مشروع قانون سكن الأم الحاضنة.. أين مصلحة الطفل العليا؟!

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

المشروع الثاني الذي قدمه الاتحاد العام النسائي للمناقشة في ورشته المذكورة، هو مشروع صون حق المرأة الحاضنة بسكن لها طيلة مدة حضانتها.


وقبل أن نبدأ بعرض المشروع ونقاشه، نود لفت الانتباه إلى مسألة تبدو لغوية، وهي ليست كذلك. فما زالت الجهات الرسمية تصر على تذكير صفات معينة دون الأخذ بالحسبان طبيعة الموصوفين بها، بحجج لغوية مختلفة. فما زالت الدكتورة نجاح العطار هي "نائب" رئيس الجمهورية! ومازالت عضوة مجلس الشعب هي "عضو" مجلس الشعب! ومازالت الأم الحاضنة هي الأم "الحاضن"! بينما هي "وزيرة" دون أية مشكلة! وهي "مدرسة" و"طبيبة".. دون أية مشكلة! والواقع أننا لا نريد الدخول في أية مماحكات لغوية حول هذا الأمر. لكن اللغة العربية تقبل هذا "التأنيث" بالتأكيد. وحتى إن كانت لا تقبله، وفق بعض وجهات النظر، فإن عليها أن تقبله لأن اللغة هي ملك الناطقين بها، وليست كياناً مقدساً علينا الخضوع لمرحلة من تطوره صادف أن وضع قواعدها بعض المهتمين قبل أكثر من ألف عام! هذا الخضوع الذي أدى، من بين ما أدى إليه، إلى فجوة بين العامية (لغة الحياة) والفصحى فشل القرن العشرين كاملاً في ردمها!
إذا نعتقد أن الصحيح دائماً هو تأنيث الصفات والألقاب وأسماء المسؤوليات حين تشغلها المرأة بغض النظر عن أي اعتبار. على الأقل حين يتعلق الأمر بالمفرد، على اعتبار أن الجمع يمكن له أن يشمل، في بعض الحالات، المذكر والمؤنث معاً.
العنوان هنا، بناء على ذلك، هو "سكن الأم الحاضنة" وليس "سكن الأم الحاضن" كما ورد في النص الذي وزع علينا.

ينص المشروع الذي عانى من الصياغة الإنشائية ذاتها التي عانى منها مشروع صندوق النفقة، على إلزام الزوج تقديم مسكن للأم الحاضنة، أو أجرى مسكن لها، وفق صيغة قانونية محددة: "إذا لم يكن للأم الحاضنة مسكن يتوجب على الأب تقديم مسكن أو أجرة مسكن لها ولأبنائها في فترة الحضانة".
وقدمت د. كندة الشماط استعراضاً لتجارب بلدان عربية في هذا الإطار. وأكد القاضي سنان قصاب أهمية إقرار هذا القانون على وجه السرعة ودون تعقيدات. كما أشار د. حسان العوض إلى أهمية إقرار هذا القانون وانسجامه مع الشريعة. واقترح أن يخرج الزوج من البيت في حال الطلاق ريثما يؤمن مسكناً لها. وإذا لم يؤمن رأي أن تبقى المرأة مع أطفالها في بيت الزوجية مدة الحضانة كلها.
وأشار د. فاروق الباشا إلى أن توقيع سورية على اتفاقية حقوق الطفل يلزمها بأن تأخذ مصلحة الطفل العليا كاعتبار أول. ومصلحة الطفل العليا في حالات الطلاق هو أن يؤمن له ولأمه سكن طيلة فترة الحضانة. واقترح، كحل لهذه الإشكالية، أن يكون للزوجة والأطفال حق المنفعة في السكنى دون حق التملك. أي أن يكون حقها في البقاء بالبيت مصوناً قانونياً إلا إذا امتلكت بيتاً آخر.
د. المحامي فاروق الرباط، خبير في الهيئة السورية لشؤون الأسرة، ورئيس مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك، أكد ضرورة إقرار سكن الأم الحاضنة، مع ضوابط قانونية مناسبة. وأشار إلى أنه من المحتمل أن تكون الأم سيئة والأب جيد! وقد لا تناسب مصلحة الطفل العليا أن تكون الأم هي دائماً الحاضنة. كما أشار إلى مشكلة واقعية تتمثل في مدى إمكانية الكثير من الأزواج تأمين مسكنين: واحد للأم الحاضنة وآخر له، في ظل الظروف المعاشية المعروفة!
الأستاذة ازدهار معتوق أشارت إلى ضرورة إقرار هذا المشروع الذي يسد ثغرة بين واقع ما وصلته المرأة في سورية، وبين واقع القوانين المتعلقة بها. وتساءلت عن إمكانية الدولة تأمين مساكن للنساء الفقيرات على غرار ما تفعله مع الشباب مثلا؟

