كتابة وتصوير مفلح العدوان - عذبة هي سمرتها، وفيها عبق بدوي أخاذ، يمسك المشتاق إليها من يده، ويسير به نحو دروبها، فيكون العشق المتبادل بين المريد، وبين أم الجمال.
طيبة، ودفء، يتماهى مع المكان، فيكون للحديث عن مجتمع القرية في أم الجمال دلالات ومعان، وذاكرة مشربة بالقصص والحكايات، نسمع بعضها من كبار القرية، ونقرأ جانبا منها في عيون الجدات هناك، ثم ان الشباب أيضا يحفظون كثيرا من التفاصيل التي سمعوها من الآباء والسلف الصالح في القرية، فيكون المخطوط الاجتماعي شاملا للقديم والحديث في سطور تدوينه.
نستمع لهم، ونجلس مع الدكتور ممدوح هايل السرور، ومجموعة من الشباب، وأهل القرية، ونكتب ما تيسر من السيرة الاجتماعية لأم الجمال، لكنها بحاجة الى زيادة، وإضافة، ننتظرها تفاعلا قادما مع بوح القرى.

البدايات
واقع حال أم الجمال الآن يشير إلى أنه تقطنها مجموعة أسر معظمها من عشائر أهل الجبل (المساعيد، الشرفات، الزبيد)، وعشائر أخرى.
لكن بالعودة إلى حفريات ذاكرة المكان، سنلاحظ بأن أول ما بدأ البناء في القرية كان ملاصقا للآثار في أم الجمال، ولهذا جاء البناء على شكل دائري محيط بالآثار القديمة.
ويشير أهل القرية بأن أول من سكن أم الجمال هم عشائر أهل الجبل (المساعيد)، وكان هناك محاولات لإحياء البلدة القديمة من بعض أسر عشائر المساعيد، والدروز، من خلال إحياء القرية القديمة.
وقد كان أبناء العشيرة يستعملون تلك الآثار في فترات الشتاء، لأنها تقع في وسط ديرتهم، حيث كانت الديرة لأهل الجبل تمتد من جبل العرب شمالا إلى الأزرق جنوبا، ومن جهة الشرق من أطراف الحرة إلى الغرب باتجاه سكة الحديد .
وبتتبع المسار الزمني للاستقرار يلاحظ بأنه كان في البداية هناك استقرار جزئي من خلال استعمال المكان كمشات، ومخازن للأمتعة والحطب، كما أنهم كانوا يستعملون في سنوات الخصب الآبار والبرك القديمة .

النقطة الرابعة
لكن في المرحلة الجديدة، وبعد ما بدأ يدخل بعض أفراد العشائر في الجيش العربي، قامت النقطة الرابعة بترميم البركة السورية في البلدة (كانت البركة عبارة عن خزان مائي ضخم، وهو مقطع حجري روماني)، وبدأت الأسر تباعا بالاستقرار في القرية القديمة، أو في بناء بيوت الطوب، إلى أن تم إطلاق سراح المناضل هايل السرور من المعتقل، واستقر في بدايات الستين في أم الجمال، حيث بنى بيتا من الحجر، وبدأ انتشار البيوت حول بيته، خارج الآثار.
ومن جانب آخر فإنه في البدايات، وقبل الإفراز، تم ترك جدار آثار البلدة، وعلى بعد 2كم على محيطه، وترك التصرف بتلك الأراضي لصلاحيات الشيخ عودة السرور(أبو هايل)، وبعد رحيل الشيخ، ومجيء هايل السرور، بدأ بقسمة الأراضي، ولكن تلك المساحات حول السور تم تركها، واستثنيت من الإفراز للاستقرار، ولأغراض البنية التحتية للقرية.

