" بحث في تاريخ السريان وحقوقهم "
عن كتاب " الذات الجريحة " إشكاليات الهوية في العراق
والعالم العربي " الشرقاني للكاتب سليم مطر- سنة 1997

 


 

 


 

العودة إلى صفحة بحوث ودراسات سريانية

لتحميل البحث كملف PDF اضغط هنا

     

       

            البحث :
- من هم السريان
- اللغة السريانية الآرامية
- شمال الرافدين أو أقليم " الجزيرة "
- الأقوام الجبلية ومنطقة الجزيرة
- " تكريد " السريان وشمال الرافدين
- مذابح الإبادة العرقية بحق السريان
- مناطق أكراد الرافدين ( تاريخها الاصلي ) :
                            منطقة كركوك   
                            مدينة أربيل
                            منطقة سنجار واليزيدية
- الوضع الراهن للسريان ومشكلة التسمية الموحدة
- آفاق ومبادئ التعامل مع حقوق السريان
- لمحة عن الكاتب سليم مطر

 

 

 

 

 

 

 

 


                                                      قضية كردستان الكبرى وحقوق السريان

إن قضية السريان مرتبطة إلى حد كبير بالقضية الكردية بسبب التداخل الجغرافي والتاريخي بين مناطق تواجد السريان وتواجد الأكراد ، أي ذلك التداخل بين منطقة شمال الرافدين ومنطقة كردستان . هذا التداخل يفرض تحليل ومناقشة هاتين القضيتين بآن واحد . مع إدراكنا لصعوبة مثل هذه العملية ومن أجل أن لا نهضم حق هاتين المجموعتين المتمايزتين اللتين عانتا الاضطهاد والتشرد منذ القدم وحتى الآن ، يتوجب تفصيل بعض الجوانب التاريخية المتعلقة بهذه المسألة الحساسة .

- من هم السريان :
الحديث عن السريان يرتبط بالحديث عن تاريخ منطقة الهلال الخصيب التي تمتد من خليج البصرة حتى غزة عند حدود سيناء .فمنذ الألف الأول قبل الميلاد بدأت تسود المنطقة لهجة سامية جديدة سُميتْ بـ " الآرامية " نسبة إلى قبائل شمال الرافدين القاطنة في المناطق المرتفعة . يُعتقد أن اسم " الآراميين " هذه مشتق من " أور رمثا " أي الأرض المرتفعة . مثلما أطلق على سكان الصحراء وبادية الشام اسم " عرب " أي سكان " عربا أو غربا "وهي الصحراء التي تقع " غرب الفرات ومنطقة " غروب " الشمس بالنسبة لسكان بلاد الرافدين .


مثّلت اللغة الآرامية خلاصة جميع اللغات السامية السابقة من بابلية وآشورية وكنعانية وغيرها ،  لهذا فإنها تمكنت أن تسود " المشرق " وأصبحتْ لغة الثقافة الأولى ، وصار جميع سكان المنطقة يُسمون بالآراميين ( مثلما فعلت اللغة العربية فيما بعد بتمثيلها جميع اللغات والحضارات السامية السابقة وصار جميع الناطقين بها يتسمون عرباً ) . لقد فرضتْ اللغة الآرامية ثقافتها وأبجديتها الكنعانية " الفينيقية " حتى على الإمبراطوريات الإيرانية والإغريقية التي بدأت تنبثق بعد القرن الخامس قبل الميلاد . ثم أنها كانت لغة السيد المسيح والمسيحيين الأوائل ، علماً أن اللغة العبرية تعتبر بالحقيقة لهجة آرامية - كنعانية .


بعد القرن الأول الميلادي تحولتْ منطقة الرها ونصيبين في شمال الرافدين ( خاضعة حالياً لتركيا ) إلى مركز ثقافي وروحي لنشر المسيحية . يبدو أن لهجة هذه المنطقة الآرامية تمكنتْ من فرض نفسها على اللغة الأم ( مثلما تمكنت فيما بعد لهجة قريش أن تُصبح هي اللغة العربية الفصحى بفضل القرآن والإسلام ) . إذن تمكنت لهجة الرها ونصيبين هذه من فرض نفسها وصارتْ تُعرف بـ " اللغة السريانية " . إن هذه التسمية اشتقتْ من " آشوريا " نسبة إلى الدولة الآشورية التي كانت سائدة سابقاً في المنطقة .
وعندما آتى الإغريق أطلقوا على هذه اللغة تسمية " سريانيا " وكذلك أطلقوا على جميع منطقة المشرق تسمية " سوريا " بما فيها القسم الشرقي منها الذي سُمي أيضاً بـ " ميزوبوتاميا - بين النهرين أو الرافدين " علماً أن دولة الآشوريين قد سقطتْ عام 612 ق . م وكانت عاصمتهم نينوى ( شمال الرافدين ) ، وهم مزيج من القبائل السامية القاطنة منذ القدم في المنطقة ، وتسموا بالآشوريين نسبة إلى مدينتهم المقدسة " آشور " مقر " إله الثور المجنح " رمز القوة والخصب ، وعاصمتهم " نينوى " وهي الموصل حالياً .إن هذه اللغة السريانية قد حلت محل الآرامية وصارت اللغة الفصحى لجميع الكنائس المسيحية والمانوية البابلية في جميع منطقة المشرق من خليج بصرة حتى سيناء بل إن هذه اللغة أيضاً كانت لغة القبائل العربية التي اعتنقت المسيحية واستقرت في " الحيرة - أي الحارة " قرب الكوفة . وفي الحضر وبصرى وتدمر ، ثم أنها كانت لغة كنيسة نجران في جنوب الجزيرة العربية ، وكذلك انتشرت في منطقة الخليج المعرفة بـ " البحرين - وقطرايا " أي قطر الحالية . وتمكنتْ هذه اللغة أن تصبح لغة الثقافة الأولى في الإمبراطورية الإيرانية الساسانية ومنحت أبجديتها إلى اللغة البهلوية الإيرانية .
إن الثقافة السريانية انتشرت مع انتشار النسطورية والمانوية البابلية في الكثير من مناطق آسيا حتى حدود الصين ، ولا زالت حتى الآن بقايا الطائفة النسطورية في الهند ، ولا زال مسيحيو الصيت محتفظين بوثائقهم الدينية السريانية .
لقد اشتق التركمان كتابتهم الأولى " الأغورية " من السريانية بفضل المبشرين المسيحيين والمانويين ، ويُعتقد أن السبب الأول لتعلق القبائل التركمانية و( المغولية ) بالقدوم إلى منطقة المشرق وأرض الرافدين يرجع إلى علاقتهم القديمة وتأثرهم بالثقافة السريانية " النسطورية والمانوية " وهذا أيضاً يُفسر سهولة انتشار الإسلام فيما بعد بين تلك الشعوب.

