جهود حكومة المملكة العربية السعودية

في توسعة الحرمين الشريفين وخدمة الحجاج والمعتمرين

 

                                 الدكتورة نورة محمد بن عبد العزيز التويجري

                                          جامعة الرياض - كلية التربية للبنات

 

أ)  تاريخ توسعة الحرم المكي

        بعد أن تم توحيد المملكة العربية السعودية عام 1351 ﻫ قام الملك عبد العزيز - رحمه الله - بتأمين طرق الحج من اللصوص وقطاع الطرق إبان تزعزع الأمن في ربوع الجزيرة العربية، كما أمر بتوسعة المسجد الحرام حيث كانت مساحته لا تتجاوز 29100 متراً مربعاً. ومع مرور السنين تزايد بناء الدور حول المسجد الحرام حتى أصبحت جميع الطرق المؤدية إليه ضيقة مما أدى إلى تزايد الازدحام في أيام الجمع والأعياد فضلاً عن موسمي الحج وشهر رمضان. كما أن الدور والمباني فصلت بين المسعى والحرم فأصبح المسعى على مر العصور طريقاً عاماً تقوم على جوانبها الحوانيت، وأصبحت عملية السعي شاقة، تتطلب كثيراً من الحذر واليقظة لما يلاقيه الساعي من العنت والصعوبة أثناء تأديته لتلك الشعيرة. كما أن تزايد أعداد المسلمين نتيجة اتساع رقعة العالم الإسلامي التي شملت بلداناً وشعوباً في آسيا وأفريقيا وكذلك تطور وسائل المواصلات الجوية والبحرية والبرية وتحسن الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية، كانت أسباباً أدت إلى تزايد أعداد قاصدي الحرمين الشريفين وتزاحمهم، خلال مواسم الحج والعمرة وأيام الجمع والأعياد فظهرت الحاجة إلى التوسعة وإلى أعمال الصيانة والتحسينات. وفي عام 1344 ﻫ أمر الملك عبد العزيز - رحمه الله - بإجراء ترميمات وصيانة شاملة للحرم المكي. وتبرع بمبلغ قدره ألفا جنيه ذهباً لأعمال العمارة والإصلاحات والترميم. وبعد انتهاء تلك الترميمات عام 1346 ﻫ تضاعفت الأماكن المضاءة في الحرم إلى ما يقرب من عشرين ضعفاً عما كانت عليه في العهد العثماني، وتم لأول مرة رصف المسعى وإنشاء مظلات تقي المصلين حرارة الشمس وتبليط الأرضيات وتوفير الفرش وأعمال تحسينية أخرى، كما أصدر أوامره ببناء أول مصنع لكسوة الكعبة المشرفة بمكة المكرمة وذلك أوائل عام 1346 ﻫ. وتم الانتهاء من بناء المصنع خلال ستة أشهر تقريباً وظل يستخدم حتى عام 1358([1]).

        أما في عهد الملك سعود رحمه الله، ونتيجة للتطور الهائل الذي شهده العصر الحديث في وسائل المواصلات مما أدى إلى مضاعفة أعداد الحجيج وبالتالي الحاجة إلى توسعة المسجد الحرام لاستيعاب المصلين، أصدر - رحمه الله - عام 1375 ﻫ الموافق 1955 م أمره السامي بإجراء توسعة شاملة للمسجد الحرام وعمارته، وكانت هذه التوسعة تهدف إلى إضافة مساحة كبيرة لسعة المسجد وتوسعة المطاف وتسهيل المواصلات حول المسجد وتحسين الخدمات الداخلية من مياه وصرف وإضاءة، وقد بدأ بالفعل العمل بهذا المشروع في الرابع من شهر ربيع الآخر، وقد جزئ هذا المشروع على ثلاث مراحل نظراً لقلة الموارد آنذاك وامتدت إلى عام 1396 ﻫ.

 

المرحلة الأولى

        وقد بدأ العمل فيها عام 1375 ﻫ الموافق 1955 م وشملت العديد من الإنجازات أهمها:

-  إزالة المنشآت السكنية والتجارية التي كانت قائمة قرب المسعى وهدم المباني القائمة شرق المروة والبدء بشق طريق جديد يمتد بجانب الصفا والمروة إلى حي القرارة والشامية.

-   بناء المسعى من طابقين لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المصلين. ويبلغ طول المسعى من الداخل (394,5) متراً وعرضه (20) متراً، ويبلغ ارتفاع الطابق الأرضي للمسعى (12) متراً والطابق العلوي (9) أمتار.

- أقيم في وسط المسعى حاجز يقسمه إلى قسمين طويلين خصص أحدهما للسعي من الصفا إلى المروة والآخر من المروة إلى الصفا لتيسير السعي ومنع التصادم بين الساعين ذهاباً وإياباً.

-  أنشئ للمسعى (16) باب في الواجهة الشرقية، كما خصص للطابق العلوي مدخلان أحدهما عند الصفا والآخر عند المروة، وبني لهذا الطابق سُلَّمان من داخل المسجد أحدهما عند باب الصفا والآخر عند باب السلام، وبني تحت الطابق الأرضي طابق سفلي يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار ونصف المتر.

- أقيم مجرى خاص بتصريف مياه السيل.

 

المرحلة الثانية                                           

        وبدأ تنفيذها في عام 1379 ﻫ الموافق 1959 م، تم خلال هذه المرحلة:

 

-   بناء أساس الرواق الجنوبي وكسيت جدرانه بالرخام كما تمت تكسية العقود والسقوف بالحجر المنقوش.

- إكمال الجزء المتبقي من مجرى السيل.

-  أقيم ممر دائري فوق الصفا على مستوى سطح الطابق العلوي للرواق الجنوبي والمسعى ووصل بينهما بسقف مستدير مقبب وخصص هذا الممر للداخلين من باب الصفا الجديد إلى أحد الطابقين.

       

المرحلة الثالثة                                           

                وبدأ تنفيذها في عام 1381 ﻫ الموافق 1961 م، جرى خلالها:

-   بناء القسم الثاني من الرواق الجنوبي الغربي وإكمال الطابق السفلي في هذا الجانب.

- بناء الرواق الشمالي في الرقعة الممتدة من باب العمرة إلى باب السلام.

-  إكتمل بناء الطابق السفلي الذي أقيم تحت جميع أبنية الحرم - عدا المسعى.

