الصفحة الرئيسية -> وحي القلم -> المقالات


القرآن الكريم والمدخل الآرامي

أضيفت بتاريخ 28/12/1436 

 القراء : 39369

تحميل
نسخة للطباعة
تعليقات حول تفسير القرآنِ العربيّ بمقتضى اللغةِ الآرامية
بقلم: عادل بن أحمد باناعمة

مقدماتٌ ...

لنتمكَّنَ من الحديث بشكل علميٍّ وواضحٍ عن هذه القضية لابدَّ لنا من عدةِ مقدماتٍ مهمةٍ.

المقدمةُ الأولى: الأسرُ اللغويةُ ...

انطلاقاً من الوصف والمقارنة حاول اللغويونَ تقسيم لغاتِ البشر إلى (مجموعاتٍ)، وهناك تقسيمان شهيران:

الأول: تقسيمها بحسبِ (تطورها ورقيها في الأداء اللغويّ)، وقد قسمها اللغويّ الألمانيّ (شليجل) بهذا الاعتبار إلى ثلاث مراتب:

-       لغات تحليلية: تتغير أبنيتها بتغير المعاني، وتربط بين كلماتها روابط تدل على أصولها. كالعربية.

-       لغات إلصاقية: تمتاز بالسوابق واللواحق كاليابانية والتركية.

-       لغات عازلة: وهي غير المتصرفة، والتي بنية الكلمات فيها لاتتغير، كاللغة الصينية.

واعترض بعضهم على هذا التقسيم من جهة أنّ أساليب (التحليل، والإلصاق، والعزل) موجودة مجتمعة في معظم اللغاتِ الإنسانيةِ.

الثاني: تقسيمها بحسب القرابات اللغوية، وهذا هو التقسيم الأشهر . وتنقسم إلى:

-       الفصيلة الهندو-أوروبية: تمتد جغرافيا على مساحة واسعة من الكرة الأرضية، وتشتمل على عدة طوائف لغوية:

o        اللغات الآرية، وتشمل اللغات الهندية والإيرانية.

o        اللغات اليونانية أو الإغريقية.

o        اللغات الإيطالية، وأهم فروعها اللاتينية التي تشعبت منها الفرنسية والإسبانية والإيطالية والبرتغالية.

o        اللغات الجرمانية: وأهمها: الانجليزية، والهولندية، والألمانية، والسويدية والنرويجية.

o        اللغات السلافية: ومنها: الروسية والتشيكية والبلغارية والليتوانية.

o        اللغات الكلتية أو السَّلتية.

-       الفصيلة الحامية-السامية: مداها الجغرافي بلاد العرب وشمال أفريقيا وجزءٌ من شرقها. وهي ذات شعبتين رئيستين:

o        الحامية: ومنها المصرية والبربرية.

o        السامية: ولها قسمان رئيسان:

§         السامية الشرقية: تضم البابلية والآشورية .

§         السامية الغربية: ولها قسمان:

·         الشمالية: تضم الكنعانية ، والآرامية. والعبرية تعدُّ فرعاً من الكنعانية.

·         الجنوبية: وهذا القسم يشملُ العربية الجنوبية، والعربية الشمالية. ويهمنا الحديث عن العربية الشمالية لأنها مرجعُ لغتنا العربية التي نتكلم بها اليوم.

العربية الشمالية لها قسمان رئيسان:

o        العربية البائدة: المقصود بها اللهجات التي بادت قبل الإسلام، وأهم لهجاتها: الثمودية والصفوية واللحيانية. وعامة الموجود من هذه اللهجات إنما هو نقوش قليلة متفرقة.

o        العربية الباقية : هي العربية التي مانزال نستخدمها اليوم، ووصلت إلينا عن طريق الشعر الجاهلي، وعن طريق القرآن والسنة. وهذه العربية الفصيحة لها لهجاتٌ تنوعتْ بتنوع القبائل، وقد ضبطها أهل العربية وقننوها وبينوا ما يحتج به منها وما لايحتجّ، حتى أصبحت لدينا علومٌ كاملةٌ تخدمُ هذه العربية وتستكشف معانيها، وتبين مادخلها من لغاتٍ أخر، وما يحكمها من أنظمةٍ وقوانين.

ومن خلال كل ماسبق نتبيّنُ موقع العربيةِ من الآرامية، وأنهما يجتمعانِ في الأصل الساميّ الغربيّ، إلا أن الآرامية من الفرع الشماليّ، والعربية من الفرع الجنوبيّ.

ولذلك فالحديث عن كون (الآرامية) أصلاً للعربية، أو كون العربية لهجة متفرعة من الآرامية فيه تعجل وتسرعٌ واعتسافٌ وتجاهل لكل هذا البنيان التقسيميّ التي يتحدثُ عنه اللغويون منذ عشراتِ السنين.

والذي يمكنُ أن يقال: هو أن هناك تشابها بين العربية والآرامية نظراً لأنَّ كلتيهما تنتسبان إلى أسرة لغوية واحدةٍ هي الأسرة السامية. وهذا الانتساب ليس مخصوصا بهما، ولايعطي الآرامية خصوصية فيما يتعلق بألفاظ العربية وأبنيتها، وفي اللغات السامية ماهو أقرب للعربية من الآرامية، بل كل اللغاتِ السامية – نظرياً- بينها وبين العربية تشابهٌ يقلُّ ويكثُرُ. وقد يُستفاد منه في تفسير بعض الظواهر اللغوية.

وأكثر من هذا أن من الباحثين من صرف عمره للبحث عن وجوه الشبه بين اللغات الهندو-أوروبية واللغات السامية باعتبار الجميع لغةً للإنسانِ. فإذا وُجدَ الشبهُ بين لغاتٍ تنتسبُ إلى أسرٍ مختلفةٍ متباينة فكيف لايوجدُ بين لغاتٍ ترجعُ إلى أسرةٍ واحدةٍ؟

المقدمةُ الثانية: أصل اللغاتِ ...

يجرنا هذا الحديث إلى الحديث عن أصل اللغاتِ السامية، وهل يمكن أن نقول: إن العربية أصلٌ للآرامية مثلاً؟ أو العكس؟

هناك من يرى أن لكل أسرةٍ لغويةٍ لغةً (أمّاً) تختلفُ عن جميع الفروع، وتجمع جميع خصائص فروعها أو معظمها، هذه اللغةُ قد تكون معروفة وقد لاتكون، بمعنى أنها قد تكون لغة (افتراضيةً) تجمعُ خصائص هذه اللغات، وقد تكون لغةً استُعملتْ وانشعبتْ عنها هذه اللغاتُ.

وهناك من يحاول جعل واحدةٍ من لغاتِ الأسرةِ هي الأصل لجميع فروعها.

وهناك من يذهب إلى أن (العربية) هي أصل اللغاتِ كلها، وأنها لغة الإنسانِ الأولِ آدمَ عليه السلام.

وكل هذه الاجتهاداتِ ليس لشيء منها دليلٌ مسلمٌ.

وإنما ذكرتُها لنتبين أن دعوى كون العربية فرعاً عن الآرامية أو لهجةً من لهجاتها دعوى ينقصها كثيرٌ من الاستدلال، والبرهان، ولا يكفي لإثباتِها القول بأنَّ إسماعيل عليه السلام أولُ من نطق بالعربية!

بل إنّ القول بأولية إسماعيل عليه السلام في تكلم العربية مطلقاً يُضعِّفُهُ ماجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فألفى ذلك أمَّ إسماعيل وهي تحبُّ الأنسَ، فنزلوا وأرسلواإلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهلُ أبياتٍ منهم وشبَّ الغلامُوتعلَّمَ العربيةَ منهم)). فالحديث صريحٌ في أنَّ إسماعيل عليه السلام تعلم العربية من جرهم.

ولابن حجرٍ تعليقٌ نفيسٌ على هذا الحديث جاء فيه: ""قوله ((وتعلم العربية منهم)) فيه إشعار بأن لسان أمه وأبيه لميكن عربياً، وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية، وقد وقع ذلك من حديث ابن عباس عند الحاكم في المستدرك بلفظ: ((أولُ مَنْنَطَقَ بالعربيةِ إسماعيلُ))، وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث عليٍّ بإسناد حسنٍ قال: ((أولُمن فَتَقَ اللهُ لسانَهُ بالعربيةِ المبينةِ إسماعيلُ))، وبهذاالقَيْدِ يُجمع بين الخبرين، فتكونُ أوليتُهُ في ذلك بحسبِ الزِّيادةِ في البيانِ لا الأوليةُالمطلقة،فيكونُ بعد تعلُّمِهِ أصلَ العربيةِ من جُرْهم ألهمَهُ الله العربيةَ الفصيحةالمبينة فنطق بها.

ويشهد لهذا ما حكاه ابنُ هشامٍ عن الشرقيِّ بن قطامي أنَّ عربيةَإسماعيل كانت أفصحَ من عربيةِ يعربَ بنِ قحطان وبقايا حمير وجرهم.

ويُحتمل أن تكونالأولية في الحديث مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى بقية إخوته من ولد إبراهيم، فإسماعيلُأول من نطق بالعربية من ولد إبراهيم". اهـ.

وزدْ على ذلك ما تذكرُهُ كتب الأدبِ والأنساب [انظر الأغاني 15/11] من أنَّ إسماعيلَ عليه السلامُ قد تزوَّجَ رِعْلةَ بنتَ مُضاضِ بن عمرو الجُرهميِّ، ومضاضٌ شاعرٌ عربيٌّ فصيحٌ قد رُوِيَ شعرُهُ وحُفِظَ، ومما نُسبَ إليه هذه الأبياتُ الذائعةُ:

كأنْ لم يكنْ بينَ الحَجُونِ إلى الصفا ... أنيسٌ ولم يسمرْ بمكةَ سامرُ

بلى نحنُ كنّا أهلَها فأبادَنا ... صروفُ الليالي والجدودُ العواثرُ

إذنْ كانتِ العربيةُ قبل إسماعيلَ عليه السلامُ يقيناً، ولانعلمُ إلى أين يرتفعُ تاريخُها، وهل سبقتِ الآراميةَ أم لا. فلا يصلحُ إلقاءُ كلمةٍ عابرةٍ، ثم بناءُ منهجيةٍ كاملةٍ عليها، ولاسيما إن كانتْ تتعلقُ بكتاب الله عزوجلَّ.

كيف وقد وجدنا في بعض المرويات ما يجعلُ آدمَ عليه السلامُ أولَ من نطق بالعربيةِ، جاء في تفسير قوله تعالى: ((وعلم آدم الأسماء كلها)) قولُ ابن عباسٍ رضي الله عنهما: "عَلَّمَ اللهُ آدم َالأسماءَ كلهَّا وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسانٌ ودابةٌ وأرضٌ وبحرٌ وسهلٌ وحمارٌ وأشباهُ ذلك من الأمم وغيرها". وقال السيوطي: "وأخرج عبد الملك بن حبيب: "كان اللسانُ الأولُ الذي نزل به آدم من الجنة عربياً إلى أن بعُدَ العهد وطال حُرِّف وصار سريانيا".

وفي كتبِ السيرِ والأخبارِ كثيرٌ من الشعرِ العربيِّ المنسوبِ إلى آدمَ عليه السلامُ.