بعد الفتح العربي الإسلامي ، أخذ السكان السريان يتخلون بالتدريج عن مسيحيتهم ويعتنقون الإسلام ويمتزجون بالقبائل العربية الفاتحة ويحملون أسمائها ويتبنون لغتها ، خصوصاً أن القرابة العرقية بين العرب والسريان لعبت دوراً أساسياً في تسهيل هذه العملية وكانت عملية الأسلمة والتعريب تحدث أولاً في المدن والحواضر بينما بقيت الكثير من أرياف العراق والشام على " نبطيتها " حتى العصر العثماني . وشكلت المناطق المرتفعة وشبه الجبلية مانعاً طبيعياً أمام الإسلام والتعريب ، فتحولت هذه الموانع إلى ملجأ للسريان والقبائل العربية المسيحية والشيعية والخارجية المتمردة على مراكز الخلافة في دمشق وبغداد : جبال لبنان والعلوية والدرزية وغيرها ، لكن أكثر المناطق التي تمكن فيها السريان من الحفاظ على مسيحيتهم ، هي منطقة " شمال الرافدين - أي الجزيرة " بسبب طبيعتها شبهة الجبلية
ومحاذاتها للمناطق الجبلية من كردستان وأرمينيا وطوروس " الأناضول " .

رغم انتشار العربية فإن السريانية بقيتْ نشيطة في المشرق حتى القرن الثالث عشر . وازدهرت خصوصاً في العصر العباسي ، لكن شعلتها بدأتْ تنطفئ بعد الغزو المغولي للعراق والمشرق وسقوط بغداد ثم قضي عليها تقريباً في الفترة العثمانية ، رغم بقائها حية في بعض كنائس المشرق وكذلك في الكثير من مناطق الرافدين وبلدان الشام .

بدأتْ نهضة جديدة للثقافة السريانية في أواخر القرن الماضي ومن معالمها صدور الصحف الناطقة بالسريانية والعربية ، وبواكيرها الأولى صحيفة " مرشد الآشوريين " وصدرت في الجزيرة عام 1908 ، ثم صحيفة " كوكب الشرق " عام 1910 في ديار بكر للمناضل المعروف نعوم فائق . ولا زال الاهتمام بهذه اللغة ينمو ويجذب الكثير من المؤسسات الرسمية والعلمية العربية والأجنبية .

 [إلى الأعلى]
 

 

- شمال الرافدين أو أقليم " الجزيرة "

لقد كانت " الجزيرة - شمال الرافدين " منذ القدم مقطونة بالقبائل السامية ومقراً للدولة الآشورية . خلال القرون الأولى للإسلام ظلت هذه المنطقة بغالبيتها سريانية وعربية ، قبل أن تصبح بغالبية كردية في القرون المتأخرة . إن تركيزنا على منطقة " الجزيرة " يبتغي تبيان حقيقة الانتماء التاريخي والطبيعي لهذه المنطقة ، ومضمون الطروحات القومية الكردية التي تعتبر معظم هذه المنطقة جزءاً من " كردستان الكبرى " .

لقد قسّم العرب منطقة " المشرق " إلى ثلاثة أقاليم متداخلة ومتغيرة التبعية والحدود حسب الظروف : أقليم الشام ، ويضم عموماً جميع بلدان الشام الحالية . أقليم السواد ، وهو الجزء الأسفل من الرافدين ابتداء من بغداد و الأنبار حتى خليج البصرة . ثم أقليم " الجزيرة " ويضم جميع شمال الرافدين من تكريت وسامراء جنوباً حتى حدود جبال أرمينيا وطوروس شمالاً . يبدو أن تسمية " الجزيرة " هي تعريب لكلمة " بين النهرين " لأنها محاطة بدجلة والفرات . وكان يُطلق عليه أحياناً " أقليم آقور أو آثور " وهو اللفظ العربي لـ " آشور " حسب ياقوت الحموي .

إن أقليم الجزيرة هذا كان يضم ثلاثة مناطق ، سُميتْ بحسب القبائل العربية التي فرضت سيطرتها على المنطقة منذ ما قبل الإسلام ، والكثير من هؤلاء العرب اعتنقوا المسيحية ونطقوا السريانية : ديار ربيعة في الجزء الجنوبي وتشتمل على شمال العراق الحالي من تكريت وسامراء والأنبار حتى سنجار والموصل ، ديار مضر في الوسط وتشتمل على الرها والرقة ورأس العين ومركزها حران ، ثم ديار بكر التي تشتمل على ميافاقين وملطية وجزيرة ابن عمر ومركزها آمد " دياربكر" .

ظلت منطقة الجزيرة عموماً مرتبطة بدمشق في زمن الأمويين وكذلك العباسيين ، وكانت مدينة الموصل هي عاصمة الجزيرة في أغلب الأوقات . وكانت هذه المنطقة مركزاً للثورات الشيعية والخارجية ضد الخلافة في دمشق وبغداد . وفي زمن آخر الخلفاء الأمويين مروان الثاني ، انتقلتْ عاصمة الخلافة من دمشق إلى الجزيرة ( مدينة حران المعروفة والتابعة لتركيا حالياً ) وكانت الجزيرة أيضاً ساحة للمنافسة بين القيسيين وبنو تغلب الذين أسسوا الدولة الحمدانية الشيعية في الموصل وحلب . ظلت هذه المنطقة ساحة للصراع بين الدول والإمارات المتنافسة في المنطقة : عباسيين وفاطميين وبويهيين وسلاجقة واتابكة ومغول وتركمان وأكراد وإيرانيين وعثمانيين.

