مقــدمة
يمر الإنسان فى حياته بسلسلة من التغيرات النمائية (الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية)التى تحدث مع تقدم الافراد من الطفولة إلى الرشد. وتعد مرحلة الطفولة من أهم مراحل نمو الإنسان فما يتلقاه الطفل فى السنوات الأولى من حياته يترك أكبر الأثر فى تكوين شخصيته وأنماط سلوكه وعاداته فى كل مراحل حياته التاليه و من هذا المنطلق ينبغـى على جميع المربين فى هذه المرحلة العمرية أخذها بعين الإعتبار و الإهتمام لأهمية هذه المرحلة.

 فالتفكير هو أحد الأشياء التى لايمكن أن يتعلمها الفرد ما لم يقم بها بالفعل فيجب أن يدرك الاطفال المعنى لكافة الخبرات الحياتية التى يمر بها فهى تعرض لأحد الاساليب التربوية التى تساعد فى التغلب على الصعوبات الموجودة فى نموذج العلم كنسق لتنمية التفكير. والفلسفة بدورها هى المجال الخصب الذى يوحد و يربط بين شتى الخبرات المتباينة الموجودة فى منهج المادة مما يعين على تكوين النظرة الكلية و تكوين المعنى الحياتى لكافة الخبرات الانسانية. فالفلسفة هى موقف انسانى من العالم والعصر والمجتمع يستوعب جميع جوانب الإنسان ( عقله، وجدانه ، سلوكه ) .
فتدريس الفلسفة للأطفال تجعلهم يدركون المعنى لكافة الخبرات الحياتية التى يمر بها وهي تخاطب عقل الطفل ووجدانه آمله أن يأتى سلوكه من منطلق ما فى العقل وما فى القلب معاً .
فطفل اليوم هو رجل الغد وإن مرحلة الطفوله تمثل البذور والجذور فى بناء الإنسان فالسنوات الاولى من حياة الفرد لها الدور الاكبر فى تكوين شخصيته و ما يقدمه المجتمع للاطفال من ألوان الثقافة – بإعتبارها أسلوباً للحياه – يعود ليظهر فى سلوكهم كباراً ، فالطفل هو رجل المستقبل وهو اساس تقدم المجتمع ولهذا فقد كان التعليم فى المراحل الأولى هو الركيزة التى يبنى عليها التقدم والتنوع فى التعليم فيما يلى هذه المرحلة فهو الاساس من مستلزمات كل بناء حتى البناء البشرى .

لذا وجب الاهتمام و العناية فى جانب هام من جوانب تربية الطفل ، فالعصر اليوم يتطلب بناء عقل وفكر و ليس تعليم( بنكي) كما قال _سعيد اسماعيل_ أن التعليم يتعامل مع الاطفال كأنهم خزائن نودع بها المعلومات و الافكار .

وإذا كان تعلم الطفل للتفكير يرتبط بتعلمه اللغة ، إلا أننا قلما نجعل من دروس اللغة دروساً فى التفكير، ذلك أن اهتمامنا يتركز أكثر على التراكيب اللغوية النحوية من اهتمامنا بالتفكير الإبداعي. ولعل ذلك يؤثر سلباً على الطفل بشكل عام فيجعله لا يقرأ جيدا مستقبلا، ذلك بسبب عدم الاهتمام بكيفية التفكير فالاهتمام منصب على القراءة باعتبارها أداة للتفكير. لذا فنحن بحاجة ماسه لأحاث تركز على التفكير لتعليم أطفالنا كيفية القراءة الواعية الجادة.

