Monday, July 31, 2006

المجتمع المدني

imseer
في تجليات المجتمع المدني
د.إسماعيل نوري الربيعي
يكثر الحديث عن عمق الأزمات التي تحاصر الوطن العربي، وإذا كانت الموجهات قد تركزت عند متابعة التهديدات الخارجية ، بوصفها خطرا ينال الوجود ، فإن التقمصات الراهنة صارت تتطلع نحو التركيز على العامل الداخلي، والذي لايتوقف عند حقل أو مجال بعينه، بقدر ماصار الحديث عن شمول الإشكال الذي راح يتبدى واضحا عميقا في القطاعات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية ، الى الحد الذي بات المواطن العربي، يشعر بالريبة بإزاء هذه الحدة المتنامية والتي لاتعرف الإنقطاع أو التوقف، بل أن الملفت في الأمر بات يفصح عن هذا التفاقم في الأحوال والذي راح يتناسب طرديا، مع زيادة الحديث الصاخب عن الأزمة والتأزم التي تنال من الوقائع والأحداث والمضامين المتداولة.
تكريس المفاهيم
مواجهات واحتدامات تنذر بالمخاطر التي تهدد المجمل من التفاصيل والمشغلات التي تقوم عليها الحياة العربية.حيث المرتكزات التي راحت تتفاعل في مجال الأسئلة الحيرى والتي مازالت الألفاظ فيها غير مستقيمة ولا مستساغة لدى الفئات الأوسع من الجمهور العربي ، هذا الذي راح يستمع الى مصطلحات من نوع المجتمع المدني والتحولات الديمقراطية ، والحريات العامة والحفاض على البيئة والشفافية.كلمات يتم ضخها الى الواقع من خلال التداول الخطابي الذي يكرسه المثقفون والنخب العربية ، فيما يبقى المواطن البسيط حائرا ومضطربا ، بإزاء هذا الزحف الإصطلاحي الذي ما إنفك يترى عليه، خصوصا إبان المد الأيديولوجي الذي راح يتبدى واضحا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.وإذا ما قيض للبعض من الأطراف أن تتعايش وتهضم البعض من المصطلحات التي راحت تتسيد لغة الخطاب السياسي العربي، فإن الزحف الراهن الذي تبرزه العولمة والتحولات الكبرى والعميقة التي راحت تنال الشطر الأكبر، من تفاصيل الحياة الرقمية والإتصالية والمعلوماتية،قد بلغت من الحدة والعمق الى الحد الذي راح فيه المتخصصون أنفسهم يقعون في الخلط والتداخل في الكثير من المصطلحات التي تتسيد الواقع التداولي.
تفصيلات الواقع
في التخمة التي تفرضها التداولات الخطابية حول التحديث والتنمية والديمقراطية ، وعلى طول عمر الدولة القطرية التي ظهرت للوجود السياسي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، راح المواطن العربي ، ينظر الى مثل هذه المصطلحات بعين ملؤها الريبة والتشكيك، خصوصا وأن المقارنة تأخذ طابعها المباشر حول الروح الشعاراتية التي يتم التهليل لمثل هذه مقولات فيما يظل الواقع على ماهو عليه.ومن هذا الإجتزاء الفاضح صار من الطبيعي ، أن يتم فقدان الثقة بمثل هذه الكلمات التي راح ينظر إليها المواطن ، بوصفها كلمات لاتقوم على علاقة صميمة بالواقع ، خصوصا وأن الإستعمال العربي يأتي من دون إقتصاد وبوفرة تثير الريبة والحنق في الكثير من الأحيان. وعلى هذا يكون السؤال المباشر حادا وفي الكثير من الأحيان ساخرا، من هذه التنمية وأخواتها التحديث والديمقراطية ، التي تلوكها الألسن من دون أن ترى النور على صعيد الواقع.لكن تفصيلات الواقع السياسي في المجال العربي ، يبقى يعتاش على هذه الأيقونات المقدسة ، والتي لا يمكن البقاء في دنيا العيش من دون الترويج والتهليل لها، إذ تبقى ماثلة بوصفها الوسيلة التي يتم من خلالها إدامة التواصل مع الجمهور، هذا الأخير المبتلى بإقتراف خطيئة البقاء والوجود على سدة الواقع.
كان للوعود التي قام عليها الخطاب السياسي العربي في عهد السيطرة الإستعمارية، منشدا الى وعد الإستقلال، الذي تم تحميله بالأمل والرغبة العارمة ، بتحقيق كل ماهو متوقف ومعطل، الى الحد الذي راح المواطن ينتظر الإستقلال والحكومة الوطنية ، والتي ستنجز جميع الأحلام والرغبات التي عنت على العقل المواطني الجمعي، الى الى الحد الذي أصبح الإستقلال بذاته غاية وأملا لايمكن الحياد عنه، لكثرة ماحمّل من معان وتقمصات ، أضحت في النهاية بمثابة العبء الثقيل والمرير الذي راح يثقل على الواقع . فيما كان الصدمة المؤسية والمؤلمة التي تلقاها المواطن على يد الإستقلاليين أنفسم، والذين لم يترددوا من الإستناد الى تفخيم معنى الوطنية ، وإلباسها الثوب الفضفاض الذي يتناسب والحجم الذي يرغب فيه الحاكم المتدثر باللباس الوطني، والمستند الى الشرعية الثورية التي أتت به الى التحكم والتسلط برقاب العباد والبلاد.
المنجزات الكبرى
الحضور القسري الذي جاءت به القوى الثورية ، والتي حاولت أن تتمترس بالغطاء الوطني والستار التقدمي ، جعل منها أداة تسعى الى قطع العلاقات المحتملة بين الواقع والمثال، فالإستناد الى الإكتمال وتسيد القطعي الباتر والصارم ، جعل من محاولات التذكير والإعتراض وإمكانات النفي ، بمثابة أدواة للتخوين ووسائل للإجتراء على القوى الموجودة على الساحة السياسية .فبعد الإمساك بقياد المبادرة والسيطرة على مقاليد الأمور ، راحت السلطة الثورية تتجلى منجزاتها الكبرى في أهمية استمرار النظام ذاته، على الرغم من استمرار المؤامرات المزعوعة التي تحاول النيل منه وإسقاطه. ومن هذا الإجتزاء المتعسف، راح التمثل للمفاهيم الكبرى يقوم على التفسير الجاهز الذي يتناسب والتوجهات والرغبات المباشرة التي تعن على المجلس الثوري ، الذي يبقى مؤقتا عادة، ويعمل بدستور مؤقت، ويفعل المجتمع بالإجراءات المؤقتة، فالتنمية على سبيل المثال تكون علاقتها بالإقتطاع داخل المجال الإجتماعي ، حيث العناية بجيل الشباب والعمل على تربيته وفقا للمفاهينم التي يروج لها النظام. والتحديث أضحى مجرد وسيلة للنيل من القوى الأخرى، والتي راحت توصم بالرجعية والتخلفوتدني التفكير.أما الديمقراطية فقد تحولت الى حقل لعب كبير يتم فيها إنجاز الأرقام القياسية، والى الحد الذي يعجز كتاب جينيس للأرقام القياسية من استيعابها حيث نسبة الـ 99,99%، والتي غدت ماركة سياسية عربية مسجلة.

history

history

موقف المثقفين العراقيين من الانقلاب العثماني 1908
د.إسماعيل نوري الربيعي

جامعة البحرين – كلية الآداب – قسم العلوم الاجتماعية
مثّل الانقلاب العثماني الذي قادته جمعية الاتحاد والترقي "تأسست عام 1894" في 24 تموز 1908 هزة عنيفة في الحياة السياسية والاجتماعية العثمانية، فكان لإعادة الدستور ورفع شعار الحرية والمساواة وإلغاء الرقابة وإنهاء جهاز الجاسوسية الذي كان مسلطاً على رقاب الرعايا العثمانيين، أثره الهائل والكبير في بث الأمل في نفوس الناس حول الإمساك بأولى خيوط التغيير، ونبذ العلاقات القديمة التي هيمنت على الحياة العامة ووصمتها بالجمود (1). فكانت التغيرات قد شملت جوانب أساسية من الحياة السياسية كان من بينها تعديل بعض مواد القانون الأساسي وإجراء انتخابات لمجلس المبعوثان في الدولة. ولم تعد للسلطان العثماني تلك السلطة المطلقة في إدارة دفة شؤون الحكم. وسحبت من يده السلطات القديمة، والتي تجير له حق حل مجلس المبعوثان (2). وقد توضح الاتجاه الصميم ، نحو الإصلاح من خلال القوانين التي صدرت والتي أكدت على احترام الحريات العامة والخضوع التام للدستور، ومساواة جميع الرعايا العثمانيين أمامه، دون فوارق أو فواصل، ولم تكن النية وحدها سبيلاً للإصلاح والتغيير، بل برزت إجراءات حقيقية نحو تطهير الجهاز الإداري السابق، وتشييد بنية جديدة، تقوم بأعباء قيادة المرحلة الجديدة (3). والواقع أن العناصر القديمة لم يرق لها أن تشهد بأم عينها التغيرات التي برزت على صعيد الواقع، فتمخض عن هذا التبرم وعدم الرضا، حركة عسكرية قادتها حامية الأستانة، طالبت بالعودة إلى الحياة السياسية السالفة، ومنح السلطان عبد الحميد السلطات المطلقة القديمة، بدعوى إحياء الشريعة وحمايتها. وقيض لهذه الحركة أن تحظى ببعض النجاح (4). إلا أن تحرك الفريق محمود شوكت باشا 1913 نحو استانبول في 24 نيسان 1909، فوّت الفرصة على العناصر الرجعية، وأتم مسيرة الحياة الدستورية في الدولة العثمانية، حتى تمثّل بطلاً وحامياً للدستور، قيلت في مدحه القصائد ونال الإعجاب والتقدير، حتى قال فيه معروف الرصافي (5):
ولما ضاق صدر الملك يأساً وصار يردد الوطن الأنينا
أتى الجيش الجليل له مغيثاً فصدق من بنى الوطن الظنونا
وأضحى سيف قائده المفدى على الدستور محتفظا أمينا
الوعي بالإصلاح
وكان من نتائج العلاقات الجديدة، أن أفرزت مجموعة من الاتجاهات المتأثرة بالأوضاع والتي عبرت عن الوعي بالإصلاح، من خلال ما قدمته وسائل الإعلام لا سيما الصحافة في بث المفاهيم المتطورة وتوسيع مدارك الناس وتنبيههم إلى ما يدور حولهم من قضايا وأحداث. وكان للجهود التي بذلتها جمعية الاتحاد والترقي في بداية تسلمها للسلطة، وحث الناس للانضمام إليها، عاملاً مضافاً في تقريب الناس إلى السياسة والانضواء في الجمعيات العاملة في هذا النطاق، بعد أن كانت الخشية والخوف من هذا الميدان هي السمة السائدة (6). وبرزت بعض الاتجاهات في إصلاح الأوضاع الإدارية، كما مارست الصحافة التي اتسع نطاق أعمالها، في نقد الأوضاع وتقديم البدائل الموضوعية لتغيير الأوضاع من خلال تشخيص الخلل والتعريض به بشدة وجرأة لم تكن معهودة في المرحلة السابقة، حتى أن يد النقد كانت تطول رأس الجهاز الإداري، بل تعرض الوالي نفسه إلى الانتقاد المباشر. وبحكم الوعي المحدود لعامة الناس، فإن الحياة الدستورية، والنظرة إلى الحرية التي تمت المناداة بها، وجعلت الشعار للمرحلة، تم تفسيرها وفق رغبات البعض، حيث نظر إليها بعضهم على أنها تتيح للمرء ما يرغب وما يهوى أن ينفذ من أعمال تجول في رأسه. واستوعبها آخرون على أنها تتيح لأي كان من العبث بالمحرمات، والتجاوز على الأعراف، بل والتسفيه بالمعتقدات والمقدسات. حتى أن بعضهم صار يجاهر بالمعاصي ويقبل على دخول المراقص والملاهي ومحلات الخمارة دون وجل أو استحياء. وعلى هذا برزت بعض الدعوات لا سيما من قبل رجال الدين بتحريم "المشروطية" واعتبارها رجس من عمل الشيطان لأنها تعمل على تقويض الشريعة وهدم أركان الإسلام (7). ولم يخل ميدان الثقافة من بروز مؤتمرات المرحلة الجديدة عليه، فكما برزت الدعوة إلى تبني الإصلاحات الشاملة في مختلف مرافق الحياة العامة كذلك ظهرت دعوات تنادي بضرورة إخراج اللغة العربية من قالبها الجامد القديم وإلباسها ثوباً عصرياً يلائم التطورات ويواكب التغيرات التي أحدثها الدستور في حياة الناس. إلا أن من الضروري الإشارة إلى أن هذه الدعوات بقيت مجرد طموحات عنت في رؤوس من نادى بها. أما على صعيد النتاج؛ فكانت الخطابية والمسحة القديمة الوعظية ما تزال بادية في المقالات والخطابات الموجهة إلى الناس (8).
وسائل الإعلام والوعي
أتاحت الحياة الدستورية فرصة سانحة للمثقفين العراقيين من الإطلاع المباشر على المواضيع الجديدة التي بدأت تتناولها المطبوعات العثمانية، لا سيما الصادرة باللغة التركية الصادرة في العاصمة استانبول. وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن التركية كانت اللغة الرسمية في التعليم والإدارة في العراق، لتوضح لدينا سعة الفرصة ومداها التي توفرت للنخبة المثقفة في قراءة عناوين وموضوعات لم يكن يسمح بها الرقيب التركي. بل أن مواضيعاً "كالاشتراكية" على سبيل المثال صار أمراً تداولها ميسوراً في العراق، وإن كانت على نطاق ضيق وشخصي. حيث يشير الأستاذ عامر حسن فياض إلى كتاب بعنوان "سوسياليزم" تمت ترجمته إلى التركية عن الفرنسية عام 1908 دخل العراق عن طريق سليمان فيضي (9). واستمر المجتمع العراقي في مواجهة سلسلة المفاجآت التي أحدثها الدستور، ليبلغ الأمر الوالي المعين من قبل الحكومة أن يشير إلى أن انحطاط الولاية مرتبط بإجراءات الحكومة القديمة. فحين ولي جمال بك "جمال باشا السفاح فيما بعد" والياً على العراق 1911-1912، أشار في خطابه إلى المساواة بين الرعية والحاكم. إلا أن ما كان عسيراً على قناعة المجتمع العراقي، أن يعي الروايات التي كانت تطلق على السلطان عبد الحميد والاستبداد الذي كان عليه (10). بالإضافة إلى المظاهر الجديدة التي لم يألفها المجتمع العراقي. فكيف بالوالي وهو ممثل هرم السلطة، أن يعمد إلى مراقصة سيدة أجنبية هي زوجة مدير البنك العثماني الإنكليزي (11). لقد ارتبطت بعملية ظهور الدستور عدة مظاهر شملت مختلف مرافق الحياة ولم تقف عند حدود واضحة، بل كانت الدهشة والغرابة رديفة لكل شيء، حتى وكأن عهد الدستور جاء ليعوض عما لحق الناس من كبت وتسلط واستبداد. ويصف السير جيرالد لوثر سفير بريطانيا لدى الدولة العثمانية في تقريره عن الأحوال العامة في ولايات بغداد والبصرة والموصل عام 1908، الحماسة الواضحة التي اشتعلت في نفوس سكان بغداد، وروح الود التي سادت مختلف الأديان والطوائف. ولم تقف الأمور عند حدود معقولة، بل عما إن الحماس الذي طغى على الأفكار أخذ معنى آخر، تمثل في التجاوز على حرمة شهر رمضان الكريم والمجاهرة بالأفكار العلني من قبل بعض المتهورين الذين تأثروا بالدعاية القوية التي كانت تطلقها جمعية الاتحاد والترقي. أما في الموصل، فكانت الحماسة أخف، ولم ينل سكان الموصل من المكاسب سوى عزل الوالي الذي كثرت أخطاؤه بشكل فاضح، بالإضافة إلى روح الحذر التي سادت بين المسلمين والأقليات الدينية الأخرى، نتيجة للخطب التي كان يلقيها بعض رجال الدين. وفي البصرة قوبل أمر إعادة الدستور باللا أبالية، لانعدام تأثيره على الحياة العامة فيها (12).