خلال العصر العثماني ، كان الجزء الجنوبي من الجزيرة " ديار ربيعة " الذي يشمل كل المحافظات الشمالية العراقية الحالية باسم " ولاية الموصل " جزءاً من العراق المقسم إلى ثلاثة ولايات : بغداد والموصل والبصرة . بعد نهاية الحرب العالمية وسقوط الدولة العثمانية ، انقسمت منطقة الجزيرة إلى ثلاثة مناطق تابعة كل منها لدولة :

1- الجزء الجنوبي : أي ولاية الموصل ( كل شمال العراق ) وتبعت العراق .
2- الجزء الوسط : أي محافظات الحسكة والرقة وأقسام من حلب ودير الزور ، وقد تبعت سوريا .
3- الجزء الشمالي : وهي مقاطعات ماردين وديار بكر والرها ، ولقد اقتطعتها فرنسا من سوريا ومنحتها إلى تركيا بعد الحرب العالمية الأولى

 [إلى الأعلى]

- الأقوام الجبلية ومنطقة الجزيرة :

إن منطقة الجزيرة هذه كانت منذ القدم عرضة لإنسياح القبائل القاطنة في المناطق الجبلية المجاورة : جبال زاغروس  من الشرق وجبال أرمينيا وطوروس من الشمال .الحقيقة أن بلاد الرافدين بأجمعها كانت على مر التاريخ عرضة لانسياح القبائل القاطنة في المناطق الجبلية من الشرق والشمال . تاريخ سومر وبابل وآشور شهد مرت عديدة مثل هذه الحالات ، حيث سيطر سكان الجبال لعدة قرون متقطعة على الرافدين : عيلاميون ، غوتيون ، كوشيون ، حوريون ، حيثيون ، ومختلف الأقوام الإيرانية ، بالإضافة إلى الأقوام القادمة من تركستان في وسط آسيا ، يعتقد علماء التاريخ أن بعضاً من هذه الأقوام الجبلية هم من أشراف الأكراد الحاليين ، ربما الكوشيون الذين كونوا سلالة بابلية معروفة خلال أربعة قرون ( 1570 - 1158 ق م ) . كذلك " الحوريون - الميتانيون " الذين سيطرو على شمال الرافدين لأكثر من قرن بين ( 1300 - 1200 ق . م ) ولكن في جميع هذه الحالات كان هؤلاء الجبليين من أسلاف الأكراد والإيرانيين والتركمان وغيرهم ، رغم سيطرتهم السياسية فإنهم سرعان ما كانوا يذوبون بسكان الرافدين والمشرق الأصليين ويتبنون اللغة والحضارة السامية السائدة .
لقد استمرت هذه الاجتياحات ( الجبلية والآسيوية ) حتى بعد الإسلام والقرون الحديثة ، فكانت انسياحات شعوب الهضبة الإيرانية وأكراد جبال زاغروس ثم أتراك ومغول آسيا الوسطى وصولاً إلى العثمانيين الذين سيطروا على المنطقة حتى الحرب العالمية الأولى .

إن منطقة الجزيرة " شمال الرافدين " تعرضت أكثر من الجزء الجنوبي لإنسياح القبائل الجبلية
، يعود هذا الأمر إلى أن هذه المنطقة محاطة بالجبال من جانبين : من الشرق حيث جبال زاغاروس  والأذربيجانية ومن الشمال حيث جبال أرمينيا وطوروس الأناضول . بالإضافة إلى أن منابع دجلة والفرات والأنهار التي تصب فيها تأتي من هذه الجبال ، وهذا الأمر ساعد دوماً قبائل الرعاة الجبلية على الانحدار السهل نحو المراعي وادي الرافدين وأراضيه الخصبة .
لقد أدرك العرب ( الأمويون والعباسيون ) خطورة هذه المنطقة الجبلية على أمن الرافدين ، لذلك جعلوها أقليماً مستقلاً ولكن تابعاً للعراق باسم " أقليم الجبال "
أولاً العراق الأعجمي " .

 [إلى الأعلى]

- " تكريد " السريان وشمال الرافدين :

إن بقاء سريان منطقة الجزيرة على مسيحيتهم جعلهم عرضة سهلة لاكتساحات القبائل التركية والكردية المنحدرة من آسيا ومن الجبال المجاورة . ثم ان العامل المهم الذي شجع على التوسع التركي والكردي في منطقة الجزيرة هو ضعف العنصر السامي - العربي في القرون الآخيرة . بعد الاجتياح المغولي - التركي للمنقطة وسقوط بغداد والخلافة العباسية وفقدان العرب للقيادة السياسية فإن القبائل العربية البدوية والعناصر العربية المستقرة قد فقدت عنفوانها التاريخي التوسعي السابق . ثم أن نشوء المدن والحواضر والمراكز العسكرية العثمانية في العراق والشام قد لعبتْ دوراً في عزل منطقة الجزيرة عن بادية الشام وجزيرة العرب وإيقاف الموجات القبائلية العربية . هذا الأمر أدى إلى ضعف المجاميع السريانية والعربية المستقرة في الجزيرة . ثم إلى غلبة المجاميع الكردية والتركية ، وبالتالي " تكريد " و " تتريك " الكثير من المجاميع العربية والسريانية المستقرة سابقاً .

 [إلى الأعلى]

مذابح الإبادة العرقية بحق السريان :
قبل الحديث عن المذابح وعلميات الاضطهاد التي قام بها " الآغاوات - الشيوخ " الأكراد ضد السريان ، يجب التأكيد قبل كل شيء على أن هذه المذابح لم يقم بها الشعب الكردي الذي يشهد له التاريخ بدور كبير في حماية المسيحيين والتجاور معهم وحتى استقبالهم وحمايتهم في مناطق كردية مثل جبال حكاري وشهرزور وغيرها . إن هذه المذابح قام بها الشيوخ الأكراد المدفوعون من قبل السلطات العسكرية العثمانية ولأسباب سياسية وتعصبية بحجة تعامل المسيحيين الأرمن والسريان مع الدولة الروسية والعملاء الانكليز . بل أنه حتى البعثات التبشيرية المسيحية الغربية كانت تلعب دوراً برفع بعض الأغوات الأكراد لاضطهاد النساطرة واليزيدين لإجبارهم على اعتناق الكاثوليكية . ويمكن كذلك ذكر دور الحركة الصهيونية والقوى الغربية التي جهدتْ على تشجيع عملية التفتت القومي والطائفي للمنطقة من أجل التمهيد للمشاريع الاستعمارية والصهيونية المعروفة .

لقد اعتمدت الدولة العثمانية كثيراً على المحاربين والأغوات الأكراد من أجل حماية شرق الأناضول ومنطقة الجزيرة من الخطرين الإيراني والروسي ، لقد كوّن السلطان عبد الحميد في أواخر القرن التاسع عشر فرق حربية شبيهة بفرق القوزاق الروسية ، وتتكون هذه الفرق العثمانية أساساً من الأكراد وسُميتْ بالفرق " الحميدية " . لقد قامتْ هذه الفرق ومعها الأغوات بدور كبير في طرد السريان من مناطقهم في الجزيرة ( كذلك الأرمن في أرمينيا ) وارتكاب مذابح كثيرة معروفة ضدهم وإجبارهم على الرحيل أو التحول إلى مسلمين أكراد .