«تبابين الشيوخ»
أما الوضع داخل حدود منطقة الآثار فقد كان متعارفا عليه بأنه لكل صاحب بيت شعر، توجد منطقة حجرية، وبيت من الآثار، أو مساحة تعود لعائلة، تعرف بأنها تعود لها، حيث أنه كان هناك في الآثار منطقة دار العويسة ، وهي الآثار المعروفة بالمحكمة، ودار العويسة هم أحد أفخاذ السرور من المساعيد. وكان هناك ما يعرف ب تبابين الشيوخ ، وتعود لشيوخ القرية، حيث كانوا يضعون فيها التبن، وموقعها قريب من الكاتدرائية. كما أنه في الموروث الشعبي، ما زال أهل القرية يتذكرون منطقة دار المعز ، التي كانوا يضعون فيها الماعز في الشتاء، و دار أبو مرجي ، وهو فاعور اللاحم، و بير الحاج مشوح السحيم ، ومنطقة المدرسة، وهناك دائما تبابين في الآثار لمعظم العائلات في القرية، وهناك أيضا دار الجلة (الجلة هي مخلفات فضلات الحيوانات، وتستخدم كوقود في الشتاء)، و دار الغولة أو دار العويسي . وتلك المناطق التي تم استغلالها بهذا الشكل كلها معالم أثرية، وضمن منطقة الآثار، وتم استغلالها للسكن أو الخزين، أو جمع الماء، أو التعليم، وأخذت التسمية نسبة إلى من قطنها، أو الطريقة التي تم استغلالها بها.

البركة
وبخصوص بركة الماء في البلدة الأثرية، فقد كانت مشاعا لجميع أبناء العشائر، ولكل المناطق المجاورة، وكانت تستخدم للشرب ولسقاية المواشي، بينما هناك البير الذي يسمى ب بير الشيوخ ، والذي يقع في شرق البركة السورية، فقد كان محددا للشرب فقط.
وفي الفترة اللاحقة، صار هناك زراعة لبعض المناطق خارج دائرة البلدة الأثرية، كان فيها زراعة قمح وشعير وغيرها، كما أن كبار القرية يشيرون إلى أنه في داخل الآثار تم زراعة الدخان، ومن الذين زرعوا الدخان في القرية فاعور اللاحم.
الخطيب فيما يتعلق بذاكرة التعليم في أم الجمال، تشير أحاديث أهل القرية إلى أنه في البدايات، في زمن الشيخ عودة السرور، عندما قرر أن يعلم أبناء عشيرته، أحضر خطيبا من نفس عشيرة المساعيد، صار يعرف بعد ذلك باسم الخطيب، وهذا اللقب طغى على اسمه الأصلي، وكان هذا الخطيب ينصب خيمته بين الخيام ويعلم أبناء العشيرة، وعندما ترتحل العشيرة إلى موقع آخر يرتحل معهم بخيمته، ثم بعد فترة قرر أبناء العشيرة أن يستعملوا غرفة داخل الآثار، يرممونها، وتكون هي مقر التعليم، وفيها يعلم الخطيب أبناء العشيرة، وعندما تنتقل العشيرة إلى مكان آخر في ترحالها، كان يبقى الخطيب ومعه الأطفال في تلك الغرفة التي تم تحديدها، واستصلاحها، وما زال يطلق عليها حتى الآن موقع المدرسة، وهي جزء من آثار البلدة، كما أنه كانت تبقى بعض الأسر مع الخطيب والأطفال، وقد كان الخطيب في البداية له خيمة بجوار المدرسة ينام ويسكن فيها، لكنه في مرحلة لاحقة صار يعلم في المدرسة ويسكن فيها أيضا.