 

        وقد أصبحت مساحة المسعى بعد أن ألحق بالمسجد (800) متر مربع للطابق العلوي والطابق الأرضي. وأنشئت حول الحرم خمس ميادين عامة وأصبح عدد أبواب الحرم أربعة وستين باباً. وحفرت أنفاق في جميع الاتجاهات مزودة بدورات للمياه ومغاسل للوضوء، وذلك لتأمين الحجاج من حوادث الحركة المرورية وتخفيف الازدحام عند الخروج من الحرم أو الدخول إليه.

        وقد أصبحت مساحة المسجد الحرام بعد هذه التوسعة (مائة وثلاثة وتسعين ألف متر مسطح) بعد أن كانت (29,127) متراً مسطحاً أي بزيادة قدرها (131,041) متراً مسطحاً، مما جعل الحرم يتسع لحوالي أربعمائة ألف مصل، وشملت هذه التوسعة كذلك ترميم الكعبة المشرفة وتوسعة المطاف بتجديد مقام إبراهيم عليه السلام([2]).

        وفي عهد الملك فيصل - رحمه الله - تم عقد مؤتمر في مكة المكرمة. ضم عدداً كبيراً من المهندسين المعماريين المسلمين لدراسة البدائل الممكنة لتطوير التصاميم الهندسية لعمارة المسجد الحرام. وأوصى المؤتمر بإزالة جزء كبير من المبنى العثماني، ولكن الملك فيصل رأى الإبقاء على البناء العثماني القديم. وأن يتم عمل تصاميم العمارة الجديدة بأفضل أساليب الدمج التي تحقق الانسجام بين القديم والجديد. وما زال البناء العثماني القديم والمباني ذات التصاميم الجديدة المنسجمة معه تقف جنباً إلى جنب في المسجد الحرام.

        كما تم في عهد الملك فيصل - رحمه الله - إضافة جناحين جديدين وتجديد المبنى القديم للحرم المكي، وفتحت لهذه الإضافة الطرقات المحيطة بها، كما أنشئت الميادين والمحال التجارية، وأمر - رحمه الله - بإعادة فتح مصنع كسوة الكعبة بمكة المكرمة.

        أما في عهد الملك خالد - رحمه الله - فقد مُدت مشارب من بئر زمزم إضافة إلى أعمال الترميمات والتجهيزات المستمرة واستكملت أروقة الدور الثاني للحرم المكي، ونتيجة لزيادة الاهتمام بالطرق الموصلة للحرم الشريف، فقد تم تنفيذ مجموعة من الأنفاق عبر الجبال المحيطة بالحرم، وتم افتتاح المبنى الجديد لمصنع كسوة الكعبة عام 1397 ([3]).

        وشملت رعاية الملوك للحرم المكي، رعاية خاصة بالكعبة المشرفة حيث تبين أن لها سقفان من الخشب بينهما فراغ مساحته (1,35 سم)، وأن الأخشاب التي فيها قد تآكل معظمها بمرور الزمن، كما تبين أن في بعض الجدران لا سيما في الجدارين الشمالي والغربي عدة تصدعات وشقوق وبروز، فأصدر جلالة الملك سعود - رحمه الله - أمره الكريم إلى الجهات المختصة بإنفاذ الإصلاح.

        وقد ظهر تسرب للمياه من غسيل الكعبة المشرفة من أعلى موضع من الحجر الأسود وذلك في أواخر سنة (1401 ) كما ظهر تصدع في بعض الرخامات المفروشة داخل الكعبة وبعد الكشف على المكان تأكد وجود رطوبة وندى حول الحجر الأسود إثر تسرب مياه الغسيل داخل الكعبة من تحت الرخام من أعلى موقع الحجر الأسود الأمر الذي تسبب في تآكل المسامير الممسكة للحجر الأسود وتفتت المادة المثبتة له، وتم تغيير رخام أرض الكعبة وتركيب رخام جديد بدلاً عنه، مع مراعاة وضع المادة العازلة أثناء تركيب الرخام الجديد. ومراعاة نسبة الميل لانسياب المياه حسب الأصول الفنية وكذلك تغيير الإطار الحديدي المحيط بالحجر الأسود والمثبت عليه الإطار الفضي بإطار آخر غير قابل للصدأ.

        وقبل دخول الملك عبد العزيز - رحمه الله - مكة المكرمة كان باب الكعبة المشرفة الموجود آنذاك هو نفسه الباب الذي أمر بصناعته السلطان العثماني مراد سنة (1045 ) وبمرور الأزمنة أخذ الباب في التضعضع، وما إن علم جلالة الملك عبد العزيز بحالة الباب حتى أصدر في عام (1366 ) أمره بأن يصنع على حسابه الخاص باب جديد للكعبة المشرفة، وقد صنع هذا الباب بصفائح من الفضة الخالصة المحلاة بآيات قرآنية ونقوش من الذهب. وصنعت اللوحات التي تحمل أسماء الله الحسنى على شكل بيضاوي وعددها ثلاث عشرة لوحة من الفضة المطلية بالذهب، وركب هذا الباب عشية يوم الخميس الخامس عشر من شهر ذي الحجة سنة (1366 ).

        ومن الأعمال الجليلة التي أمر الملك عبد العزيز - رحمه الله - بها إصلاح جوانب باب الكعبة المشرفة فقد صدر أمر جلالته إلى مديرية الأوقاف العامة بإصلاح جوانب باب الكعبة المشرفة وقد تم هذا الإصلاح باستعمال الفضة الموشاة بالذهب على أفضل المواصفات الفنية.

        وفي عهد الملك سعود تم صنع سلم الصعود إلى الكعبة بطريقة فنية بعد أن غلف بالفضة وطعم بنقوش ذهبية جميلة، كما تم صنع بابين جديدين لها في عهد جلالة الملك خالد، وتركيب سلم داخلي لسطح الكعبة في عام (1397 دائري الشكل مصنوع من الألمنيوم القوي المكون من خمسين درجة بدلاً من السلم الخشبي القديم الذي أصابه التآكل([4]).

 


خادم الحرمين الشريفين وأكبر توسعة يشهدها تاريخ المسجد الحرام

                ما زال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله، منذ توليه مقاليد الحكم، يعطي، ويبذل الكثير من وقته وجهده لمتابعة كل أمر يعود على ضيوف الرحمن باليسر في مناسك حجهم، ومتطلبات زيارتهم وعمرتهم، ومن أجل هذا الغرض الكريم أصدر أمره الكريم في 24/2/1404 ﻫ بعمل الدراسات اللازمة لتنفيذ التوسعة الثانية للمسجد الحرام.

