"لطيفة النادى"أرادت الحرية فحلقت فوق السماء وأصبحت أول طيارة مصرية وعربية
التاريخ: 2013 / 12 / 20
لطيفة النادى..ثانى طيارة فى العالم و الأولى فى مصر و العالم العربى

كتبت: جينا مسعود

على مر العصور و الأزمنة تثبت المرأة المصرية قدرتها وعظمتها وأيضاً شجاعتها في مواجهة الصعاب فائقة الحدود و فى كافة المجالات تجدها حاضرة و فى مقدمة الصفوف لها مكانها و الرموز النسائية فى مصر أكثر بكثير من طاقتنا على الإحصاء ....
ومن هذه الرموز العظيمة نجد "لطيفة النادي" تلك الفتاة التي ظهرت في ثلاثينيات القرن العشرين ، جاءت هذا الزمان حتى تثبت للمجتمع أنها ليست أسيرة تقاليد وأعراف متحجرة تريدها لا تواجه ، لا تحارب ، لا تكسر القيود ، لا تحاول خوض الصعاب

هذه الفتاة حلقت فى الهواء فى وقت كان السير على الأرض بالسيارات لازال مثار خوف للرجال!

لطفية النادى قررت أن تتعلم الطيران و بالفعل فعلت رغم ما يحيط به من مخاطر وأهوال  أنذاك من ناحية عدم وجود وسائل الأمـان المتطورة المتواجدة حالياً و من ناحية أخرى نظرة الناس لها إذا أنهم قرروا أن هذا المجال حكر على الرجال؛ فبالنظر الى حياة لطفية النادى نستطيع الجزم بشجاعتها وإرادتها على التحدي ومواجهة الصعاب ، و إن سرنا فى دروب تلك الحياة لتيقنا من ذلك ، نبدأ من نشأتها والتحاقها بمدرسة الطيران

كيف بدأ الحلم ؟
ولدت لطيفة في 29 من شهر أكتوبر عام 1907م وكان والدها يعمل في المطبعة الأميرية وكان يري أن الدراسة للبنت لا يجب أن تتعدي المرحلة الابتدائية علي عكس الأم التي كانت ترى أن تعليم البنت ضروري و لا يحده مرحلة بعينها لإن الأم المتعلمة من وجهة نظرها هي التى تعد رجالاً بمعنى كلمة الرجال ولعل هذا ما ساعد لطيفة على إستمرارها فى التعليم ووصولها لمرحلة متقدمة بالنسبة لفتاة فى ذاك الزمان.
و نعود لحياتها التعليمية حيث إلتحقت  لطفية بالأمريكان كولدج و فى يوم من الأيام وقعت بين يديها صحيفة ، كتب بين ثنايا أوراقها عن الطيران وعن تشجيع الفتاة المصرية لتقتحم هذا المجال وكانت مدرسة الطيران في أول نشأتها عام 1932 وكل من يلتحق بها رجال فقط ، فتسائلت لماذا لا تلتحق بدراسة الطيران إلا ان والدها اعترض على الفكرة بشدة و لإن لطيفة كانت عنيدة و تأبى الإستسلام للواقع المعارض لأحلامها ، قررت هى ووالدتها طرق الابواب المتاحة لمساعدتها في تحقيق حلمها ولكن بدون علم والدها

رحلة البحث عن منفذ لتعلم الطيران :

 فلجأت لطيفة الى الكاتب الصحفى الراحل أحمد الصاوى صاحب العمود الصحفى الشهير "ما قل ودل" والذى كان ينشر بجريدة الأهرام, وقالت له: عاوزة اتعلم طيران  
لكنه أحبط أملها برده : إنتِ لسه صغيرة ولازم موافقة أهلك،

