صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة الموسوعة الشاملة على الإنترنت)

الصفحة السابقة   //   الصفحة التالية
 

الكتاب : مقاتل الطالبيين
المؤلف : أبو الفرج الأصبهاني
مصدر الكتاب : الوراق

[ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ]

خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا السيد الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني رضي الله عنه وأرضاه قرأته عليه قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري، وعبد الله بن الحسين بن محمد الفارسي قراءة عليهما قالا: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني قال: بحمد الله والثناء عليه يفتتح كل كلام، ويبتدأ كل مقال كفاء لآلائه، وشكرا لجميل بلائه.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من آمن بربوبيته، واعترف بوحدانيته، وأن محمدا عبده ورسوله المبعوث برسالته، والداعي إلى طاعته، والموضح الحق ببرهانه، والمبين أعلام الهدى ببيانه، عليه وعلى آله وأطايب أرومته، والمصطفين من عترته أفضل سلام الله وتحيته، وبركاته ورحمته.
وبالله نستعين على ما أردناه، وقصدناه إليه ونحوناه، من أمر الدنيا والآخرة، والعاجلة والآجلة.
وبه عز وتعالى نعوذ من كل عمل لا يرتضيه، فيردى، وسعي لا يشكره فيكدى، إذعانا بالتقصير والعجز، وتبرؤا من الحول والطول إلا بقدرته ومشيئته، وتوفيقه وهدايته. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وصلى الله على نبيه محمد صلى الله عليه سيد الأولين والآخرين، وخاتم النبيين والمرسلين أولا وآخرا، وبادئا وتاليا، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وسلم كثيرا.
ونحن ذاكرون في كتابنا هذا إن شاء الله وأيد منه بعون وإرشاد جملا من أخبار من قتل من ولد أبي طالب منذ عهد ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوقت الذي ابتدأنا فيه هذا الكتاب، وهو في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وثلثمائة للهجرة ومن احتيل في قتله منهم بسم وكان سبب وفاته، ومن خاف السلطان وهرب منه فمات في تواريه، ومن ظفر به فحبس حتى هلك في محبسه، على السياقة لتواريخ مقاتل من قتل منهم، ووفاة من توفي بهذه الأحوال، لا على قدر مراتبهم في الفضل والتقدم. ومقتصرون في ذكر أخبارهم على من كان محمود الطريقة، سديد المذهب، لا من كان بخلاف ذلك، أو عدل عن سبيل أهله ومذاهب أسلافه، أو كان خروجه على سبيل عيث وإفساد. وعلى أنا لا ننتفي من أن يكون الشيء من أخبار المتأخرين منهم فاتنا ولم يقع إلينا، لتفرقهم في أقاصي المشرق والمغرب، وحلولهم في نائي الأطراف وشاسع المحال التي يتعذر علينا استعلام أخبارهم فيها، ومعرفة قصصهم لاستيطانهم إياها سيما مع قصور زماننا هذا وأهله، وخلوه من مدون الخبر، أو ناقل الأثر، كما كان المتقدمون قبلهم يدونون ويصنفون وينظمون ويرصفون.
ومن اعترف بالتقصير خلا من التأنيب.
وجاعلون ما نؤلفه في هذا الكتاب ونأتي به، على أقرب ما يمكننا من الاختصار ونقدر عليه من الاقتصار، وجامعون فيه ما لا يستغنى عن ذكره من أخبارهم وسيرهم ومقاتلهم وقصصهم؛ إذ كان استيعاب ذلك وجمعه من طرقه ووجوهه يطول جدا ويكثر ويثقل على جامعه وسامعه، والاختصار لمثل هذا أخف على الحامل والناقل.
والله المسؤول حسن التوفيق والمعونة على ما أرضاه من قول، وأزلف لديه من عمل. وهو حسبنا ونعم الوكيل.
جعفر بن أبي طالب
فأول قتيل منهم في الإسلام جعفر بن أبي طالب عليه السلام. واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، وهو شيبة بن هاشم وهو عمرو بن عبد مناف.
ويكنى أبا عبد الله فيما يزعم أهله.
وروى عن أبي هريرة قال: كان جعفر بن أبي طالب يكنى أبا المساكين.
حدثني بذلك محمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي قال: حدثنا فضل بن الحسن المصري قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرازق عن معمر عن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة.
وكان جعفر بن أبي طالب الثالث من ولد أبيه، وكان طالب أكبرهم سنا، ويليه عقيل، ويلي عقيلا جعفر، ويلي جعفرا علي. وكل واحد منهم أكبر من صاحبه بعشر سنين، وعلي أصغرهم سنا.
حدثني بذلك أحمد بن محمد، بن سعيد الهمداني، قال:حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا ابن أبي اليسرى عن هشام بن محمد الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس.
وأمهم جميعا فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وأمها فاطمة، وتعرف بحبى بنت هرم بن رواحة، بن حجر بن عبد معيص بن عامر بن لؤي.

(1/1)


وأمها حدية بنت وهب بن ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر.
وأمها فاطمة بنت عبيد بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.
وأمها سلمى بنت عامر بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر.
وأمها عاتكة بنت أبي همهمة. واسم أبي همهمة عمرو بن عبد العزى بن عامر بن عميرة بن أبي وديعة بن الحارث بن فهر.
وأمها تماضر بنت أبي عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
وأمها حبيبة، وهي أمة الله بنت عبد يا ليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي وهو ثقيف.
وأمها فلانة بنت مخزوم بن أسامة بن صبح بن وائلة بن نصر بن صعصعة بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو بن قين بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر.
وأمها ريطة بنت يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف.
وأمها كليبة بنت قصية بن سعد بن بكر بن هوازن.
وأمها حبى بنت الحارث بن النابغة بن عميرة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن.
وفاطمة بنت أسدي، بن هاشم، أول هاشمية تزوجت هاشميا وولدت له، وأدركت النبي " ص " ، فأسلمت وحسن إسلامها، وأوصت إليه حين حضرتها الوفاة فقبل وصيتها، وصلى عليها ونزل في لحدها واضطجع معها فيه، وأحسن الثناء عليها.
حدثني العباس بن علي بن العباس النسائي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أيوب، قال حدثنا الحسن بن بشر، قال " 4 " حدثنا سعدان بن الوليد بياع السابري، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أم علي بن أبي طالب ألبسها رسول الله " ص " قميصه واضطجع معها في قبرها، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه المرأة. فقال: " إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها. إني إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، واضطجعت معها في قبرها ليهون عليها " .
حدثني علي بن العباس المقانعي قال: حدثنا عبيد بن الهيثم، قال: حدثنا القاسم بن نصر، عن عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة عن الزبير بن سعد الهاشمي، عن أبيه، عن علي قال: أمرني رسول الله " ص " فغسلت أمي فاطمة بنت أسد.
حدثني محمد بن الحسين الخثعمي قال: حدثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن عبد الله بن يسار، عن جعفر بن محمد قال: كانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب حادية عشرة، يعني في السابقة إلى الإسلام، وكانت بدرية.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي " عن حسين بن حسين اللؤلئي " قال حدثنا السري بن سهل الجند نسابوري قال حدثنا محمد بن عمرو ربيح عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن إبراهيم، عن الحسن البصري، عن الزبير بن العوام، قال: سمعت النبي " ص " يدعوا النساء إلى البيعة حين أ نزلت هذه الآية " يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " ، وكانت فاطمة بنت أسد أول امرأة بايعت رسول الله " ص " .
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا بكر بن عبد الوهاب، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه، عن جده: أن رسول الله " ص " دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة.
ذكر مقتل جعفر بن أبي طالب
والسبب فيه وبعض أخباره قرأت " ذلك " على محمد بن جرير الطبري في كتاب المغازي فأقر به.
قلت حدثكم محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق، قال: وقرئ بحضرتي على أحمد بن محمد بن الجعد الوشاء. قيل حدثكم إسحاق المسيبي. قال حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري في خبر جعفر بن أبي طالب ورجوعه من بلاد الحبشة مع من رجع إلى النبي " ص " من المهاجرين إليها بأحاديث دخل بعضها في بعض، وذكرت معانيها مفصلة برواية نقلتها في أماكنها ومواضعها.
حدثني محمد بن إبراهيم بن أبان السراج، قال: حدثنا بشار بن موسى الخفاف، قال: حدثنا أبو عوانة، عن الأجلح، عن الشعبي - و اللفظ له.
قال: لما فتح النبي " ص " خيبر قدم جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه من الحبشة فالتزمه رسول الله " ص " وجعل يقبل بين عينيه ويقول: " ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر " .
قال ابن إسحاق وابن شهاب الزهري: لما قدم جعفر من أرض الحبش بعث رسول الله " ص " بعثه إلى مؤتة.

(1/2)


قال ابن إسحاق خاصة عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير: أنه بعث ذلك البعث في جمادي لسنة ثمان من الهجرة، واستعمل عليهم زيد بن حارثة، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله، بن رواحة على الناس.
أخبرنا محمد بن جرير " قراءة عليه " قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر، أنه حدث عن زيد بن أرقم قال: مضى الناس، حتى إذا كانوا بتخوم البقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب، فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة، فالتقى الناس عندها وتعبأ المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلا من عذرة يقال له قطبة بن قتادة، وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له: عبادة بن مالك. ثم التقو فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله " ص " حتى شاط في رماح القوم. ثم أخذها جعفر بن أبي طالب فقاتل بها حتى " إذا ألحمه القتال " اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل. فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام.
أخبرنا محمد بن جرير، قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة وأبو ثميلة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه " عباد " ، قال حدثني أبي الذي أرضعني، وكان أحد بني مرة بن عوف، وكان في تلك ا لغزوة غزوة مؤتة، قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر حين أقتحم عن فرس له شقراء فعقرها. ثم قاتل القوم حتى قتل.
حدثنا أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه قال: حدثني إبراهيم بن الوليد بن سلمة القرشي، قال حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الملك بن عقبة، عن أبي يونس، عن عبد الرحمن بن سميرة، قال: بعثني خالد بن الوليد بشيرا إلى رسول الله يوم مؤتة، فلما دخلت المسجد قال لي رسول الله " ص " " 6 " : على رسلك يا عبد الرحمن أخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل زيد فقتل، فرحم الله زيدا ثم أخذ ا للواء جعفر بن أبي طالب فقاتل جعفر فقتل فرحم الله جعفرا. ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل عبد الله بن رواحة فقتل، فرحم الله عبد الله.
قال فبكى أصحاب رسول الله " ص " وهم حوله فقال: ما يبكيكم؟ فقالوا: ما لنا لا نبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل ا لفضل منا. فقال: لا تبكوا؛ فإنما مثل أمتي كمثل حديقة قام عليها صاحبها فأصلح رواكيها وهيأ مساكبها، وحلق سعفها، فأطعمت عاما فوجا، ثم عاما فوجا، ثم عاما فوحا، فلعل آخرها طعما أن يكون أجودها قنوانا، وأطولها شمراخا. والذي بعثني بالحق ليجدان ابن مريم في أمتي خلفا من حواريه.
قال أبو الفرج: وفيما قال لي علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب " اروه عني " ، وأخرج إلي كتاب عمه محمد بن علي بن حمزة فكتبته عنه. قال علي بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: قتل جعفر وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة. وهذا عندي شبيه بالوهم؛ لأنه قتل في سنة ثمان من الهجرة، وبين ذلك الوقت وبين مبعث رسول الله " ص " إحدى وعشرون سنة، وهو أسن من أخيه أمير المؤمنين علي عليه السلام بعشر سنين، وكان لعلي حين أسلم سنون مختلفة في عددها فالمكثر يقول كانت خمس عشرة، والمقلل يقول سبع سنين. وكان إسلامه في السنة التي بعث فيها رسول الله " ص " لا خلاف في ذلك. وعلى أي الروايات قيس أمره علم أنه كان عند مقتله قد تجاوز هذا المقدار من السنين.
قال أبو إسحاق في حديثه الذي تقدم ذكره، وقد حدثنا به أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن الحسن قال: حدثني إبراهيم بن علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق قال: قال كعب بن مالك يرثي حعفر بن أبي طالب:
هدت العيون ودمع عينك يهمل ... سحا كما وكف الضباب المخضل
وكأنما بين الجوانح والحشا ... مما تأوبني شهاب مدخل
وجدا على النفر الذين تتابعوا ... يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا
صلى الإله عليهم من فتية ... وسقى عظامهم الغمام المسبل
صبروا بمؤتة للإله نفوسهم ... عند الحمام حفيظة أن ينكلوا

(1/3)


إذ يهتدون بجعفر ولوائه ... قدام أولهم ونعم الأول
حتى تفرقت الصفوف وجعفر ... حيث التقى وعث الصفوف مجدل
فتغير القمر المنير لفقده ... والشمس قد كسفت وكادت تأفل
" قوم بهم نصر الإله عباده ... وعليهم نزل الكتاب المنزل
ويهديهم رضى الإله لخلقه ... وبحدهم نصر النبي المرسل
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم ... تندى إذا اعتذر الزمان الممحل
حدثنا حامد بن محمد البلخي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر القواريري قال: حدثنا محبوب - يعني ابن الحسن - قال: حدثنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: ما ركب أحد المطايا ولا ركب الكور، ولا انتعل، ولا احتذى النعال أحد بعد رسول الله " ص " أفضل من جعفر بن أبي طالب.
حدثني أبو عبيد الصيرفي، قال: حدثنا الفضل بن الحسن قال:حدثنا إسحاق بن سليمان الخراز، قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن فضيل بن مرزوق، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله " ص " : " خير الناس حمزة، وجعفر وعلي عليهم السلام " .
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا الفضل، قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المدني، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رأيت جعفرا ملكا يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين.
حدثني أحمد بن محمد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا وهب بن وهب، قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة.
حدثنا محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال حدثنا علي بن غراب، عن جعفر بن محمد عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر: أنت أشبهت خلقي وخلقي.
حدثني محمد بن الحسين " الأشناني " قال: حدثنا جعفر بن محمد الرماني، قال: حدثنا محمد بن جبلة، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو الجارود، قال: حدثني عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن جده، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: الناس " 8 " من شجر شتى وأنا وجعفر من شجرة واحدة.
محمد بن جعفر
ومحمد بن جعفر بن أبي طالب لاتعرف كنيته.
وأمه أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن سعد بن مالك بن بشير بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفتل وهو خثعم.
وأمها هند بنت عوف بن الحارث وهو حماطة، بن ربيعة بن ذي جليل بن جرش واسمه منبه بن أسلم بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل الغوث بن قطن بن غريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير وهو العرنجج بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وهند هذه التي هي أم أسماء بنت عميس التي قيل فيها: الجرشية أكرم الناس أحماء. جرش من اليمن.
وابنتها أسماء بنت عميس تزوجها جعفر بن أبي طالب، ثم أبو بكر، ثم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.وابنتها الأخرى ميمونة أم المؤمنين زوجة النبي صلى الله عليه وسلم .
وابنتها الأخرى لبابة أم الفضل، أخت ميمونة، أم ولد العباس بن عبد المطلب.
وابنتها الأخرى سلمى بنت عميس أم ولد حمزة بن عبد المطلب.
وأحماء هذه الجرشية: رسول الله " ص " ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والحمزة، والعباس، وحعفر، وأبو بكر، ومن أحمائها أيضا الوليد بن المغيرة المخزومي فأم خالد بن الوليد: أم الفضل الكبرى بنت الحارث أخت أسماء لأمها.
وهي أم جميع ولد جعفر بن أبي طالب.
وتزوجت الجرشية الحارث بن الجون بن بجير بن الهرم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر، فولدت منه ميمونة زوجة النبي " ص " ، وأم الفضل أختها تزوجها العباس فولدت له عبد الله، وعبيد الله، والفضل ومعبدا وقثم.
وذكرها الحسن، بن زيد، بن الحسن، بن علي فقال:

