سلمى الجمل لـ "الشرق": حرية الصحافة في الجزيرة هو ما يزعج دول الحصار

39763056_p.JPG

كلمات دالة

هاجر بوغانمي

أنا جزء من برنامج "الحصاد" ومسرورة بتقديم الأخبار 
*دول الحصار تريد صوتا واحدا والجزيرة لا تأبه بما يريدون 
*في الجبهات نسيتُ المخاطر واستمتعتُ بالتحدي
*تغطية الحروب كشفت لي أبعادا أخرى في شخصيتي
*الجزيرة محمية بقدرة ربانية
*الذباب الإلكتروني موجه ليضرب الرأي الآخر

مثل طائر يحلق بجناحين يافعين عبرت من شاطئ مشتعل إلى آخر أكثر اشتعالا. من مدينة إلى مدينة كان التحول متخما بالحلم. على يسارها غصن زيتون، وعلى اليمين جحافل من المهجرين والمشردين يتجهون نحو المجهول. تقول وهي تتأمل مشهد الطفل الذي نام نومته الأخيرة، وتعيد ترتيل القصيدة: "للحقيقة وجه واحد، ولا وقت لليأس!"

تبتسم في وجه الحاضر رغم ما يعتري المنطقة من عريٍ وحزنٍ، وترد على وزير الذباب الالكتروني صمتا، فلا يفهم المعنى. "كل شيء معدٌّ لنا، لأننا لا نملك غير وجه واحد للحقيقة".

هي المذيعة الفلسطينية الأصل، والسورية المنشأ سلمى الجمل. بدأت مشوارها الإعلامي في العشرينات من عمرها، وتنقلت بين أكثر من محطة إذاعية الى تلفزيونية، حتى التحاقها بقناة الجزيرة في عام 2012. غطت محاولة الانقلاب في تركيا في عام 2016، وأحداث معركة الموصل في العراق في العام نفسه، وحشود اللاجئين السوريين وهم يعبرون الحدود التركية باتجاه المجهول.
(الشرق) التقتها في زاوية من المشهد الإعلامي، فكان الحوار التالي: 

*بين أن تغطي الأحداث من الجبهات الساخنة، وبين أن تكون قارئا للأخبار في الأستوديو مسافة. كيف تقدرينها؟
** التغطية الميدانية مختلفة جدا عن العمل في استوديو مكيف وآمن، وفي ساعات محددة، ودقائق محددة. تبدأ النشرة وتنتهي، وإن كانت تغطية فهي تمتد لساعات معينة، لكن العمل الميداني بشكل عام له أجواؤه، وله ما يميزه، حسب طبيعة القصة التي تقومين بتغطيتها. هناك قصص إنسانية أو قصص حروب، وربما تغطية لحدث سياسي أو بدء حرب، مثل الحرب ضد تنظيم الدولة. عندما ذهبت الى العراق كانت العمل مختلفا حتى عن العمل الميداني في أماكن أخرى ذهبت إليها مثل تغطية موجة اللجوء الكبيرة التي كانت من سوريا باتجاه أوروبا، والتي قمت بتغطيتها من ضفة بحر إيجا في تركيا. كان العمل في تلك المرحلة مرهقا على الصعيد الإنساني، خاصة وأننا لا نستطيع أن نفصل عندما نشاهد عوائل كثيرة، وأحلاما كبيرة تتشتت وتركب البحر في طريقها الى المجهول. تلامس تلك المشاهد مشاعرك، والصحفي لا ينجح دائما في عملية الفصل الكامل ما بين نقله للحدث، وبين تأثره بالحدث خاصة عندما يتعلق الأمر بجانب إنساني، فما بالك وهو يتعلق بأناس في بلد كنت جزءا منه.

تجربة
*كيف عشت تجربة تغطيتك للحرب على تنظيم الدولة في العراق؟ 

**كانت تجربتي الأولى في العراق لتغطية جبهات الحرب المشتعلة. كان الأمر صادما بالنسبة إلي خاصة أننا كنا نسافر يوميا لساعات طويلة. كنت أصل الى ذلك المكان على الجبهات منهكة. أرتدي السترة لمدة ساعة تقريبا وهي تزن بين 10 و11 كيلوجرامات، وكل الظروف ضدك. من ناحية تحصيل الخبر فأنت لا تستطيعين أن تلجي أكثر داخل الجبهات. هناك خطوط لا يمكن أن نتعداها، إضافة الى الأجواء المليئة بالغبار.

