«أبرق الرغامة».. قلعة تاريخية ربطتها الدولة السعودية بسبع دول مجاورة

«أبرق الرغامة».. قلعة تاريخية ربطتها الدولة السعودية بسبع دول مجاورة

شهدت إعلان دخول جدة تحت الحكم السعودي في سبتمبر 1925
الأربعاء - 8 صفر 1435 هـ - 11 ديسمبر 2013 مـ
جدة: أسماء الغابري
«أبرق الرغامة».. ليس مجرد اسم أو مكان يمر به أي عابر، بل تاريخ كبير ومجيد يتذكره السعوديون حينما يتحدثون عن تاريخ بلادهم.. عن بطولات موحد البلاد ومؤسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مطلع القرن العشرين الماضي.

كان هذا الموقع يبعد عن جدة 14 كيلومترا شرقا، قبل نحو 88 سنة، لكنه اليوم لم يعد سوى جزء رئيس من جسد عروش البحر الأحمر كما يسميها أهلها وعشاقها، فضلا عن تسميتها بوابة الحرمين الشريفين، كما يقول ذلك من يأتي بداعي السياحة الدينية.

والمعروف أن أبرق الرغامة شهد إعلان دخول جدة تحت حكم الدولة السعودية في سبتمبر (أيلول) 1925. وبحسب أمانة مدينة جدة، اكتسب موقع أبرق الرغامة شهرة واسعة بسبب ارتباطه بتاريخ المملكة العربية السعودية، كونه يشكل آخر نقطة وقف فيها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وهو يقود مسيرة توحيد البلاد.

وأوضحت الأمانة أنه «في هذه المنطقة الجغرافية الجرداء، عسكر الملك عبد العزيز بجيشه، ومن حسن الطالع أن الاستعدادات الحربية انتهت بسلام ودخلت جدة في أحضان الدولة الفتية»، مبينة أن الملك عبد العزيز رسم من هذه القلعة بداية مرحلة البناء للدولة الحديثة والأخذ بأسباب العلم والمعرفة، عندما أعلن أن «بلد الله الحرام في إقبال وخير وأمن وراحة».

وتفيد الأمانة بأن موقع أبرق الرغامة هو أحد المواقع الجغرافية المهمة شرق مدينة جدة، وأن المعنى اللغوي للاسم يتكون من جزأين؛ الأول «الأبرق» ويعني البرقاء وهي حجارة مختلطة وكل شيء خلط بلونين فقد برق (أي لمع)، والبرقة أرض وحجارة وتراب، الغالب عليها البياض. كما توضح أن «الرغامة» اسم قديم ينطبق وصفه على طبيعة الأرض، والموقع معروف منذ القدم لكونه ممرا لطرق القوافل المتجهة من جدة إلى مكة المكرمة، ويطلق اسم الرغامة على المسافات التي تجتاز الأراضي الرملية.

وتوضح خرائط الطرق الصادرة عن وزارة النقل السعودية، أن موقع أبرق الرغامة يمكن الانطلاق منه عبر طرق معبدة ومزدوجة وسريعة إلى سبع دول بشكل مباشر، هي: اليمن (جنوبا)، الإمارات العربية المتحدة، قطر، البحرين (شرقا)، الأردن، العراق (شمالا)، والكويت (شمالي شرق)، فضلا عن أن أبرق الرغامة يمثل نقطة وصل بين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

ووفقا للبيانات المتوافرة من وزارة النقل، يتصل موقع أبرق الرغامة باليمن عبر الطريق الساحلي المزدوج الذي يصل من جدة إلى الليث ثم إلى جازان وصولا إلى اليمن، فضلا عن الاتصال بمنطقة عسير وصولا إلى نجران ثم اليمن في أقصى جنوب الجزيرة العربية.

وبناء على بيانات الوزارة نفسها، يتصل أبرق الرغامة بالأردن شمالا مرورا بالمدينة المنورة، ثم حائل ثم الحدود الشمالية والجوف، أو عبر الطريق الساحلي الذي يصل إلى العقبة عبر تبوك.

ويتصل الموقع بطرق معبدة وسريعة بجديدة عرعر في الحدود الشمالية، وهو المنفذ المؤدي إلى العراق، كما يتصل بالكويت عبر المرور بالمدينة المنورة، ثم منطقة القصيم، ثم محافظة حفر الباطن في المنطقة الشرقية، وصولا إلى منفذ الرقعي في الشمال الشرقي للبلاد.

وتظهر بيانات وزارة النقل السعودية أن أبرق الرغامة يتصل بالبحرين بطريق سريع يمر بمكة المكرمة، ثم الطائف، ثم الرياض، وصولا إلى المنطقة الشرقية، حيث يوجد جسر الملك فهد الذي يربط السعودية بالبحرين.

وتؤكد البيانات نفسها أن أبرق الرغامة يتصل بقطر والإمارات العربية المتحدة عبر المرور بمحاذاة محافظة الأحساء التابعة للمنطقة الشرقية.

واستطاع الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود أن يحول منطقة «أبرق الرغامة» شرق جدة، من منطقة جرداء عدت قبل توحيد المملكة ممرا لعبور القوافل التجارية القادمة إلى منطقة الحجاز، ممثلة في مكة المكرمة وجدة، إلى منطقة حضرية تحتضن على أرضها المنشآت التنموية التي حققت للمكان شهرة واسعة، جعلت الكثير من سكان جدة يأوون إليها.

