التاريخ والتراجم

سير أعلام النبلاء

محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي

مؤسسة الرسالة

سنة النشر: 1422هـ / 2001م
رقم الطبعة: ---
عدد الأجزاء: أربعة وعشرون جزءا

الكتب » سير أعلام النبلاء » ومن صغار الصحابة » الحسن بن علي بن أبي طالب

مسألة: الجزء الثالث
ابن علية : عن ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : دخلنا على الحسن بن علي نعوده ، فقال لصاحبي : يا فلان ! سلني . ثم قام من عندنا ، فدخل كنيفا ، ثم خرج ، فقال : إني والله قد لفظت طائفة من كبدي قلبتها بعود ، وإني قد سقيت السم مرارا ، فلم أسق مثل هذا ، فلما كان الغد أتيته وهو يسوق ، فجاء الحسين ، فقال : أي أخي ! أنبئني من سقاك ؟ قال : لم ! لتقتله ؟ قال : نعم . قال : ما أنا محدثك شيئا ، إن يكن صاحبي الذي أظن ، فالله أشد نقمة ، وإلا فوالله لا يقتل بي بريء .

[ ص: 274 ] عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ; قلت للحسن : يقولون : إنك تريد الخلافة . فقال : كانت جماجم العرب في يدي ، يسالمون من سالمت ، ويحاربون من حاربت ، فتركتها لله ، ثم أبتزها بأتياس الحجاز ؟ .

رواه الطيالسي في مسنده عن شعبة ، عن يزيد بن خمير ، فقال مرة : عن عبد الرحمن بن نمير ، عن أبيه .

قال ابن أبي حاتم في " العلل " وهذا أصح .

قال قتادة : قال الحسن للحسين : قد سقيت السم غير مرة ، ولم أسق مثل هذه ، إني لأضع كبدي . فقال : من فعله ؟ فأبى أن يخبره .

قال الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عبد الله بن حسن ، قال : كان الحسن كثير النكاح ، وقل من حظيت عنده ، وقل من تزوجها إلا أحبته ، وصبت به ، فيقال : إنه كان سقي ، ثم أفلت ، ثم سقي فأفلت ، ثم كانت الآخرة ، وحضرته الوفاة ، فقال الطبيب : هذا رجل قد قطع السم أمعاءه . وقد سمعت بعض من يقول : كان معاوية قد تلطف لبعض خدمه أن يسقيه سما .

أبو عوانة : عن مغيرة ، عن أم موسى ; أن جعدة بنت الأشعث بن [ ص: 275 ] قيس ، سقت الحسن السم ، فاشتكى ، فكان توضع تحته طشت ، وترفع أخرى نحوا من أربعين يوما .

ابن عيينة : عن رقبة بن مصقلة لما احتضر الحسن بن علي ، قال : أخرجوا فراشي إلى الصحن ; فأخرجوه ، فقال : اللهم إني أحتسب نفسي عندك ، فإنها أعز الأنفس علي .

الواقدي : حدثنا عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : حضرت موت الحسن ، فقلت للحسين : اتق الله ، ولا تثر فتنة ، ولا تسفك الدماء ، ادفن أخاك إلى جنب أمه ، فإنه قد عهد بذلك إليك .

أبو عوانة : عن حصين ، عن أبي حازم ، قال : لما حضر الحسن ، قال للحسين : ادفني عند أبي ، يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أن تخافوا الدماء ، فادفني في مقابر المسلمين ، فلما قبض ، تسلح الحسين ، وجمع مواليه ، فقال له أبو هريرة : أنشدك الله ووصية أخيك ، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء ، فدفنه بالبقيع ، فقال أبو هريرة : أرأيتم لو جيء بابن موسى ليدفن مع أبيه ، فمنع ، أكانوا قد ظلموه ؟ فقالوا : نعم . قال : فهذا ابن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قد جيء ليدفن مع أبيه .

