الرئيسية | ثقافة | آراء و مقالات | حتّى لا تكونَ فتنة « اتجاهات » !

حتّى لا تكونَ فتنة « اتجاهات » !

بواسطة
حتّى لا تكونَ فتنة « اتجاهات » !
Post on Facebook إرسل إلى صديق نسخة صالحة للطباعة

إن مقاربة الحقيقة يحتاج إلى جملة من المقدمات التي يجب أن تتوفر وتتآزر ثم تتكامل مخرجاتها أولاً، فتتوالى وتتوازى عناصر عمليات معالجتها بعد ذلك، بشرط وجود البيئة الآمنة والمصنع المتميز في مراحل إنتاج الحقائق بصورتها الحقيقية وليست المقلدة فضلاً عن المشوّهة والمحرّفة، وذلك لضمان الوصول إلى مقام الحقيقة المنشودة كهدف رئيس، (كونوا أصدقاء الحقيقة، قبل أن تكونوا أصدقاء العقيدة).

 

وحين يتعلق الأمر بمناقشة إعلامية عن قضية فكرية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية، فإنه بدون الحرص على الصدق كقيمة عليا في مقاربة الحقيقة، سيجعل الأمر عبثاً وترفاً ومضيعةً ومجرّد (شو show( إعلامي  من جهة، وقلباً وتزويراً للحقيقة وإن كًسيت بلبوس اصطناعي حاكته مصانع التابلويد أو الإعلام الأصفر جرياً مع مصطلح الصحف الصفراء.

 

ورغم أننا وسط هذا الزخم الإعلامي والفضائي الذي تضج به الكرة الأرضية ليل، نهار، فما ينفك أحدنا من أسر و سلطة الشاشة التي كان يشار إليها بالذهبية، حتى تبطش بأبصارنا تلك الشاشات الزرقاء لهواتفنا الذكية، وأجهزتنا اللوحية، أينما كنا، وحيثما ذهبنا، من أول اليوم إلى نهايته، ومهما تباينت أعمارنا، واختلفت اهتماماتنا، فالصورة تبين أن ثمة رقّ تكنولوجي يسيّج لحظاتنا في شكل سافر ومتمادٍ في دراماتيكيته ومستفز في آثاره وعواقبه، ومستلب في نتائجه وأضراره.

 

لكنه في المقابل يُلحظ واقع متربك في وصوله إلى الحقيقة، بل إن الكذب والتلفيق والمغالطة صار من أدوات العصر وفنون الميديا المعاصرة التي تبني مواقفها ليس على طلب الحق والحقيقة، وإنما على اعتبارات وحسابات بعيدة عن الموضوعية، موغلة في الذاتيات والانطباعيات التي ينتجها إعلام ذات السمات التي لا تعرف الأمانة المهنية ولا يهمها المعاني القيمية والأخلاقية في مقارباتهم.

 

وفي الوقت الذي يقرر القرآن الكريم الموقف الذي يتوجب على كل منا من حيث قول الحق، كما ورد في قول الله تعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ]. {المائدة:8} 

 

إلا أن اللافت هو تنامي الروح السلبية التي تفصّل الحق وتعرّف الحقيقة بما يتناغم مع ذاتياتها، وليس بما يعنى بأصل الحق ولا جذور الحقيقة ومقاصدها.

وفي الإعلام الحديث، تنمو الوسائل تقنياً بشكل مذهل، بينما تتراجع الروح المهنية بسبب فساد روحي وأخلاقي تكدّر الأفق شوائبُه ومتعلقاتُه.

 

وهذا ما تبينه الأرقام وتوضحه الدراسات من حيث تراجع حاد في أخلاقيات الاعتبارات المهنية الإعلامية، وانشداد إلى مبدأ: "ما تغلب به، العب به"، ولذلك فلا مانع مع البراغماتية المهنية لبعض الفضائيات من المغالطة، والتلفيق، وهكذا، (من كان يصنعُ ما يقول، فحيلتي فيه قليلة)، ومنظمات الشفافية لها من الرصد الكثير فيما يخص حديثنا هذا.

 

ولعل كثيرين تابعوا برنامج "اتجاهات"، الذي يعرض أسبوعياً في روتانا خليجية، وكانت حلقة الأحد الفائت (30 مارس 2014)، مما أثارت نقاشاً قبل الحلقة وأثناءها وبعدها.

 

ومادام الحديث عن هذه الحلقة بالخصوص، فكان الأجدى أن يتم تغيير مؤقت لاسم البرنامج ليكون: "اتجاه"، بدلاً من اتجاهات، إذ لم يشاهد كل منصف سوى اتجاه واحد، ورأي واحد، تم تقسيمه في سيناريو مرتبك من حيث الإعداد والتقديم في آن واحد.

 

وهنا، لابد من الإشارة إلى أن حديثنا يؤكد على التزام روح الحوار الجاد وعلى تفعيل آدابه والعمل على تأكيد معانيه وتجلياته، بعيداً عن الشخصانيات السلبية أو السلوك الحواري المتنافي مع روح الآية الكريمة: [ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ] {النحل:125}.

