04 تشرين2/نوفمبر 2013
RSS Facebook Twitter Linkedin Digg Yahoo Delicious
السبت, 02 تشرين2/نوفمبر 2013 08:36

الفرص المتساوية:

التحديات المحتملة للحوار الوطني في تونس

  أحمد زكريا الباسوسي
قييم هذا الموضوع
(277 أصوات)

يواجه الحوار الوطني التونسي، والتي انطلقت أول جلساته الإجرائية فى 5 أكتوبر 2013، بعد قبول أحزاب حكومة "الترويكا" المبادرة الرباعية وخارطة الطريق التي طرحها الاتحاد العام للشغل وثلاث منظمات حقوقية أخرى، حزمة من التحديات التي يمكن أن تعرقل إمكانية نجاحه، منها ما يرتبط بالعلاقة بين أطراف الحوار، ومنها ما يتعلق بتفاصيل الحوار وكذلك مخرجاته، غير أن تعقيدات المرحلة الانتقالية، لا سيما الأبعاد الأمنية والاقتصادية المتردية، تدفع نحو ضرورة تبنى القوى السياسية والتيارات الفكرية المختلفة حلول وسط حتى تخرج البلاد من أزمتها الراهنة المحتدمة، وتتلافى مسار الانهيار الشامل، ولعل ذلك هو ما يجعل فرص نجاح الحوار متساوية مع احتمالات فشله.


توقيت حرج

انطلق الحوار الوطني التونسي فى لحظة بالغة الحرج، حيث يبدي قطاع كبير من التونسيين رؤي متشاءمة تجاه عملية الانتقال الديمقراطي فى ظل المؤسسات الحالية خاصة المجلس التأسيسي والحكومة. فقد كشف استطلاع رأى أجرته مجلة "فورين أفيرز" فى أوائل أكتوبر 2013، أن 81% من الشعب التونسي يرى أن البلاد تسير فى اتجاه خاطئ، وأن 52% من التونسيين يعتقدون أن البلاد تعيش أسوأ مما كانت عليه فى عهد الرئيس السابق زين العابدين بن على. كما أن البلاد تعاني من حالة احتقان سياسي ومجتمعي بلغت ذروتها مع اغتيال كل المعارض اليساري شكري بلعيد فى فبراير الماضي، والمعارض القومي محمد البراهمى فى يوليو الماضي، حيث فشلت الحكومة السابقة برئاسة حمادي الجبالى ثم الحكومة الحالية بقيادة على العريض فى التوصل إلي الجناة الحقيقيين، ما دفع المعارضة إلي اتهامهما بالتواطؤ وعدم الجدية فى القبض على الجناة.

وقد أثار التأخر فى إجراء الحوار الوطني تساؤلات عديدة حول التخوف من فشله، لا سيما مع تدهور الاقتصاد التونسي، فوفقا لرضا السعدي الوزير المكلف بالملف الاقتصادي والاجتماعي، فقد تراجعت معدلات النمو إلى 3.6%، وزاد عجز الموازنة إلى 7.4%، بسبب تراجع عائدات الضرائب وارتفاع دعم الأسعار والأجور، كما بلغت نسبة التضخم 6% خلال شهر أكتوبر 2013، وبالتالي، فإن إجراء الحوار فى مثل هذا التوقيت يفرض تحديات أمام فرص إنجاحه.

معوقات متعددة

يواجه الحوار الوطني التونسي حزمة من المعوقات التي يمكن أن تساهم فى عرقلة مسيرة الانتقال الديمقراطي، والتي تتلخص فيما يلي:

1-    غياب الثقة بين أطراف الحوار، في ظل تصاعد حدة الخلافات بين أحزاب حكومة "الترويكا" بقيادة حزب النهضة الإسلامي من جانب، والمعارضة الليبرالية خاصة أحزاب جبهة الإنقاذ بقيادة نداء تونس، واليسارية لا سيما الجبهة الشعبية والاتحاد التونسي للشغل، والتي وصلت إلى حد قيام المعارضة بتوجيه الاتهامات بالعمالة والتخوين للنهضة وحلفائها بالتنسيق مع الجماعات الإرهابية خاصة جماعة "أنصار الشريعة" للقيام بعمليات اغتيالات لرموز المعارضة، وهو ما دفع النهضة إلي الرد بتوجيه اتهامات للمعارضة بالعمالة للنظام السابق.

