سوق الإمام الشافعي في مصر.. التجارة على شواهد القبور

  سوق الإمام الشافعي في مصر

دي برس المصري
قبل بزوغ شمس يوم الجمعة من كل أسبوع يبدأ الباعة في التوافد ليكسروا صمت المكان ووحشته، يعرضون بضائعهم على حوائط الجبانات، ويعلقون بعضها على شواهد القبور، فأنت هنا في سوق الإمام الشافعي بالقاهرة.


 

 

ورويداً رويداً بعيد طلوع الشمس وتوافد المستهلكين تتلاشى رائحة الموت أمام روائح بضاعتهم التي يرفعون أصواتهم بشدة منادين عليها: "قرّب يا بيه.. قرّبي يا ست..".

 

تسمى هذا السوق باسمه نسبة إلى شارع الإمام الشافعي الذي يقع فيه ضريح الإمام ومسجده الذي بُني عام 1211، ويمتد السوق نحو 3 كيلومترات، ويفرش الباعة بضائعهم في الشارع الرئيسي وبعض الميادين المحيطة والشوارع بين المقابر.

 

كيف يختار المصريون أسواقهم الشعبية

الأسواق الشعبية في مصر هي أبرز أنشطة الاقتصاد غير الرسمي الذي يمثل نحو 70% من الاقتصاد الكلي للبلاد.

ويختار المصريون (مستهلكون - بائعون) أسواقهم الشعبية حسب كثافتها السكانية وبعدها عن سيطرة الدولة التي تفرض قيوداً باهظة فيما يتعلق بالضرائب والرسوم، لاسيما أن هذه الأسواق تتداول فيها بضائع غير معروفة المنشأ تتم في مصانع "بئر السلم"، وورش، والبعض منها منتهي الصلاحية، ومنتج يدوياً، لكن أسعارها في نهاية الأمر في متناول المستهلكين المصريين محدودي الدخول.

ويدفع البائعون في هذه الأسواق جنيهات قليلة تسمّى "أرضية" لساكني المقابر، قد لا تتعدى 20 جنيهاً (2.2 دولار) للبائع الواحد.. هكذا حكى لنا (علاء أبوالعلا 52 عاماً - متزوج ) عن طريقة تأجير مكان للبيع بهذا السوق.

وهناك العديد من الأسواق الشعبية في كافة أنحاء محافظات مصر، أسواق بعيدة عن سيطرة الدولة، يُباع ويُشترى فيها كل شيء حتى السلاح والآثار والمخدرات.

ولعل أبرز أسواق العاصمة القاهرة وأشهرها (سوق الثلاثاء في منطقة المرج بشرق العاصمة – سوق الجمعة في عين شمس شمال شرق العاصمة – سوق الأحد والجمعة للسيارات فقط بمدينة نصر شمال العاصمة - سوق الإمام الشافعي).

 

تقسيم سوق الإمام

 

يقسّم السوق الى مناطق كل منها تُباع فيه مجموعة من السلع المختلفة، الباعة حفظوا أماكنهم، وكذلك المستهلكون، فإذا اشتريت بضاعة من بائع وأردت أن تعيدها في الأسبوع اللاحق وجدته مفترشاً بضاعته بذات المكان.

 

بائعو العصافير

في مدخل السوق من ناحية السيدة عائشة سيقابلك بداية "سوق العصافير"، كما يطلقون عليها، وهو سوق قريب جداً من قلعة صلاح الدين الأيوبي.

وهذا السوق مخصص لبيع وشراء طيور الزينة كالببغاوات بكافة أنواعها، وعصافير الزينة، وبعض الطيور الجارحة كالصقور العادية والمدربة، وستجد أيضاً كل ما يخص هذه الطيور من طعام ومستلزمات إعاشة وتربية، وحلقات تثقيفية وتوعوية عن طرق التربية والتعامل مع هذه الطيور.

ويباع في هذا السوق أسبوعياً ما يزيد على 1500 طائر، حسب محمد عبدالكريم أبوزيد (33 عاماً)، أحد رواد هذا السوق الذي يمتلك "فرشة" لبيع مستلزمات تربية العصافير والببغاوات (إكسسوارات).

ويتابع أبوزيد قائلاً إن هوايته في تربية طيور الزينة دفعته ليصبح من رواد هذا السوق، ومن ثم بيع ما يخص طيور الزينة.

ويؤكد أن بعض الأشخاص يزعمون أنهم تابعون للحكومة، فيؤجرون لهم هذا السوق ويحصلون منهم على مقابل رمزي عن كل فرشة، وكذا ينظمون عمل هذه السوق.