 فما كان عليها سوى اللجوء إلى كمال علوى مدير عام مصر للطيران وقتذاك وعرضت عليه الأمر
وقالت له والدتها : إن التحاق لطيفة مشروط بعدم دفع مليم واحد للدراسة لإن والدها إن علم بالأمر، أو حدث لها اى مكروه سيقول لى : أنتِ اللى قتلتيها !
فرحب بها بمدرسة الطيران لتكون فاتحة خير لإلتحاق أخريات وفى نفس الوقت هى دعاية طيبة للمدرسة، وقال لها: تعملين فى المدرسة وبالمرتب تسددين المصروفات وبالفعل عينت عاملة تليفون وسكرتيرة بالمدرسة وكانت تحضر دروس الطيران مرتين أسبوعياً دون علم والدها، إلى أن حصلت على إجازة طيار خاص سنة 1933  برقم 34 و بهذا الإنجاز تكون هى أول فتاة مصرية و عربية و أفريقية  تصبح طيارة و ثانى طيارة فى العالم بعد الأمريكية إيميليا إيرهارت ، أما على مستوى الطيارين المصريين فهى تأتى بعد فقط 33 طياراً جميعهم من الرجال ، كل هذا و هى لم تتجاوز ال 26 ربيعاً لتحقق بذلك حلمها فى الطيران بمفردها، و تحلق فوق الأرض و البحار فى أعالى السماء
 نشرت الصحف هذا الخبر مع صور تم التقاطها لها و هنا كانت لحظة الإنكشاف حيث علم والدها و أثار ذلك حفيظته ، وحتى تغير لطيفة نظرة والدها للأمر و تجعله يقبل الأمر الواقع الجديد اصطحبته معها فى الطائرة وحلقت به فوق القاهرة والأهرامات عدة مرات ولما رأى جرأتها وشجاعتها ما لبث أن أصبح أكثر المشجعين لها.
اسم عالق بذاكرتها :

بعد ثلاث عشرة ساعة من الطيران المزدوج مع مستر "كارول الفرنسي"  كبير معلمى الطيران بالمدرسة الذى كان يتعامل معها كالطفلة المتطلعة ويشجعها للأمام ويحذرها دائماً من التكبر والتعالي
حتى تمكنت من الطيران بمفردها، بعد أن تعلمت فى 67 يوماً وقد تلقت الصحافة الدعوة لحضور الاختبار العملى لأول طيارة «كابتن» مصرية فى أكتوبر 1933.
 لطيفة .... تحلق فى السماء من القاهرة إلى الإسكندرية
وفي ديسمبر عام 1933م قام نادي الطيران بالدعوة لمؤتمر الطيران الدولي للإنعقاد في مصر ليناقش أحوال الطيران وقوانينه ولوائحه ، و ضمن فعالياته أيضاً أجرى إمتحان مهارات الطيار ومدي كفاءته واشترك في هذا السباق 62  طياراً من مختلف الجنسيات بطائراتهم الخاصة وكان منهم مصريان: أحمد سالم ومحمد صادق، وقامت مصر للطيران بتأجير طائرة للطيارة لطيفة النادي للإشتراك بها في هذا السباق وكانت من طراز "جيت موث" الخفيفة بمحرك واحد ومتوسط سرعتها 100 ميل فى الساعة و المدهش أن لطيفة النادي فازت بالمركز الأول في سباق الاسكندرية ولكن تعسف لجنة التحكيم التي كان أغلبها من إنجليز دفع بهم لسحب الجائزة منها بحجة أن الطائرة لم تمر إلا علي خيمة واحدة في المكان المحدد للعودة من الاسكندرية والموجود خيمتان وأوصت تلك اللجنة بمنحها جائزة شرفية، وكان الملك فؤاد منتظراً النتيجة ، و يذكر أن الملك فؤاد حينما علم بعدم تأهلها دمعت عيناه

هدى شعراوى تخاطبها: شرفت وطنك.. ورفعت رأسنا
وكذلك وأرسلت لها رائدة الحركة النسائية "هدى شعراوى" برقية تهنئة تقول فيها: "شرّفت وطنكِ، ورفعت رأسنا، وتوجت نهضتنا بتاج الفخر، بارك الله فيكِ." و لم تكتفى شعراوى ، بل بدأت مشروع اكتتاب شعبي من أجل شراء طائرة خاصة لـ«لطيفة النادي» تكون بها سفيرة لبنات جنسها في البلاد التي تمر في أجوائها أو تهبط بمطاراتها كتشجيعا وتقديراً لطموحها .

   هدى شعراوى

و لم تتوقف لطيفة عن المشاركة فى مسابقات الطيران ، و كان من بينها  سباق دولي أقيم في مصر عام 1937 من القـاهرة الي الواحات اشترك فيها 14 طياراً وطيارة من مختلف جنسيات العالم و جـاء ترتيب لطفية فى المرتبة "الثالثة" بين السيدات المشتركات

علاقتها بأول إمرأة طيارة فى العالم:
أما عن علاقتها بأول طيارة فى العالم  الأمريكية "إميليا إيرهارت"  فصحيح أنهما لم يلتقيا وجهاً لوجه لكن جمعتهما صداقة المراسلات حيث كانا يبعثا لبعضهما بالخطابات يتحدثا عن مغامراتهما فى رحلاتهما ...