        وقد تم إزالة جميع المنشآت بصحن المطاف، وبقي مقام إبراهيم عليه السلام في مكانه، وإنما وضع في مقصورة جميلة الشكل، صغيرة الحجم، لا تشكل عائقاً، يظهر حجم المقام منها واضحاً، إذ وضع داخل قبة من البلور الشفاف وفرشت أرضية المطاف  برخام خاص لا يمتص حرارة الشمس، ولا يتأثر بها، ويستطيع الطائفون في أي وقت من النهار وخلال أشهر الصيف أن يطوفوا بالبيت دون شعور بالحرارة في أقدامهم.

        ونتيجة للاهتمام المتزايد بالحرم المكي، أمر حفظه الله بتسوية سطح المسجد الحرام في الثامن من شهر رمضان لعام 1406 وإعداده للمصلين تخفيفاً للزحام داخل الحرم، وزود بأربعة سلالم كهربائية لنقل المصلين كبار السن([5])، وفي الثاني من شهر صفر عام 1409 ﻫ وضع خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - حجر الأساس لأضخم وأكبر توسعة شهدها الحرم المكي عبر تاريخه، واستمر العمل الجاد في هذه التوسعة حتى اكتملت بصورتها النهائية المبتغاة عام 1414 ([6]).

        ويقف اليوم مشروع توسعة وعمارة المسجد الحرام معلماً إسلامياً شامخاً، ستظل تردده الأجيال المسلمة شاهداً على ما تقوم به المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله من أعمال جليلة تهدف في مجملها إلى خدمة الإسلام والمسلمين. وتبلغ المساحة الإجمالية للتوسعة (ستة وسبعين ألفاً) متر مربعاً.

        وتتكون التوسعة من بدروم سفلي وآخر علوي ودور أرضي ودور أول بالإضافة إلى السطح. كما تشتمل على (ثمانية عشر) مدخلاً عادياً بالإضافة إلى بوابة رئيسية أطلق عليها اسم بوابة الملك فهد، هي مشابهة لبوابة الملك الموجودة حالياً بالمبنى الحالي بالحرم المكي الشريف.

        كما تشتمل التوسعة على مئذنتين مشابهتين للمآذن الموجودة سابقاً. وتشتمل التوسعة عل سلالم كهربائية متحركة لنقل المصلين إلى السطح والدور الأول في وقت الذروة والمواسم خصوصاً كبار السن والعجزة، وكذلك تشتمل على (ثلاث) قباب تبلغ مساحتها (225 متراً مربعاً) وممرات للمصلين ليتمكنوا من الدخول والخروج من وإلى الحرم.

        وقد روعي في تنفيذ هذا المشروع أن يكون متميزاً من حيث التصميم والتنفيذ، وأن يكون مترابطاً مع المبنى العام للحرم من حيث الطابع المعماري الإسلامي المميز.

        كما استخدم في تنفيذه أسلوب خاص ومميز في عملية الإنشاء وذلك لضمان طول العمر للمبنى.

        ويتمثل هذا الأسلوب في استخدام الحجر الصناعي وهو عبارة عن كسر رخام أو كسر جرانيت، حيث يتم طحنه وكسره بمقاسات هندسية لتكوين خلطة قوية يضاف إليها الإسمنت وبعض المواد الكيماوية لتحسين المواصفات. ومن ثم تصب في قوالب ذات أشكال هندسية ومقاسات مختلفة، ثم يتم تركيبها مع حديد التسليح لتصبح جزءاً لا يتجزأ من المنشأة وبقوة الخرسانة، وتكون عبارة عن شداد دائم، وتم ربط هذه التوسعة الجديدة بالمبنى الموجود سابقاً بطريقة فنية مميزة دون المساس بالمبنى القائم، وذلك للحفاظ على عدم التكسير حيث تم ربط المبنيين مع بعضهما البعض عن طريق عملية توسعة فتحات الأبواب والشبابيك المقابلة بعضها البعض لتصبح متصلة.

        وبهذه التوسعة تصبح المساحة الإجمالية للحرم المكي الشريف (356 ألف) متر مربعاً بما في ذلك الساحات المحيطة به والمخصصة للصلاة وكذلك السطح، بعد أن كانت قبل ذلك (152 ألف) متر مربعاً ليتسع لـ(770 ألف) مصل، بعد أن كانت طاقته الاستيعابية قبل ذلك في حدود (340 ألف) مصل ويمكن أن تتضاعف طاقات الاستيعاب كما يصبح مجموع المداخل العادية للحرم (خمسة وأربعين) مدخلاً بالإضافة إلى (أربع) بوابات رئيسية ويصبح عدد المآذن بالحرم (تسع) مآذن ويصبح عدد السلالم الكهربائية المتحركة بالحرم (سبعة) سلالم بالإضافة إلى السلالم العادية.

 

إنشاء محطة تكييف مركزية للحرم

        وتم إنشاء محطة مركزية بمنطقة كدي لتكييف هواء مبنى الحرم، حيث يتم نقل المياه الباردة من هذه المحطة عبر أنابيب داخل نفق ممتد من الحرم إلى موقع المحطة، حيث يتم ضخ هذه المياه المبردة الخاصة بالتكييف إلى مبنى التوسعة إذ تدخل هذه المياه إلى البدروم السفلي بالتوسعة الذي يشتمل على (مائة واثنتي) مضخة لتغذية وحدات معالجة الهواء.

        ويتم معالجة الهواء في المجاري الخاصة بالهواء والتي تم تنفيذها تحت الرخام ليصل الهواء إلى الأعمدة بالتوسعة التي نفذ فيها حيز خاص للهواء ليمر به من بداية العمود إلى تاج العمود ويتم ضخ الهواء من أسفل إلى أعلى ومن ثم يعود إلى أسفل.

        وقد تم الانتهاء من هذا المشروع بالكامل وتم تكييفه مركزياً، وتزويدها بمكبرات الصوت ليتمكن المصلون من سماع صوت الإمام بكل وضوح، وتوفير مياه زمزم المبردة من خلال العديد من  حافظات الماء الموزعة في جميع أرجاء الحرم والتي يتم تعبئتها بماء زمزم لسقيا ضيوف الرحمن.