وعن رجل ، قال : قال أبو هريرة مرة يوم دفن الحسن : قاتل الله مروان ، قال : والله ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد دفن عثمان بالبقيع .

الواقدي : حدثنا عبيد الله بن مرداس عن أبيه ، عن الحسن بن محمد ابن الحنفية ، قال : جعل الحسن يوعز للحسين : يا أخي ; إياك أن تسفك دما ، فإن الناس سراع إلى الفتنة . فلما توفي ، ارتجت المدينة صياحا ، فلا [ ص: 276 ] تلقى إلا باكيا . وأبرد مروان إلى معاوية بخبره ، وأنهم يريدون دفنه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصلون إلى ذلك أبدا وأنا حي . فانتهىحسين إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : احفروا ; فنكب عنه سعيد بن العاص ، يعني أمير المدينة ، فاعتزل ، وصاح مروان في بني أمية ، ولبسوا السلاح ، فقال له حسين : يا ابن الزرقاء ، ما لك ولهذا ! أوال أنت ؟ فقال : لا تخلص إلى هذا وأنا حي . فصاح حسين بحلف الفضول ، فاجتمعت هاشم ، وتيم ، وزهرة ، وأسد في السلاح ، وعقد مروان لواء ، وكانت بينهم مراماة . وجعل عبد الله بن جعفر يلح على الحسين ويقول : يا ابن عم ! ألم تسمع إلى عهد أخيك ؟ أذكرك الله أن تسفك الدماء ، وهو يأبى .

قال الحسن بن محمد : فسمعت أبي ، يقول : لقد رأيتني يومئذ وإني لأريد أن أضرب عنق مروان ، ما حال بيني وبين ذلك إلا أن أكون أراه مستوجبا لذلك . ثم رفقت بأخي ، وذكرته وصية الحسن ، فأطاعني .

قال جويرية بن أسماء : لما أخرجوا جنازة الحسن ، حمل مروان سريره ، فقال الحسين : تحمل سريره ! أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ . قال : كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال .

ويروى أن عائشة قالت : لا يكون لهم رابع أبدا ، وإنه لبيتي أعطانيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته .

إسناده مظلم .

الثوري : عن سالم بن أبي حفصة ; سمع أبا حازم يقول : إني لشاهد يوم مات الحسن ، فرأيت الحسين يقول لسعيد بن العاص ، ويطعن في [ ص: 277 ] عنقه : تقدم ، فلولا أنها سنة ما قدمت ، يعني في الصلاة ، فقال أبو هريرة : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني .

ابن إسحاق : حدثني مساور السعدي ، قال : رأيت أبا هريرة قائما على مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم مات الحسن ; يبكي وينادي بأعلى صوته : يا أيها الناس ! مات اليوم حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فابكوا .

قال جعفر الصادق : عاش الحسن سبعا وأربعين سنة .

قلت : وغلط من نقل عن جعفر أن عمره ثمان وخمسون سنة غلطا بينا .

قال الواقدي ، وسعيد بن عفير ، وخليفة : مات سنة تسع وأربعين .

وقال المدائني ، والغلابي ، والزبير ، وابن الكلبي ، وغيرهم : مات سنة خمسين وزاد بعضهم : في ربيع الأول . وقال البخاري : سنة إحدى وخمسين وغلط أبو نعيم الملائي ، وقال : سنة ثمان وخمسين .

ونقل ابن عبد البر : أنهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في الحجرة ، قالت : نعم وكرامة ، فردهم مروان ، ولبسوا السلاح ، فدفن عند أمه بالبقيع إلى جانبها .