فانظرْ إذنْ أين مكانُ إطلاقِ القول بأن العربية لهجة متفرعة من السريانيةِ بحجة أنَّ إسماعيل أول من تكلم العربية!

وقد ألَّفَتِ الدكتورة تحية عبد العزيز إسماعيل كتاباً حافلاً حشدتْ فيه دلائل كثيرة على أولية اللغةِ العربية وأنها أصلُ اللغاتِ، وشرحت فيه الكلماتِ اللاتينيةَ والأوروبيةَ واليونانيةَ والهيروغليفية، وكشفت عن تراكيبها، وردَّتْها إلى أصولها العربية فيما ترى، كما حشدتْ مزايا امتازتْ بها العربية عن غيرها. وقد بذلت جهداً مشكوراً جداً.

وكذلك سجّل الدكتور أحمد داود (42) حلقة استعرضَ فيها الحضارات واللغاتِ وقدَّم شواهدَ كثيرةً على أوليةِ اللغةِ العربية وأنها أصل اللغاتِ وأمُّها.

ولاريب عندي أن ماذكره الباحثانِ هو أقوى وأدق وأفضل وأجمعُ من كل ما يقوله الذين يدعون أصالة الآرامية أو السريانية وأنَّ العربية فرع عنهما أو لهجةٌ منهما!

ومع ذلك فإن الباحث يتوقفُ في القطعِ بأوليةِ العربيةِ لانعدامِ الدليل القاطع على ذلك، ولأنَّ معظمَ ما يذكرُ في أوليةِ اللغاتِ إنما هو من باب مقارنةِ الألفاظِ، والبحث عن التشابهات، أو تعداد المزايا.

المقدمة الثالثة: الفرقُ بين تفسير الظاهرة اللغوية وبين فرض الحُكم اللغويّ

هناك فرقٌ كبيرٌ بين محاولة تفسير ظاهرة لغوية في لغةٍ ما بالاستعانة بلغة أخرى، وبين إقحامِ قواعدِ اللغةِ الأخرى ودلالاتها على اللغةِ الأولى.

بمعنى:

عندما يكون عندي في لغة ما ظاهرةٌ معروفةٌ مقرةٌ مقعَّدةٌ، فلابأس أن أحاول استكناهَ أصلها، ومعرفةَ مأخذِها، أو التشابهِ بينها وبين ما هو في لغةٍ أخرى، مع تذكر أن ذلك كله من قبيل الظنّ والاحتمال.

أما أن آتي إلى ظاهرةٍ ما في لغةٍ، فأنكرها أو أعارضها أو أخطئها لأن (اللغة الأخرى) قالتْ شيئاً آخر! فهذا ضربٌ من العبثِ.

ومثل ذلك أن تكون (لفظةٌ) ما لها معنى معروفٌ في لغتها، قررته معاجمها، ونطق به شعراؤها، وشرحه لغويوها، ثم أرفضُ هذا المعنى جملةً، وأقترحُ معنى آخر للكلمة لمجرد أن (اللغة الأخرى) فيها لفظٌ مشابه، أو حروفٌ مقارِبةٌ، في الحقيقة هذا ليس درساً لغوياً بل هو أقربُ إلى العبثِ اللغويِّ.

هل يمكنُ مثلاً أن أزعمَ أن لفظةَ (GOOL) الانجليزية معناها : (الكلام) وليس (الهدف) لأننا في العربية نقول : (القَوْل)؟

هل يمكن مثلاً أن أزعم أن لفظة (بَيْنَ) العربية معناها (اللعنة) لأنها تشبه في اللفظِ كلمةَ ( BANE) الإنجليزية؟

ومثل ذلك في القواعدِ، فلا يصلح لأنَّ العربية مثلاً ساميةٌ كالعبريةِ أن أُلزمَ العربيةَ بـ (هاء) التعريف، بدلاً من (ال) التعريف؛ لأن العبرية تستخدم ( ها) للدلالة على التعريف. ولايمكنني أن أجيءَ إلى كلمة (هذا) فـأصر على أنّ الهاء فيها بمعنى (ال) لمجرد ورود ذلك في العبرية، وأتجاهل التخريج العربيَّ لها بأنها حرف تنبيه.

هذه نماذجُ فقط من فرضِ لغةٍ على أخرى، وهو شيء آخر مختلفٌ تماماً عن الاستعانة بلغةٍ ما في فهم ظواهر لغةٍ أخرى.

ويشبه هذا – توضيحاً- أن تحاول تفسيرَ سلوك الابن السيءِ من خلال واقع أسرته، هذا معقول مقبول، أما أن تعمد إلى سلوكه الحسن فتزعم أنه سيءٌ لأنَّ أسرته كانت سيئة أو العكس، فهذا ما لايقبله عقلٌ ولا منطقٌ.

وقد كثرتْ دراسات اللغويين العرب المعاصرين في المقارنة بين العربية وبقية الساميات والبحث عن أوجه التشابه بينها، فليس هذا المسلك جديداً، ويمكنك مثلاً أن تقرأ كتاب د.محمود فهمي حجازي (علم اللغة العربية .. مدخل تاريخي مقارن)، وهو من أوائل كتب علم اللغةِ المعاصرة، لترى مباحث واسعة في مقارنة العربية مع أخواتها الساميات، لكن ليس في شيءٍ منها محاولةُ (فرضٍ) للُّغةِ الأخرى على اللغةِ العربية، بحيثُ نتركُ أبنيتها ودلالاتها ومعانيها ونذهب إلى أشياءَ أخرى تعارضها لمجرد أن ذلك ورد في لغةٍ أخرى على جهة المشابهة!

وللأسف فإنَّ جُلَّ ما قُدِّمَ في إطار التفسير الآراميّ للقرآن هو من باب هذا (الفرضِ اللغويِّ) الذي يترفَّعُ عنه الباحثُ الجادُّ.

المقدمة الرابعة: للقرآن خصوصيته ...

الدرسُ اللغويُّ فيه مجالٌ واسعٌ للانطلاقِ، ولكنّه حين يتقاطع مع كتاب الله عزوجلّ فإنَّ هناك (قيوداً) تنبغي مراعاتها. فكتاب الله عزّوجل له خصوصيته، وينبغي أن يتأدب الدرسُ اللغوي المتعلقُ به بالآداب القرآنية، فليس كلامُ الله حِمىً مباحاً، ولايجوز الاجتراءُ عليه إلا برصيدٍ وافرٍ من العلمِ والمعرفةِ.

والحديث عن تفسير لفظةٍ قرآنية لا يمكنُ القول فيه بأنه بحثٌ لغويٌّ مجردٌ، بل هو بحثٌ لغويٌّ شرعيٌّ، لعلوم الشريعة وقوانينها فيه مدخلٌ واسعٌ.

وأوضِّحُ ذلك بمثالٍ:

مثلاً تجيء (حيثُ) في اللغةِ ظرفاً للمكانِ، تقول: (جلستُ حيثُ جلستَ) فهي هنا ظرفٌ للمكان، بمعنى أن جلوسي محصورٌ في المكان الذي جلستَ فيه ، والظرفية المكانية عبارة عن (إطار مكاني) انحصر فيه الحدثُ.

لكن عندما تقرأ قوله تعالى : (الله أعلمُ حيثُ يجعل رسالته) فإنك لاتستطيع أن تجعل (حيث) ظرفاً مكانياً لـ (أعلمُ) لأن المعنى حينئذٍ أن أعلميَّةَ اللهِ محصورةٌ في الإطار المكاني المحددِ الذي هو (حيث يجعل رسالته)! فالله سبحانه – على هذا التأويل- محصورٌ كونُهُ (أعلمَ) في المكان الذي يجعل فيه رسالته، واعتقاد هذا كفرٌ بلا شك؛ لأنَّ علم الله محيطٌ بكل شيء على درجةٍ واحدةٍ، ولذلك قال أبو علي الفارسي: "لايجوز أن تكون (حيثُ) ظرفاً لأنَّهُ يصير التقدير: الله أعلم في هذا الموضع، ولايوصف الله تعالى بأنه أعلم في مواضع وأوقات؛ لأنَّ علمَهُ لايختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة" [ الدر المصون 5/137]

ولذلك يَلزمُنا هنا أن نعرب (حيث) مفعولاً به، فيكون المعنى : (الله يعلمُ المكان الذي يجعل فيه رسالته) وهذا لاينفي علمه بغيره.

فهل لاحظنا كيف أن النص القرآني لايكفي فيه الانطلاق من منطلق لغوي مجرد، بل لابد من استحضار القضايا الشرعية والعقدية والفقهية؟

ولذلك شدَّد السلفُ في القول على كتابِ الله، حتى قال عمرُ رضي الله عنه: "أخاف عليكم رجلين: رجل يتأوَّل القرآن على غير تأويله، ورجل ينافس الـمُلكَ على أخيه".

وقال ابن كثيرٍ في تفسيره: "فأمَّا تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام لما رواه محمد بن جرير رحمه الله – بسنده- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار))، وهكذا أخرجه الترمذي والنسائي من طرق عن سفيان الثوري به ورواه أبو داود".

وكان سعيد بن المسيب إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال: إنَّا لا نقول في القرآن شيئاً! وهو من هو في العلمِ.

وليس المقصود من هذا ألا يجتهد الإنسانُ في فهم خطابِ الله له، ولكنّه وعيد وترهيبٌ من الاجتراءِ على الإتيان بالقولِ الغريب، والمعنى الشاذّ، دون أن يكون للإنسانِ سندٌ من قولِ إمامٍ، أو دون أن يكون هو محيطاً أولاً بعلوم القرآنِ: كأسباب النزول، والتفسير، والعربية نحواً وصرفاً وبلاغةً، إلى غير ذلك من العلوم التي بسط العلماءُ الحديث عنها في مقدماتِ كتب التفسير.

والمقصودُ أيضاً حصولُ الهيبةِ من الكلامِ في القرآنِ فلا يعجل الإنسانُ إليه دون أن يكونَ قد راجعَ ونظر وبحث وثاقفَ أهل العلمِ والاختصاصِ.

المقدمة الخامسة: هل في القرآن ألفاظٌ غير عربية؟

الحديث عن وجودِ ألفاظٍ أعجميةٍ في القرآنِ ليس جديداً، فمن تتبع المنقولَ عن الصحابةِ رضي الله عنهم والتابعين، فضلاً عمن جاء بعدهم وجد كثيراً من الألفاظِ القرآنية التي قيل عنها إنها (أعجميةٌ).

وقد أحصى السيوطيُّ رحمه الله في كتابه الشهير  (الإتقان في علوم القرآن) نحواً من 130 كلمةً قال: إنها كلُّ ما قيل عنه أعجميٌّ في كتاب الله، وذكر في آخر المبحث منظومةً شعريةً تتضمن هذه الألفاظَ كلها. ومن هذه الألفاظ: أباريق، أرائك، بطائن، تنّور، جبت، حَصَب، راعِنا، زنجبيل، غسّاق، قراطيس، هدنا.

وقد طال بحثُ العلماءِ في هذه المفرداتِ والموقفِ منها، فمنهم من صرَّح بأنها أعجميةٌ ونسبها إلى لغاتٍ متعددةٍ: كالفارسية، والنبطية، والسريانية وغيرها، ومنهم من أنكر ذلك وجزمَ بأنها عربيةٌ وإنما هي من باب تشابه اللغاتِ، حتى قال أبو عبيدة: "من زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول".