        ولا يقتصر مشروع خادم الحرمين على إضافة هذا المبنى إلى مبنى الحرم الحالي فحسب، وإنما يشتمل على تسوية وتوسعة الساحات المحيطة بالحرم لأداء الصلاة فيها، حيث تم نزع ملكية العقارات الموجودة بها وإزالتها وتم تبليطها بالبلاط الفاخر وإضاءتها بأبراج إنارة عالية وفرشها بالفرش الفاخر أوقات الذروة والمواسم، وتزويدها بمكبرات الصوت ومياه زمزم المبرد وذلك لأداء الصلاة بها لتخفيف الازدحام داخل الحرم المكي الشريف.

        وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات أكثر من (أربعين ألف) متراً مربعاً وتستوعب أكثر من (خمسة وستين ألف) مصل في الأيام العادية وتتضاعف في أيام الذروة.

        كما يشتمل المشروع على تنفيذ دورات للمياه للوضوء بهذه الساحات المحيطة بالحرم وقد تم تنفيذ آلاف الدورات وسيتم تنفيذ المزيد منها مستقبلاً. وقد تم الانتهاء من هذا النفق الذي بلغت تكلفته الإجمالية أكثر من (ستمائة وخمسين مليون) ريال.

        كما تتضمن التوسعة تنفيذ عبارات خرسانية في منطقة ما حول الحرم المكي الشريف يتم تنفيذها بشكل دائري، وذلك لتمديد خدمات المرافق العامة بها من مياه وصرف صحي وهاتف وكهرباء وغير ذلك - دون اللجوء إلى التكسير - وذلك للحفاظ على جمال المنطقة وعدم التكسير حيث تقوم كل جهة بتمديد خدماتها عبر هذه العبارات الخرسانية الموجودة تحت الأرض([7]).

        وتقدر كمية المواد التي استخدمت لهذه التوسعة نحو 111750 متراً مكعباً من الخرسانة و12700 طن من حديد التسليح. أما بالنسبة للكهرباء فقد أقيمت محطتا تحويل على جانبي التوسعة تحوي كل منهما ثلاثة محولات قدرة كل منها 1,6 ميجا فولت أمبير.

        أما تجهيزات الإنارة، فهي مستقلة عن التجهيزات السابقة، حيث زودت بثريات تتناسب مع شكلها المعماري وتوفر مستوى أعلى في الإضاءة عن المستوى السابق، كما تم تنفيذ شبكة إذاعية داخلية تتناسب مع مساحة التوسعة وتم ربطها بالشبكة الموجودة، وتم تزويد التوسعة بعدد من الساعات تتصل بالنظام المركزي للساعات الموجودة بالحرم من قبل، إضافة إلى تزويد التوسعة بنظام الإنذار من الحريق ونظام الهاتف ونظام التحكم الآلي.

        إن هذه التوسعة هي الامتداد الأفقي للطوابق الموجودة من قبل، وهي القبو والطابقان الأرضي والأول والسطح، ويقع القبو بكامله تحت مستوى الأرض وقد تمت تهويته ميكانيكياً، أما الطابقان الأرضي والأول فيقعان فوق مستوى سطح الأرض، وقد أمنت لهما تهوية طبيعية من خلال الفتحات المتقابلة للشبابيك مع تركيب مراوح لتحريك الهواء على الأعمدة من ناحية، واستحدث نظام جديد لتلطيف الهواء يعتمد على مبدأ دفع الهواء البارد خلال أرض مرتفعة وتوزيعه على مستوى مرتفع حول الأعمدة المربعة من ناحية أخرى([8]).

        وبعد الترميمات السابقة التي عملت للكعبة المشرفة ومع مرور الزمن وجد أن الأخشاب الموجودة في الحائط الداخلي للكعبة المشرفة، قد تأثرت بفعل الأرضة والفطريات والرطوبة وكذلك تأثرت الحشوات التي بين الحجارة والفواصل الداخلية المبطنة لجدار الكعبة، ولما علم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد حفظه الله بذلك أصدر أمره الكريم بعمل الإصلاحات والترميمات اللازمة وقد تولت مجموعة ابن لادن السعودية شرف القيام بعمل هذه الترميمات وتم الاستعداد لبدء العمل في شهر شعبان من عام  1416 ﻫ إلاّ أن الوقت كان غير مناسب نظراً لقرب حلول شهر رمضان المبارك ثم شهر ذي الحجة حيث يشتد الزحام في موسم الحج، وكان العمل في تنفيذ هذا المشروع يحتاج إلى جدار محيط ساتر تختفي وراءه الكعبة المشرفة ووجود هذا الساتر يحرم الحجاج والعمار وغيرهم من الرؤية المباشرة للكعبة وكان خادم الحرمين الشريفين حفظه الله يحرص على أن تنفذ المشاريع بصورة لا تؤثر على العبادة مهما زادت التكاليف، فالنظر إلى الكعبة المشرفة وإمتاع النفس والبصر بمشاهدتها يشكل جزءاً مهماً لزائري بيت الله العتيق ولهذا تقرر تأخير البدء بالعمل في هذه الإصلاحات إلى العاشر من شهر محرم من عام  1417 ﻫ وكان ذلك على مراحل:

 

المرحلة الأولى

        وفيها بدأ الترميم من الأعلى في نطاق الصفوف العلوية الأربعة، حيث أزيلت المواد الماسكة في الفواصل بين الصخور الرئيسية مع إبقاء الجزء الخارجي من الحجارة، وأخرجت حجار الحشوة والحجارة الباطنية ورقمت ونظفت وغسلت تهيئة لإعادتها إلى أماكنها فيما بعد ثم كسيت هذه الفواصل بين الحجارة بمواد ماسكة ذات قدرة عالية جداً على الالتصاق بالصخر ثم ألصقت حجارة الحشوة بمواد إسمنتية ذات مواصفات خاصة من حيث شدة التماسك وعدم التقلص وغرست فيما بينها قطع معدنية خاصة بشكل يربط بين أحجار الواجهة الخارجية وأحجار البطانة الداخلية للكعبة.

        وأصبحت في هذه الحالة الصفوف (المداميك) الحجرية الأربعة العليا مكتملة التماسك بحيث لا تتأثر بما يتم أسفل منها من أعمال، ورغم ذلك فالمرحلة التالية لها أخذت أسلوب الاحتياط الكامل بحيث أصبح العمل بصورة رأسية وليس بصورة أفقية.