(1/4)


كانت الجرشية أكرم الناس أحماء، ذكر رسول الله " ص " وعليا، وحمزة، وجعفر، والعباس، ولم يذكر أبا بكر، وكان في مجلسه جماعة من ولده فرأى ذلك قد شق عليهم فقال: وأبو بكر بعد سكوت طويل.
ولما قتل عنها جعفر تزوجها أبو بكر فولدت له محمدا. ثم توفى فخلف عليها علي بن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي، وتوفي في حياة أبيه، ولا عقب له.
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني أبو يونس محمد بن أحمد، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة عن أبيه عن الضحاك بن عثمان، قال: خرج عبيد الله بن عمر بن الخطاب في كتيبة يقال لها الخضراء، وكان بإزائه محمد بن جعفر بن أبي طالب معه راية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب التي تسمى الجموح، وكانا في عشرة آلاف. فاقتتلوا قتالا شديدا.
قال: فلقد ألقى الله عز وجل عليهم الصبر، ورفع عنهم النصر، فصاح عبيد الله حتى متى هذا الحذر؟ أبرز حتى أناجزك، فبرز له محمد، فتطاعنا حتى انكسرت رماحهما، ثم تضاربا حتى انكسر سيف محمد، ونشب سيف عبيد الله بن عمر في الدرقة، فتعانقا وعض كل واحد منهما أنف صاحبه فوقعا عن فرسيهما، وحمل أصحابهما عليهما فقتل بعضهم بعضا، حتى صار عليهما مثل التل العظيم من القتلى.
وغلب علي عليه السلام على المعركة فأزال أهل الشام عنهما، ووقف عليهما فقال اكشفوا " هؤلاء القتلى عن ابن أخي فجعلوا يجرون القتلى عنهما حتى كشفوهما " فإذا هما متعانقان، فقال علي عليه السلام: أما والله لعن غير حب تعانقتما.
قال أبو الفرج: هذه رواية الضحاك بن عثمان. وما أعلم أحدا من أهل السيرة ذكر أن محمد بن جعفر قتيل عبيد الله بن عمر، ولا سمعت لمحمد في كتاب أحد منهم ذكر مقتل.
وقد حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي بخبر مقتل عبيد الله بن عمر في كتاب صفين، قال: حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم " المنقري " ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمر بن سعيد البصري، عن أبي مخنف لوط، بين يحيى الأزدي عن جعفر، بن القاسم عن زيد بن علقمة عن زيد بن بدر، قال: خرج عبيد الله بن عمر في كتيبته الرقطاء، وهي الخضرية وكانوا أربعة آلاف عليهم ثياب خضر، إذ مر الحسن بن علي عليهما السلام فإذا هو برجل متوسد قتيل قد ركز رمحه " 9 " في عينه وربط فرسه برجله فقال الحسن عليه السلام: انظروا من هذا؟ فإذا الرجل من همدان، وإذا القتيل عبيد الله قد قتله وبات عليه حتى أصبح، ثم سلبه ثم اختلفوا في قاتله فقالت همدان: قتله هانئ بن الخطاب، وقالت حضرموت: قتله مالك بن عمرو التبعي، وقالت بكر بن وائل قتله رجل من تيم الله بن ثعلبة يقال له مالك بن الصحصح من أهل البصرة، وأخذ سيفه ذا الوشاح فبعث معاوية " إليه " حين بويع له وهو بالبصرة فأخذ منه السيف.
وكذلك روى عن جماعة من أهل السيرة في مقتل عبيد الله " بن عمر " أو شبيه به، والله أعلم أي ذلك كان.
علي بن أبي طالب
وأمير المؤمنين علين بن أبي طالب ويكنى أبا الحسن وأبا الحسين.
وروى عنه عليه السلام أنه قال: كان الحسن في حياة رسول الله " ص " يدعوني أبا الحسين. وكان الحسين يدعوني أبا الحسن ويدعوان رسول الله " ص " أباهما، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعواني بأبيهما.
وكانت فاطمة بنت أسد أمه رحمة الله عليها لما ولدته سمته حيدرة، فغير أبو طالب اسمه وسماه عليا.
وقيل إن ذلك اسم كانت قريش تسميه به.
والقول الأول أصح. ويدل عليه خبره يوم خيبر وقد برز إليه مرحب اليهودي وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز إليه علي عليه السلام وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة ... كليث غاب في العرين قسوره
أكيلكم بالصاع كيل السندره
حدثني محمد بن الحسين، قال حدثنا عباد " بن يعقوب " قال حدثنا موسى بن عمير القرشي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: وذكر سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله " ص " كناه أبا تراب وكانت من أحب ما يكنى به إليه. وكانت بنو أمية دعت سهلا إلى أن يسبه على المنبر.
حدثني علي بن إسحاق بن عيسى المخزومي، قال حدثنا محمد بن بكار بن الريان، قال حدثنا أبو معشر عن أبي حازم عن سهل بن سعد، قال:

(1/5)


كان بين علي وفاطمة شيء فجاء رسول الله " ص " " 10 " يلتمس عليا فلم يجده، فقال لفاطمة: أين هو؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فخرج من عندي وهو غضبان، فالتمسه رسول الله " ص " فوجده في المسجد راقدا وقد زال رداؤه عنه وأصابه التراب، فأيقظه رسول الله " ص " وجعل يمسح التراب عن ظهره وقال له: اجلس فإنما أنت أبو تراب. وكنا نمدح عليا إذا قلنا له أبو تراب.
فحدثني علي بن إسحاق، قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال حدثنا خالد بن مخلد، قال حدثنا سلمان بن بلال، قال حدثني أبو حازم بن دينار، قال سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول: إن كان لأحب أسماء علي إليه أبو تراب، وإن كان ليفرح أن يدعى بها، وما سماه بذلك إلا رسول الله " ص " .
وكان رسول الله " ص " أخذ عليا من أبيه وهو صغير في سنة أصابت قريشا وقحط نالهم، وأخذ حمزة حعفرا، وأخذ العباس طالبا ليكفوا أباهم مؤنتهم ويخففوا عنه ثقلهم، وأخذ هو عقيلا لميله كان إليه فقال رسول الله " ص " : اخترت من اختار الله لي عليكم عليا.
حدثني بذلك أحمد بن الجعد الوشاء قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح، قال حدثنا علي بن عابس عن هرون بن سعد عن زيد بن علي.
وكانت سنه يوم أسلم إحدى عشرة سنة على أصح ما ورد من الأخبار في إسلامه، وقد قيل ثلاث عشر سنة، وقيل سبع سنين. والثابت إحدى عشرة، لأن رسول الله " ص " بعث وهذه سنوه فأقام معه بمكة ثلاث عشرة، وبالمدينة عشرا. وعاش بعد رسول الله " ص " ثلاثين سنة تنقص شهورا. وقال في خطبته التي حدثني بها العباس بن علي النسائي وغيره، قالوا حدثنا محمد بن حسان الأزرق قال حدثنا شبابة بن سوار قال حدثنا قيس بن الربيع عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي صادق: إنه عليه السلام خطب الناس وقد بلغه خبر غارة الغامدي على الأنبار فقال في خطبته: لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، ويحهم وهل فيهم أشد مراسا لها مني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟. والله لقد دخلت فيها وأنا ابن عشرين سنة، وأنا الآن قد نيفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
وكان عليه السلام أسمر مربوعا وهو إلى القصر أقرب عظيم البطن دقيق الأصابع غليظ الذراعين، حمش الساقين، في عينيه لين، عظيم اللحية " 11 " ، أصلع ناتئ الجبهة.
قال أبو الفرج: وصفته هذه وردت بها الروايات متفرقة فجمعتها، وأتم ما ورد فيها من الأخبار حديث حدثني به أحمد بن الجعد وعبد الله بن محمد البغوي قالا: حدثنا سويد بن سعيد، قال حدثنا داود بن عبد الجبار عن أبي إسحاق، قال: أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة فرفعني فرأيت عليا يخطب على المنبر شيخا أصلع ناتئ الجبهة عريض ما بين المنكبين له لحية قد ملأت صدره في عينه اطر غشاش، قال داود يعني لينا في العين. قال فقلت لأبي: من هذا يا أبه؟ فقال هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله " ص " وأخو رسول الله ووصي رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله ورضوانه وسلامه عليه.
قال أبو الفرج: وقد أتينا على صدر من أخباره فيه مقنع. وفضائله عليه السلام أكثر من أن تحصى، والقليل منها لا موقع له في مثل هذا الكتاب، والإكثار يخرجنا عما شرطناه من الاختصار، وإنما ننبه على من خمل عند بعض الناس ذكره أو لم يشع فيهم فضله. فأمير المؤمنين عليه السلام بإجماع المخالف والممالي، والمضاد والموالي، على ما لا يمكن غمطه ولا ينساغ ستره من فضائله المشهورة في العامة لا المكتوبة عند الخاصة تغني عن تفضيله بقول والاستشهاد عليه برواية.
؟؟؟؟؟؟؟؟ثم نعود إلى ذكر خبر مقتله
والسبب فيه حدثني به أحمد بن عيسى العجلي العطار قال حدثني الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدثنا زيد بن المعذل النمري قال حدثنا يحيى بن سعيد الجزار عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد.

(1/6)


" عن عبد الرحمن بن عبيد الله عن جماعة " . من الرواة قد ثبت ما رووه في مواضعة وحدثني أيضا بمقتله عليه السلام محمد بن الحسين الأشناني قال حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الحراني قال حدثنا إسماعيل بن راشد ودخل حديثه في حديث من قدمت ذكره، وحدثنا ببعضه أحمد بن محمد بن دلان الخيشي وأحمد بن الجعد الوشاء ومحمد بن جرير الطبري وجماعة غيرهم قالوا حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا أبو حباب قال حدثنا أبو عون الثقفي عن أبي عبد الرحمن السلمي حديثا ذكر فيه مقتله فأتيت بأشياء منه في مواضعها من سياقة الأحاديث، وأكثر اللفظ في ذلك لأبي مخنف، إلا ما عسى أن يقع فيه خلاف فأبينه قال: اجتمع بمكة نفر من الخوارج فتذاكروا أمر المسلمين فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم " 12 " وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم وقال بعضهم لبعض فلو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال وطلبنا غرتهم فأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان، فتعاقدوا على ذلك عند انقضاء الحج، فقال عبد الرحمن بن ملحم لعنه الله أنا أكفيكم عليا، وقال أحد الآخرين: أنا أكفيكم معاوية، وقال الثالث: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاقدوا وتواثقوا على الوفاء ألا ينكل واحد منهم عن صاحبه الذي يتوجه إليه ولا عن قتله واتعدوا لشهر رمضان في الليلة التي قتل فيها ابن ملحم عليا عليه السلام.
قال أبو مخنف قال أبو زهير العبسي: الرجلان الآخران، البرك بن عبد الله التميمي وهو صاحب معاوية، والآخر عمرو بن بكر التميمي وهو صاحب عمرو بن العاص.
فأما صاحب معاوية فإنه قصده فلما وقعت عينه عليه ضربه فوقعت ضربته في إليته، وأخذ، فجاء الطبيب إليه فنظر إلى الضربة، فقال اسماعيل بن راشد في حديثه: فقال: إن السيف مسموم فاختر إما أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة فتبرأ وإما أن أسقيك دواء فتبرأ وينقطع نسلك. قال أما النار فلا أطيقها، وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقر عيني وحسبي بهما، فسقاه الدواء، فعوفي وعالج جرحه حتى التأم ولم يولد له بعد ذلك.
قال وقال له البرك بن عبد الله إن لك عندي بشارة، قال: وما هي؟ فأخبره بخبر صاحبيه، وقال له: إن عليا يقتل في هذه الليلة فاحبسني عندك فإن قتل فأنت ولي ما تراه في أمري، وإن لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق أن أمضي فأقتله ثم أعود إليك فأضع يدي في يدك حتى تحكم في بما تراه، فحبسه عنده، فلما أتاه أن عليا قد قتل خلى سبيله.
وقال غيره من الرواة بل قتله من وقته.
قال وأما صاحب عمرو بن العاص فإنه وافاه في تلك الليلة وقد وجد علة فأخذ دواء واستحلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة أحد بني عامر بن لؤي، فخرج للصلاة وشد عليه عمرو بن بكر فضربه بسيفه فأثبته، وأخذ الرجل فأتى به عمرو العاص فقتله، ودخل من غد إلى خارجة وهو يجود بنفسه ققال له: أما والله أبا عبد الله ما أراد غيرك، قال عمرو: ولكن الله أراد خارجة.
رجع الحديث إلى خبر ابن ملجم لعنه الله. فحدثني محمد بن الحسين الأشناني وغيره قالوا حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال حدثنا ابن فضيل قال حدثنا فطر " 13 " عن أبي الطفيل قال: جمع أمير المؤمنين علي الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم فرده مرتين أو ثلاثا ثم بايعه، فقال له علي: ما يحبس أشقاها؟ فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذه، ثم قال:
أشدد حيازيمك للمو ... ت فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من المو ... ت إذا حل بواديك
قال: وروى غيره أن عليا أعطى الناس فلما بلغ إلى ابن ملجم قال:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
أخبرنا الحسن بن علي الوشا في كتابه إلي قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا فطر عن أبي الطفيل بنحو من هذا الحديث.