ولكنَّ الفريقين معاً لم يقلْ أحدٌ منهما: إنَّ العربَ لم تكن تعرفُ معانيَ هذه المفرداتِ في لغتها، ولم يقل أحدٌ قطُّ إنَّ هذه الكلماتِ (المحدودة) انتزعَتْ من أصولها الأعجميةِ وأقحمتْ في كتاب الله على وجهٍ لاتعرفُهُ العربُ في كلامها. ولم يقل أحدٌ منهما إنَّ (معظمَ) القرآنِ أعجميٌّ.

بل هم متفقونَ على أنَّ هذه الكلماتِ (المحدودةَ) يعرفُها العربُ، وأنها في لغتهم من قبل نزول القرآن، ووردتْ في أشعارهم، ولها عندهم معنىً هو المعنى المقصودُ في كتاب الله، وإنما اختلافهم: هل هي مما تشابهتْ فيه ألفاظهم مع ألفاظِ غيرهم فتكونُ هذه الكلماتُ عربية الأصل، أم هي مما أخذوه عن غيرهم فجعلوه من لغتهم فتكون بذلك أعجمية الأصل.

ولذلك قال أبو عبيد القاسم بن سلام قولاً جميلاً، قال: "والصواب عندي مذهبٌ فيه تصديق القولين جميعاً، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعتْ للعرب فعرّبتها بألسنتها، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارتْ عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطتْ هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربيةٌ فهو صادقٌ، ومن قال عجميةٌ فصادقٌ".

وبمثله قال ابن عطية، فقد ذكر في تفسيره المحرر الوجيز أنَّ: " القاعدة والعقيدة هي أن القرآن نزلَ بلسان عربي مبين، فليس فيه لفظةٌ تخرج عن كلام العرب فلا تفهمُها إلا من لسانٍ آخرَ، فأما هذه الألفاظُ وما جرى مجراها فإنَّه قد كان للعربِ العاربةِ التي نزل القرآن بلسانها بعُض مخالطةٍ لسائرِ الألسنةِ ... وَعَلِقتِ العرب بهذا كلِّه ألفاظاً أعجميةً غيرتْ بعضها بالنَّقْصِ من حروفها، وجَرَتْ إلى تخفيف ثقل العُجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الصريح ... فحقيقةُ العبارةِ عن هذه الألفاظِ أنَّها في الأصلِ أعجميةٌ لكنْ استعملتْها العربُ وعربتها فهي عربية بهذا الوجه" [1/36]

وربما كان هذا – مع وضوحه في كل الأمثلة- أشدَّ وضوحاً في الأعلام الأعجمية، فهل العربيُّ إذا قال: ياإسماعيل يستحضرُ معنى: سمعَ الله؟ وهل إذا قال: يوسف، يستحضر معنى الزيادة؟ أم أنه في الحالين لايقصد إلا مناداةَ ذاتٍ جُعلتْ هذه الأسماءُ علماً لها؟

والشاهدُ هنا .. أن العلماء على اختلافِ كلمتهم في هذه المسألةِ، وعلى حصرهم للألفاظِ التي قيل بأعجميتها، لم يجرؤوا على أن يقولوا: إنّ في القرآن شيئاً لاتعرفُهُ العربُ في كلامها ولغتها وأساليب خطابها، ويتوقف فهمه وإدراكه على معرفة لغةٍ أخرى.

وقد استنبطوا هذا الأصل من كتاب الله عزّ وجلّ، فالله يقول: ((بلسان عربي مبين))، ((لسان الذي يُلحدون إليه أعجميٌّ وهذا لسانٌ عربيّ مبين))، ((إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون))، ((وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا))، ((كتابٌ فصّلت آياته قرآنا عربيا)) ، ((وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربياً))، ((إنا جعلناه قرآنا عربياً)) ، ((وهذا كتابٌ مصدقٌ لساناً عربياً)).

وهذا اللسانُ العربيُّ الذي نصَّ الله سبحانه على أنّه أنزل به  كتابه هو اللسانُ الذي تكلمَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وتكلمتْ به قريشُ، وتكلم به المخاطبونَ به أولَ نزولِهِ، والدليلُ على ذلك أن تجمعَ آيةَ: ((بلسانٍ عربي مبين)) وأخواتها، إلى قوله تعالى: ((وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسانِ قومه ليبين لهم)). فيُفْهَمُ من الآيتين معاً أن اللسان العربيّ الذي نزل به القرآن هو اللسان الذي تكلم به محمدٌ صلى الله عليه وسلم وقومه من العربِ على معهود خطابِهم ومألوف كلامهم. فمن زعم أن (اللسان العربيّ) المذكور في الآية مقصودٌ به (السريانية) أو (العبرية) أو غير ذلك مما لم يكن يعرفه العرب وقتها فقد عارضَ كتاب الله معارضةً صحيحةً بينةً صريحةً؛ لأنه ليس لسانَ قومِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ومن زعم أنَّ فيه مالا تفهمه العربُ، أو ما يتوقف فهمه على معرفةِ لغة أخرى فقد ناقض صفة البلاغِ والبيانِ التي اتصف بها القرآن: (هذا بلاغٌ للناس)، (هذا بيانٌ للناس). فكيفَ يكون بياناً لمن أنزلَ عليهم ابتداءً وفيه مالايستطيعون فهمه إلا إذا درسوا لغاتٍ أخر؟ كيف قامت عليهم الحجة؟ وكيف أذعنوا؟ وكيف أسلم من أسلم؟ بل وكيف كابرَ من كابرَ فكفر وجحد ولكنه لم يستطعْ إنكار فصاحةِ القرآن ولا بيانه؟

فها أنت ترى أن المعوّل عليه والمتفق عليه أنه ليس في القرآن شيءٌ لاتفهمه العربُ، وليس جاريا على معهود خطابها، وقد قرأ القرآنَ العربُ الأوائل مسلمهم وكافرهم ففهموا ألفاظه ومدلوله، ولم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا أكثرُ أصحابه على علم بالآرامية ولا الفارسية ولا غيرهما من السامياتِ، وما نقص ذلك من فهمهم لكتاب الله.

ولأجلِ هذه العربية الخالصةِ في القرآن أجمعَ المفسرون على أن من شروط المفسِّر الإحاطةَ بلسانِ العربِ، قال الزمخشري: "ولايغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجلٌ قد برع في علمين مختصَّين بالقرآن وهما علما البيان والمعاني".

والزعمُ بأن وصفَ اللسانِ العربيِّ يصدُقُ على أي لغةٍ ساميةٍ أخرى، أو على الآرامية خصوصاً، بحجة أن العربية لهجة آرامية هو شيء عجيبٌ حقاً!!

وقد سبق لنا أن أبطلنا إطلاق القول بأن العربية لهجةٌ آرامية، ولكن حتى لو سلمنا بهذا، فهل يجوز مع ذلك أن نقول: إن الكلام الآرامي كلامٌ عربيٌّ؟ بل وعربيٌّ مبين؟

لو أخذنا بهذا لجاز أن نسمي الفرنسية إسبانية! والإيطالية برتغالية! والبابلية آشورية! والكنعانية آرامية! ولجاز لنا أن نأتي بنصٍّ لاتينيٍّ قديم لا يُفهم ونقول: إنه بلسانٍ فرنسيٍّ مبين! أو نأتي بقصيدةٍ جرمانية ونقول: إنها بلغةٍ إنجليزية مبينة! وهذا كله مما يترفعُ العاقل عن قبوله.

المقدمة السادسة: دلالات الحروف العربية

يظنُّ البعض أن الأحرف العربية ليس لها معنى في ذاتها. بمعنى أن كلمة (ألف) ليس لها معنى، وكذلك ( باء ) أو (تاء) وهذا ناشئٌ من ضعف المعرفة بالعربية ودلالالتها ومعجمها. والحقيقة أن كل لفظٍ من هذه الألفاظ له معنى أو أكثر. بل إنَّ لفظة (عين) مثلاً، وهي منطوقُ الحرف (ع) لها أكثر من خمسين معنى!!

ومن المعاني أيضاً:

الألف: معناها الإِلْفُ، وعِرْقٌ يستبطن العضد إلى الذراعِ، والباءُ معناه: النكاحُ أو الجماعُ، والنونُ معناها الحوتُ، والهاءُ: بمعنى خُذْ، والغَيْنُ: الشجرُ الكثير الملتفُّ، والصّادُ: الصيدُ، والكافُ: الرجلُ المصلحُ بين القوم... وهلمَّ جراً.

وقد نظمَ ذلك كلَّه صديقُنا فضيلة الشيخ المقرئ الدكتور/ عبدالرحيم نبولسي في نظمه اللطيف الذي سماه: النظم الأمجد في ماهية أبجد . تجده هنا:

http://alchamel114.3oloum.com/t207-topic

ولكنَّ أهل العربية الذين عرفوا هذا وضبطوه في معاجمهم لم يذهب أحدٌ منهم إلى تفكيك الكلمةِ واستخلاصِ معنى كل حرف ثم تكلف معنى للكلمةِ في مجملها.

القرآن والآرامية ...

بعد هذه المقدماتِ المهمة أشرعُ في الحديث عن مسألة تفسير القرآن بالآرامية، مع التعليق على بعض الأمثلة التي أوردها بعض الإخوةِ محاولاً من خلالها الاستدلال على ضرورة تعلم الآرامية لفهم القرآن الكريم.

وترتيباً للحديث أجعل ذلك على نقاط:

النقطة الأولى: مسألة تفسير القرآن بالآرامية .. هل هي جديدة؟ وما مآلاتها؟

وأقصد بتفسير القرآن بالآرامية هنا جعل الآرامية أصلاً تُفسَّر به كلماتُ القرآن، وليس مجرد وجود (كلماتٍ) في القرآن يُقال: إنها لها أصلاً آرامياً.

فالقول بأنَّ هناك كلمات (محدودة) من القرآنِ لها أصل آراميٌّ أو فارسيٌّ أو سريانيٌّ أو نبطيٌّ قد سبق تفصيل القول فيه ولا مشكلة عندنا معه.

ولكننا نقصد هنا: القطع بأن (معظم) القرآن آراميٌّ، وبأنه يتعذَّرُ فهمه فهماً صحيحاً إلا من خلال دراسة الآرامية، ومن ثم تقديم الدلالات الآرامية على الدلالات العربية المذكورة في كلام العرب، والموثّقةِ في معاجم العربية وتراثها.

هذه الدعوى على هذا الوجه هل هي جديدة لم يُسبق إليها؟

الحقيقة أن هذه الدعوى قديمة، وقد نادى بها عدد ممن أساؤوا إلى القرآن والإسلام والعربية، ولايليقُ بنا ونحنُ المسلمون الموحدون أن نحطبَ في هذا الوادي الذي يُفضي إلى تشكيك في القرآن وأصوله، حتى لو وقفنا دون هذا التشكيك، فيكفينا إساءة أننا فتحنا له الباب.