في منطقة الحروب أنت في بؤرة المتاعب. كنا نجد دائما صعوبة في عملية تلقي إشارة الانترنت. نبتعد عن الجبهة قليلا باتجاه أماكن فيها تغطية لكي نحصل على ترتيب معين للأخبار، لذلك كان كل شيء ضدك، ولكن هناك نكهة مختلفة، وروح قوية تلامسك من الداخل. تنسين هذه المشاكل والمخاطر التي تجدين نفسك في خضمها، لتستمتعي مع كل هذه الصعوبات. كانت هناك متعة مختلفة جدا في نهاية اليوم، حيث أجد نفسي مارست العمل الصحفي في وجه آخر بعيد جدا عما اعتدت عليه. 

*كيف كان ينظر إليك وأنت المرأة الوحيدة ربما بين عدد من الرجال، وفي مكان لا ترى فيه غير غبار الحرب، ولا تسمع إلا صوت القذائف؟ 
**الجميع كان ينظر بأعين مستغربة من وجود صحفية في هذا المكان الخشن، والمليء بكل شيء ما عدى الأنثى، ولكن حالما أبدأ بالعمل أنسى هذه النظرات التي تأتي من السيطرات ومن الجنود ومن وسائل الإعلام. 

*ماذا أضافت لك تلك التجربة؟
**على الصعيد الشخصي أعطتني قوة أكثر، واكتشفت بأنني لا أخاف. لم أكن من قبل في مثل هذه الأجواء، والانسان يكتشف أبعادا أخرى في شخصيته عندما يضطر الى اختبارها. اكتشفت بأنني أستطيع أن أؤدي ما يطلب مني وأكثر، وهناك شغف لدي تملأه الأماكن التي فيها تحد. ربما سأفكر بأن أكررها ولكني لا أستطيع أن أجزم إلا أني سأذهب لتغطية جبهات أخرى، وأتمنى أن تنتهي الحروب.

أزمة كاشفة 
*تعرضت الجزيرة وإعلاميوها إلى حملات ممنهجة منذ بدء الأزمة الخليجية المفتعلة، لتكميم صوت الحقيقة وقتله. كيف تنظرين الى ما يجري، وهل طالك التهديد كما طال زملاءك؟

** هي نقطة تحول كبيرة في مفهوم الصحافة في العالم العربي. غريب جدا ما جرى. أزمة مفتعلة لا يوجد لها أساس سياسي، وغير واضحة حتى الآن. من ضمن الأسباب المطالب الثلاثة عشرة كما يقال، وكان إغلاق الجزيرة أحد هذه المطالب. هم يريدون صوتا واحدا، والجزيرة لا تأبه بما يريدون. 

هذه الأزمة هي أزمة كاشفة وفاضحة لمعنى الإعلام المسير، والإعلام الحر، وكلمة الحر تحتها خط لأنه لا يوجد إعلام حر مائة في المائة. هناك أجندة، وهناك دائما سبب لفتح أي قناة. نحن محكومون بالخط التحريري في كل وسيلة إعلامية نعمل فيها. ولكني أرى في الجزيرة السقف المرتفع لتناول الخبر، وحرية الصحافة فيها هو ما يزعج دول الحصار. الهامش كبير لذلك أرادوا أن ينزلوا به، وأن يكتموا هذا الصوت، وأن يعتمدوا نظام الأدلجة الواحدة بأخبار يقدمونها. 

