هيفاء وهبي هي إحدى المطربات الأكثر شهرة واستفزازية في العالم العربي، تثير مجددا فضيحة في إحدى مرات ظهورها الأخيرة في برنامج الواقع المشاهد جدا "‏Star Academy".

قررت المطربة المثيرة للجدل في ظهورها المحرج أن تصعد إلى المنصة مع فستان شفاف كشفت من خلاله منحنيات جسدها ولم تدع مكانا للخيال. انتشر مقطع الفيديو المحرج من الحفلة المذكورة في مواقع كثيرة وأثار النقاش العام مجددا حول سؤال تأثير المطربات الجديدات على الشباب العربي، والذي يتراوح غالبهم بين الرغبة بالحفاظ على الإطار التقليدي الدافئ والمعروف، وبين الانتماء للثقافة الشعبية كما تنعكس جيدا في قناة MTV والقناة المشابهة لها.

من هي في الواقع هيفاء وهبي والتي تنجح في إثارة الانتقادات المستمرة ضدّها في كل مرة؟

من جنوب لبنان إلى قمة عالم الترفيه

كما هو معروف، ولدت وهبي في 10 آذار عام 1976 لأب لبناني من الطائفة الشيعية ولأم مصرية. منذ سنّ صغيرة عرفتْ بجمالها، ومن أجل ذلك فازت في سن السادسة عشرة بلقب "ملكة جمال جنوب لبنان" والذي شقّ طريقها لمسابقة "ملكة جمال لبنان" والتي أقيمت عام 1995. فازت وهبي في تلك المسابقة بلقب "المرأة الشابة الأجمل". ووفقا لقواعد المسابقة فإنّ النساء العازبات فقط يمكنهنّ المشاركة في المسابقة. ولذلك، ولأن وهبي كانت متزوجة وقت إقامة المسابقة، أثار هذا الأمر موجة من الإشاعات تجاهها وتجاه فعلها. اتضح أنّ وهبي كانت فعلا متزوجة وأم لطفلة باسم زينب، ومن ثم تم أخذ اللقب منها بسبب كونها امرأة متزوجة.

بعد أن تعافت وهبي من هذه الفضيحة المحزنة، بدأت بعرض الأزياء والتألق على كثير من أغلفة المجلات في لبنان وفي جميع أنحاء العالم العربي. بعد فترة قليلة من انطلاقها في عالم الأزياء، قررت وهبي وزوجها الانفصال. وبسبب القوانين المتعلقة بحضانة الأطفال للأزواج المطلقين، تربّت زينب في منزل والدها فقط.

كانت هناك مأساة أخرى صعبت على حياة وهبي وهي تتعلق بوفاة شقيقها الذي قُتل في سنّ 24. قُتل شقيق وهبي في اشتباك مع جنود الجيش الإسرائيلي ومن هنا أيضًا ينبع عداؤها الكبير لإسرائيل.

رغم ما تثيره في جميع أنحاء العالم العربي، فإنّ وهبي لا تتعاون مع الإعلام في كل ما يتعلق بحياتها الشخصية والإشاعات الكثيرة المتعلقة بعلاقاتها مع أشخاص مرتبطين بعملها الفني. علاقة وهبي مع الإعلام العربي متوترة جدا، وهي معتادة على القول إنّ الإعلام العربي ينزل إلى حياتها بسبب نجاحها الموسيقي واشتهارها في العالم العربي وخارجه.

هيفاء وهبي (AFP)

هيفاء وهبي (AFP)

إنّ التوتر والمنافسة على قلوب المستمعين من الشباب العرب، يؤديا أحيانا إلى حوادث شجار بين المطربين أنفسهم. هذا ما حدث لدى فوز المطربة إليسا بلقب "فنان العام في الشرق الأوسط" والذي مُنح لها في حفل كبير عُقد في لندن. ثم كانت هناك شائعات بأنّ هذا اللقب قد اشتري بالمال بحسب كلام أحد المطربين العرب، الذي رفض على حدّ زعمه الاقتراح لشراء اللقب بمبلغ مالي كبير جدّا. باركت هيفاء وهبي، التي كانت كما يبدو من بين المرشحين للفوز باللقب، شركة التسجيلات الخاصة بإليسا وقالت إنّ هذا إنجاز كبير، ومع ذلك أشارت إلى أنّها غير متفاجئة لكونها لم تفز باللقب المرغوب لأنّها "لا تشتري الألقاب بالمال".