 

المرحلة الثانية

        هذه المرحلة تشمل كامل باقي البطانة الداخلية لجدار الكعبة المشرفة بعد الصفوف الحجرية الأربعة العلوية الرئيسية (المداميك الأربعة العلوية) قسمت الحوائط في هذا الجزء إلى شرائح عمودية أو قوائم كما لو وضعت خطوط متوازية من أعلى إلى أسفل إلا أنها متعرجة حسب تداخل الحجارة، والمسافة بين كل خطين (عرض الشريحة) يتراوح بين 1,5 و1,7 م حسب تداخل الصخور، وبعد ذلك تم العمل في الشريحة الأولى أو القائمة الأولى بفك الأحجار الداخلية من أعلى حتى منسوب أرض الكعبة الداخلي والذي يرتفع عن أعلى المطاف بحوالي 2,2 م، مع الإبقاء على الواجهة الخارجية كما هي، ورقمت الحجارة المفكوكة.

 

المرحلة الثالثة

        وتتمثل هذه المرحلة في حفر أرض الكعبة من منسوبها الذي هي عليه إلى عمق منسوب المطاف، أي إلى عمق 2,2 متر.

 

سقف الكعبة المشرفة

        إن العنصر الأساسي في تكوين سطح الكعبة المشرفة هو الخشب، والنوع الأمثل الذي يصلح استخدامه في سطح الكعبة يجب أن تكون له مواصفات معينة منها:

 

1 -  مقاومة الأحمال لأطول عمر افتراضي ممكن.

2 -  انخفاض درجة الانكماش لدرجة قريبة من الانعدام.

3 -  مقاومة التغير في الأجواء الحارة الجافة.

4 -  مقاومة الأرضة والفطريات والحشرات الدقيقة والرطوبة المتسربة.

5 -  أن يكون طول الجذوع يزيد على عشرة أمتار، مع قطر لا يقل عن متر واحد بعد التهذيب والإعداد للاستخدام.

 

        إن هذه المواصفات لا يمكن الحصول عليها إلا بالاستعانة بمراكز الأبحاث الخشبية العالمية وقد تم الاتصال فعلاً بمراكز في أوربا وأستراليا ونيوزيلندا وانتهى الرأي إلى اختيار خشب (التيك) من بين جميع أنواع الأخشاب التي تمت دراسة مواصفاتها، حيث أن خشب التيك المأخوذ من موطنه الطبيعي (غير المزروع في موطن آخر) معروف بمتانته وطول عمره ويمكن الحصول على جذوع من أشجاره يبلغ طولها أكثر من عشرة أمتار وبأقطار تبلغ 1,5 م وهو طارد للأرضة ويمكن تجفيفه بسرعة وبأقل قدر من التفسخ، وعند دهانه بالزيت يعطي لمعاناً جميلاً جداً وقد سبق استعماله في المملكة في مشاريع الحرمين الشريفين.

 

إنتقاء الأشجار

        تقع الغابات التي ينبت فيها شجر التيك في الهند وبورما، وقد تم إيفاد خبراء لزيارة غابات (نيلمبور) في الهند، وغابات (رانجون) في بورما لتفحص الأشجار الموجودة فيها فوجد أن المتطلبات الخاصة لسقف الكعبة يمكن الحصول عليها بسهولة من غابات بورما وعليه فقد تم تعيين مندوبين من قبل مجموعة ابن لادن للتنسيق مع شركات الأخشاب البورمية من خلال وزارة الغابات في بورما، وذلك لاختبار الأشجار المناسبة من الغابات والإشراف على قطعها ونقلها إلى المنجرة وانتقاء الأفضل منها وشحنها إلى المملكة العربية السعودية.  

        وقد اشتمل البحث عن أشجار التيك في بورما، في غابات بايو وكانا، ومدييك، وهي مناطق تبعد 1000 كلم عن العاصمة، وبلغت المساحة التي تم دراستها نحو 13000 دونم، وتم الاختيار النهائي للأشجار المطلوبة من غابات تبعد 250 كلم عن رانجون والتي وجد أنها الأفضل.

       

أعمال العزل والرخام

        تم وضع طبقة من مواد العزل فوق السقف الخشبي وفوقها طبقة من الخرسانة الخفيفة لحمايتها، وتأمين الميل لتصريف المياه عن السطح، ثم تمت تغطية السطح بالرخام.

       

الميزاب

        تم استبدال الميزاب القديم بميزاب جديد بنفس المقاسات، وقد روعي في الميزاب الجديد أن يكون أقوى وأمتن وأجمل من سابقه.

 

قواعد الأعمدة

        لقد استعيض عن القواعد الصخرية القديمة لقواعد الأعمدة بقواعد خرسانية مسلحة تم حمايتها من تأثير الرطوبة بوضع مواد عازلة حولها، ثم عملت جدران خرسانية داخلية مع وضع طبقات العزل حولها بحيث تتوزع أعمال الردم على الأرض بدلاً من الضغط على جدران الكعبة.

       

الشاذروان

        لقد جدد رخام الشاذروان القديم برخام جديد يحاكي ألوان نوعية الرخام القديم.

 

مصطبة الحراسة

        لقد أنشئت إلى جانب الحجر الأسود مصطبة من رخام يرقى عليها جندي الحراسة لتنظيم عملية تقبيل الطائفين للحجر الأسود.

 

حجر إسماعيل وأعمال التجديد فيه

        تم إزالة الرخام القديم لجدران وأرضية الحجر واستبدالها برخام جديد، كما تم تنظيف الفوانيس الموجودة على الجدران وإعادتها إلى موقعها السابق([9]).

 

ب)  تاريخ توسعة الحرم النبوي

        لم يكن الاهتمام بعمارة وتوسعة الحرم النبوي الشريف منفصلاً عن عمارة وتوسعة الحرم المكي الشريف، إذ حظي الحرمان الشريفان بأولويات الاهتمام والعناية من لدن الدولة السعودية في وقت مبكر، فقد اهتم مؤسس هذه البلاد وموحدها الملك عبد العزيز - رحمه الله - بعمارة وتوسعة مسجد رسول الله r، كما اهتم بعمارة وتوسعة الحرم المكي الشريف.