(1/7)


حدثني أحمد بن عيسى العجلي قال حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدثنا زيد بن المعذل عن يحيى بن شعيب عن أبي مخنف عن أبي زهير العبسي قال: كان ابن ملجم من مراد وعداده في كندة فأقبل حتى قدم الكوفة فلقي بها أصحابه وكتمهم أمره وطوى عنهم ما تعاقد هو وأصحابه عليه بمكة من قتل أمراء المسلمين مخافة أن ينشر منه شيء وأنه زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب فصادف عنده قطام بنت الأخضر بن شجنة من تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها بالنهروان، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلما رآها ابن ملجم لعنه الله شغف بها واشتد إعجابه، فخبر خبرها فخطبها فقالت له: ما الذي تسمى لي من الصداق فقال لها؟ احتكمي ما بدا لك. فقالت:أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك جميع ما سألت، فأما قتل علي فأنى لي بذلك؟ فقالت: تلتمس غرته فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا، قال لها: أما والله أقدمني هذا المصر وقد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله إلا ما سألتني من قتل علي، فلك ما سألت، قالت له: فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله، فتحمل ذلك لها، وخرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له: يا شبيب، هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما هو قال تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، وكان شبيب على رأي الخوارج، فقال له: يا بن ملجم هبلتك الهبول. لقد جئت شيئا إدا، وكيف تقدر على ذلك؟ قال له ابن ملجم: نكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به فقتلناه، فإذا نحن قتلناه شفينا وأدركنا ثأرنا، فلم يزل به حتى أجابه، فأقبل معه حتى دخل على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبة، فقالا لها: قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل " 14 " .
قالت لهما: فإذا أردتما ذلك فألقياني في هذا الموضع. فانصرفا من عندها فلبثا أياما. ثم أتياها ليلة الجمعة لتسع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين. هكذا في حديث أبي مخنف، وفي حديث أبي عبد الرحمن السلمي أنها كانت ليلة سبع عشرة خلت من شهر رمضان، وهو أصح. فقال لها ابن ملجم: هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبي وواعدني أن يقتل كل واحد منا صاحبه الذي يتوجه إليه. فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم، وتقلدوا سيفهم، ومضوا فجلسوا مما يلي السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين إلى الصلاة.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، عن الأسود والأجلح أن ابن ملجم أتى إلى الأشعث بن قيس - لعنهما الله - في الليلة التي أراد فيها بعلي ما أراد، والأشعث في بعض نواحي المسجد. فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم - لعنه الله - النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فقال له حجر: قتلته يا أعور. وخرج مبادرا إلى علي وأسرج دابته وسبقه ابن ملجم - لعنه الله - فضرب عليا. وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين.
قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني: وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أخبار يطول شرحها منها ما حدثنيه محمد بن الحسين الأشناني قال: حدثنا إسما عيل بن موسى بن بنت السدي قال: حدثنا علي بن مسهر، عن الأجلح عن موسى بن أبي النعمان قال: جاء الأشعث إلى علي يستأذن عليه فرده قنبر، فأدمى الأشعث أنفه. فخرج علي وهو يقول: مالي ولك يا أشعث، أما والله لو بعبد ثقيف تمرست لاقشعرت شعيراتك، قيل: يا أمير المؤمنين ومن غلام ثقيف؟ قال: غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلا أدخلهم ذلا. قيل: يا أمير المؤمنين: كم يلي؟ وكم يمكث؟ قال: عشرين إن بلغها.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني. قال: حدثني إسماعيل بن موسى. قال: حدثني رجل، عن سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد قال: حدثني امرأة منا قالت: رأيت الأشعث بن قيس دخل على علي - عليه السلام - فأغلظ له علي، فعرض له الأشعث بأن يفتك به. فقال له علي عليه السلام: أبالموت تهددني، فو الله ما أبالي وقعت على الموت، أو وقع الموت علي.

(1/8)


حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد بن الؤمل الصيرفي بهذين الحدبثين، عن فضل المصري عن إسماعيل " ابن بنت السدي " .
رجع الحديث إلى مقتل أمير المؤمنين.
قال أبو مخنف: فحدثني أبي عن عبد الله بن محمد الأزدي، قال: إني لأصلي تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أول الليل إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة قياما وقعودا، وركوعا وسجودا، ما يسأمون، إذ خرج على صلاة الفجر، فأقبل ينادي: الصلاة الصلاة، فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيف؟ وسمعت قائلا يقول: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، ثم رأيت بريق سيف آخر ثانيا وسمعت عليا يقول: لايفوتنكم الرجل.
وقال إسماعيل بن راشد في حديثه، ووافقه في معناه حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن شبيب بن بجرة ضربه فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق، وضربه ابن ملجم - لعنه الله - فأثبت الضربة في وسط رأسه.
وقال عبد الله بن محمد الأزدي في حديثه: وشد الناس عليه من كل ناحية حتى أخذوه.
قال أبو مخنف: فذكرت همدان أن رجلا منهم يكنى أبا أدماء من مرهبة أخذه، وقال يزيد بن أبي زياد: أخذه المغيرة بن الحرث بن عبد المطلب طرح عليه قطيفة ثم صرعه. وأخذ السيف من يده وجاء به.
وأما شبيب بن بجرة فإنه خرج هاربا، فأخذه رجل فصرعه؛ وجلس على صدره وأخذ السيف من يده ليقتله، فرأى الناس يقصدون نحوه، فخشي أن يعجلوا عليه ولا يسمعوا منه، فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السيف من يده. ومضى الرجل هاربا حتى دخل منزله. ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره، فقال له: ما هذا؟ لعلك قتلت أمير المؤمنين، فأراد أن يقول: لا، فقال: نعم. فمضى ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله.
قال أبو مخنف: فحدثني أبي، عن عبد الله بن محمد الأزدي، قال: ادخل ابن ملجم لعنه الله على علي، ودخلت عليه فيمن دخل، فسمعت عليا يقول: النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن سلمت رأيت فيه رأيي، فقال ابن ملجم - لعنه الله - والله لقد ابتعته بألف، وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله. قال: ونادته أم كلثوم: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين.
قال: إنما قتلت أباك. قالت يا عدو الله. إني لأرجو أن ألا يكون عليه بأس. قال لها: فأراك إنما تبكين عليا. إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم.
قال وأخرج ابن ملجم - لعنه الله - وهو يقول: قال إسماعيل بن راشد في حديثه والشعر لابن أبي مياس الفزاري:
ونحن ضربنا يا بنة الخير إذ طغى ... أبا حسن مأمومة فتقطر
هذا البيت لأبي مخنف وحده، وزاد إسماعيل هذين البيتين:
ونحن خلعنا ملكه عن نظامه ... بضربة سيف إذ علا وتجبرا
ونحن كرام في الصباح أعزة ... إذا المرء بالموت ارتدى وتأزرا
قال أبو مخنف: فحدثني بعض أصحابنا، عن صالح بن ميثم، عن أخيه عمران قال: لقد رأيت الناس حين انصرفوا من صلاة الصبح أتوا بابن مخنف لعنه الله ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون له: يا عدو الله، ماذا فعلت؟ أهلكت أمة محمد " ص " ، وقتلت خير الناس. وإنه لصامت ما ينطق.
قال أبو ملجم: وحدثني معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل أن صعصعة بن صوحان استأذن على أمير المؤمنين علي وقد أتاه عائدا، فلم يكن له عليه إذن، فقال صعصعة للآذن: قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا، فو الله لقد كان الله في صدرك عظيما، ولقد كنت بذات الله عليما، فأبلغه الآذن مقالة صعصعة، فقال له علي: قل له وأنت يرحمك الله، فلقد كنت خفيف المؤونة، كثير المعونة.
قال: وقال رجل يذكر أمر قطام وابن ملجم لعنهما الله وقال محمد بن " الحسين الأشناني " في حديثه عن المسروقي وهو ابن أبي مياس " الفزاري " :
فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المصمم
ولا مهر أغلى من علي وإن علا ... ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
وأنشدنا حبيب بن نصر المهلبي، قال: أنشدنا الرياشي أحسبه عن أبي عبيدة لعمران بن حطان - لعنه الله - يمدح ابن ملجم لعنه الله وغضب عليهما بقتل أمير المؤمنين عليه السلام:

(1/9)


يا ضربة من كمي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
أني لأفكر فيه ثم أحسبه ... أو في البرية عند الله ميزانا
كذب. لعنهما الله وعذبهما.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثني الحسن بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، قال: حدثني عطية بن الحرث، عن عمر بن تميم وعمرو بن أبي بكار أن عليا لما ضرب جمع له أطباء الكوفة فلم يكن منهم أحد أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هانئ السكوني، وكان متطببا صاحب كرسي يعالج الجراحات، وكان من الأربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم، وإن أثيرا لما نظر إلى جرح أمير المؤمنين - عليه السلام - دعا برئة شاة حارة واستخرج عرقا منها، فأدخله في الجرح ثم استخرجه فإذا عليه بياض الدماغ فقال له: يا أمير المؤمنين إعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك. فدعا علي عند ذلك بصحيفة ودواة وكتب وصيته.
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركين، صلوات الله وبركاته عليه.
" إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " .
أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي هذا بتقوى الله ربنا ولا تموتن وإلا أنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وإن المبيدة الحالقة للدين فساد ذات البين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب. الله الله في الأيتام فلا تغيرن أفواههم بجفوتكم، والله الله في جيرانكم فإنها وصية رسول الله " ص " ما زال يوصينا بهم ظننا أنه سيورثهم.
والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنها عماد دينكم.
والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا وإنه إن خلا منكم لم تنظروا.
والله الله في صيام شهر رمضان فإنه جنة من النار، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم والله الله في زكاة أموالكم فإنها تطفىء غضب ربكم والله الله في أمة نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم والله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم.
والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم " فإنها كانت آخر وصية رسول الله " ص " إذ قال: أوصيكم بالضعيفين فيما ملكت أيمانكم " .
ثم قال: الصلاة الصلاة. لا تخافوا في الله لومة لائم فإنه يكفكم من بغى عليكم وأرادكم بسوء قولوا للناس حسنا كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر عنكم وتدعون فلا يستجاب لكم.
عليكم بالتواضع والتباذل والتبار، وإياكم والتقاطع والتفرق والتدابر: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " حفظكم الله من إهل بيت، وحفظ فيكم نبيه، استودعكم الله خير مستودع وأقرأ عليكم سلام الله ورحمته.
حدثني أحمد بن محمد بن دلان، وأحمد بن الجعد، ومحمد بن جرير الطبري، قالوا: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني أبو جناب، قال: حدثني أبو عون الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن الحسن بن علي قال: خرجت أنا وأبي نصلي في هذا المسجد، فقال لي: يا بني، إني بت الليلة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة يوم بدر لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله " ص " ، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال لي: ادع عليهم. فقلت: " اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شر لهم مني " ، وجاء ابن النباح. فآذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فاعتروه الرجلان فأما أحد فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه.
" قال أبو الفرج الأود العوج، واللد الخصومات " :

(1/10)


حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسن بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، عن فضيل بن خديج، عن الأسود والكندي والأجلخ قالا: توفي أمير المؤمنين علي - عليه السلام - وهو ابن أربع وستين سنة، سنة أربعين في ليلة الأحد لإحدى وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان، وولي غسله ابنه الحسن بن علي وعبد الله بن العباس، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص. وصلى عليه ابنه الحسن وكبر خمس تكبيرات، ودفن في الرحبة مما يلي أبواب كندة عند صلاة الصبح.
ودعا الحسن بعد دفنه بابن ملجم - لعنه الله - فأتى به فأمر بضرب عنقه، فقال له: إن رأيت أن تأخذ على العهود أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك بعد أن أمضي إلى الشام فأنظر ما صنع صاحبي بمعاوية فإن كان قتله وإلا قتلته ثم أعود إليك. تحكم في بحكمك، فقال له الحسن: هيهات. والله لا تشرب الماء البارد أو تلحق روحك بالنار، ثم ضرب عنقه فاستوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه فوهبها لها فأحرقتها بالنار.
حدثني أحمد بن سعيد، قال حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا يعقوب بن زيد، قال: حدثني ابن أبي عمير، عن الحسن بن علي الخلال، عن جده، قال: قلت للحسن بن علي: أين دفنتم أمير المؤمنين؟ قال: خرجنا به ليلا من منزله حتى مررنا به على مسجد الأشعث، حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغرى.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، قال: حدثنا إسماعيل بن راشد بإسناده، قال: لما أتى عائشة نعى علي أمير المؤمنين - عليه السلام - تمثلت:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قر عينا بالأياب المسافر
ثم قالت: من قتله؟ فقيل: رجل من مراد، فقالت:
فإن يك نائبا فلقد بغاه ... غلام ليس في فيه التراب
فقالت لها زينب بنت أم سلمة: ألعلي تقولين هذا؟ فقالت: إذا نسيت فذكروني، قال: ثم تمثلت:
ما زال إهداء القصائد بيننا ... باسم الصديق وكثرة الألقاب
حتى تركت كأن قولك فيهم ... في كل مجتمع طنين ذباب
قال: وكان الذي جاءها بنعيه سفيان بن أبي أمية بن عبد شمس بن أبي وقاص هذا أو نحوه. حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا أحمد بن حازم، قال: حدثنا عاصم بن عامر، وعثمان بن أبي شيبة، قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: لما أن جاء عائشة قتل علي عليه السلام سجدت. قال أبو مخنف: وقالت أم الهيثم بنت الأسود النخعية ترثي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - :
ألا يا عين ويحك فاسعدينا ... ألا تبكي أمير المؤمنينا
رزئنا خير من ركب المطايا ... وخيسها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينا
وكنا قبل مقتله بخير ... نرى مولى رسول الله فينا
يقيم الدين لا يرتاب فيه ... ويقضي بالفرائض مستبينا
ويدعوا للجماعة من عصاه ... وينهك قطع أيدي السارقينا
وليس بكاتم علما لديه ... ولم يخلق من المتجبرينا
لعمر أبي لقد أصحاب مصر ... على طول الصحابة أوجعونا
وغرونا بأنهم عكوف ... وليس كذاك فعل العاكفينا
أفي شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طرا أجمعينا
ومن بعد النبي فخير نفس ... أبو حسن وخير الصالحينا
كأن الناس إذ فقدوا عليا ... نعام جال في بلد سنينا
ولو أنا سئلنا المال فيه ... بذلنا المال فيه والبنينا
أشاب ذؤابتي وأطال حزني ... أمامة حين فارقت القرينا
تطوف بها لحاجتها إليه ... فلما استيأست رفعت رنينا
وعبرة أم كلثوم إليها ... تجاوبها وقد رأت اليقينا
فلا تشمت معاوية بن صخر ... فإن بقية الخلفاء فينا
وأجمعنا الإمارة عن تراض ... إلى ابن نبينا وإلى أخينا
ولا نعطي زمام الأمر فينا ... سواه الدهر آخر ما بقينا

(1/11)