تنوع الاتجاهات
حرّكت عملية إعادة الحياة الدستورية نوازع مختلفة لدى السكان في العراق، وقادت الاتجاهات المتنوعة لاتخاذ موقف لها إزاء ما يحدث. فأنصار الحرية والمتأثرين برجال الإصلاح، عبروا عن فرصتهم وغبطتهم بالدستور وعقدوا عليه الآمال في بناء مستقبل جديد، يتم من خلاله النهوض ومغادرة الأوضاع المضطربة التي كانت تحيط بهم (13). إلا أن المشاعر هذه لم يكتب لها أن تبقى طويلاً، فقد كشّر الاتحاديون عن أهدافهم العنصرية وسياستهم المستبدة، والتي تجاوزت كل ما قيل وكتب عن الاستبداد الحميدي (14). كما أن إدارتهم لشؤون البلاد كشفت عن خلل فاضح فخلال عهد المشروطية 1908-1917 تقلب على منصب ولاية بغداد أربعة عشر والياً، لم تتجاوز مدة ولاية الواحد منهم عن سنة واحدة في حين أن أقل مدة ولاية كانت أسبوعين، سبقت دخول قوات الاحتلال البريطاني بغداد في آذار 1917 (15). ولم يخف المحافظون تبرّمهم بالدستور، وشعار المساواة الذي رفع، ومساواة المسلمين بغير المسلمين، والمناداة بالأوضاع الاجتماعية الجديدة، والتي تقوض أركان الأسر القديمة، وتنمي دور السراة والوجهاء في الحياة العامة. من خلال خضوع الجميع للدستور وتساويهم إزاءه (16). ولا نروم تحميل العناصر المحافظة بالرجعية ومحاربة التقدم، بقدر ما كان الموقف من المتغيرات التي برزت على صعيد الواقع بطيش ومن دون روية. فكيف بمجتمع محافظ متمسك بالتقاليد والقيم، ينقلب فجأة نحو الانفلات، انطلاقاً من وعي مقصور إزاء مفهوم الحرية. حتى غدا دخول الملاهي والمراقص من المفاخر لشباب تلك المرحلة (18). بل وتجاوزت الأحداث حدودها المعقولة، حين عمدت نساء مسلمات إلى دخول أحد المراقص مستصحبات معهن طفلة (19) أو حين يتزاحم الناس على دخول أماكن اللهو (20)، وكأن الدستور يعني اللهو والعبث وتجاوز التقاليد. ومما فاقم الأوضاع سوءاً بلوغ تلك المتغيرات إلى النساء، حيث طالب البعض منهن بحرية أوسع. فإذا كان الشرقي يتساهل بعض الشيء في حرية الرجل إلا أن الأمر حين يبلغ المرأة فلا يمكن السكوت عليه. وعلى هذا ظهرت بوادر الرفض الذي تمثل في تظاهرات طالبت بالعودة إلى الإسلام (21). خلاصاً من الأوضاع التي باتت تهدد الحياة الاجتماعية التي درجوا عليها والمفاهيم الراسخة لديهم.
صراع القديم والجديد
وإذا ما كان الحديث عن المخاض الذي لف الحياة الفكرية العراقية، جراء تصادم الجديد والقديم. فإن من نافل القول بأن الحريات الواسعة والمفاهيم الجديدة التي أتاحتها الحياة الدستورية، كفلت تقديم صورة متقدمة وناصعة، من خلال بروز أعلام فكر وثقافة وأدب، نهلوا من معين الحرية وتهيأت لهم فرصة واسعة للتعبير عما يجول بخواطرهم من أفكار إزاء المواضيع المختلفة. فكان إبراهيم صالح شكر 1944 من الأسماء التي برزت في مجال الصحافة بعد إعلان الدستور. حيث عبّر عما يجول في رأسه من أفكار، عبر مقالات نشرها في جريدتي "بين النهرين" و"النوادر"، ولم يطل به العهد حتى أقدم على إصدار جريدة خاصة به عام 1913، أسماها "الرياحين" والتي أوقفها من أجل دعوته إلى اللامركزية. وكان لاتجاهاته الوطنية وكشفه للتناقضات التي وقع فيها الاتحاديون، أن عمدوا والي بغداد إلى نفيه وتشريده عام 1915. وإبراهيم صالح شكر في تكوينه الثقافي ونشأته التعليمية، مثال واضح ونموذجي للمثقف العراقي إبان تلك الحقبة. فقد بدأ حياته الدراسية في كتاتيب محلة "باب الشيخ" وتردد على الحلقات الدينية التي كانت تعقد في مرقد الشيخ "عبدالقادر الكيلاني"، إلا أن المؤثر الأهم في حياة ذلك الكاتب، كان قد تمثل في اتجاهه نحو الإطلاع الدقيق على النتاج الفكري والأدبي الصادر عن مصر وبلاد الشام (22). ولم يكن يختلف مثقفو العراق في نشأتهم الثقافية، حيث الركيزة تقوم على الإسلام، إلا أن المجددين منهم والمتأثرين بدعوة الإصلاح الديني التي دعا إليها جمال الدين الأفغاني، كانت قد برزت في الاستقبال الحافل بالدستور حتى كانت قصائد الزهاوي والرصافي ومقالات فهمي المدرس ت 1944 ذات الأثر البليغ في نفوس القراء (23). وكان للمسحة العسكرية أثرها الواضح في المكونات الثقافية للعديد من النخبة العراقية، حتى أن أغلب الجهاز الإداري كان من الضباط، وهذا يعود لعدة أسباب، منها؛ اهتمام الدولة العثمانية بالتنظيمات العسكرية وإصلاح الجيش في بداية مشروعها الإصلاحي الذي استنته لمواجهة التحديات والأخطار يضاف إلى ذلك، إقبال العراقيين على المدارس العسكرية إن كان في العراق أو العاصمة العثمانية. حتى أن الطلبة العراقيين في المدارس العسكرية شكلوا النسبة الأكبر من بين مجموع الطلبة العرب الدارسين في الأستانة (24).
ثمة مواقف برزت في أوساط تمثل هيئة بأكملها. فعلى سبيل المثال، لم يكن صراع التيارات بين الدستوريين والمحافظين، يتماثل في معسكرين متقابلين، بقدر ما كانت الانقسامات تبدو واضحة في هيئات، كان لها بنيتها الراسخة، فدعاة الإصلاح من رجال الدين، كانوا قد اصطدموا بالتيار المحافظ منهم، حتى غدت الجوامع وحلقات الدروس الدينية مسرحاً لمناقشات تناولت مواضيع جريئة وجديدة، لم يكن يخطر على بال أحد في يوم من الأيام أن مواضيعاً كهذه سيتم تداولها. وعلى هذا برزت ملامح وعي جديد، تمثل بالموقف من الفكر الديني المتهم بالتقليدية والجمود، وأن هذا الاتهام قابل للرد بدليل المساهمة الإيجابية لرجال الدين في الدعم الواعي للدستور. وقد ساهم تعدد المواقف حول قضية الصراع بين التقدميين والمحافظين، في تشكل وعي جديد أفرزته الوقائع، حتى أن العلاقات القديمة لم يعد لها مكاناً في تحديد وجهات النظر، فلم يعد الانتماء الطائفي أو المحلي أو الديني يحدد مواقع الفئات في أية مواجهة. بل كان الجديد بالأمر، أن يجتمع أفراد متبايني الانتماء في الأصول الطبقية والطائفية لمواجهة فئة بذات فئات الانتماء، إلا أنها تختلف عنها في الموقف (25).
المحافظون والمجددون
لقد مثل التيار المحافظ في الحياة العامة العراقية مركز ثقل وقوة، وعلى الرغم من كل المظاهر التي رافقت ظهور الحياة الدستورية، وتوجّه البعض من العامة للتعبير عن تلك الاتجاهات، إلا أنها ظلت تدور في فلك الظواهر، أما الرسوخ وسعة التأثير فكان يرجح كفة التيار المحافظ الذي وضح بصمته الواضحة على مختلف مرافق الحياة في العراق. ومما ساهم في إبراز معالم المواجهة، السياسة التي تبنّاها الاتحاديون في إدارة شؤون الدولة العثمانية والاتجاه العنصري الذي طغى عليها، حتى كان الاتجاه القومي المنادي بالعروبة ومواجهة المد العنصري، أهم اتجاه برز في تلك المرحلة، والذي عبّر عن منطلقات التحدي والدفاع عن الكيان والوجود القومي. حتى حمّل هذا الاتجاه مضامين متنوعة، كانت أبرزها الحفاظ على الدستور والتأكيد على اللامركزية والربط بين الإسلام والعروبة (26). والواقع أن الوشائج التي ربطت بين المفاهيم تلك إنما كانت تعبر بالأصل عن الظروف التي واجهت النخبة المثقفة، ووسمت مسارها وبروزها إلى حيّز الواقع، عبر جملة من الفعاليات التي أفرزتها الظروف التي أحاطت بالنخب الفكرية وتجسدت في التكوين المعرفي الذي يمثل خلاصة لتطور الفكر والثقافة والعلوم، للجيل اللاحق من المثقفين العراقيين، الذين تشربوا بالثقافة التقليدية ونشأوا عليها (27). وعلى هذا، لا يمكن أن ننتظر من المثقفين مساحات أوسع مما عبروا عنه أو قدّموه إبان تلك الحقبة. إلا أن قولاً كهذا لا يعني أن موقف المثقفين العراقيين كان متقوقعاً أو تحرك على مشارف معالجة مسطّحة، بل كان لهم شرف الإسهام الأصيل في رصد الأوضاع المحيطة وتقديم المعالجة الواضحة، والتي عكست وعياً متقدماً، وعبرت عن حس صادق في تبني الجديد الذي يخدم البلاد والناس. ولم يكن المثقف العراقي يدور حول نفسه، بقدر ما كانت عيونه مرقاب رصد ذكي، ثم من خلالها نقد الأوضاع بموضوعية. فقد حفزهم النشاط المريب الذي عمدت إليه الرساميل الأجنبية ومحاولاتها للتغلغل في بنية الاقتصاد العراقي عبر مشاريعها التجارية والاقتصادية. مما حدا بهم إلى توحيد موقفهم وتأشير الخلل وتحميل الاتحاديين مسؤولية هذه الأعمال بشكل مباشر، بلغ حد المقارنة بين موقف السلطة العثمانية إبان عهد السلطان عبد الحميد والمهادنة التي ظهر بها الاتحاديين (28).
اتجه المثقف العراقي للتعبير عن خواطره وخلجاته بقوة وجرأة، حتى أن معروف عبد الغني الرصافي طالب بخلع السلطان عبد الحميد بعد قيام الانقلاب بشكل مباشر (29)، ويأتي هذا الموقف لخيبة الأمل المتعاظمة التي كان عليها المنوّرون العراقيون إزاء السلطة الحميدية، التي فشلت في تقديم صورة واضحة لسير الإدارة، وإبقاء العراق في فلك الوهن والضعف ودائرة التخلف والجمود. ولم يكن موقف المثقفين العراقيين مجرد رد فعل عابر الهدف منه تسجيل موقف بقدر ما كانت تعبيراً عن الرغبة في إنهاء الحالة الماضية، والنظر بأمل إلى المستقبل والاستفادة القصوى من التجربة ويتجلى أمامنا عمق الاتجاه نحو التغيير وبلوغ الحالة الأفضل، من خلال موقف المثقفين العراقيين من سياسة الاتحاديين، وتوجه أبرز مبدعي العراق ومفكريه للكتابة في جريدة صدى الإسلام عام 1915، والتأكيد على الرابطة الإسلامية التي تجمع أبناء الدولة العثمانية، حتى كانت المشاركات المهمة والمحبّذة لأدباء مثل؛ الزهاوي، ومحمد مهدي البصير، وعبد الرحمن البناء، وعطاء الخطيب 1929 وخيري الهنداوي، وإبراهيم حلمي العمر 1942 (30). ولابد من القول أن المثقف العراقي لم يكن تحت وطأة الحماسة المطلقة للدستور، أو أن الانفعال والتوتر كان طاغياً عليه، بقدر ما يجب علينا أن نسجل الموضوعية التي ظهر عليها الكتاب العراقيون. فهذا داود صليوا ينعى النهضة العلمية في العراق؛ "وبالكاد يجد فيها بعض معاهد للعلم تكاد تكون بالية" (31). فيما يُقدِمُ "ض. الكاظمي" للتصدي لموضوع الحرية والإصلاح بروح علمية وقلم رصين من دون تشنج أو الاعتماد على آمال واسعة، بقدر ما كانت المعالجات التي طرحها في مقاله واضحة الدلالة والأبعاد، مؤكداً على الاتزان وضرورة الاستفادة من الأجواء الجديدة التي أتاحها الدستور (32). إلا أن صورة أخرى يضعها أمامنا إبراهيم صالح شكر في قصيدة، يبشّر فيها بالعهد الجديد ومما سيناله العلم والأدب من تقدم وازدهار (35):
بشراك يا بغداد في روضة أزهارها الأحكام للسائلِ
يجري نمير العلم من منبع فيها برأي صائب سائلِ
معدنه الآداب ألفيته وقد جرى من بحره الكاملِ
ولابد من القول، أن تطوراً وتغيراً واضحاً قد طرأ على واقع الفكر والإبداع في العراق إبان تلك الحقبة، وهو أمر منطقي لا سيما وأن أدوات ووسائل التعبير لابد أن تناقش الواقع أو الفترة السابقة، وعلى هذا برز على الميدان الشعر الاجتماعي والسياسي الذي كان غائباً عن الحياة الثقافية بحكم الإجراءات الرقابية الصارمة التي تحد من ظهوره، فيما كانت الموضوعات تتدرج بالبروز، وفقاً لما هو قائم، حيث كان التركيز على ملامح التغيير الاجتماعي والسياسي، ليبقى في تدرجه ويعبّر عن موقف المثقفين ويوسم نتاجهم بالتطور على صعيد الأساليب، حتى أن نفساً جديداً وروحاً مغايراً قد ظهرت بوضوح على أساليب الكتابة إن كان على صعيد النثر أو القصيدة. فيما تراجعت العناية بالمحسنات البديعية وروح السجع والتكلف. إذ لم يعد الفكر وقفاً على فئة معينة، إنما ساد الاتجاه في ضرورة مخاطبة العامة بلغة مبسطة واضحة خالية من التعقيد. فالثقافة أضحى لها دور يتلخص في تنوير الأذهان وتنبيه الناس إلى ضرورة نبذ القديم والمتخلف والنظر بجدية إلى الأمور والبحث عن وسائل للرقي والتطور (36). وبرزت اتجاهات جديدة في مجال الدراسات الأدبية واللغوية والفكرية عبّرت عن الرصانة والبحث العميق فمرزوق عيسى في بحثه عن المعاجم العامة في اللغة العربية، يفصح عن متابعة دقيقة وروح علمية (37). وكان هذا الاتجاه متوافقاً مع خط مجلة لغة العرب لصاحبها الأب أنستاس ماري الكرملي. التي حرصت على متابعة موضوع اللغة العربية وتاريخها وأهميتها في حفظ الكيان الثقافي للأمة العربية. ولم تقتصر المتابعات في جانب واحد، بقدر ما كانت تتقصى الظواهر اللغوية ، والبحث عن السبل الكفيلة لتجاوز الأخطاء السابقة والشائعة (38). كما نشطت العديد من الفعاليات الثقافية، حيث كان لها الإسهام في بلورة الوعي وتوضيح صورة النتاج الذي بلغه الكاتب العراقي. فبرزت حركة ترجمة نشيطة في مجال المسرح والقصة والرواية والدراسات العلمية (39). فيما تصدرت الصحف العراقية إعلانات عن تمثيل مسرحيات يؤديها طلبة المدارس وعن "كتبخانه" مكتبات لبيع الكتب إلى جمهور العامة وبصورة خاصة الكتب المدرسية لا سيما الابتدائية والرشدية والإعدادية والحقوق (40).