 

ولعله من المفيد الإشارة إلى أن إعلاناً انتشر قبل يومين من الحلقة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أشير فيه إلى ضيوف البرنامج، ووضعت صورهم، ولكن كان عنوان البرنامج  الذي ضمه ذات الإعلان هو : "ماذا يحدث في القطيف"، بينما كان الحلقة بعنوان هو: "ماذا يحدث في العوامية"، ورغم محاولة البحث عن أي إشارة في معرف البرنامج في تويتر، إلا أنه لم يظهر شيء قبل البرنامج حول العنوان، ربما كان هناك سبب أو آخر حول تغير العنوان، إن كانت عبارة الإعلان المذكور دقيقة!

 

وحتى لا نطيل فيما اعتبرناه مجرد إشارة هنا، فإن البرنامج لم يكن موضوعياً في طرحه، بل ساده مغلوطات وعدم دقة من المشاركين إجمالاً، وما يؤسف له أن المثقف يظهر بصورة متهالكة وبعيداً عن الموضوعية التي تتطلب تقصٍّ للحقيقة وطلباً لها، وليس مجرد حضور ارتجاليّ فُصلت أثوابه بطريقة أن الأكمام محل الجيوب الجانبية، مما جعل المظهر والمخبر غير ذي جاذبية.

 

ولسنا في وارد التفصيل في مشاركات ضيوف الحلقة المشار إليها، إذ بعد هذه الأيام، دارت نقاشات كثيرة على صفحات الفيسبوك، وفي هاشتاقات تويتر، فضلاً عن الحوارات والأحاديث في الوسط الاجتماعي وملتقياته التي في مجملها وصلت إلى نتيجة غياب الحقيقة عما ورد في كثير من أجزاء الحلقة، بل وصل الأمر إلى التلفيق والتزوير ممن هم مثقفون أو كتاب، وهذا تسطيح لظهور المثقف وإمعان في غياب ثقافة الحوار الموضوعي، التي تلتزم بالدليل القطعي والحجة الدامغة.

 

كذلك، وضح الارتجال في الإعداد الذي خلط بين السياسي والديني والفقهي بالأمني في واقع كان يحتاج إلى ما يصاحبه من محاولات تهدئة والمعالجة بالحكمة، وليس إلى تأزيم واستفزاز، أشار في بعض المشاركين إلى دور بعض وسائل الإعلام في تعاطيه سابقاً، ولكنهم صاروا مشاركين ضمن أدواته في هذه الحلقة التي أتخمتها الذاتيات والآراء البعيدة عن الحقيقة.

 

إن الجميع يدرك أن ما جرى هو نتيجة احتقان مسبق، وهذا ما كانت تشير إليه أدبيات المرحلة الأولى من الأحداث التي أشارت إلى ذلك، بل إن موجات الحديث عن ما تمر به البلد من تمييز طائفي وقبلي ومناطقي كان فاعلاً في أغلب الكتابات والمقالات التي يمكن رصدها قبل سنوات عديدة وحتى الآن .

 

ولذلك، فأغلب المجتمع يعرف أن الأمر ليس له ربط بالخارج كما يروج له ، وليس محصورا في مدينة أو بلدة كما أريد له أن يظهر، وإنما القضية على مستوى طائفة، وهذا ما بينته الأحداث في أكثر محافظة وفي أكثر من مدينة وبلدة، ويعرف الجميع أن ملف بعض المعتقلين الشيعة والتي أشيع أنهم لم يحاكموا كان أحد أسباب هذه الأحداث، خاصة مع ظهور موجات ما استحدثته الصحافة الغربية وأسمته الربيع العربي، ولذلك فإن محاولة شيطنة بعض مدننا أو بلداتنا هو ابتعاد عن الحل وتعقيد أكثر للمشكلة ، والتي يؤمل أن تحظى بالرعاية الحكيمة والعناية  التي تعالج الملف في صورته السياسية كما أشارت إلى ذلك أكثر من شخصية من الشخصيات التي تتواصل لحل هذا الملف الذي تعقده الحلول الأمنية، بدلاً من الحلول السياسية الحكيمة.

 

وكما يقولون: هناك في كل أزمة منتفعون، فهناك من يصطاد في الماء العكر، وهناك من يعكر الماء ليصطاد، وكما يقول الدكتور الناقد معجب الزهراني: " عندما تنهار السقوف، فإنها لا تختار الضحايا"، اللهم احفظ بلادنا واحفظنا واحفظ بلاد المسلمين.

 

إشترك في خلاصة التعليقات تعليقات (0 منشور)

المجموع: | عرض:

إكتب تعليق

  • عريض
  • مائل
  • خط بالأسفل
  • إقتباس

الرجاء إدخال الرمز الذي يظهر في الصورة:

Captcha

قيّم هذا المقال

0

كلماته الدلالية:

لا توجد كلمات دلالية لهذا المقال

Conditions for Ad Dammam, SA at 1:59 pm AST


Current Conditions:
Fair, 31 C

Forecast:
Mon - Sunny. High: 28 Low: 15
Tue - Sunny. High: 30 Low: 18
Wed - Sunny. High: 33 Low: 20
Thu - Sunny. High: 35 Low: 22
Fri - Mostly Sunny. High: 34 Low: 22

Full Forecast at Yahoo! Weather

(provided by The Weather Channel)