وإن سراتنا وذوي حجانا ... تواصو أن نجيب إذا دعينا
بكل مهند عضب وجرد ... عليهن الكماة مسومينا
أخبرني عمي الحسن بن محمد، قال: أنشدني محمد بن سعد الكناني لبعض بني عبد المطلب يرثي أمير المؤمنين عليه السلام، ولم يعرف اسمه:
يا قبر سيدنا المجن له ... صلى الإله عليك يا قبر
ما ضر قبرا أنت ساكنه ... أن لايحل بأرضه القطر
فليندين سماح كفك في الثرى ... وليورقن بجنبك الصخر
والله لو بك لم أجد أحدا ... إلا قتلت، لفاتني الوتر
الحسن بن علي
والحسن بن علي بي أبي طالب - عليهما السلام - ويكنى أبا محمد وأمه فاطمة بنت رسول الله " ص " ، وكانت فاطمة تكنى أم أبيها، ذكر ذلك قعنب ابن محرز الباهلي، حدثني به محمد بن زكريا الصحاف، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمد عن أبيه.
وأمها خديجة، تكنى أم هند بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي.
وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.
وأمها هالة بنت " عبد " مناف بن الحارث بن منقد بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي.
وأمها العرقة، وهي قلابة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي. وإنما سميت العرقة لطيب عرقها وعطرها، وكانت مبدنة، وكانت إذا عرقت فاحت رائحة الطيب منها فسميت العرقة.
وأمها عاتكة بنت عبد العزى بن قصي.
وأمها الحظيا وهي ريطة الصغرى بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
وأمها مارية ويقال قيلة بنت حذافة بن جمح.
وأمها ليلى بنت عامر الخيار بن غيسان واسمه الحرث بن عبد عمرو بن عمرو بن قوي بن ملكان بن أفضى من خزاعة.
وأمها سلمى بنت سعد بن كعب بن عمرو من خزاعة.
وأمها ليلى بنت عابس بن الظرب بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.
وأمها سلمى بنت لؤي بن غالب.
وأمها ليلى بنت محارب بن فهر.
وأمها عاتكة بنت مخلد بن النضر بن كنانة.
وأمها الوارثة بنت الحرث بن مالك بن كنانة.
وأمها مارية بنت سعد بن زيد مناة بن تميم واسمها أسماء بنت جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن ثعلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دغمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار.
وتزوجت خديجة - صلوات الله عليها - قبل رسول الله " ص " رجلين. يقال لأحدهما عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وولدت له بنتا يقال لها هند. ثم توفي عنها. فخلف عليها أبو هالة بن النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي بن حرزة بن أسيد بن عمرو بن تميم، فولدت له ابنا يقال له هند، وروى عن النبي " ص " ، روى عنه الحسن بن علي بن أبي طالب حديث صفة رسول الله " ص " المشهور، وقال فيه: سألت خالي هند بن أبي هالة عن صفة رسول الله " ص " وكان له وصافا.
وتوفيت خديجة - رضي الله عنها - قبل الهجرة بثلاث سنين، ولها يومئذ خمس وستون سنة. حدثني بذلك الحسن بن علي، قال: حدثنا الحرث بن محمد، قال: حدثنا ابن سعد عن الواقدي. ودفنت بالحجون.
وكان مولد فاطمة - عليها السلام - قبل النبوة وقريش حينئذ تبني الكعبة وكان تزويج علي بن أبي طالب إياها في صفر بعد مقدم رسول الله " ص " المدينة، وبنى بها بعد رجوعه من غزوة بدر، ولها يومئذ ثماني عشرة سنة.
حدثني بذلك الحسن بن علي، قال: حدثنا الحرث، قال: حدثنا ابن سعد عن الواقدي، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبي جعفر بن محمد بن علي.
وكان مولد الحسن في سنة ثلاث من الهجرة.
وكانت وفاته - عليه السلام - بعد عشر سنين خلت من إمارة معاوية، وذلك في سنة خمسين من الهجرة.
وكانت وفاة فاطمة - عليها السلام - بعد وفاة النبي " ص " بمدة يختلف في مبلغها؛ فالمكثر يقول: بستة أشهر. والمقلل يقول: أربعين يوما؛ إلا أن الثابت في ذلك ما روى عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر.
حدثني بذلك الحسن بن عبد الله ، قال: حدثنا الحرث، عن ابن سعد، عن الواقدي، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي.
وكان في لسان الحسن بن علي ثقل كالفأفأة.

(1/12)


حدثني به محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا محمد بن اسماعيل الأحمسي، قال: حدثنا مفضل بن صالح عن جابر، قال: كانت في لسان الحسن رتة، فقال سلمان الفارسي. أتته " من " قبل عمه موسى " بن عمران " - عليه السلام - .
ودس معاوية إليه حين أراد أن يعهد إلى يزيد بعده، وإلى سعد بن أبي وقاص سما فماتا منه في أيام متقاربة.
وكان الذي تولى ذلك من الحسن زوجته " جعدة " بنت الأشعث بن قيس لمال بذله لها معاوية.
وسنذكر الخبر في ذلك.
وقيل: اسمها سكينة، وقيل: شعثاء، وقيل: عائشة، والصحيح في ذلك جعدة.
بيعته بعد وفاة أمير المؤمنين علي
ذكر الخبر في بيعته بعد وفاة أمير المؤمنين علي " ع " وتسليمه الأمر إلى معاوية والسبب في وفاته حدثني أحمد بن عيسى العجلي، قال: حدثنا حسين بن نصر، قال: حدثنا زيد ين المعذل، عن يحيى شعيب، عن أبي مخنف، قال: حدثني أشعث بن سوار عن أبي إسحاق " السبيعي " عن سعيد بن رويم، وحدثني علي بن إسحاق المخرمي وأحمد بن الجعد، قالا: حدثنا عبد الله بن عمر شكدانه، قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، وحدثني علي بن إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: حدثنا عمران بن عيينة عن الأشعث، عن أبي إسحاق موقوفا، وحدثني محمد بن الحسين الخثعمي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن بريم، قال: قال عمرو بن ثابت: كنت أختلف إلى أبي إسحاق " السبيعي " سنة أسأله عن خطبة الحسن بن علي، فلا يحدثني بها، فدخلت إليه في يوم شات وهو في الشمس وعليه برنسه كأنه غول، فقال لي: من أنت؟ فأخبرته، فبكى وقال: كيف أبوك؟ كيف أهلك؟ قلت: صالحون، قال: في أي شيء تردد منذ سنة؟ قلت: في خطبة الحسن بن علي بعد وفاة أبيه.
قال: " حدثني هبيرة بن بريم " ، وحدثني محمد بن محمد الباغندي، ومحمد بن حمدان الصيدلاني، قالا: حدثنا إسماعيل بن محمد العلوي، قال: حدثني عمي علي بن جعفر بن محمد، عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن الحسن، عن أبيه، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، والمعنى قريب، قالوا: خطب الحسن بن علي بعد وفاة أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون بعمل ولقد كان يجاهد مع رسول الله " ص " فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى، وما خلف صفراء ولا بيصاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.
ثم خنقته العبرة، فبكى وبكى الناس معه.
ثم قال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد " ص " ، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: " ومن يقترف حسنة نزد فيها حسنا " . فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
قال أبو مخنف عن رجاله: ثم قام ابن عباس بين يديه، فدعا الناس إلى بيعته، فاستجابوا له، وقالوا: ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة فبايعوه.
ثم نزل عن المنبر.
قال: ودس معاوية رجلا من بني حمير إلى الكوفة، ورجلا من بني القين إلى البصرة يكتبان إليه بالأخبار، فدل على الحميري عند لحام جرير ودل على القيني بالبصرة في بني سليم، فأخذا وقتلا.
وكتب الحسن إلى معاوية: أما بعد، فإنك دسست إلي الرجال كأنك تحب اللقاء، وما أشك في ذلك، فتوقعه إن شاء الله، وقد بلغني أنك شمت بما لا يشمت به ذوو الحجى، وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول:
وقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تجهز لأخرى مثلها فكأن قد
وإنا ومن قد مات منا لكالذي ... يروح ويمسي في المبيت ليغتدي
فأجابه معاوية: أما بعد، فقد وصل كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، ولقد علمت بما حدث فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس، وإن علي بن أبي طالب كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة:
وأنت الجواد وأنت الذي ... إذا ما القلوب ملأن الصدورا

(1/13)


جدير بطعنة يوم اللقا ... ء تضرب منها النساء النحورا
وما مزبد من خليج البحا ... ر يعلو الإكام ويعلو الجسورا
بأجود منه بما عنده ... فيعطي الألوف ويعطى البدورا
قال: وكتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية: أما بعد، فإنك ودسك أخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت به من يمانيتك لكما قال أمية بن الأسكر:
لعمرك إني والخزاعي طارقا ... كنعجة عاد حتفها تتحفر
أثارت عليها شفرة بكراعها ... فظلت بها من آخر الليل تنحر
شمت بقوم من صديقك أهلكوا ... أصابهم يوم من الدهر أصفر
فأجابه معاوية: أما بعد، فإن الحسن بن علي قد كتب إلي بنحو ما كتبت به، وأنبأني بما لم أجز ظنا وسوء رأي، وإنك لم تصب مثلكم ومثلي ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب أمية عن هذا الشعر:
فوالله ما أدري وإني لصادق ... إلى أي من يظنني أتعذر
أعنف أن كانت زبينة أهلكت ... ونال بني لحيان شر فأنفروا
قال أبو الفرج: وكان أول شيء أحدث الحسن أنه زاد المقاتلة مائة مائة، وقد كان علي فعل ذلك يوم الجمل، والحسن فعله على حال الاستخلاف، فتبعه الخلفاء من بعد ذلك.
وكتب الحسن إلى معاوية مع جندب بن عبد الله الأزدي: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله الحسن أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن الله تعالى عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ومنة على المؤمنين، وكافة إلى الناس أجمعين " لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " فبلغ رسالات الله، وقام على أمر الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان، حتى أظهر الله به الحق، ومحق به الشرك، ونصر به المؤمنين، وأعز به العرب، وشرف به قريشا خاصة، فقال تعالى: " وإنه لذكر لك ولقومك " فلما توفي صلى الله عليه وسلم تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحل لكم أن تنازعونا سلطان محمد في الناس وحقه، فرأت العرب أن القول كما قالت قريش، وأن الحجة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم فأنعمت لهم العرب وسلمت ذلك، ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها، إنهم أخذوا هذا الأمر دون العرب بالانتصاف والاحتجاج فلما صرنا أهل بيت محمد وأوليائه إلى محاجتهم، وطلب النصف منهم باعدونا، واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا، والعنت منهم لنا، فالموعد الله، وهو الولي النصير.
وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا، وسلطان نبينا صلى الله عليه وسلم وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب لما أرادوا به من فساده، فاليوم فليعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله، لا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله خيبك وسترد فتعلم لمن عقبى الدار، تالله لتلقين عن قليل ربك، ثم ليجزينك بما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد.
إن عليا - رضوان الله عليه - لما مضى لسبيله - رمة الله عليه - يوم قبض، ويوم من الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيا - ولأني المسلمون الأمر بعده، فأسأل الله أن لا يزيدنا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامته، وإنما حملني على الكتاب إليك الإعذار فيما بيني وبين الله سبحانه وتعالى في أمرك، ولك في ذلك إن فعلت الحظ الجسيم، وللمسلمين فيه صلاح، فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنك تعلم أني أحق لهذا منك عند الله وعند كل أواب حفيظ، ومن له قلب منيب، واتق الله، ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، ما دخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو أحق به منك، ليطفئ الله النائرة بذلك، وتجمع الكلمة، وتصلح ذات البين، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك نهدت إليك بالمسلمين، فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

(1/14)


فكتب إليه معاوية: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل، وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل، كله، قديمه وحديثه، وصغيره وكبيره، فقد والله بلغ فأدى، ونصح وهدى، حتى أنقذ الله به من التهلكة، وأنار به من العمى، وهدى به من الظلالة، فجزاه الله أفضل ما جزى نبيا عن أمته، وصلوات الله عليه يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيا.
وذكرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وتنازع المسلمين من بعده، فرأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وأبي عبيدة الأمين، وحواري الرسول صلى الله عليه وسلم، وصلحاء المهاجرين والأنصار، فكرهت ذلك لك، فإنك امرؤ عندنا وعند الناس غير ظنين، ولا المسيء ولا اللئيم، وأنا أحب لك القول السديد والذكر الجميل.
إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم، ولا سابقتكم ولا قرابتكم من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مكانتكم في الإسلام وأهله، فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها، ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعامتهم أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما وأعلمها بالله وأحبها له وأقواها على أمر الله، واختاروا أبا بكر، وكان ذلك رأي ذوي الحجى والدين والفضيلة والناظرين للأمة، فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة، ولم يكونوا بمتهمين، ولا فيما أتوا بمخطئين، ولو رأى المسلمون فيكم من يغني غناءه أو يقوم مقامه، أو يذب عن حريم المسلمين ذبه، ما عدولا بذلك الأمر إلى غيره رغبة عنه، ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام وأهله، فالله يجزيهم عن الإسلام وأهله وخيرا.
وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح، والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو علمت أنك أضبط مني للرعية، وأحوط على هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدو، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه، ورأيتك لذلك أهلا، ولكني قد علمت أني أطول منك ولاية، وأقدم منك لهذه الأمة تجربة، وأكثر منك سياسة، وأكبر منك سنا، فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني، فأدخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي، ولك ما في بيت مال العراق من مال بالغا ما بلغ تحمله إلى حيث أحببت ولك خراج أي كور العراق شئت، معونة لك على نفقتك، يجبيها لك أمينك، ويحملها إليك في كل سنة، ولك إلا ستولى عليك بالإساءة ولا تقضي دونك الأمور، ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله عز وجل، أعاننا الله وإياك على طاعته إنه سميع مجيب الدعاء والسلام.
قال جندب: فلما أتيت الحسن بن علي بكتاب معاوية قلت له: إن الرجل سائر إليك، فابدأ أنت بالمسير حتى تقاتله في أرضه وبلاده وعمله، فأما أن تقدر أنه يتناولك فلا والله حتى يرى يوما أعظم من يوم صفين، فقال: أفعل، ثم قعد عن مشورتي وتناسى قولي.
قال: وكتب معاوية إلى الحسن بن علي: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن الله عز وجل يفعل في عباده ما يشاء، " لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب " فاحذر أن تكون منيتك على يد رعاع من الناس، وايئس من أن تجد فينا غميزة، وإن أنت أعرضت عما أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت، وأجزت لك ما شرطت، وأكون في ذلك كما قال أعشى بني قيس بن ثعلبة:
وإن أحد أسدى إليك أمانة ... فأوف بها تدعى إذا مت وافيا
ولا تحسد المولى إذا كان ذا غنى ... ولا تجفه إن كان في المال فانيا
ثم الخلافة لك من بعدي، فأنت أولى الناس بها، والسلام.
فأجابه الحسن بن علي: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت، فتركت جوابك خشية البغي عليك، وبالله أعوذ من ذلك، فاتبع الحق تعلم أني من أهله، وعلي إثم أن أقول فأكذب، والسلام.
فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية قرأه، ثم كتب إلى عماله على النواحي نسخة واحدة: بسم الله الرحمن الرحيم

(1/15)