وإذا كانت القصة من أكثر فنون أدب الاطفال شيوعا، وأقصر الطرق التعليمية ملائمة وأدقها انسجاماً و أبعدها أثراً فى نفسية الطفل و قدراتة الادراكية، لكن الاهتمام بها لم يحظ بوعي كاف من القائمين بالتدريس. فالمعلم أحياناً لا يعرف بدقة الهدف من تدريس القصة ، أو أنواعها ، ملائمتها لطفل الروضة من عدم ملائمتها أو طريقة روايتها وهذا يقلل من فاعليتها كأداه فى نمو الطفل لغوياً ومعرفياً. مما يفوت على الطفل الاستفادة الحقيقية من القصة فى تنمية التفكير .
وغاية القول، أن ما يجده الطفل فى لتعليم التفكير قليل. لذا وجب لفت أنظار جميع العاملين فى تطوير المناهج إلى ضرورة البحث عن أفكار وبرامج تربوية تستغل ذلك الثراء الكبير فى قدرات طفل الروضة، خاصة وأن هذه القدرات تتلاشى إذا لم تجد من يتعهدها بالعناية والاهتمام .

 الفلسفة والطفولة يجتمعان، فالطفل بطبيعته يسأل ، والسؤال هو الوسيلة التى يستخدمها الطفل لمعرفة العالم الخارجى من حوله، وذلك السؤال يعبر عن الفكر الفلسفى الخاص بالطفل.
الأطفال إذن فى مقدورهم التفلسف ولا يعنى تعهد أسلوبهم الفلسفى بالرعاية و الاهتمام تقديم الفكر الفلسفى المعروف في أقسام الفلسفة المختصة، ولكن تقديم معيار منطقى يحكم عملية تفكيرهم و يوجههم الوجهة السليمة، ولقد اثبتت الأبحاث أن الأطفال الذين تقدم لهم الفلسفة، يظهرون تحصيلا أكاديميا أفضل من غيرهم. فقد زاد تقديرهم لذواتهم، وزادت يقظتهم على ضبطها، وهى أمور لها مردودها الطيب فى التحصيل الأكاديمى للطفل. لذا فهو بمقدوره التفلسف وامتلاك أسلوب فلسفي خاص به. يُقال: ليس بالضرورة أن يكون كبار السن ناضجين فكرياً و ليس بالضرورة أن يكون الطفل غير ناضج فكرياً، الأمر الذى يجعل عملية نمو و تتابع التفكير الفلسفى من الطفل رهناً بالبيئة و المناخ الذى يعيش فيه.  بالإضافة إلى عناصر أخرى كفن الإنصات الدقيق و المحادثة الجيدة و الاستدلال المنطقى الجيد.

إن التفكير الإنسانى يتضمن الكثير من النظرة العلمية. ومن ثم فهو يهتم بالفهم والتخيل والشك وإصدار الحكم والمعلومات الذاتية والحكمة. فهو ينمي العقل والقلب معاً. فبداية التفكير فى موضوع تدريس الفلسفة للأطفال نبعت عام 1968 عندما نظر ليبمان نظرة ناقدة فى التربية الامريكية، فوجد أن التربية الأمريكية تعانى من مشكلة كبيره وهى فقر تفكير الطفل . ذلك أن المواد التى تقدم للأطفال لا تعينهم كثيراً على تنمية التفكير ويرى أيضا أن الطفل ينبغى أن يتعلم كي يميز بين الأنواع المختلفة من المواقف و ينبغى أيضا أن يعد و يجهز بالطرق الجيدة حتى يستطيع أن يتبنى أو يختار الطريقة المناسبة للموقف الذى يدركه.