حاول الاتحاديون بعد سيطرتهم على مقاليد الحكم، تطبيق سياسة موحدة في مجال التعليم وجعل التركية لغة التدريس الرسمية، وقد انطوت السياسة التعليمية على محاولات لجعل المدارس طريقاً للتبشير بأهداف الجمعية والدعاية لها. إلا سعياً حثيثاً للتوسع في فتح المدارس الحديثة والاهتمام بالتعليم كان بادياً للعيان. حيث اهتمت وزارة المعارف بتنظيم شؤون المعارف في ولاية بغداد، وظهرت أكثر من مدرسة ابتدائية في مدن مثل بغداد والكاظمية وعنة والسماوة وخانقين والنجف وكربلاء والحلة والديوانية لتعليم البنات، كما ظهر الاهتمام بشؤون التعليم من خلال العناية بشؤون التفتيش والمراقبة والعناية بالمناهج الدراسية ومنح المدارس مجالاً واسعاً من الأنشطة لفتح آفاق الطلبة وتهيئتهم لأداء دورهم الاجتماعي (41). إلا أن قلة الكادر التعليمي كان عقبة كأداء في طريق نشر المعارف، فقد عانت المدارس من نقص فاضح في عدد المعلمين، حتى أن جريدة الرقيب خاطبت الجمعية الوطنية للانخراط في مجال التعليم، وحثت المتعلمين على الاتجاه لخدمة أبناء الوطن (42). وعلى الرغم من هذا النقص إلا أن المطالبة بتوسيع عدد المدارس والاهتمام بها وبذل الرعاية لها كان مطلباً مستمراً، انطلاقاً من الوعي الذي ساد بعد بروز الحياة الدستورية وانتشار مفاهيم الإصلاح والتغيير، فكانت المطالبة بنشر التعليم والعناية به مطلباً متوافقاً مع المرحلة الجديدة. حيث تأسست في بغداد مدرسة الحقوق عام 1908، وبدأ المجتمع يعي جدوى التعليم وأهمية انخراط أبنائهم في المدارس للحصول على مستقبل أفضل (43). حتى أن افتتاح المدارس كانت تحظى باهتمام ورعاية الولاة والوجهاء. فخلال افتتاح كلية العراق الإسلامية "الكلية الأعظمية" في شهر حزيران 1911، نظمت حفلة كبيرة وصفتها مجلة لغة العرب؛ "وكان قد حضر حفلة ترقيتها جمع غفير من أكابر البلدة ورجالها الأماثل من عسكريين وملكيين ومدنيين" (44). ولم تقف الأمور عن حد المشاركة الوجدانية، بقدر ما برزت مشاركات من لدن الوجهاء وأصحاب الأموال في إنشاء المدارس والتبرع بالأموال في سبيل تأسيسها، حيث تبرع أهالي الهويدر من قرى بغداد بمبلغ 7715 قرشاً لتأسيس مكتب أهلي لتخريج أبنائهم في العلوم والمعارف (45). فيما أقدم مجلس المعارف في الأستانة على تقديم الأموال لتأسيس المدارس ودور العلم، حيث تم رصد مبلغ 10,600 ليرة لتأسيس دار المعلمين في بغداد والتي احتفل بوضع حجر الأساس لها في 8 كانون الأول 1911. وإنفاق 35 ألف قرش على طلبة المكتب الإعدادي الملكي في بغداد (46). وأخذت الصحافة العراقية على "خفافيش العلم وأعداء النور والعمران في الوطن أخذوا يقتلون في الذروة والقارب" (47). حين تعرض برنامج مدرسة الأعظمية العالية للتوقف والإعاقة من قبل بعض العناصر الرجعية، وهكذا ضاعت الجهود التي بذلها منورو الأعظمية وعلى رأسهم نعمان أفندي الأعظمي صاحب مجلة تنوير الأفكار والمبالغ التي رصدتها الحكومة (48). إلا أن عقبات التعليم لم تكن تظهر من قبل الجهات المحافظة فقط، بل كانت تتماثل فيها بعض ردود الفعل السياسية، فقد حاول جمال بك والي بغداد إغلاق مدرسة الحقوق، إلا أنه عدل عن فكرته تلك حين وجد التيار العربي القومي الذي يرفض الإلغاء ويصر على استمرار المدرسة (49). كما أدخلت الحكومة تعليم اللغة العربية في منهج الدروس، إلا أن اللغة الرسمية كانت التركية (50).
وفي مجال تعليم الأقليات الدينية، فإن اليهود كانوا يحظون بنظام تعليمي متقدم، حتى أن مدرسة التعاهد الإسرائيلي المعروفة باسم إليانس كانت الأشهر والأفضل من بين تلك المدارس، حيث تدرس العلوم فيها باللغة الفرنسية. وقد حاولت الجمعية الصهيونية جعل العربية لغة رسمية لهذه الدولة. وقد حاولت جمعية يهودية ألمانية، جعل التدريس في تلك المدرسة باللغة الألمانية (51). وقد حرص اليهود على إنشاء المدارس الخاصة بطائفتهم، حيث عمد العازر خضوري أفندي إلى تقديم مبلغ واحد وعشرين ألف ليرة عثمانية لتأسيس مكتب الإناث الإسرائيليات في بغداد (52). كما أقدموا على تأسيس مدرسة ليلية لأبناء الطائفة في بغداد باسم "مدرسة الوطن" (53). وقد حاولت بعض الجهات الأجنبية تأسيس مدارس خاصة بها، حيث أنشأ الألمان في بغداد مدرسة عام 1909، يتم فيها التدريس باللغة الألمانية بالإضافة إلى تعليم اللغات العربية والتركية والفرنسية، كما سعت في تعليم اللغة الألمانية خارج أوقات التدريسات (54).
ويصف ناجي شوكت رئيس وزراء الحكومة العراقية الأسبق الأوضاع الدراسية إبان حقبة العهد الدستوري العثماني مشيراً إلى أن مدة الدراسة الابتدائية كانت ثلاث سنوات، أما مدة الدراسة في الإعدادي الملكي فهي سبع سنوات، منها ثلاث سنوات للرشدية وسنتان للإعدادي الأول وسنتان للإعدادي الثاني. وكيف كان الطلاب بالإضافة إلى ذكائهم وحرصهم على المتابعة (55)، يطلقون الألقاب على بعض أساتذتهم ووعيهم المبكر إزاء إعلان المشروطية، حيث طالبوا بإقصاء المعاون الأول لمدير المدرسة، على غرار موقف طلبة المدرسة الحربية العسكرية الذين تمردوا على مدير مدرستهم. والتطورات التي رافقت خلع السلطان عبد الحميد، وانعكاساتها على أوضاع الدراسة في ولاية بغداد، حيث تشكلت في مدرسة الإعدادي الملكي، لجنة مدرسية تألفت من مدير المدرسة رئيساً، وأحد المدرسين عضواً وأحد الطلبة "ناجي شوكت" عضواً، وأصدرت مجلة مدرسية أطلق عليها "لمعة معارف" كان صدورها أسبوعياً (56). وعن أحوال الطلبة ومكانتهم الاجتماعية ندرج هذا الوصف الذي قدمته جريدة صدى بابل؛ "سافر طلبة المكتب الإعدادي العسكري من مدينة دار السلام إلى العاصمة لإنهاء دروسهم، شيّعهم ثلة من العسكر وجمع غفير من الأهالي إلى ظاهر المدينة تتقدمهم الموسيقى (57). ومن خلال هذه الاحتفالية تتضح أهمية الطلبة وما يعوّل عليهم المجتمع البغدادي من آمال في بناء الوطن وترقيته، فسفر الطلاب ليس بالأمر العابر، وكان للطلبة والمدرسين إسهامات واضحة على الصعيد الاجتماعي، حيث أقدم مدرسو مدرسة الإمام الأعظم وطلابها وطلبة المدرسة الابتدائية ومدرسة التربية الإسلامية، لعقد اجتماع شعبي من أجل جمع التبرعات المالية لمساعدة الأيتام والأرامل (58).
مثل التعليم الحديث مدخلاً لتقريب وجهات النظر حول التقارب في موضوع الوحدة الوطنية، ونبذ الخلافات المذهبية والانقسامات التي تغذيها العزلة والابتعاد عن حالة التقارب. وكان لتأسيس مدرسة الترقي الجعفري العثماني في بغداد عام 1908، بجهود جعفر أبو التمن وعلي البازركان ورؤوف القطان ومهدي الخياط، أثره الواضح في فتح الآفاق وتوسيع مجالات الإطلاع بالنسبة للناشئة على العلوم الحديثة واللغات الأجنبية، ليتسنى لهم الانصهار في بوتقة المتغيرات التي كانت تبرز بقوة (59). وكرد فعل على الموقف العثماني الذي كان يحاول أن يمارس سياسة الفصل بين المناطق في التعليم، فكان وعي النخبة المثقفة بأهمية الوحدة الوطنية، وتجاوز النعرات التي يؤججها العثمانيون، ودليل على عمق الوشائج التي تربط أبناء العراق في مواجهة التحديات لا سيما الفكرية منها (60).
وعلى الرغم من ظهور المدارس الحديثة الطراز والقائمة على المناهج المتنوعة والمتقدمة. إلا أن المدارس الدينية بقيت تؤدي دورها في الحياة التعليمية في العراق. وكان هذا يعود لعدة أسباب منها؛ قلة المدارس الحكومية (61)، والنقص الواضح في عدد المعلمين فيها، بالإضافة إلى عزوف العديد من أولياء الطلبة لزج أبنائهم في المدارس الحديثة خوفاً عليهم من المفاسد التي كانوا يعتقدون أنها بثتها في عقولهم، والحرص على تعليم أبنائهم شؤون دينهم فهو أجدى من إشغالهم في تحصيل علوم لا فائدة تجنى منها (62).
قيّض للصحافة الإفادة من الأجواء التي أتاحها الدستور والفسحة الواسعة للتعبير عن الرأي، حتى كان منبراً للتصريح وتناول شتى المواضيع التي كان من الصعب التعرض لها أو المرور عليها. وانطلاقاً من هذا الوعي اعتقد البعض أن الصحافة هي الطريق اليسير لبلوغ المآرب وتحقيق الأماني، من خلال جعلها وسيلة ضغط على الآخرين وابتزازهم. إلا أن تياراً آخر، مثل الاتجاه الصميم والواعي لرسالة الصحافة، حيث برزت التوجهات نحو خدمة الوطن من خلال كشف التناقضات وتحديد الأخطاء والمطالبة بصدق وأمانة لتغيير الأوضاع (63). وأتاحت الصحافة الفرصة الواسعة للأدباء عن التعبير عما يجول في رؤوسهم من أفكار واتجاهات، مستفيدين من الأجواء الجديدة التي خلقها الدستور، حتى برزت صحف مثلت اتجاهات خاصة وراحت تعبّر بحرية عن مواقفها إزاء ما يدور من أحداث، بل وتصاعدت إلى أن بلغت حد التصادم بين الآراء المختلفة التي انتشرت في الساحة الثقافية، وراحت الصحف تعبر عن وجهات نظر أصحابها بين مؤيد للرابطة الإسلامية والارتباط بالدولة العثمانية، وتيار ينادي باللامركزية، ونتيجة لحداثة التجربة الصحفية ونقص الخبرة، وقعت الصحف الصادرة في تلك الحقبة بالمهاترات والسب العلني والانتقاد المباشر للمخالفين لرأي أصحاب الصحف (64).
وكانت جريدة بغداد لمؤسسها مراد سليمان، أول صحيفة تصدر في العراق بعد إعلان الدستور، حيث وقفت نشاطها على نصرة الحياة الجديدة والتبشير بالإصلاح والتغيير، وفتحت صفحاتها لاستقبال النتاج الفكري والأدبي لأبرز كتاب تلك المرحلة، حيث ساهم في تحريرها جميل الزهاوي ومعروف الرصافي وفهمي المدرس (65) وكاظم الدجيلي ويوسف غنيمة ، والواقع أن تلك الجريدة صدرت برعاية حزب الاتحاد والترقي، وكان لعلاقة القربى بين صاحبها ومحمود شوكت باشا "شقيقه"، الأثر الأهم في بروزها وحصولها على المكانة الهامة. إلا أن هذا الأمر لا يعد الجانب الأساس في بروز تلك الصحفية. فقد كانت لاعتمادها على كتاب لهم مكانتهم المتميزة، وتنوع مواضيعها، وسبقها للظهر، عوامل دعم لمكانتها، إلا أنها لم تعمر طويلاً، فقد قرر فرع حزب الاتحاد إغلاقها في العام التالي (66).
ومن الصحف التي برزت وأكدت حضورها، جريدة الرقيب لصاحبها عبد اللطيف ثنيان الذي أصدرها في 28 كانون الثاني 1909، وكانت أبرز ميزاتها الجرأة والحرص على تقديم الأفضل للوطن دون مواربة أو نفاق. ولم تعدم الجريدة أن تعرضت للاتحاديين وانتقدت سياستهم. فيما برز التيار العروبي واضحاً فيها من خلال تأكيدها على أهمية اللغة العربية وضرورة رعايتها والاهتمام بها. ولم تكن عن مهاجمة سياسة التتريك التي نهجها الاتحاديون، وراحت تذكرهم بالاستبداد الحميدي، الذي كان مادة الاتحاديين المفضلة حين يتعرضون بالنقد لأوضاع الدولة. ولم يتوان صاحب الجريدة من تكريس جريدته ونفسه لمهاجمة الاتحاديين، حتى أنه ساهم في تظاهرة نددت بالاتحاديين، مما أثار نقمة الوالي عليه، واضطره لإغلاق جريدته والهرب إلى الشام. وكان لجريدة صدى بابل لمؤسسها داود صيلوا في 13 آب 1909، صدىً واسعاً لدى جمهرة القراء، الذين أقبلوا عليها، نتيجة للحس الوطني الذي طبعها وتأكيدها على ضرورة جعل العربية لغة رسمية في العراق. أما جريدة النهضة التي أسسها إبراهيم حلمي العمر في 3 تشرين الأول 1913، فكانت منبراً قومياً كرست جهودها وأقلام كتابها للدعوة للقومية العربية، ومطالبة الاتحاديين بالعودة إلى الطريق القويم ونبذ العنصرية، حتى كانت كتابات محمد رضا الشبيبي وتحسين العكري وبهجت زينل تجهر بالدعوة القومية وإعادة مجد العرب ورفع الظلم عنهم. وعلى هذا لم يصدر من تلك الجريدة سوى أحد عشر عدداً، حيث عمدت الحكومة إلى إلغاء امتيازها واضطهاد مؤسسها وصاحب امتيازها (67).
وعلى الرغم من خيبة الأمل التي واجهها المثقفون العراقيون في انحراف الحياة الدستورية عن جادتها الأصلية، إلا أن روح الأمل والتجديد بقية ماثلة للعيان، فلم يخمد إوارها أو تنطفئ شعلتها. فهذا محمد باقر الشبيبي يكتب قصيدة عن الصحف (68):
صوت الشعوب وصيتها الصحف تجري بهم للمجد إن وقفوا
ماذا أقول وكيف أذكرها وبأي وصف مثلها أصف
عرفوا الحقوق وكل عارفةٍ فيها ولولاها لما عرفوا
وعن أهمية الصحافة وعمق دورها، لم تخف مجلة لغة العرب إعجابها وتقديرها العالي للجهد الذي بذله الفيكونت فيليب دي طرازي، لتصدّيه لموضوع تاريخ الصحافة العربية منذ نشأتها وحتى أيام صدور الكتاب (69)، مما يعكس الاهتمام بدور الصحافة وأثره في الرأي العام والتعبير عن وجهات النظر المختلفة والوقوف على المستوى الفكري والإبداعي. ولابد من القول أن صحافة العراق التي برزت في تلك الحقبة، كانت تحت تأثير صدمة التغيير التي هزت الأوضاع العامة. فكان أن ظهرت صحف كثيرة العدد، إلا أن ما بقي منها كان قليلاً، وهذا يعود لأسباب عدة منها؛ قلة الخبرة وانعدام التخطيط والحماسة التي طغت على أصحاب الامتيازات والتي مثلت في أغلبها ردود فعل، بالإضافة إلى قلة بضاعة البعض وركاكة أسلوبهم وشحة معلوماتهم، فيما أراد البعض منهم أن تكون الصحيفة وسيلة الرغبات وتطمين المصالح (70).
