حياة

تحولت لرمز عالمي..

أيقونة جيفارا

-
 
-

  "ال شي" هو اللقب الذي أطلقه الأرجنتينيون على ذكرى اغتيال ابن بلدهم ارنستو تشي جيفارا أكتوبر 1967 بقرية صغيرة في بوليفيا تدعى "لا هيجويرا" على يد عملاء الاستخبارات الأمريكية. وبرغم الخلاف والاختلاف حول الدور الذي لعبه جيفارا في تاريخ أمريكا اللاتينية، وهل كان داعمًا لصعود ديكتاتور إلى السلطة، أم مناضلًا في سبيل الحرية فإنه لا جدال في أن إحدى صور تشي جيفارا تحولت إلى رمز يتم استدعاؤه في جميع أنحاء العالم لأغراض سياسية في أحيان وفنية في أحيان أخرى. فما حكاية هذه الصورة التي التصقت بسيرته ولمن يعود الفضل في تحويل تعبير لافت على وجه هذه الشخصية التي لا تنقصها الكاريزما إلى رمز تاريخي متجدد؟ إنه المصور الكوبي البرتو كوردا.  


 
لقطة لها تاريخ.. 
ولد البرتو دياز جاتيريز الذي اشتهر بلقب "كوردا" في الرابع عشر من سبتمبر 1928 وتوفي في مارس 2001 بعد حياة عامرة بالأحداث واللقطات البارزة كونه كان في وقت من الأوقات المصور الرسمي للزعيم الكوبي فيدل كاسترو. صنع كوردا لقطته الأهم على الإطلاق في الخامس  من مارس 1960 خلال مسيرة تأبين ضحايا انفجار المقاتلة الفرنسية "لاكوبر" بهافانا. ففي ذلك اليوم كان الرئيس فيدل كاسترو قد دعا لمسيرة ضخمة وحفل تأبين لتكريم ضحايا الانفجار الذي اتهم في تدبيره وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي ايه" والذي راح ضحيته 100 قتيل ومئات المصابين، وخلال المسيرة التي انتهت عند مقبرة "كولون" بهافانا القى كاسترو كلمة ارتجالية، وخلال الكلمة ظهر جيفارا الذي كان وزيرًا للصناعة في حكومته الوليدة للحظات التقط خلالها كوردا صورتين له من على بعد 30 قدما. وعندما رأى لاحقًا اللقطة رقم 40 في نيجاتيف فيلم "كوداك كس بلاس" التي التقطها بكاميرا من نوع "لايكا M" وبعدسة  90 مللي،  قال إن تعبير وجه جيفارا هزه بشده بصرامته التي اختلطت بالألم والغضب. 


 
رفضها المحرر فصارت أيقونة..
يظهر في الصورة جيفارا وحده بين ظل شخص مجهول ونخلة، لكن كوردا قص الصورة ليظهر فيها وجه جيفارا وحده. وعندما عاد لمحرر جريدته اكتفى بنشر مجموعة من الصور لفيدل كاسترو والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار، اللذين كانا من أنصار الثورة الكوبية، لكنه رفض نشر صورة جيفارا وأعادها لكوردا.
 
ولأن كوردا كان مغرمًا بصورته ومؤمنًا بقوة التعبير الذي ظهر على وجه جيفارا فيها فقد قام بتكبيرها وتعليقها على جدار منزله جنبًا إلى جنب مع صورة لشاعر تشيلي الأشهر بابلو نيرودا. وحول الطريقة التي التقطت بها الصورة قال كوردا "هذه الصورة لم تكن وليدة معرفة أو تقنية، وإنما هي بحق وليدة الصدفة والحظ.

 


بلا مقابل ولكن..
ولم يتقاض "البرتو كوردا" الذي ظل من أنصار الثورة الكوبية حتى وفاته أي مقابل لصورته الشهيرة التي استخدمت نسخًا مختلفة منها على مدى عقود من خلال وسائط عرض لا حصر لها كما لم يسأل أبدًا عن حقوق النشر وإعادة الاستخدام، مبررًا ذلك بأن الصورة هي رمز لمبادئه الثورية، وكلما انتشرت زاد انتشار تلك المثل حول العالم. لكنه في الوقت نفسه كان يرفض بإصرار أن يتم استخدامها كوسيلة للدعاية لمنتجات ظن أنها قد تخدش سمعة بطله. فقد قاضى شركة الدعاية "لينتاس آند ريكس" عام 2000 لاستخدامها نسخة من صورته على منتج الفودكا لشركة "سيمرنوف"، وحصل بالفعل على 50.000 دولار تعويضًا تبرع بها لصالح نظام الرعاية الصحية الكوبي مؤكدًا أن جيفارا نفسه كان ليفعل نفس الشيء. 
 