على صعيد التجربة في وسائل التواصل الاجتماعي فهي كارثة بكل المقاييس. كارثة على كل الأصعدة، بمعنى أنها كشفت عاملا رئيسيا كان يعمل فيها وهي الذباب الالكتروني الذي كان موجها ليضرب الرأي الآخر بطريقة يبدأ فيها بالإهانات الشخصية ولا أدري أين ينتهي. أظهرت هذه التجربة أبشع ما فينا، وأظهرت تلاعب أجهزة مخابرات بالكثير من الحسابات، إضافة الى توجيه الرأي العام، ومحاولة زرع الفتنة بين المغردين وبين الشعوب والصحفيين. كل الوسائل كانت مباحة في هذه الحرب اللا أخلاقية. 

سر النجاح والقوة 
*برأيك ما سر قوة الجزيرة وصمودها أمام كل ما تتعرض له من تهديد وتشويه؟

**عندما أتيت الى الجزيرة سمعت مقولة وأنا أؤمن بها، وهي أن الجزيرة محمية بقدرة ربانية، وهي مقولة تقال بروح من التفاؤل والرضا بين الزملاء، وتجدين بأن هناك دائما يدا عليا تحمي الجزيرة. هناك بعض المطبات الإعلامية بأكثر من محطة في المنطقة، والتي وقع الجميع فيها، والجزيرة كانت جزءا من هذه المطبات، ولكن هناك جرأة دائما لدى الجزيرة لتصحح وتعترف بها، وأحيانا تعتذر وتستفيد، ونحن كذلك نستفيد، والمسار بشكل عام يتجه نحو الطريق الأسلم والأصح. أعتقد أن الجزيرة لديها رصيد تاريخي في قلوب الجميع، شاءوا أما أبوا فهي الرائدة. 

سقف الحرية
*ما هو سقف الحرية الذي تتيحه الجزيرة لسلمى الجمل وزملائها، وكيف تستفيدين منه؟

** الهامش لدينا كبير جدا والذكي من يستطيع أن يلعب في هذا السقف المرتفع. لا أذكر أنه قيل لي لا تسألي هذا السؤال، أو اسألي هذا السؤال. هناك محددات نعرفها نتيجة معرفتنا بالمكان، ولدينا الحرية بأن نقول ونسأل السؤال طالما أنه لا يتناقض مع المحددات المهنية ومع الخط السياسي، فالأمور واضحة وسهلة لمن يمتلك الأدوات ويسير فيها. 

*تصنفين ضمن أجمل مذيعات الجزيرة. كيف تتعاطين مع هذا التصنيف؟ 
**هو إضافة مهمة وجيدة وفي صالحي، أما أن تستفيدي بما حباك به الله من جمال وقبول لدى المشاهد، لأن الجمال وحده لا يكفي، هناك جميلات جدا لا يتركن أي أثر، ولكن القبول لدى المشاهد هو الأهم. أنت تمرين عبر الشاشة لتصلي إليه في البداية كشكل، ولكن ما يهم المشاهد الذكي ليس الشكل فقط، وإنما يهتم بمضمونه. الجمال جزء مكمل ولكن النجاح يبدأ بالمكان الصحيح.

أمل 
*مع بداية عام جديد نتمنى أن يكون بداية لنهاية الأزمات والأحداث المؤلمة، ماذا تقول سلمى الجمل؟

** لا أدري حقيقة، ولكن عام 2017 كان ثقيلا على الجميع. أتمنى أن يحمل العام الماضي معه كل الأحقاد والمتاعب والمآسي دون رجعة، وأن نبدأ عاما فيه تصالح وقبول الآخر، وتفهمه، بمعنى أن تجدي أعذارا للآخر. هذا على الصعيد الإنساني، وعلى الصعيد المهني من المهم أن نتفهم الآخر ونقبله كما هو، ونتصالح مع أنفسنا ومع محيطنا. أتمنى أن يعيش الجميع السلام الداخلي لأننا عندما نعيشه نبث الطاقة الايجابية وهذا هو مفتاح السعادة والنجاح. 

أتمنى أن تكون سنة خير بعيدا عن الخلافات والمناكفات، وأتمنى لبلدي فلسطين أن ينعم بالسلام والثبات في وجه هذه المؤامرات من كل حدب وصوب. وأتمنى لسوريا والعراق وليبيا ومصر واليمن المثقل بالجراح، وكل البلاد العربية السلام . منطقتنا العربية أنهكت جدا، وجميعنا أنهكنا على الصعيد النفسي والسياسي، فأتمنى من الله أن يسبل علينا السلام والأمان.