في عام 1927 كتب (مينجانا) دراسة نشرت بمجلة مكتبة جون ريلاندز بمانشستر بعنوان (التأثير السرياني على أسلوب القرآن)، قال في مقدمتها: " أنا مقتنع تماماً أن معالجة شاملة لنص القرآن بعيداً عن الشرَّاح السملمين ستؤتي ثماراً وفيرة من المعلومات القيمة"، وسبب ذلك أنه يعتقد أنه حان الوقت" لإخضاع نص القرآن لنفس النقد الذي تعرض له الكتاب المقدس اليهودي العبري والآرامي".

وفي عام 2000 كتب المستشرق الألمانيّ كريتستوف لوكسنبرغ[1] كتابه: (قراءة سريانية آرامية للقرآن الكريم). والذي زعم فيه أن العربية ولدت في رحم السريانية، وبالتالي فإنه لابد لفهم القرآن من معرفة هذه اللغة الأم! وذهب إلى أن العربية التي نعرفها اليوم لم تكن موجودة وقت نزول الوحي! وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حضّ أتباعه على تعلم السريانية لهذا الغرض! وجعل من الأحرف السبعة والقراءات القرآنية دليلاً على أن القرآن لم يكن مكتملاً ولا العربية!  وجاء بعد ذلك بتفسيرات مضحكة كزعمه أن الحور العين المقصود بها العنب! وأنّ قوله تعالى (زوجناهم بحور عين) معناه: روّحناهم أي: أنعشناهم بالعنب!! وأما (قاصرات الطرف) فهي عنه : جفناتُ العنب (صحون العنب) التي لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جانَّ!

ومن قرأ هذا الكتاب أو اطلع على ملخصاته أدرك (الكوارث) العظيمة، والنتائج المضحكة، التي انتهى إليها من خلال هذا المدخل السرياني الآرامي، وتبيَّنَ له كيف استحالَ كتابُ الله شيئاً آخرَ!

ولذلك كانت أطروحة لوكسنبرغ محل حفاوةٍ كبيرة لدى الملحدين والشكاكين؛ لأنها فتحت الباب للطعنِ في كتاب الله عزّوجلّ، وادِّعاء تبعيته أو نقله أو اقتباسه من كتبٍ أخرى، ولمن شاء أن يرجع إلى منتديات الإلحاد والملحدين ويرى حفاوتهم بأطروحته، ومارتبوه عليها.

بعد ذلك .. ومنذ سنواتٍ وحتى الآن والباحث اللبناني غبريال صوما يتزعم فكرة أن القرآن آراميٌّ وليس عربياً، وقد أساء إساءاتٍ بالغةً للعربية والقرآن والإسلام، وشكَّكَ في كتاب الله، وألف كتاباً سماه: (القرآن الذي أسيء تفسيره وترجمته وفهمه)! وشارك في العديد من البرامج الإعلامية بهذا الخصوص.

ومن بعدهما اتخذ (حامد عبد الصمد) في برنامجه (صندوق الإسلام) من هذا المدخل الآراميّ وُصلة إلى تكذيب النبوة والرسالة! وتبعية الدولة الإسلامية للدولة البيزنطية! إلى غير ذلك من الكوارث التي تسلل إليها أو إلى بعضها من خلال هذا المدخل.

ومن بعدهم ظهر النصراني (رشيد المغربي) المذيع في قناة الحياة ليشكك بدلالات القرآن في حلقاتٍ عنوانها: (اللغة السريانية أسرارها ومعانيها في القرآن الكريم).

وكل هذه الأشياء موجودة مبذولة ولولا التأثم من الدلالة عليها لذكرتُ روابطها.

إذنْ نحنُ لسنا أمام (اكتشافٍ) جديدٍ اكتشفه شخص ما بالأمس!

وللأسف نحن لسنا أيضاً أمام (فكرة لغوية) يمكنُ التعاملُ معها بأريحيةٍ ومرونةٍ عالية.

بل نحن أمام (مدخل لغويّ) يؤدي – من حيث أردنا أو لم نرد- إلى مشكلاتٍ عقديةٍ ودينية كبيرةٍ.

وأمام (فكرة) شكلتْ باباً واسعاً للطاعنين في كتاب الله عز وجل، وفي التراث الإسلامي برمته.

ودعونا نفكرُ قليلاً في مآلاتِ هذا الزعم (الزعم بأنّه لابد من المدخل الآرامي لفهم معاني كتاب الله عزوجل فهماً صحيحاً):

-       يقتضي هذا الزعمُ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم وصحابته لم يفهموا القرآن على وجهه، ولا عقلوا مراد الله تعالى منه، ومن باب أولى من جاء بعدهم من المسلمين.

-       ويقتضي هذا الزعم أن هذا التراث الإسلامي الضخم الذي أنشئ خلال 1400 سنة من تفسير وفقه وحديث وأصول وغيرها كله لاقيمة له! أو على الأقل هو محل الشك والارتياب لأن أصحابه الذين أنتجوه واعتمدوا في أكثره على القرآن الكريم لم يفهموا مراد الله ولا عرفوا مقصوده، فكيف لهم أن يستنبطوا منه هذه الأحكام والمسائل وهم لم يعرفوا الآرامية، وهي الشرط عند أصحاب هذا الزعم لفهم القرآن؟ وكيف سنثق بتراثنا الفقهيّ المبني على الكتاب والسنةِ إذا كان أعلامُهُ لم يفهموا كلام الله؛ لأننا نعرفُ أن أكثرهم لم يدرس الآرامية ولم يشتغل بها.

-       ويقتضي هذا الزعمُ أن دارس الآرامية يفهم القرآن أكثر من دارس العربية المختص بها! وعندئذٍ لامعنى لقوله تعالى: ((قرآناً عربياً غير ذي عوج))!! ولامعنى لأحد عشر آيةً نصتْ على عربية القرآن! بل يصدقُ عليه حينئذٍ أنه قرآن آراميٌّ غير ذي عوج!

-       ويقتضي هذا الزعم أن نتحير في التعامل مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فما الذي سنفعله بالحديث النبويّ الذي جاء بذات الألفاظ الموجودة في القرآن، هل سنزعمُ أيضاً أنه ذو جذور آرامية ونفسره على هذه الوجه؟ أم سنجري الحديث النبوي على مقتضى العربية ونقتصر في التفسير الآرامي على القرآن الكريم فيكون لدينا معنيان متعارضانِ للفظِ الواحدِ؟ الحور العين مثلاً في الحديث النبوي هل هي العنب كذلك كما يزعمه أصحابُ المدخل الآرامي؟ وهل نتكلف تفسيرها بهذا؟ وماذا عن قوله صلى الله عليه وسلم (له سبعون من الحور العين)؟ هل هي سبعون  حبة عنب؟ أم سبعون عنقوداً؟ أم سبعون جفنة؟ وإذا كانت سبعين عنبة .. فماذا عمن نُصّ أنه له اثنتين من الحور العين؟ هل سيكون نصيبه في الجنة عنبتينِ مثلاً؟ وهل هذا غايةُ نعيمه؟! وكيف نصنع بقوله صلى الله عليه وسلم: (زوجتان من الحور العين )، زوجتانِ من العنب مثلاً؟ وقوله صلى الله عليه وسلم في صفة الحور العين: (ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها)، والنصيف الخمار، كيف نفهمه؟ وهل تلبس العنبةُ خماراً ثم يكون خمارها خيراً من الدنيا ومافيها؟

هكذا يذهب بنا المدخل الآرامي إلى حالة من التشظي والتفكك بين الوحيين، أو حالة من التكلف المعيب الذي لايقبله عقل ولا منطق.

هذه كلها مقتضياتٌ مباشرةٌ، ولوازم عقليةٌ لافكاكَ منها، فإذا أضفتَ إلى ذلك إمكانيةَ أن يكون مدخلاً كما أسلفنا للطعنِ والتشكيك في كتابِ الله فإن الأمر يعظُمُ عندك ويكبُرُ.

النقطة الثانية: هل التشابه اللغويّ بين لغتين دليل قاطع على أنَّ إحداهما لهجةٌ متفرعةٌ من الأخرى؟

معلومٌ أن ألفاظ اللغاتِ قد تتفق في معانيها وتتقارب في ألفاظها، ومع ذلك لايعد هذا دليلاً قاطعاً على التقارض، فضلا عن أن يكون دليلاً على أن إحدى اللغات فرعٌ عن الأخرى، وها أنذا أذكر أمثلةً لكلماتٍ إنجليزية لها مَشَابهُ في العربيةِ، فهل يحملنا هذا على القول بأنَّ الانجليزية فرع عن العربية أو أن العربية فرعٌ عن الإنجليزية؟ بل هل يسعنا الجزمُ والقطع بأن هذه الألفاظ أخذتها العربية من الإنجليزية أو العكس؟

طُول – tall

جيد – good

كهف – cave

صفر – zero

مخزن – magazine (لأن المجلة مخزن للأفكار والمعلومات)

ليمون – lemon

حوش – house

دونَ – down

قطَّ ( بمعنى قطع) – cut

قنديل – candle

ذيل – tail

قطن – cotton

قهوة - coffe

والأمثلة بالعشراتِ بل بالمئات، فهل في هذا دليل على أن الإنجليزية لهجة من العربية؟ أو هل لدينا قطعٌ على أنَّ الإنجليزية أخذتْ هذه الألفاظ من العربية؟

النظر العقلي هنا يقول: إن لدينا لغتين تشابهتْ فيهما لفظتانِ، ونحن لانعلمُ يقيناً أيتهما أقدمُ من الأخرى، فكيف لنا أن نجزم أن الأولى أخذت من الثانية؟ ولم لاتكون الثانية هي التي أخذت من الأولى؟ أوليسا مشتركين في العلةِ وهي التشابه؟

وحتى لو ثبتَ بالنظر التاريخي أن إحداهما متأخرةٌ عن الأخرى، وظهرتْ شواهدُ على أخذها هذه المفردات منها، فهل يعني هذا أنها جزءٌ منها؟ وأنه يتوقف فهمها على فهم اللغة الأخرى؟

إنَّ اللغةَ إرثٌ إنسانيٌّ مشتركٌ، تتداخلُ، ويأخذُ بعضها من بعضٍ، ولكنَّ أي لغة حين تقبس شيئاً من غيرها تُدخله في بنيانها، وتجري عليه قوانينها حتى يصبح جزءاً منها. ولاريب أن اللغة الأغنى والأثرى والأكثر حضارةً تكون أكثر تأثيراً في غيرها من اللغاتِ.

وإذا تذكرنا ماسبق من كون العربية والآرامية والعبرية والسريانية تنتمي لأسرةٍ واحدةٍ لم نجد عجباً في أن تكون هناك تشابهاتٌ في الألفاظِ، دون أن يضطرنا ذلك إلى ادّعاءات الاقتباسِ أو الأخذِ، فضلاً عن التبعيةِ.

وأشدُّ من هذا ..

هل يعطينا هذا التشابُهُ الحقّ أن نفسر إحدى اللغتين بعيداً عن معجمها متكئين على معجم اللغة الأخرى؟

هل نقول مثلاً إن معنى (CAR ) الإنجليزية هو (الإيجار) لأن لدينا في العربية كلمة (كراء) بمعنى الإيجار؟ ونرفض أن يكون معناها (سيارة)؟!

