اللامركزية السياسية - والهيئات الاتحادية

 

 

د. ازهار عبد الكريم الشيخلي 

 

 

1- النشأة والانتهاء :

تنحصر نشأة الاتحاد المركزي في طريقتين اساسيتين:-

1-الاندماج / سويسرا- الولايات المتحدة الامريكية، المانيا، استراليا، كندا ، جنوب اقريقيا.

2-التفكك / روسيا، البرازيل، الارجنتين، المكسيك. اياً كانت الطريقة للنشأة، فان قيام هذا الاتحاد يهدف الى التوفيق بين اعتبارين أساسين:

أ-فكرة المشاركة - أي رغبة الدول الاعضاء في الاتحاد في تكوين دولة واحدة.

ب-فكرة الاستقلال الذاتي- أي رغبة الدول الاعضاء في المحافظة على استقلالها الذاتي بقدر الامكان. امثلة/ لقد انتشر النظام الفيدرالي، كنظام سياسي، بين الدول خلال القرنين (19-20) بعد قيام الولايات المتحدة الامريكية 1787.

الاتحاد السويسري 1848

الالماني 1871 كذلك طبقاٌ لدستور 1949

المكسيك 1857 كذلك طبقاً لدستور 1971

الارجنتين 1860

البرازيل 1891

فنزويلا 1893

النمسا دستور 1930 الاتحاد السوفيتي 1918

يوغسلافيا 1946

اندونيسيا 1949

ليبيا 1952-1963

الهند 1956

كندا - استراليا، جنوب افريقيا

الانتهاء / يحدث بأسلوبين كذلك:-

1-الانهيار- بطرق التي يقررها القانون الدولي العام لانتهاء الدول.

2-تغيير شكل الدولة الاتحادية، الى موحدة أو بسيطة، (اقسام ادارية، محافظات)

وبالنسبة لامكانية انتهاء الاتحاد الفيدرالي عن طريقة تحوله الى كونفدرالي فهذا احتمال جائز من الناحية النظرية، وأن كان لم يحدث حتى الآن. ويرى جانب من الفقه الدستور الدولي، إن هذا التحول ربما لم يحصل أبداً، وإن حدث ذلك فمن المستبعد أن يكون تحولاً رضائياً وإنما سيكون وليد العنف أو الثورة.

 2- أسس الوحدة في الاتحاد الفيدرالي

يقوم الاتحاد المركزي على أسس عدة للوحدة تتمثل في عدد من المظاهر، سواء على الصعيد الدولي الخارجي، أم في الميدان الداخلي.

في النظام الدولي:

وحدة الشخصية الدولية.

رعاية الدولة الاتحادية/ شعب واحد وجنسية واحدة ليست هناك جنسية مزدوجة في مفهوم القانون الدولي الخاص إقليم موحد.

رئيس واحد.

في النطاق الداخلي: تتلخص أسس الوحدة ومظاهرها في المجال الداخلي في:-

دستور اتحادي .

سلطة تشريعية اتحادية

سلطة تنفيذية مركزية.

سلطة قضائية اتحادية.

 أ- الدستور الاتحادي:

يمثل الاساس القانوني الذي تقوم عليه الدولة الفيدرالية:

في حالة الاندماج/ تلزم الموافقة على مشروع الدستور الاتحادي من السلطة التأسيسية الأصلية في كل دولة من الدول الداخلة في الاتحاد، إضافة إلى موافقة المجلس النيابي في كل دولة على معاهدة الاتحاد لكي يدخل الدستور حيز التنفيذ. وذلك في حالة قيام الاتحاد الفيدرالي بين عدة دول موحدة. في حالة التفكك/ تكون اجراءات وضع الدستور الاتحادي اكثر سهولة من مثيلتها في الحالة الأولى. بعد اصدار السلطة الاتحادية الدستور الاتحادي تصبح جميع السلطات والهيئات الاتحادية، وسلطات الولايات وهيئاتها ملزمة بالدستور .

وفي غالب الاحيان يفرض الدستور الاتحادي قيوداً معينة على الولايات الداخلة في الاتحاد تلتزم بها، ولا تستطيع مخالفتها. مثلاً: الدستور الاتحادي السويسري، يشترط في دساتير الولايات أن تكون صادرة عن الشعب عن طريق الاستفتاء الشعبي، وأن تكون قابلة للتعديل من جانبها.