لم تتأخر الصحافة العراقية عن أداء دورها الوطني، من خلال موقفها من سياسة الاتحاديين، مما جعل الكتّاب العاملين فيها عرضة للاضطهاد والمطاردة، مما يعكس الفاعلية التي كانت عليها الحركة الفكرية في العراق واستقلاليتها وعدم انقيادها للسلطة. ويأتي الإصرار الذي ظهر عليه الصحافي العراقي كمعبّر واضح عن الإيمان بفكرة العمل الذي يؤديه، فكان أكثر من صحافي يعمد إلى إصدار صحيفة أخرى في حالة تعطيل جريدته. حتى كانت حكومة الاتحاديين تحت فكي الرحى، فهي بين الادعاء بالحرية والمساواة أمام الدستور، والتيار الفكري القومي الذي عبّرت عنه أقلام الكتاب العراقيين، فاضحة التناقضات ومنددة بالسياسة العنصرية ومؤكدة على أهمية العرب (71). إلا أن ارتباط الصحف بالدولة العثمانية، كان ينبع من حقيقة الوشائج التي يمثلها الإسلام، فلم تتوان الصحف عن الاحتفال بذكرى يوم العيد الملّي (72). أو المطالبة بضرورة جعل التعليم الابتدائي للطلبة الذين تتراوح أعمارهم بين 7-11 سنة مجانياً وإجبارياً (73). ومن هذا التداخل يتضح موقف الصحافة العراقية من الأوضاع العامة التي خلقتها سياسة الاتحاديين فالآمال الواسعة التي غرسها الاتحاديون في نفوس الجماهير جعلت المطالبة بالتغيير أمراً مشروعاً، إلا أن مداخلات السلطة وتباين الأهداف جعل من التصريح بالحقائق والمجاهرة بها تهديداً لسلامة الاتحاديين وخطراً عليهم.
تابعت الصحافة العراقية مختلف النشاطات، وتعرضت بالتحليل للبعض منها، وهي لم تكتف بإيراد الأخبار، بقدر ما كانت تصنع رأيها وتصوراتها حولها، فمجلة لغة العرب تشعر بعدم براءة إلى استمرار صدور جريدة صدى الصوت في البصرة على الرغم من المنع الذي أصدرته الحكومة (74). وقد حاولت وزارة الداخلية العثمانية محاصرة النشاط الصحافي عن طريق الإمساك بالهفوات التي كانت تصدر من أصحاب الامتيازات، حيث صدر القرار بسقوط امتيازات الصحف التي تأخرت بالصدور بعد الحصول على الامتياز ولم يبق من الصحف سوى؛ الزوراء، الزهور، الرياض، المصباح، صدى بابل، النوادر، أما المجلات الباقية فهي؛ العلم، لغة العرب (75). ويورد فيليب دي طرازي خمسة وأربعين جريدة صدرت في بغداد للفترة من 1908-1915 وفي البصرة اثنتا عشرة جريدة وفي الموصل أربع صحف. وعن أحوال صحف البصرة والظروف التي كانت تحيط بها، يمكن الإشارة إلى أن جريدة الأيقاظ قد توقفت عن الصدور بسبب سفر صاحب امتيازها المحامي سليمان فيضي الموصلي إلى الديار المقدسة عام 1910، أما جريدة الفيض الجديد فقد توقفت نتيجة لاختلاف وجهات النظر بين داود نيازي صاحب امتيازها ومكنوي زادة عمر فوزي مديرها المسؤول، فيما توقفت جريدة التهذيب لتعيين صاحب امتيازها باش أعيان زادة محمد أمين علي، عضواً في المحكمة في دائرة البصرة (76).
أسهمت النجف في النشاط الصحافي حيث صدرت فيها خلال الفترة 1910-1912 ثلاث صحف؛ الغري، النجف، درة النجف، ومجلة واحدة؛ العلم لصاحبها ورئيس تحريرها محمد علي هبة الدين الحسيني الشهرستاني والتي كان يدير تحريرها عبد الحسين الأزري. وتم طبع بعض أعدادها في بغداد، فيما طبعت الأغلب منها في مطبعة حبل المتين في مدينة النجف (77). أما في الموصل فقد صدرت ثلاث صحف جديدة هي؛ نينوى، النجاح، جنة باز، بالإضافة إلى جريدة الموصل الرسمية. من الواضح أن أثر الدستور كان بادياً للعيان في الموضوعات التي تم تناولها في الجرائد الموصلية، حيث عبر كتاب وأدباء الموصل عن آمالهم العريضة بما سيحققه الدستور من تغيير للأوضاع وتقدم يشمل مختلف قطاعات الحياة. ولم تبتعد الصحف الموصلية عن دائرة الصراعات الفكرية والسياسية أو التعبير عن جمعيات وتيارات فجريدة نينوى التي تم تأسيسها من قبل فرع جمعية الاتحاد والترقي في الموصل في 15 تموز 1909، صدرت جهودها نحو خدمة الأوضاع الجديدة والتبشير لها. فيما تناولت جريدة النجاح التي تأسست في 12 تشرين الثاني 1910، مواضيع لم يخف فيها روح النقد للحكومة. حتى أنها تبنت الدعوة اللامركزية والتبشير لأهداف جمعية الحرية والائتلاف (78).
وقعت الصحف العراقية في فخ المهاترات الشخصية والنقد بل والسب والشتم الشخصي، نتيجة لقلة الخبرة، وتحريك بعض العناصر من قبل الجهات الحكومية. حيث عمدت إلى بعض الأقلام المأجورة للتشهير بأسماء صحفية وطنية وضعت نصب عينها خدمة الوطن ورصد الأوضاع الشاذة. ولم يتوان داود صليوا من الرد من خلال جريدته صدى بابل على بعض منتقديه بجرأة وشجاعة (79). إلا أن هذه المهاترات سرعان ما أضحت مادة دسمة للعناصر المحافظة، حيث حمّلوا الدستور والحرية التي نادى بها مسؤولية هذه الظاهرة. وجددوا دعوتهم الهادفة لإلغاء الدستور والعودة إلى الأوضاع القديمة (80). ولم يكن الصحافي العراقي في منأى عن الظلم والعسف والاضطهاد، لا سيما بعد أن عمدت حكومة الاتحاد والترقي إلى تعديل قانون المطبوعات العثماني، حيث سيق سليمان فيضي صاحب جريدة الأيقاظ في البصرة إلى الحبس، وتمت مقاضاة وحبس الشاعر محمد الهاشمي لنشره قصيدة تعرض فيها للطغاة في أرجاء الأرض. ونال الصحافي إبراهيم حلمي العمر الضرب المبرح من قبل الوالي جاويد بك لنشره مقالاً في إحدى الصحف المصرية تعرض فيها لسياسة الاتحاديين. كما أمرت وزارة الداخلية العثمانية بإغلاق جميع صحف البصرة في أواخر عام 1913 نتيجة لاعتمادها على نفوذ طالب النقيب (81). والواقع أن إجراءات الاتحاديين في غلق الصحف واضطهاد أصحابها وكتابها برزت في فترة مبكرة. ومما يعكس احترام الصحافي العراقي لقرائه ومتابعي جريدته، الإعلان الذي أقدم على نشره عبد اللطيف ثنيان على صدر جريدة صدى بابل، منبهاً القراء إلى تعطيل جريدة الرقيب (82). وخلال الحرب العالمية الأولى ونتيجة لإعلان حالة الطوارئ، عمدت السلطات العثمانية إلى نفي عبد الحسين الأزري وداود صليوا وانستاس الكرملي إلى قيسري ، وإبراهيم صالح شكر وعبد اللطيف ثنيان إلى الموصل، فيما عمد البعض من الصحافيين إلى الهرب حيث توجه سليمان الدخيل ورشيد الهاشمي وكاظم الدجيلي إلى البصرة (83).
شهدت حقبة الدستور، تأسيس أكثر من مطبعة في العراق، حيث تم تأسيس شركة أهلية قامت باستيراد مكائن الطبع الحديثة عام 1909، أطلق عليها اسم مطبعة الآداب تحت إشراف يوسف فرنسيس الموصلي، وفي العام ذاته أقدم جلال الدين الحسيني على تأسيس مطبعة النجف، ومن الذين تولوا إدارتها السيد محمود اليزدي (84). وفي العام 1910 استورد عيسى محفوظ مكائن الطباعة من فرنسا لتأسيس مطبعة الموصل، والتي تم فيها طبع عدد من الصحف الموصلية مثل نينوى وجكة باز الفكاهية الصادرة باللغة التركية. كما تم تأسيس مطبعة بجهود سليمان الدخيل تم فيها طبع جريدة الرياض مجلة الحياة بالإضافة إلى طبع بعض الكتب. وفي العام 1912، أقدم فرع حزب الاتحاد والترقي في البصرة على جلب مطبعة من أوروبا، تم فيها طبع جريدة الدستور لمؤسسها عبد الله الزهير. ويضع الدكتور خليل صابات جملة من الملاحظات حول الطباعة في العراق إبان تلك الحقبة منها؛ كثرة مطابع الصحف، ودخول العراقيين في هذا المجال، وظهور المطابع التجارية الحديثة، وظهور الشركات الأهلية لتأسيس المطابع ودور النشر (85).
وكانت ظاهرة كثرة الأخطاء المطبعية، من الأمور البارزة في المطبوع العراقي، حيث كانت تعزى إلى حداثة تلك الصناعة في العراق (86). فيما حملت مجلة لغة العرب على مطبعة الشابندر وانتقدت كثرة الأخطاء في مطبوعاتها؛ "أما أغلاطه المطبعية فهي أكثر من أن تحصى، ولهذا لا نتعرض لذكرها. ويكفيك علماً أن الكتاب طبع بمطبعة الشابندر التي لا تعنى كل العناية بتصحيح مسودات الطبع على ما تنقح لها" (87).
نجم عن إعلان المشروطية تبايناً في الآراء والمواقف، حتى أن مراكز النفوذ في العراق انشقت إلى تيارين متقابلين، أحدها مؤيد للدستور ممثل في المتعلمين ورجال الإصلاح الإسلامي المتأثرين بدعوة جمال الدين الأفغاني، والآخر رافض للدستور بصورة مطلقة، بدعوى أنه يقوّض أركان الدين الإسلامي ويهدم عرى العلاقات القديمة ويهدد سلامة المجتمع، حتى أن المحافظين لم يتورعوا عن تأليف جماعة أسموها "المشورة" وضعت تحت زعامة "عبد الرحمن النقيب" (88)، إلا أن هذه الجماعة حصرت نشاطها بالدعوة إلى ضرورة المحافظة على الإسلام الذي يمثل الرابطة القوية التي توثق العلاقة مع العثمانيين. وبهذا تكون علاقة "جماعة المشورة" مع الاتحاديين مؤلفة من التبعية والارتباط، لا المواجهة وتحديد المواقف، ولتوضيح هذا القول نقتطف هذه الكلمات لتوفيق السويدي التي يصف المواقف السياسية لعبد الرحمن النقيب؛ "وفي المواقف الأخرى المتعلقة بسياسة الاتحاديين لتتريك العناصر كان النقيب أضعف العناصر لمقاومة هذه السياسة. حتى أن جمال باشا ومن أتى بعده من صناديد الاتحاديين كانت صلاته مع النقيب على خير ما يرام" (89). إلا أن إشارة كهذه لا تبيح لنا الانسياق خلف مقولات جاهزة بقدر ما يجب التركيز على أهمية الرابطة الإسلامية وعمق جذورها وتأثيرها في الحياة الفكرية العراقية. حتى أن العديد من الكتاب والأدباء العراقيين كانوا إلى جانب الإصلاح والحياة الدستورية في ظل الدولة العثمانية، وهو رد فعل طبيعي للخشية والحذر من خطر النفوذ الأجنبي، الذي عرفوا فيه تهديد الكيان الروحي والثقافي. وكان الدفاع يأخذ شكل التعبير عن حقيقة الإسلام وأفقه الواسع في تحقيق العدالة للجميع (90)، وإزاء النشاط التبشيري الذي كانت تدعمه جهات دولية وترصد له الجهود والأموال داخل الدولة العثمانية، فكان النشاط التبشيري الكاثوليكي يلقى الدعم من قبل فرنسا والأرثوذكسي من روسيا القيصرية، والبروتستانتي من قبل إنكلترا وأمريكا (91). بالإضافة إلى ارتباط أبناء العراق بالدولة العثمانية في الحروب التي تدخل مع الدول الأوروبية (92). ويأخذ التعبير مداه حين تتعرض طرابلس للغزو الإيطالي، حيث عقدت في بغداد حلقات جماهيرية تم فيها التبرع لدعم المجهود الحربي (93). وعبر شعراء بغداد عن تضامنهم مع أشقائهم في تلك النازلة التي حلت بهم فكانت قصائد حبيب العبيدي وخيري الهنداوي تثير الهمم وتستحث نداء العروبة والإسلام (94). ولم يتوان مفكرو العراق عن المشاركة الفعلية في الدفاع عن الدولة العثمانية إن كان على صعيد النتاج الفكري أو المساهمة في الجهاد، فكانت مواقف عبد المحسن الكاظمي وحبيب العبيدي ومعروف الرصافي وعلي الشرقي ومحمد حسن آل كاشف الغطاء ومحمد باقر الشبيبي وخيري الهنداوي واضحة بيّنة عبرت عن الإيمان بالرابطة الإسلامية (95). وهذا محمد سعد الجنوبي 1915، يخرج على رأس المتطوعين من العشائر، بعد أن أفتى بالجهاد لمواجهة الجيش البريطاني في الشعيبة (96).
