تيار الصحوة

من رؤية بيديا
اذهب إلى: تصفح، ابحث

تيّار الصّحوةِ: تيّار فكريّ إصلاحيّ سعوديّ ظهر أواخر الثمانينيّات، سحب البساط من تحت أقدام المؤسّسة التقليديّة، وقدّم خطاباً مختلفاً تماماً، من أبرز رموزه: سلمان العودة - وعائض وعوض القرنيّ - عارض وجود القوّات الأجنبيّة في السعوديّة، وتصادم مع السلطة السياسيّة والدينيّة قبل أن يراجع أفكاره.

النشأة

تشكّل "تيّار الصحوة" في السعوديّة في عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود (1921ـ 2005)، لكنّه تبلور بشكل واضح خلال دخول القوّات الأجنبيّة إلى الجزيرة العربيّة، حيث نشب صراع بين هذا التيّار والسلطة الحاكمة، نتج عنه اعتقال عدد من رموز هذا التيّار وإيداعهم السجن سنوات. ونشأ التيّار في ضوء تداعيات الثورة الإيرانيّة وتزايد المدّ الصحويّ الإسلاميّ، بدعم من مجموعة من علماء السعوديّة، من أبرزهم سفر الحواليّ وسلمان العودة وناصر العمر، إضافة إلى عائض وعوض القرنيّ وسعد البريك ومحسن العواجيّ ومحمّد الحضيف.

التيّار الفكريّ الذي أطلق عليه تسميات عدّة "تيّار الصحوة" أو "الصحوة السعوديّة" أو "صحوة بلاد الرافدين"، استطاع أن يستقطب فئات كبيرة من الشباب السعوديّ الذي انجذب لأفكاره من خلال المحاضرات والخطب الدينيّة لمشايخ ورموز هذا التيّار.

التوجّهات الأيديولوجيّة

يتبنّى تيّار الصحوة السعوديّ الأفكار التي تدعو إلى الحفاظ على العقيدة الإسلاميّة، وتحصين المجتمع السعوديّ من "التغريب"، ويقدّم نفسه تيّاراً يعتمد على "المنهجيّة الوسطيّة المعتدلة الرافضة للتطرّف". وقد تأثّر شيوخه بفكر جماعة الإخوان المسلمين من بينهم: العودة وسفر الحوالي.

تحدّى "الصحويّون" السلطة السياسيّة والدينيّة في السعوديّة، ممثّلة في هيئة كبار العلماء، ودخلوا في صراع معها، بعد أن تبنوا مواقف من سياسات النظام، حيث انتقدوا علانيّة وجود القوّات الأجنبيّة في السعوديّة، وتعاون بلادهم مع الولايات المتّحدة الأميركيّة في حرب الخليج الثانية عام 1991.

ففي مارس/آذار 2003، أصدر العودة فتوى يحظر فيها على أيّ فرد أو جماعة أو دولة المشاركة في ضرب العراق "لا بقول ولا فعل ولا دلالة ولا إشارة ولا تموين ولا دعم".

وأشرف رموز هذا التيّار أبرزهم سلمان العود على جمع توقيعات العلماء على بيان يرفض أن تطأ أقدام الجنود الأجانب أرض الجزيرة العربيّة، كما طالبوا بالإصلاح السياسيّ، ووقّعوا في يونيو/حزيران 1992 على "مذكّرة النصيحة" التي وجّهها علماء وأساتذة جامعات للملك الراحل فهد بن عبد العزيز، وتضمّنت المطالبة بإصلاحات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وإعلاميّة في الإطار الشرعيّ الإسلاميّ.

وضيّقت السلطات السعوديّة على مشايخ تيّار الصحوة، ومنعتهم من التحرّكات وإلقاء الخطب، وأودعت بعضهم السجون، فعلى سبيل المثال منع العودة في سبتمبر/أيلول 1993 من إلقاء الخطب والمحاضرات العامّة، ثمّ أودع السجن يوم 16 أغسطس/آب 1994 فقضى فيه خمس سنوات دون محاكمة، كما اعتقل الحواليّ أكثر من مرّة 1994-1999 على خلفيّة مواقفه.

كما منع الشيخ عائض القرنيّ من التدريس والخطابة والسفر للخارج مدّة عشر سنوات.