        فقد أجرى الملك عبد العزيز آل سعود إصلاحات في أرضية الأروقة المحيطة بالصحن عام 1348 ﻫ/ 1929 م وقام بإصلاح بعض الأعمدة بالأروقة الغربية والشرقية سنة 1350 ﻫ/ 1931 م. وفي 12 شعبان سنة 1368 ﻫ/ 9 يونيو 1949 م أصدر جلالته الأمر بتوسعة المسجد النبوي الشريف. وبعد إجراء دراسات دقيقة تناولت كل جوانب المشروع، ووضع خطة التنفيذ، ورصد الأموال اللازمة، بدأ تنفيذ المشروع عام 1370 ﻫ/ 1951 م.

        ثم بدأ العمل بهدم المباني المحيطة بالمسجد من الناحية الشمالية والشرقية والغربية وقد شملت أعمال الهدم جزءاً من عمارة المسجد التي تمت في عهد السلطان العثماني عبد المجيد كانت مساحته 6247 م2 وبلغت مساحة التوسعة السعودية 16326 م2 وكانت أضخم توسعة في تاريخ المسجد النبوي منذ إنشائه وحتى ذلك الحين.

        وقد تغير المسقط العثماني نتيجة لذلك، حيث احتفظ بجناح القبلة فقط والذي يشمل 12 رواقاً بما في ذلك الحجرة النبوية المطهرة بقبتها الخضراء ومصلى رسول الله r ومصلاه نحو بيت المقدس والأعمدة الأثرية والمئذنة الرئيسية ومئذنة باب السلام.

        ثم ألحق بالمسجد مستطيل طوله 128 م وعرضه 91 م، في القسم الشمالي مما يلي باب الرحمة، يتكون من صحن محاط بثلاثة أروقة من كل جهة، ويتبعه - إلى الشمال - صحن آخر يحيط به من الشرق والغرب ثلاثة أروقة ومن الشمال خمسة أروقة، وبالواجهتين الشمالية والجنوبية، المنفتحتين على الصحن، سبعة عقود مدببة، أما الواجهتان الشرقية والغربية فتطل كل منهما على الصحن بستة عقود، وأضيف بحائط المسجد الشرقي باب يسمى باب عبد العزيز قبالة باب سعود في الحائط الغربي. كما أقيم بالحائط الشمالي ثلاثة أبواب: باب عثمان بن عفان وباب عبد المجيد وباب عمر بن الخطاب، بالإضافة إلى مئذنتين ارتفاع كل منهما 70 م في الركنين الشمالي الشرقي والشمالي الغربي.

        وقد قسم سقف التوسعة إلى مسطحات مربعة زخرفت بأشكال نباتية وزخرفت تيجان الأعمدة المستديرة أيضاً بزخارف نباتية([10]).

        كما أنشئ من أجل عمارة المسجد مصنع للأحجار الصناعية (المزايكو) وأنشئت ورشة خاصة بالمدينة المنورة، زودت بالمهندسين الميكانيكيين والفنيين وكلهم سعوديون.

        وبلغ طول كل من الجدارين الغربي والشرقي 128 متراً والجدار الشمالي 91 متراً، وعدد الأعمدة المربعة المحيطة بالجدار 474 عموداً، والمستديرة 222 عموداً، وعدد العقود الجديدة 689 عقداً، وعدد النوافذ 44 نافذة، وعمق الأساسات للجدران والأعمدة 4 أمتار، وعمق أساسات المآذن 17 متراً، وعدد المآذن الجديدة اثنتان، وعدد البوابات الشمالية 5، والوسطى 3، وكل من الشرقية والغربية 3، والأبواب الجديدة 9.

        وافتتح الملك سعود - رحمه الله - هذه التوسعة في شهر ربيع الأول عام 1375([11]).

        أما الملك فيصل - رحمه الله - فقد أمر بعمل توسعة حتى شارع المناخة بدأت بهدم المباني القائمة في الجهة الغربية للمسجد وبلغت مساحتها 35000 م2، حيث جهزت تلك المساحة لإقامة مصلى كبير، مظلل، يتسع لعدد من المصلين يماثل عددهم داخل المسجد، ثم أضيفت مساحة 5550 متراً مربعاً وظلت كذلك، مما أتاح المجال لاستيعاب أعداد أكبر من المصلين.

        أما في عهد الملك خالد فقد تمت التوسعة السعودية الثالثة وقد أضيفت فيها مساحة 43000 متراً مربعاً، وهي ميدان فسيح مظلل، إلى أرض المسجد الخارجية ولم تتناول عمارة المسجد([12]).

خادم الحرمين الشريفين وأكبر توسعة يشهدها المسجد النبوي

        في التاسع من شهر صفر عام 1405 ﻫ/ 1985 م وضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حجر الأساس في مشروع توسعة الحرم النبوي الشريف التي تعتبر خامس التوسعات لمسجد رسول الله r، وأكبرها حيث ستبلغ أكثر من (84,000) متر مربع أي ما يعادل مساحة المسجد الحالية أربع مرات.

        وتشمل التوسعة الجديدة الجهات الغربية والشمالية والشرقية، مع إمكانية الصلاة على سطح المسجد، وإقامة دور علوي إذا اقتضت الحاجة، واستخدام البلاط الذي يمتص حرارة الشمس وإنشاء منظومة تكييف مركزية لتلطيف الجو. 

        وقد روعي في تخطيط المنطقة المحيطة بالمسجد النبوي الشريف أن تساير العمارة الإسلامية التي تتمثل في المسجد، ولتحقيق عنصر الانسجام، وتخصيص مساحات كافية حول المسجد من جميع الجهات، تمتد نمو مائة متر في كل اتجاه، لاستيعاب كثافة المصلين، وتأمين مواقف للسيارات تتسع لأربعة آلاف سيارة.

        ويتضمن مشروع التوسعة الخامسة هذا، إقامة ست منائر، ارتفاع كل منها (92) متراً، إضافة إلى المنائر الحالية التي يبلغ ارتفاع الواحدة منها (82) متراً، وعددها أربع، مع إنشاء سبع بوابات رئيسية، بحيث يصل مجموع مداخل ومخارج الحرم الشريف إلى ست عشرة بوابة([13]).