 + ما الشكل الذى يمكن من خلاله تقديم محتوى تعليم التفكير :
يمكن تعليم المنطق فى صورة قصص للأطفال . فالقصة أداة تعليمية وخير مثال لإثارة التفكير عند الأطفال إذ يجد تارة الاأفة والتشابه بين أحداثها وأحداث الحياه الواقعية التى يعيشها. فهي بالنسبة إليه عالم جديد عليه يمكن أن يفكر فيه من مختلف وجهات النظر، فينظر بعد ذلك إلى العالم الواقعى نظره جديدة .
هذا وإذا كانت مهارات التفكير وطريقة التفكير لها مواصفات خاصة فى الفلسفة؛ فإن الطفل فى الغالب عندما يستمع للقصة أوعندما يتعرف على المعلومات الجديدة و يكتشف نتيجة المناقشة، فهو فى الغالب ينهمك فى بحث فلسفى. ويترجم القصة بطريقته الخاصة ويصيغ خبراته الجديدة بكلماته الخاصة و يحكم على أشخاص القصة بتفكيرة الداخلى. ولهذا كله فهي تزوده بفرصة البحث الفلسفى. وفنحن لا نحتاج أكثر من دماغ الطفل والطريقة المتبعة فى ذلك طريقة الاكتشاف الحوارى لمناقشة القصة مناقشة عقلانية، فهى بمثابة الوسيلة التى تعزز من يقظة ووعى وفهم الطفل لعالمه. لذا، فاللغة والمعلومات الحسية ( الخبرة ) لهما دور كبير فى التفكير المنطقى و صياغته. وهذا يعين الطفل فى تكوين المعنى الحياتى لخبراته و يجعله أكثر دقة وأكثر انفتاحا واعتماداً على النفس.

+ أما عن غايات وأهداف تدريس الفلسفة للأطفال فتتحدد فيما يلي :
  1) تحسين قدرات التفكير  .
  2) تنمية الابداع  .
  3) النمو الذاتى والنمو فى العلاقات الشخصية.
  4) نمو الوعى  الفهم الاخلاقى .

+ في حين تبفى أهداف تعليم الفلسفة للأطفـــال متمثلة فيما يلي :
  1) اكتشاف البدائل المتعددة للموضوع .
  2) التمرس على النزاهه و عدم التحيز .
  3) الاهتمام بالاتساق أو التناسق بين الأجزاء .
  4) الكشف عن الاسانيد العقلية التى تقوم عليها المعتقدات .
  5) الوعى بالتناول الكلي أو النظرة الشاملة.
  6) الوعى ببيئة الموقف و متطلباته.
  7) اكتشاف العلاقات بين الجزء و الكل.
كما أن الطفل يكتسب بعض المهارات عند تعليمه الفلسفة منها : تحليل العبارات – بناء الفروض – تحديد المصطلحات – بناء المفاهيم – اكتشاف البدائل أو الاختبارات – الاستنتاج من الفروض – إيجاد الافتراضات الضمنيه – وضع التعميمات – إعطاء الاسباب – إدراك علاقة الجزء بالكل و علاقة الكل بالجزء – تحديد و استخدام المعايير – معرفة كيفية التعامل مع الامور الغريبة و الغامضة المبهمة – تحديد أخطاء القياس – ضرب الامثلة و التوضيحات – التعرف على الاختلافات – و لكن لتحقيق الغايات و الأهداف و المهارات السابقة يجب إثارة الخيال لدى الأطفال، و إثارة الدهشة عنده و تشجيعه على المناقشة الواعية الذكيه للمسائل التى لها أهمية عنده .

+ مثال لدراسة بحثية لتدريس الفلسفة للأطفال :
دراسة Clyde Evans التي دعى من خلالها وعبر مدرسة بالولايات المتحدة كى يعمل مع الأطفال فى مسائل تتعلق بالقيم والاخلاقيات والمسئولية وصنع القرار. وقد اختار الباحث أحد الفصول بالمدرسة حيث كان عدد الأطفال 25 طفلاً ،إذ جلس الأطفال على الأرض ليعرض أمامهم فيلماً سينمائياً يتناول قصة الملاهي وهى قصة عن أب وعد ابنته الصغيرة بالذهاب إلى مدينة الملاهي و ذلك بمناسبة عيد ميلادها السابع ووعد بالسماح لها بإختيار خمس ألعاب من التى تعرض فى مدينة الملاهي. ولما ذهب الأب وابنته و وقف عند الباب، اكتشف أنه نسي حافظة نقودة ويتوفر إلا على القليل في جيبه. والأكثر من ذلك لقد كان ذلك اليوم هو آخر يوم للملاهي فى تلك المدينة لسترحل لمدينة أخرى بعيدة جداً عن البيت. فلا يستطيع أن يعود إلى المنزل ليحضر الحافظة أمام هذا الوضع توجه الأب نحو ابنته وقال لها: إما أن ندخل نرى العروض دون الاشتراك فيها أو يلجأ لى الكذب، فتقول عند البوابة أن عمرها الحقيقى ستة سنوات و ليست سبعة وهنا يمكننا الدخول بأجر منخفض ليتبقى معها نصف ثمن التذكرة. وبعد العرض أخذ يناقش مع الأطفال فى القصة وخرج الباحث بالنتائج التالية :