 

سوق القطط والكلاب والزواحف

 

على بعد خطوات من سوق العصافير يقف بائعو الكلاب والقطط في مدخل شارع الإمام الشافعي يبيعون العديد من هذه الحيوانات بأنواعها (بوكسر - الروتوايلر - دوبرمان - جيرمن شيبرد.. الخ)، وكذا القطط بأنواعها (شيرازي - أنغور تركيا - أميرديكي.. إلخ)، وحسب الشاب الصغير محمد علي (17 عاماً) فإن أسعار بعض الكلاب قد تصل إلى 4000 جنيه (450 دولاراً) أو أكثر.

 

من الإبرة إلى الصاروخ!

وعلى بعد أمتار قليلة تبدأ رحلتك في أسواق السلع الاستهلاكية كالملابس المستعملة، والجديدة والمفروشات والستائر والأحذية، وجميعها رخيصة الثمن كونها تصنَّع في ورش بلا تراخيص وتعمل في معزل عن الضوابط الحكومية.


وبذلك أصبحت سوق الإمام ملاذاً للعديد من الأسر المصرية التي تجد أيضاً متطلباتها من الأغذية الريفية كالجبن والسمن والزبد والأسماك المملحة والطازجة، والطيور الداجنة واللحوم الحية (خراف وماعز) وأخرى مذبوحة.

 

إلى جانب تلك المنتجات تجد أيضاً الكثير من المنتجات المنزلية المستعملة كالثلاجات والغسالات والمراوح والتلفزيونات، وكذلك بضائع أدوات المطبخ والعطور المقلدة وأسطوانات الأغاني والخطب الدينية والكتب القديمة والروايات، حتى الأسلاك وأدوات الإنارة والكهرباء.. حقاً ستجد كل شيء تريده في هذا السوق من (الإبرة حتى الصاروخ)، كما يقول المصريون!

 

الاقتصاد غير الرسمي في مصر

لم ترصد أية مؤسسة رسمية أو هيئة حجم الأموال والبضائع التي يتم تداولها في بعض هذه الأسواق كلٌّ على حدة.

لكن هناك دراسات صادرة عن بعض الباحثين بمؤسسات مجتمعية واقتصادية كتلك التي أعدها محمد البهى عضو هيئة المكتب التنفيذي باتحاد الصناعات المصرية في مارس/آذار من العام 2015، قال فيها إن حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر الذي يطلق عليه بعض الخبراء "الاقتصاد الأسود" تفاقم في السنوات الأربع الماضية، إلى حوالى 2.2 تريليون جنيه مصري (224,4 مليار دولار)، تضم مصانع غير مرخصة، وورش، وباعة جائلين، وعقارات، وأنشطة استثمارية مختلفة، تسببت جميعها في ضياع 330 مليار جنيه (36.6 مليار دولار) قيمة الضرائب المهدرة على خزينة الدولة.

وحسب الدراسة أكد البهي انتشار الأسواق العشوائية ليصل عددها 1200 سوق، وكلها تقريباً تتعامل بالأموال السائلة، ووصل عدد الباعة الجائلين فى هذا القطاع 8 ملايين مواطن، القليل منهم يعمل بشكل دائم، والغالبية يعملون بعض الوقت من الطلبة والموظفين وربات البيوت والأطفال.

وفي القانون المصري يتم التعامل مع الباعة الجائلين وفق القانون الرقم 33 لسنة 1957 بالغرامات، إذ ينصّ القانون على ضرورة حصول البائع المتجول على ترخيص من الوحدة المحلية، أو الحي المختصّ في المحافظة التابع لها، لمدة عام واحد، ويجوز تجديده.

كما يجوز للجهة المختصة بالترخيص تخصيص أماكن معينة لوقوف الباعة الجوالين، وتحديد الحد الأقصى لعددهم‏.

ويمنع القانون الباعة الجائلين من ملاحقة الجمهور لبيع سلعهم، أو الوقوف في الشوارع والميادين وبجوار المدارس والمحال التي تتاجر بالمهنة نفسها، ويواجه مخالفو القانون عقوبة تشمل وقف الترخيص الخاص بالبائع لمدة 3 شهور، وإلزامه بدفع غرامة لا تقل عن ‏500‏ جنيه مصري‏.‏

ونشر موقع "الجزيرة نت" دراسة نهاية العام المنصرم 2015 نسبها للاقتصادي الشهير فرناندو دوستو، تقدر نسبة الاقتصاد غير الرسمي بمصر بنحو 395 مليار دولار، أي ما يعادل 2.6 تريليون جنيه مصري.

أضف تعليقك

     
الاسم:
عنوان التعليق:
التعليق: