العدد 4165 - الجمعة 31 يناير 2014م الموافق 30 ربيع الاول 1435هـ

علاء غواص... الفنان المتمرد بأسئلته الصادمة

في العام 2010، ومن صالة الرواق، حذر المفكر البحريني نادر كاظم من ظاهرة الـ «نحن/هم» وثقافة الكراهية التي زادت معدلاتها في المجتمع وخاصة في قنوات الاتصال الاجتماعي والفضائيات. حمل كتابه عنوان «كراهيات منفلتة». وفي العام نفسه، وقبلها من على خشبة المسرح في مركز الشيخ إبراهيم، وقف الفنان علاء غواص، المتمرد على تقاليد مجتمعه، ومع قيثارته غنى وتساءل مشمئزاً: «إذا كان الله معنا، فمن مع الآخرين؟».

في العام التالي، جاء الربيع العربي ورأينا على مسرح الحياة كل ما تنبأ به المفكر وأقلق الفنان.

فاجأنا علاء غواص في العام 2007 بألبومه الأول. كان قد رجع من الولايات المتحدة بعد أن حصل على درجة الماجستير في فن الإعلان. لم تكن البداية متواضعة بل بدأ علاء مشواره الفني بأسلوب الفنان المتكامل. لقد أجهد الرجل نفسه في كتابة الكلمات، وتلحين الموسيقى وعزفها، وغنائها، وتوزيعها، وتسجيلها أيضاً. يستحق علاء لقب فنان بامتياز، فهو ليس مجرد شاعر، أو ملحن، أو عازف، أو مغنٍّ، فهو كلهم جميعاً، ويهتم بكل تفصيل من تفاصيل أعماله.

بعدها، نشط علاء فنياً حتى بدأ وكأنه للتو قد اكتشف نفسه فأصدر ثلاثة ألبومات أخرى خلال السنين السبع الماضية. لم نكن سنحبط كثيراً لو انغمس علاء مثل بقية شباب جيله، في أغاني تصف مشاعر العاشق ولوعة الفراق، ووداع الحبيبة. على العكس من ذلك، بهرنا الفنان الشاب رغم طراوة عظمه، بأنه اختط لفنه طريقاً روّاده قليلون، وشغل نفسه لفهم عُقد مجتمع عصية تراكمت على مر آلاف السنين. رغم أن هذا الطريق يسلكه المرء عادةً في نهاية عمره، لا في بدايته. خرج الفنان عن المألوف الشرقي في أعماله فغنى لأمه التي «تغني (له) أغاني فيروز دائماً»، ومدح أباه «الألماسة الحقيقية»، وتذكر أصدقاء طفولته، وأكثر فتاة سحرته «نحلة السكر»، ووصف ابنته التي لم تولد بعد. ومثل القمم الروحية الرائعة، ناجى الفنان الرب «عزيزي الرب، لا تأخذني إلى الجنة إذا لم يكن هناك روك آند رول».

ومثل أي فنان مثقف حمل علاء هموم جيله ومجتمعه، فمالت كلماته إلى التشاؤم، واللون الأسود والدم في بعض الأحيان، ورافقت كلماته ألحاناً حزينة. أليس التشاؤم صفة العقلاء والمثقفين؟ ومن يحظى بالسعادة في هذا الزمان لولا بركة الجهل؟ اختار علاء طريق النشطاء الموسيقين الذين استخدموا فنهم من أجل الإنسان، فغنوا ضد الحروب، وعزفوا من أجل معونات لمجاعات إفريقيا، وكتبوا ضد الدول الخارجة على القانون الدولي. يعترف علاء أنه الربيب الفني لجاكسون براون، وبوب ديلون وبنك فلويد. ومن يعرف هذه الأسماء، سيعرف حتماً أن الموسيقى بالنسبة لعلاء ليست ترفاً أو مجرد تسلية.

يعلن الفنان علاء عن نفسه «مثل صعلوك يبحث عن شيء ثمين... شيء حقيقي». وفي أحيان أخرى يصف نفسه بـ «المتمرد» و «أنا مازلت أتمرد على حافة الطريق، بدون درع على قلبي، ضد عواء الريح» كما جاء في ألبومه الأخير «Armor» بمعنى «الجوشن». وسواء كان هذا المتمرد يحادث نفسه أو حبيبته أو أمه، التي يلجأ إليها في كل أسئلته المصيرية، فإنه يصف في أغانيه طفولة بريئة، «هنالك زمان عندما كنا أطفالاً جميلين»، زمان ملؤه صحبة مرحة» حيث ينتظرني توم سوير». ثم تتحول الحياة إلى قسوة غير مبررة وكأن «الزمن أعلن حرباً» لتشمل الدين «تخبرني الأم أن الرب غير متنوع (ليحتوي كل الأجناس البشرية)». فتفسد الحياة وتهب «روائح نتنة» وتضيق مثل «أقفاص مكتظة» تخلقها «الشركات العملاقة الوقحة الداعرة». أمام هذه الصورة القاتمة يسوق الفنان تمرده على هيئة أسئلة صادمة في وجه قناعات متسيدة وأزلية. وأسئلة علاء تتجاوز مجرد البحث المهذب عن الحقيقة ففيها استنكار واشمئزاز واضحين. ويساعده في التعبير عن هذه المشاعر موسيقى الروك التي تسمح طبيعتها أن تزداد صخباً وتخفت رقةً في الأغنية الواحدة ذاته. ولا يتطوع الفنان للإجابة عن أسئلته ويعترف مراراً «لا أدري لماذا». وهو بهذه الأسئلة يتحدى العالم بأسره ليجيبه. وأرى أن علاء زاد الفنانين العرب فخراً لأنه من الشجعان الذين وقفوا وسألوا.

كتب كلماته باللغة الإنجليزية، لكني أكاد أجزم أن عقل الرجل يفكر ويحلل بلغته الأم. في نهاية الأمر، علاء ينتمي إلى جيله الذي هجر اللغة العربية، وهو خريج مدارس عامة وتأثر بكل ما هو سائد من الغرب. وكلماته، رغم أعجميتها، إلا أنها تنساب بجمال طبيعي مع موسيقى غربية خُلقت لها. تقف نصوصه بين رائعتين، ففي معانيها تحمل فكراً عميقاً، وفي صوتها تتبع ألحاناً عذبة. والتوافق بين الاثنين يكاد يستحيل لولا موهبة علاء غواص. يذكر للفنان أنه أدخل آلة العود في صميم موسيقاه الغربية، فيما يدل على تمازجٍ شرقي/غربي في الفكر والموسيقى. تحدث علاء عن هموم تبدو في ظاهرها محلية، لكنها عالمية في عمومها. وبهذا الفكر وهذه اللغة والموسيقى بات مرشحاً للنجومية العالمية، خاصة في ألبومه الأخير الذي أنتجه مع جوقة من أفضل وأروع الموسيقيين في البحرين.

لا تهمني في تجربة علاء غواص اللغة الشعرية بقدر ما تهمني معانيها، ولا أنوي التحدث بالنيابة عنه، فأسجل هنا بعض النصوص التي وقفت أمامها مبهوراً، وليعذرني الفنان إذا لم ترُقْ له ترجمتي.

(كما هو موضع في الاطار ادناه)

أنتج علاء أعمالاً فنية بالتعاون مع فنانين أجانب وبحرينيين، هواة ومحترفين، شباباً وأطفالاً. أصبحت تجربة علاء مركزاً يجذب إليه الفنانين الذين لا يقاومون متعة العمل معه، حتى بدأت تتشكل ملامح ما نتمنى أن تكون مدرسة فنية واعدة لشباب يؤمن بالموسيقى كفن وثقافة راقية وليس مجرد تسلية أو صرعة موضة عابرة.

هل أتبع نور شمعتي الصغيرة؟ أم شمس الجميع؟ أتساءل..! أتساءل!

(Hymn, Hums, 2007)

* * * *

إذا كان الله معنا، فمن مع الآخرين؟ لا يهم حقاً متى بدأ كل شيء لأننا صلينا وبكينا وانتحبنا وفشلنا وأخطأنا.. سمِّها التمرد... أنا لا أطلق شَعر لحيتي.. لا أرّوج للذبح، ولا أرفع سيفاً باسم الرب.

(Rebelion, whisper 2008)

* * * *

ماما، هذه المدينة المغبرة ليست كما هي ماما، أليس معيباً؟ أنني أنا الملام لأني وحيداً في المجتمع ماما، أليس معيباً؟ أنني أنا الملام لأنه لا أحد يعرف اسمي، لا أحد يعرف أني أتألم.

(Lonely Through the Crowd, Whisper, 2008)

* * * *

لقد حولوا ساحة اللعب إلى فناء للكنيسة وسمّوها باسمك عندما كنت غائباً، الحب للتجارة، والفاحشة هي العملة، والموسيقى مُنعت باسم الرب عندما كنت غائباً ولا أدري لماذا تُصطنع هذه الابتسامات على وجهك!

(Atonement, Scream, 2010)

* * * *

إذن، لقد نذروا لك قوس قزحٍ إذا استطعت أن تجعله يمطر.. إذا استطعت أن تجر العفاريت لتذبحك.. لا أنت مسجون في الغد، تحسب أعمالك.. رغم مرارة الحقيقة إلا أنك لست سامياً أنت مجرد قطرة مريضة في جدول الماء تنتمي إلى الفريق المهزوم، إذن هل صبغوا قوس قزحك باللون الرمادي؟

(Bad Blood, Armor, 2014)

العدد 4165 - الجمعة 31 يناير 2014م الموافق 30 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:28 ص

      الكفر والفن

      اولا وبخصوص الاعراف والتقاليد اذا كانت الاعراف والتقاليد خطا او موجودة لمجرد ان هذا ما وجدنا عليه ابائنا فهلم بمن يتحداها ويدعو لكسرها. اما عن التطاول على الله فالمعنى في قلب الشاعر وانا لا اجد في كلامه اي تطاول او كفر. زبدة الكلام ان هذا الفنان شخص موهوب يعزف ويكتب ويغني ويلحن ونحن نفتخر به وهو يمثل الكثير منا في البحرين ومثلما يلاحق التكفيريون الفن في كل بقاع العالم ها هم يلاحقونه. اقتبس كلام علاء واوجهه لهم اذا كان الله معكم من مع الاخرين ؟

    • زائر 2 | 3:06 ص

      رد

      كلمات فيها تطاول على الله والدين وعدم مبالاة بالعرف والتقاليد ليته قلل من حدة كلماته .. يريد الاشتهار كونه يبالغ في نبذ الدين والتدين اضافة رد

    • زائر 1 | 11:56 م

      كلام كفري

      كلمات فيها تطاول على الله والدين وعدم مبالاة بالعرف والتقاليد ليته قلل من حدة كلماته .. يريد الاشتهار كونه يبالغ في نبذ الدين والتدين

اقرأ ايضاً