2-    عدم وجود اتفاق عام حول المبادرة الرباعية وخارطة الطريق، إذ لم تحظ المبادرة، التي تعتبر الأساس الذي يقوم عليه الحوار، بموافقة كافة القوى السياسية، فعلى الرغم من توقيع بعض قوي المعارضة على المبادرة خاصة نداء تونس، والجبهة الشعبية، والاتحاد العام للشغل، إلي جانب النهضة، والتكتل، فإن هناك أحزابا رفضت التوقيع خاصة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي ينتمي
إليه الرئيس منصف المرزوقي، وذلك استنادا إلى أنه لا يمكن الموافقة عليها قبل مناقشتها بين الفرقاء السياسيين، وقد اعتبر المرزوقي أن النهج الذي تتبعه المعارضة يمثل ابتزازًا سياسيًا، كما رفض التوقيع أيضا كل من حزب الإصلاح والتنمية الإسلامي، وتيار المحبة المحافظ الذي يترأسه الهاشمي الحامدى القيادي السابق بحركة النهضة.

3-    أزمة استقالة الحكومة، والتي ستكون أحد محاور الخلاف الحقيقي فى الحوار الوطني، فبعد أن أعلنت حركة النهضة قبولها للمبادرة الرباعية وخارطة الطريق فى 25 سبتمبر الفائت، التي تقضى باستقالة الحكومة فى غضون ثلاث أسابيع لتحل محلها حكومة كفاءات وطنية غير حزبية تترأسها شخصية مستقلة، بدأت الحركة في التلميح إلي عدم قبولها الاستقالة، وهو ما بدا جليا في البيان الصادر عن مجلس شورى الحركة الذي صدر فى 6 أكتوبر 2013، فقد أشار البيان إلي أنه ليس من الوارد استقالة الحكومة فى الوقت الحالي، وترك البلاد فى حالة من الفراغ المؤسسي، علما بأن الاستقالة لن تتم بصورة فورية، وإنما بعد إيجاد بديل قادر على استكمال المسار الانتقالي، وأن الحركة وافقت من حيث المبدأ على المبادرة باعتبارها قاعدة عامة للخروج بالبلاد من أزمتها السياسية فى إطار مجموعة من التوافقات لاستكمال المسار الانتقالي، وهى البحث فى تشكيل حكومة جديدة، وصياغة مسودة للدستور، وتحديد موعد الانتخابات، واختيار هيئة انتخابية.

وقد أثار هذا التراجع استياء المعارضة وبصفة خاصة جبهة الإنقاذ الوطني التي تمسكت بمطلب استقالة الحكومة قبل البدء فى الحوار، وهو ما اتسق مع موقف حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، الذي أكد نائب رئيسه عبد الجليل البدوي علي أن تراجع النهضة عن الاستقالة يقود الحوار الوطني إلى نقطة الصفر مرة أخرى، وأن رفض الحكومة الاستقالة رغم توقيع الغنوشى على المبادرة إنما يعبر عن عجز حركة النهضة على تحمل مسئوليتها فى إدارة شئون البلاد.

  لكن يبدو أن تهديدات المعارضة بالتراجع عن خوض الحوار والتصعيد، قد دفعت النهضة النظر لإعادة مره أخرى فى استقالة الحكومة. وهو ما تجلى فى تقديم رئيس حكومة الترويكا على العريض تعهد مكتوب فى 27 أكتوبر 2013 باستقالة الحكومة فى غضون ثلاثة أسابيع وتشكيل حكومة كفاءات وطنية، ولكن ستظل هناك أزمة حول شخصية رئيس الحكومة القادمة فى حالة وفاء النهضة بتعهدها واستقالة الحكومة.