هل نقول إن كلمة (إبليس) بالعربية هي بمعنى أرجوك، لأن لدينا في الإنجليزية كلمة (PLEASE) التي تشبهها إلى حد كبير؟ ونسفّه من يقول: إنها بمعنى أرجوك، ونصفه بالجهل وعدم المعرفة؟

هل يقبل إنجليزيّ أن يُقال له إن كلمة ( UP ) في لغته لا تعني (فوق) أو ( أعلى) وإنما يجب أن يكون معناها (FATHER) لأن في العربية كلمة (أَبْ) بمعنى الوالد؟!!

وهل يقبل عربيٌّ فصيحٌ أن يقال له إن كلمة  (فكّ) لاتعني صفّ الأسنانِ، وإنما تفيد معنى سيئاً لمجردِ أنَّ الإنجليزيّ إذا غضب يقول ( FUCK)؟!!

وإنما مثلتُ بالإنجليزية لكونها لغةً مألوفةً تتضحُ الفكرةُ من خلال التمثيل بها، ولأن قاعدة (رفضِ فرضِ معجمِ لغةٍ على أخرى قسراً) تصدقُ على اللغات التي تنتمي إلى أسرة واحدةٍ، كما تصدقُ على تلك التي تنتمي إلى أسرتين مختلفتين.

مثلاً:

هل يصلحُ أن يصفَ أحدُنا عمته بـ ( دُود ) لأنَّ (دُوودَا) في العبرية تعني العمة أو الخالةَ؟ وهل يقبلُ من أحدٍ أن يقرأ قول الشاعرِ:

كيف تغفو على الفراش وقد عاثتْ صِلالٌ في جانبيكَ ودودُ؟

فيقول: إن المقصودَ عاثتِ الصلالُ –أي: الحيات- والخالاتُ أو العماتُ؟

وما عسى أن يقولَ أحدُنا لو قال يوماً لصاحبِهِ: هاتِ المِسْطَرةَ، فجاءَ له بالشُّرطةِ! لأن (مِشْطَرة) بالعبرية تعني الشرطة؟!

وهل تظنّون أن العِبريَّ إذا قرأ ( مسعدا) -وهي بالعبرية بمعنى المطعم- يقبل تفسيرها بـ (elevator) لأنّ كلمة (مصعد) بالعربية هذا معناها؟

أو أنّه إذا طَلَب: (ها تْسِيلِوم) – ومعناها عندهم التصوير- يكتفي بأن يُسلَّمَ عليه؛ لأنّ (التسليم) هو إلقاء السلام في العربية؟

وقس على ذلك ما شئت من مئاتِ الأمثلة بين أي لغتين اشتركتا في أسرةٍ أو افترقتا .. لن تجد لغةً تقبلُ أن يُفرضَ عليها معجمُ لغةٍ أخرى، ولو فعلتَ هذا أفسدتَ كلامَ أهلها وتراثهم وأشعارهم وآدابهم. نعم قد تتقاربُ اللغاتُ في بعض المفرداتِ لفظاً ومعنىً، ولاسيما إذا كانت من أسرة واحدةٍ، ولكنّ هذا التقاربَ نكتشفُهُ من مراجعةِ دلالةِ كل كلمةٍ في لغتها، ولا نفتعلُهُ افتعالاً بفرضِ المعاني لمجرد تشابه اللفظِ أو تقاربه.

النقطة الثالثة: تحليل العلاقة بين المعنى الآرامي والمعنى العربيّ في كتاب الله

عندما نجدُ كلمةً في كتابِ الله لها معنى (آراميّ) – فرضاً – فنحن أمام أربع احتمالات عقلية:

1ـ أن يكون المعنى العربي والمعنى الآرامي مناسبينِ للسياقِ، وحينئذٍ يجبُ أخذ العربيّ دون الآراميّ لقوله تعالى : ((بلسانٍ عربيّ مبين))، فلاشك أن العربية أولى.

2ـ أن يكون المعنى العربيّ مناسباً للسياق والآراميّ متكلفاً غير مناسبٍ فلا شكّ حينئذٍ في وجوب الأخذ بالمعنى العربيّ وتركِ المتكلَّفِ.

3ـ أن يكون المعنى العربيّ غير مناسبٍ للسياقِ والآراميُّ مناسباً.

4ـ أن يكون المعنيانِ العربيّ والآراميّ غير مناسبين للسياقِ ومتكلفينِ.

وهذا القسمان الأخيرانِ ما أجزم أنْ ليس في كتاب الله شيءٌ منهما، وهو تحدٍّ قائم، فمن وجد في كتاب الله كلمةً ليس لها معنى عربيٌّ مذكورٌ في معاجم العرب، مرويٌّ في أشعارها وتراثها وآدابها، أو يكون معناها العربيّ لايناسب الآية ولا سياقها فليأتنا بها. ومن وجد كلمة في كتاب الله كان معناها الآراميُّ أليق بالسياقِ وأنسب له من المعنى العربيّ فليأتنا بها.

وبهذا النظرِ العقليّ يتبينُ أنه ليس شيءٌ من كتاب الله متوقفاً فهمه على معرفة الآرامية . بل غاية ماهنالك أن يكشف لنا الدرس الآرامي عن تشابهات مع العربية في كلمة هنا أو كلمة هناك.

وكل ما أثير من المفردات التي فُسِّرت آرامياً لايتجاوز القسمين الأولين، بل الأكثرُ منه من القسم الثاني الذي يكون فيه المعنى العربيُّ أنسب للسياقِ من المعنى الآراميّ المقترح!

وقد نظرتُ في هذه المفردات المثارةِ متأملاً ومنتفعاً بما سطره أخي د.ظافر العمريّ، فوجدتُها - كما أسلفتُ- لاتخرجُ عن النوعينِ الأولينِ.
وإليك شيئاً من البيان:

-       (الصمدُ) : فسره بعضهم آرامياً بالطريق!! ومن عجبٍ أن يكون الله سبحانه وتعالى طريقاً!! وهو جل جلاله الغاية التي يفضي إليها كل طريقٍ من العمل الصالح. إن الله هو الغاية التي يسلك الإنسان الطرق إليها، وأما جعله طريقاً! فإلى أي غاية يؤدي هذا الطريق؟ إلى الجنة مثلاً؟ وهل يؤدي الخالقُ إلى المخلوق؟ أو يكون طريقاً إليه؟ أعوذ بالله من سوء القول. بينما المعنى العربيُّ للصمد هو (المقصود)، فالعربُ تقول: صمَدَ فلانٌ إلى الشيء إذا قصد إليه، والله سبحانه هو المقصودُ في كل أمرٍ.

-       (عليٌّ) والزعمُ بأن أصله (إليون) أو (إليان) وبعيداً عن الفرق الصوتيِّ بين الاثنين، فإنّ اشتقاق (عليٍّ) من العلوِّ، بحيث يكون على وزنِ (فعيل) وهو صيغة مبالغة معروفة في العربية، فالعليم فعيلٌ من العلم، والرحيم فعيل من الرحمة، والرضيُّ فعيلٌ من الرضا، وكذلك العليُّ فعيل من العلوِّ، فهذا واضحٌ بين، وهو أوضح مما ذكر من كون عليٍّ مأخوذة من (إيليان) الذي هو اسم نبيّ لانعرفُ معناه! أضف إلى ذلك أن العرب لم تكن تعرف أسماء الأنبياء المشاهير كموسى وعيسى ويوسف ولم تسمِّ بها أصلاً إلا بعد الإسلام، فكيف اكتشفوا هذا الاسم الآراميّ لنبيّ غير مشهور فسمّوا به خصوصاً دون غيره؟

-       (أوحينا) وتفسيره آرامياً بمعنى أطلعنا، ليس هو الأنسب للسياق، فالوحيُ في العربية معناه الإخبار الخفيّ الذي لايعيه إلا من خُصَّ به سواء كان خبراً أو أمراً أو غير ذلك، وهذا أنسبُ شيئٍ لمعنى الآية، وليس الإطلاعُ العامّ هو الأنسب. بل ورد لفظ (أوحينا) في مواضع أخرى من القرآن لايصلح فيها أن تكون بمعنى أطلعنا، كقوله تعالى: ((وأوحينا إلى أمِّ موسى أنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)). فهل المعنى هنا: أطلعنا؟ أم هو بمعنى (أمرنا) ووجه كونه وحياً أنه إخبارٌ خفيٌّ خصتْ به هي دون من سواها، ومثل ذلك ((وأوحى ربك إلى النحل))، ((وأوحى إليهم أن سبحوا)) ، ((فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر)) كل ذلك ليس فيه معنى أطلعنا. ولك أن تنظر أيضاً في مشتقاتِ الكلمة الأخرى كقوله تعالى: ((وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً)) هل معناها: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا إطلاعاً؟!!

-       (جهنّم): فسره بعضهم بأنه مأخوذ من (قو هنيم) أي: وادي هنيم، وهو الوادي الذي عذب فيه سليمان الجن. وبعيداً عن مدى صحة هذه القصة إذْ لم يُذكر لها سندٌ أو أصل، إلا أنني أتساءل: هل عذاب الله من جنس عذاب البشر؟ وهل تشبَّهُ النار بموقع بعينه في الدنيا؟ وأصحاب المعاجم يقولون: إن العرب تقول: بئرٌ جهنَّمٌ أي بعيدةُ القعرِ، وبها سُمِّيتْ جهنمُ، لعمقِ قعرها، فقد جاء في الحديث وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فسمعنا وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا حجر أرسل في جهنم منذ سبعين خريفاً)).

أضف إلى ذلك أن الوادي مذكر، وجهنم في كتاب الله قد جاءت مؤنثة: (جهنم يصلونها)، (فجزاؤه جهنم خالداً فيها)، (وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين).

ولو قلنا بأنها أعجميةُ الأصل فهي على ماسبق تقريره من أنه مفردةٌ دخلتْ لسان العربِ وصارتْ من كلامهم وجعلوا لها معنى لايجوزُ العدول عنه إلى غيره.

-       (عدن): فسره بعضهم بأن أصله (آيدن) بمعنى بستان بالآرامية. وهذا عجيبٌ لأنه لايستقيم في السياق القرآني، فالعدْنُ في القرآن لم ترد إلا بإضافة (جنات) إليها، كقوله تعالى: (ومساكن طيبة في جناتِ عدن)، وقوله: (جناتُ عدنٍ تجري من تحتها الأنهار) والجنَّةُ في العربية البستان، فما معنى جنات عدن؟ هل معناها : بساتين بستان مثلا؟!! والصحيح في العربية أن العَدْنَ الإقامة الدائمةُ، من قولهم: عَدَنَ بالمكان أي أقام فيه. فهي جناتُ مقامٍ دائمٍ. فانظر أي المعنيين أليق بالسياق وأوفق له.

-       (راغ) جزم بعضهم بأنها ليست عربية أبداً ! والله المستعان من هذه الجرأة! وإنما هي آرامية بمعنى انصرف! وأنت ترجع إلى المعجم العربيّ فتجدُ: راغَ فلانٌ إلى فلان: مال إليه سراً، ولا يقال للذي رجع قد راغ إلا أن يكون مخفياً لرجوعِهِ. والروَّاغُ الثعلبُ، وفي المثل: أروغُ من ثعلبٍ. فأنت ترى أن معنى (الرواغِ) في العربية هو الميلُ في خفية وعلى حين غرةٍ من الناس وهذا هو المعنى الواضح في قوله تعالى: (فراغ عليهم ضرباً باليمين)، والكلمة موجودةٌ في لغة العرب ومعاجمها وأمثالها وأشعارها حتى الجاهلي منها، ومع ذلك يصرُّ بعضهم على أنها ليست عربية أبداً ! والحجة أن هناك كلمة تشبهها في لغة أخرى!!

