الرئيسية | ثقافة | آراء و مقالات | من كل جهات الطاولة

من كل جهات الطاولة

بواسطة
من كل جهات الطاولة
Post on Facebook إرسل إلى صديق نسخة صالحة للطباعة

من تحت الطاولة، بل من فوقها، ومن جميع جوانبها، وتكاد الأذرع الأخطبوطية تمتد لاستحداث أبعاد أخرى خارج الأبعاد الثلاثية لطاولة العصر التي تتعرض لحظاتها البهيّة لهتك واعتساف على مذبح الفضيلة والأمانة والصلاح، ذلك هو حال وواقع الفساد الإداري والمالي، حينما تكون آنيته تنضح بكل ما يهدم القيم، لدرجة يستفحل معها الأمر، وتعلو نبرة، فبين بعض الياقات البيضاء وغيرها من ذوات الألوان الحمر والغرابيب السود، تنتج رائحة عفن الفساد وما تتقيأه الذوات الفاسدة من أفعال تساهم في إنتاج ذلك الفساد والترويج له ونشره والتشريع لتعاطيه، مما صنع له مذاقاً جعله محل استمراء لدى بعض النفوس الضعيفة، وما يقلق هنا أن ثمة خشية كبيرة من تحول هذا السلوك المنافي للفضائل إلى جزء من السلوك العام، مما يجعل القضية تأخذ منحىً خطيراً مؤرقاً ومقلقاً مجتمعياً.

 

وقبل نحو سنتين سمعت هذه القصة، حينما كانت طالبة الطب البشري في سنة الامتياز، وفاجأتها الجهة التي كانت تتدرب لديها بأنها مسجلة كموظفة في إحدى المؤسسات التجارية، وعليها أن تنهي علاقتها بتلك المؤسسة حتى يتسنى لها أن تتسلم راتبها أثناء فترة التدريب، وحينما راجع ذووها مؤسسة التأمينات الاجتماعية أولاً للاستفسار عن حقيقة هذا التوظيف الوهمي، كانت مفاجأة رب الأسرة أن كل مَن في بطاقة عائلته هم موظفون وهمياً، بل إن الأمر وصل إلى أن يتم فبركة الأسماء فبدلاً من أن يكون اسم البنت «ماجدة» يتحول الاسم إلى «ماجد»، مع استغلال السجل المدني للاسم الأصلي، بل يتعدى الأمر إلى أن يطول الاعتداء حتى الأطفال عندما يتم تسجيلهم وقيدهم في شركات ومؤسسات دونما يعلمون، وبما يحصل من تغيير في تواريخ مواليدهم أثناء تسجيلهم في مكتب العمل أساساً، حتى تترتب الحبكة السوداء في كتاب تاريخ اللصوصية الحديثة وغصب الحقوق من ذوي نفوس مريضة وضمائر متوحشة، لا يهمها سوى الطمع والجشع والتكسب والرفاه على حساب الوطن والمواطن والقيم والأخلاق.

 

هذا السلوك ليس سوى منتج واحد من منتجات الفساد الإداري القبيح الذي تطالعنا الصحف ببعض القضايا حوله، بينما يغيب كثير من تلك الوقائع عن الناس، وإنما قد تأتي في سياق التناقل والعنعنة، في أحاديث الناس ومعاناتهم مع ما يتعرضون له من اعتداء على الحقوق، واستغلال عبر وسائل غير مشروعة تدخل فيها المزورات في الوثائق والبيانات، وتتقاسم حلبها ذوات هدفها الثراء السريع والواسع، بأي طريقة كانت، ومن أي جهة جاءت، وينطبق عليها المثل الشعبي الدارج: «خنزيرة.. مخنوقة»، في إشارة إلى الوزر المضاعف والمحرّم المزدوج، والإثم المتضخم بخلايا المال الحرام، وبلازما الانحطاط المشين في منظومة القيم والسلوك.