وتفرض م2 من الدستور الامريكي، نظام الحكم الجمهوري.

* ويتميز الدستور الاتحادي، بأنه دستور مكتوب، كما أنه دستور جامد غير مرن إذ لا يجوز تعديله بقانون عادي. ويرجع ذلك الى الاهمية الكبيرة لهذا الدستور، إذ أنه يتولى تحديد اختصاصات الحكومة المركزية والبرلمان الاتحادي وكذلك حكومات الولايات، ولهذا فإن على جميع هذه الهيئات أن تحترم نصوصه  من دون ارتكاب أدنى مخالفة لها.

ويترتب على ذلك وجوب تنظيم رقابة فعالة على دستورية القوانين الصادرة عن هذه السلطات من جانب هيئات قضائية عليا محايدة، لا تؤثر فيها الاعتبارات السياسية.

وتختلف الدول الاتحادية بشأن الطريقة والشروط التي يجب مراعاتها في تعديل الدستور الاتحادي، ويرجع ذلك إلى اختلاف الضمانات المقررة لتعديل الدستور الاتحادي من حيث القوة أو الضعف في كل منها. ويدور محور الاختلاف بين الدساتير الاتحادي بشأن مدى اسهام  الولايات في تعديل الدستور، ما يشرك الولايات في اقتراح التعديل وفي إقراراه. حيث تشترط موافقة معظم الولايات  الى جانب موافقة البرلمان الاتحادي.

أمثلة/ (مْ من الدستور الامريكي) يشترط موافقة ثلاثة ارباع الولايات على التعديل، بعد تقديمه من ثلثي اعضاء الكونكرس.

(م 135 من الدستور المكسيكي) يشترط الاغلبية المطلقة للمجالس التشريعية للولايات (الدستور السويسري) يشترط الاغلبية المطلقة للشعب نفسه في الاستفتاء على التعديل.

(استراليا) أغلبية اصوات الشعب الاسترالي + أغلبية الولايات - هناك مجموعة من الدساتير الاتحادية تكتفي بموافقة البرلمان الاتحادي بأغلبية خاصة على التعديل نفسه (الارجنتين - البرازيل) حيث تكتفي بموافقة الكونكرس على التعديل وبذلك تختفي من هذ الدساتير الضمانات التي توافرت في الدساتير السابقة بشأن التعديل.

 ب- الهيئة التشريعية:

تتكون هذه الهيئة في الدولة الفيدرالية من مجلسين، قاعدة عامة، المجلس الأول - مجلس الشعب - يمثل الشعب في مجموعه وينتخب قوامه بما يناسب سكان كل ولاية بالاقتراع العام المباشر في كثير من الدول الاتحادية.

المجلس الثاني - مجلس الولايات - ويتكون من عدد متساو من الممثلين لكل ولاية بصرف النظر عن مساحة كل منها او عدد سكانها .

على أساس المساواة الثانية بين الولايات هذه القاعدة لم تطبق في عدد آخر من الدول الفيدرالية، المانيا، الهند، كندا، الاتحاد السوفيتي، يوغسلافيا.

(م51 دستور المانيا) يمثل كل ولاية ثلاثة مندوبين في الاقل يزدادون الى أربعة ممثلين في الدولايات التي يزيد عدد سكانها على مليونين ويصل عدد هؤلاء الممثلين الى خمسة عند زيادة عدد سكان الولاية على ستة ملاين نسمة.

* أما عن سلطات المجلسين، فإننا نجد أنه في معظم الدول الاتحادية المعاصرة يتساوى المجلس الاعلى (مجلس الولايات) مع المجلس الأدنى (المجلس الشعبي) في السلطة التشريعية بحيث يشترط موافقة كل منهما على كل مشروعات القوانين الاتحادية قبل اصدارها ، أمريكا، المكسيك، الارجنتين، فنزويلا، كندا، الاتحاد السوفيتي سابقاً جنوب افريقيا.

ومع ذلك، فإن بعض الدساتير الاتحادية تمنح المجلس الأعلى تفوقاً في بعض الاختصاصات التنفيذية غير التشريعية/ كالدستور الامريكي الذي اناط بمجلس الشيوخ سلطة التصديق على بعض اعمال رئيس الجمهورية، كعقد المعاهدات الدولية وسائر كبار الموظفين.