        وبذا يمكن للمسجد النبوي الشريف أن يستوعب أكثر من 257000 مصلي، إذ تبلغ مساحته الإجمالية بعد التوسعة 1655000 متراً مربعاً، وفضلاً عن ذلك تشمل التوسعة إنشاء طابق سفلي (بدروم) لاستيعاب أجهزة التكييف والتهوية. كما تم أيضاً الاستفادة من سطح التوسعة للصلاة بعد أن تمت تغطيته بالرخام بمساحة قدرها 76000 متراً مربعاً تستوعب نحو 90000 مصلياً.

        كما اشتمل المشروع على إحاطة المسجد النبوي الشريف بساحات تبلغ مساحتها (235,000) متر مربعاً تمت تغطية أرضيتها بالرخام والجرانيت وفق أشكال هندسية بطرز إسلامية وألوان متعددة جميلة وسوف يستعمل جزء كبير من هذه الساحات للصلاة حيث يخصص منها (135,000) متر مربعاً للصلاة لاستيعاب (250,000) مصل.

            وفي حالة استعمال المساحة كاملة لصلاة يمكن زيادة عدد المصلين إلى (450,000) مصل مما يجعل الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به تصل إلى (700,000) لتصل إلى مليون مصل في أوقات الذروة.

            وتضم هذه الساحات مداخل للمواضي، وأماكن تتصل بمواقف السيارات الموجودة في دورين تحت الأرض([14]).

            وتدخل ضمن هذه المرحلة من التوسعة أعمال القباب المتحركة التي بلغ عددها 27 قبة، لها خاصية الانزلاق على مجار حديدية مثبتة فوق سطح التوسعة، ويبلغ نصف القطر الداخلي للقبة قرابة 7 أمتار وبارتفاع 4 أمتار، وهناك منطقة الحصوات المكشوفة داخل صحن المسجد الأساسي، الذي تم نصب 12 مظلة متحركة تفتح وتغلق كهربائياً وقت الحاجة.

            وتعتمد الحركة داخل الحرم على مجموعة من السلالم الكهربائية، والتي بلغ عددها 18 سلماً، أما المدخل الرئيسي للتوسعة فهو باب الملك فهد بن عبد العزيز ويقع في وسط الناحية الشمالية وتعلوه 7 قباب وتحده من كل جانب مئذنة، وبذلك يكون للمسجد بعد التوسعة 10 مآذن منها 6 جديدة، ترتفع كل منها 104 أمتار، بزيادة 32 متراً عن ارتفاع المآذن الموجودة في المبنى الأساسي، ويمكن القول أن هذه المآذن، وبارتفاعها الحالي تعد أعلى المآذن في العالم الإسلامي.

            كما طعمت منشآت التوسعة بأعمال الزخرفة التي تتماشى مع زخارف التوسعة السعودية الأولى، وتشمل الكرانيش وأعمال الحديد المشغول كالمشربيات، والشبابيك والأبواب الخشبية المطعمة بالنحاس وتيجان الأعمدة والثريات المطلية بالذهب وأعمال الرخام المزخرف المستدير، مع تجاويف خاصة في كل عامود لوضع المصاحف الشريفة وفتحات بالقواعد لمخارج الهواء المكيف.

            وتشرف مجموعة من أنظمة التحكم الأوتوماتيكي على إضاءة الحرم والتحكم في الصوت والتكييف، مع نظام إنارة للطوارئ، ومراقبة درجة التلوث، وأنظمة كشف لمكافحة الحريق، وغرف خاصة للوحات المفاتيح وتركيبات الإنارة وشبكات التوزيع، كما تشمل هذه المرحلة الأعمال الميكانيكية الخاصة بمياه الشرب المبرد ومواسير صرف مياه الأمطار والصرف الصحي والتهوية في الأدوار السفلية، مع أنفاق تلطيف الهواء التي يعد مشروعها من أكبر المشاريع في العالم حيث تمتد مواسير التبريد عبر نفق خدمات بطول 7 كيلومترات ليصل بين المحطة المركزية وداخل الحرم، وقد عمد إلى إنشاء محطة التكييف بعيداً عن الحرم لأسباب عدة من بينها توفير تكلفة نزع الملكيات وكذلك إبعاد الضوضاء عن المصلين ([15]).

            وبطبيعة الحال، فقد أخذ بعين الاعتبار تطوير الساحات المحيطة بالحرم النبوي الشريف، في نفس الوقت الذي بدئ فيه بتنفيذ مشروع التوسعة.

            وتتناول أعمال تطوير المساحات المحيطة بالمسجد إنشاء مساحات بعرض يتراوح بين (100) متر و(150) متراً، من الجهات الغربية والشمالية والجنوبية، أما في الجهة الشرقية فقد رؤي الإبقاء على الشارع الذي يفصل المسجد عن المباني والبقيع، لتعذر إزالة أي جزء من البقيع.

            وروعيت النواحي الجمالية في تطوير المساحات المحيطة بالمسجد، من حيث إنشاء الحدائق والإضاءة كما خصصت مواقف للسيارات تتسع لأربعة آلاف سيارة.        

            ومما يذكر، أنه بتنفيذ مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد النبوي الشريف والساحات المحيطة به، يكون المشروع قد شمل مساحة المدينة المنورة في عهد رسول الله r. كما شملت هذه التوسعة خدمات في الحرم النبوي الشريف كمواقف السيارات ويتكون من طابقين أسفل الساحات المحيطة بالحرم النبوي، وعمل طابقين بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين لزيادة سعة الاستيعاب التي أصبحت تتسع 4200 سيارة وتصل في وقت الذروة إلى 4500 سيارة، ولموقف السيارات هذا ستة مداخل ومخارج، وقد تأسس لتأمين هذه المواقف إنشاء وبناء أكبر جدار استنادي في العالم وهذا الجدار بني على قسمين هما:

1 - جدار خرساني مسلح دعم بأوتار فولاذية بعرض 6,60 م وبلغ عمقها إلى 66 م تحت سطح الأرض.

2 - جدار استنادي للمداخل والمخارج من الخرسانة المسلحة وبسماكة 80 سم وبأعماق وصلت إلى الصخر.

 

        كما امتاز هذا الموقف في متانته وقوته على 4100 عمود خرساني مسلح بقطر 110 سم وبأعماق تتراوح من 5 م و50 م بلغ طولها الإجمالي 100 ألف متر.

