإزالة هذا العار الذي لحق به منذ حرب السويس.. خاصة وأنه كان يحتفل سنوياً بعيد النصر، أي انتصاره على قوات إسرائيل وفرنسا وبريطانيا في حرب السويس.

ثانياً- بعد سقوط الوحدة السورية المصرية شعر عبد الناصر بسقوط زعامته، ولهذا فقد كان يفتش عن انتصارات أخرى تعوضه عن هذا السقوط، وجد بعض ضالته في انقلاب اليمن وليبيا، ولكن نظره لم يتجاوز سوريا وفلسطين.. فقد كانت زعامته مرتبطة بهما.

ثالثاً- وفجاة... وجدها عبد الناصر فألقى خطاباً حذر فيه الأمة العربية من الكارثة التي تتعرض لها.. فقد أنهت إسرائيل أعمالها في تحويل مياه نهر الأردن لإرواء النقب.. وهذا العمل الذي سيمكن إسرائيل من استقدام المزيد من المهاجرين اليهود يعتبر تحدياً سافراً لمقررات الجامعة العربية التي تؤكد تصميم العرب على  وقف التحويل بالقوة.. ولهذا فإنه يدعو الحكام والملوك والرؤساء العرب للتشاور جميعاً حول الموقف الواجب اتخاذه تجاه إسرائيل.

وانعقد مؤتمر القمة الأول في القاهرة عام 1963م والثاني في الإسكندرية.. وهناك اتفقت كلمتهم على مواجهة التحدي الإسرائيلي بالمبادرة فوراً بتحويل روافد نهر الأردن. في سوريا ولبنان.. وهو حق من حقوق سيادة الدول في مياهها الإقليمية.

وأعلنت إسرائيل أن هذا العمل هو عدوان على حقوق إسرائيل في المياه.. وأنه عمل عدواني.. وبالفعل قامت بضرب الآلات التي تعمل بالمشروع وعطلتها.

فماذا كانت ردة الفعل العربية؟

كانت عبارة عن الدعوة إلى مؤتمر قمة جديد في الدار البيضاء أهم مقرراته:

1-     التضامن العربي، أي التعايش السلمي بين الأنظمة المختلفة.

2-  قرار سري بتحديد وقت استكمال الخطة العربية العسكرية، والوصول إلى مركز القوة للردع، ثم الانتقال إلى مركز التصدي والتعرض. وكانت المدة المقررة لذلك هي ثلاث سنين.

3-     خلال ذلك يتم تحاشي إعطاء المبرر لإسرائيل، وعليه فقد اتفقوا على ضرورة الحد من أعمال التسلل.

رابعاً- من المستجدات على الساحة العربية والتي يمكن اعتبارها سبباً رئيساً في حرب 5 يونيو 1967م كان بروز منظمة العاصفة التابعة لمنظمة فتح الفدائية التي بدأت بشن غاراتها على إٍسرائيل منذ أوائل عام 1964م، وهذه العمليات هي التي تسببت في الهجوم الإسرائيلي على قرية السموع في 13 نوفمبر 1966م، ومهاجمة سوريا في 7 أبريل 1967م والتهديد باحتلالها.

ومنظمة فتح لم تكن تثق بحكومات الدول العربية التي كانت بنظرها حكومات متآمرة على القضية الفلسطينية.. كما أن حكام هذه الدول كانوا يحاولون استغلال وتحطيم هذه النبتة الجديدة المزعجة.

خامساً- في أواخر سنة 1964م بدأت العلاقات المصرية الأمريكية بالتدهور وخاصة بعد قيام مصر بغارات على المملكة العربية السعودية بسبب الحرب في اليمن، وإسقاط طائرة أمريكية خاصة فوق الأراضي المصرية، وخطاب عبد الناصر الذي قال فيه للأمريكيين: اشربوا ماء البحر، ومنها النغمة الجديدة التي بدأت تتصاعد من مؤتمرات القمة العربية.. والعمل على تحويل روافد نهر الأردن وتشكيل القيادة العربية الموحدة في محاولة للتصدي لإسرائيل.

والخلاصة

إن هذه الأسباب الخمسة:

1-     رغبة عبد الناصر لأسباب كثيرة في إغلاق المضائق.

2-     محاولة عبد الناصر التخلص من آثار الانفصال عن سوريا بنصر سياسي جديد.

3-     قرار تحويل روافد نهر الأردن.

4-     قيام منظمة فتح.

5-     تدهور العلاقات المصرية الأمريكية.

هي التي استغلتها إسرائيل، واعتبرتها فرصة العمر، وكان نظرها وأحلامها تطيف بالقدس والضفة الغربية أو يهودا والسامرة كما كانت تسميها.. فما أن تهيأت الأسباب حتى كان الهجوم الإسرائيلي في 5 يونيو 1967م ابتداءً من الجبهة المصرية فالأردنية فالسورية والتي أنتجت ما تعارف عليه المحللون فيما بعد بحرب الأيام الستة أو النكسة.

------------------------------------------------------------------------------------

(1) على اعتبار أن معظم هجمات الفدائيين كانت تنطلق من دمشق في ذلك الوقت.

(2) المؤامرة ومعركة المصير – سعد جمعة، ص- 166.

(3) ذكرت ذلك مستر جرانت مساعد وكيل وزارة الخارجية الأمريكية أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ عام 1962م.

(4) كان هذا الاتفاق يعرف باتفاق جنتلمان.

 

اشترك معنا

 ضع بريدك هنا