من معاوية أمير المؤمنين إلى فلان بن فلان ومن قبله من المسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي كفاكم مؤنة عدوكم وقتلة خليفتكم، إن الله بلطفه وحسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده. فاغتاله فقتله، فترك أصحابه متفرقين مختلفين، وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان لأنفسهم وعشائرهم، فاقبلوا إلي حين يأتيكم كتابي هذا بجندكم وجهدكم وحسن عدتكم، فقد أصبتم بحمد الله الثأر، وبلغتم الأمل، وأهلك الله أهل البغي والعدوان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال: فاجتمعت العساكر إلى معاوية بن أبي سفيان، وسار قاصدا إلى العراق وبلغ الحسن خبر مسيره، وأنه بلغ جسر منبج، فتحرك لذلك وبعث حجر بن عدي يأمر العمال والناس بالتهيؤ للمسير، ونادى المنادي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس يثوبون ويجتمعون، فقال الحسن: إذا رضيت جماعة الناس فأعلمني، وجاء سعيد بن قيس الهمداني، فقال: اخرج، فخرج الحسن - عليه السلام - فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن الله كتب الجهاد على خلقه، وسماه كرها.
ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين " واصبروا إن الله مع الصابرين " ، فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون، إلا بالصبر على ما تكرهون، إنه بلغني أن معاوية بلغه أنا كنا أزمعنا على المسير إليه، فتحرك لذلك، فأخرجوا - رحمكم الله - إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا.
قال: وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس إياه. قال: فسكتوا فما تكلم منهم أحد، ولا أجاب بحرف.
فلما رأى ذلك عدي بن حاتم قال: أنا ابن حاتم، سبحان الله، ما أقبح هذا المقام؟ ألا تجيبون إمامكم، وابن بنت نبيكم، أين خطباء مضر؟ أين المسلمون؟ أين الخواضون من أهل المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة، فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب، أما تخافون مقت الله، ولا عيبها وعارها.
ثم استقبل الحسن بوجهه فقال: أصاب الله بك المراشد، وجنبك المكاره، ووفقك لما يحمد ورده وصدره، فقد سمعنا مقالتك، وانتهينا إلى أمرك، وسمعنا منك، وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلى معسكري، فمن أحب أن يوافيني فليوافي.
ثم مضى لوجهه، فخرج من المسجد ودابته بالباب، فركبه ومضى إلى النخيلة، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، وكان عدي أول الناس عسكرا.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم، وكلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة والقبول.
فقال لهم الحسن: صدقتم - رحمكم الله - ما زلت أعرفكم بصدق النية، والوفاء بالقول والمودة الصحيحة، فجزاكم الله خيرا ثم نزل.
وخرج الناس، فعسكروا، ونشطوا للخروج، وخرج الحسن إلى معسكره، واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وأمره باستحثاث الناس وإشخاصهم إليه، فجعل يستحثهم ويخرجهم، حتى التأم العسكر.
ثم إن الحسن بن علي سار في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس، ثم دعا عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب فقال له: يابن عم، إني باعث معك اثنا عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر، الرجل: منهم يزن الكتيبة فسر بهم، وألن لهم جانبك، وابسط وجهك، وافرش لهم جناحك، وادنهم من مجلسك فإنهم بقية ثقة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات، ثم تصير إلى مسكن، ثم امض حتى تستقبل معاوية، فإن أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإني في إثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كل يوم، وشاور هذين، يعني قيس بن سعد، وسعيد بن قيس، فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك، فإن فعل فقاتل، فإن أصبت فقيس بن سعد على الناس، وإن أصيب قيس فسعيد بن قيس على الناس، ثم أمره بما أراد.
وسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى خرج إلى شاهي، ثم لزم الفرات والفالوجة حتى أتى مسكن.
وأخذ الحسن على حمام عمر، حتى أتى دير كعب، ثم بكر فنزل ساباط دون القنطرة فلما أصبح نادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، وصعد المنبر، فخطبهم، فحمد الله فقال:

(1/16)


الحمد لله كلما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد، وأشهد أن محمدا رسول الله أرسله بالحق، وائتمنه على الوحي صلى الله عليه وسلم.
أما بعد، فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له سوءا ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا علي رأيي، غفر الله لي ولكم وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا.
قال: فنظر الناس بعضهم إلى بعض، قالوا: ما ترونه، يريد بمال قال؟ قالوا: نظنه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه، فقالوا: كفر والله الرجل ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي، فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقي جالسا متقلدا السيف بغير رداء، ثم دعا بفرسه فركبه، وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته، ومنعوا منه من أراده، ولاموه وضعفوه لما تكلم به، فقال: ادعوا لي ربيعة وهمدان، فدعوا له، فأطافوا به، ودفعوا الناس عنه، ومعهم شوب من غيرهم، فقام إليه رجل من بني أسد من بني نصر بن قعين يقال له الجراح بن سنان، فلما مر في مظلم ساباط قام إليه، فأخذ بلجام بغلته وبيده معول، فقال: الله أكبر يا حسن، أشركت كما أشرك أبوك من قبل، ثم طعنه، فوقعت الطعنة في فخذه، فشقته حتى بلغت أربيته فسقط الحسن إلى الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه، وخرا جميعا إلى الأرض، فوثب عبد الله بن الخطل فنزع المعول من يد جراح بن سنان فخضخضه به، وأكب طبيان بن عمارة عليه، فقطع أنفه ثم أخذوا الآجر فشدخوا وجهه ورأسه، حتى قتلوه.
وحمل الحسن على سرير إلى المدائن، وبها سعد بن مسعود الثقفي واليا عليها من قبله، وكان علي ولاه فأقره الحسن بن علي، فأقام عنده يعالج نفسه.
قال: ثم إن معاوية وافى حتى نزل قرية يقال لها الحبوبية بمسكن، فأقبل عبد الله بن العباس حتى نزل بإزائه، فلما كان من غد وجه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيد الله بن العباس فيمن معه، فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم، فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيد الله بن العباس أن الحسن قد راسلني، في الصلح وهو مسلم الأمر إلي، فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا، وإلا دخلت وأنت تابع، ولك إن جئتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم، يعجل لك في هذا الوقت النصف، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر، فانسل عبيد الله ليلا، فدخل عسكر معاوية، فوفى له بما وعده، فأصبح الناس ينتظرون أن يخرج فيصلي بهم، فلم يخرج حتى أصبحوا، فطلبوه فلم يجدوه، فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة، ثم خطبهم فقال: أيها الناس، لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع " أي الجبان " إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط، إن أباه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يقاتله ببدر، فأسره أبو اليسر كعب بن عمر الأنصاري، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين، وإن أخاه ولاه علي أمير المؤمنين على البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين، فاشترى به الجواري، وزعم أن ذلك له حلال، وإن هذا ولاه علي اليمن، فهرب من بسر بن أرطأة وترك ولده حتى قتلوه، وصنع الآن هذا الذي صنع.
قال فتنادى الناس: الحمد لله الذي أخرجه من بيننا، فانهض بنا إلى عدونا، فنهض بهم.
وخرج إليهم بسر بن أرطأة في عشرين ألفا، فصاحوا بهم: هذا أميركم قد بايع، وهذا الحسن قد صالح؛ فعلام تقتلون أنفسكم؟ فقال لهم قيس بن سعد بن عبادة: اختاروا إحدى اثنتين: إما القتال مع غير إمام، أو تبايعون بيعة ضلال، فقالوا: بل نقاتل بلا إمام، فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم.
وكتب معاوية إلى قيس يدعوه ويمنيه، فكتب إليه قيس: لا والله لا تلقاني أبدا إلا وبيني وبينك الرمح.
فكتب إليه معاوية: أما بعد، فإنما أنت يهودي ابن يهودي تشقي نفسك وتقتلها فيما ليس لك، فإن ظهر أحب الفريقين إليك نبذك وعزلك، وإن ظهر أبغضهما إليك نكل بك وقتلك، وقد كان أبوك أوتر غير قوسه، ورمى غير غرضه، فأكثر الحز وأخطأ المفصل فخذله قومه، وأدركه يومه، فمات بحوران طريدا غريبا، والسلام.

(1/17)


فكتب إليه قيس بن سعد - رحمه الله - : أما بعد: فإنما أنت وثن بن وثن من هذه الأوثان، دخلت في الإسلام كرها، وأقمت عليه فرقا، وخرجت منه طوعا، ولم يجعل الله لك فيه نصيبا، لم يقدم إسلامك، ولم يحدث نفاقك، ولم تزل حربا لله ورسوله، وحزبا من أحزاب المشركين، فأنت عدو الله ورسوله والمؤمنين من عباده.
وذكرت أبي، ولعمري ما أوتر إلا قوسه، ولا رمى إلا غرضه، فشغب عليه من لا تشق غباره، ولا تبلغ كعبه، وكان امرأ مرغوبا عنه، مزهودا فيه.
وزعمت أني يهودي ابن يهودي، ولقد علمت وعلم الناس أني وأبي من أنصار الدين الذي خرجت منه، وأعداء الدين الذي دخلت فيه، وصرت إليه، والسلام.
فلما قرأ معاوية غاظه وأراد إجابته، فقال له عمرو: مهلا، إن كاتبته أجابك بأشد من هذا، وإن تركته دخل فيما دخل فيه الناس، فامسك عنه.
قال: وبعث معاوية عبد الله بن عامر، وعبد الرحمن بن سمرة إلى الحسن للصلح، فدعواه إليه، وزهداه في الأمر، وأعطياه ما شرط له معاوية وإلا يتبع أحد بما مضى، ولا ينال أحد من شيعة علي بمكروه ولا يذكر علي إلا بخير، وأشياء اشترطها الحسن.
فأجابه الحسن إلى ذلك، وانصرف قيس فيمن معه إلى الكوفة، وانصرف الحسن إليها أيضا وأقبل معاوية قاصدا الكوفة، واجتمع إلى الحسن وجوه الشيعة، وأكابر أمير المؤمنين علي يلومونه ويبكون إليه جزعا مما فعله.
فحدثني محمد بن الحسين الأشناني، وعلي بن العباس المقانعي قالا: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن الحسن بن حكم، عن عدي بن ثابت، عن سفيان بن الليل. وحدثني محمد بن أحمد أبو عبيد، قال: حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال: حدثنا محمد بن عمروية قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن سفيان بن الليل، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، وأكثر اللفظ أبي عبيد، قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية، فوجدته بفناء داره، وعنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: عليك السلام يا سفيان إنزل فنزلت، فعلقت راحلتي، ثم أتيته، فجلست إليه، فقال: كيف قلت يا سفيان بن الليل؟ فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين. فقال: ما جر هذا منك إلينا؟.
فقلت: أنت والله - بأبي أنت وأمي - أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة، وسلمت الأمر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الأكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك. وقد جمع الله لك أمر الناس.
فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت عليا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.
ثم أذن المؤذن، فقمنا على حالب يحلب ناقة، فتناول الإناء، فشرب قائما ثم سقاني، فخرجنا نمشي إلى المسجد، فقال لي: ما جاءنا بك يا سفيان؟ قلت: حبكم، والذي بعث محمدا للهدى ودين الحق. قال: فأبشر يا سفيان، فإني سمعت عليا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يرد علي الحوض أهلي بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين، يعني السبابتين. ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطى، إحداهما تفضل على الأخرى، أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث الله إمام الحق من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. هذا لفظ أبي عبيد.
وفي حديث محمد بن الحسين، وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفا عن الحسن غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا في ذكر معاوية فقط.
رجع الحديث إلى خبر الحسن
عليه السلام قال: وسار معاوية حتى نزل النخيلة، وجمع الناس بها فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم ينقلها أحد من الرواة تامة، وجاءت مقطعة في الحديث، وسنذكر ما انتهى إلينا من ذلك.
فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثني أحمد بن بشر عن الفضل بن الحسن وعيسى بن مهران، قالوا: حدثنا علي بن الجعد، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن عطاء بن السائب. عن الشعبي، قال: خطب معاوية حين بويع له فقال:

(1/18)


ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها، ثم إنه انتبه فندم، فقال: إلا هذه الأمة فإنها وإنها.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثني الفضل المصري، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن الشعبي بهذا. حدثني علي بن العباس المقانعي، قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري، قال: حدثنا حسن بن الحسين، عن عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، قال: سمعت معاوية بالنخيلة يقول: ألا إن كل شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به.
قال أو إسحاق: وكان والله غدارا.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا الفضل المصري، قال: حدثني عثمان بن أبي شيبة قال: حدثني أبو معاوية، عن الأعمش، وحدثني أبو عبيد، قال: حدثنا فضل، قال حدثنا عبد الرحمن بن شريك. قال حدثنا أبي عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن سويد قال: صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة في الصحن، ثم خطبنا فقال: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك. وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون.
قال شريك في حديثه: هذا هو التهتك.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا فضل، قال: حدثني يحيى بن معين، قال: حدثنا أبو حفص الأبار، عن إسماعيل بن عبد الرحمن، وشريك بن أبي خالد، وقد روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: لما بويع معاوية خطب فذكر عليا، فنال منه، ونال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ الحسن بيده فأجلسه، ثم قام فقال: أيها الذاكر عليا، أنا الحسن، وأبي علي، وأنت معاوية، وأبوك صخر، وأمي فاطمة، وأمك هند، وجدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدك حرب، وجدتي خديجة، وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا، وألأمنا حسبا، وشرنا قدما، وأقدمنا كفرا ونفاقا.
فقال طوائف من أهل المسجد: آمين. قال فضل: فقال يحيى بن معين: ونحن نقول: آمين. قال أبو عبيد: ونحن أيضا نقول: أمين. قال أبو الفرج: وأنا أقول: آمين.
قال: ودخل معاوية الكوفة بعد فرغه من خطبته بالنخيلة، وبين يديه خالد بن عرفطة، ومعه رجل يقال له حبيب بن عمار يحمل رايته حتى دخل الكوفة، فصار إلى المسجد، فدخل من باب الفيل، فاجتمع الناس إليه.
فحدثني أبو عبيد الصيرفي، وأحمد بن عبيد الله بن عمار، قالا: حدثنا محمد بن علي بن خلف، قال: حدثني محمد بن عمرو الرازي، قال: حدثنا مالك بن شعير، عن محمد بن عبد الله الليثي، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، قال: بينما علي - عليه السلام - على المنبر، إذ دخل رجل فقال: يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة، فقال: لا والله ما مات. إذ دخل رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة، فقال: لا والله ما مات، إذ دخل رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين، مات خالد بن عرفطة، فقال: لا والله ما مات ولا يموت حتى يدخل من باب هذا المسجد، " يعني باب الفيل " براية ضلالة يحملها له حبيب بن عمار، قال فوثب رجل فقال: يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن عمار وأنا لك شيعة. قال: فإنه كما أقول. فقدم خالد بن عرفطة على مقدمة معاوية يحمل رايته حبيب بن عمار.
قال مالك: حدثنا الأعمش بهذا الحديث، فقال: حدثني صاحب هذا الدار - وأشار بيده إلى دار السائب أبي عطاء - أنه سمع عليا يقول هذه المقالة.
قالوا: ولما تم الصلح بين الحسن ومعاوية، أرسل إلى قيس بن سعد بن عبادة يدعوه إلى البيعة فأتى به، وكان رجلا طويلا يركب الفرس المسرف، ورجلاه تخطان في الأرض، وما في وجهه طاقة شعر، وكان يسمى خصي الأنصار، فلما أرادوا أن يدخلوه إليه قال: إني قد حلفت أن لا ألقاه إلا وبيني وبينه الرمح أو السيف، فأمر معاوية برمح أو سيف فوضع بينه وبينه ليبر يمينه.
فحدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثني أبو هاشم الرفاعي، قال: حدثني وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي عن ابن سيرين عن عبيدة، وقد ذكر بعض ذلك في رواية أبي مخنف التي قدمنا إسنادها، قال:

