Logo Solgn
عن المؤسسة اتصل بنا
 
 
 
 
 
 
HyperLink يونيه - يوليو1999 / المجلد 15 HyperLink

  New Page 1

 

المحركات المستنشقة للهواء(*)

<Ch.R.ماك كلينتون>

 

لسنوات عديدة ظل المهندسون يحلمون ببناء طائرات تصل إلى سرعات فَرْصوتية (فرط صوتية)(1) hypersonic تتجاوز 5 ماك، أي إلى خمسة أمثال سرعة الصوت. إن الطائرات العالية الأداء التي تسير بهذه السرعات، والتي يدفعها نمط خاص من المحركات النفاثة المستنشقة للهواء(2) air-breathing engines، قد تكون قادرة حتى على بلوغ مدار حول الأرض ـ وهذا احتمال جرى النظر فيه لأول مرة قبل أكثر من أربعة عقود. وفي هذه الأيام التي بلغت فيها التقانة درجة عالية من التقدم، والتي يتزايد فيها الطلب على أنظمة أكثر فعالية للدفع من الأرض إلى مدارات في الفضاء، بدأ العلماء بإجراء دراسات جادة لهذه الأنظمة التي توصِلنا إلى الفضاء.

 

وللمحركات المستنشقة للهواء عدة ميزات على الصواريخ. فلما كانت هذه المحركات تستعمل الأكسجين الموجود في الجو، فإنها تتطلب وقودا أقل لدفعها ـ وقودا وليس مؤكسِدا؛ ويترتب على هذا أن تكون مَركبات الإطلاق أخف وأصغر وأرخص. وللحصول على الدفع نفسه، تتطلب المحركات المستنشقة للهواء أقل من سُبْع كمية الوقود الدافع الذي تحتاج إليه الصواريخ. زد على ذلك أنه لما كانت المرْكَبات المستنشقة للهواء تعتمد على القوى التحريكية الهوائية aerodynamic وليس على الدفع الصاروخي، فلها قابلية أكبر للمناورة، وهذا يوفر درجة أعلى من السلامة؛ إذ إنه يمكن عند اللزوم إيقاف الرحلة في الوقت المناسب وإعادة المركبة إلى الأرض. كذلك، فإن البعثات الفضائية يمكن أن تتمتع بقدر أكبر من المرونة.

 

بيد أن المحركات المستنشقة للهواء المستعملة في مركبات الإطلاق لم تصل بعد إلى النضج الذي بلغته تقانة الصواريخ التي كانت تتطور باستمرار، والتي خضعت إلى تحسينات متواصلة طوال الأربعين سنة الماضية. أما تقانة المحركات الفرصوتية المستنشقة للهواء، فإنها لم تبدأ بالنضج إلا منذ عهد قريب جدا.

 

 

وبالطبع فإن المحركات النفاثة ـ التي تعمل بضغط الهواء الجوي ومزجه بالوقود وحرق المزيج وتمديد نواتج الاحتراق لتوليد الدفع ـ ليست بالشيء الجديد. لكن المحركات النفاثة التربينية turbojet، كتلك التي تستعملها الطائرات التجارية والمقاتلة، فإنها تولِّد سرعات لا تتجاوز 3 أو 4 ماك، وعند تجاوز هذه السرعات فإن أذى يلحق بالتربينة turbine والرِّيَش التي تضغط الهواء، وذلك جرّاء الحرارة المفرطة.

 

ولحسن الحظ، ففي هذه السرعات الفوصوتية (فوق الصوتية) العالية، لا لزوم للتربينة إذا كان المحرك مصمما بحيث يكون الهواء مضغوطا بمكبس. ولمثل هذا المحرك مدخل للهواء صُمم كي يتخذ شكلا خاصا يسمح بإبطاء وضغط الهواء حين تنطلق المركبة بسرعة عالية. وبسبب كون المحركات النفاثة التضاغطية ramjet لا تعمل ما لم تكن المركبة تسير بسرعات عالية، فقد وُضِعت في غلاف المحرك نفسه على نحو متكامل مع المحركات النفاثة التربينية، كما هي الحال في الطائرة التجريبية الفرنسية گريفون Griffon II التي انطلقت عام 1959 بسرعة 1640 كيلومترا في الساعة. هذا وقد أُدمجت المحركات النفاثة التضاغطية مع صواريخ في مقذوفات من الأرض إلى الجو ومن الجو إلى الأرض. لكن هذه المحركات محدودة بسرعة قدرها نحو 6 ماك؛ وفي حال تجاوزها ترتفع درجة حرارة حجرة الاحتراق إلى درجة تؤدي إلى تحلل نواتج الاحتراق (الماء).