نساء موسيقى البوب

المطربة هيفاء وهبي (AFP)

المطربة هيفاء وهبي (AFP)

صدر ألبوم وهبي الأول عام 2002، ومنذ ذلك الحين اعتبرت إحدى المطربات الأكثر نجاحا في العالم العربي. تقف وهبي على قمة المطربات الأغلى إلى جانب نانسي عجرم، إليسا ونيكول سابا.

وبسبب المنافسة القائمة بين المطربات من الصف الأول وبسبب اعتبارات الهيبة، فقد يصل أجر وهبي إلى نحو 65 ألف دولار للحفلة الواحدة فحسب. تظهر وهبي في أنحاء الشرق الأوسط، أوروبا والولايات المتحدة، وهي تحظى بجمهور مشجّع وشاب والذي ينجذب عن طيب خاطر إلى داخل ثقافة البوب التي تعرضها. بالإضافة إلى ذلك، قدّمت وهبي للجمهور اللبناني مغني الراب "50 Cent"، وذلك عندما أجرى حفلا في بيروت في شهر حزيران عام 2006. وبذلك تحوّلت وهبي إلى المطربة الأولى في العالم العربي والتي قدّمت عرض إحماء لمغني الراب العالمي.

تعتبر وهبي مطربة استفزازية بشكل خاصّ، وهي تميل للظهور بملابس قليلة. تثير حفلاتها عادة غضبا كبيرا سواء بسبب الملابس أو بسبب أسلوب الموسيقى الذي يميّز أغنياتها. في أغنية "أنا هيفا أنا" يمكن أن نأخذ لمحة موسيقية عن الأسلوب الذي يميّز أغنياتها. ورغم ذلك، لا تتنازل وهبي عن الأدوات التقليدية مثل الدربكة، والمزيد من الأدوات الأخرى التي تميّز الموسيقى العربية الكلاسيكية.

هنا المئات من القنوات التلفزيونية في العالم العربي، وبعضها مختص أيضًا بعرض الموسيقى فحسب. هناك جاذبية كبيرة لموسيقى البوب في أوساط الشباب وتستغل بعض القنوات ذلك من أجل زيادة نسبة المشاهدة بواسطة مطربات شابات متعدّدات الألوان مثل هيفاء وهبي التي تمثّل نموذجا للمحاكاة بالنسبة للكثير من المطربات الشابات. يقف المطربون والمطربات اللبنانيون على قمة الغناء العربي، ويعتبرون من ذوي الدخل الأعلى بين المطربين العرب.

وفيما عدا التركيز على الموسيقى والذي يهدف إلى زيادة المبيعات في أوساط الشباب، تمرّر أولئك المطربات رسالة خفية تسعى إلى إحداث تغيير اجتماعي. تصرح سلسلة طويلة من المطربات بواسطة أغنياتهنّ وحفلاتهنّ بأنّه قد حان الوقت للتغيير الاجتماعي، وخصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع المرأة التي تعيش في مجتمع تقليدي يحيط بها. من يفهم جيدا هذه الرسالة الخفية هم رجال الدين الذين يعارضون كل تغيير يمكن أن يقوّض "التقاليد" في المجتمع العربي المسلم، وخصوصا لدى الجيل الشاب الذي يتعرض لوسائل إعلام كثيرة ومتنوعة.

تثير المعارضة

هيفاء وهبي (صورة من إنستجرام)

هيفاء وهبي (صورة من إنستجرام)

بسبب حفلاتها ولباسها القليل، تثير وهبي تشجيعا كبيرا في أوساط أبناء الجيل الشاب من جهة، وكراهية هائلة في أوساط الطبقات التقليدية، من جهة أخرى. وقد بالغ موقع مصري اسمه "حماسنا" بوصف ذلك، والذي وضع لنفسه هدفا بأنّ يكافح عارضات الأزياء والمطربات العربيات اللواتي اجتزن حدود الذوق الجيد، ووصلنَ - بحسب رأيه - إلى مستوى الدعارة.