«مدرسة ناديا» تسير عجلة الزمن..
وبعد تلك المراحل، وفي سنوات الجفاف، هجرت كثير من الأسر منطقة الآثار، والتحقوا ببعض المدن والمناطق الأخرى، وهجرت المدرسة، واختفى الخطيب، وما تبقى من الأطفال الذين يريدون التعلم كانوا يذهبون إلى مدرسة المفرق. وبقي الوضع معلقا على هذا الحال إلى الستينات، حين قرر أهل البلدة إنشاء مدرسة، وتولى أمر تأسيسها الشيخ هايل السرور، بالتعاون مع أهل القرية، حيث تبرعوا بالأرض من منطقة الجدار لبناء المدرسة، وكانت مدرسة أساسية في البداية، ولم تكن بإشراف وزارة التربية والتعليم، حيث تم الاعتذار عن تأمين معلم للمدرسة، ولكن في تلك الفترة تزامن هذا الاعتذار، مع تخرج ابنة الشيخ هايل من التوجيهي، واسمها ناديا (وهي دكتورة معروفة الآن)، فقامت بتدريس أبناء القرية مجانا، ولمدة عام كامل، في غرفة صفية واحدة، ومختلط للذكور والإناث، وكان كرسيها آنذاك تنكة فارغة عليها مخدة، ويشير أهل القرية إلى المدرسة في تلك الفترة باسم مدرسة ناديا . ولكن بعد سنة دعمت التربية المدرسة بمقاعد وبطاولة، ثم صارت المدرسة بعد ذلك، 3 غرف، وللذكور، والمرحلة الإعدادية والثانوية كانوا يكملونها في المفرق، ومن خريجي تلك المرحلة الشهيد العقيد الطيار أحمد مرجي السروجي.
كما أن ذاكرة القرية تشير إلى أنه في مرحلة البدايات تم استئجار غرف المدرسة وهي تحت التأسيس من محمد الحمود المساعيد، ومن المدرسين الذين درسوا في البدايات كل من محمود الشياب، وأحمد الزعبي، ومنصور المخزومي.

باص واحد
أما بالنسبة للمواصلات في القرية، فقد كان لا بد من الوصول إلى طريق بغداد مشيا، وفي الفترة السابقة كان يوجد هناك باص واحد لمجموعة قرى البادية الشمالية وهو باص أبو عز، كما أنه كان في البدايات هناك سيارة خاصة واحدة، يتم استخدامها لحالات الخطر، وللأعراس فقط. أما السيارة العامة فقد كانت سيارة بيك أب تعود ملكيتها لحمد هلال المسيلم، وبعدها ظهرت سيارة عطا النصار، وكذلك سيارة محمد الحمود، وبعدها سيارة غازي الهديب.

«وسامة الباهل»
إن الخريطة الاجتماعية لأم الجمال تشير إلى أن كل أهل القرية هم من أهل الجبل، وعند الحديث عن أهل الجبل وطبيعة تركيبتهم الاجتماعية يشار إلى أنهم مجموعة من العشائر، حيث أن كل عشيرة تنطوي تحت هذا الاسم لها نظام مشيخة خاص بها.
هذا وتؤكد جميع الدراسات على أن أهل الجبل هم حلف عشائري، ويقال بأن هذا الاسم أطلق عليهم نسبة لديرتهم والتي كانت امتدادا لجبل العرب تحديدا منطقة الحرة . وهذه العشائر هي: المساعيد، العظامات، الشرفات، الزبيد والغيات.
ويطلق على كل من المساعيد والشرفات والعظمات لقب وسامة الباهل ، حيث أن الباهل هي فخذة الناقة، وكانت هذه العشائر هم الوحيدين الذين يقومون بوسم فخذة الناقة بوسمهم الخاص بهم وهو المطرق، ولذا فقد تم إطلاق هذا اللقب عليهم.
هايل السرور وقبل استكمال البوح عن أم الجمال لا بد من الإشارة إلى بعض تفاصيل واحد من أهم شخصياتها المعروفين على المستوى المحلي والعربي، وهو هايل عودة السرور، المولود في عام 1919م، في بادية الشام، تحديدا في ما يسمى بالحرة في البادية الشمالية الشرقية الأردنية، والذي توفي عام 2001، وكان اكبر أخوته وهم سليمان، سعود وفهد رحمهم الله جميعا، و راكان الوحيد الذي ما زال على قيد الحياة.
كان هايل السرور في البداية له معلم خاص فتعلم على يديه مبادئ اللغة العربية والقرآن وكذلك الحساب. ثم ألحقه والده في احدى المدارس في منطقة حوران في حينه، وتعلم هناك مبادئ اللغة الفرنسية. لكن جميع مراحل دراسته لم تكن منتظمة بسبب طبيعة الحياة آنذاك والتي كانت تعتمد على التنقل والترحال.
كانت حياته غنية بالأحداث والعمل الوطني والقومي، والذي تسبب له بالسجن في سوريا عندما كان نائبا عن بدو منطقة جبل العرب بسبب مواقفه الوطنية تحديدا مبادئ الثورة العربية والتي كانت من أهمها وحدة سوريا الكبرى بقيادة الهاشميين.

