المقالات > المسيحيّون في العالم الإسلاميّ > 2013 > المسيحيّون في تونس، مقياس حرارة الديمقراطيّة

المسيحيّون في تونس، مقياس حرارة الديمقراطيّة

مقابلة مع الأب نيكولا ليرنو، النائب العام لأبرشيّة تونس، بقلم ماريا لاورا كونتي

Marialaura Conte | 15 April 2013

«على الرغم ممّا نقرأه في كثير من الأحيان في الصحف الغربيّة، لا نعيش، نحن المسيحيّين، في حالة انعدام الأمن أكثر من بقيّة السكّان. فالثورة التونسيّة لم يكن لها طابع "دينيّ" ولم تُسفر عن حركة معيّنة ضدّ المسيحيّين. لقد فتحت الثورة فترة من عدم اليقين، وخوفًا من الغد، يؤثِّر على الجميع بنفس الشكل. نحن نشاطر الترقّب نفسه، والعيش اليوميّ نفسه، للسكّان الآخرين في هذا البلد. يسألوننا أحيانًا من أوروبا ما إذا كنّا نخشى من العيش هنا، ولكن هذا يحدث لأنّه غالبًا ما يُقرأ وضعنا من خلال منظور مصر أو الجزائر لسنوات خلت.

الحقيقة هي أنّ هنالك نقاش قوي جدًّا داخل الإسلام، وليس توتّرٌ بين المسيحيّين والمسلمين. أصبحتُ على بيّنة من هذا التصوّر لوضعنا في باريس منذ شهرين، خلال محاضرة حول الوضع في مصر وتونس بعد الربيع العربي. فقد تميّزت أسئلة كثيرة من الجمهور بفكرة أنّنا في خطر. في حين أنّنا لسنا خائفين، نحن بخير هنا. يتطلّب بالتأكيد مناخُ انعدام الأمن الشامل التصرّفَ بحذر، ولكن أيضًا السهر وقراءة الأمور التي تحدث بشكل واعٍ قدر المُستطاع، ودونما أحكام مُسبقة. فالوضع السياسي-المؤسّساتي يمرّ بمرحلة حرجة، حيث لا تزال عمليّة تشكيل حكومة جديدة طويلة ومعقّدة، في حين أنّ تونس لا تزال تهزّها اغتيال شكري بلعيد، هناك تناقضات قويّة في كافّة البلاد. فقد كشف استطلاع للرأي حول توجّهات الناخبين عن استقطابين أكثر وضوحًا ضمن الشعب ويبدو أنّ النهضة تخسر الدعم في مناطق واسعة من البلاد».

ما هو الأمر الأكثر إلحاحًا بالنسبة إليك اليوم؟

التحدّي رقم واحد للبلاد هو الاقتصاد. فالناس يتساءلون اليوم بشكلٍ متزايد: "ماذا سآكل غدًا؟". إنّ نسبة البطالة مرتفعة وكذلك التضخّم. والأزمة في أوروبا لا تساعد، بما أنّ الشريك الاقتصاديّ الأوّل لتونس هو أوروبا. أمّا التحدّي الثاني والملحّ في هذه الفترة فهو الأمن. فبعض الجماعات أو الحركات تثير الخوف، مثل حركات السلفيّين المتعدّدة. نحن لا نعرف جيّدًا من هم أو ماذا يريدون بالتحديد. إنّ وجود هذه المنطقة الرماديّة يضطرنا إلى الحذر، لكنّنا لا نفقد الهدوء والتفاؤل. فقد جرت في الماضي بعض الحوادث كان يُساء في البدء تفسيرها فيُقال إنّها أعمال ضدّنا، لكنّ تحليلات أكثر عمقًا أثبتت في ما بعد كيف أنّها تعبير عن أنواع أخرى من الضيق الاجتماعي. على سبيل المثال، قتل المُرسل الساليزياني البولوني ماريك ريبينسكي الذي جرى في منوبة عام 2011 لا علاقة له بالدافع الدينيّ، فيما كانت محاولات حرق كنيسة سوسة مرتبطة بمأساة عائليّة نفسيّة موثّقة، لا يستهدف المسيحيّين. ليست هناك حالة كراهية معيّنة ضدّنا، بل هو المجتمع بأكمله الذي يمرّ بفترة اضطراب».

