إنّ التأمّل في الأحاديث الواردة حول بدء تشريع الأذان يشير إلى حدوث اختلاف في المجتمع الإسلاميّ إبّان حكومة معاوية في كيفيّة تشريع الأذان ومصدر ذلك التشريع ، وذلك في مقابل أئمّة أهل البيت عليهم السلام الذين أجمعوا على أنّ مصدر تشريع الأذان هو الوحي الإلهيّ ، وأنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قد تلقّى كلّ فصول الأذان عن جبرئيل عليه السلام ، وتلقّاها جبرئيل من عند اللّه سبحانه . من هنا يمكن القول: إنّ بعض المسلمين يعتقد ـ بالاعتماد على بعض الروايات ـ أنّ الأذان لا يمتّ بصلة إلى الوحي الإلهيّ ، وأنّ مصدره مجرّد رؤيا أو اقتراح من بعض الصحابة . وسوف نأتي هنا على ذكر عدد من الروايات الواردة في مصادر معروفة عند أهل السنّة حول بدء الأذان وتأريخه [1] ، ثمّ نتعرّض إلى تقويمها ونقدها .
أوّلاً : الروايات التي لا تعتبر الوحي مصدرا للأذان
1.أخرج ابن داود في السنن عن عبّاد بن موسى الختليّ و «اِهتَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِلصَّلاةِ كَيفَ يَجمَعُ النّاسَ لَها ، فَقيلَ لَهُ: انصِب رايَةً عِندَ حُضورِ الصَّلاةِ ، فَإِذا رَأَوها آذَنَ بَعضُهُم بَعضا ، فَلَم يُعجِبهُ ذلِكَ . قالَ : فَذُكِرَ لَهُ القُنعُ ـ يَعنِي الشَّبُّور ، وقال زياد: شَبُّورُ اليَهودِ ـ فَلَم يُعجِبهُ ذلِكَ ، وقالَ: هُوَ مِن أمرِ اليَهودِ . قالَ: فَذُكِرَ لَهُ النّاقوسُ ، فَقالَ: هُوَ مِن أمرِ النَّصارى . فَانصَرَفَ عَبدُ اللّه ِ بنُ زَيدِ بنِ عَبدِ رَبِّهِ وهُوَ مُهتَمٌّ لِهَمِّ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَاُرِيَ الأَذانَ في مَنامِهِ ، قالَ : فَغَدا عَلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَأخبَرَهُ ، فَقالَ لَهُ: يا رَسولَ اللّه ِ ، إنّي لَبَينِ نائِمٍ و يَقظانَ إذ أتاني آتٍ فَأَرانِي الأَذانَ . قالَ : وكانَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ قَد رَآهُ قَبلَ ذلِكَ فَكَتَمَهُ عِشرينَ يَوما ، قالَ: ثُمَّ أخبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَقالَ لَهُ : ما مَنَعَكَ أن تُخبِرَني؟ فَقالَ : سَبَقَني عَبدُ اللّه ِ بنُ زَيدٍ فَاستَحيَيتُ . فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : يا بِلالُ ، قُم فَانظُر ما يَأمُرُكَ بِهِ عَبدُ اللّه ِ بنُ زَيدٍ فَافعَلهُ ، قالَ: فَأَذَّنَ بِلالٌ . قالَ أبو بِشرٍ: فَأخبَرَني أبو عُمَيرٍ أنَّ الأَنصارَ تَزعُمُ أنَّ عَبدَ اللّه ِ بنَ زَيدٍ لَولا أنَّهُ كانَ يَومَئِذٍ مَريضا لَجَعَلَهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مُؤَذِّنا». [2]
[1] تقدّم في الفصل الأوّل ذكر الروايات الواردة عن أهل السنّة والّتي تتوافق مع روايات الشيعة في اعتبار مصدر تشريع الأذان هو الوحي الإلهي .[2] سنن أبي داود : ج 1 ص 134 ح 498 .