مجموعة متطوعين
تشير الذاكرة بأنه كان قد كلفه رحمه الله والده الشيخ عوده السرور والذي كان أول نائب في مجلس النواب السوري عن بدو جبل العرب، بإدارة شؤون العشيرة، ومن أعماله المشهود له فيها بروحه الوطنية، وغيرته القومية، هو ما كان عندما قام بتشكيل مجموعة من المتطوعين من أبناء عشائر المساعيد وأهل الجبل، وشاركت هذه المجموعة في معارك اللد والرملة واللطرون والقدس مع باقي المناضلين والمجاهدين العرب من قبائل أردنية وعربية في الدفاع عن فلسطين، في حرب 1948. ويشير أهل القرية إلى أنه قد كان دائما يذكر قصته مع المغفور له بإذن الله تعالى جلالة الملك عبد الله الأول بن الحسين حيث قام بتسليح مجموعته والتي كان عددها 300 متطوع تقريبا، عندما نقص عليه وجماعته السلاح.
ومن ثم عين هايل السرور في بداية الثمانينات عضوا في مجلس الأعيان. وله العديد من الجهود في التدخل بعديد من القضايا العشائرية، والأيادي البيضاء في إصلاح ذات البين على مستوى الوطن.
وللمرحوم تاريخ حافل بالعطاء، تمت كتابة بعضها في كتب عديدة تؤرخ للفترة التي عاشها، وله من الأبناء الذكور ستة وهم عبد الله، وسعد، وعبد الرزاق، وممدوح، وسعود وسلطان. وله من الأبناء الإناث شومة ومها رحمة الله عليهما، والدكتورة نادية وفدوى.

 

 

أم الجمال

تقع أم الجمال في البادية الشمالية الشرقية، على مسافة 15 كيلومترا إلى الشرق من مدينة المفرق، على الطريق الواصل لبغداد، وتبعد عن عمان 75 كيلو مترا. وهي مركز بلدية أم الجمال الكبرى، وتتبع إلى قضاء أم الجمال، ضمن لواء البادية الشمالية الشرقية في محافظة المفرق.
الديموغرافيا:.
يبلغ عدد سكان أم الجمال حوالي 5000 نسمة، بينما كان التعداد السكاني لعام 2004م رصد عدد سكان القرية ليكون 2566 نسمة (1326 ذكور و 1240 إناث)، يشكلون 385 أسرة، تقيم في 480 مسكنا. ويعمل أهل أم الجمال في الزراعة، والوظائف الحكومية، ومعظم القاطنين في القرية من عشيرة المساعيد من أهل الجبل.
التربية والتعليم:.
توجد في قرية أم الجمال المدارس التالية: مدرسة أم الجمال الثانوية للبنين، ومدرسة بنات أم الجمال، ومدرسة حي المداحلة المختلطة، ومدرسة الحي الشرقي الأساسية.
الصحة:.
يوجد في القرية مركز صحي شامل.
المجتمع المدني: يوجد في القرية مكتب للتنمية الاجتماعية، وجمعية أم الجمال الخيرية، ومكتبة للأطفال تابعة لبلدية أم الجمال.
* توجد في أم الجمال مكاتب المؤسسات الحكومية التالية: مبنى القضاء، ومكتب الأوقاف، مكتب الآثار والسياحة، مبنى البلدية، مركز الدفاع المدني، مخفر أم الجمال.
* ويوجد في القرية 6 مساجد، و4 مقابر، وتحيط بأم الجمال المزارع الخضراء التي تعتمد في ريها على الآبار الجوفية.

 

هذه الصفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للإكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى هذا العنوان:
بوح القرى
ص. ب - 6710 - عمان -11118 - فاكس- 5600814