وما هي مساهمة قطيع المسيحيّين الصغير في ظلّ هذا الوضع المضطرب؟

كثيرًا ما يحدث أنّ الناس يطلبون منّا البقاء هنا لمساعدة تونس في مرحلة نضج الثقافة الديمقراطيّة هذه. إنّنا نشكِّل كأقليّة نوعًا من مهماز لفهم كيف أنّ ديمقراطيّة حقيقيّة، ولتجنّب الوقوع في ديكتاتوريّة الأغلبيّة، يجب أن تترك مجالاً للتعبير لجميع مكوّناتها. لذلك نحن نشكِّل "ودون القيام بأيّ شيء"، بمجرّد وجودنا هنا، نوعًا من مقياس حرارة يقيس مستوى الديمقراطيّة للعمليّة الجارية. ليس المطلوب منّا أن نعبِّر عن موقف سياسي صريح. النضال السياسي ليس مهمّتنا».

وفي أيّ أمر يظهر وجودكم هنا؟ أين هو مجال عمل المسيحيّين في تونس؟

أشير إلى ثلاثة مجالات على وجه الخصوص. يرتبط الأوّل بأعمالنا الثقافيّة والروحيّة والتضامن الاجتماعي. أفكِّر في مدارسنا التسع التي يتردّد إليها الأطفال والأولاد حتّى عمر 15 سنة؛ في أعمالنا الاجتماعيّة لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة، والأطفال المُشرّدين، والأمّهات العازبات؛ والمكتبات، وهي أماكن تساعد على تنمية الحوار والتأمّل. في كثير من هذه الحالات، يتعلّق الأمر بأعمال نقوم بها بالتعاون مع مؤسّسات تونسيّة نحن شركاء فيها.

أمّا المجال الثاني فهو "اقتصاديّ" بشكل أكبر، فالعديد من المسيحيّين الذين يعيشون في تونس، هم هنا من أجل العمل، وهم متعهّدون أو موظّفو شركات عالميّة، وفي هذه المرحلة يكونون بشكل خاص تحت رحمة الاضطرابات السياسيّة، وغياب القواعد الاقتصاديّة داخل البلاد والأزمة في أوروبا. لذلك، فإنّ الكنيسة في تونس مدعوّة للوقوف إلى جانب هؤلاء العلمانيّين المتأثّرين بالتحديّات الاقتصاديّة والمتعلّقة بالعمل.

وأخيرًا يتمثّل القطب الثالث، المُعاش يوميًّا في جميع سياقات الحياة، بالحوار. لقد جلبت الثورة نفحة تجديد في هذا المجال، ونحن مدعوّون للإصغاء إلى الأسئلة الجديدة التي تبرز، على سبيل المثال في الجامعات وبشكل عامّ في أماكن النقاش العام».

يبدو لي إذن أنّكم لستم على هامش موسم التحوّل هذا...

يتحدّث الناس إلينا بسهولة أكبر من ذي قبل. ونحن معروفون كأناس لديهم آذان تصغي والمتابعة على المستوى الشخصي، ولكن بتحفّظ. نحن نستخدم وسائل الإعلام الاجتماعيّة الرقميّة ونشارك في النقاش العام، ولا نعتبر أنفسنا خارج اللعبة، لكنّنا نحافظ دومًا على درجة معيّنة من الحذر».


الأعداد


يبلغ عدد سكّان تونس حوالي 11 مليون نسمة. يشكِّل المسيحيّون 25000-30000 شخصًا هم من 80 جنسيّة مختلفة تقريبًا. من بين هؤلاء، يمثِّل الكاثوليك 85-90 بالمئة منهم. تعدّ الأبرشيّة 10 رعايا و40 كاهنًا، سيمَ 10 منهم في تونس، فيما الآخرون هم من المرسلين والرهبان أو من كهنة Fidei Donum (على سبيل المثال لا الحصر: المبشّرون الساليزيان، الكلمة المتجسِّد، الآباء العازاريّون، الآباء البيض، إلخ ...). أمّا الراهبات فهنّ 130، يتوزّعن على 25 جماعة.

©2013 Fondazione Internazionale Oasis C.F. 94068840274 - email: oasis@fondazioneoasis.org - Привацы Полицы - Credits