وبخلاف ذلك نجد بعض الدساتير الاتحادية تجعل المجلس الشعبي في مركز أقوى من مجلس الولايات / دستوري المانيا 1919 - 1949 حيث منحت مجلس الولايات سلطات تشريعية تقل عن المجلس الشعبي، حيث يستطيع المجلس الشعبي أن يبقي قانوناً معيناً ويصر عليه في التصويت الثاني، وبذلك يصدر هذا القانون برغم اعتراض مجلس الولايات عليه.

أياً كان الآمر في توزيع السلطات بين المجلسين، فإن البرلمان الاتحادي يختص كاملة بسلطة التشريع في الشؤون الخارجية والمالية والكمارك والعملة والجنسية والمواصلات.

 جـ- الهيئة التنفيذية:

* تتكون من رئيس الدولة والحكومة الاتحادية، ولأن معظم الدول الاتحادية تأخذ بالنظام الجمهوري، فإن رئيس الدولة ينتخب عن طريق شعب الدولة الاتحادية انتخابا مباشراً/ المكسيك، البرازيل ، المانيا 1919 دستور فايما، النمسا دستور 1900 غير مباشر (على درجتين) امريكا - الأرجنتين.

* وظيفتها - تنفيذ القوانين والتشريعات الصادرة عن البرلمان الاتحادي واصدار القرارات الاتحادية وتنفيذها في جميع انحاء الدولة الاتحادية، بغض النظر عن الحدود الاقليمية للولايات.

* وتختلف الدول الفيدرالية في الاساليب التي يتم بها تنفيذ القوانين والقرارات الاتحادية داخل حدود الولايات، إذ تتنوع هذه الاساليب على ثلاثة:

1- الادارة غير المباشرة/ يعتمد هذا الاسلوب على الإدارات المختلفة للولايات لتنفيذ القوانين الاتحادية يحقق هذا الاسلوب مزايا كالاقتصاد في النفقات، الانسجام بين الادارات الاتحادية وادارات الولايات.

 عيوب : يؤدي التأخير في تطبيق القرارات الاتحادية نتيجة تقاعس الموظفين  المحليين في التنفيذ.

2- الادارة المباشرة/ تكون للادارة الاتحادية ادارات في مختلف الولايات تتبعها وتأتمر بأوامرها من دون أن تخضع لإدارات الولايات .

مزاياه/ تلافي القصور في تنفيذ القوانين الاتحادية وكذلك عيب التأخير.

عيوبه :  نقصان كبير ولا يطبق إلا في الدول الغنية كامريكا تعقيد في الجهاز الاداري وتنافر بين الادارة الاتحادية والولايات .

3- الادارة المختلطة: إنشاء بعض الادارات الاتحادية في الولايات لكي يقوم موظفو الدولة الاتحادية بتنفيذ بعض القوانين على أن تتولى الولايات مهمة تنفيذ القوانين الأخرى. (النمسا- سويسرا) 

 د- الهيئة القضائية:

تتولاها محكمة عليا،مهمتها/ الفصل في المنازعات التي تهم الدولة الاتحادية بصفة عامة الفصل في دستورية القوانين لمطعون فيها امامها .

الفصل في النزاع بين الدولة الاتحادية والولايات.

مراقبة دستورية القوانين الاتحادية والقوانين التي تصدرها الولايات .

تكوينها: من قضاة يتصفون بالحياد و يعينون بطريقة تضمن لهم استقلالهم وعدم خضوعهم لأية سلطة سياسية. امريكا/ انشئت المحكمة العليا الاتحادية 1889 م3 من دستور 1787 في واشنطن لتكون على رأس المحاكم الاتحادية في الولايات المتحدة الامريكية. تتكون من (9) اعضاء بينهم الرئيس الذي يعد رئيس القضاة في الولايات المتحدة ويجوز للمحكمة أن تصدر أحكامها من (6) قضاة يمثلون النصاب القانوني ويختار رئيس المحكمة العليا واعضاؤها عن طريق رئيس الجمهورية من بين الشخصيات السياسية مدى الحياة، على أن تتم موافقة مجلس الشيوخ على هذا الاختيار. واختصاصها: تنوع بمفردها أو بالاشتراك مع المحاكم الاتحادية الأخرى، ولها اختصاصات استثنائية يحددها الكونكرس.