 

ولبلوغ سرعات أعلى، فإن المحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية scramjets تخفض ضغط جريان الهواء عند مدخله بحيث لا تبطئه بالقدر نفسه. وبما أن سرعة الجريان فوصوتية، فإن درجة حرارته لا تتزايد تزايدا مثيرا كما يحدث في المحركات النفاثة التضاغطية. ويجري حقن الوقود في الهواء الذي يجري بسرعة فوصوتية حيث يتعين على الوقود الممزوج بالهواء أن يحترق خلال ملّي ثانية. ومازال من الضروري تعيين الحد الأعلى للسرعة التي تولدها المحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية، ولكنها ـ نظريا ـ تتجاوز المدى اللازم للسرعة المدارية (من 20 إلى 25 ماك). بيد أن ميزات المحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية على المحركات الصاروخية في هذه السرعات العالية تصير طفيفة، وربما لم تكن ذات أهمية عملية بسبب الإجهادات البنيوية الشديدة الناتجة.

 

إن المحركات الفوصوتية التي تستنشق الهواء يمكن أن تعمل بأنواع مختلفة من الوقود، ومن ضمنها الهيدروجين والهيدروكربونات. لكن الهيدروجين السائل، الذي يُستعمل في مكوك الفضاء الأمريكي، هو الوقود الذي اختير لعمليات الإطلاق الفضائية؛ لأنه يمكن أن يُستعمل لتبريد المحرك والمركبة قبل احتراقه. هذا ولا يمكن استعمال الهيدروكربونات بمثل هذه الفاعلية، ومن ثم فإن استعمالها مقصور على السرعات التي تقل عن 8 ماك تقريبا.

 

وفيما يتعلق بالمركبات ذات المحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية، والتي يجب تصميمها بحيث يمكنها أن تأسر كميات كبيرة من الهواء، فإن التمييز بين المحرك والمركبة غير واضح. ويجري حَرْف الجريان الداخل من قبل القسم السفلي من المركبة، وهذا يزيد من ضغط الهواء الذي جرى حَرْفه. وعموما، يكون التغيير كبيرا إلى درجة تكفي لإحداث تقطّع في الضغط يسمى موجة صدمية shock waveتنشأ في مقدمة السفينة ثم تنتشر عبر الجو. ومعظم الهواء المضغوط بين أسفل المركبة وموجة الصدم يتوجه إلى المحرك. وفيما يُبْطَأ جريان الهواء ويُحرق الوقود في منطقة الاحتراق، تتزايد حرارة الهواء، ويتمدد الناتج النهائي لهذا التفاعل عبر صنبور داخلي وآخر خارجي، وبذا يتولد الدفعthrust . كذلك فإن الضغط العالي المطبق على القسم السفلي من المركبة يولد أيضا رفعا lift لها.

 

تصمم المركبات التي تسير بقوة المحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية (فوق الصوتية) على نحو يسمح لها بسحب كميات كبيرة من الهواء في أسفل السفينة كي تحترق مع وقود كالهيدروجين السائل. ويمكن دمج المحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية، التي تعمل بالأسلوبين التضاغطي الفوصوتي scram والتضاغطي ram، مع المحركات الصاروخية (المخطط) في مركبة «ستحلق» في الفضاء.

 

ولتوسيع مجال عمل المحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية، صمم المهندسون مرْكبات يمكنها أن تطير إما بأسلوب تضاغطي فوصوتي scram وإما بأسلوب تضاغطي ram. ومن الممكن التشغيل بالأسلوبين معا، إما ببناء حجرة احتراق يمكن لشكلها أن يتغير، وإما بنقل تدفق الوقود بين الحاقنات injectors في مواقع مختلفة.