والعجيب أن معنى (الانصراف) الذي ذكره لايتناسبُ مع الآية، فالانصرافُ فيه معنى الإدبار والإشعار بالمخالفة، والله يقول: (فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين) فهل هو انصرف عن ضيفه من الملائكة وأدبر عنهم، أم المراد أنه مال عنهم خفية إلى أهله ليأتيهم بالطعام من حيث لايشعرون. بمعنى أنّه لا يقال لمن ترك ضيفه قليلاً ليحضر لهم الطعام إنه (انصرف) عنهم، وتأمل: (ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم). فهذا هو الانصراف فيه معنى الإعراض والإدبار، ولا يقال في مثل هذا السياق.

-       (الأبّ) ذهب بعضهم إلى أن معناها الثمرة الناضجة أخذاً من الآرامية. وزعم أن المفسرين جميعاً لم يجدوا معنى للأبِّ!! ونعوذ بالله مرة أخرى من الجرأة بغير علم!

فكل كتب التفسير فسرتِ الأبَّ، وذكرتْ فيما ذكرتْ أنّه ما تُنبتُ الأرض مما يأكله الدوابُّ لا الناس، فهو كلأُ البهائمِ، ولذلك قال الله تعالى في الآية التالية: ((متاعاً لكم ولأنعامكم)) فالفاكهة متاعٌ للناس، والأبّ متاعٌ للأنعام، والله يمتنّ على عبادة بإنباتِ الفاكهة (طعام الإنسان) والأبّ (طعام الحيوان) ثم يقول: ((متاعاً لكم ولأنعامكم))، أي الفاكهة متاعٌ لكم، والأبُّ متاعٌ لأنعامكم، فانظر إلى جمال السياقِ القرآنيّ. 
بالله عليك هل هذا المعنى العربي الصحيح الفصيح أليق بالسياق أم تفسير الأب بالثمرة الناضجة؟ فيكون قد عطف الثمرة الناضجة على الفاكهة، وكأن الفاكهة ليست ثمرةً ناضجة!!

وما روي عن عمر رضي الله عنه من أنه قرأ هذه الآية فقال : (ومالأب) ثم قال: (إنَّ هذا لهو التكلف ياعمر) ليس معناه أنه يجهل دلالة اللفظِ، بل هو محمول على أنه رضي الله عنهما إنما أرادا استكشاف كُنهِ الأبِّ أو حقيقتِهِ أو طبيعته، وإلا فكونه نبتاً من الأرض ظاهرٌ لا يجهلُ، بل حتى لو كان لايعرف معنى اللفظةِ فإن سياق الآيات كفيلٌ بأن يدلّه على أنَّ المراد به نباتٌ يخرجُ من الأرض، فالله يقول: ((ثمّ شققنا الأرض شقا، فأنبتنا فيها حبا، وعنباً وقضبا، وزيتوناً ونخلاً، وفاكهة وأبّا)).

-                     (الكفار) وتفسيرها في الآية بمعنى الزراع، وذلك في قوله تعالى: ((يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار)). وأحب أن أبيّن هنا أن تسمية الزارع كافراً تسميةٌ عربيةٌ صحيحةٌ فصحية، فقد جاء في تاج العروس: "الكافِر : الزَّارع لسَترِه البَذر بالتُّرابِ"، ولكن تفسير الكلمة في هذه الآية بهذا المعنى فسادٌ، إذ يصبح المعنى: يعجبُ الزراع ليغيظ بهم الزراع!! اقرأ الآية : ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا))

يذكر الله مثلين للصحابة أحدهما في التوراة والآخرُ في الإنجيل، ثم يقول في مثل الإنجيل إنهم كالزرع القوي المستحصد الذي ينتصب قوياً فيغيظُ الكفار. أي: يغيظهم كون الصحابةِ رضي الله عنهم على هذا الوجه.

هذا هو المعنى الواضحُ العربي المستقيم، وصف للصحابة وبيان لمنزلتهم ومكانتهم، وإيضاح أن هذا التعظيم والتشريف لهم يغيظُ الكفار. فما شأن إغاظةِ الزرّاع هنا؟

وذلك ما فهمه العربيُّ الفصيح مالكُ بن أنس فقال: من أصبح وفي قلبه غيظ على أحدٍ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية.

-        (اجتبينا) في قوله تعالى: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)) فسرها بـ ( جَمَعْنا) أخذاً من كلمة (جبايوت) بمعنى جمع! ولكم أن تقارنوا بين هذا التفسير وبين التفسير العربي، فالاجتباء في العربية الاصطفاء، فهل الأقوم في السياق في الحديث عن النبيين أن يقول الله : ممن هدينا واصطفينا، أم أن يقول: ممن هدينا وجمعنا؟!

تلك أمثلة لما كان الأخذ بالمعنى الآرامي فيه مفسداً للمعنى أو مضعفاً له، وهناك أمثلة أخرى يؤدي الأخذ بالمعنى الآراميّ فيها لفساد التركيب العربي، ولو صح المعنى، مثلا:

( تبارك) وتفسيرها بأن المعنى تمتِ البركة. يقول سبحانه (تبارك الذي بيده الملك). فهل يصلح أن نقول: (تمتِ البركةُ الذي بيده الملك)؟ يفسد التركيب حينئذٍ ونكون مضطرين لتغيير نص الكتاب الكريم لنقول: (تمت البركة للذي بيده الملك) بإضافة اللام. ومازال عجبي لاينقضي من الإصرار على معنى من لغة أخرى يضطرنا إلى تحريف النص وتغييره بينما المعنى العربي متسق مع السياق والتركيب. فالمعنى العربي لتبارك هو: تنزه وتقدس، ويكون المعنى: تنزه الذي بيده الملك أي: عن العيوب والنقائص.

وبقية الأمثلةِ إما أن تكون من هذا النوع، أو تكون من النوعِ الأول الذي غايته أن يكون المعنى الآراميّ فيه (مقبولاً)، كالمعنى العربيّ، ولاوجه لتفضيله على المعنى العربيّ والقرآنُ عربيّ.

وذلك كالحديث عن كلمة (رباني) إذْ فسره بعضهم بأن أصله (راباني) وهو الذي يحترم حضرة الله! والمعجم العربي عندنا ينصُّ على أن الرَّبَّ يُطْلَقُ في اللُّغَة على الله عز وجلَّ، كما يطلق على المَالِكِ ، والسَّيِّدِ ، والمُدَبِّرِ ، والمُرَبِّي ، والمُتَمِّمِ.  ومعروف في العربية النسبة بزيادة الألف والنون فأنت تقول: نفساني، وبحراني، وجسماني، نسبة إلى نفس وبحر وجسم. فكذلك رباني نسبة إلى ربّ. فالربانيُّ هو المنتسبُ إلى الربِّ جل جلالُهُ، وهي نسبة طاعة وتعبُّدٍ. هذه دلالةُ عربية أصيلة فصيحة واضحةُ المعنى بينة الدلالة فما الذي أضافته لنا الترجمة الآرامية؟ وما حاجتنا إليها؟ وإذا قبلناها وجهاً من وجوه النظر فكيف لنا أن نلغي بها غيرَها مما هو ألصقُ بلسان القرآن؟

ومن ذلك قوله تعالى : ((إنه كان حُوباً كبيراً)) قرأها بعضُهُم (حَوْباً) بفتح الحاء، وهي قراءة شاذَةٌ ليست من السبعة المتواترة، بل ولا من العشرةِ، والقراءة كما نعلمُ سنةٌ متبعةٌ لايجوز الخروج عنها. أما من حيث اللغةِ فإنه يُقال: (حُوباً) و(حَوْباً) و (حاباً) . والغريبُ هنا أن الحَوْب والحُوبَ في المعجم العربي بمعنى الإثم، فما معنى ترك هذا وأخذ المعنى نفسه من الآرامية، ثم الحديث عن ذلك وكأن الناس لم يفهموا الآية من قبل؟!

وأؤكدُ بأنه ليس هناك موضعٌ في كتابِ الله يكون له تفسيرٌ آراميٌّ هو أليقُ وأنسب مما هو مذكورٌ في كتبِ العربِ ومعاجمها من معاني هذه الكلمةِ، فضلاً عن أن يكون فيه كلمةٌ لاذكر لها في لغةِ العربِ وتراثها وآدابها. ومن زعم ذلك فليأتنا به.

وأقول في آ خر هذه الفقرة:  إذا كان أصل (تبارك) بركوت، وأصل (الكفار) كفروت، وأصل (جهنم) قو هنيم .. فلماذا جاء بها القرآن على غير وجهها الأصلي؟ لماذا جاءت (تبارك) و(كفار) و(جهنم) ولم تأتِ: بركوت  وكفروت وقوهنيم؟

فإن قلنا: إنما جاء بها على حالها بعد أن نطق بها العرب واستخدموها، فحينئذٍ نقول: وهل استخدمها العربُ بمعنى أم بغير معنى؟ فإن كانوا استخدموها بغير معنى فهذا حمقٌ وسفه، وإن كانوا استخدموها بمعنىً فلماذا نطّرحُ معناهم ونأخذ معنى غيرهم وهم المخاطبون بهذا القرآن ابتداءً؟

النقطة الرابعة: الاشتقاق وعروبة الكلمة

بعضُ الكلماتِ التي ذهب بعض الإخوة إلى أنها (آراميةٌ) وفسرها بمقتضى الآرامية هي كلماتٌ راسخةٌ في اللغة العربية جذوراً ومشتقاتٍ، فما ندري ما الذي أخذته العربية بالضبط!

مثلا .. عندما نجد أن (تبارك) تتصرّف في العربية فنجد من جذرها: بركة، ومبارك، ومبروك، وبارِكٌ، ومباركة، وبركات، ويتبارك، وبارِكْ، وبارَكَ .. الخ. عندما نجد كل هذه المشتقات التي ترجع إلى جذرٍ واحدٍ هو (ب ر ك ) ولها معانيها المستقرة في العربية، فكيف ندعي أنها أخذتْ من الآرامية؟ يعني: هل أخذ العرب (تبارك) وحدها؟ وكيف تكون (تبارك) وحدها مأخوذة من الآرامية وكل هذه الأخوات عربية؟ أم ندعي أن العرب أخذوا كل هذه المشتقات من الآرامية؟ فأين مقابلاتها الآرامية إذن؟ أم سندعي أن العرب أخذوا (تبارك) ثم فرعوا منها كل هذه المشتقات؟ كيف ونحن نعرف أن الأصل عند العرب في الاشتقاق هو المصدر؟

قس على ذلك كل الكلمات ذات الاشتقاق في العربية والتي ظنّ من ظنّ أنها ذات أصل آراميّ .