الخطاب الفكريّ

تيّار الصحوة السعوديّ قدّم خطاباً دينيّاً تنويريّاً وسطيّاً معتدلاً إصلاحيّاً مختلفاً عن خطاب المؤسّسة الدينيّة الرسميّة في المملكة؛ ولكنّه لم يخرج عن المدرسة الوهّابيّة، رغم تأثّره بالمدرسة الإخوانيّة، وهو بذلك يختلف تماماً عن التيّار الليبراليّ السعودي، الذي يتحرّك خارج المدرسة الوهّابيّة، متأثّراً بالفكر الليبراليّ الغربيّ، ومُركّزاً على الحقوق السياسيّة والاجتماعيّة للشعب وبخاصّة المرأة، ومُطالباً بتخفيف القيود الدينيّة، والحرّيّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، ولكنّه يلتقي مع تيّار القاعدة في مرجعيّتها الوهّابيّة، مع ملاحظة وجود القاعدة على يمين المؤسّسة الدينيّة الرسميّة المتطرّف، بينما الصحوة تقع على يسار المؤسّسة الدينيّة الرسميّة المعتدل، وبذلك ليس من الغريب أنّ حرب الخليج الثانية والخلاف مع المؤسّسة الدينيّة الوهّابيّة حول الاستعانة بالكفّار في الحرب، كانت بداية بروز التيّارين - القاعدة والصحوة- اللذين عارضا الاستعانة بالأمريكان ضدّ العراق، ولكن كلّ تيّار له منطلقاته الخاصّة في المعارضة، وليس من الغريب أيضاً أنّ تيّار القاعدة قد نشأ بفعل تلاقح السلفيّة الوهّابيّة مع الإخوانيّة القطبيّة المتشدّدة، كما نشأ قبله تيّار الصحوة بفعل تلاقح السلفيّة الوهّابيّة مع الإخوانيّة المعتدلة.

الخطاب السياسيّ

من أبرز أفكار تيّار الصحوة السعوديّ ما جاء في (مذكرة النصيحة) في بداية التسعينيّات من القرن الماضي، الذي وقّع عليها أبرز رموز الصحوة، وطالبوا فيها بالإصلاح السياسيّ والاجتماعيّ والدينيّ والاقتصاديّ والإعلاميّ والتعليمي... ونادوا بالحقوق الدستوريّة للشعب، وتطبيق مبدأ الشورى، والعدالة الاجتماعيّة، ومحاربة الفساد الماليّ والإداريّ... وقد كتب الشيخ سفر الحوالي- أبرز علماء الصحوة- في كتابه (المسلمون والحضارة الغربيّة) منتقداً نظام الحكم السعوديّ «إنّ الإسلام الذي يقدّمه آل سعود هو إسلام أمريكيّ، لا الإسلام الذي أنزله الله على محمّد بن عبد الله، وإنّ الترف وسوء الإدارة في المملكة إنّما هو بسبب تحكّم الصبيان». وقد أصدر الشيخ سلمان العودة عشرات الكتب الإسلاميّة دعا فيها إلى الإصلاح الشامل في المملكة والعالم الإسلاميّ، أهمّها: أدب الحوار، ومقالات في المنهج، والإغراق في الجزئيّات، وتحيّة للشعب المقاوم (الفلسطينيّ)، ولماذا نخاف من النقد؟، وأسئلة الثورة... وغيرها، وكتاب أسئلة الثورة وضّح فيه فكره السياسيّ الإصلاحيّ المتمحور حول رفض شرعيّة الحاكم المتغلّب، ورفض احتكار (أهل الحلّ والعقد) للقرار من دون الناس، وحقّ الشعب في اختيار الحاكم وعزله، وإلزاميّة الشورى للحاكم، وتفضيل الإصلاح على الثورة.

مراجعة فكريّة

وحصل تحوّل في مسار رموز تيّار الصحوة بعد مرحلة السجون والمطاردة، وتبنّوا منهجاً مختلفاً تخلّوا بموجبه عن أسلوب المعارضة الجهريّة للسياسات الحكوميّة، واستبدل بعضهم مصطلح "المواجهة" مع مصطلح "النصح"، كما ساهموا في التقريب بين الشباب السلفيّ والنظام السعوديّ.

فقد راجع العودة أفكاره قبل الإفراج عنه في أبريل/نيسان 1999 على أيدي عدد كبير من العلماء حاوروه داخل السجن، وبعد خروجه منه طوّر خطاباته وأصدر نصّاً مصوّراً بعنوان "نعم أتغيَّر"، وتحرّك الشيخ العودة في نجد، وقدّم تنظيراً مقرّباً للجماعات السلفيّة مع مفاهيم كانوا يرفضونها مثل الديمقراطيّة وحقوق الإنسان والانفتاح على الآخر.

ومن جهته، سفر الحواليّ وبحكم وجوده في الحجاز، بذل جهوداً ضخمة من أجل تقريب رموز الشباب السلفيّ مع النظام السعودي، بل قام بجولات متكرّرة أثمرت عن تسليم بعضهم نفسه للنظام، بعد أن كان مطلوباً ضمن قائمة: "أنصار القاعدة في السعوديّة".

ورغم تخلّي رموزه عن المواجهة العلنيّة مع النظام السعوديّ، ظلّ تيّار الصحوة تحت الرقابة، وهو ما حصل مع الشيخ العودة الذي حرم من المنابر ومنع من السفر إلى الخارج، عندما أعلن تأييده لحراك الشعوب السلميّ خلال أحداث "الربيع العربيّ".

ومع تولي الملك سلمان حكم السعوديّة ومنحه ولاية العهد لنجله محمّد بن سلمان، شهدت المملكة تغيّرات انفتاحيّة، فسّرها بعضهم بأنّها تؤشّر لرغبة الملك ووليّ عهده بقطع العلاقة مع أتباع التيّار الصحويّ، وهو الاحتمال الذي تعزّز لدى مراقبين بعد إعلان محمّد بن سلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2017 عودة السعوديّة إلى التيّار الوسطيّ.

هوامش

مصادر