لقد عانى سريان شمال الرافدين من سبع مذابح كبرى خلال العصر العثماني وحتى الحرب العالمية الأولى . مثلاً ، بين عامي 1843 - 1847 قام الأمير الكردي بدرخان بإبادة ما يقرب 10 آلاف من سريان منقطة هكاري والباقون اضطروا للهرب أو اعتناق الإسلام . زمن السلطان عبد الحميد 1895 جرتْ مذابح ضد الأرمن وكذلك السريان كلفتهم ما يقرب 5 آلاف قتيل في ماردين والرها وتشريد آلاف العوائل . في عام 1809 بدفع من حركة تركيا الفتاة جرت مذابح ضد السريان في ادنا ( شمال سوريا ) كلفت أكثر من 800 قتيل وآلاف المشردين . أما أعنف المذابح وأقساها فهي مذبحة ( 1914 - 1919 ) التي ذهب ضحيتها أكثر من 300 ألف سرياني وتشريد أكثر من 100 ألف من مناطقهم ، حسب الوثيقة التي وجهتها اللجنة الوطنية الآشورية لعصبة الأمم المتحدة عام 1919 ، وشملتْ هذه المذابح أيضاً ما يقارب المليون أرمني . بين عامي 1924 - 1926 تم طرد جميع سريان طور عبدين وماردين إلى سوريا والعراق .

يمكن إيراد مثل واحد على مدى قوة عملية " التكريد " التي حصلتْ في المنطقة : مدينة " ديار بكر ، شمال الجزيرة " التي تعتبر ضمن كردستان تركيا وهي مدينة كردية خالصة حالياً حتى أواخر القرن الماضي ، تتكون من 35 ألف نسمى منهم 4130 كردياً فقط و أكثر من 13 ألف سريانياً ( حسب دائرة المعارف الإسلامية ) , علماً أن هذه المذابح وعمليات " التكريد " ظلتْ مستمرة حتى من قبل الحكومات العراقية التي شجّعتْ على تهجير الكثير من سكان القرى والمناطق السريانية إلى الموصل وبغداد والخارج . ولا زالت حتى الآن تمارس عملية " التكريد " هذه في شمال العراق مع السلطة الكردية الحالية . وكذلك اعتداءات حزب العمال الكردستاني على بقايا السريان في " الجزيرة " جنوب تركيا .

 [إلى الأعلى]

- مناطق أكراد الرافدين :
إن هذه الوقائع وتاريخ منطقة شمال الرافدين تؤكد أن أكراد العراق وعموم منطقة الجزيرة ، رغم تمايزهم اللغوي ، فإنهم بكل يقين ممتزجين عرقياً وحضارياً بأحفاد حضارات الرافدين : إن مراجعة تاريخ المناطق العراقية التي يقطنها حالياً غالبية كردية تكشف أن هؤلاء الأكراد ما هم إلا من نسل تلك القبائل والمجاميع السامية السريانية العربية التي امتزجتْ وتزاوجتْ وذابت بالعنصر الكردي الغالب خلال حقب التاريخ البعيد والقريب .


هنا تاريخ بعض المناطق التي تكشف عن هذه الحالة :
منطقة كركوك :


منذ القدم كانت هذه المنطقة جزءاً من بلاد الرافدين . أقدم ذكر ورد لها باسم " أربخا " في التقويم الجغرافي الشهير عن ممتلكات الملك سرجون الأكدي ( 2530 - 2473 ق . م )
هناك من يعتقد أن اسم " كركوك " أتى من السومري بمعنى العمل العظيم ( كار - عمل ، كرك عظيم ) .
يبدأ تاريخ مدينة كركوك مع انبثاق " النار الأزلية " عام 550 ق . م في العهد الكلداني . من المعروف أن هذه النار ، التي لا زالت حتى يومنا هذا ، في " بابار كركر " تتشكل من الغازات النفطية المنبعثة من باطن الأرض. منذ ذلك التاريخ بُنيتْ المدينة تقديساً لهذه النار ، وقريباً من الماء والكلأ المنتشر في المنطقة . وتحولتْ إلى مركز لعبادة الإله " حدد " السامي .
بعد إحتلال الإسكندر المقدوني للرافدين عام 331 ق . م تحولتْ المنطقة إلى مركز لنشاط القائد الإغريقي سلوقوس الذي بنى فيها منطقة عسكرية سُميتْ " كرخ سلوقايا " أي قلعة السلوقيين ومنها ربما أتى اسم " كركوك "

في العصر الإيراني الساساني ، تحولتْ كركوك إلى مركزرئيسي للمسيحية النسطورية السريانية التي انتشرتْ في بلاد الرافدين قادمة من سوريا . وأطلق على أسقفية كركوك اسم " بيت جرماي " وقام الأباطرة الساساني mk بعد مذابح شهيرة ضد النساطرة وأشرسها في القرن الرابع الميلادي ، راح ضحيتها عدة آلاف من السكان . في القرن السادس تمكن " يزيدن " أحد القادة السريان أن يكون أميراً على المدينة حتى سُميت باسمه " كرخايزدن " .
في كركوك بُنيتْ واحدة من أقدم الكنائس في التاريخ عام 470 م ، وظلتْ هذه الكنيسة حتى فجّرها الأتراك بعد انسحابهم عام 1918 ويُعتقد أن جامع النبي دانيال المعروف في المنطقة قد أقيم محل كنيسة نسطورية قديمة ظلتْ قائمة حتى عام 1700 م .
بعد تكوين ولاية الموصل عام 1879 تبعت كركوك هذه الولاية . عام 1918 فصلت كركوك 3 أقضية لتكوين لواء أربيل . أما بالنسبة للتركمان القاطنين في المنطقة فهم من بقايا عدة مجاميع بدأتْ تستقر منذ القرن الثامن قبل الميلاد واستمر مع السلاجقة والأتابكة والعثمانيين ، وقد امتزجوا بالسكان السريان والعرب وحملوا ميراثهم الحضاري رغم تمايزهم اللغوي .
يبلغ عدد سكان كركوك حالياً النصف مليون تقريباً بنسب عددية شبه متقاربة من الأكراد والتركمان مع نسبة أكبر من العرب تزداد مع الأعوام بحكم سياسة التعريب التي اتبعتها الحكومات العراقية بالإضافة إلى بضعة آلاف من السريان و الكلدان و النساطرة .