  - أن الأطفال قد تزودوا بمهارات التفكير السليم. وقد اجادوا مهارات التحليل والتصنيف والبرهنة والتقويم .
   - استطاع الأطفال أن يكوِّنوا وجهة نظر معينة حول المسائل الأخلاقية.
   - استدلوا على كثير من المعانى وكثير من المسائل الحياتية التى تدور فى حياتهم كل يوم (الكذب مثلا)، وذلك اثبت الباحث مناسبة تدريس الفلسفة للأطفال كما وضح من تجربته.

الاتجاهات الحديثة فى برامج تدريس الفلسفة للأطفال :
يقصد بكلمة برامج فى تدريس الفلسفة للأطفال: كل المواد التعليمية التى تمكن الطفل من الانخراط فى الحوار والمناقشة والتفكير والتأمل والتعبير عن الذات ومقارنة وجهات النظر بوجهات الآخرين. أي كل المواد التعليمية التى تحقق الغايات والأهداف السابقة لتعليم الفلسفة للأطفال . ويمكن حصر الإتجاهات الحديثة فى برامج الفلسفة للأطفال فى النقاط التالية:

    1) وضع مواد جديدة تتناسب مع ظروف العصر وظروف المجتمع بعينه :
القصة التى وضعت فى مجتمع بعينه، تختلف عن القصة التى وضع لمجتمع آخر. فكل مجتمع له ثقافته الخاصه وعاداته و تقاليده، ولكن القصة وضعت كأساس لتدريس الفلسفة لذا لابد من وضع قصص محلية تناسب المجتمع الذى وضعت فيه وتتضمن بداخلها أسئلة فلسفية خاصة.

    2) وضع إجراءات حديثة لتنفيذ تدريس الفلسفة للأطفال :
 إن النظام التربوى الذى يوجد وراء تقديم الفلسفة للأطفال، يتحدد فى التعلم من خلال التعلم المشترك . فهذا النظام لا يسمح للأطفال بأن يقدموا أفكارهم نظرا لكثرة عددهم أحيانا. كما يمكن أن نجد بدائل لهذا الوضع بتقسيم الفصل إلى عدة مجموعات، وكل مجموعة تقوم بإنجاز تقرير متضمن للنتائجة النهائية، ثم يعرض على الفصل كله ( مثل مجموعات العصف الذهنى). وبذلك يكون لكل طفل متسع من الحوار و الحديث داخل المجموعة الصغيرة . وهذا الوضع من شأنه أن يساعد على تنمية وتعزيز الثقة بالنفس لدى الأطفال .
إن برنامج الفلسفة للأطفال فى مقدوره أن يحسن نوعية الحياة فى المجتمع الديمقراطي. فالبرنامج يولد لدى الأطفال تفكيرا راقياً، عبر التفاعل مع الجماعة ضمن التعلم التعاونى. ويبقى المجتمع في أشد الحاجة للإهتمام البحثي بموضوع التفكير، لنقلل من الثغرات والصعوبات الموجودة فى نموذج التعلم الحالي. وهو أيضا فى أشد الحاجة لما يثرى ثقافة الطفل بإعطاء المعنى لكافة الخبرات والمواقف التى يمرون بها في مسارهم الدراسي وصولا إلى ىبناء شخصيتهم وكفاياتهم الفكرية التي من شأنها الرقي بالمجتمع نحو التقدم والازدهار.

بقلم: سعاد محمد فتحى محمود (بتصرف)

                                                              

 
 
 
 
 

أضف تعليق


كود امني
تحديث