        كما امتاز هذا الموقف بإنشاء مبان داخله خاصة بالخدمات وهي:

1 - مباني الخدمات: وعددها خمسة عشر مبنى كل مبنى يتألف من أربعة طوابق تتوفر فيه كل الخدمات الخاصة بالوضوء 6214 نقطة وضوء، 7858 نقطة شرب، 2422 دورة مياه، 116 سلماً كهربائياً تتوزع على ثلاثين موقعاً، 30 سلماً ثابتاً.

2 - مباني خاصة: وعددها سبعة وعشرن مبنى يتكون كل منها من طابق واحد وتشمل خدماتها أربعة مباني مراكز أمن، ومبنى عيادات طبية، ومبنى مرفق صحي، وخمسة مباني كغرف تحكم، ومبنى لغرفة التحكم الرئيسية، وستة مباني كمحطات لمكافحة الحريق، ومبنيان لورش السيارات ومبنى كغرف مفاتيح، وأربعة مباني كمراكز تفتيش أمنية، ومبنيان كمخازن وكذلك نظام التهوية، وقد انقسم إلى قسمين:

 

                الأول: يعتمد على التهوية الطبيعية والثاني يعتمد على التهوية الكهربائية: ولهذا فإن كلاًّ من النظامين احتاج إلى جهد وهندسة خاصة به.

                فالنظام الأول (التهوية الطبيعية مثلاً): استدعى إلى ابتكار استخدام أسلوب جديد في التهوية الطبيعية التي تساعد على توفير جو طبيعي، ولذلك عملت سبع وعشرون فتحة ركب على كل فتحة قبة تزن الواحدة منها 80 طناً وهي قباب متحركة بالحاسب الآلي.

                أما النظام الثاني (التهوية الكهربائية): فيتم عن طريق وحدات تبريد بطاقة 17 ألف طن تبريد وعددها ست وحدات رئيسية بواسطة محركات كهربائية بقوة 7 آلاف حصان للمحرك الواحد وبتيار كهربائي جهد (12,8) كيلو فولت وهذه الوحدة تقع داخل محطة مركزية للخدمات تبعد عن المسجد النبوي بـ 7 كلم والتي بها أكبر تكثف في العالم لتبريد الماء، حيث يتم ضخ الماء عبر ماكينات التبريد الموجودة في مبنى المكثفات بمعدل 17 ألف جالون من الماء المبرد كل دقيقة إلى المسجد النبوي ويستغرق وصولها إليه مدة ساعة ونصف الساعة ذهاباً وإياباً من خلال نفق الخدمات، كما تم إنشاء منظومة متكاملة للمياه والصرف الصحي لتصريف مياه الأمطار وتأمين مياه زمزم المبردة على مدار العام.

                وكما تم إنشاء مجموعة متكاملة من الميضات وصنابير مياه الشرب بما يكفي حاجة المصلين بالمسجد النبوي الشريف من الرجال والنساء في مواقع كل منهم.

        ويزود المسجد النبوي بماء زمزم الذي يتم نقله من مكة المكرمة عن طريق الناقلات ثم تبريده ووضعه في حافظات بلاستيكية وتوزيعها على كل المسجد مع الكاسات البلاستيكية الخاصة بذلك.

        ولا شك أن التاريخ سيسجل التوسعة الكبرى للحرمين الشريفين التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله كأكبر وأعظم توسعة تحققت لبيت الله الحرام ومسجد رسول الله r في التاريخ.


 



([1])       محمد غزوت، رؤية فكرية وتاريخية لرعاية الحرمين الشريفين وحمايتها من الحركات المعادية، دار المعارج للنشر والتوزيع، 1980، صص. 97-100؛ ينظر كذلك: صالح زيادة، الحرمان الشريفان مقدسات ومعمار، دار أدفرا، معهد العالم العربي، باريس، 1988، ص. 45؛ أحمد بن عبد الله السبيل، «الحرمان وعناية المسلمين بهما»، مجلة التوعية الإسلامية، تصدر عن الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، ذي الحجة، 1412 ، صص. 27-30.

([2])       مجلة التضامن الإسلامي (مجلة الحج سابقاً)، السنة الرابعة والأربعون، الجزء التاسع، ربيع الأول (1410 ﻫ/ أكتوبر 1989 م)، صص. 58-60.

([3])       مجلة القافلة، العدد العاشر، المجلد السابع والأربعون، شوال 1419 ﻫ، ص. 61؛ ومجلة الموقف، المركز الوطني للدراسات والطباعة والنشر، العدد 77، ذي القعدة 1411 ﻫ، يونيو 1991 م، صص. 32-33.

([4])       يوسف بن عبد الله الوابل، الحرمان الشريفان التوسعة والخدمات خلال مائة عام، أصدرته الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي (1419 ﻫ/ 1999 م).

([5])       مجلة الحرس الوطني، السنة التاسعة، العدد التسعون، ذو الحجة 1408 ﻫ، أغسطس 1988، ص. 17.

([6])       المنهل، العدد 516، المجلد 56، العام 60، محرم 1415 ﻫ، يونيو 1994 ﻫ ص. 4.

([7])       مجلة الحج، السنة الثانية والخمسون، الجزء الثامن، صفر 1418 ﻫ، يوليو 1997 م، صص. 4-7.

([8])       مجلة القافلة، العدد العاشر، المجلد السابع والأربعون، شوال 1419 ﻫ، ص. 63.

([9])       يوسف عبد الله الوابل، الحرمان الشريفان التوسعة والخدمات خلال مائة عام، المرجع السابق، صص. 87-94.

([10])      محمد صالح زياد، الحرمان الشريفان مقدسات ومعمار، دار ادفرا، معهد العالم العربي، باريس، 1988، ص. 54.

([11])      مجلة القافلة، العدد العاشر، المجلد السابع والأربعون، شوال 1419 ﻫ، ص. 69.

([12])      في خدمة ضيوف الرحمن، وزارة الإعلام، دار الموسوعة العربية، 1411 ﻫ/ 1991 م، ص. 147.

([13])      مجلة التضامن الإسلامي (مجلة الحج سابقاً)، السنة السادسة والأربعون، الجزء التاسع، ربيع الأول 1412 ﻫ، سبتمبر 1991 م، ص. 17.

([14])      مجلة الحج، السنة الثانية والخمسون، الجزء الثامن، صفر 1418 ﻫ، يوليو 1997 م، ص. 9.

([15])      المنهل، العدد 516، المجلد 56، العام 60، محرم 1415 ﻫ، يونيو 1994 م، صص. 9-10.