 [إلى الأعلى]

- مدينة أربيل :


تقع أربيل في السهول الزراعية بين الزابين الأعلى والأسفل اللذان يصبان في نهر دجلة . تعتبر من أقدم المدن الحية في العالم . عُثِرَ في طرفها الجنوبي على تجمعات سكنية تعود إلى العهد الآشوري . قلعة أربيل المعروفة تمثل الجزء التاريخي من المدينة وتقوم على سبعة
تجمعات سكنية مدثورة منذ العهد السومري . يرد اسم أربيل في المنحوتات السومرية باسم " أوربيلم " ، وفي الوثائق البابلية والآشورية " أربعيلو " أي الآلهات الأربعة . كانت أربيل العاصمة الدينية للدولة الآشورية ، وقد أنشا الملك الآشوري " سنحاريب 705 - 681 ق . م "  أول مشروع مائي ، لا زالت آثاره واضحة حتى الآن ، ضمنها لوحة حجرية صغيرة تضم كتابات آشورية يذكر فيها سنحاريب أنه أنجز المشروع من أجل إيصال الماء إلى مدينة عشتار .
اشتهرت " أربيل " بمعركة " كومل " التي جرت بين الأغريق بقيادة الأسكندر المقدوني والإيرانيين بقيادة داريوش ( داريوس ) عام 331 ق . م والتي انتهت بسيطرة الأغريق التامة على بلاد الرافدين وعموم المنطقة . منذ القرن الأول الميلادي بدأتْ المسيحية تنتشر في الرافدين وتمركزتْ في أربيل التي تحولت إلى مقر  لأسقفية نسطورية مثل كركوك . وفي زمن الساسانيين تعرض المسيحيون فيها إلى مذابح معروفة ، حتى أن حاكمها الفارسي " قرداخ " قد تم إعدامه عام 358 م بسبب تخليه عن المجوسية واعتناقه المسيحية .
مسجد قلعة أربيل كان في الأصل معبداً لتقديس الآلهة عشتار ، ثم تحول إلى معبد لتقديس النيران بعد سيطرة الإيرانيين على الرافدين ، ثم تحول إلى كنيسة سريانية في القرن الثالث الميلادي ، وأخيراً إلى مسجد بعد دخول الجيش الإسلامي عام 16 هجرية .

المؤرخون العرب يذكرون أربيل على أنها مركز أقليم حلوان التابع للعراق ، اشتهرت أيضاً بأخر معركة جرتْ بين الجيش العباسي والجيش الأموي وانتهت بمقتل الخليفة الأموي مروان بن محمد . لعبت هذه المدينة دوراً رئيسياً في زمن الدولة الأتابكية الكردية التركمانية ، التي سيطرت على معظم منطقة الجزيرة بين تكريت وسنجار وحران .
حتى العصر المعولي كان السريان المسيحيون هم الغالبية في المدينة رغم سيطرة الأمراء الأكراد والتركمان . في ظل المغول عام 1261 تمكن أحد السريان " تاج الدين المكتاس " أن يصبح حاكماً على المدينة ، وساعد على نشر المسيحية اليعقوبية وبناء كنيسة وأسقفية خاصة بها . في عام 1294 قام المغول بعمليات اضطهاد ومذابح ضد السريان وهدموا ثلاثة كنائس . وفي عام 1309 قام المغول بمذابح جديدة ضد السريان وهدموا وحرقوا معظم كنائسهم . منذ ذلك الوقت فقد السريان حضورهم في أربيل وتحولتْ إلى مدينة كردية مع بعض الأقليات السريانية والتركمانية . بقيت أربيل في زمن العثمانيين جزءاً من كركوك وتابعة لبغداد ، في عام 1892 كان عدد سكان المدينة لا يتجاوز 3200 بينهم 457 يهودي . أما الآن فإن عدد سكان محافظة أربيل يقرب النصف مليون أغلبهم من الأكراد مع نسب مهمة من السريان والتركمان .

 [إلى الأعلى]

- منطقة سنجار واليزيدية :
إن الحديث عن سنجار يعني الحديث عن " اليزيديين " المحسوبين على الأكراد ، أن يُحتسب " اليزيديون " على الأكراد أمر ليس مهماً ما داموا يقطنون في منطقة عراقية وعاشوا تاريخ الرافدين وورثوا حضارة هذه البلاد من خلال دينهم الذي يُعتبر ديناً رافدياً خالصاً مع تأثيرات " كردية عراقية " واضحة .
عدد اليزيدين يبلغ أكثر من مئة ألف في العراق ، 85 % منهم يقطنون في جبل سنجار في وسط منطقة الجزيرة غرب الموصل ، والباقون في قريتي " الشيخان " و " باعذرى " شرق الموصل . بعض اليزيدية موجودون أيضاً في سوريا وفي أرمينيا . معظم المؤرخين والباحثين اعتبروهم من الأكراد ، لكن بالحقيقة هم " عراقيون " بكل معنى الكلمة .
بصورة أدق أنهم يملثون أفضل نموذج للجماعات العراقية السريانية التي تم تكريدها في القرون الأخيرة بحكم السيطرة الكردية على المنطقة والتزاوج القبائلي والثقافي الذي تم مع الجماعات الكردية النازحة
.
يشبهون في وضعهم هذا بعض القبائل العربية - الكردية الموجودة في العراق ، مثل بعض أفخاذ الجبور وربيعة والبيات وغيرهم . إنهم يحملون الثقافتين والإنتمائين العربي - الكردي بآن واحد . يتكلم اليزيديون العربية والكردية ويرتدون الأزياء الرجالية العربية السريانية والأزياء النسائية الكردية . لهم كتابان مقدسان أحدهما بالعربي كتاب " الجلوة " يعود إلى المتصوف الشامي " عدي بن مسافر " وكتاب حديث يُعتقد أنه مكتوب بالكردي " مصحف رش " أي " الكتاب الأسود " . يعتقدون بأن اسمهم " اليزيدية " يعود إلى يزيد بن معاوية الخليفة الأموي الذي تم تقديسه بعد سقوط الدولة الأمور كرد فعل على تقديس علي من قِبل العلوية والشيعة المجاورن لهم . ثم أنهم يقدسون فقيه عربي عراقي معروف هو الحسن البصري ، إن سلالة جميع شيوخ اليزيدية يجب أن يكونوا منحدرين من هذين الأمامين " عدي بن مسافر والحسن البصري " .