(1/19)


لما صالح الحسن معاوية، اعتزل قيس بن سعد في أربعة آلاف وأبى أن يبايع، فلما بايع الحسن أدخل قيس بن سعد ليبايع. قال أبو مخنف في حديثه: فأقبل على الحسن فقال: أنا في حل من بيعتك، قال: نعم، قال: فألقى لقيس كرسي، وجلس معاوية على سريره، فقال له معاوية: أتبايع يا قيس؟ قال: نعم، فوضع يده على فخذه ولم يمدها إلى معاوية، فجثا معاوية على سريره وأكب على قيس حتى مسح يده على يده، فما رفع قيس إليه يده.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا فضل المصري، قال: حدثنا شريح بن يونس، قال: حدثنا أبو حفص الأبار، عن إسماعيل بن عبد الرحمن: أن معاوية أمر الحسن أن يخطب لما سلم الأمر إليه، وظن أن سيحصر، فقال في خطبته: إنما الخليفة من سار بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس الخليفة من سار بالجور، ذلك ملك ملك ملكا يمتع به قليلا ثم تنقطع لذته وتبقى تبعته: " وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " .
قال: وانصرف الحسن رضي الله عنه إلى المدينة فأقام بها، وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل من أمر الحسن بن علي، وسعد بن أبي وقاص، فدس إليهما سما فماتا منه.
حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا عيسى بن مهران، قال: حدثنا عبيد بن الصباح الخراز، قال: حدثني جرير، عن مغيرة، قال: أرسل معاوية إلى ابنة الأشعث إني مزوجك بيزيد ابني، على أن تسمي الحسن بن علي، وبعث إليها بمائة ألف درهم، فقبلت وسمت الحسن، فسوغها المال ولم يزوجها منه، فخلف عليها رجل من آل طلحة فأولدها، فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش كلام عيروهم، وقالوا: يا بني مسمة الأزواج.
حدثني أحمد بن عبيد الله، قال: حدثني عيسى بن مهران، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، قال: توفي الحسن بن علي، وسعد بن أبي وقاص في أيام بعد ما مضى من إمارة معاوية عشر سنين، وكانوا يرون أنه سقاهما سما.
أخبرنا أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: حدثني من سمع ابن سيرين يحدث مولى للحسن بن علي، وحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا عيسى بن مهران، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا أبو عون، عن عمير بن إسحاق - واللفظ له - قال: كنت مع الحسن والحسين في الدار فدخل الحسن المخرج ثم خرج فقال: لقد سقيت السم مرارا ما سقيته مثل هذه المرة، ولقد لفظت قطعة من كبدي فجعلت أقلبها بعود معي، فقال له الحسين: من سقاكه؟ فقال: وما تريد منه؟ أتريد أن تقتله، إن يكن هو هو فالله أشد نقمة منك، وإن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي بريء.
ودفن الحسن في جنب قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقيع في ظلة بني نبيه، وقد كان أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنع مروان بن الحكم من ذلك، وركبت بنو أمية في السلاح وجعل مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعه، أيدفن عثمان في أقصى البقيع، ويدفن الحسن في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف، فكادت الفتنة تقع. وأبى الحسين أن يدفنه إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له عبد الله بن جعفر: عزمت عليك بحقي ألا تكلم بكلمة فمضى به إلى البقيع، وانصرف مروان بن الحكم.
أخبرني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، عن الزبير بن بكار، عن محمد بن إسماعيل، عن قائد مولى عباد، وحدثنا حرمي، عن زبير، فقال: عبادك وهو الصواب، وقال أحمد بن سعيد هو عبادك ولكن هكذا قال يحيى بن عبيد الله بن علي، أخبره وغيره أخبره.
إن الحسن بن علي أرسل إلى عائشة أن تأذن له أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: نعم ما كان بقى إلا موضع قبر واحد، فلما سمعت بذلك بنو أمية اشتملوا بالسلاح هم وبنو هاشم للقتال، وقالت بنو أمية: والله لا يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم أبدا، فبلغ ذلك الحسن فأرسل إلى أهله أما إذا كان هذا فلا حاجة لي فيه ادفنوني إلى جانب أمي فاطمة، فدفن إلى جنب أمه فاطمة عليها السلام.
قال يحيى بن الحسن: وسمعت علي بن طاهر بن زيد يقول: لما أرادوا دفنه ركبت عائشة بغلا واستنفرت بني أمية مروان بن الحكم، ومن كان هناك منهم ومن حشمهم، وهو القائل:

(1/20)


فيوما على بغل ويوما على جمل
وقال علي بن الحسن، بن علي بن حمزة العلوي، عن عمه محمد، عن المدايني، عن جويرية بن أسماء، قال: لما مات الحسن بن علي، وأخرجوا جنازته حمل مروان سريره، فقال له الحسين: أتحمل سريره؟ أما والله لقد كنت تجرعه الغيظ، فقال مروان: إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا عبد الله بن الوضاح، قال: حدثني بن يمان، عن الثوري، عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي حازم: أن الحسين بن علي قدم سعيد بن العاص للصلاة على الحسن بن علي، وقال: تقدم فلولا أنه سنة ما قدمتك.
حدثني أبو عبيد، قال: حدثنا فضل المصري، قال: حدثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: حدثنا عمرو بن هشام، عن عمر بن بشير الهمداني، قال: قلت لأبي إسحاق: متى ذل الناس؟ قال: حين مات الحسن، وادعى زياد، وقتل حجر بن عدي.
واختلف في مبلغ سن الحسن وقت وفاته.
فحدثني أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن، عن علي بن إبراهيم بن الحسن عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، وجميل بن دراج، عن جعفر بن محمد: أنه توفي وهو ابن ثمان وأربعين سنة.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، عن ابن حسين اللؤلؤي، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مشكان، عن أبي بصير، عن جعفر بن محمد: أن الحسن توفي وهو ابن ست وأربعين.
وقال محمد بن علي بن حمزة: وفي الحسن بن علي يقول سليمان بن قته:
يا كذب الله من نعى حسنا ... ليس لتكذيب نعيه ثمن
كنت خليلي وكنت خالصتي ... لكل حي من أهله سكن
أجول في الدار لا أراك وفي ... الدار أناس جوارهم غبن
بدلتهم منك ليت أنهم ... أضحوا وبيني وبينهم عدن
الحسين
مقتله ومن قتل معه من أهله
خبر الحسين بن علي بن أبي طالب ومقتله ومن قتل معه من أهله ويكنى أبا عبد الله، وأمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان مولده لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة، وقتل يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة.
وكانت سنه يوم قتل ستا وخمسين سنة وشهورا.
وقيل: إن مقتله كان يوم السبت، روي ذلك عن أبي نعيم الفضل بن دكين. والذي ذكرناه أولا أصح.
فأما ما تقوله العامة إنه قتل يوم الاثنين فباطل، وهو شيء قالوه بلا رواية، وكان أول المحرم الذي قتل فيه يوم الأربعاء، أخرجنا ذلك بالحساب الهندي من سائر الزيجات، وإذا كان ذلك كذلك فليس يجوز أن يكون العاشر يوم الاثنين.
قال أبو الفرج: وهذا دليل صحيح واضح تنضاف إليه الرواية، أخبرنا به أحمد بن عيسى، قال: حدثنا أحمد بن الحرث، عن الحسين بن نصر، قال: حدثنا أبي، عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف. وحدثني به أحمد بن محمد بن شيبة، قال: حدثنا أحمد بن الحرق الخزاز، قال: حدثنا علي بن محمد المدائني، عن أبي مخنف، وعوانة بن الحكم، ويزيد بن جعدية، وغيرهم.
فأما ما تعارفه العوام من أنه قتل يوم الاثنين فلا أصل له ولا حقيقة، ولا وردت به رواية.
وروى سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد أن الحسين بن علي قتل وله ثمان وخمسون سنة، وأن الحسن كذلك كانت سنوه يوم مات، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، وأبو جعفر بن محمد.
قال أبو الفرج: وهذا وهم، لأن الحسن ولد في سنة ثلاث من الهجرة، وتوفي في سنة إحدى وخمسين، ولا خلاف في ذلك، وسنه على هذا ثمان وأربعون سنة أو نحوها.
لوم يمكنا سياقة مقاتلهم على التاريخ لئلا ينقطع الخبر، فذكرنا أسماءهم وأنسابهم جملة، ثم ذكرنا خبر مقاتلهم رضوان الله عليهم وصلواته.
فمنهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب
عليه السلام وهو أول من قتل من أصحاب الحسين بن علي - عليه السلام - وسنذكر خبره في موضعه. وأمه أم ولد، يقال لها: حلية، وكان عقيل اشتراها من الشام، فولدت له مسلما، ولا عقب له.
علي بن الحسين
وهو علي الأكبر ولا عقب له
ويكنى أبا الحسن، وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية وتكنى أم شيبة، وأمها بنت أبي العاص بن أمية وهو أول من قتل في الواقعة.

(1/21)


وإياه عني معاوية في الخبر الذي حدثني به محمد بن محمد بن سليمان، قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: قال معاوية: من أحق الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت، قال: لا، أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي، جده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه شجاعة بني هاشم، وسخاء بني أمية، وزهو ثقيف.
وقال يحيى بن الحسن العلوي: وأصحابنا الطالبيون يذكرون أن المقتول لأم ولد، وأن الذي أمه ليلى هو جدهم، حدثني بذلك أحمد بن سعيد عنه.
وحدثني أحمد بن سعيد، عن يحيى، عن عبيد الله بن حمزة، عن الحجاج بن المعتمر الهلالي، عن أبي عبيدة، وخلف الأحمر: أن هذه الأبيات قيلت في علي بن الحسين الأكبر:
لم تر عين نظرت مثله ... من محتف يمشي ومن ناعل
يغلي نئي اللحم حتى إذا ... أنضج لم يغل على الآكل
كان إذا شبت له ناره ... أوقدها بالشرف القابل
كيما يراها بائس مرمل ... أو فرد حي ليس بالآهل
أعني ابن ليلى ذا الثدي والندى ... أعني ابن بنت الحسب الفاضل
لا يؤثر الدنيا على دينه ... ولا يبيع الحق بالباطل
وولد علي بن الحسين في خلافة عثمان.
وقد روى عن جده علي بن أبي طالب، وعن عائشة أحاديث كرهت ذكرها في هذا الموضع لأنها ليست من جنس ما قصدت له.
عبد الله بن علي بن أبي طالب
وأمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيل، وهو عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
وأمها ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. وأمها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل بن مالك الأحزم رئيس هوازن بن جعفر بن كلاب. وأمها كبشة بنت عروة الرجال بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وأمها أم الخشف بنت أبي معاوية فارس الهوازن بن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. وأمها فاطمة بنت جعفر بن كلاب. وأمها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب. وأمها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة، ابن دودان بن أسد بن خزيمة. وأمها بنت جحدر بن ضبيعة الأغر بن قيس بن ثعلبة، بن عكابة، بن صعب بن علي بن بكر بن زائل بن ربيعة بن نزار. وأمها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة. وأمها بنت ذي الرأسين وهو خشيش بن أبي عصم بن سمح بن فزارة. وأمها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن نفيض بن الربت بن غطفان.
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثني عبيد الله بن الحسن، وعبد الله بن العباس، قالا: قتل عبد الله بن علي بن أبي طالب، وهو ابن خمس وعشرين سنة ولا عقب له.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثني حسين بن نصر، قال: حدثنا أبي عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن عبد الله بن عاصم، عن الضحاك المشرفي، قال: قال العباس بن علي لأخيه من أبيه وأمه عبد الله بن علي: تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك، فإنه لا ولد لك، فتقدم بين يديه، وشد عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقتله.
جعفر بن علي بن أبي طالب
- عليه السلام - وأنه أم البنين أيضا.
قال يحيى بن الحسن، عن علي بن إبراهيم، بالإسناد الذي قدمته في حبر عبد الله: قتل جعفر بن علي بن أبي طالب، وهو ابن تسع عشرة سنة.
قال أبو مخنف في حديث الضحاك المشرفي: إن العباس بن علي قدم أخاه جعفرا بين يديه لأنه لم يكن له ولد ليحوز ولد العباس بن علي ميراثه، فشد عليه هانئ بن ثبيت الذي قتل أخاه فقتله، هكذا قال الضحاك.
وقال نصر بن مزاحم: حدثني عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر محمد بن علي أن خولي بن يزيد الأصبحي - لعنه الله - قتل جعفر بن علي.
عثمان بن علي بن أبي طالب
- عليه السلام - وأمه أم البنين أيضا.
قال يحيى بن الحسن، عن علي بن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن، وعبد الله بن العباس، قالا: قتل عثمان بن علي، وهو ابن إحدى وعشرين سنة. وقال الضحاك المشرفي في الإسناد الأول الذي ذكرناه آنفا: إن خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأوهطه، وشد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله، وأخذ رأسه.