لها اختصاصات أصلية ومشتركة مع المحاكم الاتحادية الأخرى.

 تقدير الاتحاد المركزي وتمييزه:

المزايا : تكوين دول كبيرة.

التوفيق بين الوحدة الوطنية عن طريق السلطات العامة الاتحادية ومتطلبات الاستقلال الذاتي للولايات .

تجربة نظم سياسية متنوعة.

العيوب: المنازعات والخلافات بين الدولة الاتحادية والولايات.

النفقات الضخمة بسبب تعدد الهيئات والتنظيمات الاتحادية والداخلية في الولايات... فرض ضرائب.... ضعف سيطرة الدولة الاتحادية على اقتصاديات الدولة وعدم قدرتها على توجيه الاقتصاد لتحقيق الأهداف القومية. الاتحاد المركزي/ يقوم على توزيع الاختصاصات السياسية بين الدولة الاتحادية والولايات (هيئات أو سلطات اتحادية وأخرى محلية).

وهذا ما يطلق عليه باللامركزية السياسية.

 

الفروق الاساسية بين اللامركزية السياسية واللامركزية الادارية

 

اللامركزية الادارية

اللامركزية السياسية

تعبر عن نظام اداري يوزع الوظيفة الادارية بين السلطات الادارية المركزية والهيئات المحلية التي لا تعدوحدات إدارية.

1

تتعلق بالنظام السياسي للاتحاد الفيدرالي وتوزيع السلطات بين الدولة الاتحادية والولايات التي تعد وحدات سياسية تتمتع بالاستقلال الذاتي وبدستور خاص بها

1

توجد في الدول الموحدة او الدول الاتحادية

2

توجد في الدول الاتحادية المركبة

2

تخضع المحافظات أو الاقاليم أو المقاطعات للقوانين المطبقة  ذاتها في جميع إرجاء الدولة

3

كل ولاية تقع في الحق في تطبيق قوانينها الخاصة التي سنتها السلطة التشريعية المستقلة عن السلطة التشريعية الاتحادية

(هذا فارق  معياري بين الدولتين)

3

تخضع الهيئات الاقليمية للوصاية من الحكومة المركزية في مباشرتها لاختصاصاتها الادارية

4

الدويلات لها سلطات او هيئات مستقلة عن الدولة الاتحادية، تمارسها من دون أية رقابة أو وصاية طالما ظلت في الحدود التي رسمها لها الدستور الاتحادي

4

القانون العادي يضطلع بتكوين  الهيئات الاقليمية اللامركزية ويحدد اختصاصاتها الادارية وكيفية ممارستها

5

الدستور الاتحادي يتولى مهمة توزيع الاختصاصات بين الدولة الاتحادية والولايات حسب ظروف كل دولة

5

الاقاليم المتمتعة باللامركزية الادارية يتم تعديل اختصاصها بقانون عادي

6

نتيجة لذلك، فإن الولايات في الدولة الاتحادية تستمد سلطاتها من الدستور الاتحادي الذي يتصف بالجمود، حيث يشترط أغلبية معينة لتعديله، وفي هذا ضمانة كبيرة لهما

6

 

.........................................................

 

المصادر:

1- د. منذر الشاوي، نظرية الدولة ،منشورات مركز البحوث القانونية، بغداد 1981

2- د.طعيمة الجرف، نظرية الدولة، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة 1978

3- د. صالح جواد الكاظم، هل ينبغي منح اجزاء الدولة الاتحادية صلاحيات تعهدية، مجلة القانون المقارن العدد 15 بغداد 1983

4- د. علي غالب العاني، د.نوري لطيف، القانون الدستوري، بغداد

5- د. ابراهيم عبد العزيز شيحا، مبادئ الانظمة السياسية، الدار الجامعية بيروت

6- د. رمزي الشاعر، النظرية العامة للقانون الدستوري والنظام الدستوري للجمهورية العربية المتحدة، دار النهضة 1970

7- د. احمد كمال ابو المجد، الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الامريكية، القاهرة 1960

 و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: أصدقاء الديمقراطية-9-11-2006