عوامل نجاح

* هل هناك جوانب أخرى لعبت دورا في نجاح الجزيرة وأثارت غيرة وحقد الآخرين؟
**هناك ولاء كبير للمكان. قد لا يتفق الجميع مع السياسات التحريرية للجزيرة، وهناك من لديه بعض المآخذ على بعض الملفات، وهناك ربما عدم رضا حول أسلوب الطرح أو طريقة التغطية أو المسار في هذا الملف أو ذاك ولكن هناك ثقة وولاء دائما الى المكان. نحن ننظر الى الصورة الأعم. نحن بالنهاية مؤسسة مكونة من فسيفساء عربي جميل ونمثل الوطن العربي بكل وجوهه الجميلة. هناك رؤى مختلفة ولكن ما يجمعنا هو محبة الجزيرة. منذ البدايات وانا أسمع أن علاقة خاصة تربط بين المؤسسة والموظف فيها. أعتقد أنه حسن الإدارة بالإضافة الى تكريس معنى الزمالة، ورحابة الصدر في الاختلاف طالما أنه لا يؤذي.

حقيقة

أقولها حقيقة ولا أدري إن كان سيفهمها من أشعل الشاطئ الآخر: لم يطلب منا أي أحد أن ندافع عن الجزيرة ضمن ما تتعرض له أو ندافع عن قطر أو الموقف القطري والعدالة القطرية والظلم الذي وقع عليها وعلى الجزيرة . لم يطلب منا نهائيا، وما قام به الزملاء، وما قمت به هو فقط وقوف مع نفسي، لأني لا أريد الظلم لنفسي، كما لا أريده للجزيرة ولا للبلد.

برنامج خاص

*لماذا تأخر ظهورك في برنامج يحمل فكرتك وبصمتك؟
** أظن أنني مازلت في بداية الطريق، رغم أنني قادرة على تقديم برنامج خاص بي ولكن بعد أن تنضج التجربة وتختمر. بالنسبة الى الجزيرة هناك اعتبارات تتعلق بالبرامج، فهي محافظة ولا تحبذ أن يأتي برنامج سريعا ويختفي. لا تحبذ أن تغير كثيرا، ولديها برامج تعد محددات رئيسية ومعروفة لدى الشارع العربي. إن طرح برنامج جديد فيها لابد أن يدرس جيدا، وأنا أرى بأن لدي الطموح، وأنني مؤهلة، وهناك أفكار عديدة، لكن لم تختمر فكرة واضحة لدي، ولا بأس من الانتظار.
أنا مسرورة بأنني أقدم للأخبار والتغطيات. وأنا سعيدة جدا بها، وهناك سؤال يطرح في الجزيرة: هل تبحث سلمى عن التغطيات أم العكس صحيح، أما كلاهما يبحث عن الآخر؟ هذا تحدٍّ كبير أستفيد منه، وأقدم بالإضافة الى ذلك برنامج "الحصاد"، وهو برنامج بثلاثة ملفات تناقش قضايا حدثت اليوم أو قضايا مهمة حدثت في الأيام الأخيرة، وأنا جزء من هذا البرنامج، وأظن أنني على الطريق الصحيح.

تهديد مباشر

عانيت أنا وزملائي من التهديد المباشر والعلني من قبل مسؤولين مثل ضاحي خلفان، وهناك مواقع أخبار لدولة من دول الحصار حرضت بطريقة مباشرة على قتل مذيعي الجزيرة تحديدا، وشمتت، وقالت نتمنى أن نراهم جثثا، وهي تسمي نفسها منبرا صحفيا داخل فضاء تويتر الذي لا يحتكم الى ضوابط فما بالك إذا كان هناك من يحرك ليذهب الى أبشع ما فينا، وعندما قمنا بالشكوى على بعض الحسابات ومنها حساب ضاحي خلفان كان جواب تويتر معيبا، وكان الأفضل أن يصمت أفضل من أن يقول ما يدينك.