(1/22)


وعثمان بن علي الذي روى عن علي أنه قال: إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون.
العباس بن علي بن أبي طالب
- عليه السلام - ويكنى أبا الفضل. وأمه أم البنين أيضا، وهو أكبر ولدها، وهو آخر من قتل من إخوته لأمه وأبيه، لأنه كان له عقب، ولم يكن لهم، فقدمهم بين يديه، فقتلوا جميعا، فحاز مواريثهم؛ ثم تقدم فقتل، فورثهم وإياه عبيد الله، ونازعه في ذلك عمه عمر بن علي، فصولح على شيء رضى به.
قال حرمي بن العلاء عن الزبير عن عمه: ولد العباس بن علي يسمونه السقا، ويكنونه أبا قربة، وما رأيت أحدا من ولده، ولا سمعت عمن تقدم منهم هذا - عليه السلام - .
وفي العباس بن علي - عليه السلام - يقول الشاعر:
أحق الناس أن يبكى عليه ... إذا بكى الحسين بكربلاء
أخوه وابن والده علي ... أبو الفضل المضرج بالدماء
ومن واساه لا يثنيه شيء ... وجادله على عطش بماء
وفيه يقول الكميت بن زيد:
وأبو الفضل إن ذكرهم الحلو ... شفاء النفوس من أسقام
قتل الأدعياء إذ قتلوه ... أكرم الشاربين صوب الغمام
وكان العباس رجلا وسيما جميلا، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض؛ وكان يقال له: قمر بني هاشم. وكان لواء الحسين بن علي معه يوم قتل.
حدثني أحمد بن سعيد، قال يحيى بن الحسن، قال: حدثنا بكر بن عبد الوهاب، قال: حدثني ابن أبي أويس، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، قال: عبأ الحسين بن علي أصحابه، فأعطى رايته أخاه العباس بن علي.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثني حسين بن نصر، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر: أن زيد بن رقاد الجنبي، وحكيم بن الطفيل الطائي، قتلا العباس بن علي.
وكانت أم البنين أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى، تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي.
ذكر ذلك علي بن محمد بن حمزة، عن النوفلي، عن حماد بن عيسى الجهني، عن معاوية بن عمار، عن جعفر بن محمد.
محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب
وأمه أم ولد.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن نصر، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر، وحدثني أحمد بن شيبة، عن أحمد الحرث، عن المدائني: أن رجلا من تميم من بني أبان بن دارم قتله - رضوان الله عليه - ، لعم الله قاتله.
أبو بكر بن علي بن أبي طالب
لم يعرف اسمه؛ وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلم بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، وأم ليلى بنت مسعود عميرة بنت قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر سيد أهل الوبر بن عبيد بن الحارث، وهو مقاعس؛ وأمها عناق بنت عصام بن سنان بن خالد بين منقر؛ وأمها بنت أعبد بن أسعد بن منقر، وأمها بنت سفيان بن خالد بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد، بن زيد مناة بن تميم.
ولسلم يقول الشعر:
تسود أقوام وليسوا بسادة ... بل السيد الميمون سلم بن جندل
ذكر أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين، وفي الإسناد الذي تقدم: أن رجلا من همدان قتله.
وذكر المدائني أنه وجد في ساقية مقتولا لا يدري من قتله.
هؤلاء ولد علي بن أبي طالب لصلبه الذين قتلوا مع الحسين، وهم سواه.
وقد ذكر محمد بن علي بن حمزة: أنه قتل يومئذ إبراهيم بن علي بن أبي طالب، وأمه أم ولد.
وما سمعت بهذا من غيره، ولا رأيت لإبراهيم في شيء من كتب الأنساب ذكرا.
وذكر يحيى بن الحسن فيما حدثني به أحمد بن سعيد أن أبا بكر بن عبيد الله الطلحي حدثه عن أبيه أن عبيد الله بن علي قتل مع الحسين، وهذا خطأ، وإنما قتل عبيد الله يوم المدار، قتله أصحاب المختار أبي عبيدة، وقد رأيته بالمدار.
أبو بكر بن الحسن
بن علي بن أبي طالب
وأمه أم ولد، ولا تعرف أمه.
ذكر المدائني في إسنادنا عنه، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد أن عبد الله بن عقبة الغنوي قتله.
وفي حديث عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر: أن عقبة الغنوي قتله.
وإياه عنى سليمان بن قتة بقوله:

(1/23)


وعند غني قطرة من دمائنا ... وفي أسد أخرى تعد وتذكر
القاسم بن الحسن
بن علي بن أبي طالب
وهو أخو أبي بكر بن الحسن المقتول قبله لأبيه وأمه.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن نصر، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر، في يده السيف، وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما، ما أنس أنها اليسرى، فقال عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي: والله لأشدن عليه، فقلت له: سبحان الله، وما تريد إلى ذلك، يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كل جانب، قال: والله لأشدن عليه، فما ولى وجهه حتى ذرب رأس الغلام بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، وصاح: يا عماه.
قال: فوالله لتجلى الحسين كما يتجلى الصقر، ثم شد شدة الليث إذا غضب، فضرب عمرا بالسيف فاتقاه بساعده فأطنها من لدن المرفق، ثم تنحى عنه، وحملت خيل عمر بن سعد فاستنقذوه من الحسين، ولما حملت الخيل استقبلته بصدورها، وجالت، فتوطأته، فلم يرم حتى مات - لعنه الله وأخزاه - فلما تجلت الغبرة إذا بالحسين على رأس الغلام وهو يفحص برجليه، وحسين يقول: بعدا لقوم قتلوك، خصمهم فيك يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: عز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك ثم لا تنفعك إجابته يوم كثر واتره، وقل ناصره، ثم احتمله على صدره، وكأني أنظر إلى رجلي الغلام تخطان في الأرض، حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين، فسألت عن الغلام، فقالوا: هو القاسم بن الحسن، بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.
عبد الله بن الحسن
بن علي بن أبي طالب
وأمه بنت السليل بن عبد الله أخي جرير بن عبد الله البجلي. وقيل: إن أمه أم ولد. وكان أبو جعفر محمد بن علي - فيما رويناه عنه - يذكر أن حرملة بن كاهل الأسدي قتله.
وذكر المدائني في إسناده عن جناب بن موسى، عن حمزة بن بيض، عن هانئ بن ثبيت القايضي أن رجلا منهم قتله.
عبد الله بن الحسين
بن علي بن أبي طالب
وأمه الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم بن جناب بن كلب.
وأمها هند الهنود بنت الربيع بن مسعود بن مصاد بن حصن بن كعب بن عليم بن جناب. وأمها ميسون بنت عمرو بن ثعلبة بن حصين بن ضمضم. وأمها بنت أوس بن حارثة.
وزعم ابن عبدة أن أمها الرباب بنت حارثة بن أخت أوس بن حارثة بن لام الطائي بن عمرو بن طريف بن عمرو بن ثمامة بن مالك بن جدعان بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن قطرة من طيء.
وهي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام:
لعمرك إنني لأحب دارا ... تكون بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي ... وليس لعاتب عندي عتاب
وسكينة التي ذكرها ابنته من الرباب، واسم سكينة أمينة، وقيل أميمة، وإنما غلب عليها سكينة، وليس باسمها.
وكان عبد الله بن الحسين يوم قتل صغيرا جاءته نشابة وهو في حجر أبيه فذبحته.
حدثني أحمد بن شبيب، قال: حدثنا أحمد بن الحرث عن المدائني، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: دعى الحسين بغلام فأقعده في حجره، فرماه عقبة بن بشر فذبحه.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا مورع بن سويد بن قيس، قال: حدثنا من شهد الحسين، قال: كان معه ابنه الصغير فجاء سهم فوقع في نحره، قال: فجعل الحسين يأخذ الدم من نحره ولبته فيرمي به إلى السماء فما يرجع منه شيء، ويقول: اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل.
عون بن عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب الأكبر
أمه زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب. وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإياه عنى سليمان بن قتة بقوله:
واندبي إن بكيت عونا أخاه ... ليس فيما ينوبهم بخذول
فلعمري لقد أصبت ذوي القر ... بى فبكى على المصاب الطويل
والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنه كلام فاطمة في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي.

(1/24)


حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن نصر، عن أبيه، عن عمر بن سعد، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم: أن عبد الله بن قطنة التيهاني قتل عون بن عبد الله بن جعفر.
محمد بن عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب
وأمه الخوصا بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة بن عثمان بن ربيعة بن عائذ بن ثعلبة بن الحرث بن تيم اللات بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. وأمها هند بنت سالم بن عبد الله بن عبد الله بن مخزوم بن سنان بن مولة بن عامر بن مالك بن تيم اللات بن ثعلبة، وأمها ميمونة بنت بشر بن عمرو بن الحرث بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن الحصين بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
قتله عامر بن نهشل التميمي فيما روى عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم بالإسناد الذي قدمناه.
وإياه عنى سليمان بن قتة بقوله:
وسمى النبي غودر فيهم ... قد علوه بصارم مصقول
فإذا ما بكيت عيني فجودي ... بدموع تسيل كل مسيل
عبيد الله بن عبد الله بن جعفر
بن أبي طالب
وأمه الخوصا بنت حفصة.
ذكر يحيى بن الحسن العلوي فيما حدثني به أحمد بن سعيد عنه: أنه قتل مع الحسين بالطف رضوان الله وصلواته على الحسين وآله.
عبد الرحمن بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه أم ولد.
قتله عثمان بن خالد بن أسيد الجهني وبشير بن حوط القايضي، فيما ذكر سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم.
جعفر بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه أم الثغر بنت عامر الهصان العامري من بني كلاب.
قتله عروة بن عبد الله الخثعمي، فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين وعن حميد بن مسلم.
ويقال أمه الخوصا بنت الثغرية، واسمه عمرو بن عامر بن الهصان، بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب العامري.
وأمها أردة بنت حنظلة بن خالد بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب. وأمها أم البنين بنت معاوية بن خالد بن ربيعة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن أبي صعصعة، وأمها حميدة بنت عتبة بن سمرة بن عقبة بن عامر. يقال إن أم أردة بنت حنظلة سالمة بنت مالك بن خطاب الأسدي.
عبد الله الأكبر بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه أم ولد.
قتله - فيما ذكره المدائني - عثمان بن خالد بن أسير الجهني، ورجل من همدان.
محمد بن مسلم بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه أم ولد.
قتله فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي أبو مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني.
عبد الله بن مسلم بن عقيل
بن أبي طالب
وأمه رقية بنت علي بن أبي طالب، وأمها أم ولد. قتله عمرو بن صبيح، فيما ذكرناه عن علي بن محمد المدائني، وعن حميد بن مسلم، وذكر أن السهم أصابه وهو واضع يده على جبينه فأثبته في راحته وجبهته.
محمد بن أبي سعيد الأحول
بن عقيل بن أبي طالب
وأمه أم ولد، قتله لقيط بن ياسر الجهني، رماه بسهم فيما رويناه عن المدائني، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم.
وذكر محمد بن علي بن حمزة: أنه قتل معه جعفر بن محمد بن عقيل، ووصف أنه سمع أيضا من يذكر أنه قتل يوم الحرة، قال أبو الفرج: وما رأيت في كتب الأنساب بمحمد بن عقيل ابنا يسمى جعفرا. وذكر أيضا محمد بن علي بن حمزة، عن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: أن علي بن عقيل، وأمه أم ولد قتل يومئذ.
فجميع من قتل يوم الطف من ولد أبي طالب سوى من يختلف في أمره اثنان وعشرون رجلا.
خبر الحسين بن علي ومقتله
ثم نرجع إلى ذكر خبر الحسين بن علي ومقتله صلوات الله عليه

(1/25)


حدثني أحمد بن عيسى بن أبي موسى العجلي، قال: حدثنا حسين بن نصر بن مزاحم، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عمر بن سعد، عن أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي، وحدثني أيضا أحمد بن محمد بن شبيب المعروف بأبي بكر بن شيبة، قال: حدثنا أحمد بن الحرث الخزاز، قال: حدثنا علي بن محمد المدائني، عن أبي مخنف، عن عوانة، وابن جعدية، وغيرهم؛ وحدثني أحمد بن الجعد قال: حدثنا علي بن موسى الطوسي، قال: حدثنا أحمد بن جناب، قال: حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القشيري، قال: حدثنا عمار الذهني، عن أبي جعفر محمد بن علي؛ كل واحد ممن ذكرت يأتي بالشيء يوافق فيه صاحبه، أو يخالفه، ويزيد عليه شيئا أو ينقص منه، وقد ثبت ذلك برواياتهم منسوبا إليهم. قال المدائني؛ عن هرون بن عيسى، عن يونس بن أبي إسحاق، قال: لما بلغ أهل الكوفة نزول الحسين مكة، وأنه لم يبايع ليزيد وفد إليه وفد منهم عليهم أبو عبد الله الجدلي، وكتب إليه شبث بن ربعي، وسليمان بن صرد، والمسيب بن نجية، ووجوه أهل الكوفة يدعونه إلى بيعته، وخلع يزيد، فقال لهم: أبعث معكم أخي وابن عمي فإذا أخذ لي بيعتي، وأتاني عنهم بمثل ما كتبوا به إلي قدمت عليهم.
ودعى مسلم بن عقيل فقال: اشخص إلى الكوفة، فإن رأيت منهم اجتماعا على ما كتبوا، ورأيته أمرا ترى الخروج معه، فاكتب إلي برأيك. فقدم مسلم الكوفة، وأتته الشيعة، فأخذ بيعتهم للحسين.
قال عمر بن سعد: عن أبي مخنف، فحدثني المصقعب بن زهير، عن أبي عثمان: أن ابن زياد أقبل من البصرة ومعه مسلم بن عمر الباهلي والمنذر بن عمرو بن الجارود، وشريك بن الأعور، وحشمه وأهله، حتى دخلوا الكوفة، وعليه عمامة سوداء، وهو متلثم، والناس ينتظرون قدوم الحسين عليهم، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه، وقالوا: مرحبا بك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت خير مقدم، ورأى من الناس من تباشرهم بالحسين ما ساءه، فأقبل حتى دخل القصر.
وقال عمرو عن أبي مخنف، عن المعلى بن كليب، عن أبي الوداك، قال: لما نزل ابن زياد القصر نودي في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع إليه الناس، فخرج إلينا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإن أمير المؤمنين - أصلحه الله - ولاني مصركم وثغركم وفيئكم، وأمرني بإنصاف مظلومكم، وإعطاء محرومكم، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم، وبالشدة على مريبكم، فأنا لمطيعكم كالوالد البر الشفيق، وسيفي وسوطي على من ترك أمري، وخالف عهدي، فليبق امرؤ على نفسه، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.
ثم نزل. وسمع مسلم بن عقيل بمجيء عبيد الله بن زياد ومقالته؛ فأقبل حتى أتى دار هانئ بن عروة المرادي، فدخل في بابه، فأرسل إليه أن اخرج إلي، فقال: إني أتيتك لتجيرني وتضيفني، قال له: رحمك الله لقد كلفتني شططا، لولا دخولك داري وثقتك بي أحببت لشأنك أن تنصرف عني، غير أني أخذني من ذلك ذمام. ادخل، فدخل داره، فأقبلت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ بن عروة.