ومن " الاستيعاب " لأبي عمر ، قال : سار الحسن إلى معاوية ، وسار معاوية إليه ، وعلم أنه لا تغلب طائفة الأخرى حتى تذهب أكثرها ، فبعث إلى معاوية أنه يصير الأمر إليك بشرط أن لا تطلب أحدا بشيء كان في أيام أبي ، [ ص: 278 ] فأجابه ، وكاد يطير فرحا ، إلا أنه قال : أما عشرة أنفس ، فلا ، فراجعه الحسن فيهم ، فكتب إليه : إني قد آليت متى ظفرت بقيس بن سعد أن أقطع لسانه ويده . فقال : لا أبايعك . فبعث إليه معاوية برق أبيض ، وقال : اكتب ما شئت فيه وأنا ألتزمه ، فاصطلحا على ذلك . واشترط عليه الحسن أن يكون له الأمر من بعده ، فالتزم ذلك كله معاوية . فقال له عمرو : إنه قد انفل حدهم ، وانكسرت شوكتهم . قال : أما علمت أنه قد بايع عليا أربعون ألفا على الموت ، فوالله لا يقتلون حتى يقتل أعدادهم منا ، وما والله في العيش خير بعد ذلك .

قال أبو عمر : وسلم في نصف جمادى الأول الأمر إلى معاوية ، سنة إحدى وأربعين . قال : ومات فيما قيل سنة تسع وأربعين وقيل : في ربيع الأول سنة خمسين وقيل : سنة إحدى وخمسين .

قال : وروينا من وجوه : أن الحسن لما احتضر ، قال للحسين : يا أخي ! إن أباك لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استشرف لهذا الأمر ، فصرفه الله عنه ، فلما احتضر أبو بكر ، تشرف أيضا لها ، فصرفت عنه إلى عمر . فلما احتضر عمر ، جعلها شورى ، أبي أحدهم ، فلم يشك أنها لا تعدوه ، فصرفت عنه إلى عثمان ، فلما قتل عثمان ، بويع ، ثم نوزع حتى جرد السيف وطلبها ، فما صفا له شيء منها ، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا - أهل البيت - النبوة والخلافة ; فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل الكوفة ، فأخرجوك . وقد كنت طلبت إلى عائشة أن أدفن في حجرتها ; فقالت : نعم . وإني لا أدري لعل ذلك كان منها حياء ، فإذا ما مت ، فاطلب ذلك [ ص: 279 ] إليها ، وما أظن القوم إلا سيمنعونك ، فإن فعلوا ، فادفني في البقيع . فلما مات قالت عائشة : نعم وكرامة . فبلغ ذلك مروان ، فقال : كذب وكذبت . والله لا يدفن هناك أبدا ; منعوا عثمان من دفنه في المقبرة ، ويريدون دفن حسن في بيت عائشة . فلبس الحسين ومن معه السلاح ، واستلأم مروان أيضا في الحديد ، ثم قام في إطفاء الفتنة أبو هريرة .

أعاذنا الله من الفتن ، ورضي عن جميع الصحابة ، فترض عنهم يا شيعي تفلح ، ولا تدخل بينهم ، فالله حكم عدل ، يفعل فيهم سابق علمه ، ورحمته وسعت كل شيء ، وهو القائل : إن رحمتي سبقت غضبي و لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فنسأل الله أن يعفو عنا ، وأن يثبتنا بالقول الثابت ، آمين .

فبنو الحسن هم : الحسن ، وزيد ، وطلحة ، والقاسم ، وأبو بكر ، وعبد الله ، فقتلوا بكربلاء مع عمهم الشهيد . وعمرو ، وعبد الرحمن ، والحسين ، ومحمد ، ويعقوب ، وإسماعيل ، فهؤلاء الذكور من أولاد السيد الحسن . ولم يعقب منهم سوى الرجلين الأولين ; الحسن وزيد . فلحسن خمسة أولاد أعقبوا ، ولزيد ابن وهو الحسن بن زيد ، فلا عقب له إلا منه ، ولي إمرة المدينة ، وهو والد الست نفيسة . والقاسم ، وإسماعيل ، وعبد الله ، وإبراهيم ، وزيد ، وإسحاق ، وعلي رضي الله عنهم .

السابق

|

| من 5

1998-2018 ©Islamweb.net جميع حقوق النشر محفوظة