برز الاتجاه نحو اللامركزية بشكل ملفت للنظر لدى السياسيين العرب، لا سيما أعضاء مجلس المبعوثان العثماني، حتى أن خمسة وعشرين نائباً عربياً عمدوا إلى تحرير خطاب موجه إلى الشريف حسين بن علي عام 1911، يظهرون له استعدادهم بمبايعته والسير تحت رايته، إذا ما أعلن الثورة على الأتراك. ويأتي هذا الموقف بعد فشل مساعيهم في تحقيق مطالبهم التي تلخصت باستقلال الولايات العربية الإداري وجعل اللغة العربية رسمية في البرلمان والإدارات الحكومية، وقد حمل ذلك الخطاب إلى الشريف حسين، السيد "طالب النقيب 1929" (97) الشخصية السياسية الشهيرة، والذي اتخذ من مدينة البصرة مركزاً لنشاطه السياسي. ونتيجة لمواقفه المناوئة لحزب الاتحاد والترقي، وضعت خطة لاغتياله في البصرة، حيث تم إرسال رجلين لتنفيذها أحدهما برتبة عقيد والآخر بديع الحصري "شقيق ساطع الحصري" الذي عين متصرفاً للواء المنتفك للتضليل. إلا أن نفوذ طالب النقيب وسعة علاقاته وقوتها، جعلته يقف على جلية الأمر، حيث عمد إلى اغتيالهما حال دخولهما المدينة (98). وفي هذا يتضح الرفض الذي كانت تلاقيه جمعية الاتحاد والترقي في البصرة، ومن العوامل التي ساهمت في زيادة توتر العلاقة بين الحكومة والعشائر، ميل الاتحاديين في إنهاء نظام المشيخة وتوطين القبائل مما جعلهم يواجهون رفضاً شديداً بلغ حد الصدام المسلح (99). وعبر هذه الاتجاهات، كان الاتحاديون يوسعون دائرة العداء لهم. وقد بلغت الحالة حد الذروة، حين جاهروا بسياسة التتريك واضطهاد القوميات الرازحة تحت السيطرة العثمانية. ولم تقف الحالة عند حدود المشاعر، بل رافقها عمل منظم، تمثل بالعمل على تأسيس جمعيات وأحزاب قومية عربية هدفها مواجهة المد العنصري ومحاولة الحفاظ على الكيان الثقافي والسياسي والفكري العربي. وقد لعبت الجمعيات السرية العربية دوراً واسعاً وكبيراً في تحديد الأهداف، حيث أشارت إلى سبيل الثورة للحصول على الاستقلال من السيطرة العثمانية (100). وينفي نوري السعيد أية نية للانفصال عن الدولة العثمانية، مشيراً إلى أنه كان إلى جانب عدم القيام بأية ثورة مسلحة إنما تلخصت توجهات الشباب العربي القومي بالاستعانة بنفوذ الزعماء العرب في الجزيرة العربية ويلخص إلى القول؛ "لقد ألحقت حكومة الاتحاديين هذه التهم برجال العرب ظلماً وعدواناً، إذ لم يكن لها ظل من الحقيقة ذلك لأن الجمعيات العربية المختلفة لم يكن هدفها غير الإصلاح وتشكيل حكومات محلية أو إدارات لا مركزية ولم يخطر ببال أية جمعية عربية فكرة الانفصال عن الدولة، وذلك لأننا كنا على علم تام بمطامع الدول في الإمبراطورية العثمانية وأنه ليس للعرب من القوة والمؤهلات ما يمكنهم من تأسيس حكومة عربية مستقلة والمحافظة على كيانها" (101). وعلى الرغم من الوصف الذي يصفه الفريق جعفر العسكري حول "حزب العهد" السري وعدم مطالبته بالانفصال عن الدولة العثمانية. إلا أنه يشير إلى النشاط الذي بذله الحزب في إنشاء فروع له في بغداد والبصرة والموصل وبث الفكرة القومية بين الضباط العرب "ومن الطبيعي أن القصد من هذه التشكيلات كان الاستعداد للانتفاضة بالسلاح، والاستعانة بالجنود من أبناء العرب عند سنوح الفرصة". (102)
أبرز الاتحاديون عداء غير مبرر للعنصر العربي، حتى أنهم عرّضوا بالشخصيات التي كانت تحتل مناصب رفيعة في العهد السابق للدستور. وتتوضح المغالاة في الهجوم على العنصر العربي ووصمهم بالخيانة والتركيز عليهم مع إهمال الشخصيات من القوميات الأخرى. حتى كانت من وسائل الفرز العرقي والقومي، بعد أن كان الانتماء إلى الدولة العثمانية هي السمة الغالبة (103). وكان لتصاعد حمى العنصرية والإجراءات التي عمد إليها الاتحاديون، أبلغ الأثر في إبراز الوعي القومي العربي، حتى بدأت المطالبة أولاً بالدعوة إلى اللامركزية وفسح مجال أوسع للعنصر العربي ورفع الحيف عن الولايات العربية والاهتمام بمشاكلها وتقديم الحلول المناسبة لها (104).
عبّر العرب عن تأييدهم للدستور، وأملوا فيه حياة جديدة، وعلى هذا كانت الحركة الفكرية العربية قد اتجهت نحو تأسيس جمعية الإخاء العربي العثماني عام 1908، والتي لخصت أهدافها في ضرورة المساواة بين العناصر القومية المختلفة التي تؤلف الدولة العثمانية والعناية بالثقافة العربية، وجعل العربية لغة رسمية في المدارس (105). إلا أن التطورات اللاحقة وزيادة الوعي، حمّل الحركة الفكرية العربية توجهات جديدة، كان أبرزها المطالبة باللامركزية ومطالبة الاتحاديين بتعديل نهجهم، مما حدا ببعض المثقفين العراقيين للانضواء تحت لواء حزب الحرية والائتلاف "تأسس في 8 تشرين الثاني 1911"، وتأسيس فرع له في بغداد، وكان من بينهم محمود نديم، كامل الطبقجلي، إبراهيم صالح الشكر، إبراهيم حلمي العمر، حمدي الباجه جي (106). بالإضافة إلى الجمعيات العربية التي أنشأها أحرار العرب وبأشكال مختلفة بين سريّ وعلني، حتى كانت الحرب العالمية الأولى، والتي مثلت مواجهة عنيفة بين السلطات الاتحادية والقوميين العرب، تم فيها إعدام ونفي وتشريد أغلب رجال الحركة العربية (107). إلا أن موقف العراقيين من الدولة العثمانية، لم يأخذ بشكل ابتهال الفرصة، بقدر ما كان تعبيراً عن قوة الارتباط الإسلامي وتمركزه، بحيث أن فتوى الجهاد التي أعلنها رجال الدين لمواجهة الغزو الأجنبي في جنوب العراق، امتثلت له مختلف شرائح العراقيين، فكان تعبيراً عن قوة الرابطة الإسلامية، فيما عبّر الضباط العراقيون عن نيتهم التخلص من السيطرة العثمانية، نتيجة لما واجهوه من عناد وتعسف وتفرقة من قبل السلطات الاتحادية، فوجدوا في ثورة الحجاز متنفساً لتغيير الأوضاع التي ألمت بهم (108). والواقع أن تعسف الاتحاديين لم يبلغ العرب فقط، بل طال جميع العناصر المنادية بالحرية والمساواة التي تطالب بالسير الصحيح لدعم الدولة العثمانية وخير مثال على ذلك الانقلاب العسكري الذي قام به الاتحاديون للسيطرة على الحكم في 23 كانون الثاني 1913 بقيادة أنور باشا (109). ولم تقتصر الدعوة القومية على المفكرين العراقيين المجددين المطالبين بالإصلاح، بل حظت برعاية بعض أصحاب النفوذ والوجهاء، ومنهم "طالب النقيب" الذي أدى دوراً بالغاً ومميزاً بالوقوف في وجه السلطات الاتحادية، ومطالباً بإنصاف العنصر العربي، الذي عانى من عسف السلطات الحكومية، حتى أنه حرص على جعل مخاطباته مع السلطات العثمانية باللغة العربية (110).
أثمرت عودة الدستور عن نمو الوعي السياسي والفكري في العراق، وكان هذا نتيجة طبيعية للروح التي سادت بعد الانقلاب العثماني 1908، فلم يعد للعمل السياسي أو التعبير عن الآراء جريمة تعاقب عليها السلطات الحكومية، وكان للمناداة بالحرية والإخاء والمساواة، تلك الأعمدة التي استندت إليها جمعية الاتحاد والترقي في مواجهتها لحكم السلطان عبد الحميد، إذ وفرت المناخ الفكري، وأتاحت للمثقفين الطريق للولوج في ميدان العمل السياسي، والتعبير عما يجول في رؤوسهم من أفكار بهدف تغيير الأوضاع، والنهوض بواقع الدولة العثمانية. ولابد من الإشارة إلى أن العمل السياسي والانخراط في الجمعيات السياسية جاء متضامناً مع النشاط السياسي العثماني وبشكل علني، فكانت جمعية الإخاء العربي العثماني التي تأسست في 5 آب 1908، تعبيراً عن تضامن المثقفين العرب مع جمعية الاتحاد والترقي وتأييد إجراءاتها ونشاطها لتغيير الأوضاع والسير نحو الأمام على قدم المساواة انطلاقاً من الوعي الكامن بوحدة الرابطة الإسلامية والانتماء إلى كيان سياسي واحد (111). إلا أن أشكال التعبير السياسي نأت نحو السرية والكتمان حين توجه الاتحاديون نحو تطبيق سياستهم العنصرية. ويشير الدكتور فاروق صالح العمر إلى أهمية الجمعيات العربية السرية وإسهامها المباشر في إبراز الفكر القومي العربي، مستفيدة من تجارب الحركات والجمعيات والأحزاب السياسية التي ظهرت في الدولة العثمانية وأوروبا. بالإضافة إلى دورها المباشر في توضيح موقف جمعية الاتحاد والترقي من القضية العربية (112). حيث لم تدم فترة التطابق العربي-العثماني، فحيث عمد الاتحاديون إلى خلع السلطان عبد الحميد في 31 آذار 1903، كان من بين التصفيات التي عمدوا لها إغلاق جمعية الإخاء العربي العثماني، بعد أن لمحوا فيها الاتجاهات القومية العربية (113). وكان من نتائج ذلك العمل أن أقدم مجموعة من الشباب العربي وعلى رأسهم سليم الجزائري تأسيس الجمعية القحطانية السرية عام 1909 (114). ولابد من الإشارة إلى أن النشاط السياسي من قبل النخبة العراقية، لم يأخذ شكل الانضواء في جمعيات أو أحزاب قبل الانقلاب العثماني، وحتى النشاط السياسي الذي انخرط به المنورون العراقيون، إنما ارتبطت بواكيره بالعمل السياسي العلني (115). إلا أن تمادي الاتحاديين في اضطهاد الحركة القومية العربية حفز العديد من رجالات العراق لبث الأفكار المناوئة في مجالسهم الخاصة (116). والعمل على فضح التناقضات التي كان يقع فيها الاتحاديون بحذر، ودقة وسرية تامة (117).
لم يقف أمر المعارضة عند العناصر المكونة للدولة العثمانية من غير العنصر التركي، بل بلغت حد انضواء عناصر الحزب الحر المعتدل وآخرين انسحبوا من حزب الاتحاد والترقي وبعض النواب العرب، في حزب الحرية والائتلاف (118) الذي برز في معارضة الاتحاديين وركز على منح الولايات العثمانية الاستقلال الإداري تحت شعار اللامركزية (119). بل وتمكن من السيطرة على الدورة البرلمانية التي عقدت عام 1912، لتؤكد فشل مساعي الاتحاديين في استقطاب الرعايا العثمانيين وعقم الأسلوب السياسي الذي انغمسوا في تطبيقه (120).
ظهرت الأفكار السياسية في العراق عبر أكثر من مؤتمر، وحملت مبررات بروزها عوامل أساسية في التفات وتجمع مجموعة من الأعضاء لدعم فكرة معينة، ولنا في ذلك أن نشير إلى ردة الفعل التي ظهرت من قبل الجهات المحافظة والتي رفعت شعار "الحفاظ على الدين والملّة" وأعلنت خشيتها على الإسلام من الإجراءات والمواقف التي دعمها حزب الاتحاد والترقي بعد إعلان الدستور. فكانت جماعة "المشورة" التي أنيطت رئاستها بالسيد عبد الرحمن النقيب وعضوية؛ عيسى أفندي جميل زادة، يوسف العطا، عبد الرحمن باشا الحيدري، الشيخ سعيد النقشبندي (121)، علاء النائب، كاظم باشا، محمد فاضل باشا الداغستاني، وملا نجم الواعظ، والتي عبرت توجهاتها الفكرية إزاء الأوضاع الجديدة، ولم تخرج هذه التوجهات عن محاولة للحفاظ على النفوذ والمصالح، لا سيما وأن أغلب أعضاء الجماعة كانوا من السادة والوجهاء وأصحاب الأملاك والأموال الطائلة (122). هذا على صعيد بروز الأفكار السياسية داخل العراق. أما حجم المشاركة التي ساهم فيها المنورون العراقيون في الجمعيات التي تأسست خارج العراق فكان واضحاً، حيث يشترك العديد منهم في الجمعيات وأسسوا فروعاً لها في المدن العراقية مثل بغداد والبصرة والموصل، وقد شهد النشاط السياسي العراق تواصلاً مستمراً من قبل الشخصيات السياسية، فالمراسلات واللقاءات المباشرة كانت حالة دائمة وبارزة ميّزت النشاط السياسي لرجال الحركة القومية في العراق، فكان من رجال الحركة القومية في الموصل؛ سعيد الحاج ثابت، إبراهيم عطار باشي، محمد علي فاضل آل حافظ، حبيب العبيدي والدكتور داود الحليبي بالإضافة إلى نشاط الشخصيات العسكرية فيه أمثال ياسين الهاشمي، مولود مخلص، علي جودة، عبد الله الدليمي (123). أما نشاط طالب النقيب في البصرة فكان بارزاً، حين عبّر عن خروج النشاط السياسي العراقي عن النطاق العثماني، وأخذه بأبعاد قومية أكثر وضوحاً، حين عمد إلى إلغاء فرع حزب الحرية والائتلاف في البصرة، وتأسيس الجمعية الإصلاحية في 28 شباط 1913 على غرار حزب اللامركزية العثماني الذي تأسس في القاهرة عام 1912 (124).
وعلى الرغم من النشاط الذي أبدته الحركة العربية في تكثيف جهودها لمواجهة الاتحاديين، والذي تمخّض عنه عقد المؤتمر العربي الأول في باريس في 18 حزيران 1913، إلا أن عدم التنسيق كان سمة بارزة فيها. فمن بين المائتين والأربع وعشرين الذين حضروا المؤتمر، لم يمثل العراق فيه سوى اثنين قادتهما الصدفة المحضة إليه، أحدها توفيق السويدي الذي كان يدرس الحقوق في باريس والثاني سليمان عنبر من الدارسين في باريس (125).
من السمات التي طبعت الحركة القومية في العراق، ارتباط نشاطها بأصحاب النفوذ من السراة والوجهاء، وكان هذا الأمر ينبع من حقيقة، حصول أبناء هذه الفئة على فرص التعليم، الذي أهلّهم للحصول على قدرٍ من التنوّر والوعي، بحيث هيأ لهم تحديد موقف خاص وثابت إزاء ما يدور لهم من أحداث. إلا أن هذا الأمر لا يدعونا إلى تغافل حقيقة تاريخية، تتمثل في أن أبرز رجال الحركة القومية من العراقيين والذين قيض لهم فيها لأداء دور بارز في تكوين العراق كانوا من أصول متواضعة، أضراب؛ نوري السعيد وجعفر العسكري وياسين الهاشمي وغيرهم. إلا أن التغيير المعقول الذي يحدد الجهة المستفيدة من مطاليب الإصلاح لا سيما ؛ فسح المجال أمام العرب للحصول على الوظائف في الولايات العربية، إنما يصب في خدمة "الوجهاء" لأنه سيمنحهم قوة ونفوذ أكبر، كونهم المرشحين الذين لا بديل عنهم في تولي الوظائف، بحكم حصولهم على التعليم الذي يهيئ لهم تبوأ المناصب الوظيفية (126).
وبعيداً عن المصالح والحصول على المكاسب، نجد أن ردود الفعل القومية العربية في العراق، أخذت مدى واسع، حيث تمثلت في توتر العلاقات بين الضباط العرب والأتراك في معسكرات الجيش ولم يتوان مثقفو بغداد عن إعلان سخطهم، والذي عبّروا عنه في نشرات سرية علقت على الجدران. ومما ساهم في تفاقم النقمة على الأتراك خيبة الأمل التي ظهرت في النفوس، لا سيما بعد سلسلة الهزائم المنكرة التي حلقت بالدولة العثمانية وفقدانها العديد من مناطق النفوذ، كما حدث في طرابلس 1911 والبلقان 1912 (127). وظهرت الصلات الوثيقة والقوية بين النخبة العراقية وبعض التنظيمات الحزبية، لا سيما حزب اللامركزية الإدارية العثمانية، حيث برزت فكرة اللامركزية وتمت المناداة لها بقوة في المدن العراقية الكبرى مثل بغداد والبصرة (128). وكانت فكرة الحكم الذاتي قد وجدت من يعمل لها ويجسّدها في أفكار منظمة، بعضها تم من خلال حشد الجهود لتأسيس جمعيات عراقية خالصة مثل؛ النادي الوطني العلمي الذي تأسس في بغداد عام 1912، برئاسة مزاحم الأمين الباجه جي وعضوية؛ حمدي الباجه جي وإبراهيم ناجي، ثابت السويدي، بهجت زينل، عبد اللطيف الفلاحي، يوسف عز الدين، باقر الشبيبي وآخرون. والجمعية الإصلاحية في البصرة التي أسسها طالب النقيب في البصرة عام 1913، فيما كانت فروع للأحزاب قد ظهرت في المدن العراقية للأحزاب التركية في أول الأمر كحزب الاتحاد والترقي والحزب الحر المعتدل الذي تأسس في الأستانة عام 1910 وحزب الحرية والائتلاف وجمعية العهد التي تأسست في الأستانة عام 1913 (129). بالإضافة إلى فرع للجمعية الإصلاحية البيروتية في البصرة (130).
