خطبة الكتاب

صفحة 13

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أنعم على عباده المؤمنين بالعرفان، وأكرمهم من مزيد فضله برؤيته في الجنان. وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العلام، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب أعلى المقام، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للأنام، إذ لولاه لكانت أحوالهم أقبح من الأنعام، وعلى آله البررة الكرام، وأصحابه مصابيح الظلام، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم تنطق فيه جميع الأعضاء، ويبكم فيه اللسان، صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين ما دامت الأوقات والأوان.

أما بعد، فيقول الفقير لغفران العزيز الجبار، لكثرة الذنوب والأوزار، محمد نووي الشافعي: هذا شرح منيف، وفتق ظريف على المنظومة الملقبة (بعقيدة العوام) للشيخ العالم اللوذعي السيد أحمد المرزوقي المالكي، وسميته (نور الظلام على عقيدة العوام) وقصدي به النفع لي ولمثلي من المبتدئين وإن كنت لست أهلاً لذلك. نفع الله به كل سالك.

(اعلم) أن سبب هذه المنظومة أن الناظم رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام آخر ليلة الجمعة من أول جمعة

صفحة 14

من شهر رجب سادس يوم حساباً من شهور سنة ألف ومائتين وثمان وخمسين هجرية، وأصحابه رضي الله عنهم واقفون حوله. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ منظومة التوحيد التي من حفظها دخل الجنة، ونال المقصود من كل خير وافق الكتاب والسنة، فقال له: وما تلك المنظومة يا رسول الله؟ فقال الأصحاب له: اسمع مِنْ رسول الله ما يقول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل: أبدأُ باسم الله والرحمن، فقال: أبدأ باسم الله والرحمن، إلى آخرها وهو قوله:

وصحف الخليل والكليمِ … فيها كلام الحكم العليمِ

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعه، فلما استيقظ من منامه قرأ ما رآه في منامه، فوجده محفوظاً عنده من أوله إلى آخره. ثم لما كانت ليلة الجمعة التي هي ليلة الثامن والعشرين حساباً من شهر ذي القعدة رأى الناظم النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية وقت السحر في المنام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ ما جمعتَه) – أي في قلبك – فقرأه من أوله إلى آخره وهو واقف بين يديه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم واقفون حوله يقولون آمين بعد كل بيت من هذه المنظومة، فلما ختم قراءته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: وفقك الله تعالى لما يرضيه، وَقَبِلَ منك ذلك، وبارك عليك وعلى المؤمنين، ونفع بها العباد..[1] آمين. ثم سُئل الناظم

صفحة 15

بعد اطلاع الناس على تلك المنظومة فأجاب سؤالهم، فزاد عليها منظومة من قوله:

وكل ما أتى به الرسولُ … فحقه التسليم والقبولُ

إلى آخر الكتاب؟ قال الناظم رضي الله تعالى عنه:

  1. [1] كيف لا يكون ذلك؟ وقد حوت هذه المنظومة خلاصة عقيدة أهل السنة والجماعة، ورؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم حق كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي) رواه البخاري والترمذي وأحمد، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتزيى بي). رواه البخاري ومسلم وأحمد.

    والرؤيا الصالحة كالتي وقعت للمؤلف الناظم السيد أحمد المرزوقي – رحمه الله – من المبشِّرات كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لم يبق من النبوة إلا المبشِّرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة) رواه البخاري، وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة كما ورد في الحديث المروي في الصحيحين. ومثل هذه الرؤيا لم تقع للناظم فقط بل ولغيره فإن الإمام الشاطبي لما أتم منظومته الشهيرة بالشاطبية رأى أنه يقرأها أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: من حفظها دخل الجنة.