من دلائل أصالتهم السريانية ، مثلاً أنهم في سنجار يقدسون دير " مار عدي " (مار أدي) أحد حواري السيد المسيح ، ويحتفظون فيه بأقدم مكتبة كلدانية مكتوبة على رق الغزال باعتبارها مكتبتهم المقدسة .
من ناحية تكوينهم الديني فإن المؤرخين والفقهاء لم يحسموا قضية انتماء اليزيدية للإسلام أم لا ، لقد أسيء فهم الفكرة السائدة عنهم بأنهم يعبدون الشيطان : إنهم يهابون " الملاك طاووس " رمز قوة الشر ( الشيطان ) لا حباً به ولكن تجنباً لشره .
يشبهون معظم الطوائف " الغالية " التي حاولت أن تغطي معتقداتها السامية الأصلية بتلاوين مسيحية وإسلامية ، مثلما فعلت العلوية والدرزية والأسماعيلية والشبكية وغيرهم .
إن اليزيدية تمثل خلاصة الدين البابلي القديم القائم على تقديس الكواكب السبعة المعروفة ، والذي تأثر واضطر لتقبل المعتقدات السامية الجديدة التي انبثقتْ في المنطقة بعد سقوط بابل : المسيحية
ثم المانوية البابلية ثم الإسلام . أي أن اليزيدية هم من بقايا المجاميع السامية السريانية التي فرض عليها التاريخ للحفاظ على دينها الأصلي ، أن تتقبل بعضاً من معتقدات الأديان الجديدة ، بل إن ديناميكية اليزيدية اضطرت كذلك لتقبل ثقافات الأقوام الجديدة التي فرضت نفسها على المنطقة ، أي ثقافة العنصر العربي أولاً ثم ثقافة العنصر الكردي الذي هيمن في القرون الأخيرة.

تاريخ اليزيدية عموماً مجهول ولم يتم الاهتمام به إلا في القرن السابق ، وهذا يعود أساساً إلى تكتم اليزيدية ومحاولة ابتعادهم عن إثارة الطوائف الإسلامية والمسيحية المحيطة بهم . رغم هذا فإنهم تعرضوا لحقبات من الاضطهاد والمذابح المعروفة خصوصاً في زمن الدولة العثمانية . في القرن التاسع عشر قام العثمانيون بإبادة يزديي جزيرة ابن عمر في منطقة الجزيرة وكذلك تم ذبح الآلاف في جبل سنجار لإجبارهم على التخلي عن دينهم .
في عام 1847 حاولتْ الحكومة العثمانية إجبارهم على الخدمة العسكرية باعتبارهم طائفة إسلامية ، وبعد مذابح كثيرة اضطر الكثير منهم للجوء للكنائس وإعلان مسيحيتهم للتخلص من الاضطهاد . وتكررت المذابح كذلك في عام 1872 لنفس السبب . حاولت البعثات التبشيرية الأوروبية كسبهم إلى المسيحية دون أن تحقق نجاحاً ملحوظاً . يبدوا أنهم قد لعبوا دوراً مميزاً بالتحالف مع السريان في ضم الموصل إلى العراق في عام 1925 .


رغم ديمومة اللغة الكردية ( مع العربية ) في بعض نواحي اليزيدية فإن هناك شعوراً متنامياً لديهم بأصولهم السريانية الرافدية . في عام 1919 اشتركوا مع الآشوريين بوفد موّحد بقيادة الجنرال أغا بطرس في مؤتمر السلام في باريس للمطالبة بحقوقهم . لقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط في 24 - 2 - 1993 برقية شيخ اليزيدية الأمير معاوية يقول فيها : " أنه ليس لمسعود البرزاني ولا جلال الطالباني - القادة الأكراد - الحق بالإدعاء بأنهما يمثلان اليزيديين والآشوريين " . ثم نشرتْ مجلة " حويودو - الوحدة " السريانية ( عدد 43 - 1994 ) بياناً للأمير معاوية يتحدث فيه عن : " نبتة أجدادنا أيام الإمبراطورية الآشورية .... إننا فهمنا تاريخنا بأننا والآشوريين من أصل واحد .... "

 [إلى الأعلى]

الوضع الراهن للسريان ومشكلة التسمية الموحدة :

إن الحركات السياسية المدافعة عن حقوق الجماعات السريانية تعاني من مشكلة تبدو ثانوية ولكنها في الممارسة معقدة وتثير بعض الإشكاليات والحساسيات بين مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية ، ونعني بهذا " مشكلة التسمية الموحدة " .
المطلع على أدبيات هذه الحركات يكتشف مدى عمق هذه المشكلة ، فالبعض يقول " السريان " والبعض الآخر يقول " آشوريون " وآخرون " أثوريون " وهناك من يقول " الكلدان " ، ثم يحاول البعض الأكثر واقعية استخدام تسمية " الكلدو - آثوريون " والحقيقة أن هذه التسميات المختلفة تأتي من أسباب تاريخية أخذتْ شكل الانقسام الطائفي . منذ القرن الخامس الميلادي أثر مجمع أفسس المسيحي سنة 431 م انقسم سكان المشرق المسيحيين السريان إلى طائفتين :

1- أتباع كنيسة الشرق " الرافدين " ومقرهم في " طيسفون - سليمان باك " أي كنيسة بابل ، وسميوا بالنساطرة نسبة إلى القديس نسطور السرياني .
2- أتباع كنيسة الغرب " سوريا " وهم الأرثوذكس وتسمو بـ " اليعاقبة " نسبة إلى " يعقوب البرادعي " السرياني ، ومقرهم في انطاكيا وانتشر مذهبهم في عموم سوريا وكذلك في مصر ( الكنيسة القبطية ) .بالإضافة إلى الكنيسة " الملكية " وكذلك الكنيسة " المارونية " .

 وهذه الكنائس عموماً انتشرتْ كذلك بين القبائل العربية ، وامتزج خلالها السريان بالعرب ، وتبنتْ بمعظمها اللغة العربية في طقوسها الدينية . ظلتْ المنافسة خصوصاً بين الطائفتين النسطورية واليعقوبية طيلة قرون ، ثم أضيفتْ لها تعقيدات جديدة بعد القرن الخامس عشر مع نشاطات البعثات التبشيرية الغربية حيث تحول الكثير من النساطرة إلى " كاثوليك " وتسمو بـ " الكنيسة الكلدانية " وبعضهم حمل اسم " الكنيسة السريانية ( الكاثوليكية ) " ( من السريان الأرثوذكس الذين تكثلكوا ) . أما الذين بقوا على نسطوريتهم فأطلق عليهم " الآثوريين " .