يكاد يكون التعرض لجمعية العهد السرية التي أسسها عزيز علي المصري في الأستانة 28 تشرين الأول 1913، موضوعاً يقودنا للاقتراب بشكل شديد من طبيعة الحركة الفكرية السياسية في العراق. وذلك انطلاقاً من جملة اعتبارات يقع في مقدمتها حجم المشاركة للمنورين العراقيين من المتواجدين في العاصمة العثمانية لإتمام تعليمهم أو المتواجدين فيها بحكم ارتباطهم الوظيفي. وعلى الرغم من السمة العسكرية التي ميزت توجهات هذه الجمعية، إلا أن عدداً من المدنيين، تمكنوا من الانضواء تحت لوائها. وتأتي أهمية هذه الجمعية في شكل النشاط الذي بذله أعضاؤها لبلوغ أهدافهم والتنظيم الدقيق الذي بلغوه (131). وما خلفته من أثر سياسي وفكري في التشكيلات التنظيمية اللاحقة، لا سيما خلال حقبة الاحتلال البريطاني للعراق أو مرحلة الحكم الوطني، وما بذله رجالات العهد من جهود في سبيل حشد الجهود لرسم التصورات الممكنة لتقبل الأفكار الملائمة للمرحلة الجديدة (132). وكانت الجمعية قد حثت جهودها على إبراز الجانب القومي العربي تحت الرعاية العثمانية التي تمثل الرابطة الإسلامية، لا سيما وأن التهديد الغربي كان قائماً بشكل واضح، إلا أن الاضطهاد والبطش الذي عمد إليه الاتحاديون جعل من فكرة الاستقلال هدفاً مركزياً في نشاطها وتوجهها (133). وعلى هذا فإن أسماء مثل؛ نوري السعيد، ياسين الهاشمي، جميل المدفعي، تحسين علي، إسماعيل الصفار، علي رضا الغزالي، مولود مخلص، علي جودت الأيوبي، وعبد الله الديلمي (134)، سيكون لها شأناً في تكوين العراق السياسي ورسم مستقبله.
وحول تأثير المراكز الحضارية الناشطة في بلورة الوعي في العراق يعمد محمد مهدي البصير للإشارة إلى جهود حمدي الباجه جي خريج المدرسة الملكية الشاهانية ، وأستاذ الاقتصاد والقانون الدولي في مدرسة الحقوق البغدادية فيما بعد، ونشاطه الدافق في نشر الدعوة القومية وسط المحيط الذي يعمل فيه، وتزعمه لفرع جمعية العهد في بغداد (135)، ونشاطات طالب النقيب الذي تزعم فرع الجمعية في البصرة، والتطورات اللاحقة لهذه النشاطات والتي دعمت من قبل طالب النقيب ليبرز إلى الوجود النادي الوطني العلمي في بغداد برئاسة مزاحم الأمين الباجة جي عام 1912 وإصدار جريدة النهضة، التي لم تعمر طويلاً بحكم صدور أمر السلطات الاتحادية بإغلاقها ومطاردة مديرها. لتبدأ مرحلة جديدة تمثلت في بروز البصرة واحتضانها لمجموعة من رجالات الحركة القومية، مستفيدة من نفوذ طالب النقيب فيها، حيث لجأ إليها مزاحم الأمين، وبعد تعرض عزيز علي المصري للاعتقال، استقبلت البصرة نوري السعيد وصبيح نجيب والدكتور عبد الله الديلمي. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل عمد النقيب إلى بث الشعور القومي في منطقة الفرات الأوسط، والتي أسفرت عن انضمام مبدر آل فرعون والسيد علوان الياسري إلى الحركة القومية وانشاط فعالياتها في المنطقة (136).
تنازعت الحركة القومية في العراق تيارات مختلفة، وهذا نابع بحكم أواصر الاتصال مع التجارب السابقة والمحيطة فهل جمدت هذه الحركة في محاكمات التجربة القومية الأوروبية "الغربية" أم العثمانية "الإسلامية زمن السلطان عبد الحميد – العلمانية في عهد الاتحاديين" أم استلهمت أبعاد التجربة القومية العربية والمتمثلة في معاداة العثمانيين في بلاد الشام، أو معاداة الإنكليز والمؤكدة على الرابطة الإسلامية في مصر (137). والواقع أن الحركة القومية في العراق وبحكم ظهورها في فترة متأخرة "ظهرت بعد المشروطية الثانية وبشكل بارز عام 1909" اتسمت بالربط الوثيق بين العروبة والإسلام. وعبرت عن هذه الاتجاهات من خلال طبيعة النشأة الفكرية والاجتماعية لقياداتها الموجهة.
تنوعت مواضيع الأدب في العراق بعد إعلان الدستور، واتخذت أنماطاً مختلفة عن المرحلة الماضية. ويرصد الدكتور يوسف عز الدين اتجاهين شعريين؛ الأول تقليدي سار على نهج نتاج القرن التاسع عشر حيث الموضوع والأسلوب واللغة. أما الثاني فقد أخذ بوسائل التعبير عن الواقع ورصد الأحداث والتطورات التي شملت قطاعات الحياة المختلفة. والذي برع فيه الرصافي والزهاوي ومحمد رضا الشبيبي وعبد الحسين الأزدي وعبد المحسن الكاظمي. ولا يعني هذا التقييم اختلاف في مواقف الشعراء العراقيين من التطورات التي شهدها الواقع السياسي والاجتماعي، بقدر ما هو رصد لأساليب الشعر الذي ساد تلك المرحلة (138). وكان للشعراء العراقيين مواقف واضحة من التطورات السياسية التي ألمّت بالدولة العثمانية، وعبّروا عن تبرّمهم بسياسة جمعية الاتحاد والترقي التي تنكرت للعرب والقوميات الأخرى التي تؤلف الدولة. فكانت قصائد علي الشرقي وعبد الرحمن البناء وعبد العزيز الجواهري وإبراهيم الباجه جي وخيري الهنداوي وغيرهم، تحمل على هذه السياسية وتنادي بكل قوة رافضة السياسة العنصرية للاتحاديين (139). فهذا محمد رضا الشبيبي (140) يقول:
ً انفض غبار الذل عنك ناهضا فالصقر إما صافح الترب انتفض
فدولة الجور مع الجور انقضت عنك وعصر الظلم كالظلم انقرض
مضى زمان قولك الحق به إثم وقول الإثم حق مفترض
واليوم هذا قولنا فمن نهى وهذه ألفاظنا من اعترض
ولم تبتعد موضوعات الشعر عن الأغراض التقليدية كالرثاء (141)، والمدح وتقديم بعض النصائح الأدبية للجنس اللطيف على شكل رسائل منشورة (142). أو التعبير عن خلجات النفس، كما لدى عبد الرحمن البناء (143):
منطقت أيامي يا حسن منطق قد لفقته عقود جوهر منطقي
وبكت من نظم القريض معانيا ضاءت كأكيل أضاء بمفرقي
فيما لم يتوان داود صليوا من نشر قصيدة تصدرت صفحات جريدته صدى بابل احتفاء منه بعيد الجلوس الهمايون،ي لم تخل من ركاكة ومباشرة وضعف في البناء (144):
ألا قم بنا يا صاح نشدو أغانينا يوم سعيد فيه نتلو تهانينا
لعرش أضاءت فيه أنوار نصره من فوق علياء استوى له راعينا
أو حين يرحب بمقدم الفريق الأول ناظم باشا والياً لبغداد (145)، ومفرد للقصيدة ملحق للجريدة:
يا حادي العيس عج بي بالحمى وسل عن قاتلي بنبال اللحظ لا الأسلِ
ظبي حمى عن فؤادي عذب ريقته وكنت أرجو بها الإشفاء من عللي
اليوم تبتهج الزوراء ناثرة بشرى التهاني بناظم على جذلِ
ويحاول الشاعر العراقي أن يعبر عن موقفه وإعجابه بالمخترعات الحديثة التي غزت العالم، حيث كتب الشيخ كاظم الدجيلي قصيدة "وصف القطار" لم تخل من رؤيا وآمال للخروج من واقع السكون (146):
كلما هزها إلى السير شوق أخذت في الحنين والتغريد
يا زمان البخار حياك عصر منه قد جئتنا بعصر جديد
أي يوم أخطى بنيل الأماني من بني قومنا وبالمقصود
ذاك يوم فيه العراق يباهي كل قطر بالاختراع المفيد
هل لأبناء قومن من حراك وانتباه من غفلة ورقود
ولم يكن الشعر العراقي بمعزل عن العالم، وما يدور فيه من أحداث، حتى وضع الشاعر العراقي غرر قصائده في مواضيع نالت تعاطف الناس كقصيدة محمد رضا الشبيبي التي قالها في رثاء السفينة البريطانية العملاقة "تيتنك" (147) بعد غرقها:
بأبيك أقسم يا ابنة البحر الذي واراك كيف رأيت فتك أبيكِ
ما حط ثقلك في حشاهُ إهانة لكنه فرط في احتفال فيكِ
أبكيت أهلك لا الجزائر وحدها فالعالمون جميعهم أهلوك
وتبدو آثار المرحلة الجديدة في مجال استخدام الألفاظ وبعض الأفكار الجريئة والصور الشعرية في وسط ديني محافظ كالنجف حين يقول:
ولو أن آلهة الجمال تمثلت للناس قبلكِ صورة ظنوك
ولألهوكِِ ووحدوك حقيقة إذ أنت واحدة بغير شريك
تنوعت موضوعات الأدب والفكر، وصارت وجهة الأدباء نحو الجديد من الأفكار ومناقشة الأوضاع والأحوال المحيطة، وكان للإطلاع على التيارات الغربية، من خلال الحرية التي أتاحها مناخ الدستور، أثره البارز في ظهور توجهات جديدة في نوع المواضيع وأساليب طرحها ومناقشتها. بالإضافة إلى الأثر الذي خلفته سعة انتشار المطبوعات الحديثة التي حملت الأفكار والتيارات الحديثة، والتي كان من الطبيعي أن تجد صداها لدى الأديب العراقي، الذي تأثر بها وبدأ بمحاكاتها والسير على طريقها (148). وينعكس أثرها في النتاج الإبداعي الذي قدمه، حيث أضحى لديه سعة من المقارنة بين النتاج المحلي، وما يقدمه الآخرون في مناطق العالم المختلفة، لا سيما وأن الصحافة المحلية حفلت بنشر المواضيع المختلفة على صفحاتها، والتي كانت في الغالب مترجمة عن اللغات الحية (149). وراح الأديب العراقي يوضح عن مكنون نفسه وانفعالاته بصورة واسعة وبنظرة عميقة فيها من الرؤيا الواضحة والرصانة إلى الحد الذي بلغت فيه استشراف المستقبل، بنظرة علمية حكيمة خالية من الانفعال وتغليب العواطف (150).
حاول الأدباء والمثقفون العراقيون، تنظيم جهودهم من خلال تنظيم الحلقات والجمعيات الأدبية والفكرية، وأخذت هذه التشكيلات منحى جدياً، حين عكف على الانخراط فيها العديد من السراة والوجهاء، فكانت جمعية اتحاد الشبيبة المسيحية لمؤسسها يوسف غنيمة عام 1912 وآرتين يوسف فرج وفرنسيس جبران ويوسف فتح الله لوقا ورزوق فرحان وتوماس يعقوب مسيح، والتي حددت أهدافها في إقامة الندوات الثقافية وإلقاء المحاضرات وتأسيس مكتبة (151). وفي النجف تم تأسيس جمعية ثقافية تحت عنوان "إخوان الصفا" حصروا مهمتهم في تنوير الأذهان وتوسيع مدارك أهل القضاء، من خلال تقديم تبرعات مالية لشراء الصحف وتوزيعها مجاناً على الجمهور (152). وفي أواخر آذار عام 1913 تم تأسيس النادي العلمي الكرخي، الذي فتح أبوابه لهواة الأدب والثقافة طيلة أيام الأسبوع، فيما جعل من يوم الجمعة خاصاً بعقد الندوات الأدبية (153).

هوامش :

1- لوتسكي تاريخ الأقطار العربية الحديث, ص 397
2- د. محمد مخزوم, التنظيمات العثمانية محاولة فاشلة للإفلات من براثن التغلغل الأوروبي, مجلة تاريخ العرب والعالم, السنة السابعة, العددان 77-78, آذار نيسان 1980, ص 21, أيضاً, د.مخزوم, أزمة الفكر, المصدر السابق, ص 40.
3- هند فتال و د. رفيق سكري, تاريخ المجتمع العربي الحديث والمعاصر, جروس برس, طرابلس 1988, ص 128.
4- توفيق السويدي, مذكراتي – نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية, دار الكاتب العربي, بيروت 1969, ص 25.
5- مير بصري, إعلام اليقظة الفكرية, ص 13.
6. د. يوسف عز الدين, السياسة والقومية في شعر الهنداوي, مجلة الأقلام, السنة الأولى, الجزء الأول, 1964, ص 31.
7- علي الوردي, دراسة في طبيعة المجتمع العراقي, ص 138
8- د. يوسف عز الدين, بواكير الحركة الفكرية في العراق, ص 176.
9- عارض فياض, بذور الفكر الاشتراكي, ص 95, اش رشد, بيروت 1980.
10- عبدالكريم غرايبة, تاريخ العرب الحديث, ص 235, الأمريكية, بيروت 1987.
11- عباس العزاوي, تاريخ العراق بين احتلالين, ج 8 ص 225.
12- نجدة فتحي صفوة " مترجم ومحرر" العراق في مذاكرات الدبلوماسيين الجانب, تقرير السير جيران لوثر سفير بريطانيا لدى الدولة العثمانية, ط 2, مطبعة منير, بغداد 1984, ص 77- 87 أيضاً, محمد مظفر الأدهي, المجلس التأسيسي العراقي, دار الشؤون الثقافية, ط 2, بغداد 1989, ج 1 ص 15.
13- علي جودت, مذكرات, بيروت 1967, ص 25-6, " ذكريات علي جودت 1900- 1958, مطابع الوفاء.
14- B.Leweis, The Emergence of Modern Turkey, London 1961, P.25
15- باقر أمين الورد, بغداد خلفاؤها, مصدر سابق, ص 267.
16- محمد فريدك المحامي, تاريخ الدولة العلية العثمانية, المصدر السابق, ص 707.
17- جريدة الرقيب, العدد 91 في 28 صفر 1328 هـ.
18- جريدة الرقيب, العدد 140 في رجب 1328 هـ.
19- جريدة الرقيب, العدد 56 في 29 رمضان 1327 هـ.
20- جريدة الرقيب, العدد 111 في 20 ربيع الآخرة 1328 هـ.
21- د. منير بكر التكريتي, الكاتب الصحفي إبراهيم صالح شكر, مجلة كلية الآداب, العدد الرابع عشر, المجلد الثاني 1970- 1971, ص 860.
22- خيري العمري, فهمي المدرس, مجلة الأقلام, ج 4, السنة الأولى, كانون الأول 1964, ص 77.
23- د.يوسف عز الدين, الحركة الفكرية في العراق, القاهرة 1984, ص 86.
24- وميض نظمي, شيعة العراق وقضية القومية العربية: الدور التاريخي قبل الاستقلال, من كتاب دراسات في القومية العربية والوحدة, سعدون حمادي داخرون, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت 1984, ص 163.
25- أمين سعيد, الثورة العربية الكبرى تاريخ مفصل جامع لقضية العربية في ربع قرن, القاهرة 1934, ص 24.
26- ثنيا ر الجميل, انتلجتسيا العراق: التكوين والاستشارة القومية, مجلة آفاق عربية, أيلول السنة السادسة عشرة 1991, ص 37.
27- عبد الرزاق البصري, موقف المثقفين العراقيين من التغلغل الاستعماري 1908- 1914, مجلة آفاق عربية, تشرين الأول السنة السادسة عشرة 1991, ص.ع.
29- محمود العبطة, معروف الرصافي حياته وآثاره ومواقفه, دار الشؤون الثقافية, بغداد 1992, ص 15.
30- عبدالجبار داود البصري, رواد المقالة الأدبية في الأدب العراقي الحديث, دار الحرية, بغداد 1975, ص 79.
31- جريدة صدى بابل, العدد 65, 27 شوال 1328 هـ في 31 تشرين الأول 1910.
32- جريدة صدى بابل, العدد 5, 24 شعبان 1327 هـ في 10 أيلول 1909.
33- جريدة صدى بابل, العدد 6, 2 رمضان 1327 هـ في 17 أيلول 1909.
33- منير بكر التكريتي, الصحافة العراقية, بغداد 1969, ص 42.
34- مجلة لغة العرب, العدد 8, شباط 1912, ص 328.
35- مجلة لغة العرب, العدد 2, آب 1912, ص 69.
36- د. داود سلوم, أثر الفكر الغربي, المصدر السابق, ص 12.
37- جريدة صدى بابل, العدد 73, 23 ذي الحجة 1328 هـ في 25 كانون الأول 1910.
38- د. إبراهيم خليل أحمد, تطور التعليم الوطني في العراق, ص 48.
39- جريدة الرقيب, العدد 91, 10 صفر الخير 1328 هـ.
40- د. يوسف عز الدين, الحركة الفكرية في العراق, القاهرة 1984, ص 85.
41- مجلة لغة العرب, الجزء الأول, تموز 1911, ص 33.
42- مجلة لغة العرب, الجزء السادس, كانون الأول 1911, ص 242.
43- مجلة لغة العرب, المصدر نفسه, ص 243.
44- المصدر نفسه, ص 245- 246.
45- المصدر نفسه, ص 245.
46- مجلة لغة العرب, الجزء السابع, كانون الثاني, 1912, ص 270- 271.
47- المصدر نفسه, 278.
48- مجلة لغة العرب, الجزء الثاني, آب 1911, ص 248.
49- مجلة لغة العرب, الجزء الثاني عشر, آيار 1912, ص 491.
50- مجلة لغة العرب, الجزء السادس, كانون الأول 1911, ص 242.
51- من رفاق ناجي شوكت في الدراسة, حمدي صدر الدين آل مامو, بهجت زينل, مزاحم أمين الباجه جي, نشأت السنوي, إبراهيم الشابندر, عبدالعزيز بلبان, فاضل حمود, عبدالعزيز الخياط, خليل مروان. وكان له زملاء في مراحل متقدمة عنه, توفيق السويدي, ثابت السويدي, هاشم السنوي, كمال حبيب بك من آل عبدا لجليل في الحلة, محمود صبحي الدفتري, حكمت سليمان, عبدالله ثنيان, بالإضافة إلى بعض الطلبة اليهود. انظر ناجي شوكت, سيرة وذكريات ثمانين عاماً 1894- 1974, ط, مكتبة اليقظة العربية, بغداد 1990, ج 1, ص 18.
52- ناجي شوكت, المصدر نفسه, ص 18-21.
53- جريدة صدى بابل, العدد 6, رمضان 1327 هـ في 17 أيلول 1909.
54- مجلة لغة العرب, الجزء 11, السنة 2, آيار 1913, ص 534.
55- د. وميض نظمي, شيعة العراق, المصدر السابق, ص 168.
56- عبدا لرزاق الهلالي, تاريخ التعليم في العراق في عهد الاحتلال البريطاني, 1914-1921, مطبعة المعارف, بغداد 1975.
57- د. إبراهيم خليل أحمد, حركة التربية والتعليم والنشر, من كتاب حضارة العراق, الجزء الحادي عشر, دار الحرية, بغداد 1985, ص 339- 341.
58- مجلة لغة العرب, الجزء الثالث, أيلول 1912, ص 81-82.
59- مجلة لغة العرب, الجزء السابع من السنة 2, كانون الثاني 1913, ص 315- 316.
60- عبدا لجبار داود البصري, المصدر السابق, ص 28- 29.
61- عبد المجيد كامل التكريتي, الملك فيصل الأول ودوره في تأسيس الدولة العراقية الحديثة 1921- 1933 دار الشؤون الثقافية, بغداد 1991, ص 64-65.
62- جريدة الرقيب, العدد 140, 17 رجب 1328 هـ في 11 تموز 1326 رومي.
63- جريدة الرقيب, العدد 40, 2 شعبان 1327 هـ في 6 أغستوس 1325 رومي.
64- مجلة لغة العرب, الجزء الحادي عشر, آيار 1911, ص 455-456.
65- فيليب دي طرازي, تاريخ الصحافة العراقية, ج 4 ص 76-88.
66- رجب بركات, من تاريخ الصحافة العراقية, البصرة 1990, ص 12-13.
67- محمد عباس الدراجي, صحافة اليمن تاريخ وإبداع, دار الشؤون الثقافية, بغداد 1989, ص 16-17.
68- د.إبراهيم خليل أحمد, نشأت الصحافة العربية في الموصل, جامعة الوصل, الموصل 1982, ص 47,38.
69- جريدة صدى بابل, العدد 33, 9 آذار 1910.
70- جميل الجبوري, خبربوز, المصدر السابق, ص 18.
72- رفائيل بطي, الصحافة في العراق, معهد الدراسات العربية العالمية, القاهرة 1955, ص ص 38-39.
73- جريدة صدى بابل, العدد 60, 10 شوال المكرم 1328 هـ في تشرين الأول 1326 رومي.
74- د. يوسف عز الدين, الحركة الفكرية في العراق, القاهرة 1984, ص 88.
75- إبراهيم حلمي العمر, الطباعة في دار السلام, المصدر السابق, مجلة لغة العرب, الجزء 7 السنة 2, كانون الثاني 1913, ص ص 307- 309.
76- د.خليل صابات, تاريخ الطباعة, ص ص 304- 305.
77- مجلة لغة العرب, الجزء السابع, كانون الثاني 1912, ص 313.
78- مجلة لغة العرب, الجزء الثاني, آب 1912, ص 69.
79- د.وميض جمال عمر نظمي واخر ون, التطور السياسي المعاصر في العراق, جامعة بغداد, بغداد لا تاريخ, ص 38.
80- توفيق السويدي, وجوه عراقية عبر التاريخ, دار رياض الريس للكتب والنشر, لندن 1987, ص 36.
81- د.يوسف عز الدين, الشعر العراقي الحديث والتيارات السياسة والاجتماعية, دار المعارف, القاهرة 1977, ص 20.
82- د. مصطفى خالدي وعمر فروخ, التبشير والاستعمار في البلاد العربية, ط 4, المكتبة العصرية, صيدا بيروت 1970, ص 173.
83- مجلة لغة العرب, الجزء الخامس من السنة, تشرين 1912, ص 215.
84- لونكرك, العراق الحديث من سنة 1900 إلى سنة 1950, ترجم سليم طه التكريتي, الفجر للنشر والتوزيع, بغداد 1988, ص 79.
85- خليل الهنداوي, الشعر العراقي وأثر التيارات والاجتماعية فنية للدكتور يوسف عز الدين, مجلة الأقلام, الجزء الثالث, السنة الأولى, تشرين الثاني 1964, ص 147.
86- د.يوسف عز الدين, الحركة الفكرية في العراق, القاهرة 1984, ص 99.
89- مير بصري, المصدر السابق, ص 22.
90- البرت حوراني, الفكر العربي في عصر النهضة, المصدر السابق, ص 339.
91- توفيق السويدي, وجوه عراقية, ص 160.
92- تقرير سري لدائرة الاستخبارات البريطانية عن العشائر والسياسة يبين الأموال الاجتماعية والسياسية للعشائر العراقية وعلاقتها بالإدارة البريطانية, ترجمة د.عبدالجليل الطاهر, مطبعة الزهراء, بغداد 1958, ص 8.
93.Ghassan. R. Atiyah, Iraq: 1908-1923. Asocio- Political Study, The Arab Institute research and Publishing, Beirut 1973. P.61.
94- نوري العيد, مذكرات نوري العيد عن الحركات العسكرية للجيش العربي في الحجاز وسوريا 1916- 1918, ط, الدار العربية للموسوعات, بيروت 1987, ص 22.
95- جعفر العسكري, مذكرات جعفر العسكري, تحقيق نجدة فتحي صفوة, دار اللام, لندن 1988, ص 165.
96- رستم حيدر, مذكرات رستم حيدر, تحقيق نجدي فتحي صفوة, الدار العربية للموسوعات, بيروت 1988, ص 13.
97- تاج السر أحمد حران, تطور الفكر القومي العربي من خلال العلاقات العربية التركية في الفترة 1908- 1914, معهد البحوث والدراسات العربية, بغداد 1983, ص 37.
98- F.O.371/75074 Further Growth of the National Movement 1908- 1914.
99- د.محمد مظفر الأدهي, الحركة الفكرية دائرة في انتخابات مجلس المبعوثات في العراق, مجلة آفاق عربية, السنة 14, آذار 1989, ص 61.
100- محمد عزة دروزة, العرب والعروبة في قبضة التغلب التركي, ط, المكتبة العصرية, صيدا 1981, ج 6 ص 208.
101- د.عماد أحمد الجواهري, نادي المثنى وواجهات التجمع القومي في العراق, مطبعة دار الجاحظ, بغداد 1984, ص 10.
102- د.إبراهيم خليل أحمد, تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر, جامعة الموصل, الموصل 1987, ص 81.
103- د.عبدالمجيد كامل التكريتي, المصدر السابق, ص 66.
104- F.Q.371/ 75074. The History of the Arab Nationalist Movement and the Origins of the Arab Legue.
105- د.فاروق صالح العمر, الأحزاب السياسية في العراق 1921, 1932, مركز دراسات الخليج العربي, بغداد 1978, ص 21.
106-F.O. 371/75075.Paragraf 21
107- إبراهيم صالح شكر, قلم وزير- تاريخ ما أهمله التاريخ من حوادث المسألة العربية في الحجاز وسورية والعراق, جمع: خالد محسن إسماعيل.
108- Ghassan.R.Attiyah.O.P.CIT.P.53.
109- جاسم محمد حسن, العراق في العرف الحميدي 1876-1909, رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة بغداد, 1975, ص 149.
110- سعيد تخير الهاشمي, ناجي السويدي ودوره في السياسة العراقية 1921-1942, رسالة ماجستير غير منشورة, جامعة بغداد, 1990, ص 24.
111- د.لطفي جعفر فرج عبدالله, عبدالمحسن السعدون ودوره في تاريخ العراق السياسي المعاصر, ط, مكتبة اليقظة العربية, بغداد 1988, ص 38.
112- د.إبراهيم خليل أحمد, تاريخ الوطن العربي في القرن العثماني 1516-1916, جامعة الموصل, الموصل 1983, ص 410.
113- فيصل محمد الارميم, المصدر السابق, ص 48.
114- نجدة فتحي صفوة, خواطر وأحاديث في التاريخ, مطبعة اشبيلية الحديثة, بغداد 1983, ص 17.
115- د.وميض جمال عمر ثطي, الجذور السياسية والفكرية, ص 47.
116- د.محمد حسين الزبيدي, مولود مخلص ودوره في الثورة العربية, ص 47.
117- أحلام حسين جميل, الأفكار السياسية للأحزاب العراقية في لمحة الانتداب 1922-1932, مكتبة المثنى, بغداد 1985, ص 7, أيضاً عزيز السيد جاسم, جدل القومية والطبقة في ألياف التاريخي لنشوء الأمة العربية وكفاحها القومي, مطابع وعي العمال, بغداد 1976, ص 163. ويشير التقرير البريطاني الصادر عن الخارجية البريطانية أن حزب اللامركزية الإدارية العثمانية قد تأسس في القاهرة عام 1910 من قبل رفيق بك العظم, أنظر F.O.371/75074.No8.
118- جورج انطونيوس, يقظة العرب, ترجم د. ناصر الدين الأسد ود.أمان عباس, ط 6, دار العلم للملايين, بيروت, 1980, ص 192, أيضاً د.علاء كاظم تورس, الحركة القومية حتى الحرب العالمية الأولى, مجلة آفاق عربية, السنة 18, آذار 1993, ص 21 أيضاً د.وميض جمال عمر نظمي, الجذور السياسية والفكرية, ص 92.
119- د.عبدالعزيز السعدي, التكوين التاريخي للأمة العربية, ص 236.
120- هادي طعمة, الاحتلال البريطاني والصحافة العراقية- دراسة في الحملة الدعائية البريطانية 1914- 1921, دار الحرية, بغداد 1984, ص 47.
121- منشاشطيلي, العراق في سنوات الانتداب البريطاني, ترجم د.هاشم صالح التكريتي, مطبعة جامعة بغداد, بغداد 1978, ص 114.
122- أحلام حسين جميل, المصدر السابق, ص 4-9, أنظر أيضاً, د. فاضل حسين, العراق 1908- 1921- دراسة سياسية. عرض لكتاب د. غسان عطية, مجلة قضايا عربية, العدد 8, كانون الأول 1974, ص 165.
123- لوتكي, تاريخ الأقطار العربية, ص 408.
124- عبدالرزاق أحمد النصيري, نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية حتى عام 1932, ط, مكتبة اليقظة العربية, بغداد 1988, ص 34.
125- كرتلوف, ثورة العشرين الوطنية التحررية في العراق, ترجم د.عبدالواحد كرم,ط 3, مكتبة اليقظة العربية, بغداد 1985, ص 139.
126- د.عبدالعزيز الدوري, التكوين التاريخي, ص ص 202 -203.
127- محمد عزة دروزة, مختارات قومية لمحمد عزة دروزة, تحرير ناجي علوش, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت 1988, ص 505.
128- CO.730/150.Hamdi Abdul Wahab Ibn Haji Mahmud pachachyi من شخصيات جمعية العهد جعفر أبو التمن.
129- محمد مهدي البصير, تاريخ القضية العراقية, تقديم د.غسان العطية, ط, دار اللام, لندن 1990, ص ص 27- 29.
130- د.وميض جمال عمر نظمي, الجذور السياسية, ص 73.
131- د.يوسف عز الدين, الشعر العراقي الحديث والتيارات السياسية والاجتماعية, ص ص 30- 31.
132- عبدالحسين المبارك, ثورة 1920 في الشعر العراقي, مطبعة دار البصري, بغداد 1970, ص 28.
133- مجلة العرفان, صيدا, الجزء الرابع, المجلد الثاني, 11 نيسان 1910, ص 196.
134- جريدة صدى بابل, العدد 55, 7 شعبان المعظم 1328هـ في 20 اغستوس 1326 رومي.
135- جريدة صدى بابل, العدد 59, 26 رمضان المبارك 1328 هـ في 17 أيلول 1326 رومي.
136- جريدة صدى بابل, العدد 69, 45 ذي القعدة 1328 في 27 تشرين الثاني 1910 ميلادي.
137- جريدة صدى بابل, العدد 37, 19 ربيع الآخر 1328 في 16 نيسان 1326 رومي.
138- جريدة صدى بابل, العدد 38, 6 ربيع الآخر 1328 هـ في 23 نيسان 1326 رومي.
139- مجلة لغة العرب, الجزء الثاني, آب 1912, ص ص 41- 42.
140- د.يوسف عز الدين, الحركة الفكرية في العراق, القاهرة 1984, ص 92.
141- د.يوسف عز الدين, السياسة والقومية في شعر الهنداوي, ص 29.
142- د.ماجد أحمد السامرائي, التيار القومي في الشعر العراقي الحديث منذ الحرب العالمية الثانية 1939 متمالكة حزيران 1967, دار الشؤون الثقافية, بغداد 1983, ص 27.
143- حارث يوسف غنيمة, السياسي والأديب يوسف غنيمة 1885- 1950 من أركان النهضة العلمية في العراق, حياته آثاره عصره, دار الحرية, بغداد 1990, ص ص 17-18.
144- مجلة لغة العرب, الجزء الخامس من السنة الثانية, تشرين الثاني 1912, ص 212.
145- مجلة لغة العرب, الجزء العاشر من السنة الثانية, نيسان 1913, ص 474.

imseer

imseer
التعليم العربي؛ الحاجة والقيد
د.إسماعيل نوري الربيعي
ماهو الإطار العام الذي توفق إليه العرب، في مجمل بحثهم عن التأصيل والحداثة والهوية واليقظة والنهضة أو حتى مرحلة الثورة؟ وماهي الخصائص التي يمكن الوقوف عليها في سبيل تمييز القسمات والمفاصل الرئيسة التي تطبع الميول والاتجاهات والأهداف والمواقف، هذا باعتبار التجربة التي رافقت تطلعات النخبة العربية نحو التغيير والتحول.حيث مرحلة النهضة التي ترافقت مع الضعف والوهن الذي لازم الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حتى لحظة سقوطها ونهايتها عام 1924.أو خلال نشوء الدولة العربية الوطنية التي برزت للعيان وفقا للدعم الصادر عن القوى الكبرى التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الأولى.
نقل المعرفة
بين شامل وعام، ومجتزأ وخاص ، عاش العرب اللحظة الحرجة، تلك التي فرضت عليهم التعيين في صلب التوزع بين العلاقات الاجتماعية التي ميزت مدار التوجهات والتفاعلات والقيم والعادات والتقاليد، وبين زحف المؤسسة التي جاءت عليهم فارضة بقسماتها وتفاصيلها على حين غرة .حتى أن وزيرا عربيا من دون وزارة ، كتب في مذكراته ممتعضا عن عدم استطاعته من تعيين ساعي مكتب بسيط، بعد أن أعلن المستشار البريطاني والذي يمثل دولته المنتدبة، بعدم إمكانية تعيين هذا العامل البسيط لاعتبارات تتعلق بالميزانية والملاك الإداري.ويبقى سؤال التوزيع للقوى الاجتماعية باقيا راسخا شديد الحضور في المجال العربي ، هذا الرغم من مرور السنوات ، وفرضية تعاقب الأجيال وتبدل الأحوال. فالعام والشامل يبقى حاضرا ينبئ عن السعة والتفاؤل والاختراق الهائل للآفاق، فيما يكشف الواقع الخاص عن التباطوء والتراخي والتراجع، حتى ضج السؤال المستنكر حول هذا التقاطع الفج الذي ينتهك العقول ويعتصر الأفئدة الحيرى، والمنشغلة بموضوع المستقبل، هذا الذي يتم التلويح به من قبل مختلف القوى والأطراف، من دون أن يحظى بالحضور العميق والفاعل ، بل أن طريق الاستخدام الفج لهذا الشعار الواسع(( المستقبل )) غدا وكأنه العكاز الذي يتم الاتكاء عليه من قبل الجميع، في سبيل تمرير الصفقات وإعداد الولائم الخاصة والتي تعد وفقا لأهواء الصفوة ومصالحها وميولها ورغباتها.
الأداء والخواء
ثمة تناحر وتقاطع يكون له الحضور الفاضح في المجال العربي، لاسيما على صعيد العلاقة القائمة المفاهيم التي تحدد مسار الفكر الذي يقوم بإنتاجه النخبة المثقفة، وحالة الوعي التي تميز مفاصل الرأي العام، حتى ليكون التساؤل الأهم وقد تركز عند طبيعة المضمون الذي يقوم عليه مفهوم الوعي الاجتماعي، باعتباره الراصد للمجمل من الفعاليات والاتجاهات التي يقوم عليها وعي العامة ومشغلاتها وتطلعاتها الأساسية.هذا بحساب البحث عن التكيف الذي يتم من خلاله تحديد مسار الوجهة الاجتماعية انطلاقا من الوعي بالمفاهيم المطروحة وطريقة تداولها ومستوى تفعيلها ودار التصور السائد حولها، وفي هذا تحديدا يبرز دور النخبة المثقفة، حيث تتبدى أهمية الدور المناط بها انطلاقا من : ((التحديد- التطوير – التفعيل)).
يحضر السؤال عن التربية العربية قويا فاردا تفاصيله على المجمل من العلاقات السائدة، لاسيما وأن الحديث الراهن بات يتكرر وبإفراط شديد حول الربط بين الجدوى والغاية والهدف الذي تقوم عليه العملية التربوية برمتها ، باعتبار علاقتها بإعداد الكوادر القادرة على الولوج في سوق العمل ، أو المساهمة في خلق الفكر المعبر عن الواقع. لكن التواصل الأبرز يبقى حاضرا في الربط الحاصل بين التعليم كممارسة مباشرة، ومستويات التفكير المتعلقة بتوجيه المستهدفين للعملية التربوية والعمل على دمجهم في المجتمع، حتى استوت الغاية الرئيسة في السعي نحو البحث عن تحديد مسار الخريجين ومدى القدرة الاستيعابية على استقبالهم بوصفهم قوة عاملة، ينبغي دمجهم في المجال الاجتماعي، لاسيما وأن الواقع بات يفصح عن بروز المزيد من ملامح الخلل والاضطراب، بإزاء الأعداد الكبيرة من الخريجين الذين، راحوا يعيشون الإحباط، في ظل الفقد والعطالة التي راحوا يتعرضون لها ، حتى باتت عملية الحصول على الشهادة العليا بمثابة العبء والثقل المرير.
تتيح ثلاثية (( التحديد – التطوير- التفعيل)) إمكانية توسيع المجال أمام تشخيص حالة العملية التربوية في المجال العربي، هذا الذي يقوم على المزيد من التوصيفات الجاهزة ، مثل ؛ الهدر ، التراجع، الانفصال، التلقين، غياب المحتوى العميق، سيادة النقل وانعدام التحليل، والقائمة تطول، حتى ليكون السؤال عن السر الكامن وراء استمرار عملية التعليم، بحساب الوقوف على المدخلات والمخرجات، تلك التي لا تتوان من فتح الكوة على تشخيصات تقوم على مسألة نقل المعرفة، تلك الإشكالية القصوى القائمة في صميم الموضوع.والتي تتخذ البعدين الرئيسين ؛ التاريخي والاجتماعي، حيث التجليات الكبرى المرافقة والمتمثلة في حضورية النموذج المتفوق الذي تم عنه النقل المباشر، باعتبار تفوق الغرب التقاني والمعرفي، أو حالة الالتباس في المضمون الاجتماعي، والذي يتبدى في السطوة والهيمنة التي تمارسها البعض من القوى الاجتماعية، والتي لم تكف عن ممارسة سطوتها في مواجهة التعليم الحديث إبان بواكير التجربة ، خصوصا في بداية القرن العشرين ، بل أن التضافر للمجمل من القوى راح يشير إلى حالة التفاقم، والتي راحت تتمثل في تعميق وتكريس مجال التجهيل، حتى أن الإخفاق والتعطيل للطاقات صار ملمحا أساسيا في المجمل من تجربة التعليم العربي.

التاريخ والتحولات

التاريخ والتحولات
د.إسماعيل نوري الربيعي- جامعة البحرين- كلية الآداب
imseer@yahoo.com
التاريخ بوصفه صندوقَ حكايات
حكاية أولى ؛ في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، تم إنتاج فلم عراقي تاريخي وبالألوان ، تحت عنوان نبوخذ نصر، بعد أسبوع من العرض أحجم الناس عن مشاهدته، فقد اكتشف المشاهدون ، أن الممثلين جميعا يضعون الساعاتِ على معاصمهم.ومن هذا كان التصادم في الوعي، اعتبر الجمهور أن صناع الفلم قد أهانوا ذكاءهم، حينها سارع طاقم العمل برمته ، نحو شرح الالتباس الذي وقع فيه الجمهور، فالممثلون كانوا يضعون زهرة في معاصمهم، هي تعويذة المحارب في ذلك الزمان، وليس ساعة حديثة، وعلى الرغم من الطرح والاستعانة بصور منقولة عن المتحف العراقي، والحملة الصحفية الواسعة للشرح والتفسير، إلا أن الجمهور قد اتخذ قراره.
حكاية ثانية؛في مناقشة علمية لرسالة ماجستير في التاريخ الإسلامي، احتد أحد أعضاء اللجنة على الطالب المناقش، حين أورد لفظة ، الكفاح المسلح ، على حدث تم خلال عصر الدولة العباسية ، عندها لم يتردد الطالب من الإجابة الاستنكارية ، وهل الكفاح المسلح مرهون برشاش الكلاشنكوف حكرا.
الحكاية الثالثة؛ كان الأستاذ عبد العزيز الدوري يدرس مادة تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، بوصفه مساقا جامعيا لعموم طلبة جامعة بغداد، وفي القاعة الدراسية الواسعة التي تضم مئات الطلبة ، كان يهمسُ في أذن أحد طلبته، خبرا تاريخيا قصيرا، ويطلب منه أن يمرره على الزميل المجاور له ، وما أن تصل الورقة إلى الطالب الأخير الجالس في المؤخرة ، يكون الخبر الصغير وقد حمّل بمتون وهوامش وتعليقات وزيادات، وربما تهويلات.
النص واللغة
في البحث عن مفردة الإصلاح لدى ابن خلدون، في موقع الوراق الإلكتروني، توجد مفردة الإصلاحفي تاريخه العام فقط، و بواقع أربعة عشر موضعا.وجاءت جميعها في معنى إصلاح ذات البين. فيما وردت مفردة الصلاح في سبعة مواضع عند المقدمة ، وبمعنى ضد الفساد، باعتبار الجذر، صلحَ، يصلَحُ ويصلُحُ وصُلُوحا، لكن هذا لا يمنع صاحب لسان العرب من القول والإصلاح: نقيض الإفساد.(( ابن منظور المتوفى 717 هجري ،لسان العرب، جذر صلح)).ترى ما الذي جعل من ابن خلدون يعرض عن استخدام مفردة الإصلاح في مقدمته، مؤثرا عليها الصلاح، وإذا ما وضعت المقارنة باعتبار الاختلاف في اللهجات ، فإن ابن منظور عاش في مصر، كذلك ابن خلدون كانت له تجربته المشرقية في مصر أو الشام.
من الصلاح الخلدوني إلى إصلاح الراهن
نعود إلى الحكايات الثلاث، عن الأولى يتقدم الوعي ، بوصفه رأسمالا رمزيا ، حتى أن المثل الشعبي يقول ؛(( حين وزع الله رب العرش العظيم العقولَ على الناس ، الجميع رضي بعقله ، ولكن حين وزعت الأرزاقُ، لم يقنع بها أحد )) حتى كان التنادي بأن القناعة كنز لا يفنى.إنها العلامة الحمراء التي جعلت من عبد الملك بن مروان يردها سخينة بوجه جرير ، حين بادره قائلا:
أتصحو أم فؤادك غير صاح عشية هم صحبك بالرواح
وهي الطريقة التي أراد بها برنارد لويس أن يسلب إدوارد سعيد رأسماله الرمزي ، حين أشار إلى وصفه بالمهمل والمستهتر بترجمته لأبيات شعرية من غوته في الأصل الألماني إلى الإنكليزية ،حين يقول (( الله هو الشرق! الله هو الغرب!)) في الوقت الذي يجب أن يكون النص(( الشرق لله ! والغرب لله))، من كتاب ، (الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، ترجمة وتحرير هاشم صالح، ص 173.).
الحكاية الثانية تقوم على ضبط المصطلح العلمي، وهي إشكالية ما انفكت تحضر دائما، في المجمل من الدراسات المتداولة، بل أن أزمة المصطلح اتخذت طابعا تداوليا أشد مباشرة ، في أعقاب تصعيد المواجهة بين الغرب والإسلام ، حتى أن مصطلح الإرهاب على سبيل المثال ، راح الجميع يطالب بوضع تعريف محدد له.أما الحكاية الثالثة ، فإنها تقوم على التاريخ بوصفه ممارسة، والتفاصيل التي يمكن أن ينجم عنها والعواقب والأوهام والمزالق المحتملة.
في قياس درجة التحول
ماهو المتاح والممكن، ونحن بإزاء محنة القياس التاريخي، هل يمكن الركون إلى تنويع مستويات التحليل للنصين التاريخين ، الخلدوني والراهني؟هل من الممكن الاطمئنان إلى فرز الاختلاف والتشابه القائم بينهما؟، كيف يمكن رصد خصوصية التحديات التي يتمثلها كل نص؟ومن أي زاوية يمكن النظر من خلالها إلى رصد المتغيرات؟
كأننا نعود إلى دورة الوعي ، والضبط والممارسة، تلك التي توفرها طريقة التحليل التفسيري، باعتبار مجال الوقوف على النموذجين والسعي نحو رصد اللاحق، باعتبار مطابقته على السابق.ولكن كيف يمكن لنا أن ندخل في مساحة التفسير من دون الوقوف على الملامح الدقيقة والراسخة لملامح النموذج السابق؟هل نعود إلى محنة البيضة والدجاجة، هل نفسر الماضي بالحاضر؟ ، أم الحاضر بالماضي؟ وهكذا يترصد كمال عبد اللطيف التساؤل المكين الذي يؤسس له فهمي جدعان (( إذا كان الماضي أو بعضه ممتدا فينا فاعلا ومؤثرا، فإن الحاضر يعيد تشكيلنا، ويحكم أفعالنا وقصودنا، ويسلمنا إلى مستقبل لا ندري ما الذي يحمله لنا على وجه التحديد، لكنه بكل تأكيد لن يدعنا خالصين للحاضر الذي نتقلب فيه، أو للماضي الذي ينأى عنا أو يمتد فينا)) كمال عبد اللطيف، أسئلة النهضة العربية، ص 199. إنه سؤال أبو يعرب المرزوقي المستند إلى (( الربط بين الماضي والحاضر من خلال تجاوز ما يسمى بعصر الانحطاط ربطا حيا لا يستهدف بعث الميت من القضايا ، بل مجرد المقاصد من الفعل المؤسس لوجودنا التاريخي، ومن ثم فإن الشرط الأساسي هو التخلص من كل الآثار العينية للحلول والحفاظ على المقاصد والطموح التاريخي لا غير)) المرزوقي، آفاق النهضة العربية ، ص 25. هي أزمة الدولة التي يحددها برهان غليون والتي يصفها(( إلا مظهر من مظاهر أزمة المشروع التاريخي الذي نذرت نفسها له، أعني تحقيق التقدم، سواء من خلال استراتيجيات قومية أم وطنية، انقلابية أم إصلاحية، إنه أزمة الحداثة ذاتها)) غليون ، المحنة العربية ص 214. إنها دعوة محمد عابد الجابري المستمرة والدائبة (( قيام كتلة تاريخية تضم أكثر ما يمكن من الشرائح والفصائل والنخب، لأنها أهداف لا تستطيع أية طبقة أو فئة أو حزب أو جماعة بمفردها القيام بها وحدها..... الظرف التاريخي القائم اليوم يفرض نوعا من التأجيل- لمدة قد تطول أو تقصر)) الجابري، في نقد الحاجة إلى الإصلاح، ص 200.

ترى من هذا الذي يجرؤ على مقارعة السردية الكبرى التي بات يتمثلها ابن خلدون، بكل ما فيه من تكيفات وتعديلات واحتمالات واستراتيجيات.لقد عيرت العرب بنو تغلب بقصيدة قالها عمرو بن كلثوم، فهل آن الأوان أن نعير بمقدمة ابن خلدون؟! وهل عجز العقل العربي الراهن عن الوعي بسياقاته، ورهاناته، ورؤيته،و تحدياته، ومتغيراته، وهل يمكن الاكتفاء بعقد المقارنة المباشرة، والقائمة على:
السياق المحافظ الخلدوني والمرجعية الفلسفية الغربية لسياق الراهن، ورهان العصبية الخلدوني، ورهان الدولة الراهن، ورؤية العمران الخلدوني، و الراهن القائمة على رؤية الثقافة، والغزو العسكري في التحدي الخلدوني، والغزو الثقافي في التحدي الراهن، والمتغيرات المستندة على المجتمع التقليدي عند ابن خلدون، و متغيرات الراهن المستندة إلى الحداثة المنقوصة .