 

ومن هذه القضايا، ألقتْ المباحث الإدارية القبض على أحد موظفي مكاتب العمل مُتلبسًا بقضية رشوة الأربعاء الماضي وإحالته إلى هيئة التحقيق لإدانته بما تم ضبطه، وقام مدير فرع وزارة العمل في المنطقة الشرقية برفع بلاغ عن الموظف إلى المباحث الإدارية لتباشر تنسيقها مع المواطن والقبض على الموظف طالب الرشوة (جريدة الشرق، 22 مارس 2014).

 

وتعرّف منظمة الشفافية الفساد بأنه: «استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة»، فيما تبرز عدة تعريفات أخرى لهذا المفهوم بسبب تعقد هذه الظاهرة وتشعب معالمها وتنوع مناهج دراستها.

 

من جهة أخرى فإن التمادي في استخدام الروتين الإداري، فضلاً عن الإساءة في توجيهه، هو أحد العوامل التي تدفع سلبياً باتجاه هذا السلوك الشائن، كما أن عدم تحقيق معايير الرضا والتقدير الوظيفي، يؤدي بالنتيجة إلى شيوع مثل هذه الأمراض التي هي معاول هدم للأمم على المدى الطويل، وفي التاريخ كما هو الواقع من العبر والبصائر ما يكفي للوعي بخطورة هذا المنزلق القاتل.

 

وليس بخافٍ أن الممارسات غير الأمينة للصلاحيات، بالإضافة إلى المخالفات في تطبيق اللوائح والنظم الإدارية تأتي في الصف الأول لظاهرة الفساد الإداري والمالي في أغلب المجتمعات.

 

وحين تظهر الرشوة، والمحسوبية، والواسطة، والابتزاز المالي في أثير ما، فإن حاله سوف ينقلب حالكاً، وتسقط حين ذلك كل القيم.

 

إن التوغل في تطبيق البيروقراطية في نظمنا الإدارية، وغياب المرونة الإدارية ومحطات روح القانون، تسهم في سقاية بذور الفساد، وتنامي أعشابها وشجيراتها التي ما تلبث أن تلتفّ حول رقاب الجميع، وتسيّج ضمائرهم، بينما المطلوب تنمية القدرات الإدارية، ونشر المفاهيم المعاصرة في الإدارة الحديثة، في ظل العمل بروح الفريق والتخفف من المركزية المغلقة.

 

وحتماً فإن التوجهات الأخيرة في تطبيق الخدمات الإلكترونية، ووجود منصات بحث وتحقق عن كثير من الأمور التي ظهر سابقاً استغلال كبير في حيثياتها، ومن ذلك التوظيف الوهمي، والسطو على بيانات المواطنين، التي قد تتسرب من مدرسة أو مستشفى أو أي جهة استأمنها المواطن على وثائقه، وبوجود ولو نغمة نشاز واحدة، ستهدم كثيراً، فما أصعب البناء ولكن ما أسهل الهدم، (ولو ألفُ بانٍ خلفهم هادمٌ كفى/ فكيف ببانٍ حوله ألفُ هادمِ).

 

إننا بحاجة للمسارعة في تطبيق مشاريع الحكومة الإلكترونية، وفي تنمية النظم الإدارية، وفي التقدير والرضا الوظيفي، حتى لا يتسع الخرق على الراقع يوماً.

إشترك في خلاصة التعليقات تعليقات (0 منشور)

المجموع: | عرض:

إكتب تعليق

  • عريض
  • مائل
  • خط بالأسفل
  • إقتباس

الرجاء إدخال الرمز الذي يظهر في الصورة:

Captcha

قيّم هذا المقال

0

كلماته الدلالية:

لا توجد كلمات دلالية لهذا المقال

Conditions for Ad Dammam, SA at 1:59 pm AST


Current Conditions:
Fair, 31 C

Forecast:
Mon - Sunny. High: 28 Low: 15
Tue - Sunny. High: 30 Low: 18
Wed - Sunny. High: 33 Low: 20
Thu - Sunny. High: 35 Low: 22
Fri - Mostly Sunny. High: 34 Low: 22

Full Forecast at Yahoo! Weather

(provided by The Weather Channel)