إذن فإن التسميات التاريخية القديمة حملت معنىً طائفياً جعل من الصعب تجاوزها نحو تسمية موحدة بسبب العقبة الطائفية ، هناك ميل قوي لدى بعض النخب والحركات السياسية لاستعمال تسمية " آشوريين " ، لكن هذه التسمية تتعارض مع تسمية الكلدان و السريان ، وهناك من يقترح تسمية " آرام " لأنها تسمية تاريخية لغوية خارج التقسيم المذهبي ، ورغم هذه الفروق في التسميات والفروق بين الطوائف فإن هناك عنصراً أساسياً يوّحد كل هذه الجماعات : أنهم رغم تبنيهم للعربية في الكثير من نشاطاتهم ، فإنهم جميعاً يعتبرون اللغة السريانية لغة كنسية مقدسة ويتحدثون بلهجات مختلفة بقربها وبعدها عن السريانية الفصحى . وهذا الانتماء إلى الثقافة السريانية يخلق لدى الكثير من النُخب والجماعات شعوراً بالانتماء المشترك لتاريخ بلاد الرافدين وسوريا ، أي الانتماء لعموم بلاد المشرق وحضاراتها السومرية البابلية الآشورية الكنعانية والآرامية .

 [إلى الأعلى]


خلاصة القول أن إطلاق تسمية " السريان " تبدو الأكثر معقولية رغم نواقصها ، إن هؤلاء السريان بجميع تنوعات مسمياتهم يشكلون جزءاً متميزاً من الشعبين العراقي والسوري ، بل يصح القول أن " السريان " هم أسلاف شعوب " منطقة المشرق " مثلما الأقباط هم أسلاف الشعب المصري ، والبربر هم أسلاف شعوب المغرب والنوبيون هم أسلاف الشعب السوداني ، وكل هذه الانتماءات المتنوعة تجتمع اليوم في الانتماء إلى عالم عربي كبير وثقافة وتاريخ شرقاني مشترك .
نتيجة الأوضاع السياسية المعقدة وعمليات الاضطهاد القومي والديني التي تعرض لها سريان منطقة الجزيرة فإن الكثير منهم هجروا قراهم ومدنهم بحثاً عن مناطق آمنة . وحسب الإحصائيات المتوفرة فإن السريان بجميع طوائفهم وتسمياتهم الكلدانية والآثورية وغيرها ، يتوزعون حالياً حسب التالي :


1- العراق : مليون ونصف مليون ، نصفهم من بغداد والباقون في الموصل وأربيل ودهوك وكروك والبصرة.
2- سوريا : ربع مليون ، أغلبهم في منطقة الجزيرة وحلب بالإضافة إلى دمشق .
3- لبنان : عشرين ألق أغلبهم في بيروت .
4- تركيا : عشرة آلاف أغلبهم في اسطنبول
5- أكثر من مليون منتشرين في جميع بقاع العالم ، أوروبا الغربية والقارة الأمريكية واستراليا وإيران وروسيا .
طبعاً هذه الأرقام تقريبية لأنها تعود لأعوام الثمانينات ، مع التغيرات المستمرة التعلقة بالهجرة وتنقل الجاليات وزيادة السكان.

إن معظم السريان في سوريا والعراق تمكنوا من الاندماج في الحياة الاجتماعية والسياسية في البلدين ولعبوا دوراً بارزاً في النشاطات السياسية والثقافية لهذين البلدين ووصل بعضهم إلى مراكز قيادية ومميزة . في السنوات الأخيرة برزت بعض المراكز السياسية والثقافية والدينية الخاصة بالسريان ، الذين تعرضوا أكثر من غيرهم للمذابح والتشريد من مناطقهم الأصلية ومن أبرز هذه الحركات :

1- نوادي " بيث نهرين " وهي منتديات اجتماعية ثقافية منتشرة بين جميع الجاليات الآثورية ( والسريانية ) في العالم . وتشرف كذلك على نشر المجلات والكتب باللغة السريانية والعربية.
2- الكنائس المتنوعة الخاصة بالطوائف السريانية المختلفة ، والمنتشرة أيضاً بين الجاليات المهاجرة . وعموماً تتبع هذه الكنائس مراكزها في سوريا والعراق.
3- الحركات السياسية المطالبة بحقوق السريان مثل المنظمة الآثورية الديمقراطية التي تأسستْ 1957 والحركة الديمقراطية الآشورية التي تأسستْ عام 1979 وفازت بالمقاعد الخمسة المخصصة لطوائف السريان في انتخابات كردستان عام 1992 .
( ملاحظة من موقع أولف : نشير إلى وجود أحزاب ومؤسسات ثقافية وإعلامية حديثة أيضاً لم يتطرق إليها المؤلف ،على الأغلب لعدم نشاطلها وشهرتها أو وجودها أثناء تدوينه وبحثه هذا ).

 [إلى الأعلى]

آفاق التعامل مع حقوق السريان :

إن " مسألة حقوق السريان " التي طالما تم تجاهلها من قبل شعوب المنطقة وحركاتها السياسية ، تقع أولاً وقبل كل شيء على عاتق الشعبين العراقي والسوري بحكم انتماء السريان التاريخي والسياسي لهذين الشعبين .بالإضافة إلى أن هذه القضية تتطلب تفهماً من قبل الحركات القومية الكردية وبعضاً من روح التضامن مع شعب شقيق وجار للشعب الكردي .

إن الحركات والنخب في العراق وسوريا يمكنها أن تتبنئ المبادئ التالية في التعامل مع حقوق السريان :

1- الاعتراف بأن السريان بجميع طوائفهم الأرثوذكسية والنسطورية والكاثوليكية والبروتستانتية هم أشقاء وأسلاف للشعبين العراقي والسوري ، رغم أنهم جزء متميز دينياً ولغوياً من هذين الشعبين ، وهذا يتطلب جهداً خاصاً من أجل كتابة جديدة للتاريخ الرسمي والمدرسي والتربية الوطنية .

2- أن يتم اعتبار اللغة السريانية لغة ثانية وتاريخية في جميع مدارس بلدان المشرق على اعتبارها الأساس الثقافي والحضاري الذي انبثقتْ منه اللغة العربية ، وهذا يشبه تماماً تدريس اللغة اللاتينية في مدارس أوروبا على اعتبارها الأساس التاريخي والحضاري للغات الأوروبية .