النقطة الخامسة: الحروف المقطعة واللغة الآرامية

في تفسيرات أصحاب المدخل الآراميّ للحروف المقطعةِ بالمعاني الآرامية أمور يجب التنبيه عليها:

1ـ الخلطُ بين الآرامية والعبرية! فلايصلح أن يكون منطلقنا في الحديث أن الآرامية هي المدخل لتفسير القرآن، ثم عندما نجيء للتطبيقات نستخدم الحروف العبرية واللغة العبرية! وبين اللغتين فروق: هجاءً ورسماً ودلالاتٍ وتراكيب.

2ـ عند تفسير (طه) آرامياً قرئت الكلمة من اليسار إلى اليمين، (الطاء) بمعنى الطين وتطلق على الرجل، والهاء أداة نداء، والمعنى : يارجل. هكذا فُسِّرتْ. وفي بقية الحروف كانت القراءة من اليمين إلى اليسار! وهذا تناقضٌ عجيبٌ، وتلاعبٌ باللغةِ.

والمعروفُ أن السامياتِ تقرأ من اليمين إلى اليسار.

3ـ ليس هناك اطرادٌ فيما يذكرونه، فمرةً يتناولون الحروف المقطعة باعتبار كل حرف على حدة، له معنى، كما في (طه)، وأحياناً يتعاملون مع الحروف المقطعة باعتبارها كلمةً واحدةً كما في (الر) حيث ذكروا أنها بمعنى (تبصَّر) أو (تأملّ) وكذلك (ألم) بمعنى (صمتاً). وأحيانا باعتبارها كلمتين مثل (كهيعص) حيث اعتبروها بمعنى (هكذا يعظُ). فما القانون إذن؟ هل الحروف المقطعة هي كلماتٌ بالآرامية؟ أم هي جمل؟ أم هي تقرأ باعتبار كل حرف على حدةٍ، ونبحث عن المعنى المعجمي للحرف؟ لايليق في السياق العلمي مثل هذا التناقض.

4ـ المسافة المفترضة بين النطق العربي والنطق الآرامي ماذا نصنع بها؟ أعني كيف يمكن أن أقرأ (ألف  لام ميم ) ثم أفسِّرُ كلمة ( أَلِيمْ)-بالإمالة-؟ وكيف أقرأ (ألف لام را ) ثم أفسِّرُ (أَلِيْر)-بالإمالة-؟ هذا البون الشاسع بين المنطوق وبين المقابل المفترض أنه مفسِّرٌ له ماتفسيره؟ لو كنا أمام نص مكتوب أو كلام شفاهي عادي لقلنا إنه تصحيف عبر الزمن، وتغييرات طبيعية تطرأ على الكلمات والألفاظ، أما القرآن الكريم فقد وصلنا حرفياً كما نزل به جبريل وكما نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم أول مرة .. إذنْ! هذه المسافة الصوتية وهذا التصحيف في النطق متى كان؟ وأين؟ وكيف؟ وإذا كانتْ هذه الحروف بهذا اللفظ لم تجر على ألسنة العرب فيما نعلم فمن الذي صحفها من (ألير) إلى (ألف لام را)؟ ولماذا نزل القرآن بهذا (المغيَّر) –زعموا- وليس بالأصل؟ نعم لو كانت الكلمة معروفة عند العرب لقلنا حرفها العرب وغيروها كما تتغير الكلمات ثم جاء القرآن بما يوافق نطقهم، أما أن ينزل القرآن بنطق (محرفٍ) لكلمة آرامية، وعلى شكل لايعرفه أحد ولا يألفه المخاطبون، فهذا مالا يستقيم في منطق!!

5ـ جوز بعضهم أن يكون (كهيعص) اسم نبيٍّ، ولم يجوّز أن يكون طه اسم نبيّ، بل عد ذلك سوءَ فهم كبيراً رهيباً! فلماذا؟! مع ترجيحنا ألا يكون (طه) اسماً للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكنه القول باسميته أهون كثيراً وأقرب من القول باسمية (كهيعص)!

6بالنسبة لما نُقِلَ في التفاسير عن بعض السلف من تفسير (طه) بـ ( يارجل) وأنَّ أصلها نبطيّ وقيل: سريانيّ، وقيل: حبشيٌّ، ليس فيه حجةٌ لهذا المدخل الآراميّ لاعتبارين الاثنين:

أولهما: أنّ جمهرةً من المفسرين على أنّ (طه) ليست من الحروف المقطعة، وإنما هي كلمةٌ أعجمية الأصل كسائر الكلمات التي سبق الحديثُ عنها. وقد نُقل القول بأنها من الحروف المقطعةِ عن مجاهدٍ، رُوِيَ عنه بإسنادٍ لم يثبتْ.
وثانيهما: أنّ (طه) بمعنى (يارجل) قد استعملتْها العربُ في كلامها قبل الإسلام، ولابن جرير كلامٌ نفيسٌ في هذا، فقه نبّه رحمه الله أن استعمال (طه) بمعنى يارجل: "كلمة معروفة في عُكّ"[16/137]، ونقل الشوكاني عن الكلبيّ: "لو قلت لرجل من عُكّ يا رجل لم يجب حتى تقول طه" [فتح القدير 3/355]. وقد أنشد الطبريُّ وغيره قول متمّم بن نويرةَ:

هتفتُ بطه في القتال فلم يجبْ ... فخفتُ عليه أن يكون مُوائلا

وقولَ غيره:

إنَّ السفاهة طه من خلائقكم ... لابارك الله في القوم الملاعينِ

وانظرْ تأكيداً ما ذكره الزبيدي في تاج العروس.

وبيت متمم في التعريض بأحدهم، يريد أنه نادى في موضع القتال (يارجل) فلم يجبْهُ هذا المقصود بالكلامِ، فخاف أن يكون موائلاً، أي: جباناً طالباً للنجاةِ، مأخوذٌ من (الموئل). وبيتُ متمم موجودٌ في ديوانه الذي جمعته د.ابتسام الصفار ص: 131.

إذنْ لاحجة لاعتماد المدخل الآراميّ في تفسير الحروف المقطعة فيما نقل عن السلف في تفسير (طه) بأنها: (يارجل)، لأنها -كما بيّنا- عند من قال بهذا التفسير كلمةٌ برأسها، وأما من قال من السلف بأنها حروفٌ مقطعةٌ، فقد ذهب في تفسيرها المذاهبَ التي سبقَ شرحها والترجيح بينها، والتلفيقُ بين القولين غيرُ حسنٍ.

7ـ القولُ بأنَّ المفسِّرين لم يعرفوا لهذه الأحرف وجهاً ولا معنى، غيرُ صحيحٍ؛ والقول بأنها مما استأثر الله بعلمِهِ هو قولٌ واحدٌ من واحدٍ وعشرين قولاً [انظر : التحرير والتنوير 1/207 ففيه تقسيمٌ بديعٌ لهذه الأقوال ونقاشٌ لطيفٌ لها]. ومن هذه الأقوال ماهو واضحٌ بيِّنٌ حسنٌ، كالقولِ بأنَّ هذه الحروف سيقتْ على هذا الوجه تذكيراً للمشركين بأنَّ هذا الكتابَ المعجِزَ الذي عجَزوا عن مثله وعن بعضه إنما هو مؤلفٌ من هاته الحروف التي هي حروفهم المستخدمة في كلامهم. ويؤيد هذا القول أن التهجّي ظاهرٌ في هذا المقصدِ. ويعضد هذا الوجه تعقيبُ هاته الحروف في غالبِ المواضعِ بذكر القرآن وتنزيله، إلا في ثلاثة مواضع.

وقد بيَّنَ الزمخشريُّ في كشافِهِ أن الحروف المقطعةَ في أوائل السورِ يبلغُ عددُها 14 حرفاً أي: نصفُ عددِ حروف العربيةِ، وقد وردتْ في 29 سورةً بعدد حروفِ العربية. ثمَّ شرحَ تفصيلاً أنَّ هذه الحروف المقطعة المذكورةَ تشتمل على أنصاف أجناسِ صفاتِ الحروفِ، ففيها من الحروف المهموسة نصفُها، ومن المجهورة نصفُها، ومن الشديدة نصفها، ومن الرخوة نصفها، ومن المطبقةِ نصفُها، ومن المنفتحةِ نصفها، ومن المستعلية نصفها، ومن المستفلةِ نصفها، ومن حروف القلقلة نصفُها. [انظر الكشاف 1/39 ففيه بيانٌ لطيفٌ عجيبٌ لهذا المعنى].

وإذا زدتَ على هذا ما يذكرُهُ أهل الإعجاز العدديِّ من تناسبِ أعدادِ هذه الحروف المقطعة مع أعداد أمثالها في السورةِ نفسها وقفتَ على حكمةٍ بالغةٍ لهذه الحروف المقطعة.

وإذا زدتَ عليه ماذكره ابن القيمِ في بدائعِ الفوائد [173-174] من تحليلٍ لطيفٍ لانعكاسِ كلِّ حرفٍ من الحروف المقطعةِ على السورةِ ومعانيها، وجدتَ حكمةً بالغةً، وآيةً عجيبةً في هذه الحروف المقطعة.

فمثلا: سورة (ق) مبنيَّةٌ على حرف القاف، ففيها ذكر القرآن، والخلق، والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين، والرقيب، والسائق، والقرين والإلقاء، والتقدم بالوعيد، والمتقين، والقلب، والقرون، والتنقيب في البلاد، وتشقق الأرض، والرزق، إضافة إلى مناسبةِ كل معاني هذه السورة لما في حرف القاف من الشدة والجهر والعلوّ والانفتاح.

وسورة (ص) مبنية على (الخصومات) المتعددة، فأولها خصومة الكفار مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم اختصام الخصمين عند داود عليه السلام، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم، ثم مخاصمة إبليس واعتراضه على ربه في أمره بالسجود لآدم، ثم خصامه ثانياً في شأن بنيه وحلفه ليغوينّهم.

وساقَ ابنُ القيِّمِ أيضاً أمثلةً أخرَ.

فها أنتَ ترى وجهاً عربياً فصيحاً صحيحاً وجيهاً بديعاً لهذه الحروفِ المقطعةِ، لانحتاج معه إلى التماسٍ معانٍ من لغاتٍ أُخَرَ.

وها أنت ترى أنَّ أهلَ التفسير لم يُطبقوا على أنّها (رموزٌ الله أعلمُ بها)، بل إنَّ هذا القولَ ليس أرجَحَ الأقوالِ والله أعلمُ. ومع ذلك فهو قولٌ له حظٌّ من النظرِ؛ مردُّه إلى الورعِ الذي جُبِل عليه أولئك الأعلامُ، فلمّا لما يظهرْ لهم شيءٌ يقطعُ به الدليلُ خافوا أن يقولوا في كتابِ الله مالابرهانَ لهم عليه، فمالوا إلى ردِّ علمِهِ إلى الله، والله يقول: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)).