(1/26)


وجاء شريك بن الأعور حتى نزل على هانئ في داره، وكان شيعيا، ودعا ابن زياد مولى له يقال معقل، فقال له: خذ هذه الثلاثة الآلاف الدرهم ثم التمس لنا مسلم بن عقيل، واطلب شيعته، وأعطهم الثلاثة الآلاف الدرهم، وقل لهم: استعينوا بهذه على حرب عدوكم، وأعلمهم بأنك منهم؛ ففعل ذلك، وجاء حتى لقي مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم، وسمع الناس يقولون: هذا يبايع للحسين بن علي وكان يصلي، فلما قضى صلاته جلس إليه فقال له: يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع، أنعم الله علي بحب أهل البيت وحب من أحبهم، وهذه ثلاثة آلاف درهم معي أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أحب لقاءه لأعرف مكانه، فسمعت نفرا من المسلمين يقولون: هذا رجل له علم بأمر أهل البيت، وإني أتيتك لتقبض مني هذا المال، وتدلني على صاحبي فأبايعه فقال له: أحمد الله على لقائك فقد سرني حبك إياهم وبنصرة الله إياك حق أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم، ولقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الأمر قبل أن يتم مخافة سطوة هذا الطاغية الجبار أن يأخذ البيعة قبل أن يبرح، وأخذ عليه المواثيق الغليظة ليناصحن وليكتمن، فأعطاه من ذلك ما رضى به، ثم قال له: اختلف إليأياما في منزلي، فأنا أطلب لك الأذن على صاحبك وأخذ يختلف مع الناس يطلب ذلك إليه.
ومرض شريك بن الأعور، وكان كريما على ابن زياد، وكان شديد التشيع فأرسل إليه عبيد الله إني رائح إليك العشية فعائدك. فقال شريك لمسلم: إن هذا الفاجر عائدي العشية، فإذا جلس فاقتله، ثم اقعد في القصر، وليس أحد يحول بينك وبينه، فإن أنا برأت من وجعي من أيامي هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها فلما كان العشي أقبل ابن زياد لعيادة شريك بن الأعور، فقال لمسلم: لا يفوتنك الرجل إذا جلس، فقام إليه هانئ فقال: إني لا أحب أن يقتل في داري كأنه استقبح ذلك، فجاءه عبيد الله بن زياد فدخل وجلس وسأل شريكا: ما الذي تجد ومتى اشتكيت؟ فلما طال سؤاله إياه، ورأى أن أحدا لا يخرج، خشي أن يفوته. فأقبل يقول:
ما الانتظار بسلمى أن تحيوها ... حيوا سليمى وحيوا من يحييها
كأس المنية بالتعجيل فاسقوها
لله أبوك! إسقنيها وإن كانت فيها نفسي. قال ذلك مرتين أو ثلاثة؛ فقال عبيد الله - وهو لا يفطن - : ما شأنه، أترونه يهجر؟ فقال له هانئ: نعم - أصلحك الله - ما زال هكذا قبل غيابة الشمس إلى ساعتك هذه.
ثم قام وانصرف. فخرج مسلم فقال له شريك: ما منعك من قتله؟ فقال: خصلتان، أما إحداهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره، وأما الأخرى فحديث حدثنيه الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن " ؛ فقال له شريك: أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا، كافرا غادرا.
قال: فأقبل ذلك الرجل الذي وجهه عبيد الله بالمال يختلف إليهم، فهو أول داخل وآخر خارج يسمع أخبارهم، ويعلم أسرارهم، وينطلق بها حتى يقرها في أذن ابن زياد.
قال: فقال المدائني، عن أبي مخنف، عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق، عن عثمان بن أبي زرعة قال: فقال ابن زياد يوما: ما يمنع هانئا منا؟ فلقيه ابن الأشعث، وأسماء بن خارجة فقالا له: ما يمنعك من إتيان الأمير وقد ذكرك؟ قال: فأتاه فقال ابن زياد - لعنه الله - شعرا:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
يا هانئ، أسلمت على ابن عقيل؟ قال: ما فعلت، فدعا معقلا فقال: أتعرف هذا؟ قال: نعم وأصدقك ما علمت به حتى رأيته في داري، وأنا أطلب إليه أن يتحول. قال: لا تفارقني حتى تأتيني به، فأغلظ له، فضرب وجهه بالقضيب وحبسه.
وقال عمر بن سعد: عن أبي مخنف، قال: حدثني الحجاج بن علي الهمداني قال: لما ضرب عبيد الله هانئا وحبسه، خشي أن يثب الناس به، فخرج فصعد المنبر ومعه أناس من أشراف الناس وشرطه وحشمه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس: اعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم، ولا تفرقوا فتختلفوا وتهلكوا وتذلوا، وتخافوا وتخرجوا، فإن أخاك من صدقك، وقد أعذر من أنذر.
فذهب لينزل، فما نزل حتى دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون، ويقولون: قد جاء ابن عقيل، فدخل عبيد الله القصر وأغلق بابه.

(1/27)


وقال أبو مخنف: فحدثني يوسف بن يزيد، عن عبد الله بن حازم البكري قال: أنا والله رسول ابنعقيل إلى القصر في أثر هانئ لأنظر ما صار إليه أمره، فدخلت فأخبرته الخبر، فأمرني أن أندي في أصحابي، وقد ملأ الدور منهم حواليه، فقال: ناديا منصور أمت فخرجت فناديت، وتبادر أهل الكوفة فاجتمعوا إليه، فعقد لعبد الرحمن بن عزيز الكندي على ربيعة، وقال له: سر أمامي وقدمه في الخيل. وعقد لمسلم بن عوسجة على مذحج وأسد، وقال له: انزل فأنت على الرجالة. وعقد لأبي ثمامة الصائدي على تميم وحمدان. وعقد للعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة، ثم أقبل نحو القصر.
فلما بلغ عبيد الله إقباله تحرز في القصر، وغلق الأبواب، وأقبل مسلم حتى أحاط بالقصر، فوالله ما لبثنا إلا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس، والسوق، ما زالوا يتوثبون حتى المساء، فضاق بعبيد الله أمره، ودعا بعبيد الله ابن كثير بن شهاب الحارثي، وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج، فيخذل الناس عن ابن عقيل، ويخوفهم الحرب، وعقوبة السلطان، فأقبل أهل الكوفة يفترون على ابن زياد وأبيه.
قال أبو مخنف: فحدثني سليمان بن أبي راشد، عن عبد الله بن حازم البكري، قال: أشرف علينا الأشراف، وكان أول من تكلم كثير بن شهاب. فقال: أيها الناس، الحقوا بأهاليكم، ولا تعجلوا، انتشروا ولا تعرضوا أنفسكم للقتل، فهذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم هذه أن يحرم ذريتكم العطاء، ويفرق مقاتليكم في مغازي الشام على غير طمع، ويأخذ البريء بالسقيم، والشاهد بالغائب، حتى لا يبقى فيكم بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت.
وتكلم الأشراف بنحو من كلام كثير، فلما سمع الناس مقالتهم تفرقوا.
قال أبو مخنف: حدثني المجالد بن سعيد.
أن المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها فتقول: انصرف، الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه فيقول: غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف، فما زالوا يتفرقون وينصرفون حتى أمسى ابن عقيل وما معه إلا ثلاثون نفسا، حتى صليت المغرب فخرج متوجها نحو أبواب كندة، فما بلغ الأبواب إلا ومعه منها عشر، ثم خرج من الباب فإذا ليس معه منهم إنسان فمضى متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب، حتى خرج إلى دور بني بجيلة من كندة، فمضى حتى أتى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث وأعتقها، فتزوج بها أسيد الحضرمي، فولدت له بلالا، وكان بلال قد خرج مع الناس، وأمه قائمة تنتظر فسلم عليه ابن عقيل، فردت السلام، فقال لها: اسقيني ماء. فدخلت فأخرجت إليه، فشرب، ثم أدخلت الإناء، وخرجت وهو جالس في مكانه، فقالت: ألم تشرب؟ قال: بلى. قالت: فاذهب إلى أهلك فسكت، فأعادت عليه ثلاثا ثم قالت: سبحان الله يا عبد الله، قم إلى أهلك - عافاك الله - فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك، ثم قام، فقال: يا أمة الله، والله ما لي في هذا المصر من أهل، فهل لك في معروف وأجر لعلي أكافئك به بعد اليوم. قالت: يا عبد الله وما ذاك؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم، وغروني وخذلوني، قالت: أنت مسلم؟ قال: نعم. قالت: ادخل، فأدخلته بيتا في دارها، وفرشت له، وعرضت عليه العشاء، وجاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت، فسألها، فقالت: يا بني أله عن هذا، قال: والله لتخبرنني، وألح عليها، فقالت: يا بني، لا تخبريه أحدا من الناس، وأخذت عليه الأيمان، فحلف لها، فأخبرته، فاضطجع وسكت.
فلما طال على ابن زياد، ولم يسمع أصوات أصحاب ابن عقيل قال لأصحابه: اشرفوا فانظروا فأخذوا ينظرون، وأدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال وتدلي وتلهب فيها النار، حتى فعل ذلك بالأظلة التي في المسجد كلها، فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد ففتح باب السدة، وخرج ونادى في الناس: برئت الذمة من رجل صلى العتمة إلا في المسجد، فاجتمع الناس في ساعة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

(1/28)


أما بعد: فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرئت ذمة الله من رجل وجد في داره، ومن جاء به فله ديته، اتقوا الله عباد الله، والزموا طاعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا. يا حصين بن تميم ثكلتك أمك إن ضاع شيء من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصدة على أفواه السكك، وأصبح غدا فاستبرء الدور حتى تأتي بهذا الرجل، ثم نزل.
فلما أصبح أذن للناس، فدخلوا عليه، وأقبل محمد بن الأشعث فقال: مرحبا بمن لا يتهم ولا يستغش، وأقعده إلى جنبه.
وأصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى إلى أبيه وهو جالس، فساره، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال: أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا، فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فأتني به الساعة.
قال أبو مخنف: فحدثني قدامة بن سعد بن زائدة الثقفي. أن ابن زياد بعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلا كلهم من قيس، عليهم عمرو بن عبيد الله بن العباس السلمي حتى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل، فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال، عرف أنه قد أتى؛ فخرج إليهم بسيفه، فاقتحموا عليه الدار، فشد عليهم كذلك، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق السطوح وظهروا فوقه، فأخذوا يرمونه بالحجارة، ويلهبون النيران في أطنان القصب ثم يقذفونها عليه من فوق السطوح فلما رأى ذلك قال: أكلما أرى من الإجلاب لقتل ابن عقيل؟ يا نفس اخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص، فخرج - رضوان الله عليه - مصلتا سيفه إلى السكة، فقاتلهم، فأقبل عليه محمد بن الأشعث فقال: يا فتى، لك الأمان، لا تقتل نفسك. فأقبل يقاتلهم وهو يقول:
أقسمت لا أقتل إلا حرا ... وإن رأيت الموت شيئا نكرا
أخاف أن أكذب أو أغرا ... أو يخلط البارد سخنا مرا
رد شعاع الشمس فاستقرا ... كل امرئ يوما ملاق شرا
قال له محمد بن الأشعث: إنك لا تكذب ولا تغر، إن القوم ليسوا بقاتليك ولا ضاربيك، وقد أثخن بالجراح وعجز عن القتال؛ فانبهر وأسند ظهره إلى دار بجنب تلك الدار، فدنا منه محمد بن الأشعث فقال له: لك الأمان، فقال له مسلم: آمن أنا؟ قال: نعم أنت آمن، فقال القوم جميعا: نعم غير عبيد الله بن العباس السلمي لأنه قال: " لا ناقة لي في هذا ولا جمل " ، وتنحى، فقال ابن عقيل: إني والله لولا أمانكم ما وضعت يدي في أيديكم. وأتى ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا عليه، فنزعوا سيفه في عنقه، فكأنه أيس من نفسه فدمعت عينه وعلم أن القوم قاتلوه، وقال: هذا أول الغدر.
فقال له محمد بن الأشعث: أرجوا ألا يكون عليك بأس.
فقال: ما هو إلا الرجاء، فأين أمانكم " إنا لله وإنا إليه راجعون " وبكى.
فقال له عبيد الله ابن العباس السلمي: إن مثلك ومن يطلب مثل الذي طلبت إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك.
قال: إني والله ما أبكي لنفسي، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، ولكني أبكي لأهلي المقبلين إلي، أبكي للحسين وآل الحسين، ثم أقبل على ابن الأشعث فقال: إني والله أظنك ستعجز عن أماني، وسأله أن يبعث رسولا إلى الحسين بن علي يعلمه الخبر، ويسأله الرجوع فقال له ابن الأشعث: والله لأفعلن.
قال أبو مخنف: فحدثني قدامة بن سعد: أن مسلم بن عقيل حين انتهى به إلى القصر رأى قلة مبردة موضوعة على الباب، فقال: اسقوني من هذا الماء. فقال له مسلم بن عمر، وأبو قتيبة بن مسلم الباهلي: أتراها ما أبردها؟ فوالله لا تذوق منها قطرة واحدة حتى تذوق الحميم في نار جهنم.
فقال له مسلم بن عقيل: ويلك، ولأمك الثكل، ما أجفاك، وأفظك، وأقسى قلبك، أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم، والخلود في نار جهنم، ثم جلس وتساند إلى الحائط.

(1/29)


قال أبو مخنف: فحدثني أبو قدامة بن سعد أن عمرو بن حريث بعث غلاما له يدعى سليما فأتاه بماء في قلة فسقاه. قال وحدثني مدرك بن عمارة: أن عمارة بن عقبة بعث غلاما يدعى نسيما فأتاه بماء في قلة عليها منديل وقدح معه، فصب فيه الماء ثم سقاه، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما، فأخذ لا يشرب من كثرة الدم، فلما ملأ القدح ذهب ثانية يشرب، فسقطت ثنيتاه في القدح، فقال: الحمد لله، لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته.
قال: ثم أدخل على عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فلم يسلم عليه، فقال له الحرس: ألا تسلم على الأمير؟ فقال: إن كان الأمير يريد قتلي فما سلامي عليه؟ وإن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه. فقال له عبيد الله - لعنه الله - : لتقتلن. قال: أكذلك؟ قال: نعم. قال: دعني إذا أوصي إلى بعض القوم. قال: أوص إلى من أحببت. فنظر ابن عقيل إلى القوم وهم جلساء ابن زياد، وفيهم عمر بن سعد؛ فقال: يا عمر، إن بيني وبينك قرابة دون هؤلاء، ولي إليك حاجة، وقد يجب عليك لقرابتي نجح حاجتي، وهي سر، فأبى أن يمكنه من ذكرها، فقال له عبيد الله بن زياد: لا تمتنع من أن تنظر في حاجة ابن عمك، فقام معه وجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد - لعنه الله - ، فقال له ابن عقيل: إن علي بالكوفة دينا استدنته مذ قدمتها تقضيه عني حتى يأتيك من غلتي بالمدينة، وجثتي فاطلبها من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين من يرده. فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال؟ قال: اكتم ما قال لك، قال: أتدري ما قال لي؟ قال: هات، فإنه لا يخون الأمين، ولا يؤتمن الخائن. قال: كذا وكذا، قال: أما مالك فهو لك، ولسنا نمنعك منه فاصنع فيه ما أحببت وأما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه، وأما جثته فإنا لا نشفعك فيها، فإنه ليس لذلك منا بأهل، وقد خالفنا وحرص على هلاكنا.
ثم قال ابن زياد لمسلم: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام.
قال: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما ليس فيه، أما إنك لم تدع سوء القتلة، وقبح المثلة وخبث السيرة، ولؤم الغيلة لمن هو أحق به منك.
ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه.
ثم قال: ادعوا الذي ضربه ابن عقيل على رأسه وعاتقه بالسيف فجاءه فقال: اصعد وكن أنت الذي تضرب عنقه، وهو بكير بن حمران الأحمري - لعنه الله - ، فصعدوا به وهو يستغفر الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى أنبيائه ورسله وملائكته - وهو يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا، وكادونا وخذلونا.
ثم أشرفوا به على موضع الحذائين فضرب عنقه، ثم أتبع رأسه جسده - صلى الله عليه ورحمه - .
وقال المدائني: عن أبي مخنف عن يوسف بن يزيد، قال: فقال عبد الله بن الزبير الأسدي:
إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانئ في السوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشم السيف وجهه ... وآخر يهوي من طمار قتيل
ترى جسدا قد غير الموت لونه ... ونضح دم قد سال كل مسيل
أصابهما أمر الأمير فأصبحا ... أحاديث من يسعى بكل سبيل
أيركب أسماء الهماليج آمنا ... وقد طلبته مذحج بذحول
تطيف حواليه مراد وكلهم ... على رقبة من سائل ومسول
فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم ... فكونوا بغايا أرضيت بقليل

(1/30)


الصفحة السابقة   //   الصفحة التالية