3- اعتبار مناطق شمال الرافدين " الجزيرة " التي اقتطعتها تركيا ( ماردين وديار بكر والرفا ) بالإضافة إلى لواء الأسكندرون السوري ، هي جزء جغرافي وتاريخي من العراق وسوريا وأن السريان والعرب القاطنون في هذه المناطق هم سكان عراقيون وسوريون.يعني هذا أن يتم التثقيف وإشعار الحركات الكردية والحكومة التركية بهذا الموقف .وبالتالي الدفاع عن الحقوق الثقافية والتاريخية لهؤلاء الاشقاء وهذا الموقف يشمل أيضاً السريان القاطنين في مناطق غير رافدية أي تابعة تاريخياً لكردستان العراق وإيران وتركيا ( مثلاً في السليمانية والعمادية وأورميا وحكاري ) وهذا الموقف لا يعني أبداً التدخل بالشؤون الداخلية لهذه البلدان ، إنما نوعاً من التضامن مثلما تتعامل جميع الشعوب مع جاليتها المقيمة في أوطان أخرى .

4- أن يتم التعامل مع الجاليات السريانية ( حتى من ذوي الجنسيات غير العراقية والسورية ) المقيمة في المهجر الأوروبي والأمريكي والاسترالي على اعتبارها جاليات عراقية سورية ، وأن يتم منح الجنسية لجميع الراغبين ، ومنحهم حق المشاركة والتعبير والإقامة في العراق وسوريا مثل جميع المهاجرين من البلدين ( لقد قامت الحكومة السورية بخطوات إيجابية في هذا المجال وخصوصاً ناحية الاتصال بهذه الجاليات ودعوتها لزيارة سوريا )

5- إن منح الجنسية وحق العودة لسريان البلدان الأخرى لا يعني أبداً أن يتم الأمر على حساب السكان الذين توطنوا في هذه المناطق السريانية التاريخية ، ونعني بهذا خصوصاً المناطق والقرى التي يقطن فيها حالياً أكراد في العراق وسوريا . بمعنى أوضح أن " حق العودة " لا يعني أبداً " حق الطرد " على الطريقة الصهيونية العنصرية والمعادية للإنسانية .

هذه بعض من المبادئ التي يمكن أن يتعمق حولها الحوار بين جميع المهتمين بحقوق السريان وقضية خلق " هوية تاريخية أصلية " تحترم جميع الخصوصيات والتنوعات الدينية والمذهبية واللغوية لبلدان " منطقة الشرق " .

 [إلى الأعلى]

+++++++++++++++++

لمحة عن الكاتب :
سليم مطر، ولد في بغداد 1956 من عائلة مهاجرة من جنوب العراق( العمارة ـ محافظة ميسان).
ـ غادر العراق أواخر عام 1978 " بعد فشل ما سمي بالجبهة الوطنية.
ـ بعد حوالي ثلاثة أعوام من التجوال والتجارب الثورية الخائبة في الشرق الأوسط ، أستقر في جنيف نهاية عام 1981 ، حيث تعلم الفرنسية ثم درس في معهد التنمية التابع لجامعة جنيف المختص بعلم اجتماع العالم الثالث.
 أما بالنسبة لمؤلفات الكاتب، الروائية والفكرية، فأنها جميعا تتمحور حول إشكاليات الهوية والانتماء بمعانيها التاريخية والنفسية والسياسية والفكرية، وهي كالتالي:

ـ عام 1990 اصدر روايته الاولى ( إمرأة القارورة) التي فازت بمسابقة رياض الريس للرواية واستقبلها النقاد بصورة احتفائية وإيجابية. وهي عن مغامرات إمرأة عراقية خالدة منذ آلاف الاعوام، تعيش في داخل قارورة سحرية يتوارثها الاحفاد منذ ايام سومر وحتى الآن!!
لقد صدرت الطبعة الفرنسية لهذه الرواية عام 1993 بعنوان:
(La Femme à la fiole) Paris, L’Harmattan , Par (Marguerite GAVILLET)
وكذلك ترجمت هذه الرواية الى الانكليزية بعنوان:
( The women of the flask, The American University in Cairo
Press, Cairo New York 2005, Py ( Peter CLARK).

ـ عام 1997 اصدر كتابه الفكري الاول ( الذات الجريحة) الذي عالج فيه إشكاليات الهوية الخاصة بالأمة العراقية وكذالك باقي الأمم العربية.
ـ عام 2000 اصدر روايته الثانية ( التوأم المفقود). عن تجوال شاب عراقي منفي يغادر جنيف بحثا عن (توأمه المفقود) ويقوده بحثه العجيب إلى متاهات نفسية وروحانية لم تخطر على البال.
ـ عام 2003 اصدر كتابه الفكري الثاني ( جدل الهويات)، عن إشكاليات الفئات الأقوامية العراقية : العرب والأكراد والتركمان والسريان واليزيدية ، وقد أشرك المؤلف معه في تأليف الفصول باحثين مختصين من أبناء هذه الفئات التي تشكل كيان الأمة العراقية.
ـ منذ عام 2004 وهو يشرف على إصدار مجلة(ميزوبوتاميا) وهي أول دورية عراقية موسوعية خاصة بالتعريف بالهوية العراقية بكل تنوعاتها الدينية والاقوامية والمذهبية والمناطقية.
 

ـ يشرف على إصدار عدة موسوعات ضخمة خاصة بالمجتمع العراقي، حيث صدرت منها:
ـ اشرف على إصدار عدة موسوعات ضخمة خاصة بالمجتمع العراقي:
ـ (خمسة آلاف عام من الأنوثة

 العراقية) موسوعة نساء العراق 2004
ـ(موسوعة المدائن العراقية) 2005
ـ (خمسة آلاف عام من التدين العراقي) موسوعة أديان ومذاهب العراق 2006
ـ (موسوعة كركوك قلب العراق) 2008
ـ (خمسة آلاف من الكتابة العراقية) موسوعة اللغات العراقية/ 2008
ـ عام 2008 اصدر روايته(اعترافات رجل لا يستحي ـ سيرة روائية عراقية). وستصدر أيضا هذه الرواية قريبا بالفرنسية.



ملخص النبذة عن الكاتب تم اقتباسها عن موقع الكاتب نفسه www.salim.mesopot.com

 [إلى الأعلى]

 

 

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع أولف

www.A-Olaf.com

قسم بحوث ودراسات سريانية