«أبرق الرغامة» كانت قصة ملحمية في نهاية معركة توحيد البلاد تحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله» قبل أكثر من 100 سنة، حيث عسكر الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مع رجاله على أرضها، للدخول إلى جدة التي أعلن فيها في الـ25 من ديسمبر عام 1925م أن «بلد الله الحرام في إقبال وخير وأمن وراحة، وأنه مضى يوم القول، ووصلنا إلى يوم البدء في العمل».

وفي ذلك السياق، قال المدير العام للثقافة والإعلام بأمانة محافظة جدة والمتحدث الرسمي باسم الأمانة المهندس سامي نوار، إن «(الرغامة) أحد المواقع الجغرافية المهمة شرق مدينة جدة، والمعنى اللغوي لها يتكون من (الأبرق) ويعني البرقاء وهي حجارة ورصل مختلطة، وكل شيء خلط بلونين فقد برق (أي لمع)، والبرقة أرض وحجارة وتراب الغالب عليها البياض، وفيها حجارة حمر وسود، والتراب أبيض وأحمر أي برق بلون حجارتها وترابها، وفي مثل هذه الأراضي تظهر حولها وعلى أطرافها نباتات وأشجار ويكون إلى جوارها الروض، وهو عشب أخضر يصلح للرعي بعد سقوط الأمطار، وهناك أمكنة عدة في جزيرة العرب تساق إلى اسم أبرق ومنها هذا الاسم أبرق الرغامة».

وأفاد نوار بأن «الرغامة» اسم قديم ينطبق وصفه على طبيعة الأرض، والموقع معروف منذ القدم لكونه ممرا لطرق القوافل المتجهة من جدة إلى مكة المكرمة، كما يطلق لفظ «الرغامة» على المسافات التي تجتاز الأراضي الرملية في الحجاز، مشيرا إلى أن منطقة أبرق الرغامة كانت قبل توحيد المملكة أرضا جرداء قاحلة وأصبحت اليوم جزءا من مدينة جدة، وامتد إليها العمران، وأنشئت فيها المراكز الحضارية والتجارية والمؤسسات الحكومية، ولعل جاذبية الاسم المستمد من طبيعة الأرض الجغرافية يتناغم مع مفهوم تاريخ المملكة العربية السعودية.

وأضاف المهندس نوار: «يطلق أهل الجزيرة العربية كلمة أبرق على اللون الذي يشوبه شيء من البياض، فيسمى مثلا الخيل الذي فيه شعر يغلبه البياض مع وجود السواد بالخيل الأبرق، أما الجبال فيطلق على الجبل الأبرق وهو الجبل الأسود الذي قد علته الرمال، فأصبح لونه من بعيد مخلوطا بين الغامق والفاتح، فيسمى أبرق، ومنه سمي جبل الرغامة في جدة (أبرق الرغامة) رغم تسمية يوم مبايعة أهالي جدة الملك عبد العزيز ودخولها في الحكم السعودي (يوم الرغامة)».

وأشار إلى أن جبل أبرق الرغامة، يقع وادي الرغامة في الشرق منه بمسافة 14 كيلومترا تقريبا، ويحتوي الوادي على عين للمياه تشتهر بعذوبتها، ويعد مناخها مختلفا عن الأحياء الموجودة داخل المدينة بسبب بعدها عن البحر ومجاورتها للجبال، كما جرى إنشاء متحف عن منطقة أبرق الرغامة ومكانتها في مسيرة التوحيد للملك عبد العزيز على مساحة 150 ألف متر مربع لتجسيد هذا الموروث الثقافي التاريخي.

من جانبه، ربط محمد نوار، مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي بمحافظة جدة، المركز بأبرق الرغامة، بعده علامة مشرفة في تاريخ المملكة عامة ومدينة جدة على وجه الخصوص، فقد أنشئ المبنى على مساحة كبيرة بغرض توثيق وتسجيل مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ الدولة السعودية الحديثة، بينما وضعت أمانة محافظة جدة في برامجها أن يكون هذا المركز نقطة جذب للزائرين من داخل البلاد وخارجها، وأن يكون منبعا للثقافة والتنوير بماضي المملكة وحاضرها ومستقبلها.

شيد المبنى على هضبة مرتفعة في أعلى نقطة من أبرق الرغامة، ويحتضن معلما تذكاريا، عبارة عن مجسم عليه علم المملكة، وفي داخله مصعد ويجري تحريك العلم بشكل دائري عن طريق «الهيدروليك»، ويشتمل المبنى على مسرح كبير للمحاضرات والفعاليات الثقافية والتعليمية مجهز بالتجهيزات الخاصة لاستضافة المناسبات الكبيرة والضخمة كافة.

وأشار نوار إلى أن سعة المركز الداخلية تصل إلى 1200 كرسي مع وجود أربع قاعات داخلية كبيرة للمحاضرات وصالات العرض الثقافية والتعليمية، مبينا أن هذه العناصر توظف لإقامة العروض التاريخية التي تغطي تاريخ المملكة ومراحل توحيدها وإنجازاتها الحضارية، وجرى استغلال الساحات المكشوفة الخارجية من المركز لعرض مجسمات عن آثار المملكة المشهورة ومعالمها التراثية والمعمارية.

اختيارات المحرر

الوسائط المتعددة