8ـ أفاد الأستاذ الدكتور عبدالرحمن السليمان المختصُّ بالسامياتِ ودراسة الكُتب الدينية القديمةِ أنَّ الآرامية القديمة التي كانت على زمان الأنبياء عليهم صلواتُ الله وسلامُهُ لغة ميتة ولايتحدث بها اليوم مخلوقٌ، واللهجاتُ الآرامية التي يتحدث بها بعض نصارى العراق والشام من السريانِ لهجاتٌ هجينةٌ مركبةٌ من العربية والكردية والتركية والبهلوية، والمتكلمُ في شأن آرامية القرآن يتحدث بالعبرية الحديث وليس بالآرامية. ومن ثمّ فنحن أمام إشكالين كبيرين: أولهما: ادّعاءُ المدخل الآرامي وتوظيف اللغة العبرية لا الآرامية، وثانيهما: أن الآرامية القديمة التي يُدّعى أنها أصلُ القرآنِ لغةٌ ميتةٌ لايتكلمُ بها اليوم أحد!
ومن المهم أن نعرف أن العبرية التوراتية، والآرامية الإنجيلية - وهما لغتا وَحْيٍ- أصولُ الأسفارة الموحاة بهما مفقودةٌ كلياً، ولم يحفظ من الآرامية إلا جملة واحدةٌ جاءتْ في إنجيل متّى.
ومثلُ ذلك يصدقُ على العبريةِ، فالعبرية الأولى التي نزلَ بها الوحيُ بادتْ بعد السبي البابليّ، وترجمتِ الكتب المقدسة إلى الآرامية لأنها أسيرُ في الناسِ، ثمَّ أعيدَ بعثُ العبريةِ، وجاءتِ العبرية الحديثة متأثرةً بعدةِ لغاتٍ، وقد تأثرتْ بالعربية كثيراً إبانَ الحضارة الإسلامية، وظهور طبقة من المترجمين اليهود، ومن ثمّ فالعبرية التي يتكلم بها الناس اليوم، والتي حاكم إليها بعضهم كتابَ الله عز وجل، هي عبرية متأخرةٌ، استقرتْ بعد العربية بقرونٍ، فالأجدرُ والأقربُ أن يكونَ التشابه ناشئاً من أخذها هي من العربية. 
ومع ذلك - كما أسلفت - ما من سبيل للقطعِ، ولكن استحضار هذه الحقيقة يُعيدُ هندسةَ النظر إلى هذه القضيةِ برمّتها.  

9ـ نعمْ كثرتِ الأقوالُ في معاني الحروف المقطعة، ومازال أهل العلم يقولون فيها، ولكنّ أحداً منهم لم يجرؤ على ادّعاء توقُّفِ فهمها على غير العربية، كما أنّ الجرأة على القول فيها مع كثرة الخلاف حولها لايكون إلا لمن استوعب الأقوال كلها وفهمها وعرف كيف يمحصها، وزاد على ذلك معرفة بأساليب العربِ في الكلام، وبقواعد التفسير، وبغير ذلك من أمور العلم، ثم ليضمّ إلى كل ذلك ورعاً وتقوى وخوفاً من الاجتراء على كتاب الله .. وليقل بعد ذلك، فإن القرآن لايخلقُ عن كثرة الردّ، ولاتنقضي عجائبُهُ، ولكنّ هذه العجائبَ يتبيّنها أهلها.

10ـ كل وجهٍ من النظر أو التفسير أو التحليل يفضي إلى انتقاصِ القرآنِ الكريم أو التقليل من شأنه أو الطعنِ فيه يجبُ اطراحُهُ ورفضُهُ مهما بدا لصاحبِهِ طريفاً وجميلاً.

خاتمة ...

ينبغي أن يُعلم بأن طالبَ المعرفةِ لايجوزُ له أن يستخفَّ بالعلومِ والعلماءِ، فهذه الأطروحاتُ التي تصورُ مفسري السلف وكأنهم جهلة حمقى ما عرفوا مراد الله رغم سعة علمهم ووفور معارفهم وجودة عقولهم وحدةِ مداركهم وتحقق تقواهم هي أطروحاتٌ أبعد ما تكون عن العلم. وما عرفتُ قطُّ باحثاً جاداً أو عالماً حقاً – مهما انتهتْ آراؤه إلى مخالفة السائد المشهور عند أهل العلم- يسلكُ مسلك تسفيه من قبله أو تجهيلهم أو تحميقهم.

ويجبُ أن نعلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد بيَّن ما يحتاج لبيان في هذا القرآن العظيم، بدليل قوله تعالى: ((لتبين للناس ما نزل إليهم))، وإنما يفتحُ الله على عبادِهِ في الوقتِ بعد الوقتِ مزيداً من المعاني والظلالِ والفهوم، وأما أنْ يُقال: إن الأمة ظلت طوال هذه السنين تفهم الآية خطأً، ثم لا يظهر الفهم الصحيح إلا اتكاءً على لغةٍ أخرى غير لغة الكتابِ وبعد ألف وأربعمئةِ سنةٍ من نزول الوحي فهذا – والله أعلم – مناقضٌ للآية السابقة.

أيها الإخوة:

لابدّ لنا أن نفرق بين القول بأن في القرآن ألفاظاً عربية أخذها العربُ من لغاتٍ أخرى فأدخلوها في لغتهم وصارت من لسانهم يعرفون معناها ويتكلمون به، وبين أن ندعي أن القرآن لايمكنُ فهمه ولا إدراك معانيه إلا بمعرفة الآرامية أو غيرها، وأن فيه ألفاظاً لها معانٍ غير التي يعرفها العربُ هي مرادُ الله تعالى ومقصود خطابه.

أما الأولُ فقد سبق إليه السلفُ وقالوا به وتحدثوا عنه، وسبق بيانُ شيء من ذلك، بل صرَّح ابن حزمٍ بأن السريانية والعبرانية والعربية لها أصلٌ واحدٌ تفرعت عنه –وهو ماقاله اللغويون المعاصرون بعد ذلك بمئات السنين-  قال رحمه الله في (الإحكام في أصول الأحكام 1/30): "إلا أن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعبرانية والعربية التي هي لغة مضر لا لغة حمير لغة واحدة تبدلت بتبدل بمساكن أهلها، فحدث فيها جَرش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيروانيِّ إذا رام نغمة الأندلسي، ومن الخراساني إذا رام نغمتهما. ونحن نجدُ من إذا سمع لغة فَحْصِ البَلُّوط، وهي على مسافة ليلة واحدة من قرطبة، كاد أن يقول إنها غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلاً لا يخفى على من تأمله ... فمن تدبرَ العربية والعبرانية والسريانية أيقنَ أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم، وأنها لغة واحدة في الأصل".

فقد أقرّ بالأصل والاشتراك والتشابه، ولكنه أقر بالاختلاف والتباين وأن كل واحدةٍ صارت لغة مستقلة، ولم يبلغ به الأمر أن يقحم معجم إحداها أو نحوَها أو صرفها على الأخرى؛ لأنه رحمه الله أعلم وأجلُّ وأفقه من ذلك.

إذنْ ليست مشكلتنا في القول بتأثر اللغاتِ ببعضها، ولا في كون العربية والآرامية ترجعان إلى جذرٍ واحدٍ أو أصلٍ واحدٍ، فهذا كلامٌ قديمٌ متداول.

وليست قضيتنا في سؤال (بروفيسورات) الآرامية ما إذا كان هذا التشابه صحيحاً أو غير صحيح، فلسنا ننكر وجود التشابهاتِ أصلاً، وقد درستُ العِبريةَ فترةً من الزمنِ فلاحظتَ الشبه الكبير بينها وبين العربية، وهو شبه يدركه كل من مارس دراستها ولو ساعةً من نهار.

قضيتنا ومشكلتنا والذي لم يقل به عالمٌ معتبرٌ، ولا تجرأ على تسطيره من له حظٌّ من النظر، إنما هو القول بأن في القرآن ألفاظاً لها معانٍ غير التي يعرفها العربُ، وأن هذه المعاني غير العربية هي مرادُ الله تعالى ومقصود خطابه.

أذكر ختاماً بلبِّ المسألة:

وجود تشابه بين العربية والآرامية أو العبرية أو السريانية أو النبطية أو حتى اللغات الهندوأوروبية كالإنجليزية والألمانية وغيرها ليس مستنكراً، فاللغةُ منتجٌ بشريٌّ يتداخل.

ولكنّ الزعم بأن في كتاب الله العربيّ ألفاظاً لا تُقصد معانيها العربية وإنما مقصود الله منها المعنى الآرامي الذي لايعرفه العربُ المخاطبون به .. هذه هي المصيبة والخطيئة التي يجبُ الحذرُ منها.

ولذلك فالمرجو من شبابنا النابهين، المبدعين، الذين نفرح بهم، ونفختر بأن لهم اهتماماتٍ علمية، أن يكونوا أكثر حرصاً وحذراً حين تطرأ لهم فكرةٌ، أو تعجبهم خاطرة، أو ينكشف لهم وجهٌ من البحث، فليس كل جديد معتبراً، ولا كل فكرةٍ براقةٍ تثبتُ عند التمحيص والتحقيق.

وما أحسن أن يتلبث الإنسان، ويراجع فكرته، ويعرضها على ذوي الاختصاص، ويمحصها بإيراد كافة الردود عليها، ولاسيما إذا كان قد خالف الجمهور أو الإجماع فإنَّ ذلك مما لاتجوز الاستهانة به.
ولاريبَ أنه لابد من إحسانِ الظنّ بشبابنا وإخواننا وأنهم إنما أرادوا الخير، وقصدوا الصواب، ولكنْ ماكلُّ من حسنتْ نيتُهُ حسُنَ فعله، ولا كل من قصد الصواب أصابه، فلابدّ من البيان، ولابد من تخطئة الفكرة الخاطئة، وتجريم المسلك المجرَّم، وليس في هذا إن شاء الله طعنٌ في أحدٌ، ولا اتهامٌ لنيةِ أحدٍ، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وأما من طعنَ في القرآنِ صراحةً، وقصد الإساءة إليه، والتشكيك فيه، فعليه التثريبُ والتوبيخُ والتقبيح.

ويمكنُ للمهتمِّ بتفسير القرآن وطرائقه وضوابطه مراجعةَ ثلاثِ حلقاتٍ من برنامج مفاهيم (3)، عنوانها: تدبُّر القرآن. وهي موجودة على قناة : abanaemah على اليوتيوب، ضمن قوائم التشغيل.

ولايفوتني في خاتمة هذه المقالةِ أن أتوجه بالشكرِ للزملاء الفضلاء الذين أثرتْ نقاشاتهم وإضافاتهم وإيراداتهم هذه المقالة، وأخصُّ منهم: د.عبدالرحمن السليمان رئيس قسم اللغة العربية في كلية ليسيوس للترجمة، وأستاذ السامياتِ المتخصص في دراسة الآداب العبرية والسريانية، والدكتور ظافر العَمْري أستاذ البلاغة المشارك بجامعة أم القرى، والدكتور عمر ثابت يوسف من جامعة الأنبار، والدكتور محمد عبدالقادر من جامعة القصيم.

كما أشكر شيخي العلامة محمد الحسن ولد الددو الذي اطلع على المكتوبِ وأشارَ إشاراتٍ نافعةٍ.

والله أعلم



( [1] ) اعترف ناشر الكتاب (هانس شيلر) صاحب دار النشر أن اسم المؤلف مستعار! وقد دفعه إلى ذلك الخوف على حياته من غضبة بعض المتطرفين من المسلمين الذين قد يستبيحون دمه ، لما في الكتاب من إساءة إلى القرآن الكريم. علماً بأنه لاتُعرف الجامعة الألمانية التي يزعم المؤلف أنه ينتمي إليها.

أعلى