وثائق كنسيّة
الفاتيكاني الثاني
 

 

المجمع الفاتيكاني الثاني
(للتعمُّق في الموضوع - 9)

 

3- ماذا تحقق حتى الآن من قرارات المجمع؟

لا بدّ لنا من أن نمرّ ولو بسرعة على ما تحقق حتى الآن بتأثير من هذا المجمع. وهذه العجالة ضرورية لقارئ نصوص المجمع. فيُدرك لدى قراءته إيّاها أنها ليست مجرّد أمنيات مثالية فارغة، بل تحتوي على دينامية لمستقبلٍ جديد يمكن البلوغ إليه، وقد تحقق في الواقع بعض خطوطه.

أ‌-      الكنائس المحلية:

انطلاقاً من النظرة الجديدة للكنيسة "كشرعة إيمان ومحبة" تتحقق في كلّ كنيسة محلية، عملت الكنائس المحلية على أن تنزع عنها الرداء الروماني، لتعبّر عن إيمانها بلغةٍ ومؤسساتٍ والتزاماتٍ أكثر انسجاماً مع المحيط الثقافي الذي تعيش فيه. وقد حصل هذا بنوع خاص في كنائس أميركا اللاتينية وكنائس أفريقية، وقد أدّى أساقفة هذه الكنائس دوراً مميّزاً في سينودوس الأساقفة الذي التأم عدّة مرّات في روما وجمع مندوبين عن مختلف الكنائس المحليّة لتَدارُس الشؤون الهامة في حياة الكنيسة.

ب‌-   الإيمان والتاريخ وعلامات الأزمنة:

منذ القرن الثامن عشر تعوّد المسيحيون أن يحكموا بعنف على أحداث التاريخ المعاصر وينعتوها بالانحطاط والفساد. في المجمع الفاتيكاني الثاني أدخل البابا يوحنا الثالث والعشرون نظرة جديدة إلى التاريخ، وطلب أن يقرأ المسيحيون في أحداث التاريخ انسجاماً بين بشرى الإنجيل من جهة وتطلّعات البشر ورغبتهم في العدالة والمحبة والسلام من جهة أخرى، كما فعل بنوعٍ خاص الدستور الرعائي "الكنيسة في عالم اليوم". "فتاريخ الخلاص" و"تاريخ العلم" لا يمكن أن ينفصلا، إنهما يشملان الوجود البشري الواحد، والمسيحية في ارتدادها إلى العلم لتردّه إلى الله، لا تستطيع أن تُزيل العلم وتقضي على كلّ ما هو مُختلف عنها. بل عليها أن ترى داخل العالم القوى التي، وإن كانت مختلفة عنها في الإيمان، تستطيع أن تتعاون وإيّاها لإحلال روح الله في أُطُر العالم وبنياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية (14).

استناداً إلى هذا المبدأ، عبّت بعض الكنائس عن إيمانها والتزامها في العالم بتعابير ومواقف جديدة بالنسبة إلى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. فأنشأت كنائس أميركا اللاتينية "لاهوت التحرر" ضمن إطار خاص بها على صعيد السياسة والاجتماع والثقافة والاقتصاد. فالتاريخ والإيمان، في نظر المجمع، لا يناقض أحدهما الآخر. المؤمن يرى في التاريخ علامات حضور الله. في ثورة البائس ضد الغني، يرى حضور العدالة الإلهية. وفي قلب الضعيف الذي يسحقه قهر التسلّط، يرى حضور محبة الله الآب في نداء ابنه المصلوب. الإيمان لا يرى في التاريخ مدعاة للقضاء عليه، بل دعوة إلى الوحدة والمُصالحة، لأن الله في محبته الطويلة الأناة قد ملأ البون الشاسع بين الإيمان والتاريخ (15).

ـــــــــــــ

14) راجع:G.ALNERIGO et J.P.JOSSUA (éd.) La Réception de Vatican II, Paris, Cerf, 1985, p. 144.

15) المرجع السابق، ص 154.
 


الصفحة الرئيسية
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
   
عودة إلى الأعلى


الصفحة السابقة
 

الصفحة الرئيسية

الصفحة التالية