الدائرة المفرغة!
رغم أهمية المشروع وأهمية النقاش الذي دار فيه، والذي نقلنا أعلاه جزء منه فقط، نظراً لطوله وتشعبه، إلا أن لدينا أسئلة نعتقد أنها هامة في موضوع الحضانة ككل.
إذ من الواضح أن هناك غياب للرؤية حول من هو المستهدف، سواء في مشروع سكن الحاضنة، وفي أي الأبوين يكون له حق الحضانة في عمر محدد.. فهل المحضون هو الغاية؟ أم الحاضن (سواء كان الرجل أم الأم)؟ أم هي قضية تتعلق بحقوق المرأة كأم حاضنة؟
يبدو لنا أن الاحتمال الثالث هو ما يدور النقاش حوله دائماً. سواء في ذلك المدافعون عنه والمعارضون. إذ نلاحظ أن المسألة تتعلق دائماً بحق الأم (المرأة) الحاضن! وليس بحق المحضون.
إذا كانت مصلحة الحاضنة (وهي هنا الأم حصراً وفق قانون سن الحضانة)، وطبعاً فإن مصلحتها في هذه الحالة غالباً ما تتوافق بدرجة أو أخرى مع مصلحة المحضون، فإن النقاش يكون صحيحاً.
لكننا نعتقد أن هذا الاعتبار قد تم تجاوزه عالمياً، وتم تجاوزه من حيث المبررات الأساسية في بلدنا أيضا. فافتراض أن الأم هي الحاضنة دوماً حتى سن معينة للأطفال، بني أساساً على واقع أن الرجل هو العامل المنتج والمعيل، والأم هي في وظيفة الإنجاب والتربية! وحتى في الواقع الزراعي الذي لا يقل فيه عمل المرأة المنتج عن عمل الرجل المنتج، لا يحسب عملها نظراً لملكية الرجل للأرض والعمل ومردوده. أما الآن، ومع دخول المرأة سوق العمل المأجور، فلم يعد هذا الاعتبار صالحاً. والواقع أن الحالات التي يكون فيها دخل المرأة مساو أو يتجاوز دخل الرجل ليس نادرة. وبالتالي، فإن اعتبار الحضانة دائماً للمرأة هو اعتبار خاطئ من هذه الناحية. وطبعا خاطئ من الناحية النفسية السلوكية التي تؤكد حاجة الطفل لأمه وأبيه على قدر المساواة. ويبقى جانب واحد هو ما يتعلق بالرضاعة، ويمكن أخذ هذا الاعتبار بالحسبان دون أية مشكلة، نظراً لتعلقه بسن محددة. إذا، إن الاعتبارات القائمة على وضع الأب والأم لم تعد موجودة. أو لم يعد تأثيرها ودورها مساو لتأثيرها ودورها السابقين. وبالتالي فإنه بات من الضروري مراجعة الأمر على هذا الأساس، أي على أساس التساوي النسبي في وضع كل من الأب والأم، وبالتالي أخذ مصلحة الطفل العليا على أنها المنظور الأساسي لمشكلة الحضانة برمتها.
ونعتقد أن الاحتجاجات التي تثور على تأمين سكن للحاضنة (على اعتبار أن الأم هي الحاضنة دائماً)، ومنها ما عبر عنه في الورشة المذكورة أعلاه، هي احتجاجات لا تخلو من حجة قوية. فلماذا يجب على الرجل أن يؤمن المسكن حين يكون وضعه المادي، خاصة لجهة عمله المأجور، مساو تقريباً، أو أسوأ من وضع الزوجة؟ وكيف له أن يتحمل بالضرورة تكاليف نفقة الأم والأطفال وإيجار المسكن أيضاً؟ خاصة حين يكون هو يسكن بالإيجار؟ وجميعنا يعرف أن متوسط إيجارات البيوت اليوم، في أغلب مدن سورية، يتجاوز بقليل أو كثير راتب شهر كامل من متوسط الرواتب للعاملين في الدولة؟! وفي الواقع أن هذه الاحتاجات تعبر بالضبط عن الأزمة التي تمثل الطروحات المتعلقة بالحضانة أحد أهم بنودها. فمع النضال من أجل امرأة متساوية الحقوق والواجبات مع الرجل، لا يمكن أن نناضل من أجل (امتيازات) من هذا النوع للمرأة. طبعا إن وجود (كوتا) للنساء في المناصب ومجلس الشعب مثلا هو امتياز أيضاً. لكنه امتياز مختلف كلياً عن الامتيازات المادية. هنا يجب التوقف قليلاً. ليس فقط لأن مصلحة المحضون هي التي يجب أن يبنى قرار من الحاضن ومن الذي يدفع على أساسه، بل أيضاً لأنه من الطبيعي أن تؤخذ بالحسبان الأوضاع العملية لكل من الزوج والزوجة في مترتبات الطلاق. وإذا كنا ندافع عن حق الزوجة في اقتسام ملكية مابعد الزواج، حين الطلاق، فإنه من الطبيعي أن نرفض حقها المسبق والمطلق بالحضانة والسكن والنفقة!
مع ذلك، فالحجة المبينة على أساس أن وضع المرأة الراهن هو كذا، وأن قانون سن الحضانة لا يأخذ بالحسبان العوامل والاعتبارات التي نتحدث عنها، هي حجة قوية أيضاً. إلا أن تعديل الوضع برأينا لا يتم عبر مراكمة خطأ على خطأ. خطأ النفقة ومسكن الحاضنة على خطأ تحديد مسبق ومطلق لمن الحاضن في سن معينة. بل يجب تصحيح الخطأ الأساسي. ولعل في المشاريع الثلاثة التي ضمتها الورشة التي نتحدث عنها ما يشير فعلاً إلى أن الحاجة باتت ماسة، ليس إلى تعديل قوانين وإنشاء قوانين جديدة فحسب، بل إلى صياغة رؤية متكاملة لما يتعلق بوضع الأسرة من جوانبه المختلفة.
وعوضاً عن العمل الآن على تشريع يناسب واقع الحال المبني على خطأ، نعتقد أن الأفضل هو أن يجري العمل على تشريع جديد صحيح ومناسب ويكون له حظ أوفر من العدالة والاستمرارية. أي قانون حضانة جديد يستند إلى مصلحة المحضون كمصلحة عليا تأخذ بالحسبان أي الأبوين أصلح للحضانة في هذه الفترة أو تلك، وتكون قابلة للمراجعة والمتابعة بين فترة وأخرى. وتلزم الطرف الآخر بمساهمة في تكاليف المحضون وما يترتب على حضانته من أعباء على الحاضن، هي أيضا تستند إلى مقاييس واقعية متحركة. فمن غير المنطقي، مثلاً، أن يكون المقدار المالي للمساهمة هو ذاته خلال عشرة سنين مثلا! في الوقت الذي تتغير فيه تكاليف المعيشة ارتفاعاً بالأشهر أحياناً.

(هذا المشروع جزء من ورشة عمل أقامها الاتحاد العام النسائي حول مشاريع قوانين ثلاثة:

- صندوق النفقة..
- سكن الأم الحاضنة..
- محاكم الأسرة.. )


خاص: "نساء سورية

أضف تعليق


كود امني
تحديث

معلومات إضافية