" فيلترينيلي" والانطلاق للعالمية..
 وينسب المؤرخون بداية انتشار الصورة حول العالم للناشر الإيطالي "جيانجياكومو فيلترينيلي" الذي كان مالكًا لدار نشر باسمه، ففي العام 1967 قرر "فيلترينيلي" نشر كتاب عن يوميات تشي في بوليفيا، ورغب في يحتوي غلاف الكتاب على صورة مميزة لجيفارا فدلته السلطات على "كوردا" الذي عرف أن الأوان قد حان لاستخدام صورة جيفارا المعلقة على جدار منزله، ورفض "كوردا" الحصول على أموال مقابل الصور بحجة أن "فيلترينيلي" صديقًا للثورة. واستخدم الناشر الإيطالي الصورة فور عودته إلى إيطاليا في طبع مئات الملصقات وتوزيعها لدعم قضية جيفارا. وفي العام التالي أي بعد اغتيال جيفارا قرر نشر كتابه "يوميات تشي في بوليفيا" وعلى غلافه صورة كوردا الشهيرة، لكنه ذيل صورة الغلاف بعبارة "حقوق الطبع والتوزيع ملك لدار فيلترينيلي" دون الإشارة لمصورها. وطبعت مئات النسخ من صورة الغلاف على هذا الحال وتم توزيعها على نطاق واسع كدعاية للكتاب. وعلق "كوردا" لاحقًا على تصرف الناشر الإيطالي قائلًا "لو كنت حصلت على ليرة واحدة مقابل كل صورة تم استخدامها لأصبحت مليونيرًا" إلا أنه أعرب عن مسامحته للناشر الإيطالي كونه كان أحد أهم الأسباب في انتشار لقطته القريبة من قلبه وعقله.

 

باري ماتش..
ويرجع بعض المؤرخين الظهور العلني الأول لصورة كوردا لمجلة باري ماتش الفرنسية عام 1967 عقب اختفاء المناضل الأرجنتيني المولد تشي جيفارا حيث نشرت المجلة الأسبوعية تحت الصورة مقالاً لـ"جان لارتيجوي" بعنوان "الفدائيين" اختتم بسؤال "أين تشي جيفارا؟" ولم يعرف بالتحديد كيف وصلت الصورة إلى المجلة الفرنسية، إلى أن انتشارها الواسع في أوروبا أسهم بلا شك في انتشارها حول العالم.

رمز الاحتجاجات حول العالم..
 
لكن الظهور الأول المعروف لصورة جيفارا في مسيرة احتجاجية كانت في ميلانو أكتوبر عام 1967 عقب الإعلان عن اغتيال جيفارا مباشرة، حيث حملها الآلاف تعبيرًا عن احتجاجهم على الاغتيال وهو ما علق عليه المصور الإيطالي "جورجيو موندولفو" قائلًا "عندما رأيت صورة جيفارا على غلاف الكتاب للمرة الأولى لم أكن مهتمًا بمحتوى الكتاب لكن الصورة هي التي أسرتني وكنت في الخامسة عشر من عمري عندما رأيت الآلاف يرفعونها في الشوارع صائحين "عاش جيفارا". وعادت الصورة للظهور في المسيرات الاحتجاجية خلال ثورة الشباب بفرنسا 1968، إذ رفع الطلاب في مسيراتهم الاحتجاجية في شوارع باريس التي هزت حكومة شارل ديجول دون أن تطيح بها، الصورة التي التقطها كوردا. كما ظهرت في نفس الأثناء في شوارع أمستردام على أكتاف الطلاب الأعضاء  في جماعة "بروفو" الفوضوية الهولندية التي كانت تصدر مجلة بنفس الاسم، التي كانت تدعو للنضال السلمي.

صورة جيفارا إلى عالم الجرافيك..
 
ويعزى دخول صورة جيفارا إلى عالم الفن وبالتحديد معالجات الجرافيك للفنان الآيرلندي "جيم فيتزباتريك" عام 1967حيث استخدمها في تصميم ملصقين أحدهما على خلفية حمراء والآخر سوداء مشيرًا إلى أنه حصل عليها من مجلة جماعة "بروفو" الهولندية. وطبع "فيتزباتريك" مائة نسخة من تصميمه وزعت على الجماعات السياسية في ايرلندا وفرنسا وهولندا، كما تسللت مجموعة من النسخ إلى إسبانيا إلا أنها صودرت على يد حكومة فرانكو. ولم يطلب "فيتزباتريك" بدوره مقابلًا لحقوق النشر والاستخدام لتصميمه، وأعلن في العام 2008 انه سيقوم بتوقيع حقوق الطبع لنسخته الخاصة من صورة جيفارا لمستشفى للأطفال في هافانا، كما أعرب عن رغبته في إهداء تصميمه الأصلي  لأرملة جيفارا "اليدا مارش". لكن النسخة الأبرز لتصميم "فيتزباتريك" ظهرت في معرض بلندن نوفمبر 2008 على خلفية فضية. 
 


جيفارا في أمريكا..

ووجدت الصورة طريقها أيضًا إلى الولايات المتحدة على ملصق دعائي لأحد نسخ مجلة "ايفر جرين ريفيو" تم تعليقه على محطات قطار مدينة نيويورك من تصميم فنان الجرافيك الأمريكي
"باول دافيس" وقال دافيس أن تصميمه الخاص للعمل الفني المبني على صورة "كوردا" استوحاه من اللوحات الإيطالية التي جسدت القديسين والشهداء.

 ملكية عامة..

 ومازالت صورة جيفارا الأشهر تستخدم في جميع أنحاء العالم في مختلف المناسبات والأغراض بما فيها التجاري، وباستخدام مختلف الوسائط الفنية. إلا أن ملكية الصورة وحقوق النشر والاستخدام لاتزال محل خلاف ونزاع قضائي بين أطراف مختلفة من بينها أسرة "كوردا"، وأسرة جيفارا. إلا أنه لم يتم التوصل حتى يومنا هذا لصيغة قانونية لاستخدامها، وحتى ذلك الحين تظل الصورة التي التقطت لتشي جيفارا عام 1960 ملكية عامة مباح استخدامها في جميع أنحاء العالم.

(41 موضوع)

تعليقات القراء

لا توجد تعليقات على الموضوع