أجرى الموقع، الذي يُدار من قبل شبان مسلمين مصريين، استبيانا في أوساط المتصفّحين بخصوص المطربات الأكثر استفزازية في العالم العربي، أو بحسب تعبير الموقع نفسه: "من هنّ المطربات الأكثر عريا وإباحية في العالم العربي". حظيت هيفاء وهبي بالمركز الأول في الاستبيان، حيث إنّها "اجتازت جميع الحدود في مجال الغناء وخصوصا بملابسها المكشوفة". أحصى معدّو الاستطلاع بأنّ نحو 75% من المشاركين في الاستبيان قالوا إنّ مقاطع المطربات الاستفزازيات تثير الرغبة الجنسية، وقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى التحرش الجنسي بفتيات بريئات في العالم العربي.

وفي استبيان مستمعين آخر أجريَ في سوريا، اتضح أنّ وهبي قد حظيت بأكبر شعبية كما يبدو بسبب غنائها وأسلوب ملابسها. بالإضافة إلى ذلك، رغم الجهود التي تقوم من أجل تقويض مكانتها، ما زالت وهبي تعتبر شخصية شعبية جدّا.

وهبي والسياسة اللبنانية

وقت اندلاع حرب لبنان الثانية في شهر تموز عام 2006 مع اختطاف الجنديين في الجيش الإسرائيلي من قبل تنظيم حزب الله، غادر الكثير من سكان لبنان منازلهم. في اليوم الذي قصف فيه الجيش الإسرائيلي مطار بيروت، قررت وهبي أنّه قد حان الوقت لمغادرة لبنان وإيجاد ملجأ في مكان أكثر أمانا بقليل وانتقلت إلى سوريا ومن هناك إلى مصر. شاركت في مصر في أمسية لجمع التبرّعات من أجل سكان لبنان مع فنانين آخرين.

وقد حظيت مغادرة وهبي للبنان منذ بداية الحرب بانتقادات حادّة في وسائل الإعلام العربية، والتي اعتبرت ذلك خيانة للجهود الوطنية من قبل من ترمز إلى التغيير الذي مرّ به لبنان في السنوات الماضية. حاولت وهبي إيجاد ذريعة بأنّ سائقها الشخصي ارتبك بسبب الضغوط الكبيرة التي وقعت في أعقاب الهجمة الإسرائيلية، وتوجّه السائق عن طريق الخطأ إلى أحد الشوارع المؤدية إلى داخل سوريا من الممرّ الشمالي، ولم يتوجّه إلى طريق بيروت - دمشق. بالإضافة إلى ذلك، انتقلت وهبي فورا من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم حين زعمت أنّه "لا أحد يملك الحق بفحص وطنيّتي".

بعد الحرب، عندما بذلت دعاية نصر الله جهودا كبيرا في إظهار الحرب كانتصار تاريخي على إسرائيل، احتشدت وهبي لشكر نصر الله على الانتصار الذي قدّمه للبنان في أعقاب الحرب. بل إنها اعترفت في بعض المقابلات أنّها مؤيدة كبيرة جدا لشخصيته وأنها تقدّر جدا أعماله في لبنان قبل وبعد الحرب.

وكابنة لأب من أصل شيعي وأم من أصل مصري، كان باستطاعة هيفاء أن تقدّم نفسها كما تريد. فمرّة هي مسلمة مؤمنة تصوم رمضان، ومرّة هي علمانية تتمرّد على الأعراف. ورغم الانتقادات الواسعة تجاهها من جهة وتشجيعها من جهة أخرى، فلا تعطي وهبي لشيء فرصة أن يزعجها وتستمر في الظهور، وفي الحلم بإقامة أسرة وإنشاء التوازن في الصورة العامة عن ثقافة البوب في العالم العربي.