         إيميليا إيرهارت .... أول طيارة فى العالم
و مع ذلك لم تنل ما تستحق من إهتمام ... فهجرت وطنها
توالت إنجازات كابتن لطيفة أول كابتن طيار مصرية إلى أن تقاعدت عن الطيران وعينت بمنصب سكرتير عام نادى الطيران المصرى وأدارته بكفاءة عالية، ولكن رغم كل عمرها الذى أفنته حباً فى الطيران إلا انها لم تلق التقدير المتوقع رغم أنها أول إمرأة تحدت و إخترقت ذلك المجال بعكس حال الامريكية إميليا ايرهارت التي نسجت لها امريكا مئات الأغاني وعشرات الأفلام السينمائية تقديراً لها ولإنجازاتها كأول إمرأة تقود طائرة، أما لطفية فلم ترصد قصتها و لا منجزها التاريخى الدراما والسينما المصرية إلا عبر فيلم وثائقي أنتج العام  1996 تناول حياتها، اسمه «إقلاع من الرمل» من إخراج وجيه جورج
 وكان ذلك التجاهل ما دفع لطيفة النادى للهجرة إلي سويسرا. حيث حصلت علي الجنسية السويسرية هناك تقديراً لمنجزاتها .
وقضت فترة طويلة من عمرها في سويسرا الي أن توفيت عن عمر يناهز الخامسة والتسعين عاماً. 
تعلمت الطيران "لأكون حرة"
الحقيقة التى ربما لم نلتفت إليها أو السؤال الذى أكيد سألناه لأنفسنا أثناء قرائتنا لهذه السطور " ما السبب الذى دفع لطيفة النادى لإختراف مجال الطيران؟! " لكن ربما لم يرد بخاطر كثير منا الإجابة التى أجابتها لطيفة نفسها 
عن السبب الحقيقى وراء رغبتها فى الطيرانحينما سُئلت ضمن الفيلم الوثائقى "إقلاع من الرمال "   فأجابت: لأكون حرة !

و فى نهاية الحديث ، لابد و ان أقدم لك سيدتي تحية تقدير وإجلال وإحترام بالغ رغم تقصير بلدك فى حقك و قلة ذكر اسمك إلا أن ما قدمتيه من انجازات يظل عالياً فى السماء كما كنتِ ، و يبقى اسمك رمزاً للإرادة والشجاعة والتحدي والصمود.. حقاً كنتِ سفيرة لبنات بلدك و جيلك بأكمله و أصبحتِ عنواناً للجرأة و الطموح .
 


   
g+ Share Facebook Share

سؤال التصويت

شكرًا لاشتراكك
عرض النتائج

هل تتوقعوا أن تحقق المرأة نسبة أكثر من 2 % فى البرلمان القادم؟


ادعم حق المرأة
تم بنجاح !

عنها قالوا
  • يرى الرجل الشرقى شرفه فى جسد “اخته” و “زوجته” ولا يراه فى جسده أيها الرجل أنا لست “شرفك”فكل إنسان يحمل شرفه الخاص به...ليلى المطوع
  • "لطالما أننا نرى أن المشكلات التى تتعرض لها النساء على النساء فقط حلها ، إذن لا يمكن أن ننتظر أى إنخفاض فى المعدلات المرتفعة للاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال ولن يتم القضاء على العنف المنزلي ولن تنهزم هذه الآفات التي تؤثر على كل منا، إلا إذا.. نجحنا في تعبئة المجتمع بأسره لمحاربتها" نيلسون مانديلا
  • "في عقيدتي أنه إذا لا بد من السيادة في هذا العالم فالسيادة يجب أن تكون للمرأة لا للرجل أنا مديون بكل ما هو "أنا" للمرأة منذ كنت طفلاً حتى الساعة . والمرأة تفتح النوافذ في بصري والأبواب في روحي" ... جبران خليل جبران
  • "إحتقار المرأة هو المصدر الأساسى لكل الفساد في المجتمع." .... أنيس منصور
  • "المرأة الذكية شئ مزعج حقاً إنها كالصبار الذى يستعصى على التقشير ولا يمكن أن يؤكل مع قشره إنها تخسر متعة أن تؤكل "....غادة السمان