4-    مدى قانونية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، حيث تنص خارطة الطريق على أن يقوم المجلس التأسيسي باختيار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلال أسبوع واحد، والتي تعكف بدورها على إعداد قانون الانتخابات خلال أسبوعين، ومن ثم يتم تحديد موعد الانتخابات خلال أسبوعين من الانتهاء من القانون، ولعل هذا الطرح يصطدم بشكل كبير مع الواقع السياسي والقانوني الموجود، وذلك لكون المحكمة الإدارية كانت قد أصدرت حكما بإبطال أعمال لجنة فرز الانتخابات بالمجلس الوطني التأسيسي، وهو ما يجعل أعمال المجلس، بما فيها اختيار الهيئة، باطلة من الناحية القانونية، وبالتالي، فإن كافة الأعمال التي ستنتج عنها يمكن أن يحكم عليها بالبطلان هي الأخرى، وهو ما جعل مسألة العودة إلى المحكمة الإدارية أمرا بالغ الأهمية، فى محاولة لتجاوز هذه العقبة، علما بأن نظر المحكمة فى سبل تنفيذه لا تعنى أنه سيتم تجاوز قرار المحكمة وإنما تعني البحث عن بديل آخر، وهو ما يمثل عائقا حقيقيا أمام الحوار الوطني.

5-    الانسحابات من الحوار، فمع التعثر المستمر وتعنت النهضة وحلفائها، يبدو أن مسار الانسحاب أو التهديد بالانسحاب من الحوار، بات مطروحا بقوة من جانب بعض القوى السياسية، وهو الأمر الذي من شأنه أن ينال من مصداقية الحوار ويقلل من أهمية نتائجه، ويأتي فى مقدمة تلك القوى التيار الشعبي التونسي، الذي أكد الناطق باسمه مراد العمدونى، أنه سيضطر لتعليق مشاركته فى الحوار الوطني طالما استمر الفرقاء السياسيون فى تعنتهم، لا سيما فيما يخص أزمة معايير اختيار هيئة الانتخابات، والتي استمر النقاش حولها ما يزيد عن خمسة أيام دون القدرة على التوصل لحل وسط بشأنها، ما اعتبره العمدونى محاولة من قبل قوي سياسية لكسب مزيد من الوقت، الأمر الذي يضع قضية نجاح الحوار الوطني على المحك.

سيناريوهات محتملة

لكن رغم تعدد العقبات التي تواجه الحوار الوطني، إلا أنه لا تزال هناك فرص حقيقية لإنجاحه، لاسيما في ظل إدراك أن فشله سوف ينتج تداعيات سلبية خطيرة، وفى هذا السياق، يتأرجح مستقبل الحوار الوطني التونسي بين ثلاث سيناريوهات رئيسية: الأول، النجاح الشامل، والذي يمكن أن يتحقق في حالة نجاح أطراف الحوار فى التوصل لحلول جذرية وشاملة بشأن القضايا الخلافية العالقة خاصة تشكيل الحكومة والانتهاء من الدستور وسرعة إتمام قانون الانتخابات وإجراءها، وذلك بهدف تقليص حالة الاحتقان السياسي والمجتمعي بين التيارات الليبرالية واليسارية من جانب، وحزب النهضة وحلفائه من جانب آخر، غير أن تحقق هذا المسار صعب للغاية، لا سيما بعد تراجع ومماطلة النهضة فى قضية استقالة الحكومة.

والثاني، النجاح الجزئي، وهو ما يمكن أن يحدث فى حالة اتجاه الأطراف المختلفة إلي إبداء قدر من المرونة فى التعامل مع قضايا الحوار، ويبدو أن هذا السيناريو هو الأقرب للتحقق، خاصة مع اقتناع كافة الأطراف بضرورة تقديم قدر من التنازلات، فقد أبدت المعارضة مرونة فى المبادرة الرباعية، التي لم تنزع عن المؤسسات القائمة الشرعية الكاملة خاصة المجلس التأسيسي، الذي تركت له سلطة اختيار اللجنة المستقلة للانتخابات وإتمام الدستور، مع وضع جدول زمني للانتهاء من ذلك، بالتزامن مع إبداء النهضة موافقة مبدئية على استقالة الحكومة بعد توفير البديل حتى لا يحدث فراغ مؤسسي.

والثالث، الفشل والانهيار الكامل، وذلك في حالة استمرار كل طرف فى تعنته وتمسكه برؤيته دون تقديم أي تنازلات، انطلاقا من كونها "مباراة صفرية"، ويعتبر هذا السيناريو هو الأخطر، لا سيما أنه في حالة تحققه سوف يفرض تداعيات سلبية على المشهد التونسي، منها لجوء كل طرف إلى سياسات الحشد والتعبئة فى الشارع، بشكل يمكن أن يؤدي إلي اتساع دوامة العنف والمصادمات، بالتزامن مع انهيار اقتصادي شبه مؤكد.

(*) باحث بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة