المجتمع المدني
imseer
في تجليات المجتمع المدني
د.إسماعيل نوري الربيعي
يكثر الحديث عن عمق الأزمات التي تحاصر الوطن العربي، وإذا كانت الموجهات قد تركزت عند متابعة التهديدات الخارجية ، بوصفها خطرا ينال الوجود ، فإن التقمصات الراهنة صارت تتطلع نحو التركيز على العامل الداخلي، والذي لايتوقف عند حقل أو مجال بعينه، بقدر ماصار الحديث عن شمول الإشكال الذي راح يتبدى واضحا عميقا في القطاعات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية ، الى الحد الذي بات المواطن العربي، يشعر بالريبة بإزاء هذه الحدة المتنامية والتي لاتعرف الإنقطاع أو التوقف، بل أن الملفت في الأمر بات يفصح عن هذا التفاقم في الأحوال والذي راح يتناسب طرديا، مع زيادة الحديث الصاخب عن الأزمة والتأزم التي تنال من الوقائع والأحداث والمضامين المتداولة.
تكريس المفاهيم
مواجهات واحتدامات تنذر بالمخاطر التي تهدد المجمل من التفاصيل والمشغلات التي تقوم عليها الحياة العربية.حيث المرتكزات التي راحت تتفاعل في مجال الأسئلة الحيرى والتي مازالت الألفاظ فيها غير مستقيمة ولا مستساغة لدى الفئات الأوسع من الجمهور العربي ، هذا الذي راح يستمع الى مصطلحات من نوع المجتمع المدني والتحولات الديمقراطية ، والحريات العامة والحفاض على البيئة والشفافية.كلمات يتم ضخها الى الواقع من خلال التداول الخطابي الذي يكرسه المثقفون والنخب العربية ، فيما يبقى المواطن البسيط حائرا ومضطربا ، بإزاء هذا الزحف الإصطلاحي الذي ما إنفك يترى عليه، خصوصا إبان المد الأيديولوجي الذي راح يتبدى واضحا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.وإذا ما قيض للبعض من الأطراف أن تتعايش وتهضم البعض من المصطلحات التي راحت تتسيد لغة الخطاب السياسي العربي، فإن الزحف الراهن الذي تبرزه العولمة والتحولات الكبرى والعميقة التي راحت تنال الشطر الأكبر، من تفاصيل الحياة الرقمية والإتصالية والمعلوماتية،قد بلغت من الحدة والعمق الى الحد الذي راح فيه المتخصصون أنفسهم يقعون في الخلط والتداخل في الكثير من المصطلحات التي تتسيد الواقع التداولي.
تفصيلات الواقع
في التخمة التي تفرضها التداولات الخطابية حول التحديث والتنمية والديمقراطية ، وعلى طول عمر الدولة القطرية التي ظهرت للوجود السياسي في أعقاب الحرب العالمية الأولى، راح المواطن العربي ، ينظر الى مثل هذه المصطلحات بعين ملؤها الريبة والتشكيك، خصوصا وأن المقارنة تأخذ طابعها المباشر حول الروح الشعاراتية التي يتم التهليل لمثل هذه مقولات فيما يظل الواقع على ماهو عليه.ومن هذا الإجتزاء الفاضح صار من الطبيعي ، أن يتم فقدان الثقة بمثل هذه الكلمات التي راح ينظر إليها المواطن ، بوصفها كلمات لاتقوم على علاقة صميمة بالواقع ، خصوصا وأن الإستعمال العربي يأتي من دون إقتصاد وبوفرة تثير الريبة والحنق في الكثير من الأحيان. وعلى هذا يكون السؤال المباشر حادا وفي الكثير من الأحيان ساخرا، من هذه التنمية وأخواتها التحديث والديمقراطية ، التي تلوكها الألسن من دون أن ترى النور على صعيد الواقع.لكن تفصيلات الواقع السياسي في المجال العربي ، يبقى يعتاش على هذه الأيقونات المقدسة ، والتي لا يمكن البقاء في دنيا العيش من دون الترويج والتهليل لها، إذ تبقى ماثلة بوصفها الوسيلة التي يتم من خلالها إدامة التواصل مع الجمهور، هذا الأخير المبتلى بإقتراف خطيئة البقاء والوجود على سدة الواقع.
كان للوعود التي قام عليها الخطاب السياسي العربي في عهد السيطرة الإستعمارية، منشدا الى وعد الإستقلال، الذي تم تحميله بالأمل والرغبة العارمة ، بتحقيق كل ماهو متوقف ومعطل، الى الحد الذي راح المواطن ينتظر الإستقلال والحكومة الوطنية ، والتي ستنجز جميع الأحلام والرغبات التي عنت على العقل المواطني الجمعي، الى الى الحد الذي أصبح الإستقلال بذاته غاية وأملا لايمكن الحياد عنه، لكثرة ماحمّل من معان وتقمصات ، أضحت في النهاية بمثابة العبء الثقيل والمرير الذي راح يثقل على الواقع . فيما كان الصدمة المؤسية والمؤلمة التي تلقاها المواطن على يد الإستقلاليين أنفسم، والذين لم يترددوا من الإستناد الى تفخيم معنى الوطنية ، وإلباسها الثوب الفضفاض الذي يتناسب والحجم الذي يرغب فيه الحاكم المتدثر باللباس الوطني، والمستند الى الشرعية الثورية التي أتت به الى التحكم والتسلط برقاب العباد والبلاد.
المنجزات الكبرى
الحضور القسري الذي جاءت به القوى الثورية ، والتي حاولت أن تتمترس بالغطاء الوطني والستار التقدمي ، جعل منها أداة تسعى الى قطع العلاقات المحتملة بين الواقع والمثال، فالإستناد الى الإكتمال وتسيد القطعي الباتر والصارم ، جعل من محاولات التذكير والإعتراض وإمكانات النفي ، بمثابة أدواة للتخوين ووسائل للإجتراء على القوى الموجودة على الساحة السياسية .فبعد الإمساك بقياد المبادرة والسيطرة على مقاليد الأمور ، راحت السلطة الثورية تتجلى منجزاتها الكبرى في أهمية استمرار النظام ذاته، على الرغم من استمرار المؤامرات المزعوعة التي تحاول النيل منه وإسقاطه. ومن هذا الإجتزاء المتعسف، راح التمثل للمفاهيم الكبرى يقوم على التفسير الجاهز الذي يتناسب والتوجهات والرغبات المباشرة التي تعن على المجلس الثوري ، الذي يبقى مؤقتا عادة، ويعمل بدستور مؤقت، ويفعل المجتمع بالإجراءات المؤقتة، فالتنمية على سبيل المثال تكون علاقتها بالإقتطاع داخل المجال الإجتماعي ، حيث العناية بجيل الشباب والعمل على تربيته وفقا للمفاهينم التي يروج لها النظام. والتحديث أضحى مجرد وسيلة للنيل من القوى الأخرى، والتي راحت توصم بالرجعية والتخلفوتدني التفكير.أما الديمقراطية فقد تحولت الى حقل لعب كبير يتم فيها إنجاز الأرقام القياسية، والى الحد الذي يعجز كتاب جينيس للأرقام القياسية من استيعابها حيث نسبة الـ 99,99%، والتي غدت ماركة سياسية عربية مسجلة.