 

وبسبب عدم تمكن أي من الأسلوبين، التضاغطي والتضاغطي الفوصوتي، من العمل بفعالية حين تسير المركبة بسرعة أقل من 2 أو 3 ماك، فلا بد من توافر نمط ثالث من الدفع (كالدفع النفاث التربيني أو الدفع الصاروخي) للإقلاع. وقد يكون من الممكن أن تستعمل في المركبات الفضائية محركات تسمى محركات صاروخية الأساس موحَّدة الدورة rocket-based combined-cycle engines، وهي تعتمد على صاروخ متكامل مع غرفة الاحتراق الخاصة بالمحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية وذلك لإحداث دفع بدءا من الإقلاع وصولا إلى سرعة دُوصوتية (دون صوتية) subsonic، ومنها إلى سرعة فوصوتية منخفضة، ثم إلى سرعات نفاثة تضاغطية. بعد ذلك يُتبَع الدفع النفاث التضاغطي بدفعٍ نفاث تضاغطي فوصوتي لبلوغ سرعة قدرها 10 أو 12 ماك على الأقل، يُستعمل بعده الدفع الصاروخي ثانية ليُكمل الدفع النفاث التضاغطي الفوصوتي. وعند تجاوز سرعة 18 ماك يقوم الصاروخ وحده بدفع المركبة إلى مدارها ويمكِّنها من المناورة في الفضاء. وتعكف ناسا حاليا على اختبار أشكال مختلفة لهذا النظام.

 

ومع ذلك فثمة عمل كثير لا بد من إنجازه للمصادقة على المحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية. وثمة طرائق معقدة في الأساليب الحاسوبية لتحريك الموائع وفي التصميم الهندسي مكنت من تطوير مركبة إطلاق ثُبت في هيكلها محرك نفاث تضاغطي فوصوتي. وتتضمن التحديات المتبقية ابتكار مواد خفيفة الوزن تضمن، في درجات الحرارة العالية، مزجا واحتراقا سريعين وفعالين للوقود، وهذا يقلل إلى الحد الأدنى من تزايد الحرارة غير المرغوب فيها.

 

وفي السبعينات عَرَضَ مركزُ بحوث لانگلي Langley التابع لناسا التقانة الأساسية للمحركات النفاثة التضاغطية الفوصوتية مع نماذج من المرْكبات الفرصوتية ونفق للرياح. كذلك فقد أُجريت اختبارات أرضية إضافية على نموذج أوليّ لهذا النوع من المحركات في مكان آخر بالولايات المتحدة، وأيضا في إنگلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا واليابان وأستراليا؛ كما أن ثمة بحوثا تتصل بهذا الموضوع ماضية قُدُما في بلاد أخرى مثل الصين وإيطاليا والهند. وتُجرى حاليا بشكل روتيني اختبارات أرضية على محركات نفاثة تضاغطية فوصوتية بسرعات تُحاكى حاسوبيا وتصل إلى 15 ماك. وقد عَرَضَ العلماءُ الروس في اختباراتِ طيرانٍ عمليةً نفاثة تضاغطية لمحرك نفاث تضاغطي فوصوتي يعمل بالأسلوبين التضاغطي والتضاغطي الفوصوتي، بلغت سرعته 6.4 ماك.

 

ومع ذلك، فحتى يومنا هذا لم تَطِرْ أي مركبة بقوة محرك نفاث تضاغطي فوصوتي، لكن الاختبار النهائي لها يقترب من التحقيق. وتقوم ناسا حاليا، طبقا لبرنامجها البحثي المسمى Hyper-X، والذي ينفّذ في لانگلي وفي مركز بحوث درايدن للطيران، ببناء X-43 A، وهي طائرة طولها 3.6 متر لتطير بمحرك نفاث تضاغطي فوصوتي بسرعة 7 ماك و10 ماك، وذلك خلال السنوات الثلاث القادمة. وإذا ما سارت الأمور على ما يرام، فإن هذه الاختبارات ستمهد الطريق إلى استعمال الدفع النفاث التضاغطي الفوصوتي، وربما كان ذلك في مركبة مصممة للطيران الفرصوتي.

 


 المؤلف

Charles R. McClinton

هو المدير التقاني لمشروع Hyper-X في مركز بحوث لانگلي بهاملتون بولاية فرجينيا. ومنذ الستينات أثارت اهتمامه التحديات التقنية لمحركات الدفع الفوصوتي التي تستنشق الهواء.

 


(*) Air-Breathing Engines

(1) سنعتمد النحوت التالية: فَرصوتي، فَوصوتي، دُوصوتي للمصطلحات: فرط صوتي hypersonic، فوق صوتي supersonic، دون صوتي subsonic على التوالي.

(2) وهي محركات نفاثة تتطلب دخلا هوائيا لحرق الوقود. ولا يمكن لهذا النوع من المحركات العمل خارج الغلاف الجوي. (التحرير)

 

HyperLink